8282

بشير عبد الفتاح*

الرئاسة المصرية بعد مبارك

تعرض هذه الدراس���ة س���مات ومالمح البيئة التي يعمل في رحابه���ا الرئيس المصري الجديد ومعاونوه، وهي بيئة تواج���ه مجموعة من األزمات والتحديات التي تتربص على الصعيدين الداخل���ي والخارجي بالرئيس المنتخب، والقوى التي يمثله���ا. يحتل موقع الصدارة في هذه األزمات، التحدي االقتصادي، إلى جانب وراثة الحكم الجديد تركة ثقيلة من األزمات السياسية والمشاكل االجتماعية واألمنية. يضاف إلى ذلك، حالة القلق اإلقليمي والدولي من صعود تيار اإلس���الم السياس���ي ومن فوز مرس���ي، المحس���وب على جماعة اإلخوان. تحاول الدراس���ة س���ي واإلداري الذي يحكم تقدي���م إع���ادة ق���راءة للتفاعالت بش���أن اإلط���ار القانون���ي والمؤسعمل مؤسس���ة الرئاس���ة المصرية، وإلقاء الضوء على تعاطي الرئيس مرس���ي مع الجيش والمجل���س األعلى للقوات المس���لحة خالل المرحل���ة االنتقالية، وكذل���ك تعاطيه مع قضايا السياس���ة الخارجي���ة، م���ن خالل تفحص الرس���ائل السياس���ية التي ح���اول الرئيس مرس���ي أن يبع���ث به���ا في اتجاهات ش���تى بالداخل والخارج، م���ن خالل بعض المب���ادرات أو ردود األفعال

التي صاحبت أو نجمت عنها تحديات إقليمية ودولية.

*أأأأرئيس تحرير مجلة الدميقراطية يف مؤسسة األهرام.

83دراسات

الرئاسة المصرية بعد مبارك

مقدمةميك��ن النظر إىل الرئاس��ة املرصي��ة بعد مبارك م��ن زاويتني: تنرصف

أوالهام إىل الشق املؤس��يس والقانوين واإلداري، والذي يتعلق بآليات

العمل فيها وطبيعته واإلطار الدس��توري الذي ينظم هذا العمل، وما

ط��رأ عىل تلك املتغريات مجتمعة من تط��ورات. أما ثانيتهام، فتتعلق

ب��أداء الرئيس الجديد وكيفية تعاطيه مع بع��ض التحديات الداخلية

والخارجية التي تواجهه خالل وجوده يف الس��لطة. ولكن قبل الخوض

يف ذلك، تب��دو الحاجة ملحة إىل الوقوف عىل س��امت ومالمح البيئة

التي يعمل يف رحابها الرئيس الجديد ومعاونوه.

أوال- البيئة المحيطةمثة مس��تجدات مهمة دلف��ت إىل املعادلة السياس��ية يف مرص عقب

اإلطاحة مببارك، يتعني وضعها يف االعتبار عند التعرض لوضع الرئاس��ة

املرصية يف عهد الرئيس محمد مريس، من أبرزها:

أوال، تضاؤل املدى الزمني الفاصل ما بني تنحي مبارك يف الحادي عرش

من ش��باط / فرباير ))0) إثر ثورة شعبية، وتويل الرئيس مريس رئاسة

الب��الد عقب أول انتخاب��ات حرة نزيهة يف تاريخ م��رص يف حزيران /

يونيو ))0)، إذ يصعب تحليل وضع الرئاس��ة املرصية عىل نحو دقيق

ومفصل، ومعامل مؤسس��ة الرئاس��ة مل تتضح بعد بص��ورة نهائية من

النواحي كافة.

ثانيا، ظالل مبارك: فوس��ط مساعيه الحثيثة وجهده املضني ليك يبيل

بالء حس��نا يف مهمته الش��اقة، س��يجد الرئيس مريس نفسه محفوفا

بظالل مبارك وتجربته، س��واء شاء أم أىب. ذلك أن حرصه الشديد عىل

االس��تفادة من تجربة س��لفه املريرة عرب تاليف أخطائه، سوف يدفعه

للت��رصف بطريقة ما تجنب��ا لذات املآل الذي آل إليه، يف وقت ال تزال

جذوة الثورة مش��تعلة ومل تنطفئ. بيد أن حرص الرئيس املنتخب قد

ال يس��تتبع بالرضورة أداء معاكس��ا متاما من جانب الرئيس، أو حتى

مغايرا له عىل األقل))(.

ثالث��ا، س��يل األزم��ات والتحديات ال��ذي يرتبص بالرئي��س املنتخب،

ع��ىل الصعيدي��ن الداخيل والخارج��ي، والذي يحتلر موق��ع الصدارة

1 عمرو الشوبيك، "بني مريس ومبارك"، جريدة املرصيأاليوم، )/))/))0).

فيه التح��دي االقتصادي. فإىل جانب وراثت��ه تركة ثقيلة من األزمات

السياسية واملشاكل االجتامعية واألمنية، يواجه الرئيس مريس تداعيات

ما يعرف باالقتصاد الس��يايس للثورة، إذ أدت أح��داث الثورة واملناخ

االحتجاجي واملطلبي الذي ولدته، واالنخفاض الحاد يف االس��تثامرات

الداخلي��ة والخارجي��ة، إىل تراجع ملموس يف مع��دالت النمو. فطبقا

لتقرير اآلفاق االقتصادية العامليةأالذي أصدره البنك الدويل يف ش��باط

/ فرباي��ر ))0)، انخفض معدل النمو االقتصادي املرصي يف عام ))0)

إىل ).)%؛ وتوقع التقرير أن يبلغ معدل النمو %).) يف عام ))0)، وأن

يقفز إىل ).)% يف عام ))0).أ

وصاحب ذل��ك ارتفاع مع��دالت الفقر والفقر املدقع، وتزايد نس��بة

البطال��ة، وتراجع االحتياطي النق��دي تراجعا كب��ريا، إضافة إىل عجز

امليزاني��ة، وتراجع ثقة املس��تثمرين، وأزمة الس��ياحة، متثرل مبجملها

تحدي��ا مفصليا وجوهريا بعد الثورة، خاصة بعد غياب االس��تقرار إثر

انطالقة الثورة املرصية. ويف هذا الس��ياق، تش��ري املعطيات إىل تراجع

احتياطي النقد األجنبي للبالد، وعدم كفاءة السياس��ة املالية، ما أدى

إىل قيام مؤسس��ات التصنيف الدولية بخفض التصنيف االئتامين ملرص

نحو س��بع مرات متتالية. ويف الس��ياق نفس��ه، تعد معدالت البطالة

اآلخذة يف االرتفاع من أهم املش��كالت الت��ي تواجه العهد الجديد يف

راس��ات أن نس��بة م��رص، نظرا لتداعياتها االجتامعية أيضا. وتؤكرد الدر

البطال��ة قد وصلت يف الريف املرصي إىل نحو 0)% خالل عامي 0)0)

و))0)، بينام انترشت ظاهرة الفقر بني )7% من س��كان الريف خالل

الفرتة املذكورة))(.

وص��ل الدين الخارج��ي إىل )) مليار دوالر. ويف املقاب��ل، بلغ الدين

الداخ��يل تريليون ومئتي مليار جنيه مرصي؛ وألن س��عر الفائدة عىل

الجني��ة املرصي مرتفع بصورة اس��تثنائية، فإن فائ��دة الدين الداخيل

2 انظر تقرير اآلفاق االقتصادية العاملية الذي أصدره البنك الدويل يف شباط/فرباير ))0).

العدد ) 1 (

آذار / مارس 2013 84

ترتاوح ب��ني ))% و))%. وطبقا لتقديرات الحكومة املرصية، س��يبلغ

عجز امليزانية العامة هذا العام ))) مليار جنيه. ولكن اإلعالن مؤخرا

أن عج��ز الرب��ع األول من العام تجاوز الخمس��ني ملي��ارا، يعني أن

تقديرات الحكومة متفائلة إىل حد كبري، وأن العجز الس��نوي قد يبلغ

أكر من 70) مليارا من الجنيهات))(.

وال يبدو أن األداء االقتصادي س��يصل حتى إىل مستوى توقعات البنك

الدويل؛ فطبقا لترصيحات وزي��ر التخطيط املرصي، أشف العريب، يف

)) أيلول / س��بتمرب ))0)، مل يتجاوز معدل النمو يف الربع األخري من

الس��نة املالية ))0)-))0) نس��بة ).)%. وتوقع الوزير أن ال يتجاوز

ه��ذا املعدل )% يف عام ))0)–))0)، خصوصا بعدما ارتفع العجز يف

ميزانية البالد إىل ))% من الناتج املحيل اإلجاميل.

ومبثل هذا األداء االقتصادي، يصعب عىل البالد مواجهة الرتاجع الهائل

يف الخدمات الرضوري��ة كالتعليم، والصحة، واإلس��كان، واملواصالت،

والتعامل مع مس��توى بطالة يص��ل إىل ).))%، أو ).) مليون عاطل.

ويضاع��ف وطأة التأزم االقتصادي، تراج��ع التصنيف االئتامين للبنوك

املرصية عامليا واهتزاز ثقة املجتمع الدويل باالقتصاد املرصي، بالتزامن

م��ع تنامي اآلمال لدى عموم املرصيني بفع��ل التوقعات الهائلة التي

حملتها الثورة يف نفوسهم ما يعني عمليا وجود فجوة هائلة بني الواقع

واملأمول يف ظل الرتاجع االقتصادي، األمر الذي س��يولد بدوره إحباطا

سياسيا لدى الجامهري، وهو ما يشكرل ضغطا اجتامعيا وسياسيا هائال

عىل الرئيس ونظامه ويزيد من أجواء الغضب واإلحباط الشعبيني))(.

وتظ��لر فرص تعايف االقتص��اد املرصي حاليا ضعيف��ة يف ظل خضوعه

لش��بكة واسعة من االقتصاديني ورجال األعامل الذين يرتبطون بنظام

مب��ارك والدولة العميق��ة، إذ لن يقدم هؤالء، أو قطاع واس��ع منهم

ع��ىل األقل، خدمة مجانية ملريس أو التع��اون معه عىل طريق إنجاح

مرشوعه الذي يتناقض مع البناء املصلحي العميق الذي دشنوه خالل

العق��ود املاضية، وم��ا نالوه من حظوة وتس��هيالت وامتيازات هائلة

عىل حس��اب مبادئ العدالة والقانون وعىل حس��اب املواطن املرصي

البس��يط الذي ازداد فقرا وبؤس��ا يوما بعد ي��وم يف ظل حكم النرظام

السابق وسياساته االقتصادية الفاسدة.

3 جالل أمني، "ثورة ))0) ومصري االقتصاد املرصي"، جريدةأالروقأاملرصية، )/)/))0).

4 فهمي هويدي، "خطاب غري تاريخي"، الجزيرةأنت، 9/))/))0).

ومن جانبه، حاول الرئيس املرصي خالل األشهر القليلة املاضية تحريك

هذا الركود االقتصادي من خالل الس��عي للحصول عىل قرض بفائدة

ضئيل��ة من صندوق النقد ال��دويل مبقدار ).) ملي��ار دوالر، وودائع

مالية من دول شقيقة وصديقة، توفرر للبنك املركزي مرونة يف الحركة،

بعد أن انخفض احتياطيه من العمالت األجنبية، منذ س��قوط النرظام

الس��ابق، من )) مليار دوالر إىل )) مليارا فقط. وقد استجابت قطر

بإي��داع ملياري دوالر، وتركيا بإيداع ملي��ار آخر. غري أن هذه الحلول

مؤقتة، وال س��يام أن األزمة أعقد بكثري م��ن توفري مرونة مالية للبنك

املركزي.

ا أدىن من االس��تقرار الس��يايس، وملا كان النمو االقتصادي يتطلب حد

تظل إمكانات هذا النمو مكبلة بحالة االنسداد السيايس، إذ مل تخرج

الب��الد نهائيا من حالة الف��وىض وعدم اليقني وغي��اب الثرقة وافتقاد

القوى السياس��ية القدرة عىل التوافق. فمعدل اإلرضابات العاملية مل

ي��زل عاليا؛ ومل تصل القوى السياس��ية إىل توافق عىل مجمل القضايا

العالقة، كاإلعالن الدستوري األخري أو مسودة الدستور الجديد؛ وليس

ولة بالقطاع الخاص هناك برملان بعد؛ كام أن كيفي��ة تطور عالقة الد

غري واضحة))(.

ولة العميقة، إذ ال ميلر فلول النرظام ي الثورة املضادة والد رابعا، تح��در

الس��ابق وأتباعهم واملستفيدون منهم توخي السبل الكفيلة بإجهاض

ث��ورة يناير والعودة بالب��الد إىل ما قبلها. وقد حرص الرئيس يف خطبه

ع��ىل لفت االنتباه لتأثري ذلك يف مس��رية الثورة، مش��ريا إىل أن دائرة

الفس��اد أوس��ع مام يظن كثريون، فقد أثرت يف الس��لوك االجتامعي،

بحيث أصبحت بعض القيم السلبية التي سادت يف املجتمع يف حاجة

إىل مراجع��ة. ولق��د حولت جمهورية الفس��اد واالس��تبداد املجتمع

والشعب من شيك أس��ايس يف السلطة إىل طرف تابع وخاضع، وهو

ما يحت��اج وقتا وجهدا هائلني ملعالجته، وإبع��اد من تبقى من نظام

مبارك داخل املؤسسات املؤثررة للدولة كالقضاء واإلعالم واملحليات))(.

خامسا، حالة القلق اإلقليمي والدويل من صعود تيار اإلسالم السيايس

وفوز مريس املحس��وب عىل جامعة اإلخوان، بالرئاس��ة. فال تزال قوى

إقليمي��ة ودولي��ة تتخوف من تبعات هذا الفوز، وما من ش��ك يف أن

هذا القلق سينعكس سلبيا عىل أداء الرئيس يف الداخل، وميثل تحديا

مهام بالنسبة إليه. ورمبا ينجح جزئيا إعامل سياسة التوازن واستدعاء

أ5 خلي��ل العناين، "م��ريس وتحديات بن��اء الجمهورية الثاني��ة"، جريدةأالحي��اةأاللندنية،

.(0((/((/ ((

6 بشري عبد الفتاح، "الرئيس مريس واملواجهة املحتملة"، الجزيرةأنت، ))/7/))0) .

85دراسات

الرئاسة المصرية بعد مبارك

الحس��ابات الدقيقة يف التعاطي م��ع قضايا املنطقة والع��امل، ولكنها

ليس��ت وصفة مضمونة يف نهاية املطاف يف ظل سعي مريس الستعادة

دها النرظام دور مرص ومكانتها العربية واإلس��المية واألفريقية التي بد

الس��ابق، ويف ظل حال��ة العداء املعلن��ة التي تظهره��ا بعض الدول

العربية لإلس��الميني، وخصوصا جامعة اإلخوان املس��لمني التي ينتمي

إليها مريس، واالنعكاسات الس��لبية املتوقعة لذلك عىل مسار العالقة

بني هذه الدول ومرص تحت حكم الرئيس الجديد)7(.

وأخريا، تيش التفاعالت التي أعقبت اإلطاحة مببارك، وحالة االستقطاب

السيايس الحاد بني تيار اإلسالم السيايس والقوى املدنية املعارضة، بأن

مؤسس��ة الرئاس��ة ورئيس الدولة بعد مبارك تعرضا ملا يشبه االمتهان

من جان��ب قوى املعارضة، بطريقة غري مس��بوقة وغ��ري معهودة يف

مرص، وه��و األمر الذي ظه��ر جليا يف أزمة اإلعالن الدس��توري الذي

أص��دره الرئيس يف )) ترشي��ن الثاين/ نوفمرب ))0)، والذي اس��تتبع

استياء لدى أوس��اط عديدة تجىل يف هجوم إعالمي حاد عىل الرئيس

وجامعته بعبارات بالغة الحدة وصلت يف أحيان كثرية إىل حد التطاول

عليهام، كام تجىل أيضا خالل التظاهرات التي حارصت القرص الرئايس

وسطرت عىل جدرانه عبارات مسيئة يف حق الرئيس، بينام كان يحظر

عىل أي إنس��ان حتى االقرتاب من أس��واره فيام م��ىض. وعديدة هي

التفس��ريات والتأويالت التي ذهبت إىل تفس��ري هذا التطور امللفت؛

فثم��ة من يرجعه إىل الثورة وما أحدثت��ه من تغيري يف نظرة املرصيني

للحاكم بفعل سقوط الفرعونية السياسية، وهناك من يعزوه إىل حالة

االنفالت األمني واالنقسام الحزيب وعدم االستقرار السيايس، ثم هناك

ه باتساع مساحة الدميقراطية وزوال القيود التي كانت تكبرل من يفرسر

حرية الرأي والتعبري))(.

اإلطار الدستوري

ع��ىل الرغم من الجدل الذي يدور حاليا بش��أن صالحيات الرئيس يف

مسودة الدس��تور الجديد، ما بني من يرون أنها تقلصت ومن يدعون

أنه��ا ال تزال ع��ىل حالها إن مل تكن قد زادت، فقد جرت مياه كثرية يف

مجرى صالحيات رئيس الجمهورية منذ تنحي مبارك وإس��قاط العمل

بدس��تور ع��ام )97)، وحتى طرح مس��ودة الدس��تور الدائم الجديد

لالستفتاء.

7 مريس: "أعباء القيادة يف مواجهة الرتكة الثقيلة"، تقدير موقف، مركز الجزيرة للدراسات،

.(0((/((/ (

8 مؤمن بسيسو، "مريس: تحديات ما بعد الفوز"، الجزيرةأنت، ) /7/))0).

لق��د وردت صالحي��ات الرئي��س يف دس��تور ع��ام )97) يف )) مادة

، وهي )) صالحي��ة مبا يع��ادل 7)% من إجاميل م��ن إجاميل م��واده

االختصاصات التي تحدثت عنها مواد الدستور، وهو ما كان ميثل أكر

من ضعف صالحيات السلطة الترشيعية املمثلة يف الربملان التي كانت

)) صالحية مبا يعادل نسبة ))% من مجمل الصالحيات.

وكان لرئي��س الجمهورية حق إصدار القوانني واالعرتاض عليها )املادة

)))(، ولرئيس الجمهورية الحق يف إصدار اللوائح التنفيذية للقوانني،

ول��ه أن ينيب غريه يف إصداره��ا )املادة )))(. ك��ام كان له الحق يف

إصدار لوائح الضبط وإصدار القرارات الالزمة إلنش��اء وتنظيم املرافق

واملصالح العام��ة )املادة )))(. وميكن للرئيس اتخاذ تدابري تكون لها

قوة القانون يف حال تعط��ل الربملان، وإصدار التدابري الترشيعية التي

تتالءم مع حالة الطوارئ. كام منحه الدس��تور حق العفو عن العقوبة

وتخفيفها )املادة 9))(. إضافة إىل ذلك، هناك سلطات رئاسية مطلقة

تتمثل يف إبرام املعاهدات الدولية دون الرجوع إىل الربملان. أما املادة

9)) م��ن الدس��تور، فكانت متنح رئيس الجمهوري��ة منفردا الحق يف

تعدي��ل أي مادة م��ن الدس��تور. وكان يحقر له كذل��ك حل مجليس

الش��عب والشورى يف أي وقت شاء، كام أعطاه الدستور رخصة إنشاء

املحافظات وإلغائها وتحديد نطاقها.

وكان الرئيس - وفق دس��تور )97) - يرتأس الس��لطة التنفيذية، وهو

القائ��د األع��ىل للقوات املس��لحة، ورئي��س مجلس الدف��اع الوطني،

والرئي��س األعىل ملجلس القضاء، والرئي��س األعىل للرشطة، وهو أيضا

رئيس الهيئ��ات الرقابية كافة مب��ا فيها الجهاز املركزي للمحاس��بات،

والجهاز املرك��زي للتنظيم واإلدارة، وهيئة الرقابة اإلدارية وغريها من

الهيئات الرقابية.

وكان للرئيس صالحية تعيني رئيس مجلس الدولة وتعيني النائب العام،

وتعي��ني رئيس مجلس الوزراء ونوابه وعزلهم، وتعيني الوزراء ونوابهم

وعزله��م، وتعيني املوظف��ني املدنيني والعس��كريني وعزلهم، واملمثرلني

السياسيني وعزلهم عىل الوجه املبني يف القانون، واعتامد ممثيل الدول

األجنبية، والعفو عن العقوبة وتخفيفها، أما العفو الش��امل فال يكون

إال بإصدار قان��ون. وكان له كذلك حق تعيني عرشة أعضاء يف مجلس

عب وثلث أعضاء مجلس الشورى، ودعوة الربملان لالنعقاد وفضه، الش

وحل الربملان أيضا. كام كان للرئيس - وفق دستور )97) - حق إصدار

ق��رارات لها قوة القانون. ومن صالحياته أيض��ا إصدار لوائح الضبط،

وحق إصدار القرارات الالزمة إلنشاء وتنظيم املرافق واملصالح العامة،

العدد ) 1 (

آذار / مارس 2013 86

وله حق إعالن حالة الطوارئ وفق القانون، ويجب عرض هذا اإلعالن

عىل مجلس الش��عب الذي كان يس��يطر عليه الح��زب الذي يتزعمه

الرئيس.

وجاءت ثورة )) يناير لتطيح برأس النرظام وتأيت باملجلس العس��كري

الذي عطل العمل بدس��تور )97)، وأصدر بعده إعالنا دس��توريا يف

آذار / مارس ))0)، بعد االستفتاء الذي أجري عىل تعديل مثاين مواد

من دس��تور )97). ومل تختل��ف صالحيات املجلس العس��كري التي

دها اإلعالن الدستوري يف مادته رقم )) عن صالحيات الرئيس التي حد

دها دس��تور )97)، إال أنه أضيفت إليها سلطة إصدار الترشيعات حد

التي كانت مخولة ملجلس الش��عب املنحل قبل الثورة وبعدها. ومن

أب��رز ه��ذه الصالحيات: الترشيع وإق��رار السياس��ات العامة للدولة

واملوازنة العام��ة ومراقبة تنفيذها )نقلت ه��ذه الصالحيات ملجلس

الش��عب املنتخب يف ش��باط / فرباير ))0)، ثم عادت إليه مرة أخرى

بحل املجل��س(، وحق تعيني عرشة أعضاء يف مجلس الش��عب وثلث

أعضاء مجلس الشورى.

وأعط��ى اإلع��الن للمجلس العس��كري أيضا حق إص��دار القوانني أو

االعرتاض عليها، ومتثيل الدولة يف الداخل والخارج، وإبرام املعاهدات

واالتفاقي��ات الدولية، وتعيني رئيس مجل��س الوزراء والوزراء وعزلهم

)مل يك��ن من حق الربملان س��حب الثرقة من الحكومة وكان هذا محل

خالف كبري بينه وبني املجلس العس��كري يف الفرتة األخرية(. وللرئيس

أو م��ن يقوم مقامه - وفق اإلعالن الدس��توري - حق إصدار القوانني

د إلعالن موقفه أو أو االع��رتاض عليها دون إلزامه مبدى زمني مح��د

ب��رد القانون ال��ذي يعرتض عليه إىل الربملان ملراجعت��ه وإعادة إقراره

بأغلبية الثلثني.

ل ليحد من صالحيات الرئيس بصورة ثم جاء اإلعالن الدستوري املكمر

أكرب، وجعله أش��به بأداة تنفيذية لقرارات املجلس العس��كري الذي

احتفظ لنفس��ه بصالحيات ترشيعية كاملة وتنفيذي��ة مؤثررة للغاية.

ل يبقى املجلس العس��كري هو املس��ؤول األوحد فوفقا لإلعالن املكمر

عن ش��ؤون القوات املس��لحة وميزانيته��ا وتعيني قادته��ا وال عالقة

لرئي��س الجمهورية املنتخ��ب بذلك. ومن ذلك أيض��ا، إعالن الحرب

أيضا، وتكليف القوات املس��لحة مبهام لتأمني البالد وحامية املنش��آت

الحيوية. وال ميكن إنجاز ذلك إال بإذن من املجلس العس��كري الحايل

ن تش��كيله الحايل، كام يحق له تش��كيل جمعية تأسيسية الذي حص

لوضع الدس��تور الجديد، يف حال حلت الجمعية التي كانت موجودة

حينئذ.

أما يف مس��ودة الدستور الجديد، فقد جرى تقليص صالحيات الرئيس

بنسبة 0)%عام كانت عليه يف دستور )97) الذي منح الرئيس سلطات

واس��عة بلغت ح��د التعدي عىل الس��لطتني الترشيعي��ة والتنفيذية.

إذ انح��رصت صالحيات الرئيس يف الدس��تور الجديد يف: "إعالن حالة

الط��وارئ، وحل الربمل��ان بعد أن يبلرغه رئيس ال��وزراء بعدم إمكانية

التعاون معه، ويجري ذلك دون استفتاء، ما يعني أنه مل تعد له سلطة

ف��اع عن الوطن وحامية ح��ل الربملان مبفرده، إضافة إىل س��لطات الدر

الدس��تور والعالقات الخارجي��ة، وإعالن حالة الح��رب، بعد موافقة

ف��اع الوطني، وتعيني املحافظني وكبار املوظفني وتس��مية مجلس الدر

رئيس الوزراء وتعيني الوزراء واعتامد الدبلوماسيرني". وقد جرى سحب

كثري من الس��لطات السابقة للرئيس مثل "تعيني 0) أعضاء يف مجلس

الش��عب، ورئاس��ة املجلس األعىل للقضاء واملجل��س األعىل للرشطة

واملجلس األعىل للقوات املسلحة")9(.

ثانيا- السياسة الداخلية

مأسسة الرئاسة��يس صارم تتس��م رئاس��ة الدولة يف البل��دان الدميقراطية بنظام مؤس

ينرصف غالب��ا إىل ثالث مجموع��ات عمل: أولها، مجموع��ة إدارية/

سياس��ية مهمتها الرئيس��ة تحقيق االس��تخدام األمثل لوقت الرئيس

دها؛ وثانيها، وجهده مبا يس��اعد عىل بلوغ األهداف الكربى التي يحدر

مجلس اقتصادي واجتامعي مهمته التفكري للس��لطة التنفيذية برمتها

ومتابعة تنفيذ ما يس��تقر عليه الرأي بحيث ال تعمل الرئاس��ة يف واد

والحكوم��ة يف واد آخر. ثم مجلس لألم��ن القومي يدرج عىل جدول

9 املستش��ار عالء قط��ب، "الرئيس يف الوثائق الدس��تورية املرصية"، مجل��ةأالدميقراطية،

)القاهرة: نيسان/أبريل ))0)(.

87دراسات

الرئاسة المصرية بعد مبارك

د األمن الوطني للدولة أعامله كل ما يخص السياسة الخارجية وما يهدر

داخليا وخارجيا.

وإىل جانب رضورة حصول هذه املجموعات الثالث عىل ثقة الرئيس،

فإن��ه البد لها من أن تك��ون عىل أعىل درجة من االح��رتاف واملهنية

م للرئيس كل صباح تقريرا ش��امال والتناغم فيام بينها، وهي التي تقدر

ع��ن أحوال البالد والخيارات املطروحة أمامه وكل ما تنطوي عليه من

ل املسؤولية يف النهاية. تكلفة ليك يتخذ القرار، ألنه وحده الذي يتحم

ويف مرص، أعيدت هيكلة رئاس��ة الدولة التي وضع محمد عيل باش��ا

س��ية واإلدارية األوىل مطلع القرن التاس��ع عرش، وجرى لبناتها املؤس

تنظيمها يف عهد الرئيس الس��ابق مبارك مرتني فقط طوال ثالثة عقود

م��ن الحكم؛ كانت أوالهام يف ع��ام ))9) بعد أن أصدر القرارين رقم

9)) بتش��كيل رئاس��ة الجمهوري��ة، ورقم0)) لس��نة ))9) بتحديد

اختصاصات األمني العام لرئاس��ة الجمهوري��ة. أما ثانيتهام، فكانت يف

ع��ام 9)9) بإصداره القرار )7 املكون من خمس مواد نظمت العمل

يف رئاس��ة الجمهورية، وهو القرار الذي ظل ساريا حتى تنحي مبارك

يف )) شباط / فرباير ))0).

وق��د كان اختيار العاملني يف مؤسس��ة الرئاس��ة يف عهد مبارك يخضع

ملعاي��ري مختلفة، منها الكفاءة يف بع��ض األحيان نظرا لالتصال الوثيق

بدائ��رة الحكم األهم، ولك��ن يف أحيان كثرية كان أهل الثقة وأصحاب

الوالء ميثرلون األغلبية العظمى من العاملني يف الرئاس��ة. وقد عمل يف

مؤسس��ة الرئاس��ة عدد هائل من الخ��رباء يف كل التخصصات تقريبا،

كرجال األم��ن، ورجال املخاب��رات، والخرباء االقتصادي��ني واملؤرخني،

وخ��رباء يف ع��دد من املج��االت منها اإلع��الم والصح��ة والربوتوكول

والدبلوماسية واإلحصاء والهندسة)0)(.

وىف مس��عى منه التخاذ خطوات باتجاه ما يعرف ب�"مأسسة الرئاسة"

خصنة، مبا يتامىش والتقاليد الدميقراطية التي طالبت وتحريرها من الش

به��ا ثورة الخامس والعرشين من يناير ))0)، عمد الرئيس مريس بعد

انتخاب��ه يف حزي��ران / يونيو ))0) إىل اختيار عدد من الش��خصيات

لش��غل بعض املناصب داخل القرص الرئايس، فع��ني نائبا للرئيس هو

املستش��ار محمود ميك، ورئيسا للديوان هو السفري رفاعة الطهطاوي،

إضافة إىل 7) مستش��ارا، من بينهم ش��خص قبطي هو الدكتور سمري

مرقص ال��ذي توىل ملف التحول الدميقراطي، كام اس��تحدث منصب

10 انظر مسودة الدستور املرصي الجديد.

مس��اعد الرئيس للعالقات الخارجية الذي مل يك��ن موجودا من قبل.

وبذلك، يحت��ل الرئيس مريس املركز األول، بال منازع، من بني رؤس��اء

الجمهورية الخمس��ة الذين تناوبوا عىل حك��م مرص منذ ثورة متوز /

يوليو عام ))9)، من حيث عدد املستشارين واملساعدين الرسميني.

غري أنه مل متض أسابيع عىل تويل هؤالء جميعا تلك املناصب واملواقع،

حت��ى بدأت ش��كوى الكث��ري منهم من ع��دم وض��وح االختصاصات

والصالحي��ات إىل ح��د عدم معرفتهم بحدود ال��دور الذي ميكن لكل

منهم أن يؤديه. إضافة إىل التضارب يف املهام بني أدوارهم ومهام بعض

املؤسس��ات واملناصب األخ��رى يف الدولة ك��وزارة الخارجية ومجلس

الوزراء، أو حتى مكتب اإلرشاد يف جامعة اإلخوان املسلمني)))(.

وكش��فت مصادر قريب��ة من ملف الرئاس��ة مجموعة م��ن األزمات

داخل املؤسس��ة الرئاس��ية، أطرافها نائب رئيس الجمهورية ومساعد

الرئيس للعالقات الخارجية ورئيس ديوان رئيس الجمهورية إىل جانب

رئيس الوزراء واملستش��ارين. فقد أخذ يش��كو هؤالء من أن تقلدهم

ه��ذه املناصب هو أقرب إىل الوجود الصوري أو الش��كيل، وال تجري

استش��ارتهم أو األخذ بآرائهم عند اتخاذ قرارات مصريية أو حاس��مة

في��ام يخص الكثري من القضايا وامللف��ات. فقد بدا خالل أزمة اإلعالن

الدس��توري الذي أصدره الرئيس مريس يوم )) ترشين الثاين / نوفمرب

))0) أن الرئيس ال يرجع إىل مستش��اريه إال يف أضيق نطاق، كام أنه

يختص باملش��ورة املقربني منهم من التيار اإلس��المي وجامعة اإلخوان

باألس��اس، كالدكتور س��يف الدين عب��د الفتاح أو الدكت��ورة باكينام

الرشقاوى، بينام ال يركن إىل املستشارين املحايدين أو املحسوبني عىل

تيارات سياسية أو فكرية أخرى.

وظهر ذلك بوضوح يف تقديم بعض املستش��ارين املقربني من الرئيس

وجامع��ة اإلخوان مبادرات أو مقرتحات للخروج من األزمة، بينام كان

م اس��تقالته للرئيس احتجاجا عىل تهميش��ه وعدم البع��ض اآلخر يقدر

معرفته املس��بقة بهذا اإلعالن أو استش��ارته بش��أنه كالدكتور س��مري

��اعر فاروق جويدة والكاتبة سكينة فؤاد، حتى إن سمري مرقص، والش

مرقص املعني مبل��ف التحول الدميقراطي، أكد يف حيثيات اس��تقالته

أنه مل يس��ترش ومل يكن لديه أي علم مسبق مبحتويات القرارات التي

أصدرها الرئيس أو مضامينها، والتي عدها البعض إعالنا دستوريا.

11 نبيل السهيل، "مرص والعهد الجديد"، الجزيرةأنت، ))/7/))0).

العدد ) 1 (

آذار / مارس 2013 88

ومع تفاقم أزمة اإلعالن الدس��توري األخري وتعقدها، أقدم عدد آخر

من مستش��اري الرئيس عىل االستقالة كالس��يد أمين الصياد والدكتور

عمرو الليثي والدكتور سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية

يف جامعة القاهرة، وأحد أكر املستشارين قربا من الرئيس)))(.

وبعد أن خرج نائب الرئيس املستش��ار محمود ميك عىل املأل مبفاجأة

م��ن العيار الثقيل، حين��ام أعلن يف مؤمتر صحفي عق��ده يوم الرابع

من كانون األول / ديس��مرب ))0) أن��ه مل يكن يعلم بتفاصيل اإلعالن

الدستوري الذي أصدره الرئيس مؤخرا، وأن له تحفظات عديدة عليه

وال يراه خطوة إيجابية، يطرح س��ؤال آخر مهم يف هذا املضامر، وهو:

من يصنع قرارات رئيس الجمهورية؟ إذا كان مس��اعدوه ومستشاروه

املتخصص��ون وذوو الخ��ربة مغيبني عن عملية صنع ه��ذا النوع من

القرارات املصريية؟!

ويف ح��وار ل��ه مع جريدة املرصي اليوم، أكد الدكتور س��امح الس��يد

-أس��تاذ العلوم السياس��ية يف جامعة أس��يوط- أن ما ميارسه الرئيس

مريس اليوم من تهميش أو تغييب ملستشاريه ومساعديه، إمنا يتامىش

مع النهج الثابت الذي انتهجه رؤس��اء الجمهورية السابقون يف مرص،

واملتمثرل يف تهميش دور املستش��ارين. فلقد درج هؤالء الرؤساء عىل

تعيني مستش��ارين وإسناد مهام ش��كلية لهم مفرغة املضمون، بينام

كانوا يس��تبدون بآرائهم ويس��تمعون إىل املقرب��ني منهم وأهل الثقة

فقط دون أخذ آراء املستشارين من ذوي الخربة يف االعتبار)))(.

��يس واإلداري الذي أثريت تس��اؤالت بش��أن اإلط��ار القان��وين واملؤس

يحكم عمل مؤسس��ة الرئاسة، وال سيام املساعدين واملستشارين، كام

أثار البعض تس��اؤالت بش��أن خرباتهم يف العمل السيايس وخلفياتهم

التعليمي��ة والثقافي��ة خصوص��ا وأن من بينهم ع��ددا ال بأس به من

األطب��اء الذين ليس لهم باع يف العمل الس��يايس. وكانت الش��ائعات

ترسي بخصوص قيام بعض مستش��اري الرئي��س من جامعة اإلخوان

بعزله عمن حوله من بقية املستش��ارين واملس��اعدين اآلخرين. وهو

األم��ر الذي أعاد إىل الواجهة تس��اؤالت مل تهدأ بش��أن عالقة الرئيس

املنتخب مبكتب اإلرش��اد وجامعة اإلخوان، وتأثريها يف أسلوب إدارته

للبالد، وما إذا كان يضطلع بهذه املهمة بوصفه رئيس��ا لكلر املرصيني

أم لفئة دون سواها)))(.

12 عبد املنعم سعيد، "مؤسسة الرئاسة"، جريدةأاألهرام، 7)/9/))0).

13 جريدةأاملرصيأاليوم، 0)/)/))0).

14أأأأأحم��د عبد الفتاح، "مستش��ارو الرئيس.. من نجيب إىل م��ريس"، جريدةأاملرصيأاليوم،

.(0((/(/((

ومن ش��أن هذا الوضع املربك أن يطرح تساؤالت خطرة بشأن جدوى

اختيار الرئيس لعدد كبري من املستش��ارين ال يستعني بهم يف الواقع،

كام يثري الشكوك يف مساعي الدكتور مريس ملأسسة رئاسة الجمهورية،

وتوس��يع دائرة اتخاذ القرار مبا يحول دون استئثار طرف بذاته أو فئة

بعينها بهذه املهمة. فمن ش��أن وض��ع كهذا أن يضيق من دائرة صنع

القرارات واتخاذها يف الوقت الذي تش��هد سلطات رئيس الجمهورية

اتس��اعا ملحوظا، األمر الذي ينذر باستمرار اإلشكالية املزمنة املتمثرلة

��خص عىل حس��اب املؤسس��ة، بحيث يكون لدينا يف تعاظم قوة الش

رئيس قوي ومؤسس��ة رئاس��ة ضعيفة ال تستطيع تقديم العون الالزم

لرئي��س الجمهورية س��واء يف وض��ع األولويات، أو قامئ��ة االختيارات

الخاصة بالسياس��ات العام��ة داخليا وخارجيا، بين��ام يحتاج الرئيس

سته إىل قاعدة برشية وفكرية مساعدة، خصوصا يف ظل تواضع ومؤس

رصيده من الخربة والتمرس)))(.

ح مصدر رئايس رفض الكش��ف عن نفس��ه، وبالت��وازي مع ذلك، رص

بأن حالة من عدم االرتياح أصابت نائب رئيس الجمهورية املستش��ار

محمود ميك الذي أش��ار إىل أنه يش��عر بالحرج جراء عدم مش��اركته

بص��ورة فعالة يف عملية اتخاذ القرار إىل حد جعل قطاعا واس��عا من

الجامهري ال يش��عر بوجود نائب لرئي��س الجمهورية، خصوصا بعدما

تردد أن مس��ودة الدس��تور الجديد عمدت إىل إلغ��اء منصب نائب

ح املصدر ذاته بأن ميك طل��ب من الرئيس إعفاءه من الرئي��س. ورص

منصب��ه إن مل تك��ن هناك حاجة فعلية إىل وج��وده، وهو األمر الذي

عا م��ا يبدو حاليا من تهمي��ش مرحيل لدور نائب رفض��ه مريس مرجر

الرئيس إىل تعقد املشاكل وتعدد األزمات عىل نحو مربك.

يف غضون ذلك، اس��تاءت بعض الدوائر داخل وزارة الخارجية بسبب

ما عدته تدخال س��افرا يف أعاملها من جانب مساعد الرئيس للعالقات

الخارجية عصام الحداد القيادي يف جامعة اإلخوان املس��لمني. وبررت

تلك الدوائر اس��تياءها هذا باختصاص مساعد الرئيس مبلفات بعينها

كالعالقة م��ع الواليات املتحدة. يضاف إىل ذل��ك أن مذكرات العرض

عىل وزير الخارجية يرسل من أغلبها نسخ ملكتب عصام الحداد، وقيل

إن��ه كان ينظر يف أمر إرس��ال عدد من الدبلوماس��يني ملعاونة الحداد

الذي يش��ارك يف اجتامعات عديدة يف وزارة الخارجية من دون إعالن،

فة التي بوصفه مستش��ارا سياس��يا للرئيس محمد مريس. وه��ي الصر

15 ضياء رشوان، برنامج "القاهرة اليوم"، قناةأاليوم املرصية الفضائية، )/))/))0).

89دراسات

الرئاسة المصرية بعد مبارك

يكلرف بناء عليها دبلوماسيني للعمل معه كام كان يفعل جامل مبارك

قبل تنحي والده املخلوع، بحسب مصدر مطلع يف الخارجية املرصية

رفض ذكر اسمه.

ويف ترصيحات لجريدة ال��روق املرصية، أكد املصدر ذاته أن عصام

الحداد يدير السياس��ة الخارجية املرصية بعي��دا عن وزارة الخارجية،

لدرجة أن الوزير محمد كامل عمرو يتلقى أحيانا معلومات من سفراء

مرص يف الخارج بش��أن قضايا يثريها الحداد مع مسؤولني أجانب دون

إخطار الخارجية بها.

وقد ظه��ر جليا التأزم يف العالقة بني عصام الح��داد ووزارة الخارجية

إب��ان أزمة التدخل العس��كري يف مايل دون عل��م الخارجية. إذ اتفق

الح��داد مع فرنس��ا ع��ىل التنس��يق بش��أن التدخل العس��كري ضد

الجامعات املس��لحة يف مايل من دون عل��م وزارة الخارجية املرصية.

كام بدأ الحداد قبيل االستفتاء الدستوري للمرصيني يف الخارج، إرسال

مبعوثني إىل عواصم غربية للرتويج لإلعالن الدستوري امللغى وتشجيع

االستفتاء عىل الدستور الجديد دون علم وزارة الخارجية أيضا)))(.

ويف ح��ني ال يبدي كثريون داخل مؤسس��ة الرئاس��ة وأجه��زة الدولة

الرسمية األخرى مرونة بريوقراطية، بحسب ما أكد املصدر ذاته، يبدو

وزير الخارجية محمد كامل عمرو متعايشا مع هذا الوضع الذي برره

بأنه ليس بالجديد عليه، إذ س��بق وأن عايش وضعا مامثال إبان حكم

مب��ارك، فالخارجية مل تك��ن تعلم أحيانا مبا يقوم ب��ه معاونو الرئيس

السابق املباشون مبا يف ذلك جامل مبارك نفسه.

ومن أبرز الظواهر التي اس��رتعت انتباه الجميع، إصدار الرئيس مريس

قرارات ثم تراجعه عنها، كقرار عودة مجلس الش��عب الذي أصدرت

16 أس��امة الغزويل، "الخرائط القدمية ضللت الفريق الرئايس ملحمد مريس"، جريدةأالحياةأ

اللندنية، )/))/))0).

املحكمة الدستورية العليا قرارا بحله يف متوز / يوليو ))0)، ثم تعيني

النائب العام عبد املجيد محمود سفريا ملرص لدى الفاتيكان يف ترشين

األول / أكتوبر ))0)، واإلعالن الدس��توري بعدها بشهر، ثم القرارات

الرضيبي��ة يوم ) كانون األول / ديس��مرب ))0) عىل الدخل والدمغة

والعقارات واملبيعات وتراجعه عنها قبل أربع وعرشين س��اعة فقط.

حتى إن مصادر كش��فت أن��ه تراجع عنها بإيعاز م��ن حزب الحرية

والعدالة ال��ذي يريد مترير االس��تفتاء عىل الدس��تور وتاليف الغضب

الشعبي.

وال تكمن مخاطر هذا التخبط اإلداري يف اهتزاز هيبة الرئيس املنتخب

فقط، وإمنا متتد لتؤثرر س��لبيا يف ثقة املستثمرين األجانب يف االقتصاد

املرصي الذي يعاين ارتباكا واضحا يف اإلدارة. وقد ظهرت بوادر ذلك يف

تراجع البورصة املرصي��ة، وتراجع التصنيف االئتامين للبنوك املرصية،

وتلوي��ح دوائر غربية بإمكانية تراج��ع صندوق النقد الدويل عن منح

مرص قرضا)7)(.

الرئيس وأزمة قرارات 22 تشرين الثاني/ نوفمبر2012

يب��دو أن أس��لوب إدارة الرئيس مريس لألزم��ات وطريقة تعاطيه مع

مستش��اريه ومساعديه، فضال عن س��وء تقديراته للمواقف، قد حاال

دون إدارت��ه تل��ك األزمات عىل نح��و ناجز، خصوصا م��ا يتصل منها

بالشأن الداخيل.

فخالل األشهر الخمس��ة املنقضية، بدا جليا مدى تواضع خربة النخبة

الحاكمة يف قضايا ش��تى مل يحسب الرئيس خاللها حساباته جيدا قبل

اتخاذ قرارات بش��أنها، وعدم إشاكه جيش املستش��ارين واملساعدين

الذي اختاره للعمل معه، واختصاصه ثلة منهم دون سواهم بالتشاور

قبل اإلقدام عىل أي خطوة، تاركا غالبيتهم يتلقونها ويفاجؤون بها عرب

وس��ائل اإلعالم، شأنهم يف ذلك ش��أن بقية املواطنني، وهو ما اضطره

للرتاجع عن بعض هذه القرارات الحقا عىل نحو وضعه يف حرج بالغ،

كام اضطر العديد من مستش��اريه لتقديم اس��تقاالتهم احتجاجا عىل

سية والثرقة)))(. التهميش الذي يخلو من املهنية كام تعوزه املؤس

دت أزمة قرارات )) ترشين الثاين/ نوفمرب أو ما عرف إعالميا لقد جس

باإلع��الن الدس��توري، منوذجا واضح��ا لس��وء إدارة الرئيس لألزمات

17 Marc Lynch, "Morsi's Mixed Moves", Foreign Policy, )November 24, 2012(.

18 جريدةأالروقأاملرصية، ))/))/))0).

العدد ) 1 (

آذار / مارس 2013 90

نت قراراته ضد الداخلية. ففي إصداره تلك القرارات املثرية التي حص

الطعن أو املراجعة حت��ى من جانب القضاء، كام أتاحت له االفتئات

ع��ىل عمل الس��لطة القضائية، ارتكن الرئيس إىل عدد من األس��باب،

كان م��ن أبرزه��ا: كونه أول رئيس مدين منتخ��ب دميقراطيا يف تاريخ

مرص الحديثة، وأنه الجهة الوحيدة املنتخبة شعبيا من بني مؤسسات

يس والدستوري وأجهزة الدولة التي تعمل وسط أجواء من الفراغ املؤس

بعد حلر أول مجلس ش��عب منتخب عقب الث��ورة. يضاف إىل ذلك،

رهانه عىل ترشذم القوى املدنية املعارضة وتواضع قدرتها عىل الحشد

مقارنة بقدرة جامعة اإلخوان املس��لمني أو التيارات الس��لفية يف هذا

املضامر، ثم تالقي بعض القرارات التي أصدرها مع إرادة قطاع شعبي

عري��ض كإعادة محاكمة رموز الفس��اد وقتلة الث��وار، وإقالة النائب

العام، وزيادة معاشات ضحايا الثورة من الشهداء واملصابني.

لس وغري املكلف رمبا اكتسب الرئيس مريس جرأة وثقة من نجاحه الس

يف إنهاء مش��اركة املجلس األعىل للقوات املسلحة له يف السلطة بعد

إصداره قرارات الثاين عرش من آب / أغسطس ))0)، عالوة عىل أدائه

املتوازن يف إدارة أزمة العدوان اإلرسائييل األخري عىل قطاع غزة، والذي

أكسبه تقديرا محليا وإقليميا ودوليا هائال)9)(.

غ��ري أن الرئي��س م��ريس فاته يشء يف غاي��ة األهمية، وه��و أنه تجرأ

عىل إص��دار قرارات بالغة الخط��ورة واإلثارة كونها تتي��ح له التغول

عىل الس��لطة القضائية إىل جانب هيمنته عىل الس��لطتني التنفيذية

والترشيعية مع غياب مجلس الش��عب، بينام مل يواكب ذلك إنجازات

اقتصادية واجتامعية للرئيس املنتخب عىل أرض الواقع خالل األش��هر

الخمسة املنقضية من حكمه تعزرز من رصيده الشعبي لدى الجامهري

��اخطة واملس��تاءة من تأخر مثار الثورة. وذل��ك عىل غرار ما فعل الس

رئي��س الوزراء الرتيك رج��ب طيب أردوغان يف ب��الده، والذي أفضت

19 جريدةأالروقأاملرصية، تقارير، ))/))/))0).

إنجازاته االقتصادية واالجتامعية الهائلة ونجاحاته يف إدارة السياس��ة

الخارجية لبالده، إىل تعاظم تأييده ش��عبيا إىل الحد الذي خوله اتخاذ

خط��وات إصالحي��ة جريئ��ة غري مك��رتث بتحالف املعارض��ة الرتكية

يف مواجهت��ه ومس��اعيها الحثيث��ة لإلطاحة بحكومة "ح��زب العدالة

والتنمية" ذي الجذور اإلسالمية.

، نتيجة لس��وء تقدير، أن تخلصه السلس ولعل الرئيس مريس قد ظن

واله��ادىء من مش��اطرة العس��كر ل��ه يف الحكم وارتكان��ه إىل دعم

جامعة اإلخوان والتيارات الس��لفية ذات القدرة الهائلة عىل الحش��د

الجامهريي، من ش��أنه أن يس��تتبع نجاحا مامثال ألي محاولة جديدة

م��ن جانبه لإلجهاز عىل خصومه س��واء يف داخل املؤسس��ة القضائية

أو األجه��زة األمنية ومؤسس��ات الدول��ة البريوقراطية. فق��د بدا أنه

غ��ري مدرك مل��ا ميكن أن تطوي��ه املقارنة بني القوات املس��لحة وتلك

املؤسس��ات من فوارق ال يس��تهان بها، لعل أبرزه��ا طبيعة التكوين

وآليات العمل الداخلية والبنية التنظيمية وإدراك املسؤولية الوطنية

يف وق��ت األزمات، ومدى االرتب��اط بالنرظام الس��ابق وعنارص الثورة

املض��ادة، فضال ع��ن رؤية كل منها ملا يجب أن تك��ون عليه عالقاتها

بالشعب والنرظام)0)(.

واستنادا إىل تلك الحسابات التي رمبا أساء الرئيس إجراءها، انشطرت

البالد إىل ش��طرين بعد أن ازدادت حدة االس��تقطاب الس��يايس بني

القوى املدنية والتيارات اإلس��المية، وباتت الثورة املرصية عىل املحك

إث��ر التهديدات املتبادلة بالتصعيد واس��تخدام العنف، فقد تفاقمت

األزمة بني الرئيس والقوى املدنية والثورية التي أبدت رفضها لقراراته

وذهب��ت يف التعبري عن ه��ذا الرفض إىل مدى بعيد. فقد اش��رتطت

لتعليق تظاهراتها واعتصامها يف ميدان التحرير ومحيط قرص الرئاسة،

إلغاء قرارات الرئيس وعدم إجراء االس��تفتاء عىل مس��ودة الدس��تور

الجدي��د واعت��ذار الرئي��س للش��عب. وبالتزامن مع ه��ذا التصعيد،

اتس��عت الفجوة ب��ني الرئيس وقطاع كبري من القض��اة رفض قرارات

الرئيس واإلشاف عىل إجراء االستفتاء عىل مسودة الدستور الجديد.

أرص الرئيس بدوره عىل عدم الرتاجع عن قراراته حفاظا عىل هيبته التي

اهتزت إثر تراجعه مرتني سابقتني عن قرارين سبق وأن اتخذهام؛ كان

أولهام بشأن عودة مجلس الشعب الذي أصدرت املحكمة الدستورية

العلي��ا حكام بحله يف متوز/ يولي��و، بينام متثرل ثانيهام يف إقالة النائب

20 حم��دي رزق، "واملستش��ارون واملس��اعدون عن��ه غافل��ون"، جريدة امل��رصيأاليوم،

.(0((/((/((

91دراسات

الرئاسة المصرية بعد مبارك

العام عبد املجيد محمود وتعيينه سفريا ملرص لدى الفاتيكان يف نهاية

ترشي��ن األول/ أكتوبر ))0). وما ب��ني تعنت املعارضة وعناد الرئيس

ورفض كل منه��ام تقديم أي تنازالت أو اتخاذ خطوة للوراء والوصول

إىل حل وس��ط، ازدادت وترية التصعيد بني مؤيدي الرئيس ومعارضيه

يف ميدان التحرير ومحيط القرص الرئايس عىل نحو أس��فر عن سقوط

خمسة قتىل فضال عن مئات الجرحى)))(.

يف مساء الثامن من كانون األول / ديسمرب، طرح مريس مبادرة لحلحلة

األزمة، إذ أصدر إعالنا دس��توريا جديدا أجرى مبقتضاه تعديالت عىل

اإلعالن الس��ابق املثري للجدل وألغى املادتني الثانية والسادس��ة التي

ن قرارات الرئي��س، فيام أبقى عىل كان��ت مبعث التوتر كونه��ا تحصر

إجراء االستفتاء عىل مسودة الدستور الجديد يف موعده. وهي املبادرة

الت��ي قوبلت بردود فع��ل متباينة من جانب جبه��ة اإلنقاذ الوطني

املعارضة، وال سيام أنها مل ترق إىل مستوى تطلعاتها.

الرئيس مرسي والجيش

يجوز االدع��اء أن الرئيس مريس قد أجاد، إىل ح��د كبري، التعاطي مع

الجي��ش واملجلس األعىل للقوات املس��لحة خالل املرحل��ة االنتقالية.

فق��د آثر تجنيب البالد والعباد أي تداعيات س��لبية خطرة ألي صدام

معهام، وأنهى دورهام يف الحياة السياسية بطريقة ذكية وهادئة، ومن

دون أي اضطرابات، وس��ط ظروف صعبة وبالغة الحساسية، مبا يسد

الب��اب أمام أي صدامات ميك��ن أن تنال من اس��تقرار البالد وتقورض

الث��ورة أو تجهض عملية التحول الهادئ والس��لمي نحو الحكم املدين

الدميقراطي)))(.

ففي خط��وة جريئة وغري متوقعة، أص��در الرئيس مريس يوم )) آب

/ أغس��طس من ع��ام ))0)، حزمة قرارات حاس��مة أنهى من خاللها

حال��ة االزدواجية يف الس��لطة وإدارة البالد، إذ انتزع س��لطات رئيس

ور الس��يايس للمجل��س األعىل للقوات الجمهوري��ة كاملة، وقلص الد

املس��لحة كمرشف عىل العملية االنتقالية بع��د ثورة )) يناير ))0).

ل فبإصداره اإلعالن الدس��توري الجديد يلغي اإلعالن الدستوري املكمر

الص��ادر يف 7) حزي��ران / يونيو ))0)، الذي انف��رد الرئيس املنتخب

بالسلطة التنفيذية بغري منازع. كام آلت إليه السلطة الترشيعية حتى

21 ضي��اء رش��وان، "اإلعالن الدس��توري والحس��ابات الخاطئ��ة"، جريدةأامل��رصيأاليوم،

.(0((/((/((

22 "قرارات مريس: ثورية أم دكتاتورية؟"، الجزيرةأنت، ))/))/))0).

انتخاب برملان جديد، واس��رتد س��لطته كقائد أعىل للقوات املسلحة،

واحتفظ بحق إعادة تش��كيل الجمعية التأسيسية بالتشاور مع القوى

الوطنية، إذا ما حال أي مانع دون استكاملها مهامها.

وق��د ارتأى الرئيس مريس يف هذه القرارات محاولة لضخر دماء جديدة

يف شاي��ني القوات املس��لحة، وفرصة لرأب الص��دع الذي بدأ يرضب

صفوفه��ا عرب إنهاء حال��ة عدم الرضا عن بعض القيادات العس��كرية

العليا وسط صغار الضباط والجنود، فضال عن سد الفجوة الجيلية بني

أولئك اآلخرين وقائد عام كان يالمس الثامنني عاما بعد أن بقي طوال

)) عاما وزيرا للدفاع)))(.

ور األم��رييك يف عملية تغيري قيادات وق��د ال نبالغ إذا ما زعمنا أن الد

الق��وات املس��لحة املرصية، مل يكن غائبا. فع��ىل الرغم من أن اإلدارة

األمريكي��ة امتنعت، يف بادئ األم��ر، عن إصدار أي ردة فعل رس��مية

ثة باسم الخارجية األمريكية، فورية عىل قرارات مريس، مل تتورع املتحدر

فيكتوري��ا نوالند، عن التأكيد عىل أن بالدها كانت عىل علم مس��بق

بوج��ود محادثات بخصوص تعيني طاق��م جديد للدفاع يف مرص، وإن

كان��ت أقل اطالعا عىل توقيت اتخاذ القرارات. ويف ردرها عىل س��ؤال

عن إمكانية اعتبار ما حدث من تغيري لفريق الدفاع املرصي يف منزلة

"انقالب ناعم" من الرئيس مريس عىل قيادات الجيش، نفت نوالند أن

تكون بالدها قد استخدمت هذا التعبري يف وصف ما جرى.

وإبان زيارات قاموا بها للقاهرة خالل األس��ابيع األخرية التي س��بقت

التغيريات، أكد عدد من املس��ؤولني األمريكي��ني الذين كان من بينهم

وا تطمينات من الرئيس املرصي بش��أن اإلبقاء جون ماك��ني، أنهم تلق

ع��ىل العالقات الراس��خة واملتميرزة ب��ني الجيش املرصي وواش��نطن،

خصوصا يف مجاالت التسليح والتدريب واملساعدات االقتصادية، حالة

ح��دوث أي تغيريات جوهرية يف قيادة ذل��ك الجيش. هذا فضال عن

عدم املس��اس باملصالح األمريكية يف املنطقة كمعاهدة السالم املوقعة

بني القاهرة وتل أبيب، وتأم��ني القواعد األمريكية يف املنطقة، وضامن

املرور اآلمن يف قناة الس��ويس، واإلبقاء عىل التنسيق األمني والتفاهم

اإلس��رتاتيجي بني واش��نطن والقاهرة، فضال عن االستثامرات األمريكية

بشتى صورها.

وتأسيس��ا عىل ذلك، جاءت الضغوط املتنامية التي طفقت واش��نطن

متارس��ها ع��ىل املجلس العس��كري لحمله عىل تس��ليم الس��لطة غري

23 محمد شومان، "انقسام مرص وأوهام االنتصار"، جريدةأالحياةأاللندنية، )/))/))0).

العدد ) 1 (

آذار / مارس 2013 92

املنقوص��ة ومن دون إحداث توت��رات للرئيس املدين املنتخب، وعدم

التدخ��ل يف العملي��ة السياس��ية بعد ذلك. فإىل جان��ب الترصيحات

واالنتق��ادات الحادة الت��ي مل تتوان اإلدارة األمريكي��ة عن إمطاره بها

مؤخ��را، جاء يف صدارة شوط املس��اعدات العس��كرية املقدمة ملرص

س��نويا والبالغة قيمتها ).) مليار دوالر يف العامني اللذين أعقبا تنحي

مبارك، رضورة تسليم املجلس العسكري السلطة إىل املؤسسات املدنية

املنتخبة دميقراطيا. يضاف إىل ذل��ك عالنية ميزانية الجيش والرشطة

املرصيني وتوف��ري رقابة مدنية عليهام، واح��رتام القواعد الدميقراطية

وسيادة القانون واالنتخابات الحرة والحريات العامة والفردية كافة.

وخ��الل زياراتها للقاه��رة حينئذ، حرصت وزي��رة الخارجية األمريكية

هيالري كلينتون عىل توصيل رسائل واضحة ومباشة للمشري طنطاوي

يف ه��ذا اإلط��ار، إىل الحد الذي دفع ب��ه إىل الترصيح يف كلمته خالل

حفل تسليم وتسلم قيادة الجيش الثاين امليداين يف اإلسامعيلية وبعيد

س��اعات من لقائه كلينتون، بأن مدفوع��ني من الخارج يحاولون دامئا

الوقيعة بني الش��عب وقواته املسلحة، وأن مرص ستظلر لكلر املرصيني

ولن تكون ملجموعة واحدة بعينها، ألن القوات املس��لحة لن تس��مح

بذلك)))(.

وع��ىل الرغم من الحفاوة الت��ي قوبل بها ق��رار الرئيس مريس بإقالة

املشري ورئيس األركان وإنهاء ازدواجية الحكم خالل املرحلة االنتقالية،

تفاقم��ت مخاوف قوى ثوري��ة ومدنية من أن يف��يض نجاح الرئيس

م��ريس يف إنهاء ازدواجية الس��لطة بينه وبني املجلس العس��كري، إىل

تغذية مش��اعر الهيمنة والرغبة يف االستحواذ لدى الرئيس وجامعته،

خصوص��ا بعد أن أم��ى الرئيس ميارس صالحيات��ه كاملة بغري شيك

وصار يجمع بني الس��لطتني الترشيعية والتنفيذية، يف غياب الدستور

الدائم ووجود إعالن دس��توري يسمح بذلك، يف وقت استبد الضعف

واالنقسام بسائر القوى املدنية والثورية.

ويف املجرى ذات��ه، وردت اتهامات فقهاء دس��توريني للرئيس بتجاوز

حدود صالحياته حينام أقدم، من دون أس��انيد دس��تورية أو قانونية،

عىل إلغاء وثيقة دس��تورية بعد أن أقس��م مبوجبه��ا كرئيس منتخب

اليمني الدس��تورية ع��ىل أن يحرتم القانون والدس��تور، ث��م إصداره

اإلعالن الدس��توري الجديد بينام هو ال ميثرل أصال س��لطة تخورله هذا

24 لواء أ.ح: محمد قش��قوش، "العالقات املدنية العسكرية..اإلشكاليات السبع التي تواجه

الجيوش يف مرحلة ما بعد الثورات"، مجلةأالسياس��ةأالدولية، العدد )))، )القاهرة: نيس��ان/

أبريل ))0)(.

األمر. يضاف إىل ما س��بق أن قرارات مريس املصريية يف هذا املوضوع

��اس جرت بغري تفاوض معلن وش��فاف بني جبهة تضمر ممثرلني الحس

أللوان الطيف الس��يايس والوطني كافة من جان��ب واملجلس األعىل

للقوات املس��لحة من جانب آخر، إذ استأثر الرئيس بحسم األمر عىل

نحو مفاجئ)))(.

ومل��ا كانت الطريقة أو اآللية التي من خاللها يجري دمقرطة الجيوش

وإبعادها عن السياسة، من حيث امتالك زمام املبادرة وأسلوب تنفيذ

هذا األمر وتوقيته، تس��هم يف توزيع الصالحيات والسلطات وتحديد

موازين القوى وش��كل العالق��ات بني الفاعلني السياس��يني يف النرظام

الذي يشهد هذه العملية الحقا، مل يفلح تربير الرئيس وجامعته لذلك

االنفراد. وهو التربير الذي يقول إن القوى السياس��ية املدنية األخرى

تفتق��د التجانس والقدرة عىل التوافق وبل��ورة تصور متوازن يف هذا

دد، وإنه مل يكن مبقدور بعضها التفاوض مع العس��كريني للعودة الص

إىل الثكن��ات بعد أن الذت بهم للحيلولة دون صعود جامعة اإلخوان،

يف تهدئ��ة مخاوف القوى املدنية والثورية من تداعيات هذه الخطوة

يف الطريقة التي نفذت من خاللها)))(.

فإىل جانب هواجس الهيمنة اإلخوانية واحتامالت الفرعونية السياسية

للرئيس مريس، اس��تنكر اتحاد ش��باب الثورة يف بي��ان له حينئذ، قرار

الرئيس منح املش��ري طنطاوي قالدة النيل، والفريق سامي عنان نوط

الجمهوري��ة وهام أرفع وس��امني يف البالد، ثم تعيينهام مستش��ارين

للرئيس، األم��ر الذي عزز مخاوف القوى الثوري��ة من أن يؤمن لهام

ذلك التكري��م حصانة ضد املحاكمة عن أي أخطاء ميكن أن تنس��ب

إليهام، سواء قبل تنحي مبارك أو إبان املرحلة االنتقالية.

وعىل الرغم من أن القانون رقم )) لسنة )97) املنظم ملنح األوسمة

واألن��واط املدنية، مل يضمن أي حصانة قضائية لحامل تلك األوس��مة

واألن��واط الرفيعة، بل إن امل��ادة )) من القانون، تنصر عىل أنه يجوز

لرئيس الجمهورية تجريد حامل القالدة أو الوشاح أو الوسام أو النوط

منه إذا ارتكب أمرا يخلر بالرشف أو ال يتفق واإلخالص للوطن، طالب

اتحاد شباب الثورة برضورة محاكمة املشري وأعضاء املجلس العسكري،

ومن بينهم وزير الدفاع الجديد املتهم يف قضية كشوف العذرية العام

امل��ايض، جراء قتل الث��وار وتعذيبهم. وهو ما عدوه مس��عى رضوريا

25 محمد صالح، "مريس يطيح املجلس العسكري"، جريدة الحياةأاللندنية، ))/)/ ))0).

26 س��عيد الشهايب، "رصاع اإلرادات بني مريس واملجلس العسكري"، جريدةأالقدسأالعريب،

.(0((/(/((

93دراسات

الرئاسة المصرية بعد مبارك

للحيلولة دون إمتام صفقة اإلخوان واملجلس العسكري بشأن سيناريو

خروج��ه اآلمن وعدم املس��اس بوضع الجيش وامتيازاته يف الدس��تور

الجديد، لقاء انفراد الطرف األول بالسلطة)7)(.

وبن��اء عليه، رأت قوى ثورية ومدني��ة، خصوصا تلك التي كانت تلوذ

باملجلس العسكري وتراهن عليه إلحداث التوازن املطلوب يف الساحة

السياسية، مقابل صعود اإلخوان وتنامي قوتهم التنظيمية واالنتخابية،

يف قرارات الرئيس مريس دافعا لتجاوز الخالف واالنقس��ام فيام بينها.

فقد رأت قبول التعاون والعمل املشرتك لتشكيل جبهة سياسية فاعلة

ومعارض��ة ملا يرونه انفرادا إخوانيا بالس��لطة وإعادة إنتاج الفرعونية

السياس��ية التي أسقطتها ثورة يناير ))0)، من خالل الضغط الشعبي

إلعادة تش��كيل الهيئة التأسيس��ية التي كانت معنية بكتابة الدستور

حينذاك مبا يس��مح بتمثي��ل القوى والتي��ارات السياس��ية كافة فيها

وإس��ناد مهام الترشيع لها. األمر الذي سيحول دون أن يجمع الرئيس

بني السلطتني الترشيعية والتنفيذية، إضافة إىل تنسيق الجهد ملواجهة

ما يعدونه زحفا إخوانيا خالل االستحقاقني االنتخابيني املقبلني الربملاين

والبلدي)))(.

ومن زاوية أخرى، تبقى اإلش��ارة إىل أن نج��اح الرئيس مريس يف إنهاء

ازدواجية الس��لطة بينه وب��ني املجلس األعىل للقوات املس��لحة، رمبا

يط��وي بني ثناي��اه ضغوطا إضافي��ة عليه من جهة مغاي��رة. فاكتامل

س��يطرته عىل مفاصل الس��لطة كافة بال من��ازع وبغري شيك منذ ))

آب / أغس��طس ))0)، من شأنه أن يفتح باب النقد واالتهام للرئيس

املنتخ��ب بالفش��ل أو التقصري عىل مرصاعي��ه، وأن يحرمه من فرصة

إرجاع فقدان الفعالية وبطء اإلنجاز إىل نقص الصالحيات والسلطات

جراء ازدواجية السلطة أو مشاركة أنداد وقوى أخرى له يف الحكم)9)(.

ويف ش��هر كان��ون األول / ديس��مرب ))0)، ومع اش��تداد وطأة حالة

االستقطاب السيايس الحاد يف البالد بني التيارين اإلسالمي واملدين جراء

ات عىل االستفتاء عىل مسودة الدستور الجديد، الحت يف األفق مؤشر

رغبة الجيش املرصي يف العودة إىل الس��احة السياسية للحيلولة دون

تصاعد األزمة وانفجار املوقف.

27 "Egyptian military curtails powers of the next president", Los Anglis

Times, 19/6/2012.

28 للمزيد، انظر: باس��كال فنس��ون، تيودور كابل��و،أعلمأاالجتامعأالعس��كري، )باريس:

مطبوعات آرمان كوالن، 000)(، ص )).

29 معتز س��المة، "الجيش املرصي والسياس��ة بعد مبارك"، مجل��ةأالدميقراطية، )القاهرة:

ترشين األول/أكتوبر ))0)(.

فأص��در الجيش بيانني متتاليني أك��د خاللهام حرصه عىل وحدة البالد

واستقرارها ودعمه للرشعية والدميقراطية، كام دعا األطراف املتناحرة

ه لالحتكام إىل الحوار الجاد والبناء. وبعد يومني من إصدار بيانيه، وج

وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السييس دعوة إىل رموز املعارضة

وفنان��ني ورياضي��ني وصحافيني وإعالميني وممثلني لألزهر والكنيس��ة

بحضور الرئيس مريس، لحضور لقاء أسامه "مل شمل األرسة املرصية".

وعىل الرغم م��ن تأكيد وزير الدفاع أن غرض الدعوة اجتامعي بحت

وال عالقة له بالسياس��ة أو األزمة الدستورية التي تعصف بالبالد، فقد

اس��تتبعت تلك الدعوة تس��اؤالت وتكهنات مثرية بشأن الغرض منها

وتأثريه��ا يف عالقة الرئيس بالقوات املس��لحة، ودور الجيش يف األزمة

الدس��تورية بل ويف العملية السياس��ية برمته��ا. وحملت دعوة وزير

ات ع��ىل أن الجيش مل يختف كلية عن الدف��اع يف طياتها كذلك مؤشر

املشهد الس��يايس ويس��عى ألن يقوم بدور عنرص التوازن يف املعادلة

السياس��ية، يف ظ��ل ترشذم القوى السياس��ية وافتقاده��ا القدرة عىل

التوافق)0)(.

لقد تضافرت عوامل شتى لنسج حالة الغموض واالرتباك التي أحاطت

بتل��ك الدعوة وما أفرزته من تداعيات. إذ أكد مراقبون عىل أن دعوة

وزي��ر الدفاع للحوار جاءت دون علم الرئيس مريس، وأنه مل يس��بقها

أي تنس��يق بني مؤسسة الرئاس��ة ووزارة الدفاع. واستشهد املراقبون

يف ذلك، بحالة التخبط التي خيمت عىل أس��لوب تعاطي الرئاسة مع

الدعوة، س��واء من خالل نفي رئاس��ة الجمهورية يف بادئ األمر وجود

هذه الدعوة من األس��اس، أو عرب ادعاء مدير مكتب الرئيس الدكتور

أحم��د عبد العاط��ي أن الدعوة جرت بعلم الرئي��س وإذنه، واإلعالن

الحقا أنه س��يحرض فعالي��ات اللقاء املزمع. يضاف إىل ذلك مس��اعي

مس��ؤويل الرئاس��ة واإلخوان للتقليل من األهمية السياس��ية للدعوة

مؤكدي��ن أن الدع��وة إىل أي حوار وطني ال تأيت إال من الرئاس��ة دون

ث باسم الرئاسة الدكتور يارس عيل أن الحوار س��واها. فقد أكد املتحدر

الوطني مقرهر قرص االتحادية فقط وليس أي مكان آخر. وأكد محمود

ث باسم جامعة اإلخوان أن دعوة وزير الدفاع جاءت من غزالن املتحدر

أج��ل تناول الغداء يف القرية األوملبي��ة للدفاع الجوي وليس من أجل

الحوار، فالرئاس��ة وحدها هي من يحق له��ا الدعوة إىل حوار وطني

وليس الجيش الذي ال يجوز له االنخراط يف النشاط السيايس.

30 بش��ري عبد الفتاح، "تغيريات مريس والعالقات املدنية العسكرية يف مرص"، الجزيرةأنت،

آب/ )) أغسطس ))0).

العدد ) 1 (

آذار / مارس 2013 94

ويف الس��ياق ذاته، جاءت حالة االس��تياء البالغة التي أبدتها مؤسسة

ث باس��م القوات الرئاس��ة من دعوة وزير الدفاع، إىل حد دفع املتحدر

املس��لحة إىل إعالن إرجاء اللقاء إىل أجل غري مسمى. ومل يكن الرئيس

مريس قد أكد حضوره هذا الحوار قبل إعالن إرجائه. األمر الذي ييش

عوة إىل الحوار مل يكونا نتيجة تنس��يق مس��بق بني ب��أن البيانني والد

وزارة الدفاع والرئاس��ة، وإمنا مببادرة من األوىل وقوبلت باس��تياء من

الرئاس��ة وجامعة اإلخ��وان. وهذا ما دفع وزير الدف��اع للرتاجع عنها

وإرجائه��ا مربرا ذلك مبا عده ضعف اس��تجابة من القوى السياس��ية

للدعوة عىل النحو املطلوب.

ولقد لوحظ ظهور الرلواء محمد العصار مس��اعد وزير الدفاع، املتبقي

من زمرة املجلس العس��كري القدمية، بصورة مكثفة يف وسائل اإلعالم

بإيعاز من الرئيس، وعكف الرجل عىل التأكيد أن الحوار ال يحمل أي

د العصار صبغة سياس��ية وأنه دعوة حوار للعائلة املرصية فقط. وشد

ل فيها. عىل أن الجيش مل يعد له عالقة بالسياسة ولن يتدخ

وعىل الرغم من أن التجربة املريرة التي خاضتها القوات املس��لحة يف

إدارة الب��الد خالل املرحلة االنتقالية قد أس��همت بوضوح يف تقليص

ش��هيتها لالنخراط يف العمل السيايس، فاستياء الرئاسة من دعوة وزير

الدف��اع وتحركاته، يعود باألس��اس إىل أن االس��تجابة الواس��عة لتلك

الدعوة قد تظهر الرئيس كام لو كان ضعيفا وال ميلك السلطة الفعلية،

وأن دور القوات املسلحة مل ينته متاما)))(.

ثالثا- السياسة الخارجية

يصعب الحديث عن سياس��ة خارجية واضحة املعامل ومكتملة األبعاد

مل��رص بين��ام هي ال تزال يف مرحل��ة الثورة ومل تنتق��ل بعد إىل حقبة

الدول��ة. فالرئيس مريس مل ميض يف الحكم س��وى وقت قصري. بيد أنه

ميكن الوقوف عند بعض الرس��ائل التي حاول الرئيس مريس أن يبعث

بها يف اتجاهات شتى يف الداخل والخارج من خالل بعض املبادرات أو

ردود األفع��ال التي صاحبت تحديات إقليمية ودولية أو تبعتها، وكان

من أبرز تلك الرسائل)))(:

31 جريدةأالروقأاملرصية، ))/))/))0).

32 أم��ل حامدة، "أبعاد التغري يف السياس��ة الخارجية خالل مرحلة م��ا بعد الثورة"، مجلةأ

السياسةأالدولية، العدد )))، )نيسان/أبريل ))0)(.

املش��اركة يف القم��ة الطارئ��ة ملؤمتر منظم��ة التعاون اإلس��المي يف

الس��عودية يف مت��وز/ يولي��و ))0)، والت��ي جرى اس��تغاللها يف ترميم

العالقات املرصية السعودية التي تأثرت كثريا مع اندالع أزمة دبلوماسية

بني البلدين عندما أغلقت الس��عودية يف )) نيس��ان / أبريل س��فارتها

يف القاهرة وقنصليتيها يف اإلسكندرية والسويس بعد تظاهرات طالبت

باإلفراج عن محام وناشط حقوقي مرصي اعتقل يف السعودية.

لق��د كانت زيارة الرئيس مريس للس��عودية أول زي��ارة خارجية، منذ

عم االقتصادي انتخابه رئيسا للجمهورية. وقد ناقش خاللها برنامج الد

الس��عودي ملرص، فضال ع��ن إذابة أي خالفات ميك��ن أن تعكرر صفو

العالق��ات بني البلدين. أعادت الزي��ارة الدفء إىل عالقات مرص بأكرب

شيك تج��اري لها وصاحب أكرب حجم من االس��تثامرات العربية، إذ

يبلغ حجم التبادل التجاري بني البلدين نحو خمس��ة مليارات دوالر.

وس��اعدت الزيارة أيضا عىل تأكيد عودة مرص إىل دائرتها اإلس��المية،

وطرح مبادرة لتسوية األزمة السورية، تكون مرص أحد أطراف مربعها

الفاعل، إىل جانب السعودية، وإيران، وتركيا.

وأك��د الرئي��س محمد مريس إبان الزي��ارة، عىل أن اململك��ة العربية

السعودية حاضنة الحرمني الرشيفني وراعية مرشوع "اإلسالم الوسطي

السني"، وأن مرص هي حامية لهذا املرشوع، وما بني الراعي والحامي

أنساب وصهر. وقال مريس خالل لقائه بالجالية املرصية يف السعودية،

إن مرص تحتاج إىل اململكة العربية الس��عودية وإن السعودية تحتاج

إىل مرص، وإذا اتفق الش��عبان والدولتان ستكون هناك نهضة حقيقية

يف الع��امل العريب واإلس��المي. وهي الترصيحات الت��ي أثارت حفيظة

دوائ��ر عدي��دة يف املنطقة وخارجه��ا كونها أضفت س��متا طائفيا أو

مذهبيا ع��ىل خطاب الرئيس مريس، حمل يف طياته إش��ارات لتعزيز

حالة االستقطاب املذهبي بني السنة والشيعة)))(.

ويف الش��هر نفس��ه، انتهز مريس فرص��ة انعقاد قم��ة منظمة عدم

االنحي��از يف العاصمة اإليرانية طهران، وكان اس��تغالله لها جيدا، عىل

الرغ��م من الجدل الواس��ع داخلي��ا وخارجيا بش��أنها، إذ كان حضور

الرئي��س مريس للقمة وزيارته لطهران، بعد قطيعة مرصية اس��تمرت

)) عاما، حتى ولو كانت يف إطار مراس��م بروتوكولية، فرصة س��انحة

لفتح هذا الباب املغلق، ونقل عدد من الرس��ائل الرمزية للعديد من

متها أن مرص بسياس��تها الجديدة األطراف اإلقليمية والدولية، يف مقدر

33 للمزيد، انظر: هرني كيس��نجر، مفهومأالسياس��ةأالخارجيةأاألمريكية، ترجمة وتحقيق

حسني شيف، )القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، )97)(.

95دراسات

الرئاسة المصرية بعد مبارك

د بإرادتها الحرة كيفية صوغ هذه السياس��ة، متدر يدها للجميع، وتحدر

وتحديد أطرافها دون توجيه أو وصاية من أحد.

املوقف من الواليات املتحدة: اقترصت السياسة الخارجية املرصية

عىل توجي��ه عدد من الرس��ائل الرمزية لإلدارة األمريكي��ة مفادها أن

مرص ستس��عى للحفاظ عىل عالقاتها بواش��نطن لكن من دون تبعية

أو انبطاح، وهو ما بدا جليا س��واء يف زي��ارة الرئيس مريس إىل الصني،

أو زيارت��ه إلي��ران، أو زيارته ملق��ر االتح��اد األورويب. ويف إطار هذه

ات، ميكن القول إن السياس��ة املس��تويات وما تقوم عليه م��ن مؤشر

الخارجي��ة للرئيس مريس تش��هد ما ميكن توصيفه بنقل��ة نوعية )مع

التحف��ظ عىل مس��توى هذه النقلة وحدودها حت��ى اآلن عىل األقل(

من ش��أنها أن تؤثرر إيجابيا يف طبيع��ة التوازنات الدولية واإلقليمية يف

ور املنش��ود مل��رص يف التعاطي مع قضايا املنطقة، من ناحية، ويف الد

هذه املنطقة، من ناحية أخرى)))(.

ويف تقري��ر ل��ه يف مجل��ة "ذي أتالنتي��ك" األمريكي��ة ترجمته ونرشته

جريدة ال��روق املرصية، أك��د إيريك تريجر زمي��ل الجيل الثاين يف

غط عىل مريس علنا معهد واش��نطن، أن اإلدارة األمريكي��ة ال تنوي الض

بخصوص قضايا تتعلق بالش��ؤون الداخلية، معتقدة أن عدم الضغط

عىل الرئيس املرصي كفيل بأن يحمله عىل التعاون مع واش��نطن فيام

يخص قضايا السياسة الخارجية، وال سيام العالقات مع إرسائيل وإيران

وغريها. ويستش��هد الباحث األمرييك بالبيانات والترصيحات املحايدة

التي صدرت عن املس��ؤولني األمريكيني خالل أزمة اإلعالن الدس��توري

الذي أصدره الرئيس مريس يوم )) ترشين الثاين / نوفمرب)))(.

الرئيس مرسيوالعدوان اإلسرائيلي األخير على غزة

عكس خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس مريس عقب فوزه باالنتخابات

الرئاس��ية مقدار اهتامم��ه بالقضية الفلس��طينية، فقد أكد عىل دعم

مرص للحقوق الفلس��طينية، وعىل أهمية إمتام املصالحة الفلسطينية

باعتبارها أولوية لتعزيز القدرات الفلس��طينية، وتوحيد جهد الشعب

الفلسطيني ملواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.

34 عصام عبد الشايف، "السياسة الخارجية للرئيس مريس"، مجلةأالسياسةأالدولية، )ترشين

األول / أكتوبر ))0)(.

35 صالح سامل، "االختبار املرير للديبلوماسية املرصية"، جريدة األهرام، ))/))/ ))0).

ورمب��ا ال يختل��ف اثنان ع��ىل أن ردة الفعل الرس��مية املرصية حيال

الع��دوان اإلرسائييل األخ��ري عىل قطاع غزة يف ترشي��ن الثاين/ نوفمرب

املايض، قد أتت مغايرة لتلك التي أعقبت أي عدوان إرسائييل س��ابق.

فإضافة إىل رسعة االس��تجابة، تجلت تحركات النرظام املرصي الجديد

يف اتجاهات ثالثة متوازية: انرصف أولها إىل إزالة أي قيود عىل العمل

اإلغايث الرس��مي وغري الرس��مي، إذ فتحت املعابر عىل مدار الس��اعة

أم��ام البضائع واألفراد ووضعت املش��ايف املرصية يف رفح والعريش يف

حالة تأهب قصوى، وقدمت التسهيالت كافة للمعونات واملساعدات

الغذائية والطبية املقدمة لسكان غزة.

أم��ا ثانيها، فتمثل يف املواقف العملي��ة التي حرص الرئيس مريس من

خالله��ا عىل تاليف مثالب س��لفه املخل��وع فيام يخ��ص التعاطي مع

الع��دوان اإلرسائييل عىل قطاع غزة. فقد وضع يف حس��بانه اعتبارات

ش��تى، كون��ه أول رئيس مدين منتخب بعد ثورة ش��عبية كان من بني

أهدافها إعادة الحيوية للدور اإلقليمي املرصي وكبح جامح الغطرسة

اإلرسائيلي��ة وإحداث يشء من التوازن والندية يف العالقة مع الواليات

املتحدة. ه��ذا عالوة عىل العالق��ة العضوية والتاريخي��ة التي تربط

جامعة اإلخوان املس��لمني التي ينتم��ي إليها الرئي��س مريس، بحركة

"حامس")))(.

وقد تجلت مواقف مريس العقابية التصعيدية ضد إرسائيل يف قرارات

ثالثة، هي: أوال، تبليغ الس��فري اإلرسائييل إدانة مرص الشديدة ورفضها

القاط��ع للعدوان عىل غ��زة. ثانيا، تكليف املن��دوب املرصي يف األمم

املتح��دة بالتح��رك ودعوة مجلس األمن إىل جلس��ة تدي��ن العدوان،

وتطال��ب بوقف إطالق الن��ار يف الحال، وذلك يف م��وازاة الدعوة إىل

عق��د مؤمتر عىل مس��توى وزراء الخارجي��ة الع��رب يف القاهرة للرد

36 Daniel Brumberg, “Morsi's Moment on Gaza”, Foreign Policy,

)November 21, 21/11/2012(.

العدد ) 1 (

آذار / مارس 2013 96

عىل العدوان. وثالثا، اس��تدعاء الس��فري املرصي من تل أبيب اعرتاضا

عىل العدوان وتنفيذا لتهديده الذي أطلقه قبل س��اعات من الهجوم

اإلرسائييل بس��حب الس��فري امل��رصي من ت��ل أبيب يف ح��ال تنفيذ

تهديداتها بشنر عدوان عىل قطاع غزة.

ويف السياق ذاته، جاءت زيارة رئيس الوزراء املرصي غري املسبوقة إىل

قطاع غ��زة يف خضم العدوان اإلرسائييل ع��ىل رأس وفد مرصي رفيع

املس��توى، ومن بعدها زيارة الوفد الش��عبي امل��رصي لتأكيد تضامن

مرص حكومة وش��عبا، مع الفلس��طينيني يف محنتهم، وتوصيل رسالة

مهمة إلرسائيل والواليات املتحدة مفادها أن مرص اليوم ليست كمرص

م��ا قبل ثورة يناير ))0)، وأنها ال ميك��ن أن تقبل مبثل هذا العدوان

ولن ترتدد يف نرصة الشعب الفلسطيني)7)(.

وج��اء ثالثها يف تحرير الخطاب الس��يايس املرصي الرس��مي من قيود

املايض بإعالن دعم الدولة املرصي��ة الكامل لغزة وللمقاومة، وأنها ال

ميكن أن ترتك القطاع س��احة للعربدة اإلرسائيلية، حتى إن سفري مرص

لدى الس��لطة الفلس��طينية يارس عثامن أكد أن مرص ليس��ت وسيطا

محايدا بني إرسائيل والفلس��طينيني، وإمنا هي مؤيردة وداعمة للطرف

الفلسطيني. وهو الترصيح الذي رمبا حمل ردودا مرصية حاسمة عىل

مطالبة الرئيس األمرييك نظريه املرصي بالتوس��ط والضغط عىل حركة

حامس ملنع تفاقم األزمة)))(.

ويب��دو أن القاهرة قررت التخيل عن دور العراب الضعيف أو التابع،

ال��ذي ينحرص يف تلقي اإلمالءات من واش��نطن أو ت��ل أبيب توطئة

لفرضها عىل الفلس��طينيني أو إقناعهم بها حت��ى يجري إدراك اتفاق

مجحف أو تهدئة هشة. وهو ما ظهر بجالء عقب اإلعالن عن التوصل

التفاق الهدنة، إذ أثنى خالد مش��عل عىل جهد القاهرة ودور الرئيس

مريس يف مس��اندة املوقف الفلس��طيني يف التوصل إىل ذلك االتفاق،

مؤكدا أنه مل ميارس أي ضغوط عىل املفاوضني الفلس��طينيني ومل يسع

لفرض أي حلول أو مقرتحات عليهم إلبرامها)9)(.

37 Hamza Hendawi, "Morsi's Gaza Ceasefire Deal Role Secures Egypt's

President as Major Player", HuffPost 21/11/2012, viewed 11/2/2013,

http://www.huffingtonpost.com/2012/11/21/morsi-gaza-

ceasefire_n_2173589.html

38 جريدةأاليومأالسابع، ))/))/ ))0).

39 جريدةأالحياةأاللندنية، 7) /))/ ))0).

وعىل الرغم مام ترورجه بع��ض املصادر اإلرسائيلية من معلومات غري

مؤك��دة عن اتفاق مريس مع الجانب��ني اإلرسائييل واألمرييك عىل اتخاذ

إجراءات صارمة بالتعاون مع تل أبيب وواش��نطن بشأن منع تهريب

��الح إىل غزة وضامن أمن إرسائيل واملالحة يف قناة الس��ويس)0)(، السر

ميكن القول، وفقا ملا هو متاح ومعلن من معطيات، إن الرئيس مريس

قد أدار األزمة بص��ورة جيدة، ومتكن من اإلفالت من الفخ اإلرسائييل

بعد أن تس��نى له تحقيق املعادلة الصعب��ة املتمثرلة يف إظهار الدعم

الكامل للفلسطينيني وكبح جامع العربدة اإلرسائيلية وإبداء يشء من

الندية واالس��تقاللية يف مواجهة الضغ��وط واإلمالءات األمريكية. فلقد

متكن مريس من اس��تعادة دور مرص اإلقليمي كصانعة سالم وحافظة

له يف نهاية املطاف لالس��تقرار يف املنطقة بال منافس، األمر ال��ذي أه

لإلبقاء عىل رصيده الشعبي داخل بالده بالتوازي مع اجتذاب إعجاب

العامل الخارجي وتقديره)))(.

ح��رص الرئيس مريس من��ذ اللحظة األوىل عىل إظه��ار وعيه بأهمية

أفريقيا ورغبته الجادة يف إعادة االهتامم املرصي بها. ففي )) ترشين

األول / أكتوبر ))0) قال الرئيس خالل لقائه بنواب الشعب والشورى

الس��ابقني والحاليني يف منزل��ه يف مدينة الزقازي��ق، إن أفريقيا عمق

إس��رتاتيجي بالنس��بة إىل مرص، مؤكدا عىل ع��دم إمكانية إحداث أي

تنمية دون االهتامم بأفريقيا، خاصة بدول حوض النيل وعىل رأس��ها

إثيوبيا، الفتا إىل حرصه عىل التواصل معها، وإصالح ما أفسده الرئيس

السابق مبارك بسبب استعالئه عىل األفارقة وتجاهله لهم)))(.

وق��د مثل��ت الزيارة الت��ي قام بها الرئي��س إلثيوبيا تدش��ينا ملا عده

ع��ودة مرصية ألحضان القارة األفريقي��ة ومنابع نهر النيل الذي ميثرل

شيان الحياة بالنس��بة إىل مرص، بعدما غابت القاهرة أعواما طويلة

ع��ن عمقها القاري، وبالتحديد منذ ع��ام )99) عقب تعرض الرئيس

السابق حسني مبارك ملحاولة اغتيال خالل زيارة له ألديس أبابا)))( .

ويف الس��ياق ذاته، وبعد عامني من القرار املرصي تجميد العضوية يف

مبادرة حوض الني��ل ومقاطعة جميع أنش��طتها اعرتاضا من الرئيس

املخلوع حس��ني مبارك عىل توقيع دول منابع النيل االتفاق اإلطاري

40 جريدةأاليومأالسابع، )) /0)/))0).

41 أري��ك تريجر، "تداعيات السياس��ة الخارجية املرتتبة عىل س��يطرة م��ريس عىل مقاليد

السلطة"، ترجمة جريدةأالروق املرصية، )/))/))0).

42 "ألوس أنجلوس تاميز األمريكية: أزمة مياه النيل أكر اختبارات السياسة الخارجية إلحاحا

ملريس"، جريدةأاليومأالسابع، ))/))/))0).

43 محمد الدسوقي رشدي، "خطة مريس يف أفريقيا"، جريدةأاليومأالسابع، ))/7/))0).

97دراسات

الرئاسة المصرية بعد مبارك

التع��اوين املعروف ب�"اتفاقية عنتيب��ي" يف أيار / مايو 0)0)، أخطرت

الحكومة املرصية نظريتها اإلثيوبية بالرتاجع عن هذا القرار، واستئناف

املشاركة يف أنشطة املبادرة، وذلك للتأكيد عىل دعم الحكومة املرصية

سياس��ة الح��وار والتواصل والتعاون يف مرشوع��ات تنموية يف حوض

النيل بغض النظر عن موقفه��ا الرافض لالنضامم لالتفاقية يف وضعها

الحايل)))(.

وم��ن رحم تلك املعطيات، يبدو أن التداعي��ات اإليجابية لثورة يناير

))0) قد تجلت بصورة أوضح وبوترية أرسع يف سياسة مرص الخارجية

ر ظهورها وبدت أكر تعرا واضطرابا يف عه��د الرئيس مريس، وإن تأخ

بعض اليشء عىل مس��توى تفاعالت الداخل امل��رصي. وإجامال، يبدو

أن سياس��ة م��رص الخارجية يف عه��د الرئيس مريس، والتي مل تس��تقر

ركائزها بصورة نهائية، آخذة يف االتجاه نحو االستقاللية والفعالية قدر

املس��تطاع مع الحرص عىل تاليف أي صدامات مع أي قوى إقليمية أو

دولي��ة. ويف هذا اإلطار، توقعت صحيفة لوس أنجلوس تاميز األمريكية

أن يح��دث تغيري يف سياس��ة مرص الخارجية، بي��د أن التغيري لن ميس

جوهر العالق��ات الخارجية عىل األقل يف امل��دى القصري، ألن مرص ال

تحتم��ل كلفة أي توتر يف العالقات مع الوالي��ات املتحدة أو الغضب

ال��دويل إذا تخلت عن اتفاقية كامب ديفيد املوقعة س��نة 979) مع

إرسائيل.

وقالت الصحيفة إن سياس��ة مرص الخارجية يف ظل أول رئيس إسالمي

هي عرضة للتغيري يف الفح��وى، ولكن ليس الجوهر. فالرئيس محمد

مريس س��يواجه أزمات داخلية اجتامعية ومالية يتوقع أن تطغى عىل

الش��ؤون الخارجية خالل األش��هر املقبلة. وعىل الرغم من الهجامت

الش��عبية عىل واش��نطن، فإن مريس يف أمس الحاجة إىل االستثامرات

44 عمرو موىس، "مش��اركة م��ريس يف القمة إعادة لبن��اء العالقات م��ع أفريقيا"، جريدةأ

الجمهورية، 7)/7/))0).

ة األزم��ة االقتصادية التي الغربي��ة واإلقليمي��ة للتخفي��ف من ح��د

اجتاحت أكرب الدول العربية سكانا.

ويف وس��ع املتابع لخطاب القسم الذي ألقاه الرئيس املرصي املنتخب

د عىل أهمية اإلبقاء عىل عالقات دولية متوازنة أن يلحظ أنه قد ش��د

ملرص يف املستقبل القريب، إميانا منه بأن متتني الجبهة الداخلية املرصية

يف املس��توى الس��يايس واالقتصادي واالجتامعي، وص��وال إىل تحقيق

متطلبات الشعب املرصي يف إرس��اء العدالة االقتصادية واالجتامعية،

هو أمر من ش��أنه أن سيعزرز موقع مرص يف إطار العالقات الدولية يف

املدى املنظور. فمام ال ش��ك فيه أن رئيسا منتخبا بطريقة دميقراطية

سيتمتع بقوة أكرب عىل صعيد السياسة الخارجية)))(.

ويبدو من الخطاب ذاته ال��ذي أكد فيه الرئيس مريس عىل أن "مرص

س��تكون قائدة وقوية، وه��ذه هي قدرة مرص، هذا م��ا ينتظر منا"،

أنه - عىل خالف س��لفه املخلوع - يبدي رغبة يف اس��تعادة دور مرص

اإلقليم��ي ومكانته��ا كقوة قائدة يف محيطها، مس��تغال يف ذلك كل ما

الت، ي��أيت يف صدارتها كونه أول رئيس مدين بحوزته من أوراق ومؤهر

��خ منتخب بطريق��ة دميقراطية يف تاريخ البالد. وهو األمر الذي يرسر

دعائم شعيته يف الداخل كام يعزرز موقفه التفاويض أمام العامل)))(.

45 بش��ري عبد الفتاح، "قرارات مريس تضع ثورة مرص عىل املحك"، الجزيرةأنت، تحليالت،

.(0((/((/(7

46 املصدر نفسه.