اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة لمحاضرة الوقت هو الحياة للشيخ: ( محمد حسان )

الوقت هو الحياة - للشيخ : ( محمد حسان ) إن أعظم ما يملكه اإلنسان وقته، وسيسأل عنه، وعن كل ساعة منساعاته، وعن كل لحظة من لحظات أيامه.فعلى المسلم أن يحذر منإضاعة األوقات، وليستغل ساعات أيامه في فعل الخيرات، فإن عمره

الحقيقي هو ما استغله في طاعة الله. قيمة الوقت

بسم الله الرحمن الرحيمإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فالمضل له، ومن يضلل فال هادي له، وأشهد أن ال إله إال الله وحده الشريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقهوخليله، أدى األمانة، وبلغ الرسالة، ونصح لألمة فكشف الله به الغمة،وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ماجزيت نبيا عن أمته، ورسوال عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلموزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من

اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.أما بعد:فحياكم الله جميعا أيها اآلباء الفضالء، وأيها اإلخوة األحباب الكرام

األعزاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعا من الجنة منزال،وأسأل الله العظيم جل وعال الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على

طاعته، أن يجمعنا في اآلخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنتهودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! تقبل علينااختبارات آخر العام؛ فترفع البيوت حالة الطوارئ إلى أقصى درجة،فإذا ما أنهى أبناؤنا االختبارات عادت البيوت مرة أخرى إلى حالةقاتلة من الفراغ واالرتخاء! وترى قليال من البيوت هي التي تعرف

قدر الوقت وقيمة العمر، فإذا ما أقبلت اإلجازة الصيفية استغلوا هذاالوقت استغالال طيبا بما يعود على أبنائهم بالنفع في الدنيا واآلخرة،

فأحببت مع إقبال اإلجازة الصيفية علينا أن أذكر نفسي وآبائيوإخواني بقيمة الوقت وشرف الزمان؛ لذا فإن لقاءنا اليوم معحضراتكم بعنوان: (الوقت هو الحياة) وكما تعودنا فسوف أركز

الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية: أوال:قيمة الوقت. ثانيا: عوائق االستفادة من الوقت. ثالثا: كيف يطول

عمرك؟! وأخيرا: رسالة إلى القتلة! فأعيروني القلوب واألسماع. واللهأسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذينهداهم الله، وأولئك هم أولو األلباب.أوال: قيمة الوقت.أيها األحبةالكرام! إن الوقت هو الحياة، والعاقل هو الذى يعرف قدر وقته،

وشرف زمانه؛ فال يضيع ساعة واحدة من عمره إال في خير للدنيا أولآلخرة؛ حتى ال يتحسر على هذه الساعة في ساعة ال تنفع فيهاالحسرة وال يجدي فيها الندم. إن الوقت من أعظم نعم الله، قال

تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أرادشكورا [الفرقان:62]، ويلفت ربنا أنظارنا إلى قدر الوقت وقيمة

الوقت حين أقسم بالوقت في آيات كثيرة من قرآنه، قال جل وعال:

والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى [الليل:1-2]، وقال جل وعال:والفجر * وليال عشر [الفجر:1-2]، وقال جل وعال: والعصر * إنالحات وتواصوا اإلنسان لفي خسر * إال الذين آمنوا وعملوا الص

بر [العصر:1-3].فالوقت -يا إخوة- هو العمر.. هو بالحق وتواصوا بالصالحياة. والعاقل هو الذى يدرك شرف زمانه وقدر وقته، وال تراه فيساعة من عمره إال منشغال بعمل نافع للدنيا، وإما بعمل نافع لآلخرة.وها هو نبينا يعلمنا أن اإلنسان سيسأل عن ساعات عمره، وعن أيامعمره، وعن شهور عمره، وعن سنوات عمره، سيسأل اإلنسان عن

عمره كله بين يدي الله جل وعال كما في الحديث الصحيح الذي رواهالترمذى من حديث أبي برزة األسلمي أن الحبيب النبي صلى الله

عليه وسلم قال: (ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع:عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أباله،-وفي لفظ: وعن شبابهفيما أباله-، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا

عمل فيه).لن تتحرك من أرض المحشر ومن موقف الحساب بين يديالله حتى تسأل عن أربع، كيف قضيت األيام؟ كيف قضيت الساعات؟كيف قضيت العمر؟ ستسأل عن عمرك كله، فيم أفنيت هذه األيام،وهذه السنوات الطوال؟ هل أفنيتها في طاعة الكبير المتعال، وفينفع لدنياك وأخراك، أم ضيعت عمرك وسنواتك كلها في معصية الله،وفيما ال يعود عليك بخير للدنيا أو لآلخرة؟! وها هم سلفنا رضوانالله عليهم يعلموننا الحرص على الوقت، وأن الوقت هو الحياة، وأنالعمر هو الحياة، فهم يعلموننا أن من عقوق الزمن أن تمضي ساعة

واحدة ال يستغلها اإلنسان لخير في حياته أو آلخرته، فهاهو عبد الله

بن مسعود رضي الله عنه يقول: (ما ندمت على شيء كندمي علىيوم غربت شمسه، قرب فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي). تدبر هذه

الكلمات! ولله در القائل: إذا مر يوم ولم أقتبس هدى ولم أستفد علمافما ذاك من عمري.

الوقت يمر مر السحاب يزداد األمر خطرا إذا علمنا أن من أهم خصائص الوقت: أنه يمر مرالسحاب، ويجري جري الرياح، فدنياك مهما طالت فهي قصيرة،

ومهما عظمت فهي حقيرة؛ ألن الليل مهما طال البد من طلوع الفجر،وألن العمر مهما طال البد من دخول القبر، فاأليام تمر ونحن في

غفلة، األيام تمر واألشهر تجري وراءها، وتسحب معها السنين، وتجرخلفها األعمار، وتطوى حياة جيل بعد جيل. وبين يدي الملك الجليل

سيعلم الذين خسروا أنفسهم وضيعوا أوقاتهم وأعمارهم أنهم مالبثوا في هذه الدنيا إال ساعة.. إال يوما أو بعض يوم، قال كم لبثتمفي األرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين

* قال إن لبثتم إال قليال لو أنكم كنتم تعلمون * أفحسبتم أنما

خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ال ترجعون * فتعالى الله الملك الحق ال إلهإال هو رب العرش الكريم * ومن يدع مع الله إلها آخر ال برهان له بهفإنما حسابه عند ربه إنه ال يفلح الكافرون* وقل رب اغفر وارحم

وأنت خير الراحمين [المؤمنون:112-118] ومن أهم خصائص الوقت:أنه ما مضى منه ال يعود أبدا وال يعوض. أتحداك أن تسترد اليوم

الذي فات، لقد انتهى اليوم.كان الحسن البصري رحمه الله يقول: مامن يوم ينشق فجره إال وهو ينادي بلسان الحال: يابن آدم! أنا خلق

جديد، وعلى عملك شهيد؛ فاغتنمي فإني ال أعود إلى يومالقيامة.ومع أن الوقت أيها األخيار هو أغلى وأثمن ما يملكه اإلنسان،

فإننا نرى كثيرا من إخواننا يقتلون الوقت قتال، ويضيعون العمرتضييعا، وال حول وال قوة إال بالله، بل وال يقفون على خطر العوائق

التي تحول بينهم وبين االستفادة من أوقاتهم وأعمارهم. معوقات االستفادة من الوقت

تعرف على عوائق االستفادة من الوقت؛ لتحذرها أيها الكريم! اتباع الهوى

العائق األول: اتباع الهوى، والهوى ملك ظلوم غشوم جهول، يهويبصاحبه إلى الشر في الدنيا، والهالك في اآلخرة. يقول ابن عباس : ماذكر الله الهوى في موضع من كتابه إال وذمه، قال تعالى: أفرأيت مناتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل

على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفال تذكرون [الجاثية:23]ولقد حذر الله نبيا كريما من أنبيائه من الهوى فقال تعالى: يا داود إناجعلناك خليفة في األرض فاحكم بين الناس بالحق وال تتبع الهوىفيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب

شديد بما نسوا يوم الحساب [ص:26] وخاطب الله نبيه المصطفىبقوله: وال تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا[الكهف:28] فالهوى يهوي بصاحبه إلى الشر في الدنيا واآلخرة، وفي

الحديث الذي رواه البزار والبيهقي والحاكم -والحديث حسنبمجموع طرقه- من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ثالث مهلكات وثالث منجيات، أما الثالث المهلكات: فشح مطاع،

وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه). هذه إن اجتمعت على عبدأهلكته (شح مطاع) أي: رجل شحيح بخيل يدعى إلى اإلنفاق فيسبيل الله فيحول الهوى والشح بينه وبين ذلك. قال: (وأما الثالث

المنجيات: فخشية الله في السر والعالنية، والقصد في الفقر والغنى،والعدل في الغضب والرضا). هذه هي طريق الهالك، وهذه هي طريق

النجاة، يلخصها لنا من آتاه الله جوامع الكلم في ست كلمات فقط:(ثالث مهلكات، وثالث منجيات). فلو انقاد اإلنسان لهواه لزين له

جلسة الفارغين وجلسة البطالين، وزين له تحلل المتحللين من أوامررب العالمين. ترى المسلم يقضي الساعات الطويلة في الليل علىالمقهى، أو يقضي جل الليل أمام المسلسالت واألفالم، وإن سألت

واحدا من هؤالء: ما الذي أجلسك هذه الجلسة الطويلة على المقهىأو أمام التلفاز؟ يقول لك: أضيع الوقت.. أقتل الوقت.. إنا لله وإنا إليهراجعون!! وهو ال يدري أنه يقتل نفسه، وأنه ينتحر انتحارا بطيئا؛ ألناإلنسان مجموعة أيام، فإن انقضى يوم من أيامه استقبل به اآلخرة،واستدبر به الدنيا.كان لقمان يقول لولده: (أي بني! إنك من يوم أننزلت إلى الدنيا استدبرت الدنيا واستقبلت اآلخرة، فأنت إلى دار

تقبل عليها أقرب من دار تبتعد عنها!)فيا أيها المسلم! إن وقتك هوالحياة.. إن وقتك هو العمر.. فال تضيع ساعة من عمرك إال وأنت في

خير للدنيا أو في خير لآلخرة، وإال فورب الكعبة سنندم على كلساعة مضت من أعمارنا قضيناها في معصية ربنا ونبينا صلى الله

عليه وعلى آله وسلم.فالهوى ملك ظلوم غشوم، سيزين لك الفراغ..سيزين لك المعصية.. سيزين لك الباطل.. سيزين لك الفراغ القاتل،

وال يصل العبد إلى حقيقة اإليمان إال إذا وافق هواه ما جاء من عندالله وما جاء به رسول الله، قال جل وعال: فال وربك ال يؤمنون حتىيحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيتويسلموا تسليما [النساء:65]. فالهوى من أخطر العوائق التي تصرف

العبد عن استثمار وقته فيما يرضي الله جل وعال. طول األمل

العائق الثاني: طول األمل، جميل أن تحمل أمال في قلبك لتعمرالكون، فاإلنسان مفطور على حب الحياة، وال ينكر ذلك إال جاهلبالقرآن والسنة. جميل أن أعيش في الدنيا وأنا أحمل األمل في

قلبي.. أن أعمر بيتا ألوالدي، وأن أصل إلى أعلى المناصب، وأرقىالدرجات، وأن أحصل على الماليين المملينة من األموال من الحاللالطيب. هذا شيء جميل، لكن الخطر أن يحول طول األمل بينكوبين طاعة الله جل وعال!! فطول األمل -مع قتل الوقت وتضييعالعمل- مصيبة كبيرة، ومرض عضال، إن أصاب االنسان شغله عن

طاعة الكبير المتعال، وفتنه بالدنيا وأنساه اآلخرة، فتراه لطول أملهفي غفلة يقضي الليل والنهار في أمور الدنيا، إن ذكرته بالله ما تذكر،إن تلوت عليه القرآن ما تأثر، إن ذكرته بحديث النبي ما تحرك قلبه،إنه في غفلة، ومع ذلك يمنيه طول األمل بـ(سوف)! واحسرتاه من

(سوف)! سوف أصلي غدا، سوف أقيم الليل غدا، سوف أتصدق غدا،

سوف أتفرغ للعبادة إذا خرجت على المعاش، سوف أرتدي الحجابأيها الشيخ إذا تزوجت! سوف.. وسوف.. وسوف.. سوف أحج في

العام المقبل. ويرى اإلنسان نفسه في لحظة بين عسكر الموتى.. بين

يدي الله جل وعال، يتمنى الرجعة، فيقال له:كال إنها كلمة هو قائلها[المؤمنون:100] ال وزن لها، وال يجيبه الله جل وعال. جميل أن تحملاألمل في قلبك، لكن احذر أن يحول طول األمل بينك وبين طاعةالله سبحانه، وأن يمنيك بكلمة: سوف تفعل، وسوف تفعل، وسوف

تفعل!ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من طول األمل فقال كمافي صحيح البخاري لـابن عمر : (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر

سبيل).الغريب في بلد يفكر في العودة إلى موطنه، وعابر السبيل فيبلد يفكر في العودة إلى بلده، فكن في الدنيا كأنك غريب أو عابرسبيل. وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فال تنتظر الصباح، وإذا

أصبحت فال تنتظر المساء). هذا هو الفهم الحقيقي لألمل، فال تكنأيها المسلم! مثل من قال الله تعالى فيهم: ذرهم يأكلوا ويتمتعوا

ويلههم األمل فسوف يعلمون [الحجر:3]. قال القرطبي : أي: يشغلهماألمل عن طاعة الله جل وعال.أخي الحبيب!أيا عبد كم يراك اللهعاصيا حريصا على الدنيا وللموت ناسيانسيت لقاء الله واللحد

والثرى ويوما عبوسا تشيب فيه النواصيالو أن المرء لم يلبس ثيابامن التقى تجرد عريانا ولو كان كاسياولو كانت الدنيا تدوم ألهلها

لكان رسول الله حيا وباقياولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوبوالمعاصي كما هيا(اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل آلخرتككأنك تموت غدا). وهذا ليس من كالم النبي، وإنما هي حكمة ألحد

السلف، والراجح أنها من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.اخرج لعملك وأنت مستعد للقاء الله، بل وأنت في شوق في كل يوم

للقاء الله جل وعال، ففي الصحيحين من حديث عائشة أن النبي

صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومنكره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: فكلنا يكره الموت. قال:ليس ذلك يا عائشة ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه

وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بسخطالله وعذابه كره لقاء الله وكره الله لقاءه)، يمنيك بطول األمل،

ويقول لك: ال تعمل اآلن كذا، فرغ نفسك اآلن للمعصية أو للهو أولمتع الدنيا أو للشهوات أو للملذات، يقول الرجل لنفسه: أنا ال زلت

شابا، وال زالت بين يدي حياة أستمتع بها وأتلذذ بها! أذهب إلى هنا،وأنطلق إلى هنالك، وأعدك -يا شيخ- إذا بلغت سن المشيب لن أفارقبيت الله جل وعال لحظة! قال لي إخواننا في أمريكا: إن رجال من

الله عليه باألموال، وهو جار للمسجد، وما دخل المسجد مرة، ذكروهبالله فما تذكر، حذروه من النار فما خاف النار، ذكروه بكالم النبي

المختار فما تحرك قلبه، وصدق فيه قول الله عز وجل: لهم قلوب اليفقهون بها ولهم أعين ال يبصرون بها ولهم آذان ال يسمعون بها أولئككاألنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون [األعراف:179]، أسأل الله أن

يحفظنا من الغفلة.فذهبت إلى هذا الرجل، فرأيته يبيع الخمر فيمحله، ويبيع لحم الخنزير، فقلت له: يا أخي! اتق الله! ألست مسلما؟!

المسجد إلى جوارك، وما خطوت إليه خطوة! تلوت عليه القرآن،وذكرت هذا المسكين بحديث النبي عليه الصالة والسالم، فقال لي -ورب الكعبة-: يا شيخ! أعدك إن عدت إلى بلدي -بعد ما أحصل من

المال ما أريد- أن أبني لله مسجدا، وأن أعتكف فيه، ولن أفارقه! قلتله: انتظر حتى أوقع هذا العقد بينك وبين ملك الموت! أعطني هذه

الفرصة ألوقع لك هذا العقد بهذه الصورة بينك وبين ملك الموت!!!هل ضمنت يا مسكين أن تعود إلى بلدك؟!! هل ضمنت يا مسكين أن

تصبح إلى اليوم التالي!فنظر إلي وقال -وهو الذي صار عبدا للدوالر-:أشهد الله، ثم أشهدك أنني إذا أصبت بحالة إعياء وحالة صداع فإنيأضع ورقة الدوالر من فئة المائة على رأسي فيطير الصداع واأللم في

الحال! قلت: أنت عبد للدوالر، وأنت عبد للدرهم والدينار كما قالالنبي المختار: (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار) أنت تعيش من

أجل المال، وتعيش من أجل الدنيا، والمال ظل زائل، وعاريةمسترجعة، والدنيا إلى زوال وإلى فناء، ولو دامت ألحد لدامت لسيدالخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله ومن وااله القائل:(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وكان ابن عمر يقول: (إذاأمسيت فال تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فال تنتظر المساء)، فال

يغرنك طول األمل. ورحم الله الحسن إذ يقول: (ما أطال عبد األملإال وقد أساء العمل).

الفراغ العائق الثالث: الفراغ. آه من الفراغ على شبابنا وأخواتنا!! آه من

الفراغ وخطره!! الفراغ يعد نعمة من أجل النعم ونحن ال ندري!! نعمة الصحة ونعمة الفراغ

روى البخاري من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).الصحة نعمةونحن ال نشعر بقدر هذه النعمة، بل يظن كثير منا أن النعمة فقط هياألموال، فإن من الله علينا باألموال فهذه هي النعمة، وإن حجب الله

عنا المال، ومن علينا بنعمة اإليمان ونعمة اإلسالم، فهذه نعمة، فمنأجل النعم نعمة اإليمان والتوحيد لله جل وعال.قال الشاعر:النفس

تجزع أن تكون فقيرة والفقر خير من غنى يطغيهاوغنى النفوس هوالكفاف فإن أبت فجميع ما في األرض ال يكفيهاوقال آخر:هي القناعةفالزمها تكن ملكا لو لم تكن لك إال راحة البدنوانظر لمن ملك الدنيابأجمعها هل راح منها بغير الطيب والكفنما أخذ دوالرا وال دينارا والسيارة وال عمارة، ما أخذ شيئا إال العمل الذي سينفعه بين يدي اللهجل وعال، فالفراغ مقتلة وهو في الوقت نفسه نعمة إن استخدمت

هذه النعمة في طاعة الله، والصحة نعمة وهي في الوقت نفسهمقتلة إن استخدمها اإلنسان في معصية الله وتجبر بها على خلق

الله، وطغى بها على عباد الله، (الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهماكثير من الناس) قال الحافظ ابن حجر : فمن استغل صحته وفراغهفي طاعة الله فهو المغبوط، ومن استغل صحته وفراغه في معصية

الله فهو المغبون. أنواع الفراغ

الفراغ أنواع: الفراغ القلبي، والفراغ النفسي، والفراغ العقلي. هذه هيأنواع الفراغ.الفراغ القلبي: وهو أخطر أنواع الفراغ على اإلطالق، أنيفرغ القلب من اإليمان، أن يفرغ القلب من اليقين، أن يفرغ القلب من

الرضا بالله ربا، وباإلسالم دينا، وبالمصطفى نبيا ورسوال. إن فرغالقلب من اإليمان فصاحب هذا القلب ميت وإن تحرك بين األحياء،

فالقلب وعاء اإليمان كما قال المصطفى في حديث النعمان الذي رواهالشيخان وفيه: (أال وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد

كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، أال وهي القلب). القلب هو الملك،واألعضاء جنوده ورعاياه: فإن طاب الملك طابت الجنود والرعايا،وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا. فإن عمر القلب باإليمان ماشعر اإلنسان أبدا بالفراغ؛ ألنه في كل لحظة سيتلذذ باألنس بالله.قال شيخ اإلسالم ابن تيمية : مساكين والله أهل الدنيا؛ خرجوا من

الدنيا ولم يذوقوا أطعم وأحلى ما فيها. قيل: وما أطعم ما فيها؟!قال: ذكر الله، واألنس بلقائه.األنس في طاعة الله، واألنس في ذكرالله جل وعال، فإذا عمر القلب باإليمان شعر اإلنسان بلذة الحياة،وبطعم الطاعة والعبادة لله جل في عاله، روى أبو نعيم والديلميوصححه األلباني من حديث علي أن الحبيب النبي صلى الله عليهوسلم قال: (ما من القلوب قلب إال وله سحابة كسحابة القمر، فبيناالقمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، فإذا تجلت عنه أضاء)، فكذلك

نور اإليمان في القلب، إن حجب نور اإليمان بسحائب الظلم والذنوبوالمعاصي؛ فتر اإلنسان عن طاعة الله، بل وربما انجرف وانحرف؛ ألنالقلب سيفرغ من حقيقة اإليمان، وفراغ القلب من اإليمان هالك للعبدفي الدنيا، وخسران له في اآلخرة؛ ألن أصل النجاة هو اإليمان، وألنمدار الفالح على اإليمان بالله تبارك وتعالى.فالفراغ القلبي من اإليمان

سيعرض القلب لكل أنواع الفتن، روى مسلم من حديث حذيفة أنالمصطفى قال: (تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداعودا، فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرهانكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسودمربادا كالكوز مجخيا، ال يعرف معروفا، وال ينكر منكرا إال ما أشرب

من هواه، وقلب أبيض ال تضره فتنة ما دامت السماوات واألرض)فالقلب وعاء اإليمان ومحط الفتن، فإذا فرغ القلب من اإليمان

تعرض اإلنسان لكل فتنة، وتشربها قلبه. عالج الفراغ القلبي

عالج الفراغ القلبي ودواء الفراغ القلبي بزيادة اإليمان؛ إذ إن اإليمانيزيد وينقص، كيف يزداد اإليمان في قلبي؟ يزداد اإليمان بالطاعات،

وينقص اإليمان بالمعاصي والزالت، ونقب عن قلبك أيها الحبيب!وأنت اآلن في مجلس علم كهذا، ثم نقب عن قلبك وأنت أمام التلفازأو في مجلس غيبة أو نميمة، فتقف على حجم الفارق بين حال قلبكفي الطاعة، وبين حال قلبك في المعصية.يقول عبد الله بن مسعود :(تفقد قلبك في ثالثة مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكروالعلم، وفي وقت الخلوة بينك وبين ربك). ابحث عن قلبك في هذه

المواطن: عند سماع القرآن إن وجل القلب، في مجالس العلم إنوجل القلب، في وقت الخلوة إن وجل القلب، فاحمد الله أنك تحملقلبا، وسل الله أن يمأله إيمانا ورضى وتقى، فإن لم تجد قلبك في

هذه المواطن، فابحث عن قلب؛ فإنه ال قلب لك!!يقول ابن مسعود :إن لم تجد قلبك في هذه المواطن فابحث عن قلبك فإنه ال قلب لك،فإن القلب يمرض واإلنسان ال يدري، وإن القلب يموت واإلنسان اليدري، إذا تعب القلب بمرض من األمراض العضوية أسرعنا إلىاألطباء، هذه فطرة، لكن القلب قد يمرض بالشهوات وقد يموت

بالمعاصي والملذات وصاحبه ال يدري على اإلطالق!!! يقولالمصطفى كما في الصحيحين من حديث أبي موسى األشعري : (مثل

الذي يذكر ربه والذي ال يذكر ربه كمثل الحي والميت) فالذاكر لله حيوإن حبست منه األعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين

األحياء!! وخذوا هذه الوصفة البليغة من سفيان الثوري لرجل مريضالقلب مثلي، ذهب إليه رجل فقال: يا سفيان ! لقد ابتليت بمرض

قلبي فصف لي دواء. فقال سفيان : عليك بعروق اإلخالص، وورقالصبر، وعصير التواضع، ضع هذا كله في إناء التقوى، وصب عليهماء الخشية، وأوقد عليه نار الحزن على المعصية، وصفه بمصفاة

المراقبة له، وتناوله بكف الصدق، واشربه من كأس االستغفار،وتمضمض بالورع، وابعد عن الحرص والطمع، يشفى مرض قلبك

بإذن الله. أسأل الله أن يعيننا على هذا الدواء الناجع النافع!!والفراغاألخير هو الفراغ النفسي، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك

بالباطل، إن لم تفطمها بالطاعات قادتك إلى المعاصي والزالت، قالوء إال ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم الله: إن النفس ألمارة بالس[يوسف:53] فاللهم ارحمنا بفضلك. فيا أيها األخ الحبيب! ويا أيها

الوالد الكريم! الفراغ النفسي مقتلة شبابنا، فإذا فرغت نفوسهم قامواإلى كل معصية، وانحرفوا في كل واد وفي كل طريق ضال، إذا لم

يجد الشاب عمال يقوم به، ورأى نفسه في فراغ، انشغل بالمعاصي..انشغل بالفتن والشهوات.. انشغل باألفالم والمباريات والمسلسالت..انشغل بالمجالت الخليعة الجنسية الماجنة، وبقراءة القصص التيار! إنه فراغ النفس، فالنفس إن لم تحول الزهاد العباد إلى فساق فج

تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإن لم تشغلها بالطاعة شغلتكبالمعصية. يظن اإلنسان أنه يصعب عليه أن يطيع الله، واألمر سهل،

فلو فطمت نفسك كفطمك للرضيع عن اللبن وعن ثدي أمه مرة بعدمرة العتادت الطاعة، ولشعرت براحة ولذة في أي طاعة لله، ولنتشعر بثقل على اإلطالق؛ ألن الله جل وعال قد زكى النفس، ودلهاعلى هذين الطريقين فقال: ونفس وما سواها * فألهمها فجورها

وتقواها * قد أفلح من زكاها [الشمس:7-9]. وقال جل وعال: فأما منطغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف

مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى[النازعات:37-41]. فالناس صنفان: صنف قد انتصر على نفسه

وقهرها، وألجمها بلجام الطاعة، وجعل النفس مطية إلى رضوان اللهوالجنة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، وصنف قهرته نفسه،وانتصرت عليه نفسه، وغلبته وقادته إلى كل شر في الدنيا، وإلىالهالك في اآلخرة. أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من نفوسنا األمارة

بالسوء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.ملء الفراغ النفسي يكون بالطاعة،فاشغل نفسك بطاعة الله وبعمل مفيد.والعقل نعمة، والفراغ العقلي

حياة صاحبه دمار، وآخرته بوار، بدليل أن أهل النار وهم في النار بينيدي الواحد القهار يتصايحون بأنهم كانوا ال يحملون عقوال يفكرونبها، سمعوا القرآن فما اتعظوا، سمعوا الحديث فما اعتبروا، ذكروا فماتذكروا، فكان المصير أن يتصايحوا في النار، وأن ينادوا على العزيزالغفار، ولكن هيهات!! قال الله جل وعال عن هؤالء الذين ال يحملونعقوال يفكرون بها: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب

عير [الملك:10]، لو كنا نحمل عقوال سليمة نسمع بها الحق، ونذعن السبها للحق، ونخضع بها لله ولرسوله ما كنا بين هؤالء المجرمين من

أصحاب النار.فيا أيها الوالد الكريم! ويا أيها األخ الحبيب! لقد آتاناالله عقوال، وهي من أعظم نعم الله علينا.وأنا أقول أيضا: نحن ال نفكر

في نعمة العقل، وقد ذكرتكم مرارا حينما ذهبنا مع إخواننا، لنزورإخواننا وأخواتنا في مستشفى األمراض العقلية، ودخلنا عنبراللنساء، ورأينا النساء بين أيدينا، وقد أعطاهن الله كمال الخلق،وفجأة اقتربت منا فتاة في الثانية والعشرين من عمرها؛ لتأخذ

الغطاء الذي على الرأس، ولتمسك باللحية!! وفجأة رأينا هذه الفتاةذهبت إلى جانب في العنبر، وتجردت من كل ثيابها كما ولدتها أمها!فخرجنا، وقلت إلخواني يومها: أشهد الله، ثم أشهدكم أنني ما عرفتقدر نعمة العقل إال في هذه اللحظة، فال تترك عقلك فارغا للتفاهات ..

للمسلسالت التافهة، ولألفالم القذرة، وللقصص الماجنة، بل امألعقلك بالعلم النافع، بالقراءة الجيدة، باألفكار الهادفة، واعلم بأنكتحمل قضية دين، وتحمل قضية أمة تضرب اآلن بالنعال على أم

رأسها، فال تشغل وال تمأل فراغ عقلك -أيها األخ الحبيب- بمثل هذهالتفاهات، فوقتك أغلى من هذا، وعمرك أغلى من هذا الضياع الذيتضيعه أمام مسلسل أو فلم أو مباراة، أو على مقهى تقضي فيه

الساعات الطوال. الفتن

أيها األحبة الكرام! من أخطر العوائق: الفتن، والفتن التي بين أيديناكثيرة، وهي بالجملة تنقسم إلى نوعين: فتن الشهوات، وفتن

الشبهات. وال عون لك -لتستفيد من وقتك وسط هذه الفتن- إال إذااستعنت بالله جل وعال، وحرصت على مجالس الخير، وعلى مجالس

العلم. أسأل الله أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن،إنه ولي ذلك ومواله.

العمر الحقيقي وكيفية إطالته ثالثا: سؤال قد يستغربه الجميع: كيف يطول عمرك؟! اإلنسان مفطور

على حب الحياة، ويرجو أن لو طال عمره، بل ويتمنى الخلود إناستطاع، ولكن الموت يختطف الشاب في ريعان شبابه!! ويختطفالفتى المدلل الوحيد من بين أهله !! ويختطف العروس في ليلة

عرسها!! ويختطف الحاكم القوي المرهوب من بين حرسه وجنوده!!فاأليام محسوبة، واآلجال معدودة، وما دام الموت هو نهاية الحياةفإن العمر حينئذ قصير. األيام تمر، واألشهر تجري، والسنين تولي،والعمر ينقضي!! فما دام الموت هو آخر المطاف فالعمر قصير، ولميستطع العلم -بل ولن يستطيع- أن يرد الشيخوخة إلى شباب، أو أنيحول بين اإلنسان وبين الموت، ومع ذلك قد يستطيع اإلنسان أن

يطيل عمره!! كيف؟! اعلم أيها األخ الكريم! أن العمر الحقيقيلإلنسان ال يقاس بسنواته التي قضاها من يوم والدته إلى يوم وفاته،وإنما العمر الحقيقي لإلنسان يقاس بقدر ما قدم اإلنسان في سنوات

عمره من عظائم األعمال، وجالئل األعمال الخيرات الصالحاتالطيبات.إذا: عمرك الحقيقي يقاس بعمل الخيرات وبالطاعات. فكممن عمر طالت آماده، وقلت خيراته وأمداده!! وكم من عمر قلت

آماده، وكثرت خيراته وأمداده!! فالعمر الحقيقي يقاس باألعمال..يقاس بالطاعات، وال يقاس بالسنوات، فكم من أناس قد مكثوا مائةسنة أو يزيد، ومع ذلك رصيدهم عند الله صفر أو دون الصفر بلغة

المصارف والبنوك. بل عليه من األوزار والذنوب ما تنوء بحملهاالجبال، ومن الناس من يقضون سنوات قليلة: قد يموت الشاب فيالثالثين من عمره، أو في األربعين من عمره، ورصيده عند الله جل

وعال مشرق منير، وعمره عند الله جل وعال عظيم كبير؛ ألن األعمار التقاس بالسنوات، وإنما تقاس بأعمال الخيرات والبر والطاعات.

بركة أعمار األنبياء انظر إلى نبي الله نوح قضى ألف سنة إال خمسين عاما في الدعوةإلى الله، وقدر الله جل وعال أال يؤمن معه إال قليل! وانظر إلى عمرالمصطفى محمد صلى الله عليه وسلم كم عاش؟ وكم كان عدد

سنوات دعوته؟ تزيد عن العشرين، فهي قليلة جدا، ومع ذلك استطاعالمصطفى في هذا العمر القليل أن يقيم لإلسالم دولة من فتات

متناثر، فإذا هي بناء شامخ ال يطاوله بناء! استطاع أن يرد الناس فيصحراء تموج بالكفر موجا إلى الله العلي األعلى جل وعال.

بركة عمر أبي بكر الصديق صديق األمة األكبر مدة واليته ال تزيد على سنتين ونصف، حول فيها

المحن التي أصابت األمة إلى منح! في سنتين ونصف قضى علىفتنة الردة! في سنتين ونصف أنفذ بعث أسامة ! في سنتين ونصفجمع القرآن الكريم، ورد األمة إلى منهج النبي الكريم!! فاستحق من

النبي أن يبشره بأن أبواب الجنة كلها ستنادي عليه يوم القيامة؛ إذ إنكل باب من أبواب الجنة يريد أن يدخل منه أبو بكر رضي الله عنه،هل تصدق هذا؟! عبد من عباد الله تتمنى أبواب الجنة أن يمر منها،

جاء في البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى

الله عليه وسلم: (من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبوابالجنة: يا عبد الله! هذا خير. فإن كان من أهل الصالة دعي من بابالصالة، وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، وإن كان منأهل الصدقة دعي من باب الصدقة، وإن كان من أهل الصيام دعي

من باب الريان. فقال أبو بكر : يا رسول الله! فهل يدعى أحد من هذهاألبواب كلها؟ قال المصطفى: نعم، وأنت منهم يا أبا بكر).

بركة عمر أمير المؤمنين عمر فاروق األمة عمر خالفته عشر سنوات وستة أشهر فقط، قدم فيهاللدنيا كلها قدوة إلى أن يرث الله األرض ومن عليها، في هذه الفترةالقليلة التى ال تساوي أي شيء في حساب الزمن، يقدم عمر لدنياالناس كافة قدوة ال تبلى بل ولن تبلى، إنها قدوة تتمثل في حاكم

بركت الدنيا كلها على عتبة داره وهي مثقلة بالغنائم واألموالوالكنوز والطيبات! فقام عمريسرحها سراحا جميال، قام لينثر على

الناس خيراتها، وليدرأ عن الناس مضالتها وفتنها، حتى إذا ما نفضيديه من عالئق هذا المتاع الزائل، قام ليستأنف سيره ومسراه إلىمواله، انظر إليه هنالك، ستراه يجري في وقت الظهيرة المحرقة

وراء بعير من إبل الصدقة قد ند يخشى عليه الضياع، فيلتفت إليهعثمان من شرفة بيته، يا ترى! من هذا الذي يجري في هذا الوقتالحار؟! إن الشمس تذيب الحجارة والحديد، بل وتكاد أشعتها التي

انعكست على الرمال أن تخطف األبصار، ولما دنا من هذا الذي يجريفإذا به عمر أمير المؤمنين! فقال عثمان : يا أمير المؤمنين! ما الذيأخرجك في هذه الساعة المحرقة؟! فيرد عمر : بعير من إبل الصدقة

قد ند -يا عثمان - أخشى عليه الضياع!! وأخشى أن أسأل عنه بينيدي الله يوم القيامة!! فقال عثمان : تعال إلى الظل وإلى الماء البارديا أمير المؤمنين! وكلف أحد عمالك بالبحث عن البعير، فالتفت إليهعمر وقال: عد إلى ظلك ومائك البارد يا عثمان ، أأنت ستحمل عنيوزري أمام الله يوم القيامة؟! إنه عمر الذي أرهب الملوك والحكام،وجاءت تحت قدميه مفاتيح أعظم اإلمبراطوريات: إمبراطورية

فارس، وإمبراطورية الروم، وانتشر اإلسالم في عهد عمر شرقا وغرباوشماال وجنوبا، بل ورفرفت راية اإلسالم على روسيا في عشر

سنوات وستة أشهر! إنها بركة األعمار! إنها األعمار الطويلة المزكاةالمباركة من الله.

بركة عمر معاذ بن جبل معاذ بن جبل شاب من شباب األمة، شاب أسلم في الثامنة عشرة من

عمره، وتوفي في الثالثة والثالثين من عمره. ال أقول: في الثالثةوالتسعين، وال في الثالثة بعد المائة، بل في الثالثة والثالثين منعمره!! في هذه السنوات القليلة، في عشر سنوات أو تزيد قليال

استطاع معاذ أن يسطر على جبين الزمان، وعلى صفحات التاريخواأليام، هذا المجد وهذه العظمة وهذا الخلود حتى قال له المصطفى

يوما: (يا معاذ ! والله إني ألحبك). بركة عمر عمر بن عبد العزيز

عمر بن عبد العزيز شاب في ريعان الشباب، استمرت واليته قرابةسنتين ونصف، واستطاع فيها أن يضع يده على الداء الذي استشرىفي أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ونجح في أن يستل

جرثومته بيد بيضاء نقية، وأن يعيد البشرية عودا حميدا إلى الهدىوالنور، وكأنها تعيش في زمن الوحي، حتى خرج المنادي يقول: منكان عليه دين فسداد دينه من بيت مال المسلمين!! وهذا الشبل منذاك األسد، سدد عمر بن عبد العزيز الديون، وبقيت البركة باركة فيبيت المال، فخرج المنادي يقول: من أراد -من شباب المسلمين- أن

يتزوج فزواجه من بيت مال المسلمين!! فزوج الشباب، وبقيت البركةباركة في بيت المال!! فخرج المنادي للمرة الثالثة -وهي أعجب-

ليقول: أيها الناس! من أراد حج بيت الله -وهو ال يستطيع- فحج بيتالله على نفقة بيت مال المسلمين! وخرج من أراد الحج وبقيت

البركة باركة في بيت المال!هل فعل هذا في مائة سنة؟! في ألفسنة؟! ال والله، في سنتين ونصف، ألم أقل لكم: إن العمر يطول

بجالئل األعمال، وعظائم البطوالت؟! فيأيها المسلم! أطل عمرك بعملالخيرات وعمل الطاعات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(اغتنم خمسا قبل خمس، -هذا أمر نبيك، وهذه وصية حبيبك محمد،والحديث رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح- اغتنم خمسا قبل

خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك،وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) . اغتنم هذه الغنائم: اغتنم

الغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرم، والصحة قبل المرض، والحياةقبل الموت!! اغتنم هذه الغنائم، وال تضيع عمرك، وال تضيع ساعات

وقتك، فإن العمر يولي، وغدا سترى نفسك بين يدي الله.وأقول قوليهذا، وأستغفر الله لي ولكم.

رسالة إلى قتلة الوقت

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن ال إله إال الله وحده ال شريك له،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه،وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه

واستن بسنته إلى يوم الدين.أما بعد: أيها األحبة الكرام! رسالة أخيرةإلى أشر القتلة! إلى من يقتلون الوقت قتال.. إلى من يقتلون العمرقتال.. إلى من يضيعون الحياة تضييعا. يا من تضيع الوقت! أنت

تضيع عمرك، وتضيع حياتك، وتنتحر انتحارا بطيئا وأنت ال تدري، بلوال يذكرك أحد بهذه الجريمة الشنعاء التي ترتكبها في حق نفسك.

تسأل الكثيرين اآلن: لماذا تفعل كذا؟ يقول: أضيع الوقت!! بل -وربالكعبة- رأيت بعيني على جبل عرفات في يوم عرفة ناسا بلباس

اإلحرام قد جلسوا على (الشيشة)! ورأيت بعضهم يجلس على السلموالثعبان! ورأيت بعضهم يلعب (الكوتشينة)؛فتعجبت! واقتربت

منهم، وقلت ألحدهم: يا أخي! اتق الله، أنت بلباس اإلحرام في يومعرفة، جئت لتتطهر من كل ذنب، ولترفع إلى الملك أكف الضراعة،وأراكم على هذا اللهو والعبث!! والله لقد رد علي جلهم، وقالوا: يا

شيخ! اليوم طويل، ونحن نضيع وقتنا!أتضيع وقت عرفات؟! أتضيعوقت الطاعات؟! أتضيع وقتا يتنزل فيه رب األرض والسماوات؛

ليباهي المالئكة بعباده الذين ذهبوا إليه شعثا غبرا يطلبون رضوانهومغفرته؟! أيها القاتل لوقتك، بل لعمرك، بل لحياتك!! والله الذي ال

إله غيره ستندم يوم ال ينفع الندم، وستأتي عليك ساعة ستعرف فيهاقدر الساعة، وسيأتي عليك زمن تعرف فيه قدر الزمن، وسيأتي عليك

وقت تعرف فيه قدر الوقت!!

الحسرة على ضياع األوقات عند الموت إذا نمت على فراش الموت ستتمنى من الله أن تعود إلى الدنيا ساعة

واحدة؛ لتعمل فيها عمال صالحا لله جل وعال.انظر إليه وهو علىفراش الموت، وهو صاحب الجاه والمنصب واألموال والسياراتوالعمارات والدوالرات! انظر إليه على فراش الموت، وقد اصفروجهه، وشحب لونه، وبردت أطرافه، وتجعد جلده، وبدأ يشعر

بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه، يحاول جاهدا أنيحرك شفتيه بكلمة (ال إله إال الله)، فيشعر أن الشفة كالجبل ال تريد

أن تتزحزح إال لمن يسر الله له النطق بال إله إال الله! فينظر في لحظةصحوه بين السكرات والكربات الناس من حوله مرة يقتربون، ومرة

يبتعدون! ويرى الغرفة التي هو فيها مرة تتسع، ومرة تضيق!وفجأة!يا ترى من هذا الذي أراه يقترب إلي من بعيد، إنه ملك الموت! ياترى! بأي شيء سينادي علي اآلن؟! هل سيقول: يا أيتها الروح

الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب راض غير غضبانأم سيقول: يا أيتها الروح الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله

وعذاب؟! فإذا أفاق لحظة صحوه بين السكرات والكربات، رأى أهلهمن حوله، ورأى األطباء من فوق رأسه، فقال بلسان الحال، بل وربمابلسان المقال: يا أوالدي! يا أهلي! يا أحبابي! ال تتركوني وحدي، والتفردوني في لحدي، افدوني بأعماركم، افدوني بأموالي، أنا أبوكم! أناالذي بنيت لكم القصور، وأنا الذي عمرت لكم الدور، وأنا الذي نميتلكم التجارة، فمن منكم يزيد في عمري ساعة أو ساعتين؟!يريد أن

يرجع إلى الحياة ساعة، وهنا يعلو صوت الحق: فلوال إذا بلغت

الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن التبصرون * فلوال إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين *فأما إن كان من المقربين* فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كانمن أصحاب اليمين * فسالم لك من أصحاب اليمين * وأما إن كانالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم * إن هذا من المكذبين الضلهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم [الواقعة:83-96] يتمنىالرجعة، فيقال له: ال. قال جل وعال: فمن ثقلت موازينه فأولئك همالمفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فيجهنم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون* ألم تكن

آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون* قالوا ربنا غلبت علينا شقوتناوكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قالاخسئوا فيها وال تكلمون [المؤمنون:102-108] يتمنى أهل النار أن

يعودوا إلى الدنيا؛ حتى ال يعودوا إلى الكفر، وال إلى المعاصي وال إلىالظلم أبدا، ولكن هيهات.. هيهات! يقال لهم: اخسئوا فيها وال تكلمون

[المؤمنون:108]. وقال جل وعال: وقل رب أعوذ بك من همزاتياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون * حتى إذا جاء أحدهم الموت الش

قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كال إنها كلمة هوقائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون [المؤمنون:97-100] اللهماسترنا فوق األرض، واسترنا تحت األرض، واسترنا يوم العرض. أيها

الحبيب الكريم! اعرف قدر وقتك وشرف زمانك، وحقيقة عمرك،وحقيقة ساعات أيامك، فعد الليلة إلى الله، البدار البدار، قبل فواتاألعمار! واسمع إلى العزيز الغفار، وهو ينادي ويقول: قل يا عبادي

الذين أسرفوا على أنفسهم ال تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفرالذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم [الزمر:53].اللهم ال تدع ألحد منافي هذا الجمع الكريم ذنبا إال غفرته، وال مريضا إال شفيته، وال دينا إالقضيته، وال ميتا لنا إال رحمته، وال عاصيا بيننا إال هديته، وال طائعا إالزدته وثبته، وال حاجة هي لك رضا ولنا فيها صالح إال قضيتها يا رب

العالمين، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، وتفرقنا من بعدهتفرقا معصوما، وال تجعل فينا وال منا شقيا وال محروما.اللهم اهدنا

واهد بنا، واجعلنا سببا لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سببالمن اهتدى، اللهم يسر ألبنائنا التوفيق والنجاح يا رب العالمين! ربناهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماما، اللهمأقر أعيننا بنصرة اإلسالم وعز الموحدين، اللهم أقر أعيننا بنصرة

اإلسالم وعز الموحين، اللهم ال تجعل الدنيا أكبر همنا، وال مبلغ علمنا.وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة لمحاضرة الوقت هو الحياة للشيخ: ( محمد حسان )

http://audio.islamweb.net