1

كود بلووCode Blue

رواية

2

مروان الغفوري

3

يف يناير من ذلك العام البعيد، .. 2008يناير، 1ميس، اخل. مساًء العاشرةإىل كانت الساعة تشري

. وفايت بالفعليف الواقع وصلت إىل املستشفى بعد .أين مت يف تلك الليلةكان حقيقياً وال أتذكر ما إذا كنت قد مت بالسكتة القلبية أو بشيء آخر، فأنا ال أعرف عن طرق

هـي و .وقف القلب عن اخلفقان، وهي أن يتاملوت الساكت هذا غري أن ايته واحدة :زينب ، جارتنا ، ترددها دائماً شريفة الكانت نفس الفكرة اليت

.احلياة ال متوت، ألا بال قلب

: وعندما يغادر الناس جملسها اليومي وأتأخر أنا كالعادة كانت مس يب .. بال قلب، إنه يتجاوز املائة عام جدك

.وتبتسم بسأمي بعد ذلك بعام واحدأقول ألصدقائي وحىت عندما مات جد فقد كنت :

.أنت أحب أحفادي إىل قليب: قبل موته بأسبوع قال يل .مات عندما توقف قلبه: وكالعادة . مبجرد أن امتلك قلباًوهكذا مات

وحىت إذا ما قلت لنفسي اآلن أين مت تلك الليلة بعد أن توقف قليب عن اخلفقان قبل

قد مت فعالً ، وبشكل عملي ، قبل ذلك بعام ففي الواقع كنتوصويل إىل املستشفى، .كامل

: لعام كامل امتألت بيقني أسطوري يقول يل

.أنت ميت بالفعل أيها الرجلة األطباء ساعة وصـويل مرمبا كان هذا هو السبب وراء ال مبااليت وعدم اكتراثي هلمه

. إنه ميت: إىل املستشفى ندما أختيل نفسي وقـد ع كنت أنتحب كثرياً وألول مرة مل أبك على نفسي، رغم أين

: أمي وهي تنتحب علي ، وأخوايت يصرخن هاهي مت، و

4

..مث يغمى عليهنبعدك ، انطفأ العاملمنزلنـا سطح فأصعد إىل . .فتغرق عيناي بالدموع، ويرجتف صدري مثل هلب مشعة

شبح الواجبات املدرسية تاركة بني عيينبني اجلبال، تأمل الشمس وهي تضيع اجلبلي أل .وطابور الغد اململعلـى قطعة من القطنقام أحدهم بتمرير إىل املستشفى ، فور وصويليف تلك الليلة ،

مسعته ، مع أين أتذكر أين فعلت ذلك قرنية عيين، وعندما مل يالحظ أين حركت جفين ، : هجينة خياطب رفيقه بلغة

.Corneal reflex ال يبدي أياملريض :مث أضاء بؤبؤ عيين بكشاف باهت، وبعد ثواين ارتفع نفس الصوت

. pupillary reflexاملريض ال يبدي أي ؟ sure :سأله رفيقه

- Of course.

. م ألين فهمت قصده تقريباً، وأدركت أنه مل يكن دقيقاً يف اختيار ألفاظهأردت أن أبتِسالعالمـات "ا يسمى عنـد األطبـاء فأنا ميت ولست مريضاً بدليل أنه كان ينادي مب

.ويؤكد ذلك ".األكيدة ملوت ساق الدماغ من أي عمق إنساين يرتفع وأنا أحاول من أحادي النغمة اخلايلكان صوته امليكانيكي

إىل األمـام، إىل أن أحرك ساق دماغي ولو قلـيالً .أن أثبت عكس ما يقول داخليأردت أن أفعـل شـيئاً .. ة قطعة القطن اخللف ، ناحية ضوء الكشاف ، باجتاه حرك

:ألقول له ، وباسـتطاعيت اآلن أن أيها األطباء باختياري فقط، وليس بقواعدكم البليدة أنا ميت

لقد تقيأت ..، لكين أشعر باالسترخاء حاولت إذا أو نفسي أستجيب ألي حمفّز مادي .كثرياً وأنا مرهق اآلن

5

حيلة متكنين من حتريك هـذه أهتد إىل ألين ملهذه مل أستطع أن أرفع صويت بأفكاري وبعض قضـاياه معرفيت مبصطلحات الطبأن ، رغمالساق اليت يتحدث عنها األطباء

ومتنحين ثقة بذايت عندما أحتدث يف كل شؤون احليـاة مبـا فيهـا ال بأس ا اإلمجالية ة يف اليمن،والثانويكنت أحرص على حضور دورات اإلسعافات األولية فقد .الطب

" العلـوم األمريكيـة " جملـة عرب ينشر من قضايا طبية ما لفترة ال بأس ا تابعتوويف كل حال، وطيلة سنوات امتدت من مرحلة الثانوية حىت ما قبل خترجـي .املترمجة

:كنت أقول ألصدقائي فقد من كلية اهلندسة ، جامعة القاهرة، اً عندما أخترج،سأكون طبيب

.ونضحك عرفت الكثري من االصطالحات الطبية األولية من خالل قـراءيت لكتـاب يف كما

كان من دفعين لقراءته . قبل مويت بسنة ونصف ، اإلسعافات األولية ، باللغة اإلجنليزية متقطعة كنت ألتقيه بصورة.يعمل جراح عظام حيثيف صنعاء يقيمهنجاري هو طبيب

كتاب طبي اسم ذكر ذات مرة .ملستشفى الذي يعمل فيهزيارايت ألصدقائي يف اأثناء يف تلـك . أمامي وحنن يف معرض احلديث عن دولة الرعاية االجتماعيـة يف بريطانيـا

عندما قلت لصديقي اليوش ، الطبيب اهلنجاري، أن بريطانيا تنفق على الرعاية الساعة، تأكّداً من صحة معلومايت، ومل أكن ممليار جنيه استرليين 22الطبية ما يزيد على ال

:قال يل لكتاب طبي عن ختمته بتوقيع جاللتها كتبت تصديراًهل تصدق أن امللكة إليزابيث

.اإلسعافات األوليةليزية، ألول مرة يف حيايت ، وهي املرة األخـرية وهكذا قرأت أول كتاب طبي بلغة إجن

.قبل مويت ، وفيما بعـد .يف تطوير معرفيت الطبية السببإذن فقد كانت امللكة إليزابيث هي و

:، قلت لنفسي مويت بعام تقريباًعقب

6

، كانت " أرمادا" أن جدة امللكة إليزابيث، اليت دمرت األسطول األسباين ماذا لو ، فامسها ينظـف نفسـه يعيبها ذلك لن ؟الناضجني نصف وحتب األطفال حقّاً متصابية

اتنا احملترمات مثل اً حىت هذه اللحظةتارخييفعله معها، وال يفعل التاريخ مع جد.

: يشرودأوغلت يف : عن سؤايل ، ناآلأن جييبين " أبو شهاب "هل ميكن لشيخي ، مممم

كم من الناس دخلوا اجلنة بفعل التاريخ ؟ وكم منهم أدخلتهم اجلغرافيا؟

يعتقد، فهو .ه األسئلةعلى مثل هذ ناضجة ، شيخي ، ال ميلك إجاباتأبو شهاب أن عـوام، أ تةقبل مويت بسعندما كان يعلّمين مصطلح احلديث وأنا يف املرحلة الثانوية

. ومن يبتغ غري االسالم دينا فلن يقبل منه: فمثالً . األسئلة الدقيقة تكفيها إجابة عامة ءذات مسـا وأسـر إيل .هذه اإلجابة كفيلة حبرق أي سؤال ، مهما كان صاحبه فإن

طريقه هو الطريق إىل اجلماعة األم، بيقينه الدفني أن . إىل السفينة الناجية

)هلك املتأخرون ، هلك املتأملون( سنوات من دعائه، علمت أنه كان يكتب على باب املسـجد مخسوملا مل يهلكوا بعد

:بالطباشري .هلم ليزدادوا إمثاً منليإمنّا

راكبيها هي ذاا سـفينة نـوح، برزفينة اليت يعد هو أالس قال يل بأنويف مرة أخرى

ذا من ااز هو موقف ال يؤمن بااز يف اللغة، وأن موقفه ه – كّد يلأ كما –رغم أنه .عقيدي أصيل متعلق باستكمال عدته اإلميانية

ومع أين كنت أخاف منه كثرياً، وأخاف على نفسي من خويف منه فقد كان يقول يل، :إىل نفسه ومريديه وهو يشري

.ال يكرهنا إال منافق قد علم نفاقه

7

.أؤمن بكثري مما كان يقوله يلمل خائفاً ومل أشعر باألسى ألين أجدينبعد مويت مل بيد أين

:يف إحدى دروسه ذات مرة لقد قلت له. كنت أستهجن حديثه ألينأو على األكثر عظيماً ، كما إن بوجهك نوراً. ليمكبعض تعا أرفضمضطر ألن أنا ،ساحمين يا شيخي

القمـر يـدور . عـة لكن القمر ليس يف السماء الراب يف الدرس،تصف نفسك كنت لسنا عباد قمر، حنن نعبـد اهللا، وال . حولنا، وحنن نزرع األرض حتت علمه وبإشارته

.دخل لذلك بإمياننا أن القمر فوق األرض وليس بني السماوات .يت أين قلت له هذا الكالملطاملا متن.. إييييه

وبرغم أين أحتدث اآلن عن الليلة اليت مت فيها إال أين أجد أنه من املناسب أن أعـرج من ذاكريت مثل حنطـة الشـتاء، تعاليمه تسقطأيب شهاب اليمين الذي يعلى شيخ

فور مويت أ مل تكن القنطرة اآلمنة اليت حدثين عنها اواكتشفت.

: أحب هذا التشبيهيف مشـهد ، Troy: البـديع لميالفتم ا مثل حنطة الشتاء ، فهي اجلملة اليت خ

.، برايانأخيل، أجاممنون ، هيكتور، بريسياس.. سقوط أبطال اإللياذة التعليق على ملاذا أتذكر دائماً الناس يف حلظات موم؟

.لعام كاملرمبا ألين مت كثرياً، وعشت ميتاً فبعد أن أمتمت قراءة الكتاب وقبلـت . ي مع صديقي اليوشنسى موقفال أريد أن أ

: شردت قليالً ، وقلت لنفسـي .. الصفحة اليت يرقد توقيع امللكة إليزابيث يف أسفلها من اآلن ، كما ونصف هل كنت سأموت بعد عامٍ " إليزابيث" ماذا لو كان اسم جديت

سيحدث يل بالفعل؟ .يمة، قلت لنفسي وتذكّرت أين قرأت هذه العبارةالتاريخ حيمي ساللته العظ -

8

أعود إىل املستشفى ، وتلك الليلة الباردة اليت وصفتها ألصدقائي قبل أن أموت بنصف : ساعة

. انفجرت عليناقد يبدو أن ثالجة كونية

: ، قلت هلم غيبة العامل ومنيمة الدنياوبعد أن تناوبنا ، كالعادة ، هي السبب وراء العواصف الثلجيـة نفكّر يف وجود ثالجات كونية صحيح ، ملاذا ال

من التفكري الرياضي لعلم الفضاء وتعقيدات فيلم اليت تكتسحنا من وقت آلخر، بدالً "the day after tomorrow ".. عندما يقـف : يف لقطة الفيلم األخرية بالتحديد " Vanilla Sky" فيلم حىت أو

، أمـام يف املستقبل 150لـ الذي أجريت له عملية جتميد ، "توم كروز "البطل ، فيقـول هلـا عينيه ومتد ذراعيها قبالةهي تتراءى له اوه ت منذ زمنياليت توفّ حبيبته

:بصوت متهدج .ليس مبقدورنا أن نعيش معاً بعد اآلن، فأنا متجمد وأنت ميتة

ـ خوفاً من حاول بعض أصدقائي تغيري سارية احلديث فيمـا ال وضاستسـهال اخل

ني، خاصة الفـيلم األول الفيلم الغالب مل يكونوا قد شاهدوا هذينوألم يف نعرف،الذي حرص خمرجه على أن جيعل جزًء من مفاتيح توتره الدرامي يف يد شخص هامشي

ويرتدي قبعة مبقّعة باألصفر والكحلـي ينام يف أرصفة الشوارع يف نيويورك مع كلبه . . والوردي

:إىل أوله وقلت مع أصدقائي لكين أعدت احلديث

.، أو سيموت يف الصيف القادمإذا مات أحدنا اآلن فإنه سيبعث يف الصيف القادم أعارين بعضهم قليالً من االنتباه ، فواصلت:

9

خاليا اجلسم لن تكون حباجة إىل أي جهد ألا . إن درجة الربودة هذه كفيلة بتحنيطه ما رأيكم لو دخلنا يف ثالجة كبرية تصل درجة حرارـا .ة بفعل التربيدمعطّلستصبح

حسناً ، لنترك رسالة علـى بـاب .. الصفر؟ سنتوقف فجأة عن احلياة تحت 500إىل :الثالجة

:عام من التاريخ املدون أدناه 500أرجوكم ال تفتحوا باب الثالجة قبل

1- 1- 2008 ..

واستيقظوا بعـد هل دخلوا يف كهف من اجلليد هل فعل أصحاب الكهف مثل ذلك؟ ؟عشرات األجيال من البشر

لقد . اشتبكت أحاديثنا، خاصة بعد وصول الشاعر حممود إمبايب، والقاص عادل زكريا

بينما عرض ..هذا الصباح قلبية لذي أصابته نوبةعن صديقه امثرية جاء حممود حبكاية اليت مجعها من اإلنترنت، لنقوم حبفلة عرية علينا مصطفى سيد جمموعة من النصوص الش

.كما يسميها صديقنا الشاعر خالد" الشواء العظيم"

، وكان آخر من يصل، أحسست بـربودة زكريابعد نصف ساعة من وصول عادل .متشي حتت جلدي شديدة

. وعرقت بصورة عجيبة تقيأت بشدة ،

ام أحدهم بتنظيف الطاولة من أجلسوين على األرض، ق. رهيبأصاب أصدقائي فزع . ميصي وزوايا فميتنظيف وجهي وقب، فيما انشغل آخرون القيء

وسـط ب شعبيةيف قهوة عتادةامل يف واحد من لقاءاتنا األسبوعيةجنلس أصدقاءستة كنا

إىل كل األشياء اليت نتركها بإرادتنا، ونفضل احلديث يف السياسة ألننـا مل حنن. البلد

10

نادراً مـا وعندما نتحدث عن الشعر فإننا. رة واحدة يف العمل السياسيملوال نشترك ويف املرات النادرة اليت كنا نفعل ذلك، كنا جنامل أنفسنا. نتبادل احلديث عن قصائدنا

، وعندما نلتقي بصورة ثنائيـة نغتـاب قصـائد ونتنبأ لبعضنا مبستقبالت شعرية خميفة .شراسةالغائبني منا ب

:القيء للحظات، فقلت ألصدقائي هدأت نوبة

..تسمم غذائي : طمأنتهم كسيم غوركيوبلهجة شخصية من األزمنة الروائية مل

.رفاقإنه قدر الربوليتاريا يا

تأكدوا أن احلالة ليسـت اآلن . ، ومتنوا يل السالمة كعادتنا مع بعضناضحكوا بصدقرة متكئاً على كتف مصطفى أغمضت عيين وأنا أستعد للمغاد. أكثر من تسمم غذائي

:قول ، ي والطبيب ، وخلفي كان صوت حممود إمبايب ، صديقي الشاعرسيد سـتة أصابتين نفس احلالة من التسمم الغذائي منذ أسـبوعني ، بعـد أن تناولـت

.كبدة يف حي احلسني اتسندوتش وبني أصوات ضحك خمتلفة، هي جزيرة أصدقائي اليت أعرفها ، مسعت :

.يف حي احلسني بأكملهتشات كبدة نظيفة تكفي إلحداث تسمم غذائي ستة سندو

ـ أنا ، بينما كلّيةًمبا للتأكد من أنين مل أفقد وعيي ، أو ريقاظييف حماولة إل يملقٍ رأس : ، قال يل مصطفى سيدعلى كتفه األمين يف التاكسي

. رهيب ونية أغلقت اآلن وانفتح فرن كوينيبدو أن الثالجة الكوضحك بصوت أراده أن يكون عالياً، فبدا يل واهناً على حنو أسقطين إىل األسفل أبعد

.وأبعديف حركة يبدو أنه أراد من خالهلـا خديمث على قليالً ، وضع كفه على جبينه صمت

: مقارنة حراريت حبرارة جسمه

11

.جسمك شديد الربودة أن هذا الصوت هو قادم من داخلي بالفعل أمسع صوته، أممما إذا كنت أكن متأكدا مل

قد عشت هنا يف ف .حيدث معي دائماً طيلة السنوات اليت قضيتها يف القاهرةكان كما :وحبيبة نائية يفصلين عنها قول ابن عريبالقاهرة منفرداً ،

هي شامية إذا ما تبدت ، وسهيل !عمرك اهللا كيف يلتقيان.. أيها املنكح الثريا سهيالً .ستهل مياينإذا ما ا

يقسمين الربد إىل ثالثـني شـطرية الطويلة، حني وكنت أناجي نفسي كثرياً يف الليايل جـار أيب ، مثل اإلسـكايف السـكران ،فأمسي نفسي صعلوكاً ، ويسوعاً ، ومطروداً

.حىت أفقد لذة الغناء وأدخل يف نوم آخر ،حنيفة

بظهـر الكرسـي ملتصقتنيي ا، وركبتاحمليطغمام يصعد يف صدري مثل دخان كان كـان .. على شفيت السفلى ألغلق نافذة الصراخ وكنت أجز .ااور لكرسي السائق

أمل عنيف يدفع .مكان عميق ال يبدو أنه عضوي صرف ، من من الداخل خوف يصعدالقدرة على فقدت. مكان سحيقشفيت إىل أمام وجهي مثل ريح عاتية نشأت للتو يف

.التركيز :سي أقول بعجز غريب وأنا أتالشى وأدخل يف طي هذه الريح اليت تلتقفينمسعت نف

.طفىمص - نعم يا أمري -

.عين أغنية املالح القدمي، لكولريدجأرجوك، أمس.. يااااه - هليس اآلن وقت. يذهب كولريدج إىل اجلحيمل -فة ابـن العبـد ، طرمي ، التائه ، وقت سفينة ال، اآلن وقته ، وقت املالح القد -

..مركب كولريدج، وقت امللك الضليل وقت

ماااء ، ماااء يف كل مكان،

12

.وال قطرة للشرب

وبدأت أرى ، ندائيعلى فيها مصطفى يرد مرة ، وكانت آخر هنا ذبلت حىت املنتهى

املعـاين غـري . غري مألوفةبدأت األلوان ختتلف واألصوات تصلين مركّبة و. من جديد .تلك اليت كنت أمسعها منذ قليل

كأن مصطفى كان يضع يده على جبهيت، وكنت يف الداخل ، يف املكـان البعيـد يف . كنت أمتايل وأسقط.. صدري حيث تعودت أن أنام وأصحو مبفردي

كنـت وحـدي يف هـذا . ، مث أطفو كخرقة باليةرأيت نفسي أهوي مثل سلّة قنابل :مة ان صوت مصطفى حياول أن ميسين بروحه الناعالتسامي الفاقع، وك

.خاليا سفنيٍ بالنواصف من دد.. كأن حدوج املالكية غدوةً

متاهـة وقوافل املالكية ، والسفن اليت ختيلها طرفة ابن العبـد، و " دد " رأيت وادي : مليء بالترابرأيت امللك الضليل وهو يهتف من خلف شباك تاريخ . كولريدج

بكى صاحيب ملا رأى الدرب دونه

بقيصرا وأيقن أنا الحقان عينك إمنا فقلت له ال تبك حناول ملكا أو منوت فنعذرا

كلّيـة فـور وصـويل هذه بيد أا اختفـت كم استمرت حلظة السقوطال أتذكر

. للمستشفى ..، أفقت يف أسفل مويت لقد فعلها مصطفى - .يصدق رواية التسسم الغذائي هذه من املؤكّد اآلن أنه مل

>> .العليا أوشكت أن أصل إىل ذايت. أطفو اآلن أرجوووكم، أريد أن<<

13

، من جديد مبجرد أن امتألت عيناي بضـوء املستشـفى قلتها فهبطت إىل داخلي

.على رئيت املوتاض فو

14

)2(

أعين الليلة اليت مت فيها قبـل أن .. 2008يناير ، 1اخلميس ، يف تلك الليلة ، ..شفىأصل إىل املست

وباسـتثناء ضـحكات .كانت السماء شديدة الدنو، وكانت األرض بعيدة للغايـة أصدقائي األخرية اليت ما زالت تتساقط من مسامات جسدي ومتسحها املمرضة خبرقة

باستثناء هذه الضحكات فال .. بيضاء، وأنا ملقى على سرير متحرك يف غرفة الطوارئ .منة ما قبل هذه الساعةشيء آخر مبقدوره أن يشدين إىل أز

فور وصولنا ، : أسئلة األطباء املتالحقة واملشتتة عنكان صديقي مصطفى جييب كم مضى له على هذه احلالة؟

يتعـاطى ، هل ضغط الدم يف رتفاعال أدوية للسكر أو تناولكم عمره ، هل يدخن ، ي ..، هل أي نوع من املخدرات

ليس متأكّداً ، فيما عدى تأكده مـن أين أدخـن وصديقي جييب بأنه ال يعلم ، أو أنه .السجائر والشيشة

شيشة كريز: بتسمقلت له وأنا أحاول أن أ .إنه مل يسمعين، يف الواقع. مل يلتفت إيلّ

، وكان الطبيب يطلب من املوجـودين مغـادرة يف حلظات كان جسمي عاريا متاماًو تعرية جسدي تت متأكداً مما إذا كانبصراحة لس. لقد أجنزت املمرضة مهمتها. الغرفة

صدري، قرب أذنه وضع الطبيب مساعته على . ضرورياً يف تلك الساعةعمالً بالكاملهل تسمعين، أيـن : شد شعرات صدري بقوة وهو يصرخ يب اليسرى من فتحة أنفي،

حنن اآلن؟ ه؟ما امس: سأل مصطفى

أمري -

15

وأثناء . سال من زاوية فمي اليمىن بعنف، أحسست معه أن لعاباً شد شعر صدري :شده كان يصرخ

أمييييييييري، هل تسمعين؟ - .لزمالئه احمليطني به هكذا زعم مل أجبه،

:بعد نصف دقيقة كان يقول لزميله . ل رسم قلب يل، عمطلب من املمرضة No electrical activity

:يف داخلي كنت أقول للطبيب ، فيهـا األمل والتيـه مماثلة ، ومل يسبق يل أن مررت بتجربة ال أتعاطى أي خمدر أو دواء

أن أهوي بعنف إىل الداخل وأمسع صوت ارتطامي يف أعماقي، هكـذا .. واملوت معاً .قلت له ويبدو أنه مل يسمع هذه القصة العجيبة

.أما عن التدخني فأنا حديث عهد به، ولست على هوى معه : عيداً وقلت له بغضب جموعندما شد شعرات صدري دفعت يده ب

.للميت حرمة أيها البليدت ما بداخل فمي من دم وقـيء عبصق على وجهي، فمسحت بصاقه بيدي واستجم

ونـة علـى لقد رأيت بقعة مل. صدره شكل كرة سيالة يف اجتاه مث أطلقته على وبلغم .قميصه، يبدو أا بصاقي الذي مل يأبه له

كانت إامه متجهة إىل األعلى مثل . كور يده اليمىن. هوضع يده اليسرى على خاصرت

. يف حلظة عاجلة كان يضرب صدري ، منتصف صدري ، بقوة هائلة" .. ok" عالمة رس مبرارة حتت وأن قليب ا. أحسست أن عظمة القص التصقت فعالً بعمودي الفقري

زاوية فمي اليمىن ومن. سال دم يف جتويف عيين، ومن فتحيت أنفي. تأثري هذه الضربةثنيت سـبابيت . بشمايل من فمي مسحت الدم. سال دم أسود حىت وصل إىل صدري

حدقت يف يـدي، .لساين من الدم وجانيب اليسرى وإصبعي الوسطى ومسحت طرف . كان أسود على حنو غريب رأيت الدم،

16

.مسحت بطن كفي األيسر على صدري، وبكيت :مة الوجع على وجهه ه اليمىن، رأيت عالفّحتسس حافة ك

.أوشك أن يكسر يدي بصدره املصفّح.. ابن الـ - .مث بصق يف وجهي للمرة الثانية

حدق للحظات يف شاشة اجلهاز املوضوع أعلى رأسي، واملوصـل إىل صـدري عـرب كـذلك . ال شـيء .. ، ال دم وال حركة مل يالحظ أي شيء. تأملين. أسالك متداخلة

.مل يالحظوا شيئاً على فمي أو أنفي أو صدري، وارهكان جب طبيب آخراملمرضة ، وومبجـرد أن . ، أخرجوه من الغرفة فعاد إليها مصطفى كان بالقرب من هذه األحداث

:ويلعن أمي، صرخ يف وجه الطبيب رأى الطبيب يبصق يف وجهي قراط الذي أديته عند التخرج؟أيها احلقري ، هل هذا هو قسم أب -ـ يا ابن" قراط بأ" وما دخلك أنت بـ - لعنـة اهللا عليـك ، أنـت ... الـ

. أنتم عامل تافه ال يستحق العناية. نيت املتعفّوهذا امل" أبقراط"و

...إىل اجلحيم .ب إىل اخلفاء على حنو مهنيحس: أو واختفى مصطفى،

.كان هذا أسوأ ما حدث يل حىت تلك الساعة

مرآة متوسطة احلجم وجبوارها وجدعلى احلائط املقابل للسرير الذي أموت عليه تإىل إطار قدمي، اعتقدت أا تعود إىل أوائل أيام هذا املستشفى، رمبا لوحة عتيقة يف

: تقليدي وأنيق بفونتمكتوب عليها نص باإلجنليزية. األربعينات من القرن املاضي

Hippocratic Oath

I swear to fulfill, to the best of my ability and judgment, this covenant …..

بصعوبة بالغة استطعت أن أقرأ الفقرة التالية، وأنا أجاهد ضد إغالق الستارة وفتحها ، : بيين وبني احلائط وضد وقوف ممرضة أو طبيب أو مرافق ملريض

I will remember that I do not treat a fever chart, a cancerous growth, but a sick human being, whose illness may affect the person's family and economic

17

stability. My responsibility includes these related problems, if I am to care adequately for the sick.

يف الطريـق الـذي ةاملعاوقات املتكررعلى فترات متباعدة بسبب كامالً قرأت النص " قراطأب" قسم : ماذا عىن مصطفى بقوله وعرفت بالتحديد . ي املستقيميقطعه بصر

قامتـه كان ميد.لزميلهلقي تعليماته لي بعد غياب دقائق قليلة مرة أخرى ، عاد الطبيب

إنه كان يقرر وفايت ال أكثر، وهـو . ، وكأنه يبعث يفّ احلياةمثل إله يوناين إىل األعلى .اعة من اآلن، إذا كنت متأكداً من حساب الوقتطعت أن أجنزه منذ سفعل أست

، أو الشـيطان إىل األعلى حني حتيي الناس، وامنح نفسك درجة اإلله ذاتك امتشق <<

، مبـاذا لن يعترض الكثريون على ذلك، أما اآلن فأنت إله موت ، أنت شيفا اللعـني >> اللعنة.. تفاخر أيها البليد

.صرخت يف وجهه

.له مبصطلحات التينية وإجنليزية وعربية عن وضعيحتدث إىل زمي، إنين أحفظ كل كلمة تقال، حىت تلك املفردات الـيت ال أعـرف جتهمت يا إهلي،

من أين أتتين هذه الذاكرة فجأة، هل . ترمجتها أحفظها دون عناء ومعها كل التفاصيلمريضاً، مث يصـفين باريملاذا يصر الطبيب على اعت ميت فعالً وهذه ذاكرة ميت؟ اأن

.ملتعفّن كما قال ملصطفى منذ قليلبامليت .باهت، مث أطفأهعيين مرة ثانية، أضاء كشافه ال الطبيب فتح

Still young : آلية بلغة إجنليزية قال له زميله

: رد على زميله Too young

18

باللغة اإلجنليزية ،عن حاليت ، أعين عن مويت يتبادالن اقتراحاما وتفسرياما اكان هم، وال أدري مـا احلكمـة يف بصحبة مرضا ياملتواجدون جبوار سرير كي ال يفهمل

ليلخص جممل " كود بلوو" وعندما قدمين إىل زميله ألول مرة استخدم مصطلح . ذلكحاليت فاقـدة األمـل، أن متنيت أن ميسك الطبيب مبيكرفون كبري ويعلن عن .حاليت

على األقل سينخفض هذا النحيب الذي أمسعـه . لبائسني مصائبهملتهون على هؤالء اسأمشي مع املوت هـذه .رات شتى، وسأواصل مويت دووووءبأصوات ونربات وعبا .املرة إىل أقاصيه البعيدة

أردت أن أقـص . ابتسمت وأنا أطالع يف وجه ممرضة كنت منذ قليل أرى قفاها فقط

، على إثر مواطنيه كتابة مآسيهم يف قصاصات صغريةها فكرة امللك الذي طلب من عليقام بتوزيع هذه القصاصات علـيهم بصـورة شكاويهم؛ وكيف أنه تازدياد معدال

يقفون أمام يف اليوم التايل وهم لقد حدث ما توقعه عندما رأى أسراب البشر. عشوائية .مقصره يطالبونه بإعادة مصائبهم إليه

.مصائب الناس هانت عليه مصيبتهمن رأى : كتب على باب بيته ف .أعترفتأنا الوحيد يف هذه الغرفة الذي لن ون عليه مصيبته،

..عضضت على إصبعى الصغرى ، أو هكذا كنت سأفعليقال . ما الذي سيحدث يل يف الغد وال أدري لكن أنا لست يف مصيبة، أنا جمرد ميت

يتنمون نفسي ، ولذلك فهم ال سررت لأ، أن األرض تظل كروية حىت بالنسبة للموتى .أن شيئاً رائعاً يكون قد حدث هلم مثل املوت لوالزرقاء اليت يتمتع ـا ن املوتى يعتقدون أم ورثوا حياة خضراء على عكس احلياةوأ

عندما تتوقف قلـوم " كود بلوو" األحياء، ومع ذلك يطلق عليهم األحياء مصطلح .وتون، كما هو تعريف املوت عند جارتنا الشريفةعندما مي: عن احلركة، أي

19

، أنا الوارث العظيم جليلٍ من البشر الشجعان الذين محلوا املـوت لست يف مصيبة هذا ما سأخلص إليه اآلن، أليس كـذلك؟ أقاصي احلياة ، به وفروا إىل على ظهورهم

..حسناً

بوضوح تـام أراكم أنا أحتدث بصوت مرتفع،، احتججت، سمعونينتملاذا ال - .وأفهم ما تقولونه عن مويت الذي هو مرضي عندكم

)ممنوع دخول أي ابن مرة وسخة من دون تذكرة (

كانت . ال بد أنه يأيت من املمر املؤدي إىل غرفة الطوارئ صوت ثقيل مليء بالرعب جسـم استطعت أن أرى جبالء شرخاً جمهرياً يسـري يف . الستارة منفرجة حنواً ماأنه حدث بفعل هذا الصوت األجش، علّقـت من املؤكد. املرآة، يف احلائط املقابل

.يف داخلي

، قبل أن ينغلقا بشكل آيل بفعل اجلاذبية ، يب عيينويف اللحظة اليت فتح فيها الطبيقف علـى خـط كان أنف الطبيب. بوضوح شديداألشياء هكذا مخّنت ، رأيت

أحسسـت . خمـاط متجمـد رى ما بداخله من مستقيم مع عيين، واستطعت أن أ :بالقرف، لكين قلت لنفسي

.أنفه مسدود، الليلة باردة، إنه الشتاء

البياض الذي مأل الغرفة، لباس الطبيبات واملمرضات واألطبـاء وطـالء الغرفـة :يف مذكرات أمل دنقل 8ذكّرين بالغرفة .. واإلنارة والستائر

.كل هذا البياض يذكرين بالكفنفأنا اآلن يف مرحلة ما بعد البياض، وما بعـد ومل أكترث خليال الكفن أمام عيين،

.أوحيت لنفسي فدعوين أبك حماطاً ذا الليل، الزرقة ، أنا أخضر تاااام اخلضرة،

20

مر اجلميع عدا الطاقم الطـيب أوحىت عندما أغلق الطبيب الستائر على سريري

، بعـد أن واملمرضة فقط داخل هذه القبة املؤقتة غرفة الطوارئ وبقي هومبغادرة بصورة مل يسـبق يل كنت أرامها.. ثالثهماوكنت أنا أغلق الستائر على سريري،

خلـف املمرضـة الطبيـب وقف . معها أن رأيت ذا الوضوح وهذه التفاصيل . قضييبللحظات، وضع يده يف مؤخرا بينما كانت تنحين لتدخل قسطرة بولية يف

، فالشيء بالشيء يذكر أنه كان خيتار توقيتاً مناسباً ليقوم ذه احلركة اجلريئة يبدوكان وجهها منكباً على ما تؤديه من واجب مهين، وكان هـو . كما تقول العرب

:ليساعدها على جتاوز خجلهايعطيها تعليمات إضافية ظـة اسـتخدم لف ( عي قضيبه ، وضعلى القسطرة لْكمية كافية من اجلضعي -

.يف راحة يدك اليسرى ) إال بأثر رجعي عضو الذكريا للأ مل أعرف خاصة

ة أحسست من خالهلا أنه ال يقصد قضييب وإمنـا يقصـد نربكان يعطي تعليماته ب .قضيب نفسه

بدم غزير ورأيت عروقاً مسيكة يف عنقهـا وشفتاها وتوردت وجنتاها.. حاضر - .وبدأت ختتنق

لوجهي مقابالًًعته لألعلى حىت أصبح وجهها رف. بقوةها برأس أمسكت: ملـاذا .، ما الفائـدة عضوي أيتها امللعونة، أنا ميت، فكيف تضعني قسطرة يف -

أنا عضوييعتقد هؤالء الناس ذوو األردية البيضاء أن كلمة سر العامل تكمن يف .القضية اجلوهرية اليت أحتوي عليها يف والديت ويف ساعة مويتفيكون هو

.، وال ملا أقولههتأبه ملا فعلتمل ، ولذلك فإن صراخي من ، ومل تسمع أي كلمةيف الواقع هي مل تالحظ أين فعلت شيئاً

واصلت عملها بشكل آيل، رأيت البول جيري يف خيط القسـطرة يف . األمل مل يتوقّف .اجتاه كيس ال بد أنه يقع يف األسفل من السرير

21

طبيـب كنت أحاول أن أتـذكر ذلـك ال . يتأغلقت عيين بشدة ومسحت على جبه . النصراين الذي ذكره مؤلف كتاب املستطرف يف كل فن مستظرف

ببطء كما لو كنت أحاول أن أقلّب شجرة ضخمة ملقاة تنهض القدمية كانت ذاكريت .ذاكريت اجلديدة كانت سريعة على حنو خميف يف جمرى سيل، لكن

هل أصـبحت يف : لت لنفسي وأنا أتساءل ميان إىل زمنني خمتلفني ، قتإما تن - عامل آخر ، اآلن؟

:، إا تنهض اآلن مثل مجل مسن تعمل القدمية رياً بدأت ذاكريتأخ نظـر إليهـا . نة من البول يف إناء من الزجاجذلك الطبيب النصراين الذي وصلته عي

دوء، مث اندهش فجأة ).ال ميكن أن يكون صاحب هذا البول حياً(

.ليخربه مبا قاله الطبيب النصراين، وجده قد مات سيدهوعندما عاد الرسول إىل هل ذكر اإلمام األبشيهي، مؤلف الكتاب، شـيئاً . ال أستطيع أن أتذكر أكثر من هذا

عن خصائص بول املوتى؟ : ش ذاكريتحاولت أن أرع. ال أتذكر، يا إهلي

مـن ىآخر ما يبقى يف املـوت .زرقةصفرة، وبه ميلٌ خفي لليق اللون بويل أصفر، عماملوتى بول نه أ ال بد ) يوم حنشر ارمني إىل جهنم زرقاً( .زرقة البول صفات األحياء

ختيـل اآلن أن أحـداً أميكن أن ال كما . ذا الشكل ، فلونه مل يسبق أن تغرياألزرق داخلتبول يف الإنه أنا، فعالً أنا ذلك الذي . هو الذي يتبول غريي، ويوجد بداخلي ،

.وها هو بوله خيرج إىل الكيس منذ ساعات .اآلن أجد راحة عظيمة

أنا أتبول عليـك أيهـا بويل خيرج إىل الدنيا من جديد، . إنين أمارس، أمارس شيئاً ما البعض بأين قليـل وحني يصفينالعامل كما كنت أفعل حني أصاب بضائقة مالية شديدة

.احليلة ويبالغون يف رثائيليس علي أن أخاف من كوين . عمقأثارتين بدرجة بالغة ال عضويملمرضة اليت عبثت با

. ميتاً

22

. ميت يتبول ويشتهي امرأة ويلعنها أيضاً، ياللمفاجأةمل أر كيـف أحس خبروج روحـي، و ؟ كيف ملجمدداً هل أنا ميت؟ هل مت: ولكن

.ةجاء للقيام ذه املهمة املرعبأحداً من املالئكة لتـرى مكـاين ،، يا صديقي األسباين احلـي آآآي، أين أنت يا خوان غويتيسولو

اجلديد؟ أنت حتب زيارة أماكن املوتى ألا أكثر نظافة وألن فيها مكـان نومـك األخري، كما تدعي؛ حسناً ما رأيك مبكاين اآلن؟

اإلحنناء، يف هي بالغت. رة وهي منحنيةبقوة هذه املكان الطبيب يلتصق باملمرضة

أدار رأسه إىل .باب متجر قدميوسحبها إليه، كما لو كان يفتح أمسك هو خبصرهاممرض أو طبيب قد يقوم به اخللف جتاه فرجة الستارة خوفاً من أي اختراق مفاجئ

اول أن يتذكر أنه يف غرفة طوارئ، يبدو أنه كان حيو. أو أحد أفراد أمن الطوارئ : سوق املخيفة ال يف تلك الضوضاء البشعة،

.قهورينسوق املوتى وامل ؤخرة املمرضة ، انـدفعت هـي إىل األمـام، مب يف تلك اللحظة ، عندما التصق ألساس تقف يف اجتاه وجهي مـن ، وكانت يف االيسرى على بطين وضعت يدهاو

يت، وبأنفاسها. ناحية قدميـي أحسست بأظافرها تنغرس حول سرتقترب من فم .أغمضت عيين خجـالً مـن .وجهي وتبتعد مثل ماكنة زجزاج كانت تقترب من

نفسي ومنها ، فموقفي دائماً أن ال أطّلع على اإلنسان يف حلظة ضعفه الغرائزي أو .الطبعلوم ، هلذا رفضت أن أختصص يف األخالقي ، أو حىت اجلسماين

ـ يل اآلن وبينما أنا أحاول أن أفهم ما الذي حيدث اا حبق السماء، أحسست بلس

ويف أكثر من مرة كانت تعض على تلعق شفيت مع كل دفعة تتعرض هلا من اخللفولتمـنح للتحكّم يف حركتـها البندوليـة –رمبا –شفيت السفلى يف حماولة منها

.األمر فيزيائي حبت، قلت. طول ليحك عضوه يف مؤخراأالطبيب فرصة

23

منـها وبغريزة الواعيـة . حتت السرير غابتو سقطت القسطرة من يدها اليمىن اول أن تنتزعه من أصوله البعيدة، مـن بيمناها ، بقوة، كأا كانت حت قبضت عليه

أحضر فيها السدمي الكوين ، يف كل مرة كنت ذوره اليت كنت أعزوها دائماً إىل ج .. كشاهد عيان على حرماين

>> س األطباق الطائرة يتشكل من غبار الكون ومن أوهام النا اجلنس مثل << : لك كنت أقولأنا الذي .أين أنت يا مصطفى، اآلن.. فما احلاجـة وتفلت من أزمة اخلطيئة اخليالما دمت قادراً على أن تنال امرأة يف

يـل احلالوقت الكـايف لصـناعة علم أنك ال متلكوأنت ت خلفها للركض احلثيثمـن اإلله انتهاك مقاصدالقدرة على جتاوز عقدة الذنب و إليقاع ا والاملؤكدة ل

، وال زلـت كمـا واحملسوس املشاهدة عامل أنذا تنالين امرأة يف ها. خالل جسدهاإنه قدر الربوليتاريا يـا . يا للسخرية. احللم واخليالظهر أناهلا يف يف القدمي كنت .رفيقي

من هذه الغرفة القصية احملشـورة يف ركـن كان هذا حيدث يل، يف حني كنت أنتظر :شيئاً آخر أنتظر.. غمور من العامل م

حاولـت أن تنقـذ ، مثل تلك الصدمة اليت تبعث قليب من جديدصدمة كهربائية أليس هذا هو ما يفعلونه هنا ، قلت لنفسي، .صباح هذا اليوم إمبايب صديق حممود

تنظر إيلّ بعد أن أجنزت واقفة يف اجتاه وجهي مث لعقت آثار ريقها على شفيت، وهي .آآآي. ، لقد مزقتهما هذه امللعونةتذوقت دماً يف لعاا على شفيت. تهامهم

: ماثلة هي أمامي، تناظر جسدي املفرود كيس يقع يف الغالـب يتجه إىل املزرق ، وخيط البولالتعيس عضوي القسطرة يف

..حتت السرير الذي أنام عليه :وهو يقول للمرضة الطبيب غادر اخليمة

برافووو -

24

كـم : وبه حزن عميق يف مواجهيت مبفردها، ومس بصوت مسموعهي تقف و .هو مدهش

: لو أن صديقي حممد يف مكاين ، كان سيسأهلا أم الطبيب؟ عضويمن املدهش

ت يدها اليسرى بني فخذيها وعضت على شفتيها أغمضتعينيها للحظات ودس.

.. برافووو -

.يء عنيفة ، ورأيت فتات طعام ودم يف قيئيمسعت أصوات ق .داخليإىل تقيأتمث .هذه املرة، ال أدري ملاذا هومل أمسح

>> مـا .، ما أحتاجه اآلن هو أن أخرج من سجين إىل سجنكم من جديد أرجوك

صدفة احتياجي ملاذا تليب ال. منك وال من الطبيب تفعلينه يب ليس هو ما انتظره اآلنللمرة األخرية، وما حيدث يل هـو أن احليـاة أموتيعين هذا أين القدمي اآلن؟ هل

يف عمليـة أشترك فقط ملاذا اآلن. تسلّمين عهدا، تنجز معي آخر التزاماا جتاهي وأندم مـن جنسية ، وثالثية أيضاً، وقد عشت دهري كلّه أحط حظّاً من األعمى،

>> ..رهني احملبسني

وهلة خشيت أن يكون ما بقـي يل ، ما معىن هذا؟ احلمد هللا ، ل شيء إنين أرى كل

قلـت .. من حواس هو ما يكفي ألكون شاهداً على ما أعتقد أنه اخلطيئة األبدية :منذ قليلهلما بصوت عالٍ

، عضـوي ، اسحيب يدك عن ةما الذي تفعالنه أيها املأفونان ؟ وأنت أيتها الشيطان .إن للميت حرمة أيها البلداء

بدا أما مل يسمعا ما قلته، أغمضت عـيين ، وقلـت عندما مل يستجيبا يل ، فيماو : بعد أن شهدوا بداية مويت ألصدقائي الذين غادروا القهوة منذ ساعات

25

ورأيت اإلهلة .بيضلقد رأيت إهلاً يف األخضر يضع يده يف مؤخرة نصف إهلة يف األر هلـا وال يتوف أنثى أشعر باألسى للشعوب اليت تنتخب إهلةً. وهي تعض على شفيت

.إلهلة كثرية النوافذ دائماًلست عنصرياً ، لكن ا .إله ذكر . وضحكنا كالعادة

: كأن مصطفى كان يعلق بنربته اهلادئة

إا لقطة شبيهة مبأساة الشاعر عطارد بن حاجب وهو يتأمل للمصادفة اليت ساقت له اً أنثى ةنبيذكراً وساقت ألهل اليمامة نبيفاعترض . األنثى ة نبيتهاليمام ، فنكح نيب

:ابن حاجب .يطاف ا ، وأصبحت أنبياء الناس ذكراناأضحت نبيتنا أنثى

.ضحكت أنا بصوت جملجل ألنشغل عن هذه البشاعة اليت متارس على جسدي

.صعد من صدري على شكل دوائر دخانيـة ، إىل األعلـى ت ضحكايت كنت أرى .يف األعايل، ويبكون يف األرضيضحكون كيف أن املوتى نفسيوهكذا اكتشفت ب

: وعدت أمهس من جديد

دعوين أبك حماطاً ذا الليل دعوين أبك، فإن الدموع حتيي التراب

.وها هو ذا خيضوضر ويسقط أنصاف اآلهلة ، كما ،مالءة ملمارسة اجلنس لوهلة، يتحول جسدي إىل

األحياء، مثل كل األحياء يسـقطون مثل. اإلنسان حاجة يسميهم األملان، يف خمترببيد أين ال أفهم ما معىن أن يسقط األحيـاء . أو يعيشون، هكذا باختصار. ويفيقون

جنس معىن آخر حني تؤدى إذا كان لل. على ميت، على جسد مات ألكثر من مرة ملاذا ال يتسافدون يف.. طقوسه على ظهراين جثّة هامدة فلماذا ال تفتح املقابر أبواا

26

ملاذا ال يكتبون شـعراً، .األرض ، أكرب جثة هامدة يف الكون هذه العراء ، يف ظهرهو ليس أكثر من فعل وشعراً، : ملاذا ال يفعل العامة ما يفعله الشعراء فيما يسمونه

.جنس مجعيما الذي سيفعالنه اآلن من أجلي، من أجل أن يعود صويت رحيـاً تغـادرين إىل

أريد أن أن أخـرج . ن أخرج من هذا احلبس الذي سقطت فيهاخلارج، من أجل ألقد تقيأت عليكم منذ قليل، فافعلوا شيئاً . أنا أراكم وأتنفس مثلكم. عين إىل العامل

أو دعوين، سأدخل إىل العامل وأتوحد به كما يفعل الصـويف . لكي أخرج إىل العامل .اخلع نعليك ،ف يف مقامه البعيد العار

ـ اآلن هلذه األحجار اليت تتساقط بداخليافعلوا شيئاً للدخان الـذي ي ،لين يف دخ .طياته، أوقفوين هنا

..أيها األشقياء، أنا أتالشى :ال، ال

.نوووووووووووووأنتم تتالشو

27

)3 (

.م2008يناير ، 1يف تلك الليلة الباردة، وقد الطقس لن يكون مستقراًكانت صحف ذلك اخلميس قد حذرت املصريني من أن

كتبـت بعـض .يف بعض مناطق مشال مصر إىل مستوى الصفردرجات احلرارة بط .قارس قصري وشتاء حار صيف طويلالعامل هذا العام : الصحف

ينصح اخلرباء باإلكثار من املشروبات : الصحف الرمسية كتبت مانشيتات على منوال .ومل حتذر أحداً كعادا، الدافئة

.جيري يف عظامي مثل املنشار ومل تكذب النجوم هذه املرة فقد كان ليل اخلميسوالشـاي يف القاهرة، كنا نصر على أن نلتقي، ونستعد ملواجهة الربد باملالبس الثقيلة

يقول ألي واحد منا إذا اعترض على اخلروج إمبايب، كان صديقي حممود. والسحلب : بسبب الربد

.، ادخلوا عليه الباب تغلبوهلأعز إنه جمرد طقس .ليس من الشجاعة جماة اخلصم األعزل: وكان بعضنا يعلق عليه

:فّة فريد خب .يف القرآن مطرودإال الربد، ملعون يف التوراة و

.ويفتري على الكتابني

ـ " األخضر اإلبراهيمي" اسم لى حممودوكنا نطلق ع اً، ألنه مل يكن أخضر وال إبراهيميتؤدي إىل لقائنا األسبوعي يف القهوة اخلطوات اليتترتيب كل يتوىل عملياً كانلكنه و

. ، ويصل متأخراً بشكل متكرراملعتادة ، وسط البلد

28

املقاهي املتداخلة وكنا جنلس علـى ، كانت جمموعة من اًيف الواقع مل يكن مقهى واحد .ادلني يتبع منن النن من شروط مسبقة، ودون أن نعلم مأوسع طاولة متاحة ، دو

وبنطلون .جنيه 250كنت أرتدي جاكتاً بييج، اشتريته يف يناير من العام السابق، بـ فقد هكذاو .ز أزرق، به جيب جانيب ناتئ يبدو أنه خمصص لوضع التلفون احملمولنجي

ستقبل مكاملة وعندما أ .، مثلما أفعل أنا اآلنكنت أضع التلفون احملمول يف هذا اجليب : أصدقائي أقول هلم وأنا بني

.استخدام اهلاتف احملمولبسبب الذي لن يصاب بعقم أنا الوحيد من بينكم كليـة اإلعـالم يف السنة األخرية من يدرس ، وهو شاعرعيسىودائماً ما كان حممد

: ، يرد علي جبامعة القاهرة .سيأتيك العقم بطرق أخرى يا صديقي

:وكنت أشاكسه .عاماً 17، عيسىحممد

على سرد الصدفة اليت قادتين إىل أن تعرفت ، وأنا أضحك باسترخاء،وأعيد من جديديف واحد من منتديات اإلنترنت ، والذي حتول هذا الشاعر عندما قرأت له نصاً شعرياً

رمبـا حـدث هـذا . كربىيكترونية إلقوادة ةإلدارة عملي فيما بعد إىل كرخانة عامة: األب توما األكويين حتقيقاً حلتمية عن غري قصد -ملنتدى أعين حتول ا – ملبغى التحول

. البغاء يف املدينة وإال طفت القاذورات على الطرقات عليس من املنطقي أن منن

تلك الليلة اليت مت فيها ألسباب مل يتعـرف أتذكر اعلى أية حال، ما يهمين اآلن وأني مل أصطحبه معـي عنـدما غـادرت ، الذتقرير الوفاة يفعليها األطباء ومل يكتبوها

.، حممدعيسىهو صديقي ،املستشفى :، وذيله بتوقيعهاًشاعر هحمارباً أكثر منأول نص قرأته له يف بدا لقد .هذا منذ مخس سنوات من الليلة اليت مت فيها حدث. عاماً 17، عيسىحممد

29

فى باب التاكسـي، ، فتح مصطيناير 1، املستشفى يف تلك الليلةوعندما وصلت إىل :كان يصرخ لع . واجته إىل احلرس الواقفني أمام بوابة املستشفى

.حالة طارئة ، أرجوكم أسرعوا :نظروا إليه بربود، ورد عليه رجل ضخم يبدو أنه من حرس املستشفى

.كن هادئاً يا عزيزي، فكل احلاالت اليت تصل إىل هذا املكان هي حاالت طارئة - .وميوتولكنه شاب ، - معظمهم شبان ، وميوتون - . ليس لدي وقت كاف للعراك -- ( ....) يدفع سريراً متحركاً وهو نصـف حمـين كان ، وبعد دقيقة تقريباًاندفع إىل الداخل

ملمر املؤدي إىل غرفة الطوارئ كنت أحس يف ا .يقطّر من أرنبة أنفهعليه، وخط عرق ممـر فهو .لحظة اليت مت فيها بدأت أحس باالختناقوألول مرة منذ ال بضيق املكان،

.تلتصق باجلدار متوسطة احلجمبالكاد يتسع لسرير متحرك واحد وممرضة . مصطفى مل يعد موجوداً يف الغرفـة . مل أعد إىل حيايت السابقةوأنا . مرت ساعة كاملة

أسـتطع أن أحداث كثرية وقعت فوق جسدي اهلامـد، مل . الستارة مغلقة متاماً علي . أفهمها

الطبيب الذي يقف اآلن يف مواجهيت ليس هو الطبيب الذي مارس نصف عملية جنس .مع املمرضة فوق جسمي ، جسمي الذي حتول فجأة إىل محالة دين، إىل أعمدة سرير. الوجه األنوثي الناعم الذي يقف مبحاذاة الطبيب، اآلن ، ليس هو وجـه املمرضـة

.ن أن تكون هذه ممرضةبالتأكيد، ال ميكمن ذلك لقد تأكدت وجبهتـها ها يفيما بعد ، عندما كانت متسح على شفتيها وخـد

املعلقـة البيضاء لقد استطعت أن أقرأ على البطاقة .الروب الطيب األبيضغلق أزرار وت :على صدرها

.فاتن مصطفى، طبيبة امتياز

30

أن يقرأ الكالم املكتـوب خبـط ت االسم من مسافة تكفي لكي ال يستطيع أحد قرأ

.ركيك، وبقلم أزرق جاف .لقد دفعت هذه الطبيبة ، قليلة احليلة ، رشوا عن طيب خاطر

مـن % 70بة خاطرها، فلقد كانت صاحبة املبادرة يف أكثر مـن أنا متأكّد من طي .بةالفعل الذي حدث للمرة الثانية فوق جسمي ، أنا سرير األشقياء ، أنا مالءم الرط

: لو كنت بني أصدقائي اآلن، لعلّقت بشجاعة رطبة أجر يف كل كبد.

:دائماً، وسيقف مصطفى مهدداً بتركنا ماتغرق يف الضحك، مثلوسنس .يا أوغاد، سأتقيأ عليكم إن مل توقفوا حديثكم السافل ، هذا

علـى .، مث وقف خلف رأسي مباشـرة من جانيب األمين يف اجتاه رأسي حتول الطبيب

انت تقف عربة صغرية ا حماليل وأدوات تعقيم ومقصـات األيسر للسرير ك انباجل .ليهاعومشارط طبية وقفازات وأشياء أخرى مل أتعرف

تعايل يا دكتوره - حاضر -

وهي تضـغط كان رأسي يلمس بطنها بعد حلظات قليلة .رأسي خلفوقفت الطبيبة ، وكيف كانت أظافرها تنغرس يف بطين مث تذكرت املمرضة . عليه بقوة، مث تبتعد عنه

يا إهلي، ما هذا، قلت لنفسي؟ . تنفك قليالًأنا ال أستطيع أن أنظر إىل اخللف، وليس مبقدوري رفع جفين عيين ألرى مـا الـذي

..لقد أغلقهما هؤالء السفلة.. ثحيدصفاء، أن يغلقوا يكون هلؤالء األشرار ضمري ذا الال، لقد انغلقا تلقائياً، فال ميكن أن

اقتنعوا بأين ميت؟ وما الـذي يفعالنـه اآلن أخرياً ولكن هل .بصري حياًء من امليت .، امشأززتوخميف كم هو مقفر تعس اإلنسانُ ابن اإلنسان.خلف رأسي

31

.حلائطباالطبيب يقف خلفها وهي ملتصقة به، بينما يلتصق ظهره ختيلت is already dead هذه احلالة -

، والسبب؟أها - .too late لكنه وصل إلينا. غري معروف - .يرمحه اهللا -لكي ننقـذ من حقّنا أن نستفيد منه. اً وحنن أحياءهم أنه أصبح ميتامليرمحنا مجيعاً ، -

: على هذه اجلثة مهارتنيسأعلّمك . مهمتنا مقدسة وال يقدرها أحد. أحياء آخرين .القصبة اهلوائيةيف تنفّسياً كيف تدخلني أنبوباً

.وكيف تستخدمني الصدمة الكهربائية

ا، إذن فالصدمة الكهربائية اليت حتدث عنها حممود هذا املساء ال تنفع يف ااااأها •سـيعلمها كيـف تسـتخدم . الذي أصبح أكيداً اآلن، يف وضعي حالة املوت

. هل أنا ميت أم أن قليب متوقف وحسـب : لكن .الصدمة على جسد ميت عن حواسي اجلديدة، أجيبوين عليكم اللعنة؟ماذا

يف إعطاء تعليماته بصوت متقطّع ،متحشرِج، فيه غنة مل تكن موجودة منذ نصـف بدأ

.دقيقة- Head tilt

واجهـة بإحناء رأسي إىل اخللف حبيث أصـبح ذقـين يف م األمر، وقامت نفذت .السطح، وعيناي يف مواجهتها هي، وهو

ومهـا ويضع رأسه على كتفها األميـن -ذلك ختيلت – بيديهكان حييط خصرها .سنتيمترات قليلة وجهيمنحنيان يفصل رأسيهما عن

.سعلت الفتاة يف وجهي، مرتني .سالمتك - .اهللا يسلّمك -

32

وضع كفه أمـام . ولعقها بلسانه األوىل ، يف السعلةعلى شفتيها ىنمسح بكفه اليمرأيته خيرج . وضع كفه أمام شفتيه لكبعد ذ. ت للمرة الثانية يف كفّهلعشفتيها فس

كنـت . جفين مغلقانأنا مل أره بوضوح، ألن . لسانه ويلعق بطن كفّه بصورة خميفةكانت السعلة األوىل عفوية، لكن الثانيـة مل .بعتامة ما، لكين كنت فعالً أرىأرى

ول، رأى عند هذه اللحظة انفتحت الستارة، أطل منها الطبيـب األ . تكن كذلك .املشهد، ابتسم دون أدىن ارتباك،وأغلق الستارة

علـى اليسرى تضغط بإامها: كانت تضع يدها على فمي هكذا فقد أما الطبيبة كانت تفعل هذا من خلف ..خدي األمين ، وبأصبعها الوسطى على خدي األيسر

.رأسي ،رتبكـت ا .الستارة مسعت شـهقتها وعندما أطل رأس الطبيب األول من فرجة

خيط . وبغريزة ما ضغطت على خدي حىت التقت إصبعاها يف منتصف جتويف فميأحسست به يبتدئ من أسفل عنقـي وينـزل . ب طار من فمها على صدريلعا

ويف حلظة . ه أن ميتد هلذه املسافةـُرمبا أردت. ملسافة سنتيمترات بني شعرات صدريلت إىل ما من ذلك الزمن الذي متامرئ القيس، الذي تنصرف إليه طفلفيه حتو

:املرضعة بنصفها منذرة النصف اآلخر للشاعر الفحل .بشق وحتيت شقها مل حيولِ.. إذا ما بكى من حتتها انصرفت له

يموتون مثلي ويف نفس املكان وبنفس الطريقـة ، سكنت أختيل أصدقائي ، عندما

األطباء والطبيبات ذات هموهم ميرون بنفس الطريق الذي مررت به، ويتناوب علي .واملرضى يف حفلة وداع جنسي تشيعهم حىت أول اآلخرة

يروي األحداث بطريقته عيسى ابتسمت يف تلك اللحظة وأنا أختيل صديقي حممد .اخلاصة، وحنن ال نكاد نفهم منه مجلة واحدة بسبب اختالط احلكـي بالضـحك

جلنسية العفوية اليت يفاجئنا ا يف أي مسعته يلعنهم باستخدام كل اازات واملعاين ا .تعليق يقوله

:وختيلت صديقي مصطفى وهو يستأذن من الطبيب والطبيبة، ويقول هلم

33

.أنا أتقيأ عليكم. يف مكان آخر دعوين أمتأيها األوغاد،

:هو يبكي و، البوهيميختيلت صديقي خالد، الشاعر .يا لتعاسيت.. كان من املمكن أن حيدث هذا البارحة

: بطريقته اللئيمة عندما يعرف نفسه ورأيته يقول ولكن ما معىن بوهيمي؟.. ، ولدي إحساس عميق أين كذلك بوهيمي فعالً أنا

انـت وك. كان بنطلوين مرميا جبانب السرير على حنو غري مبال. احملمول رن هاتفي .فريوزلسيدة يب، لسألوين الناس عنك يا حبي: هي أغنية رنة هاتفي احملمول

حدق يف وجـه الطبيبـة . حتسس جيوبه ، وأخرج اهلاتف. التقط الطبيب بنطلوينفمي وحلقي مع يف ، وكانت قد توقفت عن العمل شديدة البالهةبابتسامة عادية

.بدأ الرنني أحب فريوز ، كأا أمي - .كأا أميأنا أيضاً أحب فريوز، -

- كوأنا أحب أم.

- ( .... )

شخشة مسعتها تأيت من مكـان من اخل اً، كثريوشفتيها ن التورد على خديهاقليل م .يقع إىل األسفل من رأسي

..يكفي

.ثانية ظهرت يده مرة أخرى يف مدى بصري املستقيم 30بعد أقل من

34

، فسمعت نغمة إغالق التلفون قادمة مـن مكـان ضغط بسبابته على زر اإلغالق ابتسامة عادية أيضـاً ابتسمت له الطبيبة. ب بنطلونهدس التلفون يف جي. بعيييييد

:مايهصرخت يف وجه. وأقل بالهة .ال تسرقوا ذاكريتأيها اللصوص،

ل احملفوظة فيه جتـري ويف طرفة عني كانت ذاكرة التلفون تنفتح يف رأسي والرسائ .األسرار يف احلروبين مثل سيلٍ من األنعام السائمة، مثل أمام عي

حرك األنبوبة اليت متر من بـني وللتأكد وجهي، وضع يده على فمي،حدق يف شفيت وتنغرس يف مكان ما يف جتويفي ال أعرف أين هو على جه الدقـة، بيـد أين

ور هذه األنبوبة يف حلقي، ونـدت دمعـات أتذكر اآلن أين سعلت بعنف أثناء مر .كثرية من عيين

.كهربائيةجنرب الصدمة ال اآلن،. برافوا عليك .نعم -لن آخذ مـن وقتـك . انشغالك ما هي اخلطوات ، وعد إىل يا دكتور قل يل -

.كثرياًاضـغطي بقـوة . صدره، بالتوازيالصقيهما ب. قبضيت اجلهازعلى لْضعي جِ -

اشحين اجلهاز من الزر األصفر، مث اضغطي زر اإلطالق. عشرة كيلو جرامات .جول 200 دشحن عنتذكري أن تضبطي ال. ال تلتصقي بالسرير. األمحر

كل ما يف األمر أين كنت أراقب الطبيبة . يف الواقع أ نا مل أحفظ كل هذه التفاصيل

نت أتـابع برعـب ك. حىت حفظتهابصورة متكررة املتدربة وهي تنفذ التعليماتولست متأكّداً من معرفة " جول" مهندس فأنا أعرف ما معىن وألين. مؤشر الشحن

. به الطبيبةال بد أن أعترف . لقد كانت ذاكريت ، مثل حواسي ، خمتلفة وعمالقة. ال ، ال، ال

ـَصي امليت عمالق، لكنه بعيد .ذا وال ميس العامل حبواسه اجلديـدة وإال فـر وق ) ..خلرجتم إىل الصعدات جتأرون( الناس من بيوم إىل الصحارى و

35

وإن كان ائياً إال أنه يظل يقيين ته ليلة مويت، وهو ، فهذا يقني شكّلعلى كل حال . الفرداين، وليس مقبوالً من األحياء ترديد إميانات املوتى

..لعنة اهللا عليك يا جول: وأنا أصرخ كان جسمي ينطلق إىل األعلى

.جول 300مؤشر الشحن إىل فاتن مصطفى يف واحدة من املرات رفعت .يا إهلي، ما الذي تفعلينه أيتها امللعونة -جبلدي يذوب علـى ترق وسدي حيجب أقفز هذه املرة إىل األعلى، فقد أحسست مل

. بهيلتصق السرير و

يف حماولة أخرية لإلفـالت مـن جول ، صرخت 360وعندما رفعت املؤشر إىل : حتمية الفصل بني املوتى واألحياء

.مرة 360لعنة اهللا عليك يا جول -

بعد ثالث دقائق كنت نصف . نت أرتفع وأهبطك. على ما يبدو يل أعجبتها اللعبة

.رأسي حتت السرير ورجلي اليسرى فقط فوق السرير. مرمي على األرض .كان شعر صدري قد احترق بصورة قذرة، ووصلت رائحة احلريق إىل أنفي وعـيين

، فركت صدري بعنف. قامت الطبيبة بتدليك صدري لتتخلص من آثار الشعر احملترقاستخدمت بعد ذلك يـدها . مامث بدأ العنف خيف حنواً .وقطعة قطنباستخدام شاشة

أردت أن أفهـم . أحسست بأصابعها تنزلقان حىت مستوى سريت. اليمىن، االثنتني معاًصـدري بضة ناعمـة احلادث على حنو خمتلف، فهي املرة األوىل اليت تدلك فيها فتاةٌ

ختيلـت . رق أيضاًشعر بطين قد احتأن يكون . شيء آخروسريت، لكين كنت قلقاً من .احلريق وهو يشب يف صدري، ينزل إىل بطين وعانيت ويعرج على شعر إبطي

.خليال السخيف الذي ال جيدر مبيت، ميت مهندسهذا ا طردهززت رأسي أل وابتسمت..

36

، ها إم حيرقون اآلن ما بقي للمستشفىبعد أن احترق شعر رأسي يف البوابة اخلارجية حياً ال .. يبدو أن هذه هي النار اليت كنت أخشاها عندما كنت حياً . من شعر جسدي

.أرزق .على املمرضة الطبيبة نادت

. املمرضةدخلت مع حضرت األخرية إىل املكان، فغادرت الطبيبة، بصحبة زميلتها اليت أستخدم وكيف تعلمت هذه الليلة كيف أدخل أنبوباً تنفسياً يف القصبة اهلوائية -

.جهاز الصدمة الكهربائيةتدفعها خارج فاتن بينما كانت( ، بربك فاتنهياااا يا . صحيح؟ علميين بربك -

)الستارة بشرط؟ - .قويل -

.مث األشياء األخرى .البداية كيف تركّبني قسطرة بولية سأعلمك يف -

.لكين أعرف كيف أركب قسطرة بولية -

..ليست كل أجزاء املريض حلوة كذلك ،كما تكرار كل ليسوالتكرار حلو، -

... )ضحك ( ...

على شفتها السفلى، فيما يبدو أا كانت تتفاعل مع حديث اجلديدة عضت الطبيبةبعد حلظات ومها واقفتان عند فرجة الستارة واملمرضـة . عليها فاتنهامس تسرده

ا ميكن أن منشغلة بإعادة وضعي يف السرير، رأيت هذه الطبيبة ز رأسها وعليها م : يعترب محرة خجل

.نعم ، موافقة ، ومستعدة -يف الواقع مل أكن مبفـردي . السرير، مبفردي مكثت أنا يفبينما . واختفتا بعد ذلك

أدخلت . د مكثت املمرضة معي بعد اختفاء الطبيبتني ملدة دقيقة أو أقل قليالًمتاماً فقبقي يف حـوزيت مـن أي ية تصفية أخرية ملا، وأجرت عمللوينيدها يف جيوب بنط

.شيء

37

حراسـة املالئكـة من يف. لفلوس يف اآلخرة يـا عزيـزي بك إىل ا ال حاجة -يقنيوالصد.

وألقت بكيس البول املزرق يف سلة مهمالت، هكذا عضويأخرجت القسطرة من وسقطت من من هذا اخلرطوم قبضت عليه بيمينها بقوة عضويوبعد أن حترر . فهمت

ةصدرها زفرة جش. مث غطتين مبالءة وردية قذرة، مليئة بالدم ، وتنشع منها روائح عنيفـة، تشـبه تلـك

أختيل نفسي وقد حتولـت إىل يف كل مرةوائح اليت كنت أتنفسها يف أحالم اليقظة الر .سياسي مرموق

املمرضة ، يف كل أولئك الـذين وجه حاولت أن أزيح هذه املالءة ، صرخت يف .ستارة للحظات مث خيتفونكانوا يفتحون اليف منتصف دمـوعي تـذكرت .فبكيت، للمرة الثانية هذه الليلة. مل يسمعين أحد

) :دعوين أبك حماطاً بالليل ( فوجلانج جوته فغنيت لنفسي أنشودته

يف هذا عاردعوين أبك فليس أمل يبك آخيل على حبيبته بريسياس

وأكسركس بكى على الناجني من جيشه، ى خليله الذي قتله بيدهوعل

.سكندربكى اال وين أبك، فإن الدموع حتيي الترابدع

.وها هو ذا خيضوضر

38

)4 (

.، اخلميس ، األول من يناير2008يف تلك الليلة البعيدة من وسط البلد، يف القاهرة ، وكان مصطفى سيد يلقي علينا جمموعة من بمقهى كنا يف

اإلنترنت لشعراء يصنفهم ضمن مصـطلحه الشخصـي نصوص شعرية مجعها منGroup of F.

- F هي اختصار لكلمةFailure ؛وما معىن فيلري، سأله خالد وهو يفرك يديه بسبب الربد ويضعهما بني فخذيه -

. يف الواقـع، هـو مل يكـن يسـأل . وال يبدو أنه كان ينتظر إجابة من حممديثبت لنا أنه حاضر فعالً ومشترك كعادته،كان يلتقط آخر كلمة مث يسأل عنها ل

.معنا يف جلساتنا :امسعوا اآلن . جمموعة الفشل: مبعىن . الفشلفيلري تعين -

: البد من أي من املوتني

موت العجز بني القادرين

االمشئزاز وموت

اخلازاباز يكاد من فزع ميوت

من القمحدرة اقشعر

39

إىل اجلعري

.واستبد به احلزاز

عامـة يف ضـحكة احلداثيني الشرسني، الشعراء ، وهم شلة منعاشترك اجلمي ، حىت بدت ضـحكتنا مثـل لوحـة بدرجات متفاوتة من احلدة وبدوافع خمتلفة

إا نفس الضحكة اليت نطلقها جتـاه . لطاملا مجعنا الشعر والضحك. قدمية موزاييكت وبصـو كنت فقط أحاول أن أضحك. كل شيء مهما اختلفت درجة قبولنا له

، فقد سبق يل أن قرأت كل هذه النصوص اليت يلقيها علينا صديقي الشاعر مرتفعكانـت النصـوص فعـالً مـثرية بصراحة ، مل أكن متأكّداً مما إذا .مصطفى سيد

بيـد أنـين . للضحك، أو أن التفاعل الطبيعي مع نص ال يروق يل هو أن أضحكضدها وضد فاظ البذيئةوالقهقهة ورمبا استخدام بعض األل كنت مضطراً للضحك

فأنا سأحتاج املة أصدقائي ،ايل الذين يسكنون يف األعني، أولئك الرديئمنتجيهاأكثر فتكاً من كلمـايت عنـدما تكون وكلمات بذيئة رمبا قريباً يف ضحكة مشاة

، أو أحط من القيمة الشعرية أنه مثري للضحك أرى يف حينهموضوع ما سأشري إىل بكل تأكيد و .، مبن يف ذلك أولئك الذين يعيشون يف األسفلما لشخص ما ولسبب

: لن أكون سعيداً حني يقول يل أحدهم فأنا .ينبغي أن نضحك من نص خيتلف معنا ال

أو بدرجة مـا أو حني يبدي أحد اجلالسني قدراً من التسامح مع ما يعتقد أنه جيد :بالدرجة الكافيةرديء

.فأحدمها ال حاجة لوجوده اصفاميف شاعرانإذا تشابه

، معي يف نفس التفكري، بنفس الوقـت كان لدي إميانٌ عميق أن اجلميع يشتركونى، احملرض على الضحك بتلك الليلة، وهو املعروف بيننا باملتسامح مبن فيهم مصطف

العظيم .الشعر ، يقولشؤون موالي إال يف -

40

واللحظة اليت بصوت مصطفى صذا النمساعي هلبني ال أدري كم من الوقت مضى

.تقيأت فيها على الطاولة مصطفى أخرجتلك اللحظة اليت انفجرت فيها مثل بالونة ، مثل ممثل مغشوش ، يف

.منديل معطّر 100 –كيس مناديل، زينة من شنطته مسح على وجهي وفمي، ألقى بعدد من املناديل على الطاولة فبادر خالد بتنظفيها

: دخل النادل، وأخذ الكتابني الذين كانا أمامي ت. يف قميصيوتنظ .الفسكونت املشطور، إليتالو كالفينوو.. ، ملاركيز هةااجلنرال يف املت

الـذي عـم نظفهما من القيء والشاي الذي انكب عليهما بعد االرتباك املفاجئ .الطاولة

أفضل أن أعود إىل البيت - .، قال يل مصطفىأناسأوصلك -

ريعة يف اجتاه الشارع القريـب مـن ة سركحب امللونة ةالعاجي الكراسيوانطلق بني وعندما وضعوين يف التاكسي مبساعدة السائق . كنت قد بدأت أفقد وعيي. املقهى

ليس وعيي هو الذي تالشى، فقد كنت أحس أن العامل . كان وعيي قد تالشى متاماًوالنجوم ، كلهم كـانوا لناسكأين كنت أرى املدن وا.. هو الذي نزح عن وعيي

م فوق ظهورهم ويدخلون يف املتاهة، مثل جنرال مـاركيز ، هـذا حقائبه حيملونلست متأكداً من الشخص .. منذ دقائق وهو اآلن بصحبة خالدالذي كان بصحبيت

هو يستعري كتبنا دون أن ندري الذي أخذ الكتابني، لكين أرجح أن يكون خالداً، فيف أي م االنتقال من سكن إىل آخر فهو ال يستطيع أن يتذكروألنه دائ. وال يقرأها

اليت مل نكن حنـرص علـى املتكررة سكن سابق ترك كتب أصدقائه، وفقاً لرواياته .تكذيبها أوتصديقها

41

يتالشـون البشرو، الوارث النهائي هلذه األكوان ،كنت أرى نفسي الباقي الوحيدأحسست أين أجلس على عرش من سي وعندما استقر جسدي يف التاك .من أمامي

، إن كان ما حيدث وألسباب غري واضحة بداخلي مل أكن مستعداً للقاء اهللا .الدخانمل أملح . مثلما سيحدث لرفاقي فيما بعد يل اآلن هو االنتقال إليه حتت مسمى املوت

مـن مل أكن خائفاً .ذلك الربق الذي يركض بني أعني املوتى ويلتقطهم إىل اآلخرة وال قلقاً من سجل أعمايل ؛اهللا

يعلمين كيف أرد علـى أبو شهاب كنت قرأت منذ زمن بعيد، عندما كان الشيخأسئلة املالئكة يف القرب وال يعلمين كيف أرد على أسئلة أصدقائي وأسئليت يف الدنيا

ينـادي . يف عربة قدميـة : ، أو أن املوت مير بني الديار واخليام مثل عربة قدمية.. . بينما ينظر إليه الناس بال وعيهم من الشبابيك والشـرفات . بالناس، ويفتح أبوابه

.يبتسمون له ويبادهلم التحية، مثل بائع األلبان ، وموزع اجلرائد

ا باملوت يف حياـا، حـىت ايف النصوص اليت قرأا ، أن الناس تريب قناع وقيل ،وهكذا فإن من يغادرون أهلهم وديارهم . وتبامل ويكتمل البدر تصري القناعةُ بدراً،

خلون يف هذه العربة اجلوالة هم أولئك الذين اكتملت قناعام وأصبحوا على دويقالت النصوص أن املوتى يضـحكون، . عن طيب خاطر أهبة نفسية ائية للموت

.األديان حبسن ختـامهم وال مبا يسمى يف وأن هذه الضحكة ال عالقة هلا بأديامأم ال يتمنون العودة إىل األماكن القدمية، وال يكترثون ملـا ميكـن أن حيـدث و

وأن املوتى القدامى ال يفكرون حىت بسؤال املوتى اجلدد عن الدنيا، فهم . وراءهمويف هامش تلك النصوص قرأت آراًء تقـول أن . مستغنون منفصلون عن املاضي

فـال .مفرداتـه وال ن أفعال املاضياملوتى ال يتحدثون عن املاضي ألم ال ميتلكو". حـدث "مثل أو فعل ماض" أمس" مثل توجد يف لغة املوتى مفردة ظرف زمن

، وأن عجزهم هذا أو التفكري فيه لذلك فهم يعجزون متاماً عن احلديث عن املاضي

42

ـ . رك لديهم يقينا بعدم احلاجة إليهت ان ال يسـتطيع أن وكانت اخلالصة أن اإلنس ..يفكر خارج اللغة وهذا ما جيعل من عودة املوتى إىل الدنيا أمراً مستحيالً

.إا اللغة

كيف سأعيش . ، وأصابين الرعبتذكرت هذه النصوص، وأنا أتالشى على الطاولةوبـدأت يف البكـاء . ماضـي بال كيف سأبكي . دون أن أحكي، أروي ، أتذكر

.ول اآلن إىل موجود بال ذاكرةالعميق، خلويف من أن أحتوداعاً أيها املاضي، خذ ذاكريت يف طي ذاكرتك واذكرين عند ختوم املدن وبوابات

.األحالمتذكرت ليال نبيل، اللبنانية العظيمة، وهي ختطب يف املوت من فوق سـور حياـا

: األخرية ليلتهايف املتعبةأما .. ايت أناديك، خذين إىل أقاصيك البعيدة املعلق يف أهدايب من أعماق ذ املوت أيها

.أنت فلن جترؤ على نسياين فأنا عناقك األخري حيثُ املوت يولد بال ذكريات .ما أحلى الشعر، ما أمتع الذاكرة ، وما أشهى املوت ياه،

اولة، وحممـد كان خدي األيسر على حافة الطقبل أن يعود مصطفى بالتاكسي ،

ثنتني حتت خدي ويطلب من حممود أن يركض إىل مصـطفى اال يضع يديه عيسى .ليستعجله

بعد أن كنت قـد أقنعتـهم قبـل أن ،كان اقتراحهم أن أجته إىل املستشفى، اآلن .ليس أكثر من تسمم غذائيأن األمر بأتالشى

قلـت . يف طعمه ، رغم أنه بدا شهياًعاً بهنكما مل أكن مقت ،مل أكن فرحاً ذا املوت :لنفسي

.موت غري عادل، وبال هوية. دبرموت م. تلفيبدو أنه موت خم

43

وأنا أتسلل إىل الفستان الكوين الكبري، إىل يليف التاكسي، كان مصطفى يتحدث إأن يكون الرفـاق . إىل النور، وكنت أمتىن أن يكون مصطفى معي يف هذا الغياب

.بصحبيت اآلن، إىل النور ، إىل اهولمسة اخل

: ، يف بداية مويت ت يف مويتشرد ملاذا ال يبدو اهللا مستعداً للقائي اآلن؟

اب السماء وتـدخل يف فتح هلا بأين املالئكة الذين سيحملون روحي إىل األعايل لي سدرة النهاية ، كما كان الشيخ زيد يؤكد يل؟

والنـار يف األنبيـاء واجلنـة ، عقيديتيسألين عن رأيييأت أحد إىل اآلن ل ملاذا مل ؟الكون واحلياة واملوتو

عد هذا موتاً غري عادل، أن ميوت املرء أال ي.. مث فوق هذا كلّه، ملاذا أموت حزيناً مستعد للموت؟ أوحزيناً وغري مقتنع

تسمع حديثنا؟ أريـد أن يف وسط البلد، طاولتنا، ذ مىت وعربة املوت تقف جبوارمنمرة هم أيضاً يريدون أن منوت .محة أبديةأموت مع أصدقائي، فاملوت مع الرفاق ر

.واحدة وبنفس الطريقة .ال بد أن نستكمل حكاياتنا يف اآلخرة ، يف الطرف الثاين من الدنيا -

: وكنا نرد على خالد .للدنيا باآلخرة ، لكنها ليست طرفاً آخر رائع أن تؤمن -حياناً أوزعهما بني اإلميـان وأ. أؤمن ما، بالدنيا واآلخرة أحياناً أيها األشرار -

:ال تغضبوا ، ليكن إذن . والكفر

. اآلخرة طرف آخر لإلنسان -

44

اقتـرح عليـه . ويضم رأسي لكتفه ، يضع يده على عنقي وكتفيمصطفى كان السائق أن يأخذين إىل املستشفى، فقال له مصطفى أن األمر كلـه جمـرد تسـمم

.قّيت يف حي املنيلغذائي، وأنه سيعتين يب فور وصولنا إىل شحتولـت . أخرياً اقتنع مصطفى ، واقتنعت أنـا .. أحل عليه السائق، وعنفه بشدة

.املستشفى عرب شوارع فرعية عدمية اللون والشكلوجهتنا اآلن إىل .يعاين من هبوط يف الضغطيبدو أنه - .تقريبا -

الناس هنـا .ليل بعمقشوارع القاهرة يف زمحتها املعتادة، حىت وحنن ندخل يف ال

ويبدو أن إبراهيم . يتناوبون على حراسة النيل، فال ينامون مجيعاً وال يسهرون مجيعاًال أحد ينام يف : عبد ايد كان يقصد القاهرة وليس االسكندرية يف عنوانه الكبري

. رمبا ال أحد ينام يف مصر، يف احملروسة. االسكندرية، قلـت بالفعل على حراستها إذا كانت حمروسة ملاذا خيافون عليها ويسهرون -

.لنفسي وأنا أرى التاكسي حياول أن خيترع لنفسه طريقاً فوق األرصفة املستشفى مل يـنم إىل، وحىت وصويلومنذ اللحظة اليت أدخلت فيها إىل التاكسي

نذ مبالغت يف االسترخاء، فأنا مل أمسع فريوز منذ أول مرة مت فيها، . صوت فريوز .عام كامل

أدركت ذلك من طريقتـه يف . متحمس لكل شيء، وعاطفيسائق التاكسي شاب احلديث، وإصراره على أن تظل فريوز صادحةً يف هذا التاكسي دون أن يكتـرث

. ميت يعاين من هبـوط يف الضـغط .، وراءه متاماًلوجود ميت يف الكرسي اخللفي .مهكذا كنت يف املسافة الفاصلة بيين وبينه

: استمرت فريوز

45

سألوين الناس عنك يا حبييب تيب وأخدها اهلوىكتبوا املكَ

بيعز علي غين يا حبييب .ألول مرة ما بنكون سوا

ماما : وكنت أدلّعها . إا فريوز ،كما كانت تفعل منذ عامٍ عندما كانت تغين يل أنا

دميـة يف جـدار قويف كل أسبوع كنت أستبدل صورا ال. وأقبل خديها ،فريوز .لها ومالطفتهايغرفيت بصورة جديدة، وأستمر يف تقب

: قلت لسائق التاكسي .عليها ، وأضبط نغمة تلفوينسأسجل األغنية يف تلفوين احملمول

سائق التاكسي مثل أولئك الذين يتواجـدون اآلن يف قسـم اإلنعـاش ، يف

انطباعي عـن فـريوز ألين ولن يشاركين يف.. لن يسمعين، ألين ميت ،الطوارئوأنا إىل اآلن ال أفهم ملاذا أموت حزيناً .مصاب بوط يف ضغط الدم وفاقد للوعي

حنـن . غرة حني الختطاف الناس على ال حىت ملاذا يبدو املوت حيلةًو. وغري مقتنعخلقنا بكامل وعي أهالينا وجمتمعاتنا، فلماذا منوت يف اخلفاء والفجأة مثل الـريحِ،

خراف بين إسرائيل الضالة؟ مثل : لكن اهللا يقول

.كما بدأنا أول خلق نعيدهأكدوا من أن أحداً يف تإذن أعيدوين مثل البداية، وسط أهلي، وبقناعتهم التامة، و

العامل مل يعد حباجة إيلّ، فأنا أتيت تلبية حلاجات كثرية كان أيب وأمي يقتسـماا يف .احلسبان

ردة احلياة؟ن هناك، من يسمعين مأيها املوت، أيها املوتى، أيتها السماء، يا ب

46

. كان جيباً صغرياً أعلى ركبيت الـيمىن . حاولت أن أدخل يدي يف جيب بنطلوين :هكذا حاولت أن أفعل

مث أضغط على " . تسجيل" أدخل يدي يف جييب، أخرج التلفون، أضغط على زر .مها كنغمة رنني ونغمة تنبيهواستخد) سألوين الناس ( أيقونة األغنية

.قد حاولت أن أفعل أشـياًء كـثريةً حىت فيما بعد ، حني وصلت إىل املستشفى ف

. كنت أرتب الفعل يف ذهين، وأضع خطواته مث أمتناه فقط .يبدو أين أموت وحيداً ، إذن

ما أعرفه أن املوتى سـيموتون قهـراً إذا مل . لست مقتنعاً أن املوتى ال يتحركون . يستطيعوا احلركة

: حسناً

أين هو، ملاذا ال يظهر اآلن؟: لكن . هناك عامل آخر أستطيع أن أحترك بداخلههل عاىن . ياهلا من سخرية. أنا أعيش نصف الدنيا، نصف احلياة، وال أرى اآلخرة

الذين ماتوا قبلي مثل معانايت؟ذه الصفة لتلتصق ؤالء من أين هربت ه" . املوتى" أكثر ما يزعج املوتى هو صفة :وهي حتدثين عن املوت حلبيبيتقلت ذات مرة . األفذاذ ذوي احلواس الالائية

..املوت آية النهار، احلياةُ آية الليل : رأسها على كتفي فوضعت

.وأنت آية املوت واحلياة حلظـات ، وبينمـا . استيقظت يف مويت من مويت. لقد وصلنا إىل املستشفى إذن

انشـغلت أنـا مبالحظـة بوابـة ،فىغاب مصطفى يف الزحام، يف دهاليز املستش. ، وكل ما حييط ا من بشر وحراس كما أفعل يف كل مكـان جديـد املستشفى

:إىل أيب حنيفة اليت كان والدي ينسبها وغالباً ما أردد تلك املقولة

47

.لكل قادم دهشةديد أين أجتاز العامل مـن الطـرف فأندهش، أبالغ يف االندهاش ألين أحس مع اجل

.اآلخرمكتوب على ظهر لنقل املرضى مرصوصة أمام املستشفى ، كراسي متحركةعشر

). مفتوحةمزة قطع ( عربة حوادث األستقبال : كل واحدة منها اجلارح ومتّنيت أن ال أدخل علـى واحـدة اإلمالئي شعرت باالمشئزاز هلذا اخلطإ

.منهاكتب عليها بـاللون املرصوصة كانت تقف لوحة سوداء عمالقة لى الكراسيأع

البنـد أرقام البنود ، ونص باستثناءكل بياناا تعليمات كثرية، انطمست األبيض : العاشر

رجال األمن مكلفون بتنفيذ التعليمات بدقّة ومن خيالفهم أثنـاء أداء واجبـام ( ).سيعرض نفسه للمسؤولية

أو صطفى من الداخل بسرير متحرك ليس عليـه أي رقعـة وحىت عندما عاد م بينما كان حياول هـو و. كرتون فقد كان يدفع السرير مبفرده مالءة أو حىت قطعة

، نظرت إىل دون مساعدة أحد من أفراد احلراسة رفعي إىل السرير وسائق التاكسي . رضىأن عددها مل يتناقص رغم وصول العشرات من امل اكتشفتالعشر ف العربات

حسناً ، أنا مل أستخدم عربة من تلك العربات ألنين أرفض مبدئياً أن أركب علـى

ين أقل مثل هذا الزعم رغم أين مل أفهم ملاذا أصر ودع. خطإ، حىت لو كان لغوياً حبتاً .نقل املرضىلعربة على مصطفى على محلي على سرير متحرك ال

هل كان مقتنعاً أين مت؟ ـ : بسيجارته السائق الذي أحرق شعر رأسي دت أن أسألأر اذا ال يسـتخدم مل

املرضى هذه الكراسي؟ : ال ال ، هكذا

48

يف تـذكرت . )لكي يكون سؤايل عادالً( ملاذا مينعوم من استخدام هذه العربات كنت قبـل . ظيبأبو يف إمارة وصلتين من مثقف مصري يعيش قدمية رسالة احلال

بانفعـال من خالل اإلنترنـت الشأن السياسي املصري يف عامني من مويت أكتب :فجاء نص رسالته .ضد آخر سياسي شديد، وأختذ موقفاً مع طرف

أعلم بشـعاب ، فأهل احملروسةأمرهم ع املصريني يتدبرواأمري، دالشاعر عزيزي .ليتين أعرفك، يا شعاب بلدي: هززت رأسي عقب قراءا .بلدهم

ليـتمكن مـن سائق التاكسي وضع السيجارة يف فمه ما حدث اآلن هو أن

كان يضـع . حلملي على السريرمصطفى يف مساعدة ، أيضاً،استخدام يده اليمىنبتلـك مسعت أصوات احتراق شبيهة. ه بالقرب من جبهيتيديه حتت رأسي ووجه

األصوات اليت كنت أمسعها عندما أمشي يف فصل اخلريف بني األشجار، يف البعيد .وادي الضباب ، قرييت النائمة يف اليمن يف ..

:قلت لنفسي مـا أحفـظ شدة وأحفظ شواهدها التارخيية مثلب أنا أؤمن بالطرية .إنه فأل سيء

يف فـروع وأصـول يف الواقع أنا أحفظ الكثري من الشـواهد . الشواهد الشعرية .كثرية

ستوى أعمق موت إىل متعين أني قد أهذه اخلشخشة اليت أمسعها يف رأسي يا إهلي ، جودين بالداخل مثل أن املو: ما سيحدث يلأو أن شيئاً .بكثري من مستواي الراهن

.وبطين وعانيت وإبطي ألسباب ال أفهمها حرق شعر صدريإىل سيبادرون .اخلريف الذي يدخل يف الشتاء .إنه اخلريف إذن

.إا سحابته السوداء تتصاعد من أعضائي الشخصية: بن سريين لتقول لـه اليت أتت ا ما أشبه هذه اللحظة حبلم تلك املرأة. يا لبؤسي

. أخربي ابن سـريين بـذلك : رأيت القمر يدخل يف الثريا، ومسعت منادياً يقول .ويلَك أيتها املرأة: اللقمة من يده وهو يصرخ فسقطت

49

.مث مات بعدها بستة أياموإذا مل يكن قد احتـرق ومـات .حيترق اآلن أنا جمرد قش بشريمصادفة، يا لل

.األسبوع القادمفمؤكد أن ذلك سيحدث قبل اية !ويلَك أيها السائق، ملاذا فعلت بسيجارتك كل هذا

) 5 (

.م2008يناير، 1 –يف تلك الليلة النائية، اخلميس .وشديد الـربودة كان اجلو ماطراً .كنت أول من وصل إىل املقهى يف وسط البلد

وبشكل عام فإن . مثل القنافذ والسحايل الداخل ينزوون إىلقهى كان الناس يف املو ويتسـلل . خلهاادإىل هي نفسها يوتنزو، املقاهي تفقد يف الشتاء جزًء من وهجها

شـيالنَ على رؤوسهم وملونة طاقيات وهم حمنيو الظهور، يضعون إليها املرتادون وقد حاولت بعد . يف الشتاء قاهرة قفّازاتنادراً ما يلبس سكان الو ، أعناقهمعلى

وصويل إليها بعامني أن أربط بني هذه املشاهدة وبني ارتفاع نسبة املدخنني فيهـا، .فلم أصل إىل استنتاج مقنع

: يعتذر عن احلضور زكريا أن عادل حاول

.الطقس جحيم هذه الليلة - .سارتراجلحيم هم اآلخرون، كما يقول -

50

وعندما وصل كـان .مث أينا املكاملة بعد أن أقنعته باخلروج ،ضحكنا بشكل آيلكـان آخـر .وهو يضع قفازين على يديـه ميشي يف الشارع مثل رجال الشرطة

القصة ولذلك فهو الوحيد من بني جمموعتنا الذي يكتب . الواصلني وأول املغادرينما يأيت موعد لقائنـا وعند .السعة املرجوة للحديث حنن الشعراء،فهو ال جيد بيننا ،. سفينة معطّلة يف احمليطلصوص جيرون نسحبه إليه مثل غالباً ما كنا األسبوعي فإننا

سرعان ما يتعرض لعملية قمع من فإنه وإذا ما حاول أن يبدي رأياً يف نص شعري عيسـى ، بعد أن أمـه كانت عملية القمع بالغة يف تلك الليلة .عيسىقبل حممد

. صدقائه ووضعه كعنوان لنص قصصي أجنزه مـؤخراً قصيدة ألحد أ بسرقة عنوانوما فهمتـه .تقل احلديث إىل النصكنت شارداً عنه، ان، قصري وعنيف وبعد جدل

. بدرجة بالغة الشراسـة زكريا سخر من نص عادل عيسىأن بصورة سطحية هو. ة واستأذن يف املغادرةعن الطاول عادل بعد صمت قليل، ختللته بعض اامالت قام

ت أقـدام اصوأع فقد كنت يف تلك اللحظة أمسيقوله من أعذار كان نتبه إىل ما مل أ .كثرية متشي يف جتويف صدري

ر مندفعـة مسعت أصوات ريح حادة، كتلك اليت مت. ضت عيينمشردت قليالً ، أغة على ، أو يف جتاويف شجرة عمالقة ملقاةصخري يف الصحراء مث تدخل يف أحفورة

.األرض ما بك، يا أمري؟ - .ال شيء، فقط أشعر باالسترخاء -. ريح تعوي بـني أسـناين ةَ، مثّحركت شفتي ببطء) .. كأم أعجاز خنل خاوية(

أمكن أحداً من مالحظة على الطاولة وأنا أحاول أن ال االثنتني فردت أصابع يديكتفي وتتزلّج علـى لىع نأحسست بريح باردة تنزل م. حركايت، أو ما أشعر به

. ساعدي، ذراعي، مث خترج من أطراف أصابعي واو ، ما هذا حبق اهللا؟ • خري - ماذا هناك -

51

هل أنت خبري –

ما بك؟ أمري، –

.ال تقلقوا ، جمرد برودة صافية • .علّق حممود ؟ما معىن برودة صافية .. برودة صافية -

.إا صافية للغاية. يح باردةفيها ر: أقصد .. ريح برودة صافية ، ليس فيها * ..صاااااا

. وبدأت أتقيأ بعنف

ال أنـا . دون اآلخـرين إىل املستشفى ملصاحبيت سيدال أدري ما الذي دفع مصطفى

: كنت أفسر عالقيت اخلاصة مبصطفى بعبارة من مودة، لكين أشكك يف ما بيين وبينهم .إننا غالباً ما حنب أولئك الذين يشبهوننا

وكنت أضيف عليهـا . لدوركاييم" تقسيم العمل" يف كتاب كنت قرأت هذه الالفتة : عندما أستعرضها

إن حبنا ألناس بعينهم ألم يشبهوننا هو شكل من أشكال عبادة الذات فنحن حنـب غـري صـور مكـررة دفاترنا أي أننا ال نضيف إىل.ال خواصهم املميزة فيهم صفاتنا

.سنا أكثر من مرة وبأكثر من وسيلةفنحب أنفلذاوتنا، .لن نتحرر حىت حنب أولئك الذين ال يشبهوننا

آآه ، لقـد . تذكرت هذه املسامهات النفسية اليت كنت أقدمها لنفسي وألصدقائي

ال أدري كم من الوقت مر بني اللحظة الـيت . تذكرت كل هذا وأنا يف غرفة الطوارئالناس هنا . هنا ال توجد ساعة على احلائط. املخيفة ةفالغرتقيأت فيها ووصويل إىل هذه

52

ه يلفّهم إنين أرا. ، مع أنه ميشي على وجوههم مثل سرب من النملال يكترثون للزمنندهشت هلذه املالحظة قبل أن أمسع أذان فجر تلك الليلـة ا. مثل قطع الشاش والقطن

تدرجيياً طوال تشيخ مرضات، لقد رأيت وجوه أولئك األطباء ومعهم امل. بنصف ساعةقلت لنفسي . ارتعبت حبق. قرنان رمبا كأن الذي مر هو عقدان من الزمن ، أو .الليل

كم مضى على مويت؟: وأنا أرجتف : سألت املمرضة اليت كانت تقف بعيدةً عين وقد أزاحت كل الستائر

.هل مضى على مويت وقت طويل .ال أحد يسمعين

أم أيضاً ال يرونين ، وأنين لست هنا من األساس؟ ماذا لو.. يا إهلي

ن املرضى بطريقة آلية، ويتقدمون م إىل بعضهم إم يتحدثون. ها، إنين أراهم بوضوح .واملصابني بربودة الثلج، بتعاسة النحاس

ممرضة صغرية يف .لم أستطعف حاولت أن أزيح املالءة اليت غطتين ا املمرضة منذ قليل

كانت . يبدو أا مل تتجاوز اخلمسة عشر عاماً ، جتلس اآلن على قدمي اليسرى ،السنحترك ردفيهـا ومع كل عبارة كانت . طبيبة تقف على مقربة من سريري تتحدث إىل

.أعين املمرضة ، ال الطبيبة. حبركة دائرية شديدة البطء ) تذكرةممنوع دخول أي ابن مرة وسخة من دون (

رأيـت . خيرج من حنجرة عظيمة وعنقٍ ضخم وري املخيف يبدو أنههذا الصوت اجلهيبدو أن صاحب .فتيا لقوة موجاته الصوتية، خ .يف املرآة املقابلة للسريرثانياً شرخاً

أخيليس العظيم هذا سيتسبب يف مويت بالصدمة الصوتية هذه .الصوت يتجول يف املمر .املرة

53

شيت أن أكون مصاباً باضـطراب نفسـي خ. ضغطت املمرضة على قدمي بثقل أكربال أتذكر املصطلح العلمي الذي يطلق . متعلق برغبة يف تفسري كل شيء تفسرياً جنسياً

ين أعرف أنه موجود يف ختصص ما ، لك ،النفسي االضطراب النوع من على مثل هذاعن نوع نـادر مـن أنـواع قبل مويت كنت أقرأ. يف الطب السلوكي على األرجح

هو ممارسة اجلنس thanatophiliaويسمى أيضاً Necrophilia لشذوذ اجلنسي وامسهافأنا أعرف أن الثاناتوفيليـا هـو . ارتكبت كثرياً ، أكثر من أي وقت سبق. ىمع املوت

كـانوا . طقس قدمي مارسته جمتمعات دينية سحيقة دف التواصل الروحي مع املوتى، يومنياملوت، الذين مل ميضِ على موم أكثر من يزعمون أن ممارسة اجلنس مع حديثي

ختيلت تلك الصور املنقوشـة علـى األواين .أن يعيدهم إىل احلياة من جديد باإلمكانحيث يظهر رجـال ،اليت تعود إىل حضارة موشيه يف جنوب أفريقيا ، الفخارية األثرية

.صبايا متوفّاتالدين على شكل هياكل عظمية متارس اجلنس مع :يكن من الصعب علي أن أحدد الطرف املريض يف هذه العالقة مل .، بكل تأكيدإنه الشخص احلي

أنا واملمرضة اليت جتلس . حاد بشذوذ جنسينيمصاب كانا يبدو يل أن الطرفني.. اآلن

فتاة طيبـة مل تفعـل جمرد رمبا كنت أنا املريض، الشاذ، وهي .اآلن فوق أصابع رجلي . ، إذ كل ما يف األمر أا جلست على قدم رجل ميتشيئاً غري الئق

وهي جتلس عليها بطريقـة أنا أحاول أن أزيح رجلي بعيداً .صحيحاًليس ال ، ال هذا

مل يسبق أن جلست فتاة على قدمي، ومل أجرب هذا النـوع . ال ميكن أن أفهمها خطأ .بالفعل من قبل، لكنين مثار اآلنالرغبوي من التواصل

ويبدو لقد رأيت هذا املشهد من قبل.. ملاذا أتفاعل جنسياً مع هذ الفعل تذكرت آآه

القاهرة ، كنت أزور مريضاً خضع لعمليـة ب يف حي الدقي. أين أجرره يف الوعيي اآلنيف بيته كان يشترط على الشغالة أن جتلس على . أعوام مخسة، منذ بتر لساقه اليسرى

54

وتسمر مل تكن تفعل أكثر من ذلك .لفترة تصل إىل مخس دقائق ،، اليمىنقدمه الوحيدةاطّلعت متأخراً على تفاصيل هذه املمارسة الغريبة، بعد أن الحظـت . نظرها يف وجهه

.يعرق بعنف مث ينام مباشرةً فتقوم هي عن قدمه كان على حنو متكرر أنه :قالت يل الشغالة بعد أن حاصرا بأسئليت

يهمين من الرجل النصف األسفل، وهو . هو نصف ميت الرجل بساق واحدة - .إا صفقة تعيسة كما ترى.. اآلن بنصف نصفه األسفل

ه؟هل ترغبني أصابع قدم: أقصد .. وهل ترغبينه؟ اعذريين -

.أجلس على قدمه ليثار هو، أما أنا فتشعلين تعبريات وجهه .مممم ، نعم - وهل يكفي؟ -

.يكفي وزيادة.. لعجوز مثلي - لسـت . فجأةاآلن إنين أعطي الوازع األخالقي كل صالحياته لكنه تعطّل ..آآخ

. أصبح عدمي الفاعلية: يف الواقع . مسؤوالً عن هذا العطلظننت أن األخالق مل تعد مطلوبة من املوتى، وأن خطايا ما بعد املوت ال تـدخل هلنيهة

اسـترخيت . خروج الروح ألن الصحف تطوى مع يف احلساب النهائي للخري والشر .ت ألصبع رجلي الكربى أن تغوص يف مكان ماحهلذا التفكري، ومس

عليك اللعنة قومي عينصبعيظفر أ آآآآي، لقد كسرت ،. س خرجت بعد؟ هل من األخالقي أن أد ماذا لو أن روحي مل تكن قد. مث ارتبكت فجأة

.روحي يف مؤخرة امرأة

غريبة تقول أن الروح خترج من األصبع الكربى، سبق أن قرأت عن معتقدات آآآه ،اذا لو أن روحـي م. وأا تتأخر يف املغادرة لفترة قد تصل إىل يومني كاملني بعد املوت

ال ينبغي أن . صبعي، هل من الالئق أن أشيعها مبثل هذا التشييع املهنيال تزال اآلن يف أ

55

ره املوتى هو حقيقي، وكل ما أتساءل اآلن عن صحة مثل هذه املعتقدات فكل ما يتذك .ليس حقيقياً يسقط من الذاكرة بعد املوت مباشرةً

رمبا كان هو أيضاً غري حقيقي لـذلك فأنـا ال . من هو صاحب هذه الفكرة ال أتذكر .أتذكره

لينتهكوا هم حرميت كما يشاؤون، مل أعد . أنا ميت ، ال ميكن أن أنتهك حرمة األحياء : لقيامة سيقال يوم ا. آبه لشيء

.سرقوا ميتاً، مث أجربوه على اغتصاب ممرضة وطبيبة

وسـأحظى . الفتـاً سيكون هذا العنوان . يوم القيامة تبدو كل األشياء غريبة وعجيبةوحممد عادل حممود وخالد و: ومن أصدقائي .كاسحة من قبل األنبياء واملالئكةبشفقة

كل هذا البؤسفعل يب ومصطفى، الذين تركوين يف تلك الليلة لي.

.مسعت أصوات صراخ وحركة أقدام مرتبكة وعنيفة يف املمر ما قامت املمرضة بعد . إنه مصاب قادم

عليه: السرير الذي أنام عليه، أو حركت أمتار 3( صغرية ردهةودفعته باجتاه . أموت غرفة ، ومتصلة على حنو مستقيم بعريض مدخلمرتبطة بغرفة الطوارئ عرب ) أمتار 4يف

، ورأسي يف اجتـاه الصغري الباب هذا كانت قدماي يف اجتاه .، من اجلهة األخرىنظيفة: مل أمتكن من معرفة ما الذي حيدث اآلن فقد امتألت الغرفة بالنـاس . غرفة الطوارئ

.األطباء واملمرضات والعاملني واملرافقني والفضوليني .مع احلاالت احلرجةليخرج اجلميع خارج الغرفة، غري مسموح ببقاء أحد -

.بدأ الناس باخلروج )ممنوع دخول أي ابن مرة وسخة من دون تذكرة (

آآخ ، ألول مرة حتدثُ أشياء خلف رأسـي . كان كل شيء حيدث خلف رأسي

. ألول مرة يف حيايت، فأنا اآلن ميت: ليس مبقدوري أن أقول . وأنا أعلم أا حتدث

56

يبدو أن املوتى يشهدون األحداث مبؤخرات .ممايت حسناً ، ألول مرة يف :ابتسمتهذا يشبه ما كنت أمسعه من جديت ، عندما كان أيب يف السعودية وكنت .رؤوسهم

: أنا يف اجلبل إنسان عيناً واحدةً يف قاع رأسـه، ألن يوم القيامة يطمس اهللا األعني، وخيلق لكل

.الناس حيشرون حفاة عراة غرالً .سأمشي منحنياً ، وسأرى بأم رأسي: بشقاوة لذيذة كنت أقول هلا و

.وكانت تقرص أذين حبصاة خشنة

.مت قليالً، فقد كنت مرهقاً حبق بعد الصدمات الكهربائية الـيت تعرضـت هلـا طالعـت )يبدو أا كانت دقائق ، هكذا مخّنت( وعندما أفقت بعد دقائق معدودة

خطـوات يف مكاين اجلديد، وأمامي على بعد مازلت . يف احلائط الذي أمام وجهيال ميكن أن يظهر من ا مكتبان، مكتب على اليمني حبيثأنيقة و تقع غرفة صغرية

.وجهه األيسر ، ومكتب يف الواجهة، هو مكتب املدير جانبسوى اجلالس عليه ]حسين شحاته، مدير عام قسم الطوارئ . د. أ[

خلف .لك فقد كان الباب مفتوحاً والنور مضاًء، ومع ذيف مكتبه مل يكن موجوداًساحتها هي حاصل ضـرب توجد لوحة إعالنات مخّنت أن م ، رأسه ، على احلائط

.ونصف يف مترونصف متر إنين أستطيع أن أقرأ حمتويات تلك األوراق املعلقـة ! ما هذا. انذهلت يف البداية

.أمتار ستة تزيد عن على اللوحة من مسافةكانت هذه اآلية موجودة على صدر ).عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فكشفنا(

.إي فوراللوحة ومكتوبة خبط أسود مائل على ورقة إضافية ألقتنع أين مت، فليست املرة األوىل مل أعد حباجة إىل أدلة. أنا ميت، بالفعل

البصر ( امليت يرى ما يف السماء . بصري احلاد هذا هو بصر ميت. اليت أموت فيها

57

حلجـب املالءة على وجهي ال تكفـي ، أنا أراكم . وااو، يا للكارثة .)يتبع الروح. أنا مل آت إىل هنا لكي تربهنوا يل أين مت ..يا بشر، أيها الناس، أرجوكم .رؤييت

. دعوين أرجع إىل البيت ألواصل مويت. فدعوين أمت إذن اآلن لقد تأكدمت من مويت .مرهق جداً.. أنا مرهق، صدقوين

أردت أن أحرك كرة عيين لألعلى ، لليسار، . حاولت أن أغمض عيين، فلم أستطع

فقط، كل ما يقع أمـامي يف خط مستقيمأرى .فشلت ، فشلت. ، لألسفللليمنيأراه، ال أدري ألي مسافة سيمكنين أن أرى األشياء، لكين متأكّد من أا ستكون

.مسافة خارقة للعادة

وددت أن أقرأ جريـدةً، .لت لنفسي ، ألنشغل بقراءة أي شيء مكتوبحسناً، قأطرح ضوضاء اجلريدة . فأنا أحب قراءة اجلرائد يف األماكن املزدمحة ويف الضوضاء

.هدوء مطبق، فالناتج صفر: تكون احملصلة ومن ضوضاء املكان، .مر وقت طويل وممل على مكوثي هنااندهشت للمرة . أو بدأت أتنبه للمكتوب فيها وقعت عيين على لوحة اإلعالنات،

: على اللوحةما كل هذا املكتوب . كانت الدهشة هذه املرة عميقة وصادمة. الثانية : من اليمني إىل اليسار

: ورقة بعنوان )من أقوال احلكمة ، للحجاج بن يوسف الثقفي (

م ضرب عصب السلم وألضربنك وألعصبنكمألحلونكم حلو العصا واهللا <<العصا وأبناء اإلماء إمنا مثلي ومثلكم كما قال يا بين اللكيعة وعبيد ..غرائب اإلبل

>>جتتنبك املظامل محياً وأنفاً مىت جتمع القلب الذكي وصارماً: ابن براقة

: مسافة بيضاء يف الورقة يظهر يف آخرها سطر

58

]حسين شحاته، مدير عام قسم الطوارئ . د. أ[

) من أقول احلكمة: ( ار منها ، أيضاً إىل اليس

هانةتكفيه اإل العبد يقرع بالعصا واحلر.

هي ليست قصـيدة واحـدة بـل ورقـة . إىل اليسار منها قصيدة لعنترة العبسيوالسليك قطري بن الفجاءةمرصوص فيها أبيات شعرية يف احلرب والقتل لعنترة و

ت يف الوزن والقافية واملعـىن، وكلـها بن السلكة واملتنيب وأمحد شوقي ، متداخال .من أشعار عنترة: بعنوان

وسيفي كان يف اهليجا دليلي

.يداوي رأس من يشكو الصداعا أبا هند فال تعجل علينا

وأنظرنا خنبرك اليقينا فإنك إن طلبت بقاء يومٍ

على األجل الذي لك لن تطاعي مشيناها خطى كتبت علينا

.ابر ساجديناختر لنا اجلب

وإىل آخر القائمة، من خمتارات شعر القتـل والرجـز واملنازلـة يف احلـرب ... بإمكـاين اآلن أن أقـول أين . ، ممزوجة ومتداخلة بطريقة مثرية للضحكواحلكمة

هـذه املعلّقـة قراءة ، قبل أن أكمل ضحكت حبق عندما وصلت إىل البيت الرابعذه هي املـرة األوىل الـيت رأيـت فيهـا ، وكانت هالعابرة لألشخاص واألمكنة

سـتغراب املوجودين يف غرفة الطوارئ وهم يلتفتون إىل بعضهم وعليهم عالمات ا . ويبتسمون واضحة

59

. ضحكيتمخّنت أم مسعوا هل بدأت رحلة العودة إىل الدنيا؟

توقفت عن التفكري يف انتظار أي رد فعل آخر قد يقوم . مرت دقائق على ضحكيت .انتظرت أن يأيت طبيب إىل سريري ليتأكّد من مصدر الضحك. مبه أحده

.شيٌء عدت مرة أخرى ملراقبة احلائط يف غرفة املدير وملا مل حيدث مـت هقد مسعت مههمة عند رأسي فل. استطعت أن أتذكر شيئاً ما اآلن... أهاااا

:تتحدثان اممرضة وطبيبة كانت. أغلب أجزائها يل؟ما الذي حدث منذ قل -مسعت أن احلكيمة ريهام كانت ترتب مالءة السرير الذي بالقرب من احلمام، -

.وضرطت

وهل مسعها اجلميع؟. هاهاهاها -

.أقسمت أن الصوت خارج من احلمامفباإلحراج هي شعرت.. نعم -

وهل علّق أحد عليها؟ -

.إىل بعضهم مث ابتسموا دوء واال ، نظر -

ومن كان يف احلمام؟ - أصوات ريحضحك و. ذ ساعتني وحنن نسمع أصواتاً غريبة بالفعلمن. ال أحد -

.وعندما نصمت ختتفي هذه األصوات. وكالم غري مفهوم

إذن ، ليست ريهام؟ -

.اموليس احلم. ال ليست ريهام -

فهم ، ماذا تقصدين؟أال -

ال أحد يهـتم، فـنحن يف غرفـة : بصراحة . ، وال أحد يفهمأنا أيضاً ال أفهم - .أشعر بالنعاس، وهذا ما خييفين. توقع أن نسمع أي شيءطوارئ ومن امل

:عدت إىل متابعة اللوحة، وأنا أهز رأسي

60

هـذا : طة ملاذا ال تفكّرون ذه البسـا . يغسل األحياء عقوهلم من الوهممىتوهو من . ها األوجه البائسة، هو من ضرط يف وجوهكمتامليت الذي حيتقركم أي

، لست أنا من ضـرط، حسناً). ، مث ضرط وجوهكم شاهت. ( ضحك عليكم أن أكون أنا؟ لكن أال ميكن

ضحكت ألين تأكدت أن ريهام هـي الـيت . وضحكت هذه املرة ملدة طويلة

الطبيبة اليت تسأل اآلن هي ذاا اليت تطاير إن .أنا ال، و وليس احلمام ضرطتي اليمىن يف أتذكر أين دسست يد. ، عرفتها من رائحة عرقهاريقها على شفيت

اآلن هي عليها وأن املمرضة اليت ترد .إبطها األيسر وأنا أحاول أن أدفعها بعيداًشتمكم مثل كلـب ضـال، أنا أ. نفسها اليت كانت تلعق فمي مثل جرو جائع

. حسناً كلّنا كالب. الضالة أيتها األشياء :كنت أقول لنفسي و. ليت كانت جتلس على قـدمي هي االيت يتحدثون عنها يبدو أن ريهام ممممم

!طفلة وضرطت، ماذا يف األمر : كنت أفرك جبهيت بشدة

؟ أن األرواح خترج من أصابع القدمنيهل صحيح مـا هذا. األرواح الشريرةهو ما خيرج من أصابع القدمني. س كذلكلي.. ال

يف عندما اكتشفت فجأة أا شريفة ، أي خبرية" الشريفة"كانت تقوله جارتنا عندما ابتدأت مهنتها اجلديـدة عاماً 25كانت تبلغ من العمر . علم األرواح

مث ظلت ملدة مخسة أعوام ، قبل أن يتزوجها أشهر جمذوب يف القرية ،. واملخيفةيف طرد األرواح الشريرة هاتزعم أن جنياً صاحلاً يتلبسها وأن مهمته أن يساعد

.أجساد املرضىمن

توإذا أصيب .ح الشريرة من أطراف األصابع ومن أعقاب األقدامخترج األروا ، وال خترج من جسـده ننياملرأة احلامل حبالة مس فإن الروح الشريرة تنتقل إىل اجل

61

. قبل أن جيري عملية اخلتان، بشرط أن يذبح أهله عشرة خرفان ويتصدقوا بلحمها .ل دم حيضوإذا كان املولود فتاة فإن الروح الشريرة خترج مع أو

.د هللا، تذكرت اآلن ما كانت تقوله لنااحلم .. بوقت قصـري، رمبـا ما معىن أن ريهام تضرط بعد أن جلست على قدمي : لكن

؟ أخشى أن أكون قد نقلت إليها روحاً شريرة وأا طردا لسـبب ثالث ساعاتقلـت إيل ، مستبعد إذن أن تكون قـد ن أمي مل تصب مبس شيطاين أثناء احلمل. ما

شريرة بداخلي روح ، فهل معىن هذا أن احتمال وجود أنا مل أخنتو.. روحاً شريرةً أعرف جيداً، من أحاديث جارتنـا . هل من املمكن أن أكون ممسوساً. يظل وارداًً

احلمد هللا على أية حال، . الشريفة، أن املمسوس حني ميوت فإن شيطانه ميوت معهغـازات سـخيفة وهـي اآلن من وح الشريرة أو فقد ختلصت ريهام إما من الر

مسترخية على ما يبدو، وال شك أن ذلك الطبيب الشرس، الذي افترس الطبيبـة اآلن يف ضراط املمرضة ويف من ، يفكّر لوقت كاف لنقل روح شريرةوراء رأسي

.ن يكون قد نقل إليها روحاً شريرة هذه الليلةميكن أين يف نما رأيكم لو تضـعو . من هذه الدائرة املفرغةأيها املتاعيس، أخرجوين اللعنة

. احلمام، أو يف غرفة املدير

هذا ما يهمين، فقـد تأكـدت اآلن أن . كنت مهتماً مبتابعة لوحة غرفة املديرالوضع يف غرفة الطوارئ سيبقى على ما هو عليه، لن أموت ولـن أعـود إىل

انـت هـذه ك.. عرية من جديد قرأت األبيات الش. الصباحاحلياة قبل طلوع ، كما قلت لكم منـذ األبيات تقف إىل اخللف من مكتب مدير قسم الطوارئ

بيـد أين . ويبدو أنه كان يستعني ا على أشياء ليس مبقدوري أن أمخّنها .قليلخائفاً وغري قادر على إدارة هذا املكان، لذلك فهو يلجأ خليال املآتة هذا، ختيلته

لوهلة أحسست أن هؤالء املوتى احملتشدين على . تى ليقفوا معهلكل هؤالء املو : نيابة عنهم وأردت أن أقول له.. أصدقائي، جرياين احلائط كلهم

62

هو شديد املوات، لـيس إليناحنن املوتى لن نفيدك كثرياً، فعاملك هذا بالنسبة .فيه رائحة احلياة، وال نكترث ألحداثه

أمسع حركة بداخلي، مثل . ؟ يبدو أنه وقت طويلكم مر من الوقت منذ وصويل

.تلك اليت كانت توقظين قبل أذان الفجر، أن أيب شهاب اليمينكنت أقرأ ، عندما كنت أدرس احلديث على يد الشيخ

فإذا كان من احملافظني على الصـالة ختيـل لـه . للسؤال امليت يقوم يف قربه .امهلوين حىت أصلي العصر: الشمس وهي عند الغروب، فيقول للمالئكة

إن هذه احلركة بداخلي هي دليل جديد على . أهااا، قلت ، إذن فالفجر يقتربملـاذا ال . ملاذا تبدو كل دالئل مويت صغرية وخفيـة . يا إهلي. أين ميت بالفعل

أموت بصراحة مثل املوتى اآلخرين؟

كان يهبط من . دكنت أحتدث بصوت مرتفع، وأمسع صويت يأتيين من مكان بعي .و يصعد من األسفل ، ويدخلين من كل اجلهات األعلى

.هواتبالناس نيام فإذا ماتوا ان

: وارتباك عدت ألرددبعد صمت .الناس نيام فإذا انتبهوا ماتوا

:هززت رأسي امليت

. كم أنت عبقري يا أدونيس .بداية املساء مث صلّيت على النيب ألول مرة منذ

63

) 6 (

م 2008 -1 – 1 -الزمهرير ، من يناير يف تلك الليلة

يرد علـى ، ويف طريقه ال ادةكان متأخراً كالعا وصل حممود إمبايب إىل املقهى عندم : أنه ال يريد أن يكون خسارةً ألصدقائه أي مكاملة حبجة

.عدو مبني ألصدقائه هو الصديق املكلّف -

: عيسىبادره حممد .حممود، أنت سبب هذا الصقيع -حممود ثقب األوزون، وأنـا هو احلقيقي ي؟ يبدو أن امسأنا سبب هذا الصقيع -

.آخر من يعلم، أما أنا فكانت تفصل ضحكيت عن سيد كان أشدنا ضحكاً مصطفى. ضحكنا حبق

عنـدما يف العادة . م حلظات أقضيها يف االندهاش لطرافة تعليقات حمموداضحكنـادراً مـا نسـمح لـه إننا رائق ف اج حممودل تلك الليلة، أن مزنكتشف ، مث

. باالسترخاء

64

إا ليلة من ليايل شهر زاد، قاهلا خالد بطريقة أداء مسرحية، وهو يقصـد أن -فهو للتو انتـهى مـن أداء . حممود إمبايب الليلة يف أروع مزاج له منذ شهرين

. ، جامعة القاهرةامتحانات السنة اخلامسة يف كلية طب القصر العيين

: قلت له " احللّـة " قـاع ن من يأكل من يمن تقول أيا حممود ، هناك عقيدة ريفية يف ال -

.يعاقبه اهللا باملطر يوم زواجه أو يوم االنتهاء من امتحاناتهبيديه .زكريا عادلأو يوم موته، لكي ال يقرأ الناس على قربه سورة يس ، علّق -

تلك يف ليتين أتذكر كل ما قلناه. يق فقد حاصرناه هذه املرةبالتعل مودمل نسمح حمل

.، مع أين ال أتذكر منها أكثر من نصف ساعةكانت ممتعة جداً. الليلةأصر خالد على النـادل طلبت شاياً بالنعناع، وطلب مصطفى قهوة سادة ، بينما

.أن يقدم له كأساً من السحلب البارد .يقدم إال ساخناًالليلة باردة، والسحلب ال - . أقاوم الربد بالربد. أريده بارداً - : إيلّ التفتمث

" .احلديد باحلديد يفلح" من هو القائل - .ال أدري -

.إذن فهو أنا -

بعد انصراف النادل بدأت أحتدث إىل األصدقاء عن الثالجـة الكونيـة، وقصـة .أصحاب الكهف

: قاطعنا حممود

.الصباح ذنمل أفق بعد من الصدمة، م* - ) … (

65

يف االمتحان أمام الدكتور مغشياً عليه هذا الصباح يف الكلية سقط زمالئيأحد -تسـمى .نقلوه مباشرةً إىل غرفة الطوارئ، وكان قلبه قد توقف فعـالً . الشفوي

Code Blueيرمز هلا بشفرة عامة هي كود بلـو و، Cardiac Arrestاحلالة يف الطب

لصـدمات زميلـي تعرض . خوفاً من إثارة الرعب بني املرضىأو الشفرة الزرقاء تعـرض ثالث دقـائق ، في كان يفيق مث يتوقف قلبه بعد إفاقته ب .عديدة كهربائية

تكررت العملية أكثر من أربعني مرة ، تعـرض خالهلـا . لصدمة كهربائية وهكذا 200حاضراً، يف كل صدمة كان جسده يستقبل كنت. ألربعني صدمة كهربائية

لقد احترق صدره متاماً، لقـد تبخـر .. جول 8000= 40* 200.. جول .صديقي

مااات؟ -- راحةُ كل حي عدد الصدمات وكمية الكهرباء اليت تعرض .ليتنا منوت.. املوت

.هلا ستحرك مصنعاً بأكمله يا أمرييف حاالت رباءما هي امليكانزم اليت تعمل ا الكه: طيب، أريد أن أفهم شيئاً ما -

توقف القلب؟ لبداية، لكنه يف منتصف احلديث نسي ، كان يبدو منكسراً يف احتدث حممود كثرياً

إىل حالة تستحق السرد وال متانع من استخدام التقنيات " زميل" من وحولهصديقه عن أناس ماتوا وأعادم الكهرباء إىل عديدة أمثلة حممود ذكر. الدرامية أثناء ذلك

:وكان خالد يقاطعه بني حني وآخر انفعلنا حلديثه، . حلياةا .أديسون حميي املوتى - .معك ن أديسون من عمل الواجبأسأل اهللا أن ميكّ -

وال فهمنا بالضبط ما معـىن . شيئاً نفهم عن ميكانيزم عمل الكهرباء يف اجلسد امليتمل

.حممود حديثأن لقلب اإلنسان كهرباء، لكننا كنا جممعني على متعة

66

، "الكهرباء اليت تبعث املوتى من القبور" إىل اآلن مل أكتب شعراً يف هذه اجلزئية - .قال خالد، لقد فتح حممود أمامي منطقة شعرية مدهشة

:بسليقة مثرية رد عليه حممد -

بعثي يا كهرباُء وجوديفلت حدوديخافقي ووتنفسي يف

:وسط حفلة من الضحك والتصفيق تدخل مصطفى

تفصلي قليب عن الدنيا وإن ال فعودي ( ...) أقدام كفصلت

:أكمل خالد البيت الشعري فصلي قليب عن الدنيا وإنال ت

.فصلتك أقدام الزمان فعودي

ال أدري ملاذا مل نتفاعل بصورة درامية مع هذه القصة اليت يرويها حممود، عن زميله كنا جمموعة من . دنا إىل فضائنا املعتادهو أيضاً سرعان ما التحق بنا، وع. يف الكلية

كان كـل . الشعراء، ومع ذلك فنحن قلّما نتحمس لالندهاش للكوارث البشريةكان الناس يتلقـون ويف اجلانب اآلخر،. شيء يبدو إلينا موضوعاً شعرياً وحسب

وهكذا . ئ هذه النصوص، دون أن يكترثوا للحزن الذي ينشنصوصنا بلذّة عارمة .ارس سادية متبادلة حنن وقراؤنا القليونكنا من

على شفاه كل واحد منا ، ومع ذلك كنا نصر بدرجة ما كنت أملح هذا التساؤل

، ولكـل كنا منهكني. على االستمرار يف مسلسل التواطؤ هذا إىل ما الاية مجيعناأنـه وكلما ارتفع ضحك أحدنا كنا نعلم يف داخلنـا .منا أسباب إاكه اخلاصة

. يف حلظة واحدة دون أن ندرك أننا نفعـل ذلـك مجيعاً ورمبا غمزناه أكثرنا بؤساً

67

خلقنا منها قد وهكذا مل تصمد هذه املأساة اليت يرويها لنا حممود ألكثر من دقائق، ففوق كل شيء، مثل ذلـك األمـري أن نعيش .ملهاتنا اخلاصة، كما نفعل دائماًمبا استمىن، على بساطه املفروش فـوق أجسـاد العباسي الذي تناول غداءه ، ور

.عشرات األمراء األمويني وهم أنصاف موتى ، عنهمويف الواقع، عندما بدأ حممود إمبايب يروي هذه القصة شردت انفصلت .

وكل هذه التفاصيل اخلاصة ال أدري كيف تسنى يل أن أحفظ املساجالت الشعريةمنـذ لكـم اليت ابتدأت يف روايتها.. م 2008، يناير 1بتلك الليلة البعيدة ،

. ساعتني من اآلن أحسسـت بشـيء يف داخلـي " الصدمة الكهربائية " عت كلمة بمجرد أن مسف

.حيترقحممود عن زميله تأخـذ مكاـا وقصة ، كنت أحاول أن أبدو جزًء من اموعة

كنـت . أحتسس صدري ، ويف الوقت ذاته كنتاملالئم على طاولتنا البعيدة تلك .أشتم رائحة شعر حيترق، أمسع حكّة احتراق، ال ميكن أن تكون ومهاً

ما الذي تفعله يا حممود؟ -

كنت متأكّداً أنه كان مل يكن ينظر إيل، لكين. إنه يروي قصته وأنا أحتسس جسدي

.كما لو كان يتعاطف معيعين لكنه يشيح ببصره بعيداً يراين حىت من أذنيه يا إهلي، ملاذا يبدو وكأنه يتحدث عين أنا؟ .قلت لنفسي خلي أنا ذه احلكاية ،ما د

، فهو الضـجة مع األصدقاء باالشتراك يف احلديث ارتباكي حاولت أن أتغلّب على .البيضاء اليت ستخلصين من الضجة اليت بداخلي

عن هذا الصقيع؟ ماذا لو افترضنا وجود ثالجات كونية كبرية مسؤولة •

68

كنت أشرد مع كل فكـرة أقوهلـا فمـن . يف منتصف حديثي ل عادل زكرياوص .الواضح أن الضجة البيضاء مل ختلصين من هذه الضجة الزرقاء اليت بداخلي

. بالصدمة الكهربائية ونيا إهلي ، إين أرى بشراً حيترق -

كنت يف تلك . ، انتهى إىل مغادرة عادلوعادل زكريا عيسىشب نزاع بني حممد

كانت رائحة احلريق تطلُع مثل غاز الفريون من بني عيين، بينما . حظة أتثلج متاماًالل الـزي أرى أناسـاً يف وبـدأت . سربٍ من الدببة مثل تسري الربودة يف أطرايف

األبيض يظهرون وخيتفون أمام عيين ، كما لو كنت أبصـرهم يف قـاع مسـتنقع ..كبري

.وبدأت أتقيأ

قدري يف هذه الليلة أن أتقيأ بأكثر مـن . أتقيأ من جديد بعد أكثر من ساعة كنتهيا أيها الزمن الغايف على هذا السرير .ويف أكثر من مكان وألكثر من سبب طريقة

.املتحرك ، أيتها اجلثة الطافية ، يا جثيت ، هيا نتقيأ حىت الفجر

)ممنوع دخول أي ابن مرة وسخة من دون تذكرة (

يا إهلي ستسقط بعد حلظات علـى . ى املرآة اليت تقف قبالة وجهيشرخ جديد عل .رأس هذه الطبيبة اجلالسة حتتها مباشرة

يف الدنيا، ما بـني اجلامعـة لقد قضيت نصف النهار راكضاً. بلغ يب التعب منتهاه

وبعد هذا الركض انتهيت إىل قضاء الليل من طرف واحد، ميتاً حـىت . والسفارة .هذه اللحظة

أصبحت اآلن يف تلك الردهة الصغرية الفاصلة بـني غرفـة .عنففعتين ممرضة بدال يوجد نور يف هذه الردهـة، هنـاك سـجادة صـغرية . املدير وغرفة الطوارئ

69

لـتكن سـجادة .ال يبدو أا سجادة صالة. مفروشة، تدوسها األقدام بال مباالةحـىت الء القوم التعساءليس من مصلحيت أن أي هذه الليلة يف شيطنة هؤصالة فاآلن وأنا واقع حتت تأثري فكرة الفسكونت املشطور أحاكمهمأخشى أنين . املنتهى

، فأنا مل أفرغ من قراءة هذه الرواية إليتالو كالفينو، عن اخلري املطلق والشر املطلق كنت أقرأها طيلة النهار وأنا أستقل التاكسي. إال قبل لقائنا يف املقهى بساعتني فقط

.أو أندس يف الباص ألفرغ من متطلبات الروتني السخيفة اليت تبادرين كل يومتركتهما يف املقهى، اجلنرال يف املتاهـة والفسـكونت اللذان أين الكتابان ترى

؟، اآلناملشطوريصلّون بعد أن تنتهي حفالت الشواء، هذه اليت يسـموا رمبا كان هؤالء الناس

م اجلزئي، فالنور ال يزال يأيت من غرفة املدير ومـن غرفـة أغراين الظال .اإلنعاشاآلن سأنام، يبدو أن الشيء اجلميل الوحيد هنا هـو أن : قلت لنفسي .الطوارئ

وغرفة الطوارئ حمشـورة يف ركـن فاملبىن هنا قدمي . الربد ال يصل إىل هذا املكان .كيف رنّ تلفوين: لكن . خميف، ال يصله األكسجني إال متعباً

كيف رنّ تلفوين، وملاذا مل أمسع أي رنة تلفون إىل اآلن غـري : سؤال ممتاز .. أهااا . تلفوين

وقد اقترفت منـذ . نوم املوتى عبادة .نوم املوتى سأجرب. مسحت لنفسي أن أغفو

، حلـد أين اشـتركت يف كامـل ما مل أقترفه يف عـام أول هذا الليل من اخلطايا .، بأصابع قدميزم منذ قليليالفيتيش

ذاكريت وحواسي أيضاً حتولت .تدرجيياً بيضاء اآلن حتول العامل بالنسبة يل إىل لوحةاليونـاين ،كما هو الوصف الفلسـفي tabula Rasaإىل لوحة مطلقة البياض ، إىل

. للعقل البشري يف بدايته املطلقةأخرج مـن هـذه حاولت أن. نوم املوتى يطمس كل شيء قبله، هذا ما بدا يل

أحسست بأطرايف ترختي أكثر فأكثر، وحبواسي تبـيض ،حـىت .النومة فلم أستطع

70

مل يسبق يل أن رأيـت أفعـى . دمي كنت أراه ميشي أمام عيين مثل األفعى البيضاء :، لكين تأكدت اآلن من العقيدة اليت كانت تقول يف الدنيا بيضاء

. نه موجود يف الداخلفذلك أل كل ما ال ميكن أن يوجد يف اخلارج

ويت ائياً وحيثُ ميكـن وغبت يف اهول، يف العتمة، هناك حيثُ ميكن أن يكون مرباااااه، ما أروع النوم بـال . أن تنام حواسي العمالقة وتتحول إىل حواس صفرية

.مثلما نامت ليال ..، بال ذاكرة، بال رؤية ، بال أمل، بال خيااالحواس

نت أض ك. دري طوهلا، وال أين قضيتها، وجدتين أمتلمل من داخليبعد فترة ال أيف داخلي مثل بعري مريض، وكلما ضت حبركة إىل األعلى سـقط طـرف مـن

.أطرايف إىل اهلاويةإنـه . إنين أمسع شيئاً ما ، من الواضح أنه كان السبب يف إيقاظي من نومي العميق

فمنذ عامني وضعت حلبيبيت اليت سـبقتين يف . ، خاصة جداًتلفوين يرن بنغمة خاصة : املوت أغنية مينية

مروح بالدكيا شمس غابتليل وال ال انطربناعادنا إ

.والتالحني طابت

، يف إىل إهلها الذي حتبه أكثر مـين ومنذ رحلت حبيبيت .يغنيها أبوبكر سامل بلفقيه: اليت كانت حبوزـا ، وتركت يل رسالة على ظهر صوريت الوحيدة الفائت العام

: وتركتين أتساءل ..أليف الروح ، إليك أسرجت قليب، وألف درب أمدها لظلك ..هل املوت هو الدرب الذي سيتمدد عليه ظلي

71

ألغنيـة حىت ا. منذ تلك الساعة اليت مت فيها ألول مرة ، مل أعد أمسع هذه الرنة ما الذي حيدثُ اآلن، كيف أمسع . ويتنفسها كنت أحتاشى مساعها لئال توقظين من م

هذه الرنة من جديد، ما هذا الصوت؟ ال ميكن أن يكون أحدهم يسـتمع اآلن إىل أنا ال أعرف عن املصريني االهتمام بالفن اليمين، وقد تأكـدت أول . هذه األغنية

، أن الذي يقع يف درجة حتتية للموت لنوم العميقالليل، أو قبل أن أغرق يف هذا اوعلى أية حال فـإن . هذه الغرفة خارجة عن نطاق تغطية شبكات اهلاتف احملمول

اً ، نعم لقد رأيته بعيين قه متامقد أغل الطبيب الذي سرق تلفوين من جيب بنطلوين .يفعل ذلك

يبـدو . كنت أراين بداخلي، أمسك بأضالعي وأتكئ على كتفي، أحاول أن أض

.نومي يف العودة إىل الدنيا بأي سبيل أن قراراً بداخلي قد اتخذ أثناءوأن . أوووه، أال ميكن أن يعين هذا أن أمري انتهى فعالً، وأين اآلن يف اليوم اآلخر

هل كنت منتظرة ومتيقظـة إىل . بادرت باالتصال يبحبيبيت مبجرد علمها بوصويل احلـرب، يف عساكر اجلبناء، مثل اليا إهلي ، لقد انفجرت عيين بالبكاء. هذا احلد

هل تتذكرين هذه اجلملة اليت كنت أقوهلا عنـدما أبكـي .. مثل الريح يف البادية هل ال زلت تتذكرين، أم أن نوماً خفيفاً قد حول . أمامك، ألسباب تعرفينها جيداً

أرجوووووك، أنت مل تنامي ، هاه؟.. Tabula Rasaذاكرتك إىل مباشـرة لكين غريته بعد رحيلـك دمي؟الق حبيبيت، أما زلت حتفظني رقم هاتفي

؟يف شرحييت اجلديدة واحتفظت برقمك وبالنغمة اخلاصة به .أين أنا اآلن ، أين أنت ؟ ومن حنن يف هذا العامل؟ ما الذي كان حيدثُ يل منذ قليل

) :مسعت األغنية للمرة الثالثة : أو ( رنّ اهلاتف من جديد

غابت سوالشم للي ،بالدك مروح يا

تطاب والتالحني ،انطربنا إال اعادن

72

رتوى ما ومنكم ،وقليب مروح يا

اهلوى بيهل من ،ةفضلي ارمحونا

ذابت احلب لظى من ،وعيين تولوا ال

.تطاب والتالحني ،انطربنا إال عادنا

أن أحرك أردت. هيا يا قليب اض: يف البداية قلت. حاولت أن أحترك من داخلي

ميكنها أن تتحرك؟ حشائيمن أ أي: أحشائي .ال أعلم ، فكل األحشاء تتحرك ال إرادياً ، كما تعلمت يف مادة علـوم األحيـاء

: اآلن جتتاحين كل هذه األشياء الشوط صوت األغنية، نغمة اهلاتف، وتلك الفتااااااة اليت عشقتها حىت سقطت يف

..أمام قربها مثل حنطة الشتاء األخري :إىل لساين يف فيلم فانيلال سكاي روزقفزت عبارة توم ك

ليس مبقدورنا أن نعيش معاً بعد اآلن، .فأنا متجمد وأنت ميتة

قاتلك اهللا يا أبا متّام، ملاذا . ليس وقتاً مناسباً للبكاء ، قلت. وبدأت أبكي من جديد

: تأيت اآلن بقولك .زارلوال احلياء هلاجين استعبار ، ولزرت قربك واحلبيب ي

أنا هنا القرب الوحيد، وكل هؤالء املوتى الـذي . حاليتأتدبر دعين اآلن يا أبا متام

سكون مطبق على املكان، مخّنت إـا . الليل يعيشون منتصف سهرت معهم منذولكن هل يتبادلون نوبام ـذه . أو تبادل النوبات بني العاملني ساعة االستراحة

علي أن أتدبر هذا اجلسـد . ال أدري، ليس مهماً. مالصورة، دون تسليم واستال .الذي تركه هؤالء السفلة ، مالئكة الرمحة الشياطني

73

منحت جسدي فرصة لالسترخاء، تأملت يف داخلي، ختيلت حياةً جديدة تدب يف ..يا إهلي . أطرايف

جتتاحين اآلن من أطراف أصابعي، تتسلق ساعدي وتدخل يف كتفي برودة شديدة . فيها ريح باردة: أقصد .. برودة صافية ، ليس فيها ريح إا

.إا صافية للغاية ..صاااااا

عيناي تتحركـان . أحسست برغبة ملحة يف القيء، لكن بطريقة خمتلفة هذه املرة

، ومـن أعلـى ألسـفل بسرعة خميفة حتت جفين من اليمني إىل الشمال والعكسال ميكن أن يكون هذا . دوامة عاتية ، بصورةزلحركة شبيهة حبركة املغ. والعكس

..ومهاً، أين األطباء، أين املمرضات .أنا أعود من جديد

، يغطون ، يرتدون مالبساً ملونةكثريين يركضون بداخلي كنت أرى أطيافاً ألناس

. يلوحون بأيديهم من على األرصـفة النوافذ بالستائر، يزحيون األذى من الطريق، . لشجرة كبرية ة واحدةمرأة بيدها كامريا صغرية وهي تلتقط صوررأيت ا

.لفىت وفتاة يشتركان يف حوار جنسي عنيفرأيت صفحة ماسنجر ما زال العامل كمـا . جرجريحزمة حزمة خضراء، يبدو أا رأيت رجالً مسناً بيده

و عن طريـق الشبان يتخيلون اجلنس، واملسنون يودون العودة إليه ولهو مل يتغير، .اجلرجري

.وبدأت أتقيأ

. سال القيء على وجهي وعنقـي .يف البداية تقيأت على املالءة اليت كانت تغطّيينحىت وجدت نفسي جالساً على سـريري مع دفعة القيء الثانية إىل األمام قفزت .

. باحلائطحترك السرير قليالً إىل األمام، واصطدم

74

واحلائط قصرية جداً، استنتاج ال حيتاج إىل حـواس سريرللقد كانت املسافة بني ا .. ، وداعاً للحواس احلادة، لالائيات املوتى عبقرية

هيا

. مكتب مدير الطوارئ مفتوح لكنه مطفأ النـور . مييين ويساري عن تلفّت أمامي،غرفة الطوارئ مل يعد فيها سوى ضوء باهـت . الصالة اليت احنشرت فيها اطفئت

.حلائط ، من ذلك الفانوس املخصص لقراءة أفالم األشعة الطبيةآت من ا

أنا عـارٍ متامـاً، يـا . أزحت عن جسدي تلك املالءة القذرة ذات الرائحة امليتة .للقذارة

. قفزت أمام عيين ، حاولت لثوان أن أستوعب أسئلة عديدةقفزت من على السريروين يف غرفة الطـوارئ، وبسرعة انطلقت أفتش عن بنطلأحسست خبوف عميق،

ال أثر للجاكـت . إىل الغرفة فوجدته ملقى حتت السرير الثاين على يسار الداخلجنيهاً منذ عام، وال للقميص، وال حـىت ملالبسـي 250البيج الذي اشتريته بـ

إىل الداخل، إىل الصالة الـيت تفصـل الطـوارئ عـن غرفـة عدت. الداخليةاللعنة، الفـىت . ا أغطي به نصفي األعلى العاري، ومل أجد ملبست بنطلوين.املدير

. ال بد أن أفعل شيئاً. أنا لست ضرار بن األزور.. عاري الصدري . ان طبيبني يف الطوارئخيص ما، من الواضح أنيأبيض نييف ركن الصالة رأيت روب

.طبيباً خارجاً للتو من موت عميق.. أشبه طبيباً لبست الروب، فرأيت نفسي مسحت رأسي أيضاً، فأنا ال أعلم . الروب اآلخر وجهي وعنقي وصدريت بمسح

، وال أتصور مدى ما الذي ميكن أن يكون قد تكدس على شعري طيلة هذه الليلةكان صدري حمترقاً، وال تزال رائحـة . احتراقه منذ سجائر السائق حىت نومي هنا

دلفت إىل .نييالعار أغلقت أزرار الروب على صدري وبطين .الشعر احملترق رطبةًالغرفة شبه مطفـأة، .غرفة الطوارئ خبفّة ، حبثت عن اجلهة اليت توجد فيها املرآة

.وال أدري أين هي هذه املرآة

75

رمبا انكسرت بفعل الصدمات الصوتية لذلك الشخص العمالق الـذي مل أره إىل .اآلن

.وغادرت إىل املمر

أن أمشي يف املمر كما لو كنت هنالك ، اجلميـع أخلـد . طبيباًحاولت ال أحد : بالقرب من الباب مسعت صوتاً. ، أو ملكان آخرللنوم

.لو مسحت يا دكتور - : التفت إىل الشخص الذي كان يركض خلفي

نعم؟ - أين غرفة طوارئ اجلراحة؟ -

.يف آخر املمر على يسارك -

ـ هل رأيت ممدوح موايف ؟ د .شكراً يا دكتور - وارئ خل الليلة إىل غرفـة الط ؟بسبب طعنة يف صدره

.ال -

تذكرت ذلك الشاب الذي كان جيلـس . يف اجتاه البوابة اخلارجية وانطلقت أماميثوان قليلة عندما قلبتين املمرضة على جانيب األيسر لف. على السرير ااور لسريري

كـان فيمـا . قباليت ظهرهرأيت كرتون حتت ظهري،قطعة وضع حىت يتسنى هلا رأيـت . إناء شفاف موضوع حتـت السـرير ل يتدىل من صدره إىل أنبوب طوي

:كنت أمسع اجلراح يقول له و. األنبوب، ومل أر صدره بالتأكيدحىت نستطيع أن خنرج كل هذا اخلـراء مـن وتوقف عن الصراخ اهدأ يا ممدوح

.صدرك، رأيت على ظهرهو .مث إىل اإلناء الشفاف األنبوبمن صدره إىل كان الدم جيري

.شعليد ضخمة متسك مبوحتته ومشاً خمططاً ل ،ومشاً لنسر عريض بني كتفيه ،

:أفسح يل احلارسان اللذان جيلسان عند البوابة اخلارجية

76

.اغلق نوافذ سيارتك وإال ستموت من الربدتفضل يا دكتور، - : ابتسمت هلما

.إن شاء اهللا، اركم سعيدوداعاً للمـوت، : من األسفل إىل األعلى ويف داخلي مسعت صوتاً مهاجراً جيري

.سالم على املوتى

يف ذلك الشارع نصف املضاء الذي يؤدي إىل املستشفى انطلقت أركـض علـى ـ توقفت حتت شجرة جانبية، فتحت سوستة بنطلوين. قدمي هوأدخلت الروب حتت

.حبيث بدا كأنه قميص : حتسست جيويب

اخللفي، احلمد هللا أن جييب ما زال علـى قيـد رائع، هنا عشرة جنيهات يف جييب .احلياة

قبل منتصف الليلـة تذكرت أين كنت أحتدث ألصدقائي . كنت خائفاً من شيٍء ما :عن أصحاب الكهف املاضية

.مرت، وأن الزمن توقف على وجهي ماذا لو أن مئات السنني قد

ممـدوحاً الذي أعنيه انالرجل منذ قليل عن ممدوح؟ رمبا ك ذلكولكن ملاذا سألين مل يتغري العامل من حويل؟وكيف مل يكتشفين أحد، و .آخر، واألمر حمض مصادفة

البالد ، إنه هو منـذ آالف السـنني ، نادراً ما يتغري الزمن يف هذه : قلت لنفسي .وهم يفاخرون بذلك دون مواربة وال شك

رآين توقفت . عمود كهرباء ينام مستنداً إىل رياً رأيت جرواً صغ.. مشيت قليالً . رمبا من شدة الـربد . اعيزكان صوته مثل صوت امل .فقام مسرعاً جتاهي وهو ينبح

فالكالب ليس كافياً. هل معىن نباحه أنه يراين وأين عدت من جديد إىل هذا العامل

77

إذا مسعتم نباح الكالب ويق احلمري فاسـتعيذوا . ( واحلمري ترى ما ال يراه الناس . ) فإما يريان شيطاناًباهللا ابة حياراً سعيداً، ومتنيت هلم منذ هنيهة وينولكن الناس هنالك يف البو وا يلومتن

ومل يغـري النـاس البارحـة ليلة ما زالت التحية كما هي، كما تركتها. اراً مثله .لباسهمهلجتهم أو

، أو ة من الذي قبله، وكل قرن نسختتناسل عرب التاريخ الناس نسخة واحدة لكنهـذا يقـيين ..نسخة جليل قدمي ال يشترط أن يكون هو اجليل السابق له مباشرة

. بد أن هؤالء نسخة ألجيال قدمية ، قلت لنفسيالسابق، وال ماذا؟

هل أنا أيضاً نسخة إلنسان قدمي؟.. أيها الرفات البشري، فكّوا أغاليل

أين مصطفى ؟ رية من هذا اإلنسان الذي أحبه كثرياً، وأين هو اآلن؟أين ميكن أن أجد نسخةً بش

!يا للسخرية.. أنا نسخة إلنسان قدمي الليـل و مـرة قبل منتصفمرة : ، أنا ذلك الذي تقيأ مرتني هززت رأسي. ال ال

.آخره، وكانت رائحة قيئه هي نفسها، وا نفس بقايا الطعامـ ظهـري ، خلـف اًمسعت كاالكس شديد مرت سيارة تاكسي، اأشـرت إليه

: قلت للسائق. تفتوقف .شارع املنيل ، لو مسحت - .إن شاء اهللا -

ولكن، هل مازلت أسكن يف املنيل؟

مـررت . كن فيه قبل الليلة اليت مت فيهـا احلي الذي كنت أس بالقرب مننزلت .إنه شخص خمتلف، غري الذي كنت أمر عليه كل صباح. ببائع اجلرائد

78

طالعت يف اجلرائد، وقعت عيين . الربد شديداً لدرجة الزمهرير كان.بدأت أتوجس .اجلمهور احلُر: على أول عنوان

ه اجلريدةجاءت هذ نمن أي. يا إهلي، لقد تغري العامل: هتفت.

: نظرت إىل بائع اجلرائد، ابتسم يل .ةضيكما لو أن ثالجة كونية انفجرت علينا الليلة املا !هذا الربد املرعبكل ما -

: هززت رأسي . ثالجة كونية.. نعم -

:علّق .لو مات الناس هذه الليلة فلن يتعفن أحد ، سيحنطهم الربد -

ذات . بسـاط اجلرائـد املفـروش أمـامي عيين على ابتسمت له، وتشاغلت بتمرير .العناوين، ذات األمساء ، ذات املواضيع، وذات احملررين

)احلمد هللا( .أخذت نفسياً عميقاً قرأت املانشيت العريض على صدرها .بصورة عشوائيةجريدة سحبت:

: هيكل

أن امللكة إليزابيـث تصوروا. ااريأهم اختراع يف القرن التاسع عشر هو شبكة .كانت تغتسل يف العام مرتني فقط أرمادا أسطول وقاهرة صانعة األجماد

مددت يدي بالورقة فئـة العشـرة .آآه، يبدو أين موعود ذه امللكة منذ البارحة

:يف يده الرجل بها قلّ. جنيهات .هذه ورقة قدمية جداً -

تـذكرت أصـحاب .اخلي اآلن جبال كبرياً سقط بـد ارتبكت ، أحسست بأناملدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه إىل كم هذهقفاذهبوا بورِ(الكهف

.)وليتلطف وال يشعرن بكم أحداً

79

. عىن أا قدميةال أفهم، ما م - .أرجوك قل إا بالية، فقط: كنت أراقب حركة شفتيه ، وبداخلي صوت جاف

خذها بثلثي قيمتها؟آأقصد أا بالية ، لكن ال بأس س - .احلممممممد هللا: أخذت نفساً عميقاً

.ارك سعيد ، خذها كلها: ابتسمت له : صافحين حبرارة ، وهو يسألين

؟ وغري مكترث هلذا الصقيع تبدو مرهقاًوملاذا ، ن أين أنتم - .دوأحس بالربد مثلك، وأزي .من اليمن -

...ولكن -

قاطعته بتحية مهذّبة، فأنا لست متأكّداً مما إذا كنت مرهقاً أم ال، وال حىت من أين .كما أين مل أعد أحس بالربد كما كنت أفعل الليلة املاضية .أتيت

: قي إىل شقّيت، كنت أمسح على خدي، أنظر يف راحيت يف طري

.أووه ما هذا ،مث أمسح يدي على فخذي وركبيت أين مصطفى سيد؟: ولكن

أو رمبا كان منتظراً عند الباب . األمن، فهو ال حيبهم كالعادةرجال رمبا اشتبك مع ألن لـدخول اخلارجي مع ذلك احلشد الكثري من املرافقني واملرضى املمنوعني من ا

كما مسعت أثناء خروجي على هيئة ) خمصص الستراحة األطباء والعاملني ( الوقت .طبيب

ـ . ال أمتىن أن يقضي مصطفى ليلة كهذه ، قلت لنفسي - ول املتـربص ووإن جيا حممود، أخشى أن ما الذي فعلته يب .مهذب بالداخل ال يقيم احتراماً لشاعر

.تصيب لعنتك مجيع األصدقاء

: مسعتك ، وأنا أترنح يف داخلي ، تقول خلالد لقد .معك الواجبأسأل اهللا أن ميكّن أديسون من عمل

80

.إيااااااااااااااك يا حممود

وعندما وصلت إىل باب الشقة تذكرت، بسذاجة، أن حمفظيت واملفاتيح وكل مـا ضغطت على اجلرس بشدة، وأنـا متأكـد أن الرجـل . خيصين ليس حبوزيت اآلن

.وحيد الذي بالداخل هو اآلن باخلارج يضغط اجلرس بشدةالجلست على مقعديت أمام البـاب، . كنت أشعر باإلعياء الشديد بعد دقيقة كاملةاملليـئني بـالعفن ي يف اجتاه سطلي الزبالة ، ومددت رجلإىل ظهرهاسندت ظهري .والرائحة النتنة

تلـك ، مـن اصي البعيدةأغمضت عيين وبدأت أغيب تدرجييا، فسمعت يف األق :2008يناير ، 1السحيقة، تلك الليلة النائية ، الدنيا

)ممنوع دخول أي ابن مرة وسخة من دون تذكرة (

يبدو أن باب الطوارئ قد فتح من جديد لذلك اجلمع، وال بد أن مصطفى يبحث .يف غرفة الطوارئ عين اآلن

.ت بنفس الطريقة اليت مت اأرجوووك يا مصطفى ، ابق يف اخلارج ، ال متُ ..أرجووك

صـرخ يف ورأيت مصـطفى ي .. دخلت يف سدرة النوم العميق، أو املوت املدهش :أعماقه وعيناه مغلقتان

ما الذي . أنا أراكم جيداً، وأتقيأ عليكم .يف مكان آخر دعوين أمتأيها األوغاد، .تفعالنه فوق جسدي

.وال أحد يسمعهال بد أا تلك املرآة املعلقة .. غفرية مسعت صوت زجاج ينكسرومن بني أصوات

.على احلائط املقابل لسريرك يا مصطفى .لقد انكسرت بفعل ذلك الصوت العمالق لشخص لن تراه طوال هذا النهار

81

.يا حممود، أيها املنجم البائس كاللعنة على حكايا

..اللعنة عليك يا جوووول م 2008 -3 -5 .اهرةالق

.مروان الغفوري