معاني الأذكار - محمد صالح المنجد

C

M

Y

CM

MY

CY

CMY

K

ساهم يف إعداد هذا الكتابالفريق العلمي يف جمموعة زاد

بإرشاف الشيخ حممد صالح املنجد

ح جمموعة زاد للنشر، 1435هـفهرشة مكتبة امللك فهد الوطنية اأثناء النشر

املنجد، حممد صالحمعاين الأذكار. / حممد صالح املنجد. - الرياض، 1435هـ

24ض، 14×21صمردمك: 978-603-8047-44-6

اأ. العنوان 2. الصالة 1. الأدعية والأذكار 1435/6624 ديوي: 212.93

رقم الإيداع: 1435/6624ردمك: 978-603-8047-44-6

الطبعة الأوىل1435هـ/2014م

امتياز التوزيع

اململكة العربية الشعودية - الرياض - املحمديةطريق الأمري تركي بن عبدالعزيز الأول

هاتف: 4808654 - فاكض: 4889023هاتف جماين: 920020207

ض.ب: 62807 الرياض 11595

الناشر

اململكة العربية الشعوديةاخلرب - هاتف: 8655355جدة - هاتف: 6929242

ض.ب: 126371 جدة 21352www.zadgroup.net

5

معاين األذكار

املقدمة............................................................................ 7أمهية الذكر ومنزلته........................................................... 9 12 ............................................... ذكر اهلل ليس له حد حمدود14 ............................ متى يكون العبد من الذاكرين اهلل كثريا؟15 ............................................................ أهل الذكر أسبق16 ............................................................. أهل الذكر أرفعصلة الذكر بالعبادات أوثق.............................................. 1719 .................................................... الذكر طمأنينة وسكينةالذكر بركة ونعمة........................................................... 2122 ....... إنه وصية رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص ملن كثرت عليه رشائع اإلسالمالذكر حياة القلب........................................................... 23الذكر أجور بال حدود..................................................... 2527 ....................................................... الذكر سالمة وحفظعالمة حب اهلل كثرة ذكره................................................ 2930 ....................................................... الذكر عبودية وإعانة

6


32 ..................................... قال تعاىل: )ائ ائ ەئ(الذكر خري األعامل وأزكاها عند اهلل................................... 33الذكر عند املرور ببيوت اهلل أو حلق الذكر.......................... 3538 ............................................ يا حرسة عىل أهل الغفالت!40 ................................................................... فوائد الذكر43 ................................................. مسائل وأحكام يف الذكر47 ................................................................. مراتب الذكر 51 ............................................... العالقة بني الذكر والدعاء 56 ................................................... حضور القلب يف الذكر57 ..................... العمل بالفضائل حسب االستطاعة، ولو مرة58 ....................................... إذا اختلفت الروايات يف العدد؟61 ................................................. الذكر لطائف ومناسبات63 ......................................... الفرق بني الذكر املطلق واملقيد66 ........................................................ الذكر املقيد بالزمان124 ...................................................... الذكر املقيد باملكان131 .................................................. الذكر املقيد باألحوال

7


احلمد هلل، والصالة والسالم عىل رسول اهلل، وعىل آله وصحبه ومن وااله. أما بعد:

فهذا خمتر خفيف، ومقتطف لطيف، يف معاين األذكار الرشعية، المجتباة من األحاديث النبوية؛ ليقف الذاكر به عىل معرفة ما يلهج به لسانه، فيصقل بالذكر قلبه وجنانه؛ حيث ال

يشء أنفع لقلب العبد، وال أنجى له من عذاب اهلل من ذكر اهلل.

وال حيسن بالذاكر أن يغفل قلبه عن معاين ما يلهج به؛ فإن الذكر موضوع لرف الغفلة، مرشوع حلياة القلب، فإذا غفل ين قسا ومرض وتواردت عليه القلب عام جعل حلياته وعاله الر

اآلفات والعلل.

فلام كانت الغفلة الني تعرتي القلب فتذهله عن معاين ما جيري به لسانه آفة من آفاته، وعلة توجب سقمه ومرضه، نشطنا لوضع هذا المختر؛ تنبيها عىل هذا األصل، وتذكريا لنا وإلخواننا بام

ينبغي أن نتحىل به إذا قعدنا نذكر اهلل.

8


فإذا ذكر العبد ربه بلسانه، وعقل قلبه عن اهلل ورسوله، ع هلا من العمل الصالح - صار البدن كله ونشطت اجلوارح ملا رشذاكرا هلل، بالقول واالعتقاد والعمل، ومن جع بني ذلك وثبت

عليه فهو من أهل ذكر اهلل حقا.

9


:¬àdõæeh ôcòdG á«ªgCG

إن من أعظم ما تيا به الروح وتسعد: ذكر خالقها العيل األعىل، فهو معراجها الذي فيه ترتقى، وزينتها التي هبا تتحىل،

وعدتا التي هبا تتقوى.

)ىئ ىئ ی ی ی ی جئ حئ مئ قال تعاىل: ىئ يئ( ]األحزاب: 42-41].

وقال تعاىل: )ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ( ]اجلمعة: 10].

إن ذكر اهلل عز وجل هو الدواء الذي يطهر القلب، والنعمة العظمى، والمنحة الكرى، به تستدفع النقم، وتلب النعم، وتنال أعىل الدرجات، إنه قوت القلوب، وقرة العيون، وحياة

الروح، وروح احلياة.

متى فارق القلوب صارت األجساد هلا قبورا، وهو السالح الذي يقاتل به قطاع الطريق، والماء الذي يطفأ به التهاب احلريق، والقوت الذي تيا به القلوب، والسبب الواصل بني المؤمنني وعالم الغيوب، به يستدفعون اآلفات، ويستكشفون

10


الكربات، وتون عليهم المصيبات، إذا أظلهم البالء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت هبم النوازل فإليه مفزعهم، وهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، ورؤوس أموال سعادتم التي هبا يتجرون، يدع القلب احلزين ضاحكا مرسورا، ويوصل الذاكر إىل المذكور وجيعله ذاكرا مذكورا، ويرفع درجته وجيعله

مشكورا مأجورا(1).

والذكر يطهر القلب، ويصفي النفس، ويرفع الدرجات، وينجي من عذاب اهلل، وال يشء هو أنفع لقلب العبد من ذكر اهلل.

: »ذهب الذاكرون باخلري كله«. قال أبو بكر

: »ما يشء أنجى من عذاب اهلل من وقال معاذ بن جبل ذكر اهلل«.

: »لكل يشء جالء، وإن جالء القلوب وقال أبو الدرداء ذكر اهلل عز وجل«.

: »من أكثر ذكر اهلل بريء من النفاق«. وقال كعب بن مالك

وقال عبيد بن عمري: إن أعظمكم هذا الليل أن تكابدوه، وبخلتم عىل املال أن تنفقوه، وجبنتم عن العدو أن تقاتلوه:

فأكثروا من ذكر اهلل عز وجل.

وقال مكحول: ذكر اهلل تعاىل شفاء، وذكر الناس داء.

(1) انظر: مدارج السالكني )423/2(.

11


وملا شكا رجل إىل احلسن البري قسوة يف قلبه، قال له: »أذبه بذكر اهلل«(1).

وربام يأيت العبد يوم القيامة بسيئات أمثال اجلبال، فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر اهلل تعاىل وما اتصل به(2).

وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه اهلل-: »الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟«(3).

(1) انظر: الوابل الصيب من الكلم الطيب )ص7180(.(2) اجلواب الكايف )ص161(.

(3) الوابل الصيب )ص42(.

12


:Ohófi lóM ¬d ¢ù«d ˆG ôc pP

: »إن اهلل تعاىل مل يفرض عىل عباده يقول ابن عباس فريضة إال جعل هلا حدا معلوما ثم عذر أهلها يف حال العذر غري الذكر، فإن اهلل تعاىل مل جيعل له حدا ينتهي إليه، ومل يعذر

أحدا يف تركه إال مغلوبا عىل تركه فقال: )ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ ڱ( ]النساء: 103]، بالليل والنهار، يف الر والبحر، ويف السفر واحلرض، والغنى والفقر، والسقم والصحة،

والرس والعالنية، وعىل كل حال«(1).

فالذكر هو العبادة املطلوبة بال حد تنتهي إليه )ىئ ىئ ی ی ی ی جئ( ]األحزاب: 41].

وبال وقت ختتص به )ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک کگ گ گ گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ( ]طه: 130] .

وبال حال تستثنى منه )گ ڳ ڳ ڳ ڳ ڱ ڱ( ]آل عمران: 191].

(1) تفسري ابن كثري )386/6(.

13


وبالثناء اجلميل عىل الذاكرين اهلل كثريا والذاكرات، ختمت صفات المسلمني والمسلامت والمؤمنني والمؤمنات، يف قوله

ہ ہ ۀ ۀ ڻ )ڻ تعاىل: ھ ھ ھ ھ ہ ہ ڭ ڭ ۓ ۓ ے ے ٴۇ ۈ ۈ ۆ ۆ ۇ ۇ ڭ ڭ

ۋ ۋ ۅ( ]األحزاب: 35].

قال ابن عباس: »يذكرون اهلل يف أدبار الصلوات، وغدوا وعشيا، ويف المضاجع، وكلام استيقظ من نومه، وكلام غدا أو

راح من منزله ذكر اهلل تعاىل«(1).

(1) األذكار للنووي )ص10(.

14


?kGÒãc ˆG øjôcGòdG øe óÑ©dG ¿ƒµj ≈àe

عن أيب سعيد اخلدري وأيب هريرة عن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: - ركعتني مجيعا يا -أو صلى يل فصلى جل أهله من اللى »إذا أيقظ الرى

اكرات«(1). اكرين اهلل كثريا والذى كتبا يف الذى

الح -رمحه اهلل- عن القدر الذي وسئل أبو عمرو بن الصيصري به العبد من الذاكرين اهلل كثريا والذاكرات، فقال: »إذا واظب عىل األذكار المأثورة المثبتة صباحا ومساء يف األوقات واألحوال المختلفة ليال وهنارا، كان من الذاكرين اهلل كثريا

والذاكرات«(2).

(1) رواه أبو داود )1309( وابن ماجة )1335( وصححه األلباين يف صحيح أيب داود وغريه.

(2) األذكار للنووي )ص11(.

15


:≥Ñ°SCG ôcòdG πgCG

الذكر أكر، وأجره أعظم، وأهله أسبق؛ كام ورد يف حديث دون«، قالوا: وما أيب هريرة عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: »سبق المفرىاكرات«(1). اكرون اهلل كثريا والذى المفردون يا رسول اهلل؟ قال: »الذى

فالمقصود ب»المفردون« يف احلديث: الذاكرون اهلل كثريا والذاكرات؛ كام فرسه رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص، وهم المولعون بالذكر

المتفرغون له.

يقال: فرد برأيه وأفرد وفرد بمعنى انفرد به.

وقيل: فرد الرجل إذا تفقه واعتزل الناس، وخال بمراعاة األمر والنهي(2).

وقال احلافظ ابن رجب -رمحه اهلل-: »واألظهر أن المراد باالنفراد االنفراد هبذا العمل، وهو كثرة الذكر، دون االنفراد

، إما عن القرن أو عن المخالطة«(3). احلس

(1) رواه مسلم )2676(.(2) انظر: النهاية )425/3(.

(3) جامع العلوم واحلكم )512/2(.

16


:™aQCG ôcòdG πgCG

إن أهل الذكر ليسوا سابقني للبرش فحسب، بل هم يف مقام المباهاة والمضاهاة للمالئكة الكرام؛ فإن أهل الذكر من المؤمنني يف مكانة رفيعة عالية، حتى لقد باهى اهلل هبم مالئكته، قال ابن القيم -رمحه اهلل-: »ويكفي يف رشف الذكر: أن اهلل يباهي : أن رسول مالئكته بأهله؛ كام يف صحيح مسلم(1) عن معاوية اهلل ملسو هيلع هللا ىلص خرج عىل حلقة من أصحابه فقال: »ما أجلسكم؟« قالوا: جلسنا نذكر اهلل ونحمده عىل ما هدانا لإلسالم ومن به علينا. قال: »آهلل ما أجلسكم إلى ذلك؟« قالوا: آهلل ما أجلسنا إال ذلك. قال: »أما إينى مل أستحلفكم هتمة لكم، ولكن أتاين جربيل فأخربين:

أن اهلل يباهي بكم المالئكة«(2).

(1) صحيح مسلم )2701(.(2) مدارج السالكني )400/2(.

17


:≥KhCG äGOÉÑ©dÉH ôcòdG á∏ p°U

إن الذكر لب الطاعات، وجوهر العبادات، وهو أساس كثري من الفرائض والشعائر الظاهرة؛ إنه يكون قبلها تيئة ألدائها، ويكون معها كجزء من أعامهلا وأركاهنا، ويكون بعد الفراغ منها

ختاما هلا.

فالصالة مثال يسبقها الذكر بالنداء وترديده، وذكر الميض إىل المسجد، وذكر دخول المسجد؛ وذلك لتكون مع اهلل، وتتهيأ

للدخول عليه يف الصالة.

وكذا يف الصيام؛ فإن اهلل يقول: )ۋ ۅ ۅ ۉ ۉ ې ې ې ې( ]البقرة: 185].

واحلج مبدأه ذكر اهلل وإعالن التوحيد، واالستجابة لرب األرض والساموات، والطواف والسعي ذكر وتكبري وتليل، ورمي اجلامر إنام رشع إلقامة ذكر اهلل عز وجل، وختام احلج

وصية بالذكر: )ں ں ڻ ڻ ڻ ڻ ۀ ۀ ہ ہ( ]البقرة: 200].

18


)ى ائ ائ ەئ ەئ وئ ويف اجلهاد أمر بالذكر: وئ ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ( ]األنفال: 45] .

19


:áæ«µ°Sh áæ«fCÉªW ôcòdG

يقول اهلل تعاىل: )مب ىب يب جت حت ختمت ىت يت جث مث ىث( ]الرعد: 28]، فهذا إخبار من اهلل عن المؤمنني بأهنم تطمئن قلوهبم بذكره »أي يزول قلقها واضطراهبا، وترضها أفراحها ولذاتا، وحري أن ال تطمئن ليشء سوى ذكره، فإنه ال يشء ألذ للقلوب وال أحىل، من حمبة خالقها واألنس به ومعرفته،

وعىل قدر معرفتها باهلل وحمبتها له، يكون ذكرها له«(1).

ف)الطمأنينة سكون القلب إىل اليشء، وعدم اضطرابه وقلقه. ومنه األثر المعروف »الصدق طمأنينة، والكذب ريبة«(2) أي الصدق يطمئن إليه قلب السامع، وجيد عنده سكونا إليه. والكذب يوجب له اضطرابا وارتيابا، ومنه قوله ملسو هيلع هللا ىلص: »الرب ما اطمأن إليه القلب«(3) أي سكن إليه وزال عنه اضطرابه وقلقه((4).

(1) تفسري السعدي )ص417(.(2) رواه الرتمذي )2518( عن احلسن بن عيل مرفوعا، وصححه األلباين.

والرتهيب الرتغيب صحيح يف األلباين وحسنه )17288( أمحد (3) رواه .)1734)

(4) مدارج السالكني )479480/2(.

20


وعن أيب هريرة وأيب سعيد اخلدري أهنام شهدا عىل النبي ملسو هيلع هللا ىلص تهم المالئكة أنه قال: »ل يقعد قوم يذكرون اهلل عز وجل إلى حفىكينة وذكرهم اهلل فيمن محة ونزلت عليهم السى وغشيتهم الرى

عنده«(1).

(1) رواه مسلم )2700(.

21


:áª©fh ácôH ôcòdG

ڦ ڦ ڦ ڦ )ڤ وجل: عز اهلل يقول وروى ،[7 ]إبراهيم: ڃ( ڃ ڃ ڄ ڄ ڄڄ مسلم )2734( عن أنس بن مالك قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »إن اهلل لريىض عن العبد أن يأكل األكلة فيحمده عليها، أو يرشب

بة فيحمده عليها«. الرشى

إن هذا مع كل طعام يأكله أو رشاب يرشبه، يذكر من رزقه وأطعمه وسقاه؛ فيلهج له باحلمد والشكر، مستحرضا عظمة

المنعم سبحانه.

والركة حاصلة بالذكر بمنع ما يمحقها، والسالمة من تسلط الشيطان، ومشاركته للمرء يف طعامه ورشابه؛ فعن جابر بن جل بيته فذكر اهلل عبد اهلل أنه سمع النبي ملسو هيلع هللا ىلص يقول: »إذا دخل الرىيطان ل مبيت لكم ول عشاء، عند دخوله وعند طعامه قال الشىيطان أدركتم المبيت، وإذا دخل فلم يذكر اهلل عند دخوله قال الشى

وإذا مل يذكر اهلل عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء«(1).

(1) رواه مسلم )2018(.

22


™FGô``°T ¬«∏Y äÌc ø``Ÿ ملسو هيلع هللا ىلص ˆG ∫ƒ``°SQ á«``°Uh ¬fEG

:ΩÓ°SE’G

فعن عبد اهلل بن برس أن رجال قال: يا رسول اهلل إن رشائع اإلسالم قد كثرت عيل فأخرين بيشء أتشبث به. قال: »ل يزال

لسانك رطبا من ذكر اهلل«(1).

قال الطيبي: »رطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه، كام أن يبسه عبارة عن ضده، ثم إن جريان اللسان حينئذ عبارة عن

مداومة الذكر«(2).

(1) رواه الرتمذي )3375(، وصححه األلباين.(2) دليل الفاحلني )237/7(.

23


:Ö∏≤dG IÉ«M ôcòdG

ففي صحيح البخاري (6407) عن أيب موسى قال: قال ه مثل احلي ه والىذي ل يذكر ربى النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »مثل الىذي يذكر ربىوالميىت« ورواه مسلم (779) ولفظه: »مثل البيت الىذي يذكر اهلل

فيه والبيت الىذي ل يذكر اهلل فيه مثل احلي وامليىت«.

وإذا كان القلب حيا، كان عامرا باإليامن؛ كام قال تعاىل: )ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ ڄ ڄ ڇ ڇ ڇ ڇ چ چچ چ ڃ ڃ ڃ ڃ ڄ ڄ

ڍڍڌ ڌ ڎ ڎ ڈ ڈ ژ ژ ڑ( ]الزمر:23].

ومن قسا قلبه من ذكر اهلل مات قلبه، فويل له؛ )ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ( ]الزمر: 22]، وجاء رجل للحسن يشكو إليه قسوة قلبه فقال: »أذبه بالذكر«، وهذا ألن القلب كلام اشتدت

به الغفلة، اشتدت به القسوة، فإذا ذكر اهلل ذابت تلك القسوة(1).

وقال ابن القيم -رمحه اهلل-: »وال ريب أن القلب يصدأ كام


24


يصدأ النحاس والفضة وغريمها، وجالؤه بالذكر؛ فإنه جيلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك صدئ.

وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجالؤه بشيئني: باالستغفار والذكر.

فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ مرتاكبا عىل قلبه، وصدؤه بحسب غفلته«(1).


25


:OhóM ÓH QƒLCG ôcòdG

عن أيب هريرة عن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »من سبح اهلل يف دبر كل صالة ثالثا وثالثني، ومحد اهلل ثالثا وثالثني، وكرب اهلل ثالثا وثالثني، فتلك تسع وتسعون، وقال يف متام املائة: ل إله إل اهلل وحده ل رشيك له، له امللك وله احلمد وهو عل كل يشء قدير،

غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر«(1).

وهذا يعني أن الذكر يمحو اهلل به الذنوب ويذهبها عن صاحبها وإن كانت مثل زبد البحر.

وزبد البحر: هو ما يعلو عىل وجهه عند هيجانه ومتوجه(2).

وعن أيب هريرة قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »ألن أقول: سبحان اهلل واحلمد هلل وال إله إال اهلل واهلل أكر، أحب إيل مما

طلعت عليه الشمس«(3).

قيل: حيتمل أن يكون المراد أن هذه الكلامت أحب إيل من أن

(1) رواه مسلم )597(.(2) مرقاة المفاتيح )54/4(.

(3) رواه مسلم )2695(.

26


يكون يل الدنيا فأتصدق هبا، واحلاصل أن الثواب المرتتب عىل قول هذا الكالم أكثر من ثواب من تصدق بجميع الدنيا(1).

(1) تفة األحوذي )40/10(.

27


:ßØMh áeÓ°S ôcòdG

عن عبد اهلل بن خبيب قال: خرجنا يف ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص ليصيل لنا فأدركناه فقال: أصليتم؟ فلم أقل شيئا، فقال قل. فلم أقل شيئا، ثم قال قل. فلم أقل شيئا، ثم قال قل. فقلت يا رسول اهلل ما أقول؟ قال »قل: قل هو اهلل أحد والمعوذتني

حني متس وحني تصبح ثالث مرات تكفيك من كل يشء«(1).

: أي تدفع عنك كل سوء. وحيتمل أن يكون قال الطيبيالمعنى: تغنيك عام سواها(2).

وعن عثامن بن عفان قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »ما من عبد يقول يف صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم اهلل الذي ال يرض مع اسمه يشء يف األرض وال يف السامء وهو السميع العليم ثالث

مرات مل يرضه يشء«(3).

(1) رواه أبو داود )5082( والرتمذي )3575( والنسائي )5428( وحسنه األلباين.

(2) مرقاة المفاتيح )29/7(.(3) رواه أبو داود )5088( والرتمذي )3388( وصححه، وابن ماجة )3869(

وصححه األلباين.

28


فبالذكر حيفظ اهلل عبده من كل سوء؛ فيحفظ عليه قلبه من . تسلل الشياطني إليه، وحيفظ عليه نفسه وبدنه من نوازل الرض

29


:√ pôcP oIÌc ˆG ÖM oáeÓY

قال الربيع بن أنس عن بعض أصحابه: عالمة حب اهلل كثرة : ذكره، فإنك لن تب شيئا إال أكثرت ذكره. وقال فتح الموصيلالمحب هلل ال يغفل عن ذكر اهلل طرفة عني، وقال غريه: من اشتغل قلبه ولسانه بالذكر، قذف اهلل يف قلبه نور االشتياق إليه. وقال إبراهيم بن اجلنيد: كان يقال: من عالمة المحب هلل دوام الذكر بالقلب واللسان، وقلام ولع المرء بذكر اهلل عز وجل إال

أفاد منه حب اهلل.

وكان بعض السلف يقول يف مناجاته: إذا سئم البطالون من بطالتهم، فلن يسأم حمبوك من مناجاتك وذكرك. وقال أبو جعفر : المحب هلل ال خيلو قلبه من ذكر ربه، وال يسأم من المحويل

طاعته(1).

(1) جامع العلوم واحلكم )516/2(.

30


:áfÉYEGh ájOƒÑY ôcòdG

ملا سألت فاطمة أباها ملسو هيلع هللا ىلص خادما، واشتكت إليه ما تعانيه من أعامل البيت، قال هلا ولزوجها عيل : »أال أدلكام عىل ما هو خري لكام من خادم؟ إذا آويتام إىل فراشكام فسبحا ثالثا ثالثني، وامحدا ثالثا وثالثني، وكرا أربعا وثالثني؛ فإنه خري لكام من

خادم«(1).

قال ابن القيم -رمحه اهلل-: »الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما مل يظن فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ اإلسالم ابن تيمية يف سننه وكالمه وإقدامه وكتابه أمرا عجيبا، فكان يكتب يف اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ يف جعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته يف احلرب أمرا عظيام، وقد علم النبي ملسو هيلع هللا ىلص ابنته فاطمة وعليا أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهام ثالثا وثالثني وحيمدا ثالثا وثالثني ويكرا أربعا وثالثني ملا سألته اخلادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي واخلدمة، فعلمها ذلك وقال: إنه خري لكام

(1) متفق عليه.

31


من خادم. فقيل إن من داوم عىل ذلك وجد قوة يف يومه تغنيه عن خادم«(1).


32


É©J ∫Éb¤: )ائ ائ ەئ(:

فذكر اهلل أكر من كل يشء، ومن كل عمل، وأجره فوق كل أجر، فهو ليس كبريا فحسب، بل هو أكر.

وقد ذكر العلامء والمفرسون عدة معان جديرة بالهتامم توضح كون الذكر أكرب، فمن ذلك:

• أن ذكر اهلل أكر من كل يشء، فهو أفضل العبادات.• أن المعنى أنكم إذا ذكرمتوه ذكركم، فكان ذكره لكم أكر

من ذكركم له.• أن ذكر اهلل أكر من أن يبقى معه فاحشة ومنكر، بل إذا تم

الذكر حمق كل خطيئة ومعصية.

وقال ابن القيم -رمحه اهلل-: »وسمعت شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل يقول: معنى اآلية )ۉ ې ې ې ې ىى ائ ائ ەئ( أن يف الصالة فائدتني عظيمتني إحدامها: هنيها عن الفحشاء والمنكر، والثانية: اشتامهلا عىل ذكر اهلل وتضمنها له، وملا تضمنته من ذكر اهلل أعظم من هنيها عن الفحشاء والمنكر«(1).


33


: p G óæY ÉgÉcRCGh ∫ÉªYC’G ÒN ôcòdG

عن أيب الدرداء قال: قال النبي ملسو هيلع هللا ىلص »أل أنبىئكم بخري أعاملكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها يف درجاتكم وخري كم هب والورق وخري لكم من أن تلقوا عدوى لكم من إنفاق الذىفترضبوا أعناقهم ويرضبوا أعناقكم؟« قالوا بىل. قال: »ذكر اهلل

تعاىل«(1).

فانظر إىل هذه المقارنة الملموسة بأعامل معروفة بعظمتها وكثرة أجرها، وقد جعل الذكر أكثر منها أجرا فقال: )وخري لكم من إنفاق الذهب والورق، وخري لكم من أن تلقوا عدوكم( فقارن الذكر وأجره باإلنفاق المايل، وهو عبادة متعدية النفع عظيمة األجر الحتياجها إىل جماهدة النفس، ومغالبة شحها وشهوتا يف التملك واالستزادة، وكذلك قارن الذكر باجلهاد العميل الذي تبذل فيه المهج واألرواح، فكان الذكر أرفع شأنا،

وأعظم أجرا.

(1) رواه الرتمذي )3377( وصححه األلباين.

34


• إشكال وحلىه:كيف يكون الذكر أفضل من اجلهاد؟!

قال احلافظ: »وقد أرشت إليه مستشكال يف أوائل اجلهاد مع ما ورد يف فضل المجاهد أنه كالصائم ال يفطر وكالقائم ال يفرت وغري ذلك مما يدل عىل أفضليته عىل غريه من األعامل الصاحلة، وطريق اجلمع -واهلل أعلم- أن المراد بذكر اهلل يف حديث أيب الدرداء: الذكر الكامل وهو ما جيتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر يف المعنى واستحضار عظمة اهلل تعاىل وأن الذي حيصل له ذلك يكون

أفضل ممن يقاتل الكفار مثال من غري استحضار لذلك.

وأن أفضلية اجلهاد إنام هي بالنسبة إىل ذكر اللسان المجرد، فمن اتفق له أنه جع ذلك كمن يذكر اهلل بلسانه وقلبه واستحضاره، وكل ذلك حال صالته أو يف صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثال

فهو الذي بلغ الغاية القصوى، والعلم عند اهلل تعاىل.

وأجاب القايض أبو بكر بن العريب بأنه ما من عمل صالح إال والذكر مشرتط يف تصحيحه، فمن مل يذكر اهلل بقلبه عند صدقته أو صيامه مثال فليس عمله كامال، فصار الذكر أفضل األعامل من

هذه احليثية«(1).

(1) فتح الباري )210/11(.

35


:ôcòdG ≥∏M hCG ˆG äƒ«ÑH QhôŸG óæY ôcòdG

روى أمحد (12114) والرتمذي (3510) عن أنس بن مالك أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال »إذا مررتم برياض اجلنىة فارتعوا«. قالوا

كر«(1). وما رياض اجلنة؟ قال: »حلق الذى

وعند الرتمذي (3509) بسند فيه ضعف عن أيب هريرة قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »إذا مررتم برياض اجلنىة فارتعوا« قلت: يا رسول اهلل وما رياض اجلنة؟ قال: »المساجد« قلت: وما الرتع يا رسول اهلل؟ قال: »سبحان اهلل واحلمد اهلل ول إله إلى اهلل واهلل أكرب«.

الرياض جع الروضة وهي أرض خمرضة بأنواع النبات.

والرتع هو التوسع يف األكل والرشب والمستلذات، كام هو عادة الناس إذا خرجوا إىل الرياض.

وال تنايف بني قوله )حلق الذكر( وبني قوله )المساجد( -لو ، صح-؛ ألن حلق الذكر تصدق بالمساجد وغريها فهي أعم

وخصت المساجد هنا ألهنا أفضل، وألهنا بيوت الذكر أصال.

(1) حسنه األلباين يف الصحيحة )2562(.

36


)ى ائ(:

وأعظم من كل ما ذكر ما جاء يف قوله تعاىل: )ى ائ ائ ەئ ەئ وئ( ]البقرة: 152].

فأمر تعاىل المؤمنني بذكره، ووعد عليه أفضل اجلزاء، وهو الثناء يف المأل األعىل عىل من ذكره فأي رشف أعظم، وأي فخر أكر من أن يذكرك رب العالمني؟ ويف احلديث اإلهلي عن أيب هريرة أنه قال: قال النبي ملسو هيلع هللا ىلص: يقول اهلل تعاىل: »أنا عند ظن عبدي يب وأنا معه إذا ذكرين، فإن ذكرين يف نفسه ذكرته يف نفيس ب إيل بشرب وإن ذكرين يف مإل ذكرته يف مإل خري منهم، وإن تقرىبت إليه باعا، وإن أتاين ب إيل ذراعا تقرى بت إليه ذراعا، وإن تقرى تقرى

يميش أتيته هرولة« )متفق عليه(.

فلو مل يكن لذكر اهلل تعاىل إال هذا الفضل لكفى به رشفا وفضال.

وليس الشأن أن يذكر الفقري الغني، وال الضعيف القوي، وإنام الشأن أن يذكر الغني الفقري، والقوي الضعيف.

وإذا ذكر الرب الغني الكريم العبد الفقري كان ذكره له عالمة عىل وصله بره وكرمه، فام ظنك بأكرم األكرمني وأجود

األجودين إذا ذكر عبده الذاكر وريض عنه؟

وقال ابن القيم -رمحه اهلل-: »وسألت شيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه اهلل- يوما فقلت له: إذا كان الرب سبحانه يرىض

37


بطاعة العبد ويفرح بتوبته ويغضب من خمالفته، فهل جيوز أن يؤثر المحدث يف القديم حبا وبغضا وفرحا وغري ذلك؟ فقال يل: الرب سبحانه هو الذي خلق أسباب الرضا والغضب والفرح، وإنام كانت بمشيئته وخلقه، فلم يكن ذلك التأثر من غريه، بل من نفسه بنفسه، والممتنع أن يؤثر غريه فيه فهذا حمال، وأما أن خيلق هو أسبابا ويشاءها ويقدرها تقتيض رضاه وحمبته وفرحه وغضبه:

فهذا ليس بمحال، فإن ذلك منه بدأ وإليه يعود«(1).


38


!äÓØ¨dG πgCG ≈∏Y kIô°ùM Éj

فالغفلة إذا عن ذكر اهلل عز وجل خسارة عظيمة، مع ما يوجبه ذلك من احلرسة، وما يؤدي إليه من قسوة القلب.

عن أيب هريرة عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: »ما جلس قوم جملسا مل يذكروا اهلل فيه ومل يصلىوا عل نبيىهم إلى كان عليهم ترة فإن شاء

هبم وإن شاء غفر هلم«(1). عذى

وقال الرتمذي عقبه: »ومعنى قوله ترة: يعني حرسة وندامة«.

وقوله: »فإن شاء عذهبم« أي: بذنوهبم السابقة وتقصرياتم الالحقة. وقال الطيبي -رمحه اهلل-: قوله: »فإن شاء عذهبم« من باب التشديد والتغليظ، وحيتمل أن يصدر من أهل المجلس ما

يوجب العقوبة من حصائد ألسنتهم(2).

ذلك أن أهل المجلس إذا غفلوا عن الذكر كان ذلك أدعى هبم أن يقعوا بألسنتهم فيام يستوجب هلم العقوبة؛ وبذلك تتم

عليهم احلرسة.

(1) رواه الرتمذي )3380( وصححه، وصححه األلباين.(2) مرقاة المفاتيح )37/8(.

39


فمن فضائل الذكر حفظ اللسان من الوقوع يف المهالك المردية، وقد قال النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »وهل يكب النىاس يف النىار عل

وجوههم أو عل مناخرهم إلى حصائد ألسنتهم؟«(1).

(1) رواه الرتمذي )2541( وصححه األلباين يف الصحيحة )1122(.

40


:ôcòdG óFGƒa

للذكر فوائد كثرية تعود عىل الذاكر باخلري والفضل يف الدنيا واآلخرة، منها:

• أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكرسه.

• أنه يريض الرمحن عز وجل.

• أنه يزيل اهلم والغم عن القلب.

• أنه جيلب للقلب الفرح والرسور والبسط.

• أنه يفرح القلب ويقويه.

• أنه ينور الوجه والقلب.

• أنه جيلب الرزق.

• أنه يكسو الذاكر المهابة واحلالوة والنرضة.

• أنه يورثه المحبة التي هي روح اإلسالم.

• أنه يورثه المراقبة حتى يدخله يف باب اإلحسان.

• أنه يورثه اإلنابة، وهي الرجوع إىل اهلل عز وجل

• أنه يورثه اهليبة لربه عز وجل وإجالله.

41


• أنه يورثه جالء القلب من صدئه.

• أنه حيط اخلطايا ويذهبها، فإنه من أعظم احلسنات، واحلسنات يذهبن السيئات.

• أنه يزيل الوحشة بني العبد وبني ربه تبارك وتعاىل.

• أنه جالب للنعم، دافع للنقم، فام استجلبت نعم اهلل عز وجل، وال استدفعت نقمه بمثله.

• أنه نجاة من الشدائد.

• أنه أمان من احلرسة يوم احلرسة.

• أنه أيرس العبادات، وهو من أجلها وأفضلها.

• أن العطاء والفضل الذي رتب عليه مل يرتب عىل غريه من األعامل مثله.

• أن دوام ذكر الرب تبارك وتعاىل يوجب األمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد.

• أنه ليس يف األعامل يشء يعم األوقات واألحوال مثله.

• أن يف القلب خلة وفاقة ال يسدها يشء البتة إال ذكر اهلل عز وجل.

• أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما ال يطيق فعله بدونه(1).

(1) انظر: الوابل الصيب )ص4182(.

42


قال الشيخ السعدي -رمحه اهلل-:

فذكر إله العرش رسا ومعلنايزيل الشقا واهلم عنك ويطرد

وجيلب للخريات دنيا وآجالد وإن يأتك الوسواس يوما يرشى

فقد أخرب المختار يوما لصحبهبق مفرد كر يف الس بأن كثري الذ

إهله يستعني معاذا ووص عل ذكره والشكر باحلسن يعبد

وأوص لشخص قد أتى لنصيحةوقد كان يف محل الرشائع جيهد

بأن ل يزال رطبا لسانك هذهتعني عل كل األمور وتسعد

43


:ôcòdG ‘ ΩÉµMCGh πFÉ°ùe

• معنى الذكر ودللته:

الذكر: ضد الغفلة والنسيان، والغفلة: ترك الذكر عمدا، وأما النسيان: فرتكه عن غري عمد.

ولذا فالغفلة مذكورة يف القرآن الكريم يف معرض النهي والتحذير؛ كام يف قوله تعاىل )ڀ ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ

ڦ( ]الكهف: 28].

بينام النسيان ليس كذلك لعدم صدوره عن قصد، ومن هنا جاء التوجيه القرآين العظيم )ہ ہ ہ ھ( ]الكهف: 24]، قال ابن القيم -رمحه اهلل-: »الفرق بني الغفلة والنسيان: أن الغفلة ترك باختيار الغافل، والنسيان ترك بغري اختياره، وهلذا قال تعاىل: )وئ وئ ۇئ ۇئ( ]األعراف: 205]، ومل يقل: »وال تكن من

الناسني«؛ فإن النسيان ال يدخل تت التكليف فال ينهى عنه«(1).


44


• والذكر يشمل معنيني:

ر واستحضار اليشء يف الذهن، كقولك: األول: معنى التذكىذكرت حادثة كذا وكذا، إذا استحرضتا يف ذهنك، ومرت

دقائقها بمخيلتك، وهذا المعنى ضد النسيان.

فأصل الذكر: التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له، ومنه أي ،[40 ]البقرة: ڃ( ڄ ڄ ڄ )ڄ تعاىل: قوله

تذكروها(1).

والمقصود به تذكر اهلل واستحضار عظمته وخشيته، ومراقبته ونعمته حتى يكون القلب له معظام، ومنه خائفا وله مراقبا،

ولنعمته شاكرا.

والثاين: النطق باللسان، وهو استعامل غالب، فإذا قلت: فالن يواظب عىل األذكار، أي يتلفظ هبا، ومنه قوله تعاىل: )ىئ

ىئ ی ی ی ی جئ( ]األحزاب: 41].فالذكر اللساين هو ثمرة ذكر القلب، وشاهد عليه، ومرتجم عنه، فمن عظم اهلل يف قلبه سبح وهلل وكر بلسانه، ومن خافه ترضع ودعا )وسمي القول باللسان ذكرا؛ ألنه داللة عىل الذكر القلبي، غري أنه قد كثر اسم الذكر عىل القول اللساين حتى صار

هو السابق إىل الفهم((2).

(1) المفهم )6/7(.

(2) المفهم )6/7(.

45


• الذكر رشعا له إطالقان:

األول: إطالق عام: ويشمل كل أنواع العبادات من صالة وصيام وحج وقراءة قرآن وثناء ودعاء وتسبيح وتميد ومتجيد وغري ذلك من أنواع الطاعات؛ ألهنا إنام تقام لذكر اهلل وطاعته

وعبادته.

قال شيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه اهلل-: »كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرب إىل اهلل من تعلم علم وتعليمه

وأمر بمعروف وهني عن منكر فهو من ذكر اهلل«(1).

وقال عبد الرمحن بن سعدي -رمحه اهلل-: »وإذا أطلق ذكر اهلل ب العبد إىل اهلل من عقيدة أو فكر أو عمل قلبي أو شمل كل ما يقرعمل بدين أو ثناء عىل اهلل أو تعلم علم نافع وتعليمه ونحو ذلك،

فكله ذكر هلل تعاىل«(2).

الثاين: إطالق خاص: وهو ذكر اهلل باأللفاظ التي وردت عن اهلل سبحانه وتعاىل من تالوة كتابه أو إجراء أسامئه أو صفاته العليا عىل لسان العبد أو قلبه مما ورد يف كتاب اهلل سبحانه، أو األلفاظ التي وردت عىل لسان رسوله ملسو هيلع هللا ىلص، وفيها متجيد وتنزيه وتقديس

وتوحيد هلل تعاىل.

(1) جمموع الفتاوى )661/10(.(2) الرياض النرضة )ص245(.

46


قال ابن عالن: »أصل وضع الذكر هو ما تعبدنا الشارع بلفظه مما يتعلق بتعظيم احلق والثناء عليه«(1).

والمراد من الذكر: حضور القلب، فينبغي أن يكون هو ل مقصود الذاكر فيحرص عىل تصيله ويتدبر ما يذكر، ويتعق

معناه(2).

(1) الفتوحات الربانية )396/1(.(2) األذكار )ص13(.

47


:ôcòdG ÖJGôe

ذكر اهلل عز وجل يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون باجلوارح، فالقلب: بالتفكر، واللسان: بالنطق، واجلوارح:

بالعمل.

فالذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالقلب واللسان معا.

أما ذكر القلب فمعناه: التفكر والتدبر يف عظمة اهلل تعاىل وجالله وآياته الرشعية، والقرآن وأحكامه، وآيات اهلل يف خملوقاته

كالسامء واألرض والشمس والقمر.. الخ.

ومن ذكر اهلل تعاىل بالقلب: أن يذكره المسلم بقلبه عند أوامره ونواهيه، فيأيت بام أمر وينتهي عام هني عنه. قاله القايض عياض(1).

وذكر اهلل باللسان يكون بالتسبيح والتهليل واالستغفار وقراءة القرآن وكل قول يقرب إىل اهلل تعاىل.

وأكمل المراتب: أن جيمع الذاكر بني ذكر القلب وذكر اللسان.

(1) الفتوحات الربانية )106/1(.

48


قال النووي -رمحه اهلل-: »الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، واألفضل منه ما كان بالقلب واللسان جيعا، فإن اقتر

عىل أحدمها فالقلب أفضل.

ثم ال ينبغي أن يرتك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء، بل يذكر هبام جيعا ويقصد به وجه اهلل تعاىل، وقد قدمنا عن الفضيل -رمحه اهلل-: أن ترك العمل ألجل الناس رياء. ولو فتح اإلنسان عليه باب مالحظة الناس، واالحرتاز من تطرق ظنوهنم الباطلة النسد عليه أكثر أبواب اخلري، وضيع عىل نفسه

شيئا عظيام من مهامت الدين«(1).

وأما الذكر باجلوارح: فهو العمل بطاعة اهلل، فكل من عمل بطاعة اهلل فهو ذاكر هلل. قال النووي: »اعلم أن فضيلة الذكر غري منحرة يف التسبيح والتهليل والتحميد والتكبري ونحوها، بل كل عامل هلل تعاىل بطاعة فهو ذاكر هلل تعاىل، كذا قاله سعيد بن

جبري -رمحه اهلل- وغريه من العلامء.

كر هي جمالس احلالل وقال عطاء -رمحه اهلل-: جمالس الذواحلرام، كيف تشرتي وتبيع وتصيل وتصوم وتنكح وتطلق

وتج، وأشباه هذا«(2).

فالصالة من ذكر اهلل، واجلهاد من ذكر اهلل، وبر الوالدين من ذكر اهلل، وصلة األرحام من ذكر اهلل، وإعانة المسلم من ذكر اهلل،

(1) األذكار )ص9(.(2) األذكار )ص910(.

49


ونرة المظلوم من ذكر اهلل، وتعلم العلم وتعليمه من ذكر اهلل، واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ذكر اهلل.

هل يشرتط يف الذكر أن يسمع الذاكر نفسه وأن يرك لسانه؟

األذكار التي تقال باللسان كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل، وأذكار الصباح والمساء والنوم ودخول اخلالء وغريها ال بد فيها من تريك اللسان، وال يعد اإلنسان ذاكرا إال إذا حرك

هبا لسانه.

والفضائل الواردة يف الرشع: )من قال كذا وكذا فله كذا( ال حيصل هذا الثواب الموعود به إال بالتلفظ باللسان، وأما جمرد التفكر بالقلب فال حيصل به هذا الثواب اخلاص باتفاق العلامء -نقله ابن حجر اهليتمي- وإن كان يثاب من جهة أخرى وهي التفكر والتدبر(1).

سئل اإلمام مالك -رمحه اهلل- عن الذي يقرأ يف الصالة، ال يسمع أحدا وال نفسه، وال حيرك به لسانا. فقال: »ليست هذه

قراءة، وإنام القراءة ما حرك له اللسان«(2).

وقال الكاساين -رمحه اهلل-: »القراءة ال تكون إال بتحريك اللسان باحلروف، فالمصيل القادر عىل القراءة إذا مل حيرك لسانه

باحلروف ال توز صالته«(3) انتهى بترف يسري.

(1) الفتوحات الربانية )106/1(.(2) البيان والتحصيل )490/1(.

(3) بدائع الصنائع )118/4(.

50


ويدل عىل ذلك أيضا: أن العلامء منعوا اجلنب من قراءة القرآن باللسان، وأجازوا له أن ينظر يف المصحف دون أن يمسه، ويقرأ القرآن بالقلب دون حركة اللسان. مما يدل عىل الفرق بني

األمرين، وأن عدم تريك اللسان ال يعد قراءة(1).

وسئل الشيخ ابن عثيمني -رمحه اهلل-: هل جيب تريك اللسان بالقرآن يف الصالة؟ أو يكفي بالقلب؟

فأجاب: »القراءة البد أن تكون باللسان، فإذا قرأ اإلنسان بقلبه يف الصالة فإن ذلك ال جيزئه، وكذلك أيضا سائر األذكار، ال تزئ بالقلب، بل البد أن حيرك اإلنسان هبا لسانه وشفتيه؛

ألهنا أقوال، وال تتحقق إال بتحريك اللسان والشفتني«(2).

وأما اشرتاط أن يسمع نفسه: فقد قال بذلك كثري من العلامء، والصواب أنه ال يشرتط ذلك، بل يكفي أن حيرك لسانه، فبذلك

يتحقق الكالم.

وهو الذي اختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية، ورجحه ابن عثيمني.

(1) انظر: المجموع )187189/2(.(2) جمموع فتاوى ابن عثيمني )156/13(.

51


:AÉYódGh ôcòdG ÚH ábÓ©dG

وردت نصوص كثرية تدل عىل إطالق الدعاء عىل الذكر األعم من معنى دعاء المسألة، منها حديث ابن عباس أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص كان يقول عند الكرب: »ل إله إلى اهلل العظيم احلليم، ل موات ورب إله إلى اهلل رب العرش العظيم، ل إله إلى اهلل رب السى

األرض ورب العرش الكريم« متفق عليه.

ويف لفظ للبخاري (6345): »كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص يدعو عند الكرب يقول...«.

وقد بنيى هذا أهل العلم:

فقال حسني بن حسن المروزي: سألت ابن عيينة عن احلديث الذي فيه: »أكثر ما كان يدعو به النبي ملسو هيلع هللا ىلص بعرفة: ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له... «(1) فقال: هو ذكر وليس فيه دعاء، ولكن قال النبي ملسو هيلع هللا ىلص عن ربه عز وجل: »من شغله ذكري عن مسألتي

أعطيته أفضل ما أعطي السائلني«(2).

(1) رواه أمحد )6922( وضعفه األلباين يف ضعيف اجلامع )4464(.(2) رواه الرتمذي )2926( وحسنه، وضعفه غريه.

52


قال: وقال أمية بن أيب الصلت يف مدح عبد اهلل بن جدعان:

كفاين قد أم حاجتي أأذكر احلياء شيمتك إن حياؤك

يوما المرء عليك أثنى إذا الثناء ضك تعر من كفاه

قال سفيان: فهذا خملوق حني نسب إىل الكرم اكتفى بالثناء عن السؤال فكيف باخلالق؟!(1).

وقال اخلطايب: »إن الداعي يفتح دعاءه بالثناء عىل اهلل سبحانه ي الثناء دعاء، إذ كان مقدمة له وذريعة ويقدمه أمام مسألته، فسم

إليه؛ عىل مذهبهم يف تسمية اليشء باسم سببه«(2).

وقال شيخ اإلسالم: »إن كل واحد من الدعاء والذكر يتضمن اآلخر ويدخل فيه«(3).

فعل ما تقدم:

• إذا أريد بالدعاء دعاء العبادة فهو حينئذ مرادف للذكر.

• وإذا أريد بالدعاء دعاء المسألة فيكون حينئذ أخص مطلقا من الذكر، ويكون الذكر أعم مطلقا منه؛ ألن الدعاء ال ينفك عن كونه ذكرا، وأما الذكر فيكون سؤاال ويكون غري سؤال.

(1) انظر: فتح الباري )176177/11(.(2) شأن الدعاء )ص206(.

(3) جمموع الفتاوى )19/15(، وانظر: بدائع الفوائد )10/3(.

53


• وتكون العالقة بينهام التالزم، وذلك أن دعاء المسألة ذكر وثناء وترضع وافتقار، كام أن يف الذكر طلب جلب النفع

ودفع الرض ورجاء الثواب وخوف العقاب.

واحلاصل أن العالقة بني الدعاء والذكر إما ترادف واتاد، وإما عموم وخصوص مطلق، وإما تالزم، وال يتصور انفكاك أحدمها عن اآلخر، فلهذا كانت أغلب الكتب المصنفة يف

األذكار تشتمل عىل األدعية وبالعكس(1).

ولكن الغالب إطالق الذكر عىل معناه اخلاص وإطالق الدعاء عىل دعاء المسألة، قال الشيخ عبد الرمحن بن حسن: »إن الدعاء أكثر ما يستعمل يف الكتاب والسنة واللغة ولسان الصحابة ومن بعدهم من العلامء يف السؤال والطلب؛ كام قال العلامء من أهل

اللغة وغريهم«(2).

قراءة القرآن أفضل من الذكر والدعاء المطلق، والذكر أفضل من الدعاء، وأما الذكر المقيد بزمان أو مكان أو حال، فاالشتغال

به أفضل.

قال ابن القيم -رمحه اهلل-: »قراءة القرآن أفضل من الذكر، دا، والذكر أفضل من الدعاء، هذا من حيث النظر لكل منهام جمروقد يعرض للمفضول ما جيعله أوىل من الفاضل، فال جيوز أن

(1) انظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة اإلسالمية )77/1 78(.(2) فتح المجيد )ص180(.

54


يعدل عنه إىل الفاضل، وهذا كالتسبيح يف الركوع والسجود، فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهام، بل القراءة فيهام منهي عنها، وكذلك التسميع والتحميد يف حملهام أفضل من القراءة، وكذلك التشهد، وكذلك »رب اغفر يل وارمحني واهدين وعافني وارزقني« بني السجدتني أفضل من القراءة، وكذلك الذكر عقيب السالم من الصالة -ذكر التهليل والتسبيح والتكبري والتحميد- أفضل من االشتغال عنه بالقراءة، وكذلك إجابة المؤذن والقول كام يقول أفضل من القراءة، وإن كان فضل القرآن عىل كل كالم كفضل اهلل

تعاىل عىل خلقه، لكن لكل مقام مقال.

وهكذا األذكار المقيدة بمحال خمصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من األذكار المطلقة، اللهم إال أن يعرض للعبد ما جيعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة

القرآن.

مثاله: أن يتفكر يف ذنوبه فيحدث ذلك له توبة من استغفار، أو يعرض له ما خياف أذاه من شياطني اإلنس واجلن فيعدل إىل األذكار والدعوات التي تصنه وتفظه. وكذلك أيضا قد يعرض للعبد حاجة رضورية إذا اشتغل عن سؤاهلا أو ذكرها مل حيرض قلبه فيهام، وإذا أقبل عىل سؤاهلا والدعاء إليها اجتمع قلبه كله عىل اهلل تعاىل وأحدث له ترضعا وخشوعا وابتهاال، فهذا يكون اشتغاله بالدعاء واحلالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل

وأعظم أجرا.

55


وهذا باب نافع حيتاج إىل فقه نفس وفرقان بني فضيلة اليشء يف نفسه وبني فضيلته العارضة، فيعطي كل ذي حق حقه، ويوضع

كل يشء موضعه...

وقلت لشيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه اهلل- يوما: سئل بعض أهل العلم أهيام أنفع للعبد التسبيح أو االستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقيا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإذا كان دنسا فالصابون والماء احلار أنفع له. فقال يل -رمحه اهلل- : فكيف والثياب ال

تزال دنسة؟(1).


56


:ôcòdG ‘ Ö∏≤dG Qƒ°†M

قال النووي يف األذكار: »المراد من الذكر حضور القلب، فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص عىل تصيله، ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه. فالتدبر يف الذكر مطلوب كام هو مطلوب

يف القراءة الشرتاكهام يف المعنى المقصود«(1).

فحضور القلب ساعة الذكر يورث القلب تعظيم الرب وإجالله، ويستدعي تدبر الذكر وتعقل معناه، وإذا كان اهلل

عز وجل قال عن القرآن: )ڄ ڄ ڄ ڄ ڃ ڃ فليحرص كالقرآن، فالذكر ،[29 ]ص: چ( ڃ ڃ

الذاكر عىل تدبره والعمل به.

(1) األذكار )ص1213(.

57


:Iôe ƒdh ,áYÉ£à°S’G Ö°ùM πFÉ°†ØdÉH πª©dG

قال النووي -رمحه اهلل-: »ينبغي ملن بلغه يشء يف فضائل األعامل أن يعمل به ولو مرة واحدة؛ ليكون من أهله، وال ينبغي أن يرتكه مطلقا، بل يأيت بام تيرس منه؛ لقول النبي ملسو هيلع هللا ىلص يف احلديث

المتفق عىل صحته: »إذا أمرتكم بيشء فأتوا منه ما استطعتم«(1).

والواجب من ذلك البد من اإلتيان به، والمستحب منه فأكثر منه ما استطعت وال ترم نفسك فضله وأجره، ولو أن تعمل به

مرة واحدة.

فال ينبغي أن يتهاون المسلم باألذكار الرشعية، وعليه أن ينشغل هبا قدر ما يستطيع وال هيجرها بالكلية. ومعلوم أن من أحب شيئا أكثر من ذكره، بل كان ذكره أحب إليه من ذكر ما سواه؛ ملا يف قلبه تاهه من حمبة ورضا، فليستح المسلم من ربه

أن هيجر ذكره وينشغل عنه بام سواه.

(1) األذكار )ص8(، واحلديث رواه البخاري )7288(، ومسلم )1337( عن . أيب هريرة

58


?Oó©dG ‘ äÉjGhôdG âØ∏àNG GPEG

كل ذكر أو دعاء عددي من نوع واحد جاءت به الرواية عىل نوعني من العدد أو أكثر، فللذاكر أن يأيت بأي عدد ورد به النص،

وكلام كانت الرواية أكثر عددا فهو أكمل وأفضل.

مثال: »ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له، له الملك وله احلمد وهو عىل كل يشء قدير«، جاءت يف أذكار الصباح والمساء: مرة

واحدة، وعرش مرات، ومائة مرة.

فمن قاهلا مرة واحدة فقد أحسن، ومن قاهلا عرش مرات فهو أفضل ممن قاهلا مرة، ومن قاهلا مائة مرة فهو أفضل منهام؛ ولذلك جاء أجره عىل التامم، وليس أحد هو أفضل منه إال من هلل هبن أكثر منه؛ فعن أيب هريرة أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »من قال ل إله إلى اهلل وحده ل رشيك له له الملك وله احلمد وهو عل كل يشء قدير يف ة كانت له عدل عرش رقاب، وكتبت له مائة حسنة وحميت يوم مائة مرىيطان يومه ذلك حتىى يميس، عنه مائة سيىئة، وكانت له حرزا من الشى

ومل يأت أحد بأفضل ممىا جاء به إلى أحد عمل أكثر من ذلك«(1).

(1) رواه البخاري )3293( ومسلم )2691(.

59


:º¡e ¬«ÑæJ

جيب تعظيم اسم اهلل تعاىل، فال يذكر يف مقام اللهو واللعب والمعصية، وبعضهم يبدأ حفالت الرقص والمجون واخلالعة

بقراءة يشء من القرآن الكريم، أو أسامء اهلل احلسنى.

وهذا حمرم ملا فيه من امتهان اسم اهلل تعاىل، وعدم تعظيم آياته.

ف »كل حمرم أو مكروه، من قول أو عمل، ال جيوز افتتاحه بيشء من ذكر اهلل تعاىل، ملا فيه من االمتهان، وافتتاح المعصية

بالطاعة.

وذلك مثل: كتابة البسملة، أمام الشعر غري احلسن، واستفتاح اللعب المحرم، والرهان المحرم، والرامج المضلة بالقرآن،

أو احلمد، والصالة والسالم عىل الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ونحو ذلك.

وقد وصل الناس يف هذا الزمان إىل حد العبث، وعدم المباالة، ج بمرشوعية تلك المحرمات. والتغطية عىل عقول السذ

وعن مكحول األزدي قال: قلت البن عمر: أرأيت قاتل النفس وشارب اخلمر والسارق والزاين يذكر اهلل؟ وقد قال اهلل

60


تعاىل: )ى ائ( قال: إن ذكر اهلل هذا ذكره اهلل بلعنته حتى يسكت(1).

وعلق عىل هذا األثر الشيخ أمحد شاكر -رمحه اهلل- تعاىل يف كتابه عمدة التفسري قائال: »وهذا الذي قال ابن عمر حق، ينطبق متاما عىل ما يصنع أهل الفسق والمجنون يف عرنا، من ذكر اهلل سبحانه وتعاىل يف مواطن فسقهم وفجورهم، ويف األغاين الداعرة، والتمثيل الفاجر الذي يزعمونه تربية وتعليام، ويف قصصهم المفرتى، الذي جيعلونه أنه هو األدب وحده أو يكادون، ويف تالعبهم بالدين، بام يسمونه )القصائد الدينية( و)االبتهاالت(، التي يتالعب هبا اجلاهلون من القراء، يتغنون هبا يف مواطن اخلشوع وأوقات التخيل للعبادة، حتى لبسوا عىل عامة الناس شعائر اإلسالم، فكل أولئك يذكرون اهلل فيذكرهم

اهلل بلعنته حتى يسكتوا«(2).

(1) رواه ابن أيب حاتم يف تفسريه )260/1( وإسناده جيد.(2) تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد -رمحه اهلل- )ص4749(.

61


:äÉÑ°SÉæeh ∞FÉ£d ôcòdG

• ملاذا الهتامم بمعاين األذكار؟

إذا عرف العبد معاين األذكار التي يتلفظ هبا يف يومه وليلته ويف عباداته المختلفة أثر فيه الذكر تأثريا بالغا فجعل منه عبدا خاشعا خمبتا هلل عز وجل، ألن القلب سيستحرض معاين ما يقول

فيزداد تعلقا بربه ومعبوده وينتفع بالذكر أعظم االنتفاع.

فأفضل الذكر ما اجتمع عليه القلب واللسان، قال ابن القيم -رمحه اهلل-: »وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان

وكان من األذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده«(1).

فاخلشوع يف الصالة مثال مطلب لكل مسلم، وإن مما يعني عىل هذا اخلشوع معرفة معاين األذكار التي نتلفظ هبا يف الصالة، حتى يتدبر المصيل ما يتلو من القرآن والذكر، فيشعر بلذة الطاعة، أما إذا مل يعرف المصيل معنى ما يقول ومل يتدبره، فسريدد كلامت تغيب معانيها عنه، ومن ثم ال يتذوقها وال يدرك مراميها، وهكذا يف سائر العبادات.

(1) الفوائد )ص192(.

62


• املنهج )معرفة معاين السلف هلذا سلوك علامء األذكار(:

وإذا تأملنا يف بطون كتب الفقه ورشوح األحاديث لعلامئنا السابقني -كالنووي وابن القيم وابن حجر وغريهم- لوجدنا أن كتبهم مليئة برشح هذه األذكار وحماولة معرفة مناسبات ألفاظها ومواقعها، فمثال: ملاذا سمي دعاء سيد االستغفار هبذا االسم؟ فنجد ابن القيم -رمحه اهلل- قد فصل يف هذا وأبدع، وما ذلك إال ليعلم المسلم حينام يتلفظ هبذا الذكر معنى ما يقول، فريق قلبه،

ويشعر بالذلة واالنكسار تاه ربه.

وملاذا عند صعود مرتفع نقول: اهلل أكر؟ وعند نزول منخفض نقول: سبحان اهلل؟ وملاذا عند السجود نقول: سبحان ريب األعىل؟

وملاذا هنينا يف السجود عن قراءة القرآن؟ وهكذا.

63


:ó«≤ŸGh ≥∏£ŸG ôcòdG ÚH ¥ôØdG

هناك فرق بني األدعية واألذكار المقيدة بحال أو زمان أو مكان، وبني األدعية واألذكار المطلقة: فاألذكار واألدعية المقيدة يؤتى هبا عىل الوجه الذي ورد يف زمانه أو حاله أو مكانه، وبلفظه

الوارد من غري زيادة وال نقصان وال تبديل وال تقديم وال تأخري.

وأما األذكار واألدعية المطلقة فهي عل وجهني:

األول: أذكار وأدعية واردة عن الرسول ملسو هيلع هللا ىلص، فهذه يؤتى هبا بلفظها الوارد من غري زيادة وال نقصان.

الثاين: أذكار وأدعية يأيت هبا الداعي من عند نفسه أو تكون منقولة عن السلف فال بأس هبا برشوط:

أن خيتار من األلفاظ أحسنها وأجلها للمعاين وأبينها؛ . 1ألنه يناجي ربه سبحانه.

أن تكون خالية من أي حمذور رشعي من حيث اللفظ أو . 2المعنى، كدعاء غري اهلل، أو التوسل باألولياء، أو السجع

المتكلف.

64


أن ال يتخذها سنة راتبة يواظب عليها؛ ألن ذلك جيعلها . 3

بمنزلة الوارد عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص.

فذكر اهلل عز وجل يكون مطلقا ويكون مقيدا:

فاألول: وهو المطلق يف كل األوقات واألحوال، كام يف

ڱ ڱ ڳ ڳ ڳ ڳ )گ تعاىل: قوله

ۀ ۀ ڻ ڻ ڻ ڻ ں ں ڱ ڱ ہ ہ ہ ہ( ]آل عمران: 191].

أي الذين يذكرون اهلل يف جيع أحواهلم: قياما وقعودا وعىل

جنوهبم وهم يتدبرون يف خلق السموات واألرض قائلني: يا

ه عن ذلك فارصف عنا ربنا ما أوجدت هذا اخللق عبثا فأنت منز

عذاب النار.

وال حرج يف ذكر اهلل تعاىل قائام أو قاعدا أو مضطجعا، أو

ماشيا يف الطريق، وال يوصف يشء من ذلك بالكراهة؛ لقول

]آل ڱ( ڱ ڳ ڳ ڳ ڳ )گ تعاىل: اهلل

عمران:191](1) وحلديث عائشة »أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص كان يتكئ يف حجري

وأنا حائض ثم يقرأ القرآن«(2).

(1) تنبيه: استدل جهلة الصوفية هبذه اآلية عىل ما يفعلونه أثناء الذكر من التاميل والرقص وغري ذلك من جهاالتم وال خيفى أن اآلية الكريمة ال تدل عىل هذا.


65


: »كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص يذكر اهلل عىل كل أحيانه«(1). وقالت عائشة

: »إين ألقرأ حزيب، أو عامة حزيب، وأنا وقالت عائشة مضطجعة عىل فرايش«(2).

وأما الثاين: فهو المقيد، وهو ثالثة أنواع: مقيد باألزمان واألماكن واألحوال.

(1) رواه مسلم )373(.(2) رواه ابن أيب شيبة يف المصنف )241/2( وسنده صحيح.

66


:¿ÉeRC’ÉH ó«≤ªdG ôcòdG

وهو أن خيص الذكر بزمان معني يدور معه، كلام جاء هذا الوقت وهذا الزمان هلج المسلم هبذا الذكر المعني.

• ومن األزمان التي يرشع فيها الذكر: الصباح واملساء. وأذكار الصباح والمساء كثرية متعددة، وهي من األذكار المقيدة المهمة التي يتحصن هبا العبد من الشيطان ووساوسه

ومكائده بالصباح والمساء، وبذلك يتحصن منه عمره كله.

ويف السنة الصحيحة مجلة حسنة من هذا النوع من األذكار، فمن ذلك:

عن أيب هريرة قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »من قال حني ة مل يأت أحد يوم يصبح وحني يميس سبحان اهلل وبحمده مائة مرىالقيامة بأفضل ممىا جاء به إلى أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه«(3).

»سبحان اهلل« أي تنزهيه عام ال يليق به من كل نقص.

»وبحمده« احلمد: هو وصف المحمود بالكامل.

(3) رواه مسلم )2692(.

67


فانتظم يف هاتني الكلمتني تنزيه اهلل عن كل نقص، وإثبات كل صفات الكامل له.

ولذلك كانت هذه الكلمة »سبحان اهلل وبحمده« من أفضل األذكار.

فعن أيب ذر أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص سئل أي الكالم أفضل؟ قال: »ما اصطفى اهلل ملالئكته -أو لعباده-:سبحان اهلل وبحمده«(1).

ويف رواية: عن أيب ذر قال قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »أل أخربك بأحب الكالم إىل اهلل؟« قلت: يا رسول اهلل أخرين بأحب الكالم

إىل اهلل، فقال: »إن أحب الكالم إىل اهلل سبحان اهلل وبحمده«(2).

وفيه إشارة إىل قول المالئكة: )ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ( ]البقرة: 30].

ويف الصحيحني عن أيب هريرة قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »كلمتان خفيفتان عل اللىسان ثقيلتان يف الميزان حبيبتان إىل

محن: سبحان اهلل وبحمده سبحان اهلل العظيم«(3). الرى

قال احلافظ -رمحه اهلل-: »قوله »خفيفتان عىل اللسان« قال : اخلفة مستعارة للسهولة، شبه سهولة جريان هذا الكالم الطيبيعىل اللسان بام خيف عىل احلامل من بعض المحموالت فال يشق

(1) رواه مسلم )2731(.

(2) رواه مسلم )2731(.(3) رواه البخاري )7563( ومسلم )2694(.

68


عليه، فذكر المشبه وأراد المشبه به، وأما الثقل فعىل حقيقته ألن األعامل تتجسم عند الميزان، واخلفة والسهولة من األمور النسبية.

ويف احلديث حث عىل املواظبة عىل هذا الذكر وتريض عىل مالزمته؛ ألن جيع التكاليف شاقة عىل النفس. وهذا سهل ومع ذلك يثقل يف امليزان كام تثقل األفعال الشاقة فال ينبغي التفريط فيه.

وخص الرمحن من األسامء احلسنى للتنبيه عىل سعة رمحة اهلل، حيث جيازي عىل العمل القليل بالثواب اجلزيل، وملا فيها من

التنزيه والتحميد والتعظيم«(1).

* * *

سيد الستغفار:

عن شداد بن أوس عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: »سيىد الستغفار أن تقول: اللهم أنت ريبى ل إله إلى أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا عل عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من رش ما صنعت، أبوء نوب ه ل يغفر الذى لك بنعمتك عيل وأبوء لك بذنبي فاغفر يل؛ فإنىإلى أنت« قال: »ومن قاهلا من النىهار موقنا هبا فامت من يومه قبل يل وهو موقن هبا أن يميس فهو من أهل اجلنىة، ومن قاهلا من اللى

فامت قبل أن يصبح فهو من أهل اجلنىة«(2).

(1) فتح الباري )208/11(.(2) رواه البخاري )6306(.

69


ومناسبة احلديث يف الصباح والمساء ظاهرة:

فاإلنسان لن يموت إال يف يوم أو ليلة، فقراءة هذا الذكر يكون سببا يف حسن اخلامتة؛ وذلك أن سيد االستغفار فيه ذكر العبد ربه بأكمل األوصاف، وذكر نفسه بأنقص احلاالت، وهو أقىص غاية

الترضع وهناية االستكانة.

أما األول: فلام فيه من االعرتاف بالربوبية وتوحيد األلوهية، واإلقرار بنعم اهلل تعاىل عىل العبد.

وأما الثاين: فلام فيه من االعرتاف بالعبودية والذنوب.

واالستغفار: هو طلب املغفرة وهي سرت الذنب والوقاية منه، وكان هذا الدعاء استغفارا؛ لقوله يف آخره: »فاغفر يل؛ فإنه ال

يغفر الذنوب إال أنت«.

قال شيخ اإلسالم ابن تيمية: »وتقول المرأة يف سيد االستغفار وما يف معناه: »وأنا أمتك بنت أمتك أو بنت عبدك« ولو قالت:

»وأنا عبدك« فله خمرج يف العربية بتأويل: شخص«(1).

وقال أيضا: »قد اشتمل هذا احلديث من المعارف اجلليلة ما استحق ألجلها أن يكون سيد االستغفار، فإنه صدره باعرتاف العبد بربوبية اهلل، ثم ثناها بتوحيد اإلهلية بقوله: »ال إله إال أنت«. ثم ذكر اعرتافه بأن اهلل هو الذي خلقه وأوجده ومل يكن شيئا،

(1) جمموع الفتاوى )345/5(.

70


فهو حقيق بأن يتوىل متام اإلحسان إليه بمغفرة ذنوبه، كام ابتدأ اإلحسان إليه بخلقه.

ثم قال: »وأنا عبدك« اعرتف له بالعبودية.

ثم قال: »وأنا عىل عهدك ووعدك ما استطعت« فاهلل سبحانه وتعاىل عهد إىل عباده عهدا أمرهم فيه وهناهم، ووعدهم عىل

وفائهم بعهده أن يثيبهم بأعىل المثوبات.

وقوله: »ما استطعت« أي إنام أقوم بذلك بحسب استطاعتي، ال بحسب ما ينبغي لك وتستحقه عيل.

ثم قال: »أعوذ بك من رش ما صنعت« فاستعاذته باهلل االلتجاء إليه والتحصن به واهلروب إليه من المستعاذ منه، كام يتحصن

اهلارب من العدو باحلصن الذي ينجيه منه.

ثم قال: »أبوء لك بنعمتك عيل« أي أعرتف لك بإنعامك عيل، وأين أنا المذنب، فمنك اإلحسان ومني اإلساءة. فأنا أمحدك عىل

نعمتك، وأنت أهل ألن تمد وأستغفرك لذنويب.

ولذا قال بعض الصاحلني: ينبغي للعبد أن تكون أنفاسه كلها نفسني: نفسا حيمد فيه ربه، ونفسا يستغفره من ذنبه.

ومتى شهد العبد هذين األمرين استقامت له العبودية، وترقى يف درجات المعرفة واإليامن، وتصاغرت إليه نفسه، وتواضع لربه، وهذا هو كامل العبودية، وبه يرأ من العجب والكر وزينة العمل«(1).

(1) جامع الرسائل واملسائل )159162/1( - باختصار.

71


قراءة املعوذات:

عن عبد اهلل بن خبيب أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال له: »قل هو اهلل أحد ات تكفيك من كل يشء«(1). ذتني حني متيس وتصبح ثالث مرى والمعوى

وكأن قراءة سورة اإلخالص بمنزلة الثناء قبل الدعاء(2).

فهو يثني أوال عىل اهلل تعاىل بام هو أهله من التوحيد، ثم يستعيذ به؛ فيكفيه اهلل كل سوء ورش.

: أي تدفع عنك كل قال القاري -رمحه اهلل-: »قال الطيبيسوء، ف »من« زائدة يف اإلثبات، ويصح أن تكون البتداء الغاية،

أي تدفع عنك من أول مراتب السوء إىل آخرها.

أو تبعيضية، أي بعض كل نوع من أنواع السوء.

وحيتمل أن يكون المعنى: تغنيك عام سواها. وينر المعنى الثاين ما يف احلديث األول وهو حديث عقبة؛ لقوله »فام تعوذ

متعوذ بمثلهام«(3).

وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »أمل تر آيات : )ٿ ٿ ٹ ٹ( و)ڇ ڇ يلة مل ير مثلهن قط أنزلت اللى

ڍ ڍ(»(4).

(1) رواه أبو داود )5082( والرتمذي )3575( والنسائي )5428( وحسنه األلباين.

(2) الفتوحات الربانية )84/3(.(3) مرقاة المفاتيح )29/7(.

(4) رواه مسلم )814(.

72


ورواه النسائي (953) ولفظه: »لن تقرأ شيئا أبلغ عند اهلل من )ٿ ٿ ٹ ٹ( و)ڇ ڇ ڍ ڍ(«.

قال السندي: »قوله »أبلغ عند اهلل« أي: أعظم يف باب االستعاذة«(1).

ورشع قراءة المعوذات ثالث مرات؛ ألن من أدب الدعاء اإلحلاح، وأقله الثالثة(2).

* * *

ل يرض مع اسم اهلل يشء:

عن أبان بن عثامن قال: سمعت عثامن بن عفان يقول: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »ما من عبد يقول يف صباح كل يوم ومساء كل امء ليلة: بسم اهلل الىذي ل يرض مع اسمه يشء يف األرض ول يف السى

ه يشء«(3). ات مل يرضى ميع العليم ثالث مرى وهو السى

قوله »ومساء كل ليلة« ظاهره أنه ال حيصل له الفائدة من احلديث إال إذا قاله يف أول الليل، فلو قاله قبل الغروب ال حيصل له ذلك.

والمساء قد يطلق عىل ما بعد الغروب. قال السندي -رمحه اهلل-: »أي بعد طلوع الفجر وبعد غروب الشمس«(4).

(1) حاشية السندي عىل النسائي )254/8(.(2) الفتوحات الربانية )85/3(.

(3) رواه الرتمذي )3388( وابن ماجة )3869( وصححه األلباين.(4) حاشية السندي عىل ابن ماجة )250/7(.

73


»ال يرض مع اسمه« أي ال يرض مع ذكر اسمه يشء من طعام أو عدو أو حيوان أو غريه من العالم السفيل المشار إليه باألرض، أو

العالم العلوي المشار إليه بقوله: »وال يف السامء«.

ويف رواية أيب داود: »مل تصبه فجأة بالء« وصححه األلباين(1).

أي: البالء الذي يأيت مفاجأة من غري تقدم سبب، ألن ما يأيت فجأة أعظم من الذي يأيت بالتدرج، وهو من ذكر اخلاص الموافق

للعام يف احلكم، فال يقتيض التخصيص.

ويف رواية احلديث: »كان أبان قد أصابه طرف فالج(2)، فجعل الرجل ينظر إليه، فقال له أبان: ما تنظر؟ أما إن احلديث كام

حدثتك ولكني مل أقله يومئذ ليميض اهلل عيل قدره«.

ويف هذا ما يدل عىل أن المحافظة عىل األذكار المقيدة رشط يف حصول الفضل المذكور للذكر، وأن من مل حيافظ عليها فقد

حيرم الفضل أو بعضه.

وكان من عادة السلف االستدامة عىل الذكر المقيد وعدم تركه مهام تغريت األحوال؛ فعن عيل بن أيب طالب أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى يف يدها، وأتى النبي ملسو هيلع هللا ىلص سبي فانطلقت فلم تده ولقيت عائشة فأخرتا، فلام جاء النبي ملسو هيلع هللا ىلص أخرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي ملسو هيلع هللا ىلص إلينا ثم قال: »أل أعلىمكام

(1) رواه أبو داود )5088( وصححه األلباين يف صحيح اجلامع )6426(.(2) الفالج: شلل يصيب أحد شقي اجلسم طوال . املعجم الوسيط )699/2(.

74


ا اهلل أربعا وثالثني خريا ممىا سألتام؟ إذا أخذمتا مضاجعكام أن تكربىوتسبىحاه ثالثا وثالثني وحتمداه ثالثا وثالثني، فهو خري لكام من : ما تركته منذ سمعته من النبي ملسو هيلع هللا ىلص. قيل له وال خادم«، قال عيل

ليلة صفني؟ قال: وال ليلة صفني(1).

* * *

ومن أذكار الصباح واملساء:

عن عبد اهلل بن مسعود قال: كان نبي اهلل ملسو هيلع هللا ىلص إذا أمسى قال: »أمسينا وأمسى الملك هلل، واحلمد هلل، ل إله إلى اهلل وحده ل رشيك له، له الملك وله احلمد وهو عل كل يشء قدير، رب يلة وخري ما بعدها،وأعوذ بك من رش أسألك خري ما يف هذه اللىيلة ورش ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء ما يف هذه اللى

الكرب، رب أعوذ بك من عذاب يف النىار وعذاب يف القرب«.

وإذا أصبح قال ذلك أيضا: »أصبحنا وأصبح الملك هلل«(2).

ما معنى أمسى الملك هلل، والملك هلل أبدا، وكذلك احلمد هلل؟

اجلواب: هو بيان حال القائل، أي عرفنا أن الملك هلل واحلمد له ال لغريه، فالتجأنا إليه واستعنا به، وخصصناه بالعبادة والثناء

عليه والشكر له.

(1) متفق عليه.(2) رواه مسلم )2723(.

75


وقوله: »خري ما يف هذه الليلة« أي خري ما أردت وقوعه يف هذه الليلة، خلواص خلقك من الكامالت الظاهرة والباطنة، ويدخل يف ذلك أيضا خري ما يف هذه الليلة من العبادات التي أمرنا هبا فيها، أو المراد خري الموجودات التي قارن وجودها

هذه الليلة.

وقوله: »رش ما يف هذه الليلة« أي من رش أردت وقوعه فيها.

أو المراد: رش كل موجود اآلن مما فيه رش(1).

وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص أن أبا بكر الصديق قال: يا رسول اهلل علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت. فقال: »يا أبا بكر قل: اللهم فاطر السموات واألرض عالم الغيب والشهادة ال إله إال أنت رب كل يشء ومليكه أعوذ بك من رش نفس ومن رش الشيطان ورشكه، وأن أقرتف عىل نفس سوءا أو

أجره إىل مسلم«(2).

قوله: »أعوذ بك من رش نفس« أي رش هواها المخالف للهدى )ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ( ]القصص:50].

وتقديم االستعاذة من رش النفس عىل االستعاذة من الشيطان فيه اإلشارة إىل مزيد االعتناء بتطهري النفس، ودفع صولة العدو

الداخيل تكون قبل دفع صولة العدو اخلارجي.

(1) الفتوحات الربانية )90/3(.(2) رواه الرتمذي )6812( وصححه األلباين.

76


يطان: وسوسته وإغواؤه وإضالله ورصعه، والمراد ورش الشجنس الشياطني.

»ورشكه« ختصيص بعد تعميم، وهي بكرس الشني: من اإلرشاك باهلل أي يوقع اإلنسان يف الرشك والكفر.

وبفتح الشني: أي حبائله، واحلبائل هي ما يمسك به الصيد إذا غفل عنها، أو اغرت بام فيها مما تشتهيه نفسه، والمراد بحبائل الشيطان:

تسويالته وتزييناته التي يري هبا الباطل حقا والقبيح حسنا.

وأرشاك الشيطان وحبائله كثرية، ينصبها البن آدم وقد قعد له بأطرقه ليضله، فتارة يضله بالشهوة، وتارة بالشبهة، وتارة بتسليط أهل الرش عليه، وأقل ذلك أن يشغله بالمفضول عن

الفاضل، فهو يروم غايته فيه بكل وسيلة متكنه.

وربام بادأه بالفكرة واخلطرة، فإن اسرتسل معه وجاراه طمع فيه؛ حتى تصري الفكرة شهوة، ثم ال يزال به حتى تصري الشهوة عادة، فتضعف حينئذ نفسه عن طلب السالمة، وقد تلطخ قلبه بام

تلطخ به مما كان بمنأى من قبل عنه.

قال ابن القيم -رمحه اهلل-: »دافع اخلطرة فإن مل تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة فإن مل تفعل صارت شهوة، فحارهبا فإن مل ة، فإن مل تدافعها صارت فعال، فإن مل تفعل صارت عزيمة ومه

تتداركه بضده صار عادة؛ فيصعب عليك االنتقال عنها«(1).

(1) الفوائد )ص31(.

77


وتلك من مصاليه وفخوخه وحبائله التي ينصبها ليغوي هبا ابن آدم.

فلذلك حيتمي العبد المسلم من الشيطان وحيرتز من رشه هبذه المعوذات الرشعية، التي يبدؤها بالثناء عىل اهلل تعاىل بتمجيده

وتوحيده.

* * *

من فواضل األذكار:

عن جويرية أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص خرج من عندها بكرة(1) حني صىل الصبح وهي يف مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى(2) وهي جالسة فقال: »ما زلت عل احلال الىتي فارقتك عليها؟«، قالت: ات لو نعم. قال النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »لقد قلت بعدك أربع كلامت ثالث مرى: سبحان اهلل وبحمده عدد خلقه وزنت بام قلت منذ اليوم لوزنتهن

ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلامته«(3).

قوله: »وهي يف مسجدها« أي المكان المعد للصالة من بيتها.

وكان من عادة السلف أن يتخذوا يف بيوتم أماكن خيصصوهنا للذكر وصالة النوافل وغري ذلك.

(1) البكرة أول النهار من طلوع الفجر.(2) أي دخل يف الضحى.(3) رواه مسلم )2726)

78


« أي عادلتهن، أو زادت عليهن، ويؤيده قوله: »لوزنتهنرواية أمحد (2330): »لقد قلت بعدك كلامت لو وزن لرجحن بام

قلت« وإسناده صحيح.

»ومداد كلامته« المداد بمعنى المدد، والمدد هو ما كثر به اليشء، وكلامت اهلل ال هناية هلا، كام قال تعاىل: )ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ ىئ ىئ ی ی ی ی جئ حئ مئ( ]الكهف: 109].

وقال تعاىل: )ۆئ ۈئ ۈئ ېئ ېئ ېئ ىئ ىئ ىئ ی ی ی یجئ حئ مئ ىئ( ]لقامن: 27].

»وهذا من باب تقريب المعنى إىل األذهان، ألن هذه األشياء خملوقة، وجيع المخلوقات، منقضية منتهية، وأما كالم اهلل، فإنه من جلة صفاته، وصفاته غري خملوقة، وال هلا حد وال منتهى«(1).

والمراد أن التسبيح واحلمد ال حيددان بعدد وال مقدار، كمداد كلامته.

وذكر النبي ملسو هيلع هللا ىلص هذه األمور األربعة عىل جهة الكثرة التي ال تنحر.

وذكر مع اخللق والعرش العدد والوزن، ومل يذكر واحدا منهام مع رضائه ومداد كلامته؛ إشارة إىل أهنام ال يدخالن يف المعدود وال الموزون، وال حيرمها المقدار(2). وعن أيب هريرة قال: كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص إذا أصبح قال: »اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك

(1) تفسري السعدي )ص488(.(2) دليل الفاحلني )231/7(.

79


نحيا، وبك نموت، وإليك النىشور«، وإذا أمسى قال: »اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصري« رواه البخاري يف األدب املفرد (1199) هبذا اللفظ، وصححه النووي

وابن حجر، وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة (263).

وعند أيب داود )5068) بلفظ: »النشور« فيهام، وعند الرتمذي (3391) بلفظ »املصري« يف الصباح، و»النشور« يف املساء.

قال ابن القيم عن رواية البخاري يف األدب المفرد: »وهي أوىل الروايات أن تكون حمفوظة -ألن الصباح واالنتباه من النوم: بمنزلة النشور وهو احلياة بعد الموت. والمساء والصريورة إىل النوم بمنزلة الموت والمصري إىل اهلل وهلذا جعل اهلل سبحانه يف النوم الموت واالنتباه بعده دليال عىل البعث والنشور- ألن

النوم أخو الموت واالنتباه نشور وحياة، قال تعاىل: )ے ۆ ۆ ۇ ڭۇ ڭ ڭ ڭ ۓ ۓ ے ۈ ۈ ٴۇ(. ويدل عليه أيضا ما رواه البخاري يف صحيحه عن حذيفة »أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص كان إذا استيقظ قال: احلمد هلل

الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور«(1).

ومؤدى المصري والنشور واحد، وهو الرجوع إىل اهلل تعاىل بعد الموت(2).

(1) تذيب السنن )465/2(.(2) الفتوحات الربانية )86/3(.

80


سؤال اهلل العفو والعافية:

عن ابن عمر أنه قال: مل يكن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يدع هؤالء الدعوات حني يمس وحني يصبح: »اللهم إينى أسألك العافية يف نيا واآلخرة، اللهم إينى أسألك العفو والعافية يف ديني ودنياي الدىوأهيل ومايل، اللهم اسرت عورايت وآمن روعايت، اللهم احفظني من بني يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شاميل ومن فوقي، وأعوذ

بعظمتك أن أغتال من حتتي«(1).

ويف هذا احلديث أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص كان يداوم عىل هؤالء الكلامت؛ وهو مما يدل عىل فضلها.

و»العافية« هي السالمة من األسقام والباليا، وسؤال العافية من أجع األدعية ألهنا تعني السالمة من كل اآلفات الدينية

والدنيوية.

ومعنى العافية من آفات الدنيا عدم االبتالء هبا، والصر عليها إن وقعت، وهلذا أرشد النبي ملسو هيلع هللا ىلص العباس إىل سؤال اهلل العافية يف قوله: »يا عم رسول اهلل: سل اهلل العافية يف الدنيا واآلخرة«(2).

وأسألك »العافية يف ديني« بدوام الرتقي يف كامالته، والسالمة من النقص الذي هيوي بالعبد.

و»العفو« هو حمو الذنوب.

(1) رواه أبو داود )5074( وصححه األلباين.(2) رواه الرتمذي )2514( وصححه األلباين.

81


فام كان سبيله الرتقي فيرسه يل وأزل عن طريقي عراقيله، وما كان سبيله النقص واحلرمان فسلمني منه، وما كان من ذنب

اقرتفته فاغفره يل.

وتأمل اجلمع بني الدين والدنيا يف طلب العفو العافية، يف قوله: »أسألك العفو والعافية يف ديني ودنياي« فهو صباح مساء يطلب السالمة لدينه بالبعد عن المعصية وأهلها وعن مواطن الفتن ومواقع الشبه، ويطلب السالمة لدنياه من النكبات والمعيشة المنغصة واالضطرابات النفسية، ومن أنواع البالء يف النفس واألهل والمال والولد(1)؛ وإذا سلم له دينه ودنياه أحياه اهلل يف الدنيا حياة طيبة سالمة من المنغصات، وأجزل له المثوبة

والعطاء يف اآلخرة؛ كام قال تعاىل )ڈ ژ ژ ڑ ڑ ک ڳ ڳ ڳ ڳ گگ گ گ ک ک ک

ڱ ڱ( ]النحل: 97].

»وأهيل ومايل« بأال يرى فيهام ما يسوؤه.

وقوله »اسرت عورايت« العورات منها ما هو حس ومنها ما هو معنوي، فالعبد يسأل ربه أن يسرت عليه عوراته فال يفضحه يف

(1) فعىل من خياف عىل نفسه من نكبات الدنيا وفجآت البالء أن يلتزم العمل هبذا احلديث ويواظب عليه، وخاصة أولئك التجار الذين يصيبهم ما يصيبهم من ذلك يف أسواق األسهم وكثري من المعامالت التجارية، والذكر والدعاء إما أن يمنعا وقوع البالء أو خيففاه أو حيمال صاحبه عىل الصر واالحتساب، ويف

كل خري.

82


الدنيا وال يف اآلخرة، وال ينزله منازل اخلزي والفضح فيهام، وإنام يسرت عليه عيوبه ويغفر له ذنوبه ويسدل عليه سرته وجيعله يف كنفه

وحفظه.

»وآمن روعايت« أي فزعايت التي ختيفني، أي ارفع عني كل خوف.

و»عورايت وروعايت« بصغية اجلمع إشارة إىل كثرتام.

...« الخ، أي: ادفع عني وقوله: »اللهم احفظني من بني يديالبالء، من جهايت الست، ألن كل بالء يصل لإلنسان إنام يصل

من إحدى هذه اجلهات.

»وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تتي« بالغ يف جهة السفل لرداءة اآلفة.

واالغتيال أن خيدع ويقتل يف موضع ال يراه أحد.

وقال وكيع: يعني اخلسف(1).

* * *

الستعاذة بكلامت اهلل:

عن أيب هريرة قال: جاء رجل إىل النبي ملسو هيلع هللا ىلص فقال: يا رسول


83


اهلل ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة؟(1) قال: »أما لو قلت حني ك«(2). ات من رش ما خلق مل ترضى أمسيت أعوذ بكلامت اهلل التىامى

وروى الرتمذي (3529) عن سهيل بن أيب صالح عن أبيه عن أيب هريرة عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: »من قال حني يميس ثالث ه محة تلك ات من رش ما خلق مل يرضى ات أعوذ بكلامت اهلل التىامى مرى

يلة«(3). اللى

قال سهيل: فكان أهلنا تعلموها فكانوا يقولوهنا كل ليلة، فلدغت جارية منهم فلم تد هلا وجعا.

»أعوذ بكلامت اهلل«: هي القرآن.

»التامات« أي التي ال يطرقها عيب وال نقص بخالف كالم الناس.

قال شيخ اإلسالم -رمحه اهلل-:»االستعاذة ال تصح بمخلوق كام نص عليه اإلمام أمحد وغريه من األئمة، وذلك مما استدلوا به عىل أن كالم اهلل غري خملوق، وألنه قد ثبت يف الصحيح وغريه عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص أنه كان يقول »أعوذ بكلامت اهلل التامات من رش ما

خلق« قالوا: واالستعاذة ال تكون بمخلوق«(4).

(1) المعنى: لقيت وجعا شديدا.(2) رواه مسلم )2709(.

(3) رواه الرتمذي )3966( وصححه األلباين.(4) اقتضاء الراط )ص419-418(.

84


وقال ابن عثيمني -رمحه اهلل-: »حيمل كالم اإلمام أمحد -رمحه اهلل- عىل أن االستعاذة بكالم ال تكون بكالم خملوق، بل بكالم غري خملوق، وهو كالم اهلل، والكالم تابع للمتكلم به: إن كان خملوقا فهو خملوق، وإن كان غري خملوق فهو غري

خملوق«(1).

وقوله: »مل يرضه يشء« يشمل كل يشء، حتى النفس واهلوى.

* * *

اإلقرار بالنعمة هلل وشكره عليها صباح مساء:

عن عبد اهلل بن غنام البيايض أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »من قال حني يصبح: اللهم ما أصبح يب من نعمة فمنك وحدك ل كر فقد أدىى شكر يومه، ومن رشيك لك فلك احلمد ولك الشى

قال مثل ذلك حني يميس فقد أدىى شكر ليلته«(2).

يف هذا احلديث اإلقرار بأن جيع النعم من اهلل تعاىل: الدينية والدنيوية.

وقوله: »فلك احلمد ولك الشكر« أي: إذا كانت النعم كلها منك وحدك فها أنا أنقاد لك وأخص احلمد والشكر لك، فلك

احلمد ال لغريك، ولك الشكر ال ألحد سواك.

(1) جمموع فتاوى ابن عثيمني )508/10(.(2) رواه أبو داود )5073( وحسنه ابن القيم وابن حجر وغريمها، وضعفه األلباين.

85


وقوله: »فمنك وحدك« ليس هو جواب الرشط؛ ألن جواب الرشط يشرتط فيه أن يكون مسببا عن الرشط، وعىل هذا فهو دال عىل اجلواب وليس هو اجلواب، وجواب الرشط: فمنك وحدك

فأوزعني أن أقوم بشكرها(1).

* * *

اإلقرار بالتوحيد واإلشهاد عليه صباح مساء:

عن أنس بن مالك أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »من قال حني يصبح أو يميس: اللهم إينى أصبحت أشهدك وأشهد محلة عرشك دا ومالئكتك ومجيع خلقك أنىك أنت اهلل ل إله إلى أنت وأن حممىتني أعتق عبدك ورسولك: أعتق اهلل ربعه من النىار، فمن قاهلا مرىاهلل نصفه، ومن قاهلا ثالثا أعتق اهلل ثالثة أرباعه، فإن قاهلا أربعا

أعتقه اهلل من النىار«(2).

»أشهدك« أي أجعلك شاهدا عىل إقراري بوحدانيتك يف األلوهية والربوبية، وهو تأكيد للشهادة يف كل صباح ومساء،

وغرضه: أنه ليس من الغافلني عنها.

»محلة عرشك ومالئكتك« تعميم بعد ختصيص.

»وجيع خلقك« تعميم آخر.

(1) الفتوحات الربانية )108/3(.(2) رواه أبو داود )5069( وحسنه ابن القيم وابن حجر وضعفه األلباين.

86


وقد اختلف يف هذا احلديث، فمن العلامء من حسنه ومنهم من ضعفه، وقد صح نحوه غري مقيد بالصباح والمساء؛ فروى احلاكم (1920) عن سلامن الفاريس قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: : إينى أشهدك وأشهد مالئكتك ومحلة عرشك، »من قال اللهماموات ومن يف األرض، أنىك أنت اهلل ل إله إلى وأشهد من يف السىدا عبدك ورسولك، من أنت وحدك ل رشيك لك، وأشهد أن حممىتني أعتق اهلل ثلثيه من ة أعتق اهلل ثلثه من النىار، ومن قاهلا مرى قاهلا مرى

ه من النىار«(1). النىار، ومن قاهلا ثالثا أعتق اهلل كلى

وعن أيب عياش أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »من قال إذا أصبح: ل إله إلى اهلل وحده ل رشيك له، له الملك وله احلمد وهو عل كل يشء قدير، كان له عدل رقبة من ولد إسامعيل وكتب له عرش حسنات وحط عنه عرش سيىئات ورفع له عرش درجات وكان يف يطان حتىى يميس. وإن قاهلا إذا أمسى كان له مثل حرز من الشى

ذلك حتىى يصبح«(2).

قوله: »عدل رقبة« بفتح العني وكرسها، أي كان ذلك القول ملن قاله مثل عتق رقبة يف األجر.

»من ولد إسامعيل« التخصيص هبم ألهنم أرشف من سبي.

(1) صححه احلاكم ووافقه الذهبي، وصححه األلباين أيضا يف الصحيحة )267( وقال: »وله شاهد من حديث أنس مرفوعا نحوه مقيدا بالصباح واملساء،

وسنده ضعيف كام بينته يف »سلسلة األحاديث الضعيفة( رقم )1041(«.(2) رواه أبو داود )5077(.

87


»وكان يف حرز من الشيطان« أي يف حفظ من وسوسة الشيطان وإغوائه(1).

* * *

سؤال اهلل خري اليوم فتحه ونرصه ونوره وبركته وهداه:

عن أيب مالك األشعري قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك هلل رب العالمني اللهم إينى أسألك خري هذا اليوم فتحه ونرصه ونوره وبركته وهداه وأعوذ بك

من رش ما فيه ورش ما بعده، ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك«(2).

»فتحه« هذا بيان لقوله: خري هذا اليوم، والفتح هو الظفر بالمقصود.

»ونره« هو اإلعانة عىل العدو الظاهري والباطني.

»ونوره« هو أن هيدي اهلل تعاىل عبده إىل طريق احلق فيعمل به.

»وبركته« الركة كثرة اخلري وثبوته، وتكون يف الوقت والرزق والمال واجلهد وغري ذلك.

»وهداه« اهلداية إىل احلق علام وعمال ومداومة عليه إىل حسن اخلامتة.

(1) الفتوحات الربانية )113/3(.(2) رواه أبو داود )5084( وحسنه األلباين يف صحيح اجلامع )352(، ثم ضعفه

يف ضعيف أيب داود ويف السلسلة الضعيفة )5606(.

88


»وأعوذ بك من رش ما فيه ورش ما بعده« أي ما بعده من األيام، وكأنه استعاذ من رش ما بعده، ومل يسأل خري ما بعده؛ ألن االعتناء بدفع المفاسد أهم من جلب المصالح، ومن القواعد: »أن درء

المفاسد مقدم عىل جلب المصالح(1).

* * *

سؤال اهلل العافية يف البدن والسمع والبرص صباح مساء:

عن عبد الرمحن بن أيب بكرة أنه قال ألبيه: يا أبت إين أسمعك تدعو كل غداة: »اللهم عافني يف بدين اللهم عافني يف سمعي اللهم عافني يف برصي ل إله إلى أنت« تعيدها ثالثا حني تصبح وثالثا حني متس، وتقول: »اللهم إينى أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إينى أعوذ بك من عذاب القرب ل إله إلى أنت« تعيدها حني تصبح ثالثا وثالثا حني متس قال: نعم يا بني إين سمعت النبي ملسو هيلع هللا ىلص يدعو هبن فأحب أن أستن

بسنته(2).

قوله: »اللهم عافني يف بدين« أي أعطني العافية من اآلفات المانعة من القوة عىل الطاعة، وسلمني بأن ال يقع يشء من

جوارحي يف معصية.

(1) الفتوحات الربانية )115/3(.(2) رواه أمحد )19917( وأبو داود )5090( وحسنه احلافظ واأللباين.

89


واعف عام يقع من المخالفة.

فعافني من أن أقع يف معصيتك، فإن وقعت فاعف عني واغفر يل.

»اللهم عافني يف سمعي« أي سلمه وأبعد عنه اآلفات، وسلمه من كل خلل يمنعه من إدراك احلق وقبوله، وعافني فيه،

فال يسمع ما ال جيوز سامعه.

»اللهم عافني يف بري« من العمى، وعدم مشاهدة آياتك أو من النظر إىل احلرام.

وذكر السمع والبر بعد البدن من ذكر اخلصوص بعد العموم ألمهيتهام:

فبالسمع: تدرك آيات اهلل المنزلة عىل الرسل.

وبالبر: تدرك آيات الكون المنبثة يف اآلفاق.

بأسامعنا متىعنا »اللهم يدعو: ملسو هيلع هللا ىلص النبي كان ولذلك وأبصارنا«(1).

وتقديم السمع عىل البر يدل عىل أنه أفضل، وبيان ذلك أن فقد البر ال يمنع من معرفة احلق واتباعه، بخالف من فقد

سمعه، إال أن يعطيه اهلل ذلك هبة منه(2).

(1) رواه الرتمذي )3502( وحسنه األلباين.(2) الفتوحات الربانية )116/3(.

90


وقوله: »أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إين أعوذ بك من عذاب القر«.

قال المناوي: »قرن الفقر بالكفر ألنه قد جير إليه«(1).

* * *

متى تقال أذكار الصباح واملساء؟

للعلامء أقوال متعددة يف تديد وقت الصباح والمساء بداية وهناية:

فمنهم من قال: وقت أذكار الصباح ما بني طلوع الفجر إىل رشوق الشمس، ووقت أذكار المساء ما بني العر

والمغرب.

واختار هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية، وابن القيم حيث قال يف كتابه الوابل الصيب )ص93): »ذكر طريف النهار، ومها ما

بني الصبح وطلوع الشمس، وما بني العر والغروب.

قال سبحانه وتعاىل: )ىئ ىئ ی ی ی ی جئ حئ مئ ىئ يئ( ]األحزاب: 41-42] واألصيل: قال اجلوهري

هو الوقت بعد العر إىل المغرب.

وقال تعاىل: )گ گ گ گ ڳ( ]غافر: 51]

(1) فيض القدير )171/2(.

91


فاإلبكار أول النهار والعيش آخره، وقال تعاىل: )ڇ ڍ ڍ ڌ ڌ ڎ ڎ ڈ( ]ق: 39[ وهذا تفسري ما جاء

يف األحاديث: من قال كذا وكذا حني يصبح وحني يمس، أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروهبا، وأن حمل هذه األذكار

بعد الصبح وبعد العر« انتهى.

ومنهم من قال: وقت أذكار الصباح من الفجر إىل الزوال -يعني دخول وقت الظهر- ووقت أذكار المساء من زوال

الشمس إىل غروب الشمس، ويف أول الليل.

وهذا ما نصت عليه اللجنة الدائمة حيث قالت:

»أذكار المساء تبتدئ من زوال الشمس إىل غروهبا، ويف أول الليل، وأذكار الصباح تبتدئ من طلوع الفجر إىل زوال الشمس، قال اهلل تعاىل: )ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک( ]طه:

.[130

ى ې ې ې ې ۉ )ۉ سبحانه: وقال جع واآلصال [205 ]األعراف: ەئ( ەئ ائ ائ ى

أصيل، وهو: ما بني العر والمغرب.

وقال سبحانه: )ڀ ٺ ٺ ٺ ٺ ٿ ٿ ٿ ٿ ٹ ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ( ]الروم: 18-17]«(1).

(1) فتاوى اللجنة )178179/24(.

92


ومنهم من قال: الصباح من نصف الليل األخري إىل الزوال، ثم المساء من الزوال إىل آخر نصف الليل األول، نقله ابن عالن

يف الفتوحات الربانية عن السيوطي(1).

وقيل: أذكار الصباح من طلوع الفجر إىل غروب الشمس، والمساء من الغروب إىل الفجر، وهو اختيار ابن اجلزري(2)، واختار أهنا تبدأ من الغروب السندي أيضا يف حاشيته عىل ابن

ماجة )284/1( والمباركفوري يف رشح المشكاة )111/8(.

وقال ابن عثيمني -رمحه اهلل-: »أذكار الصباح أذكار مضافة إىل الصباح وهذه إضافة بمعنى )يف( فإذا قلنا أذكار الصباح فهو بمنزلة قولنا )أذكار يف الصباح(؛ فيكون حملها من حني طلوع الفجر إىل أن ترشق الشمس، فإذا كان الضحى انتهى اإلصباح، وكذلك يف المساء أذكار المساء يعني أذكار تكون يف المساء، والمساء من صالة العر إىل هزيع من الليل(3) كل ذلك يسمى مساء، لكن ما قيد يف الليل فهو يف الليل كآية الكريس مثال،

وكذلك اآليتان آخر سورة البقرة.

فام قيد يف الليل فهو يف الليل، وما قيد يف المساء فهو أوسع وأشمل، يكون من صالة العر إىل هزيع من الليل«(4).

(1) الفتوحات الربانية )73/3(.(2) تفة الذاكرين )ص91(.

(3) هزيع من الليل أي طائفة منه، نحو ثلثه وربعه. لسان العرب )370/8(.(4) فتاوى نور عىل الدرب )342/12(.

93


وقال احلافظ ابن حجر -رمحه اهلل-: »والظاهر أن المراد يف األحاديث بالمساء أوائل الليل، وبالصباح أوائل النهار«.

فعىل العبد أن حيرص عىل اإلتيان بأذكار الصباح يف الوقت ما بني طلوع الفجر إىل طلوع الشمس، فإن فاته ذلك فال بأس أن يأيت هبا إىل هناية وقت الضحى وهو قبل صالة الظهر بقليل،

ووقت الضحى ينتهي قبيل الزوال بربع ساعة تقريبا.وأن يأيت بأذكار المساء يف الوقت ما بني صالة العر إىل

المغرب، فإن فاته فال بأس أن يأيت هبا إىل ثلث الليل.قال احلافظ ابن حجر -رمحه اهلل-: »الظاهر أنه لو قال أذكار الصباح والمساء أثناء النهار أو الليل ال تصل تلك الفائدة،

وعظيم بركة الذكر يقتيض احلصول«(1).

* * *

من األزمان التي يرشع فيها الذكر والدعاء أوقات الصالة:ومن تلك األذكار:

• إجابة المؤذن:عن أيب سعيد اخلدري أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »إذا سمعتم

ن«(2). النىداء فقولوا مثل ما يقول المؤذى

فيستحب ملن يسمع المؤذن أن يقول ما يقول إال يف احليعلتني

(1) الفتوحات الربانية )74/3(.(2) متفق عليه.

94


فإنه يقول: ال حول وال قوة إال باهلل، أي ال حركة وال استطاعة يل إال بمشيئة اهلل.

وذلك ألن معنى احليعلتني: هلم إىل اهلدى عاجال والفوز بالنعيم آجال.

فناسب أن يقول: هذا أمر عظيم ال أستطيع مع ضعفي القيام به إال إذا وفقني اهلل بحوله وقوته(1).

ن دليل عىل رمحة اهلل، وسعة فضله؛ ألن ويف متابعة المؤذنني ملا نالوا ما نالوه من أجر األذان رشع لغري المؤذن أن المؤذ

يتابعه؛ لينال أجرا كام نال المؤذن أجرا.

وهلذا نظائر، فمن ذلك: أن احلجاج يذبحون اهلدايا يوم النحر، ع هلم ذبح األضاحي، وكذلك احلجاج إذا وغريهم ممن مل حيج رشأس، وغريهم من أهل أحرموا تركوا الرتفه فال حيلقون شعر الر

األضاحي ال يأخذون من شعورهم(2).

من فوائد احلوقلة:

يقول ابن القيم: »وأما تأثري )ال حول وال قوة إال باهلل( يف - فلام فيها من كامل التفويض، دفع هذا الداء -يعني اهلم والغموالتري من احلول والقوة إال به وتسليم األمر كله له، وعدم منازعته يف يشء منه، وعموم ذلك لكل تول من حال إىل

(1) انظر: فتح الباري )92/2(.(2) الرشح الممتع )8586/2(.

95


، والقوة عىل ذلك التحول، حال يف العالم العلوي والسفيلوأن ذلك كله باهلل وحده؛ فال يقوم هلذه الكلمة يشء. ويف بعض اآلثار: إنه ما ينزل ملك من السامء، وال يصعد إليها إال ب»ال حول وال قوة إال باهلل«، وهلا تأثري عجيب يف طرد

الشيطان«(1).

فائدة يف ختم احلوقلة المطلقة بالعزيز احلكيم:

المشهور عند الناس ختم احلوقلة ب»العيل العظيم« والصحيح الثابت ما ورد يف صحيح مسلم من ختمها ب»العزيز احلكيم«؛ فعن سعد بن أيب وقاص قال: جاء أعرايب إىل رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص فقال: علمني كالما أقوله قال: »قل: ل إله إلى اهلل وحده ل رشيك له اهلل أكرب كبريا واحلمد هلل كثريا سبحان اهلل رب العالمني ل حول

ة إلى باهلل العزيز احلكيم«(2). ول قوى

، وقد روى أبو داود (832) من طريق أيب خالد الداالين، عن عبد اهلل بن أيب أوىف، قال: جاء عن إبراهيم السكسكيرجل إىل النبي ملسو هيلع هللا ىلص فقال: إين ال أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما جيزئني منه، قال: »قل: سبحان اهلل، واحلمد ة إلى باهلل العيل هلل، ول إله إلى اهلل، واهلل أكرب، ول حول ول قوىالعظيم«. وحسنه األلباين يف صحيح أيب داود، ولكن يف

(1) زاد المعاد )193/4(.(2) رواه مسلم )2696(.

96


إسناده أبو خالد الداالين يزيد بن عبد الرمحن، قال احلافظ: »صدوق خيطئ كثريا، وكان يدلس«(1). ورواه اإلمام أمحد (18631( واحلميدي )734) من طريقه فاقتر عىل قوله »ال

حول وال قوة إال باهلل«. وقد رواه حجاج بن أرطاة عند ابن أيب شيبة (100/6) ومعمر بن راشد عند ابن خزيمة (544) ومسعر عند النسائي (924) واحلاكم (880( واملسعودي عند البيهقي )3977) كلهم عن السكسكي به، دون قوله »العيل

العظيم« وهو املحفوظ.

وعند ابن ماجه (3878) عن عبادة بن الصامت قال: قال يل فقال حني يستيقظ: ل إله إلى رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »من تعار من اللىاهلل وحده ل رشيك له له الملك وله احلمد وهو عل كل يشء قدير، سبحان اهلل واحلمد هلل ول إله إلى اهلل واهلل أكرب ول حول ول ة إلى باهلل العيل العظيم، ثم دعا رب اغفر يل غفر له«. وصححه قوى

األلباين يف صحيح ابن ماجه.

واحلديث رواه البخاري )1154( وأمحد )22165( وأبو داود (5060( والرتمذي )3414( بلفظ: »ال حول وال قوة إال باهلل« بدون

قوله: »العيل العظيم«.

فاحلاصل: أن ثبوت ختم احلوقلة ب »العزيز احلكيم« هو المحفوظ.

(1) تقريب التهذيب )ص636(.

97


وختمها بالعزيز احلكيم أنسب، ألن العزيز من ال يغالب أمره، وال حول وال قوة معه، ومع ذلك فهو حكيم يضع اليشء

موضعه عىل مقتىض احلكمة(1).

• الذكر بعد سامع النداء:

عن جابر بن عبد اهلل أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »من قال حني الة القائمة، آت ة، والصى عوة التىامى يسمع النىداء: اللهم رب هذه الدىدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما حممودا الىذي وعدته، حلىت حممى

له شفاعتي يوم القيامة«(2).

قوله: »حني يسمع النداء« أي األذان، والمراد حني يسمع النداء بتاممه، ففي هذا أن ذلك يقال عند فراغ األذان.

»اللهم رب هذه الدعوة التامة« المراد بالدعوة هاهنا ألفاظ األذان التي يدعى هبا الشخص إىل عبادة اهلل تعاىل(3).

وسمى األذان دعوة؛ ألنه يدعو إىل الصالة والذكر.

ووصفها بالتامة؛ الشتامهلا عىل تعظيم اهلل وتوحيده، والشهادة بالرسالة، والدعوة إىل اخلري.

تي ستقام. الة القائمة« أي ال »والص

(1) الفتوحات الربانية )225/1(.(2) رواه البخاري )614(.

(3) عمدة القاري )122/5(.

98


ا منزلة »آت حممدا الوسيلة«: قد فرسها النبي ملسو هيلع هللا ىلص بقوله: »فإنىيف اجلنىة ل تنبغي إلى لعبد من عباد اهلل«(1).

»والفضيلة« هي المنقبة العالية التي ال يشاركه فيها أحد.

»مقاما حممودا« أي حيمد القائم فيه، وهو مطلق يف كل ما جيلب احلمد من أنواع الكرامات.

واألكثر عىل أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة.

»إال حلت له الشفاعة« أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه(2).

قال القاري يف المرقاة: »وأما زيادة الدرجة الرفيعة المشهورة : مل أره يف يشء من الروايات«(3). عىل األلسنة فقال السخاوي

فائدة: اجلمع بني )نبيا( و)رسول(:

عن سعد بن أيب وقاص عن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص أنه قال: »من قال ن: وأنا أشهد أن ل إله إلى اهلل وحده ل رشيك حني يسمع المؤذىد رسول ا وبمحمى دا عبده ورسوله رضيت باهلل ربى له وأن حممى

وباإلسالم دينا غفر له ذنبه«(4).

وعند ابن ماجه (721): »من قال حني يسمع المؤذن: وأنا

(1) رواه مسلم )384(.(2) انظر: فتح الباري )95/2(.(3) مرقاة المفاتيح )561/2(.


99


أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك له وأشهد أن حممدا عبده ورسوله رضيت باهلل ربا وباإلسالم دينا وبمحمد نبيا غفر له

ذنبه« وصححه األلباين. وأكثر الروايات بلفظ مسلم.

وقوله: »رضيت باهلل ربا« أي رضيت بربوبيته، وذلك يشمل الرضا باألحكام الرشعية والقضايا الكونية.

وذهب بعض أهل العلم إىل أن األفضل اجلمع بني لفظ »نبيا« و»رسوال«. واألوىل االقتصار عىل أحدمها، وأصحهام »رسوال«؛ حيث مل ترد رواية صحيحة -فيام نعلم- جعت بني

اللفظني.

والرضا بمحمد ملسو هيلع هللا ىلص نبيا ورسوال معناه: تصديقه فيام أخر، م قوله ملسو هيلع هللا ىلص وطاعته فيام أمر، واالنتهاء عام هنى عنه وزجر، وتقد

عىل قول كل أحد كائنا من كان.

»وباإلسالم دينا«: فيه الترؤ من سائر األديان كاليهودية والنرانية وغريها.

• متى يقول هذا الذكر؟

هل يقوله بعد الفراغ من األذان؟ أم يقوله عقب تشهد المؤذن؟

الراجح الثاين؛ ملا وقع يف رواية الطحاوي يف رشح معاين اآلثار (145/1): »من قال حني يسمع المؤذن يتشهد...«

صححه األلباين وقال: »وفيه هذه الزيادة التي تعني متى يقال

100


هذا الدعاء، وهو حني يتشهد المؤذن. وهي زيادة عزيزة قلام توجد يف كتاب فتشبث هبا«(1).

وقال ابن عثيمني -رمحه اهلل-: »ويف قوله: »وأنا أشهد« دليل عىل أنه يقوهلا عقب قول المؤذن: »أشهد أن ال إله إال اهلل«؛ ألن الواو حرف عطف، فيعطف قوله عىل قول المؤذن. فإذا: يوجد

ذكر مرشوع أثناء األذان« (2).

هل يقوله بعد قول المؤذن: »أشهد أن ل إله إل اهلل« أم بعد قوله: »أشهد أن حممدا رسول اهلل«؟

الراجح: الثاين.

سئل الشيخ ابن عثيمني: ورد يف احلديث أن اإلنسان يقول عند متابعته للمؤذن »رضيت باهلل ربا، وباإلسالم دينا، وبمحمد

رسوال« فمتى يقول هذا؟

فأجاب بقوله: »ظاهر احلديث أن المؤذن إذا قال أشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن حممدا رسول اهلل وأجبته تقول بعد ذلك:

»رضيت باهلل ربا، وباإلسالم دينا، وبمحمد رسوال«(3).

• دعاء اخلروج إىل الصالة:عن عبد اهلل بن عباس يف قصة وصفه لتهجد الرسول ملسو هيلع هللا ىلص ملا

(1) الثمر المستطاب )ص183(.(2) الرشح املمتع )86/2(.

(3) جمموع فتاوى ابن عثيمني )170/12(.

101


بات عند خالته ميمونة قال: ... فأذن المؤذن -أي لصالة الصبح- فخرج إىل الصالة وهو يقول: »اللهم اجعل يف قلبي نورا، ويف لساين نورا، واجعل يف سمعي نورا، واجعل يف برصي نورا، واجعل من خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن حتتي

نورا، اللهم أعطني نورا«(1).

: التنوين فيها قوله: »اللهم اجعل يف قلبي نورا« قال الكرماينللتعظيم أي نورا عظيام(2).

قال العلامء: سأل النور يف أعضائه وجهاته والمراد به بيان احلق وضياؤه واهلداية إليه، فسأل النور يف جيع أعضائه وجسمه وترفاته وتقلباته وحاالته وجلته يف جهاته الست حتى ال يزيغ

يشء منها عنه(3).

وهذا الدعاء يقال عند الذهاب إىل المسجد، وهذا مناسب الة نور«(4). غاية المناسبة مع قوله ملسو هيلع هللا ىلص »والص

فلام كانت الصالة نورا للمسلم يف دنياه وآخرته، كان من المناسب وهو ذاهب إىل هذه الصالة أن يسأل اهلل أن يعظم حظه من هذا النور يف جسمه كله، وأن جيعله حميطا به من جيع جوانبه(5).

(1) رواه البخاري )6316( ومسلم )763( - واللفظ له .(2) فتح الباري )117/11(.

(3) رشح النووي عىل مسلم )45/6(.(4) رواه مسلم )223(.

(5) فقه األدعية واألذكار )118/3(.

102


وإذا أراد اإلنسان الدخول يف الصالة وجب عليه أن يقول: اهلل أكر.

واحلكمة يف افتتاح الصالة بالتكبري تنبيه المصيل عىل عظم من قام ألداء العبادة له، وأنه أكر من كل كبري، وأن كل ما سواه حقري

صغري.

قال ابن القيم: »ملا كان المصيل قد ختىل عن الشواغل وقطع جيع العالئق، وتطهر وأخذ زينته وتيأ للدخول عىل اهلل تعاىل ومناجاته، رشع له أن يدخل عليه دخول العبيد عىل الملوك، فيدخل بالتعظيم واإلجالل، فرشع له أبلغ لفظ يدل عىل هذا المعنى، وهو قول »اهلل أكر«، فإن يف اللفظ من التعظيم والتخصيص واإلطالق ما ال يوجد يف غريه، وهلذا كان الصواب أن غري هذا اللفظ ال يقوم مقامه وال يؤدي معناه وال تنعقد الصالة إال به... فإنه إذا استشعر بقلبه أن اهلل أكر من كل ما خيطر بالبال استحيا منه أن يشغل قلبه يف الصالة بغريه، فال يكون موفيا ملعنى اهلل أكر وال مؤديا حلق هذا اللفظ وال

أتى البيت من بابه، بل الباب عنه مسدود.

وهذا بإجاع السلف: أنه ليس للعبد من صالته إال ما عقل منها وحرضه بقلبه.

والمقصود أنه قبيح بالعبد أن يقول بلسانه: اهلل أكر، وقد امتأل قلبه بغري اهلل؛ فهو قبلة قلبه يف الصالة، ولعله ال حيرض بني

يدي ربه يف يشء منها.

103


فلو قىض حق اهلل وأتى البيت من بابه لدخل وانرف بأنواع التحف واخلريات. فهذا الباب الذي يدخل منه المصىل، وهو

التحريم«(1).

الة الطىهور وعن عيل قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »مفتاح الصىوحتريمها التىكبري وحتليلها التىسليم«(2).

قال ابن القيم -رمحه اهلل-: قوله: »وتريمها التكبري« دليل بني أنه ال تريم هلا إال التكبري. وهذا قول اجلمهور وعامة أهل العلم

قديام وحديثا، فيتعني »اهلل أكر«...

فإذا قيل: »اهلل أكر« كان معناه: من كل يشء. وأما إذا قيل »اهلل األكر« فإنه يتقيد معناه ويتخصص وال يستعمل هذا إال يف مفضل عليه معني، كام إذا قيل: من أفضل أزيد أم عمرو؟ فيقول:

زيد األفضل. هذا هو المعروف يف اللغة واالستعامل.

وهذا المعنى مطلوب من القائل: »اهلل أكر« بدليل ما روى الرتمذي من حديث عدي بن حاتم الطويل: أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال له »ما يرضك أيرضك أن يقال: اهلل أكر؟ فهل تعلم شيئا أكر من اهلل؟«(3) وهذا مطابق لقوله تعاىل: )ٱ ٻ ٻ ٻ ٻ( وهذا يقتيض جوابا: ال يشء أكر شهادة من اهلل فاهلل أكر شهادة من كل

(1) بدائع الفوائد )196/2(.(2) رواه أبو داود )61( والرتمذي )3( وابن ماجة )275( وصححه األلباين.

(3) رواه الرتمذي )2954( وحسنه.

104


يشء. كام أن قوله لعدي »هل تعلم شيئا أكر من اهلل؟« يقتيض جوابا: ال يشء أكر من اهلل فاهلل أكر من كل يشء.

ويف افتتاح الصالة هبذا اللفظ المقصود منه: استحضار هذا المعنى، وتصوره؛ فإن العبد إذا وقف بني يدي اهلل عز وجل وقد علم أن ال يشء أكر منه، وتقق قلبه ذلك، وأرشبه رسه استحى من اهلل ومنعه وقاره وكرياؤه أن يشغل قلبه بغريه، ومن مل يستحرض هذا المعنى فهو واقف بني يديه بجسمه، وقلبه هييم

يف أودية الوساوس واخلطرات.

فلو كان اهلل أكر من كل يشء يف قلب هذا ملا اشتغل عنه، ورصف كلية قلبه إىل غريه كام أن الواقف بني يدي الملك المخلوق ملا مل يكن يف قلبه أعظم منه مل يشغل قلبه بغريه ومل

يرفه عنه صارف«(1).

فاستحضار المصيل معاين األذكار من متام تعظيم الرب تعاىل ومتجيده.

• دعاء الستفتاح:عن أيب هريرة قال: كان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يسكت بني التكبري وبني القراءة هنية، فقلت: بأيب وأمي يا رسول اهلل إسكاتك بني التكبري والقراءة ما تقول؟ قال أقول: »اللهم باعد بيني وبني ني من خطاياي كام باعدت بني المرشق والمغرب، اللهم نقى

(1) تذيب السنن )2023/1(.

105


نس، اللهم اغسل خطاياي اخلطايا كام ينقىى الثىوب األبيض من الدىبالماء والثىلج والربد«(1).

قوله: »اللهم باعد بيني وبني خطاياي كام باعدت بني المرشق والمغرب«: المباعدة بني المرشق والمغرب هو غاية ما يبالغ به الناس، فالناس يبالغون يف الشيئني المتباعدين إما بام بني السامء واألرض، وإما بام بني المرشق والمغرب، ومعنى »باعد بيني وبني خطاياي« أي: باعد بيني وبني فعلها بحيث ال أفعلها،

وباعد بيني وبني عقوبتها إذا فعلتها.

ى الثوب األبيض من ني من خطاياي كام ينق وقوله: »اللهم نقنس« وإنام ذكر األبيض؛ ألن األبيض هو أشد ما يؤثر فيه الوسخ. الد

د، فسأل إزالة آثار خطاياه بزيادة التطهري بالماء والثلج والرنوب د مناسبته هنا أن الذ ر، لكن الثلج والر فالماء ال شك أنه مطهة، واحلرارة يناسبها يف التنقية منها آثارها العذاب بالنار، والنار حار

د فيهام التريد(2). اليشء البارد، فالماء فيه التنظيف، والثلج والر

* * *

ونجد التناسب الواضح بني األذكار ومواضعها:

فيقول المصيل يف ركوعه: سبحان ريب العظيم. ملا روى أبو

(1) رواه البخاري )744( ومسلم )598(.(2) انظر: الرشح املمتع )50/3(.

106


داود عن عقبة بن عامر قال: ملا نزلت )ېئ ېئ ېئ ىئ( قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »اجعلوها يف ركوعكم«(1).

وعن حذيفة بن اليامن أنه سمع رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يقول إذا ركع: سبحان ريب العظيم - ثالث مرات(2).

العظيم يف ذاته وصفاته، فإنه سبحانه وتعاىل أعظم من كل يشء.

ه اهلل سبحانه وتعاىل، ويصفه بعد تنزهيه فيرشع للراكع أن ينزبأمرين كامليني كاملني ومها: الربوبية والعظمة، فيجتمع من هذا

كر: التنزيه والتعظيم. الذ

كوع تعظيم ، وبالر والتنزيه والتعظيم باللسان تعظيم قويل، فيكون الراكع جامعا بني التعظيمني: القويل والفعيل. فعيل

وهلذا قال النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »أل وإين نيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ب«(3). ا الركوع فعظموا فيه الر ساجدا، أمى

كر؛ مل يناسب أن يقرأه اإلنسان وهو وملا كان القرآن أرشف الذيف هذا االنحناء، إنام يقرأ يف حال القيام.

وعند الرفع من الركوع يقول: »سمع اهلل ملن محده«.

ومعنى »سمع« أي: استجاب.

(1) رواه أبو داود )869( وحسنه النووي، وضعفه األلباين.(2) رواه ابن ماجة )888( وصححه األلباين.


107


واحلمد: وصف المحمود بالكامل مع المحبة والتعظيم.

فيقال: محد فالن ربه، أي: وصفه بصفات الكامل مع حمبته وتعظيمه.

وهبذا يعرف الفرق بني احلمد والمدح؛ فإن المدح: وصف فات احلميدة، لكن ال يلزم منه أن يكون الممدوح بالكامل، أو بالصحمبوبا معظام، فقد يمدحه من أجل أن ينال غرضا له، وقد يمدحه

ه، لكن احلمد ال يكون إال مع حمبة وتعظيم. من أجل أن يتقي رش

قال ابن القيم -رمحه اهلل-: »الصواب يف الفرق بني احلمد والمدح أن يقال: اإلخبار عن حماسن الغري إما أن يكون إخبارا جمردا من حب وإرادة أو مقرونا بحبه وإرادته، فإن كان األول فهو المدح وإن كان الثاين فهو احلمد، فاحلمد إخبار عن حماسن المحمود مع حبه وإجالله وتعظيمه، وهلذا كان خرا يتضمن

اإلنشاء، بخالف المدح فإنه خر جمرد«(1).

نا وكان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص إذا رفع رأسه من الركوع قال: »اللهم ربىاموات واألرض وملء ما شئت من يشء بعد، لك احلمد ملء))( السىنا لك عبد، اللهم ل مانع أهل الثىناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلى

.(3)» ملا أعطيت ول معطي ملا منعت ول ينفع ذا اجلد منك اجلد

(1) بدائع الفوائد )93/2(.(2) بنصب اهلمزة ورفعها، والنصب أشهر. قاله النووي يف رشح مسلم )193/4(.


108


قوله: »ربنا لك احلمد ملء الساموات واألرض وملء ما شئت من يشء بعد«: فهو حيمد اهلل محدا يمأل العالم العلوي والسفيل

والفضاء الذي بينهام، فهذا احلمد يمأل جيع اخللق الموجود.

نا أنت أهل أن يثنى وقوله: »أهل الثناء واحلمد« أي: ربعليك ومتجد لعظمة صفاتك وكامل نعوتك وتوايل نعمك وكثرة

آالئك.

قوله: »أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد«: يف هذا الكالم دليل ظاهر عىل فضيلة هذا اللفظ؛ فقد أخر النبي ملسو هيلع هللا ىلص أن هذا أحق ما

قاله العبد، فينبغي أن حيافظ عليه.

وإنام كان أحق ما قاله العبد ملا فيه من التفويض إىل اهلل تعاىل، واإلذعان له واالعرتاف بوحدانيته، والتريح بأنه ال حول وال قوة إال به، وأن اخلري والرش منه واحلث عىل الزهادة يف الدنيا

واإلقبال عىل األعامل الصاحلة(1).

«: فيه االعرتاف بتفرد »ال مانع ملا أعطيت وال معطي ملا منعتاهلل بالعطاء والمنع والقبض والبسط واخلفض والرفع، فام يكتبه لعبده من خري ونعمة فال راد له وال مانع لوقوعه، وما يمنعه عن

عبده من اخلري والنعمة فال سبيل لوقوعه.

«: اجلد هو احلظ والغنى والعظمة »وال ينفع ذا اجلد منك اجلدوالسلطان أي ال ينفع ذا احلظ يف الدنيا بالمال والولد والعظمة

(1) رشح النووي عىل مسلم )196/4(.

109


والسلطان منك حظه، أي ال ينجيه حظه منك، وإنام ينفعه وينجيه العمل الصالح(1).

جود: »سبحان ريب األعل«: ويقول حال الس

العظيم«؛ ألن ذكر علو اهلل هنا دون أن يقول: »سبحان ريبأنسب من ذكر العظمة، ألن اإلنسان اآلن أنزل ما يكون، لذا كان

من المناسب أن يثني عىل اهلل بالعلو.

حابة فانظر إىل احلكمة والمناسبة يف مثل ذلك، وكيف أن الصوا، وإذا هبطوا واديا سبحوا؛ كانوا يف السفر إذا علوا شيئا كرألن اإلنسان إذا عال وارتفع قد يتعاظم يف نفسه ويتكر ويعلو،

. ر نفسه بكرياء اهلل عز وجل فناسب أن يقول: »اهلل أكر« ليذك

أما إذا نزل فإن النزول نقص، فكان ذكر التسبيح أوىل؛ لتنزيه اهلل عز وجل عن النقص الذي كان فيه اآلن، فكان من المناسب

ر اإلنسان نفسه بمن هو أعىل منها. أن يذك

وس رب وكان ملسو هيلع هللا ىلص يقول يف ركوعه وسجوده: »سبىوح قدىوح«(2). المالئكة والرى

»سبوح«: أي مرأ من النقائص والرشيك وكل ما ال يليق باإلهلية.


110


وس«: أي مطهر من كل ما ال يليق باخلالق(1). »قد

»رب المالئكة والروح«: والروح هو جريل -عليه السالم-، خص بالذكر تفضيال له عىل سائر المالئكة.

ويقول يف اجللوس بني السجدتني: »اللهم اغفر يل وارمحني واجربين وارفعني واهدين وعافني وارزقني«(2).

نوب كلها الصغائر فيسأل اهلل سبحانه وتعاىل أن يغفر له الذوالكبائر.

نب والعفو عنه، مأخوذة من المغفر والمغفرة هي: سرت الذالذي يكون عىل رأس اإلنسان عند احلرب يتقي به السهام.

وجع بني طلب الرمحة والمغفرة، فتطلب -رمحة اهلل- التي هبا حصول المطلوب، وتطلب بالمغفرة زوال المرهوب، هذا

إذا جع بينهام.

أما إذا افرتقا؛ فإن كل واحدة منهام تشمل األخرى.

ط »واجرين« اجلر يكون من النقص، وكل إنسان ناقص مفرمرسف عىل نفسه بتجاوز احلد أو بالتقصري، فهو حيتاج مع المغفرة

والرمحة جرا جير به نقصه.

(1) رشح النووي عىل مسلم )205/4(.(2) رواه أبو داود )850( والرتمذي )284( وابن ماجة )898(، يزيد بعضهم عىل

بعض، راجع: صفة الصالة )ص153(.

111


»وعافني« أي: أعطني العافية من كل مرض ديني أو بدين، ثم إن كان متصفا هبذا المرض؛ فهو دعاء برفعه، وإن كان غري

ض له يف المستقبل. متصف فهو دعاء بدفعه، بحيث ال يتعر

فينبغي لإلنسان إذا سأل العافية يف هذا المكان أو غريه أن ين. يستحرض أن يسأل اهلل عافية البدن، وعافية الد

وأما قوله: »وارزقني« فهو طلب الرزق، وهو ما يقوم به ين: البدن، وما يقوم به الد

ما يقوم به البدن من طعام ورشاب ولباس وسكن.

ين من علم وإيامن وعمل صالح. وما يقوم به الد

د نفسه استحضار هذه المعاين واإلنسان ينبغي له أن يعوالعظيمة حتى حيصل له النفع وزيادة اإليامن.

فهذا الدعاء اشتمل عىل:

• سؤال المغفرة التي يكون هبا الوقاية من رش الذنوب.

• وسؤال الرمحة وفيه تصيل اخلري والر واإلحسان.

• وسؤال اهلل أن جيره بسد حاجته وجر كرسه ونقصه، وأن يعوضه ما فاته من اخلري.

• وسؤال الرفعة يف الدارين.

• وسؤال اهلداية بالتوصل إىل أبواب السعادة والفالح يف الدنيا واآلخرة.

112


• وسؤال العافية بالسالمة من اآلفات والفتن والنجاة من الباليا والمحن.

• وسؤال الرزق بنيل ما به قوام البدن والروح.

فجاء هذا الدعاء العظيم جامعا ألصول السعادة حميطا بأبواب اخلري مشتمال عىل سبل الفالح يف الدنيا واآلخرة، فام أعظمه من

دعاء وما أحسن إحاطته وجعه.

ومما كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص يدعو به بني التشهد والتسليم: »اللهم بعلمك الغيب وقدرتك عل اخللق أحيني ما علمت احلياة خريا ني إذا علمت الوفاة خريا يل، اللهم وأسألك خشيتك يل وتوفىضا والغضب، هادة، وأسألك كلمة احلق يف الرى يف الغيب والشىوأسألك القصد يف الفقر والغنى، وأسألك نعيام ل ينفد، وأسألك ضاء بعد القضاء، وأسألك برد ة عني ل تنقطع، وأسألك الرى قرىوق إىل ة النىظر إىل وجهك والشى العيش بعد الموت، وأسألك لذىنىا بزينة اإليامن ة، اللهم زيى ة ول فتنة مضلى اء مرضى لقائك يف غري رضى

واجعلنا هداة مهتدين«(1).

وهذا الدعاء عظيم النفع الشتامله عىل معان عظيمة ودالالت نافعة، ولنقف عىل بعض معانيه:

قوله: »اللهم بعلمك الغيب وقدرتك عىل اخللق أحيني ما علمت احلياة خريا يل وتوفني إذا علمت الوفاة خريا يل«: فيه

(1) رواه النسائي )1305( وصححه األلباين.

113


تفويض العبد أموره إىل خالقه، فهو يتوسل إليه بعلمه الذي أحاط بكل يشء وقدرته النافذة عىل كل اخللق أن خيتار له اخلري

حيث كان.

»وأسألك خشيتك يف الغيب والشهادة«: أي أن أخشاك يف الرس والعالنية والظاهر والباطن.

»وأسألك كلمة احلق يف الرضا والغضب«: وقول احلق يف حال الغضب من األمور العزيزة يف الناس؛ ألن الغضب حيمل

صاحبه عىل أن يقول خالف احلق.

»وأسألك القصد يف الفقر والغنى«: القصد هو التوسط واالعتدال، فإن كان فقريا مل يقرت خوفا من نفاد الرزق، وإن كان

غنيا مل يرسف ومل يبذر.

»وأسألك نعيام ال ينفد«: والنعيم الذي ال ينفد هو نعيم اآلخرة.

»وأسألك قرة عني ال تنقطع«: والمؤمن ال تقر عينه يف الدنيا إال بمحبة اهلل وذكره والمحافظة عىل طاعته »وجعلت قرة عيني

يف الصالة«.

»وأسألك الرضاء بعد القضاء«: والرضا ال يتحقق إال إذا وقع القضاء، وأما قبل وقوعه فهو جمرد عزم من العبد عىل الرضا.

»وأسألك برد العيش بعد الموت«: فالعيش قبل الموت منغص، وطيب العيش ال يكون إال بعد الموت.

114


»وأسألك لذة النظر إىل وجهك والشوق إىل لقائك يف غري رضاء مرضة وال فتنة مضلة«: جع يف هذا الدعاء بني أطيب يشء يف الدنيا وهو الشوق إىل لقاء اهلل، وأطيب يشء يف اآلخرة وهو النظر إىل وجهه الكريم، ولكن متام هذا النعيم متوقف عىل عدم وجود ما يرضه يف دنياه أو يفتنه يف دينه؛ ولذلك قال: »يف غري

رضاء مرضة وال فتنة مضلة«.

»اللهم زينا بزينة اإليامن«: زينة اإليامن تشمل زينة القلب باالعتقاد السليم، واللسان بالذكر والتالوة، واجلوارح باألعامل

الصاحلة.

»واجعلنا هداة مهتدين«: فاهدنا، واهد بنا، وهذا أفضل الدرجات.

وإذا فرغ من صالته قال: السالم عليكم ورمحة اهلل.

فكام افتتح صالته باسم اهلل »اهلل أكر« كذلك خيتمها باسم اهلل »السالم عليكم«؛ فإن السالم من أسامء اهلل.

قال ابن القيم: »فيكون مفتتحا لصالته باسمه تبارك وتعاىل وخمتتام هلا باسمه، فيكون ذاكرا السم ربه أول الصالة وآخرها، فأوهلا باسمه وآخرها باسمه، فدخل فيها باسمه وخرج منها باسمه، مع ما يف اسم السالم من اخلاصية واحلكمة المناسبة النراف المصيل من بني يدي اهلل تعاىل؛ فإن المصيل ما دام يف صالته بني يدي ربه فهو يف محاه الذي ال يستطيع أحد أن خيفره،

115


بل هو يف محى من جيع اآلفات والرشور، فإذا انرف من بني يديه تبارك وتعاىل ابتدرته اآلفات والباليا والمحن وتعرضت له من كل جانب، وجاءه الشيطان بمصائده وجنده؛ فهو متعرض ألنواع الباليا والمحن، فإذا انرف من بني يدي اهلل مصحوبا بالسالم مل يزل عليه حافظ من اهلل إىل وقت الصالة األخرى، وكان من متام النعمة عليه أن يكون انرافه من بني يدي ربه

بسالم يستصحبه ويدوم له ويبقى معه«(1).

وإذا جاءك الشيطان يف الصالة علىمك كيف تردى كيده:

عن عثامن بن أيب العاص أنه أتى النبي ملسو هيلع هللا ىلص فقال: يا رسول ؟ اهلل إن الشيطان قد حال بيني وبني صاليت وقراءيت يلبسها عيلفقال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته

ذ باهلل منه واتفل عل يسارك ثالثا«. فتعوى

قال: ففعلت ذلك فأذهبه اهلل عني(2).

قال النووي -رمحه اهلل-: »أما )خنزب( فبخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاي مكسورة ومفتوحة ويقال أيضا بفتح اخلاء والزاي حكاه القايض ويقال أيضا بضم اخلاء وفتح الزاي حكاه ابن األثري يف النهاية وهو غريب. ويف هذا احلديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وسوسته مع التفل عن اليسار

(1) بدائع الفوائد )196197/2(.(2) رواه مسلم )2203(.

116


ثالثا ومعنى »يلبسها« أي خيلطها ويشككني فيها ومعنى »حال بيني وبينها( أي نكدين فيها، ومنعني لذتا، والفراغ للخشوع

فيها«(1).

وكان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص إذا انرصف من صالته قال: »أستغفر الم، الم، ومنك السى اهلل، أستغفر اهلل، أستغفر اهلل، اللهم أنت السى

تباركت ذا اجلالل واإلكرام«))(.

وإنام رشع لإلنسان سؤال المغفرة بعد أداء هذه العبادة ط العظيمة؛ ألهنا جديرة باالعتناء واالهتامم، وكثري من الناس يفرفيها، إما يف المرشوعات الظاهرة، أو يف المرشوعات الباطنة. ط تفريطا كثريا فيستويل الوسواس ففي المرشوعات الباطنة يفرعىل صالته أو أكثرها، ويف المرشوعات الظاهرة أيضا ال خيلو يف وضع اليدين، وربام اإلنسان من تقصري أو تاوز، ربام يقرالتفت يف صالته، وربام أكثر من احلركة يف الصالة لغري حاجة، كام

يشاهد من بعض المصلني.

وهذا كله من الشيطان، يريد أن يشغل المصيل ويلهيه وهو الة بني يدي ربه، ويذكره اليشء فيشغله به، فإذا انتهى من الص

أنساه إياه، حتى تأيت الصالة الثانية ثم يذكره فيشغله، وهكذا.

وقد ذكر ابن اجلوزي -رمحه اهلل- أن رجال جاء إىل أيب حنيفة


117


فشكا له أنه دفن ماال يف موضع وال يذكر الموضع، فقال له أبو حنيفة: اذهب فصل الليلة إىل الغداة فإنك ستذكره إن شاء اهلل تعاىل. ففعل الرجل ذلك، فلم يمض إال أقل من ربع الليل حتى ذكر الموضع، فجاء إىل أيب حنيفة فأخره، فقال: قد علمت أن الشيطان ال يدعك تصيل حتى تذكره، فهال أمتمت ليلتك شكرا

هلل عز وجل!(1).

الم له مناسبة والمقصود اإلشارة إىل أن االستغفار بعد السواضحة، وهي جر التقصري واخللل الذي حصل يف الصالة،

نسأل اهلل المغفرة.

الم، الم ومنك الس ثم يقول بعد الستغفار: »اللهم أنت الستباركت يا ذا اجلالل واإلكرام«.

الم، والمناسبة يف هذا ظاهرة، كأنك تقول: اللهم أنت السالة قد تقبل وقد ال د والنقص؛ ألن الص فسلم يل صاليت من الر

تقبل، وقد يكتب له بعضها ويرد عليه بعضها.

كام روى اإلمام أمحد (18415) عن عامر بن يارس قال: سمعت رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يقول: »إن العبد ليصيل الصالة ما يكتب له منها إال عرشها تسعها ثمنها سبعها سدسها مخسها ربعها ثلثها

نصفها«(2).

(1) األذكياء )ص76(.(2) حسنه األلباين يف صحيح اجلامع )1626(.

118


ثم يقول بعد ذلك أذكار التسبيح والتحميد والتكبري والتهليل:

قال احلافظ: »البداءة بالتسبيح ألنه يتضمن نفي النقائص عن الباري سبحانه وتعاىل.

ثم التحميد ألنه يتضمن إثبات الكامل له إذ ال يلزم من نفي النقائص إثبات الكامل.

ثم التكبري إذ ال يلزم من نفي النقائص وإثبات الكامل أن ال يكون هناك كبري آخر.

ثم خيتم بالتهليل الدال عىل انفراده سبحانه وتعاىل بجميع ذلك«(1).

* * *

الستخارة:

عن جابر بن عبد اهلل قال: كان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يعلمنا االستخارة يف األمور كلها كام يعلمنا السورة من القرآن، يقول: »إذا هم أحدكم باألمر فلريكع ركعتني من غري الفريضة ثم ليقل: اللهم إينى أستخريك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنىك تقدر ول أقدر، وتعلم ول أعلم، وأنت م الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا األمر خري يل يف ديني عالىومعايش وعاقبة أمري -أو قال عاجل أمري وآجله- فاقدره يل

(1) فتح الباري )328/2(.

119


ه يل ثم بارك يل فيه، وإن كنت تعلم أن هذا األمر رش يل يف ويرسىديني ومعايش وعاقبة أمري -أو قال يف عاجل أمري وآجله- فارصفه عنىي وارصفني عنه، واقدر يل اخلري حيث كان، ثم

ي حاجته«(1). أرضني، قال: ويسمى

قوله: »كان يعلمنا االستخارة يف األمور كلها كام يعلمنا السورة من القرآن«.

: »فيه إشارة إىل االعتناء التام البالغ هبذا الدعاء قال الطيبيوهذه الصالة؛ جلعلهام تلوين للفريضة والقرآن«.

وقال ابن أيب جرة: »احلكمة يف تقديم الصالة عىل الدعاء أن المراد باالستخارة حصول اجلمع بني خريي الدنيا واآلخرة، فيحتاج إىل قرع باب الملك، وال يشء لذلك أنجع وال أنجح من الصالة؛ ملا فيها من تعظيم اهلل والثناء عليه واالفتقار إليه مآال

وحاال«(2).

ملسو هيلع هللا ىلص اهلل رسول »فعوض اهلل-: -رمحه القيم ابن وقال أمته هبذا الدعاء، عام كان عليه أهل اجلاهلية من زجر الطري واالستقسام باألزالم الذي نظريه هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المرشكني، يطلبون هبا علم ما قسم هلم يف الغيب، وهلذا سمي ذلك استقساما، وعوضهم هبذا الدعاء الذي هو توحيد

(1) رواه البخاري )1166(.(2) فتح الباري )185186/11(.

120


وافتقار، وعبودية، وتوكل، وسؤال ملن بيده اخلري كله الذي ال يأيت باحلسنات إال هو، وال يرف السيئات إال هو، الذي إذا فتح لعبده رمحة مل يستطع أحد حبسها عنه، وإذا أمسكها مل يستطع أحد

إرساهلا إليه، من التطري والتنجيم واختيار الطالع ونحوه.

فهذا الدعاء، هو الطالع الميمون السعيد، طالع أهل السعادة والتوفيق، الذين سبقت هلم من اهلل احلسنى، ال طالع أهل الرشك والشقاء واخلذالن، الذين جيعلون مع اهلل إهلا آخر، فسوف

يعلمون.

فتضمن هذا الدعاء اإلقرار بوجوده سبحانه، واإلقرار بصفات كامله من كامل العلم والقدرة واإلرادة، واإلقرار بربوبيته، وتفويض األمر إليه، واالستعانة به، والتوكل عليه، واخلروج من عهدة نفسه، والتري من احلول والقوة إال به، واعرتاف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها، وإرادته هلا، وأن

.(1)» ذلك كله بيد وليه وفاطره وإهله احلق

* * *

صالة اجلنازة:

رشعت صالة اجلنازة للدعاء للميت والشفاعة فيه، وقد روى مسلم (948) عن عبد اهلل بن عباس قال: سمعت رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص

(1) زاد المعاد )405/2(.

121


يقول: »ما من رجل مسلم يموت فيقوم عل جنازته أربعون رجال عهم اهلل فيه«. ل يرشكون باهلل شيئا إلى شفى

وعن أيب هريرة قال: كان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص إذا صىل عىل جنازة يقول: »اللهم اغفر حليىنا وميىتنا وشاهدنا وغائبنا وصغرينا وكبرينا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منىا فأحيه عل اإلسالم نا ه عل اإليامن، اللهم ل حترمنا أجره ول تضلى يته منىا فتوفى ومن توفى

بعده«(1).

»اللهم اغفر حلينا وميتنا...«: أي جلميع أحيائنا وأمواتنا معرش المسلمني؛ ألن المفرد المضاف -حيث ال عهد- للعموم(2).

وسئل الطحاوي -رمحه اهلل- عن معنى االستغفار للصغار مع أنه ال ذنب هلم، فقال: إن النبي ملسو هيلع هللا ىلص سأل ربه أن يغفر هلم الذنوب

التي قضيت هلم أن يصيبوها بعد االنتهاء إىل حال الكر.

وقيل: بل المراد بالصغار الشبان، وبالكبار الشيوخ.

وقال ابن حجر: هذا اإلشكال يف غري حمله، ألنه مبني عىل ة وهي أن طلب المغفرة تستدعي سبق ذنب، وليس مقدمة متومهكذلك، فإن اهلل تعاىل قال لنبيه ملسو هيلع هللا ىلص: »ليغفر لك اهلل ما تقدم من

ذنبك وما تأخر« مع أنه ملسو هيلع هللا ىلص معصوم.

(1) رواه أبو داود )3201( والرتمذي )1024( وابن ماجة )1498(، وصححه األلباين.

(2) دليل الفاحلني )240/6(.

122


فالصواب: أن طلبها ال يستدعي ذنبا، بل قد يكون لنيل الدرجات وحمو التقصريات(1).

وقوله: »من أحييته منا فأحيه عىل اإلسالم ومن توفيته منا ه عىل اإليامن«. فتوف

ففرق بني احلياة والموت؛ ألن اإلسالم هو التمسك باألركان الظاهرية، وهذا ال يتأتى إال يف حالة احلياة وأما اإليامن فهو

التصديق الباطني، وهو الذي ال ينفع غريه حال الوفاة(2).

والقاعدة: أن اإلسالم إذا قرن باإليامن يراد به الرشائع العملية الظاهرة، ويراد باإليامن االعتقادات الباطنة، وهلذا ناسب يف احلياة أن يذكر اإلسالم، ألن اإلنسان ما دام حيا، فلديه جمال وفسحة للعمل والتعبد، وأما عند المامت فال جمال لذلك، بل ال جمال إال

للموت عىل االعتقاد الصحيح واإليامن السليم(3).

قوله: )اللهم ال ترمنا أجره( أي ال ترمنا أجر الصالة عليه، أو أجر المصيبة به، فإن المسلمني يف المصيبة كاليشء الواحد،

والمؤمن أخو المؤمن فموته مصيبة عليه يطلب فيها األجر.

)وال تضلنا بعده( أي ال تعلنا ضالني بعد اإليامن.

فالمسلم يف صالة اجلنازة يدعو إلخوانه المسلمني:

(1) الفتوحات الربانية )173/4(.(2) انظر: تفة األحوذي )90/4(.

(3) فقه األدعية واألذكار )232/3(.

123


- لألحياء بالثبات عىل اإلسالم.

- وملن يموت منهم بالوفاة عىل اإليامن.

- وملن مات منهم بالمغفرة والرمحة.

ويرشع له أن يدعو بام ثبت يف السنة، فإن كان ال حيفظ شيئا من ذلك ودعا بالرمحة والمغفرة فال حرج.

وقال الشوكاين -رمحه اهلل-: »اعلم أنه قد وقع يف كتب الفقه ذكر أدعية غري المأثورة عنه ملسو هيلع هللا ىلص والتمسك بالثابت عنه أوىل«(1).

وقال الشيخ ابن عثيمني -رمحه اهلل-: »يدعو بالدعاء المأثور عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص إن كان يعرفه، فإن مل يكن يعرفه فبأي دعاء دعا

جاز، إال أنه خيلص الدعاء للميت، أي: خيصه بالدعاء«(2).

(1) نيل األوطار )78/4(.(2) الرشح الممتع )154/5(.

124


:¿ÉµŸÉH ó«≤ŸG ôcòdG

فمن ذلك:

دعاء الدخول واخلروج من المسجد:

يستحب لإلنسان إذا دخل المسجد أن يقول »اللهم افتح يل أبواب رمحتك«، وإذا خرج أن يقول: »اللهم إين أسألك من فضلك«؛ ملا رواه مسلم (713) عن أيب محيد أو عن أيب أسيد قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح يل أبواب رمحتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إينى أسألك من

فضلك«.

والرس يف ختصيص الرمحة بالدخول والفضل باخلروج أن من دخل اشتغل بام يزلفه إىل ثوابه وجنته فيناسب ذكر الرمحة.

وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق احلالل فناسب ذكر الفضل؛ كام قال اهلل تعاىل )ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦ ڦ(، قاله

.(1) الطيبي


125


وعن حيوة بن رشيح قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: بلغني أنك حدثت عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص أنه كان إذا دخل المسجد قال: »أعوذ باهلل العظيم وبوجهه الكريم جيم« قال: أقط؟(1) قلت: نعم. يطان الرى وسلطانه القديم من الشى

قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم(2).

وذلك ألن الشيطان حريص غاية احلرص عىل أن يصد اإلنسان عن دخول المسجد وعن الصالة، فناسب أن يستعيذ باهلل العظيم منه، فكأنه يقول: »اللهم احفظني من وسوسته

وإغوائه وخطواته وخطراته وتسويله وإضالله«.

وعند خروجه من المسجد حيرص الشيطان عىل أن يسوقه إىل أماكن احلرام ليوقعه يف مواطن الريب والعصيان، لذلك كانت السنة أن يقول إذا خرج من المسجد: »اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم«؛ ملا روى ابن ماجه (773) عن أيب هريرة أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »إذا دخل أحدكم المسجد فليسلىم عل النىبي ملسو هيلع هللا ىلص وليقل: اللهم افتح يل أبواب رمحتك، وإذا خرج فليسلىم عل النىبي ملسو هيلع هللا ىلص

جيم«(3). يطان الرى وليقل: اللهم اعصمني من الشى

وقوله يف احلديث: »وسلطانه القديم«: فالسلطان صفة من صفات اهلل، وهي صفة سلطته وملكوته وعظمته وغلبته؛ ألنه

(1) يعني: أهذا الذي بلغك فقط؟(2) رواه أبو داود )466(، وصححه األلباين.

(3) صححه األلباين يف صحيح ابن ماجة وغريه.

126


ال يستعاذ بمخلوق، واحلديث جاء فيه االستعاذة باهلل عز وجل وبصفاته.

وأما كلمة »القديم« فالمقصود هبا األزيل، يعني: الذي صفاته وقدرته وغلبته وقهره ليس هلا بداية، فهو متصف بذلك أزال، ولكن ليس من أسامء اهلل القديم، ولكن هذا وصف لقهره وغلبته

بأهنا أزلية(1).

* * *

ذكر اهلل عند دخول البيت:

عن جابر بن عبد اهلل أنه سمع النبي ملسو هيلع هللا ىلص يقول: »إذا دخل يطان: ل جل بيته فذكر اهلل عند دخوله وعند طعامه قال الشى الرىمبيت لكم ول عشاء. وإذا دخل فلم يذكر اهلل عند دخوله قال يطان: أدركتم المبيت. وإذا مل يذكر اهلل عند طعامه قال: الشى

أدركتم المبيت والعشاء«.

قال النووي -رمحه اهلل-: »معناه: قال الشيطان إلخوانه وأعوانه ورفقته. ويف هذا استحباب ذكر اهلل تعاىل عند دخول

البيت وعند الطعام«(2).

وقال ابن عثيمني -رمحه اهلل-: »يف هذا: حث عىل أن اإلنسان

(1) رشح سنن أيب داود - عبد املحسن العباد )255256/3( - ترقيم الشاملة.(2) رشح النووي عىل مسلم )190/13(.

127


ينبغي له إذا دخل بيته أن يذكر اسم اهلل، والذكر الوارد يف ذلك: »بسم اهلل وجلنا وبسم اهلل خرجنا وعىل اهلل ربنا توكلنا، اللهم إين أسألك خري المولج وخري المخرج«(1) ثم يستاك؛ ألن النبي ملسو هيلع هللا ىلص

إذا دخل بيته فأول ما يبدأ به السواك(2). ثم يسلم عىل أهله.

أما عند العشاء فيقول: »بسم اهلل« وبذلك حيرتز من الشيطان الرجيم مبيتا وعشاء.

فإن ذكر اسم اهلل عند الدخول دون العشاء شاركه الشيطان يف عشائه.

وإن ذكر اسم اهلل عند العشاء دون الدخول شاركه الشيطان يف المبيت دون العشاء. وإن ذكر اسم اهلل عند الدخول وعند العشاء

فإن الشيطان ال يكون له مبيت وال عشاء«(3).

* * *

دعاء دخول اخلالء:

عن أنس قال: كان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص إذا دخل اخلالء قال: »اللهم إينى أعوذ بك من اخلبث واخلبائث«(4).

(1) رواه أبو داود )5096( وصححه األلباين يف الصحيحة )225( وصحيح اجلامع )839(، ثم تراجع وضعفه يف الضعيفة )5832( وضعيف أيب داود

(1091( والثمر املستطاب )ص613(، وأعله باالنقطاع.(2) رواه مسلم )253(.

(3) رشح رياض الصاحلني )ص809(.(4) متفق عليه.

128


قوله: »إذا دخل« يعني: إذا أراد الدخول.

»إين أعوذ بك« أي: ألوذ وألتجئ.

»اخلبث« جع خبيث »واخلبائث« جع خبيثة، والمراد: ذكران ياطني وإناثهم. الش

وقيل: اخلبث: المكروه أو الرش أو المذموم أو الضار، واخلبائث: المعاص أو مطلق األفعال المذمومة.

وقيل اخلبائث: الشياطني(1) .

وورد يف سبب هذا التعوذ ما رواه زيد بن أرقم عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: »إن هذه احلشوش حمترضة، فإذا دخل أحدكم اخلالء فليقل

اللهم إين أعوذ بك من اخلبث واخلبائث«(2).

* * *

دعاء اخلروج من اخلالء:

عن عائشة قالت: كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص إذا خرج من اخلالء قال: »غفرانك«(3). أي أسألك غفرانك.

: »وجاء يف الذي يقال عقب اخلروج من قال النووي

(1) راجع: رشح النووي عىل مسلم )71/4( - فتح الباري )110/1( - كشف المشكل )271/3(.

(2) رواه أبو داود )6( وابن ماجة )296( وأمحد )18800(، وصححه األلباين.(3) رواه أبو داود )30( والرتمذي )7( وابن ماجة )300( وصححه األلباين.

129


اخلالء أحاديث كثرية ليس فيها يشء ثابت إال حديث عائشة المذكور«(1).

ومناسبة سؤال المغفرة بعد خروجه من اخلالء أن اإلنسان ملا ختفف من أذية اجلسم تذكر أذية اإلثم، فدعا اهلل أن خيفف عنه أذية اإلثم كام من عليه بتخفيف أذية اجلسم، وهذا معنى مناسب

من باب تذكر اليشء باليشء.

وقيل: إن القوة البرشية قارصة عن الوفاء بشكر ما أنعم اهلل عليه من تسويغ الطعام والرشاب وترتيب الغذاء عىل الوجه المناسب ملصلحة البدن إىل أوان اخلروج، فلجأ إىل االستغفار

اعرتافا بالقصور عن بلوغ حق تلك النعم(2).

* * *

إذا نزل منزل:

عن خولة بنت حكيم السلمية أهنا سمعت رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص ات يقول: »إذا نزل أحدكم منزل فليقل: أعوذ بكلامت اهلل التىامى

ه يشء حتىى يرحتل منه«(3). ه ل يرضى من رش ما خلق؛ فإنى

قال القرطبي: »وهذا خر صحيح وقول صادق علمنا صدقه دليال وتربة؛ فإين منذ سمعت هذا اخلر عملت به، فلم يرضين

(1) المجموع )76/2(.(2) مرقاة المفاتيح )387/1(.

(3) رواه مسلم )2708(.

130


يشء إىل أن تركته لدغتني عقرب بالمهدية ليال، فتفكرت يف نفس فإذا يب قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلامت فقلت لنفس -ذاما هلا وموبخا- ما قاله عليه السالم للرجل الملدوغ: أما إنك لو قلت

حني أمسيت أعوذ بكلامت اهلل التامات مل يرضك يشء«(1).

* * *

الذكر عند المشعر احلرام:

ڇ ڇ ڇ چ )چ تعاىل: قال ڈ ڈ ڎ ڎ ڌڌ ڍ ڍ ڇ

ژ ژ ڑ ڑ ک( ]البقرة: 198].

فيستحب اإلكثار من الذكر والدعاء يف مزدلفة، ومناسبة ذلك: أهنا ليلة عظيمة اجتمع فيها رشف المكان والزمان، وكونه حمرما، وهي جممع احلجيج وقد جاءت بعد عبادة عظيمة وهي

يوم عرفة(2).



131


:∫GƒMC’ÉH ó«≤ŸG ôcòdG

ومن ذلك:

أذكار النوم:

كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص إذا أراد أن ينام قال: »باسمك اللهم أموت وأحيا« وإذا استيقظ من منامه قال: »احلمد هلل الىذي أحيانا بعد ما

أماتنا وإليه النىشور«(1).

واحلكمة من الذكر والدعاء عند النوم وبعد االستيقاظ: أن يكون خامتة عمله يف اليوم وأوله بعد االستيقاظ ذكر التوحيد

والكلم الطيب، كام قيل:

وآخر يشء أنت يف كل هجعة

هبويب عند أنت يشء وأول

فإذا ابتدأ العبد يومه بذكر اهلل، وختمه بذكر اهلل، فريجى أن يغفر له ما بني أول اليوم وهنايته من الذنوب.


132


جل بيته وعن جابر أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »إذا دخل الرىأو أوى إىل فراشه ابتدره))( ملك وشيطان، فقال الملك: اختم ؛ فإن محد اهلل وذكره، أطرده، يطان: اختم برش بخري))(، وقال الشى

وبات يكلؤه))(»(4).

قوله: »باسمك اللهم أموت وأحيا« قيل المعنى: بذكر اسمك أحيا ما حييت وعليه أموت أي: أنا مداوم عىل ذكرك ما

حييت وعليه أموت.

وحيتمل أن االسم هنا بمعنى المسمى فيكون المعنى: بك أحيا وبك أموت.

وحيتمل أن المراد باحلياة: احلياة بعد الموت وحيتمل: احلياة بعد النوم.

وحيتمل أن المراد بالموت الموت احلقيقي وحيتمل أنه النوم؛ فإن النوم أخو الموت.

»احلمد هلل الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور« أي: أحيانا باالستيقاظ بعد أن أماتنا بالنوم.

ووجه احلمد عىل االستيقاظ بعد النوم أن ذلك من أفضل

(1) تسارع إليه.(2) أي: اختم عمل يومك بخري.

(3) حيفظه وحيرسه.(4) رواه البخاري يف األدب المفرد )1214(، وحسنه ابن حجر، وضعفه األلباين.

133


النعم؛ ليكتسب ثمرة احلياة الدنيا من العلم النافع والعمل الصالح، ويف ذلك أيضا إمهال اإلنسان ليتوب، ويرجع إىل اهلل.

»وإليه النشور« هو احلياة بعد الموت، فالمعنى: إىل اهلل رجوع اخلالئق بعد بعثهم وحياتم بعد مماتم؛ ليحاسب كال منهم

حسب عمله.

وحكمة ذكر ذلك: أن يكون حارض القلب يف اليقظة، فال يفيض به تيقظه إىل الغفلة عام طلب منه.

ر نفسه بالموت حتى وحكمة ذكر الموت عند النوم: كأنه يذكال يفيض به نومه إىل التكاسل أو التباطؤ عام طلب منه(1).

* * *

قراءة خواتيم سورة البقرة

مسعود أيب عن (807) ومسلم (4008) البخاري روى البدري قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »اآليتان من آخر سورة

البقرة من قرأمها يف ليلة كفتاه«.

ڱ ڱ ڱ ڱ ڳ ڳ )ڳ تعاىل: قوله ومها ں...( إىل آخر السورة.

قيل: كفتاه من قيام الليل وقيل: كفتاه من الشيطان وقيل: . كفتاه كل سوء، وقيل: دفعتا عنه رش اإلنس واجلن


134


وال مانع من إرادة هذه األمور جيعها، وفضل اهلل واسع.

قال النووي -رمحه اهلل-: »قيل: معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان وقيل: من اآلفات وحيتمل من اجلميع«(1).

قال احلافظ -رمحه اهلل-: »وكأهنام اختصتا بذلك ملا تضمنتاه من الثناء عىل الصحابة بجميل انقيادهم إىل اهلل وابتهاهلم ورجوعهم

إليه، وما حصل هلم من اإلجابة إىل مطلوهبم«(2).

وعن عيل قال: »ما كنت أرى أن أحدا يعقل ينام حتى يقرأ هؤالء اآليات من آخر سورة البقرة«(3).

فضم إليهام اآلية الثالثة: )ڃ ڃ ڃ چ چ چ چ...( اآلية.

ملا فيها من إثبات علم اهلل المحيط بكل يشء، ومشيئته النافذة، وقدرته الغلبة لكل يشء.

* * *

قراءة ) ٱ ٻ ٻ(:روى أبو داود (5055) عن فروة بن نوفل عن أبيه أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص ا براءة ا الكافرون ثم نم عل خامتتها فإنى قال لنوفل: »اقرأ قل يا أيى

ك«(4). من الرشى

(1) رشح النووي عىل مسلم )9192/6(. وانظر: فتح الباري )56/9(.(2) فتح الباري )56/9(.

(3) رواه الدارمي )3384( وابن الرضيس يف فضائل القرآن )176(، وصححه النووي وابن حجر، وضعفه األلباين.

(4) حسنه احلافظ ابن حجر، وصححه األلباين.

135


ك«: يعني أهنا توجب لقارئها األمن وكوهنا »براءة من الرشوالنجاة من اإلرشاك باهلل، ملا اشتملت عليه من نفي األلوهية عام

سوى اهلل، وإثباتا له وحده، مع التزام ذلك والمداومة عليه.

فهل يفهم قارئ هذه السورة هذا المعنى أنه يتربأ من الرشك باهلل؟

لألسف يفهم بعض المسلمني من قوله: )ڤ ڤ ڦ ڦ( خالف ما أراد اهلل منها؛ حيث يفهم أهنا إقرار للرشك، وأن

كل إنسان ال حرج عليه أن يعبد ما شاء!!

وهذا فهم خاطئ، بل باطل، وهو من فساد االعتقاد، وعدم الفهم عن اهلل ورسوله.

وعن الراء بن عازب قال: قال يل رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »إذا ك الة ثم اضطجع عل شقى أ وضوءك للصى أتيت مضجعك فتوضىضت أمري إليك األيمن وقل: اللهم أسلمت نفيس إليك وفوىوأجلأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك ل ملجأ ول منجا منك إلى إليك، آمنت بكتابك الىذي أنزلت وبنبيىك الىذي أرسلت. فإن مت مت عل الفطرة، فاجعلهن آخر ما تقول«. قال الرباء: »فردىدهتا عل النىبي ملسو هيلع هللا ىلص فلامى بلغت اللهم آمنت بكتابك الىذي أنزلت قلت

ورسولك قال ل ونبيىك الىذي أرسلت«(1).

قوله: »أسلمت نفس إليك« أي رضيت بأن تكون تت مشيئتك، تترف فيها بام شئت من إمساكها أو إرساهلا.


136


ففيه إشارة إىل أنه ينبغي لإلنسان أن يتوب إىل اهلل تعاىل قبل النوم لينام مطيعا.

ويف لفظ: »أسلمت وجهي إليك« والمراد بالوجه الذات، فهو بمعنى »أسلمت نفس إليك«.

»وفوضت أمري إليك« أي: توكلت عليك يف جيع شأين.

»وأجلأت ظهري إليك« أي أسندته إىل حفظك ويف التعبري ب »أجلأت« إشارة إىل أنه مضطر إىل حفظ اهلل حيث ال حافظ له إال

هو وال يتقوى بأحد سواه.

»رغبة ورهبة إليك« علة ملا سبق.

ف»أسلمت وجهي« و»فوضت أمري«، و»أجلأت ظهري«: »رغبة ورهبة« طمعا يف ثوابك وخمافة عذابك.

وقوله: »ال ملجأ وال منجا منك إال إليك« أي:ال مهرب وال خملص من عقوبتك إال بالفرار إليك، ففيه إشارة إىل قوله تعاىل:

)ىئ يئ جب( ]الذاريات: 50].

»آمنت بكتابك الذي أنزلت«: وهو القرآن الكريم.

»فإن مت مت عىل الفطرة«: أي اإلسالم.

»فاجعلهن آخر ما تقول«: أي من الدعوات(1).

(1) دليل الفاحلني )281/2(.

137


قال ابن بطال: »أي ال تتكلم بعدهن بيشء من أحاديث الدنيا، وليكن هذا الذكر خامتة عملك«(1).

: »من آخر« وهي تبني أنه وقال احلافظ: »يف رواية الكشميهنيال يمتنع أن يقول بعدهن شيئا مما رشع من الذكر عند النوم«(2).

فرددها الراء ليستذكرها فقال: »وبرسولك الذي أرسلت«، فقال له النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »ل، وبنبيىك الىذي أرسلت«.

قال النووي: »اختلف العلامء يف سبب إنكاره ملسو هيلع هللا ىلص ورده اللفظ: فقيل: إنام رده ألن قوله: »آمنت برسولك« حيتمل غري النبي ملسو هيلع هللا ىلص

من حيث اللفظ.

واختار المازري وغريه أن سبب اإلنكار أن هذا ذكر ودعاء، فينبغي فيه االقتصار عىل اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق اجلزاء بتلك احلروف، ولعله أوحي إليه ملسو هيلع هللا ىلص هبذه الكلامت، فيتعني أداؤها بحروفها، وهذا القول حسن. وقيل: ألن قوله: »ونبيك الذي أرسلت« فيه جزالة من حيث صنعة الكالم، وفيه جع النبوة والرسالة، فإذا قال: رسولك الذي أرسلت، فإن هذا األمر مع ما فيه من تكرير لفظ »رسول« و»أرسلت« أهل البالغة يعيبونه،

وقد قدمنا أنه ال يلزم من الرسالة النبوة وال عكسه«(3).

(1) رشح صحيح البخاري )84/10(.(2) فتح الباري )358/1(.

(3) رشح النووي عىل مسلم )33/17(، وانظر: فتح الباري )112/11(.

138


وقال علامء اللجنة الدائمة: »األصل يف األذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراتا وكيفياتا يف كتاب اهلل

وسنة رسوله ملسو هيلع هللا ىلص«(1).

وعن حفصة زوج النبي ملسو هيلع هللا ىلص أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تت خده ثم يقول: »اللهم قني عذابك

يوم تبعث عبادك«(2).

قال المباركفوري -رمحه اهلل-: »ملا كان النوم يف حكم الموت واالستيقاظ كالبعث دعا هبذا الدعاء؛ تذكرا لتلك احلالة«(3).

وأراد أن يكون آخر عمله ذكر اهلل.

وعن أنس أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص كان إذا أوى إىل فراشه قال: »احلمد هلل الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن ال كايف له

وال مؤوي«(4).

»كفانا« أي دفع عنا رش المؤذيات.

»وآوانا« أي رزقنا مساكن نأوي إليها، ونسكن فيها، ومل جيعلنا دين. من المرش

»فكم ممن ال كايف له وال مؤوي« أي: فكم شخص ال يكفيهم

(1) فتاوى اللجنة )87/6(.(2) رواه أبو داود )5045(، وصححه األلباين.

(3) تفة األحوذي )241/9(.(4) رواه مسلم )2715(.

139


اهلل رش األرشار حتى غلب عليهم أعداؤهم، وال هييئ هلم مأوى، بل تركهم هييمون يف البوادي ويتأذون باحلر والرد.

ومناسبة ذلك للنوم: أن اإلنسان إذا دفع عنه اجلوع والعطش باألكل والرشب، وأمن من الرشور والمكاره طاب له نومه، ر هذه النعم التي هي سبب لطيب النوم، فحمد اهلل تعاىل فتذك

عليها.

* * *

: قراءة آية الكريسى

عن أيب هريرة قال: وكلني رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص بحفظ زكاة رمضان، فأتاين آت فجعل حيثو من الطعام، فأخذته فقلت: ألرفعنك إىل رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص... فذكر احلديث، إىل أن قال: إذا أويت إىل فراشك فاقرأ آية الكريس لن يزال معك من اهلل حافظ وال يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »صدقك وهو

كذوب، ذاك شيطان«(1).

قوله: »لن يزال معك من اهلل حافظ«: المراد بذلك اجلنس، فيحتمل أن يكون ملكا واحدا أو أكثر، حيفظك يف بدنك ومالك

ودينك وسائر ما يتعلق بك.

(1) رواه البخاري تعليقا )3275( ووصله البغوي يف رشح السنة )1196( والبيهقي يف الشعب )2170( وغريمها.

140


»وال يقربك شيطان«: هو تأكيد للحفظ، فإنه إذا حفظه الملك، فال يقربه الشيطان، وال يؤذيه يف دينه وال دنياه.

وروى ابن أيب شيبة عن عيل قال: »ما أرى أحدا يعقل .(1) » دخل يف اإلسالم ينام حتى يقرأ آية الكريس

وعن أيب األزهر األنامري أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: »بسم اهلل وضعت جنبي، اللهم اغفر يل ذنبي وأخسئ شيطاين وفك رهاين واجعلني يف النىدي األعل«(2).

»وأخسئ شيطاين« أي اطرده عني.

»وفك رهاين« الرهان هو ما يوضع لتوثيق الدين، أراد بذلك نفسه ألهنا مرهونة بعملها، قال تعاىل: )گ گ ڳ ڳ ڳ( ]الطور:21]، وقال تعاىل: )كل نفس بام كسبت رهينة( ]املدثر: 38].

وفك الرهان هو ختليصه من يد المرتن. والمعنى: خلص رقبتي من حقوق الناس، ومن حقك يا رب العالمني، ومن الذنوب بالعفو عنها، وخلصها من التكاليف بالتوفيق لإلتيان

هبا.

»واجعلني يف الندي األعىل« الندى هم القوم المجتمعون يف جملس، والمراد هنا المأل األعىل من المالئكة.

(1) المصنف )40/6(.(2) رواه أبو داود )5054( وصححه األلباين.

141


ومناسبة هذا الدعاء للنوم: أنه ملا كان النوم وإراحة البدن يستعان به عىل طاعة اهلل، واالبتعاد عن معاصيه، سأله عند النوم أن يعينه عىل طاعته وذلك بفك رهانه، وأن يبعده عن معصيته بطرد

شيطانه، ثم سأل القرب من اهلل تعاىل بأن جيعله مع المأل األعىل.

* * *

أذكار الستيقاظ:عن أيب هريرة أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »إذا استيقظ أحدكم فليقل: احلمد هلل الىذي عافاين يف جسدي ورد عيل روحي وأذن يل

بذكره«(1).

قوله: »عافاين يف جسدي« أي جعل جسدي ذا عافية.

قال النووي: »وقد كثرت األحاديث يف األمر بسؤال العافية، وهي من األلفاظ العامة المتناولة لدفع جيع المكروهات يف

البدن والباطن يف الدين والدنيا واآلخرة«(2).

وقوله: »ورد عيل روحي«؛ ألن الروح تفيض يف النوم، قال تعاىل: )ٹ ٹ ٹ ڤ ڤ ڤ ڤ ڦ ڦ ڦڦ چچ چ ڃ ڃ ڃ ڃ ڄ ڄ ڄ ڄ

چ ڇ ڇ ڇ ڇ ڍ( ]الزمر: 42].

* * *

(1) رواه الرتمذي )3401( وحسنه، وحسنه األلباين.(2) رشح النووي عىل مسلم )46/12(.

142


دعاء السفر:

عن سالم بن عبد اهلل بن عمر أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرا: ادن مني أودعك كام كان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يودعنا،

فيقول: »أستودع اهلل دينك وأمانتك وخواتيم عملك«(1).

قدم حفظ الدين عىل حفظ األمانة اهتامما به، وألن السفر موضع خوف أو خطر وقد يصاب، وتصل له مشقة وتعب إلمهاله بعض األمور المتعلقة بالدين من إخراج الصالة عن

وقتها ونحوه كام هو مشاهد(2).

وعن أنس قال: جاء رجل إىل النبي ملسو هيلع هللا ىلص فقال: يا رسول اهلل إين أريد سفرا فزودين، قال: »زودك اهلل التقوى« قال: زدين، قال: »وغفر ذنبك« قال: زدين بأيب أنت وأمي، قال: »ويرس لك اخلري

حيثام كنت«(3).

فقوله: »زودك اهلل التقوى« أي جعلها زادك، فإن خري الزاد التقوى، ألهنا زاد المعاد.

»وغفر ذنبك«: أي جيع ذنوبك، وخاصة الذنوب التي قد تقع يف سفرك.

»ويرس لك اخلري حيثام كنت«: أي يرس لك اخلري الديني

(1) رواه الرتمذي )3443( وصححه األلباين.(2) الفتوحات الربانية )116/5(.

(3) رواه الرتمذي )3444( وحسنه، وحسنه األلباين.

143


والدنيوي من احلج والغزو والعلم وطلب احلالل وصلة الرحم ونحوه، حيثام كنت متوجها إليه ومرشفا عليه.

وحيتمل أن الرجل طلب الزاد المتعارف عليه، فأجابه ملسو هيلع هللا ىلص بام أجاب عىل طريق أسلوب احلكيم: أي إن زادك أن تتقي حمارمه

وتتنب معاصيه(1).

وعن ابن عمر أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص كان إذا استوى عىل بعريه ر لنا هذا خارجا إىل سفر كر ثالثا ثم قال: »سبحان الىذي سخىا نسألك يف سفرنا نا ملنقلبون، اللهم إنى ا إىل ربى وما كنىا له مقرنني وإنىن علينا سفرنا هذا الرب والتىقوى، ومن العمل ما ترىض، اللهم هوىفر، واخلليفة يف احب يف السى هذا واطو عنىا بعده، اللهم أنت الصىفر وكآبة المنظر وسوء األهل، اللهم إينى أعوذ بك من وعثاء السى: »آيبون المنقلب يف المال واألهل«، وإذا رجع قاهلن وزاد فيهن

نا حامدون«(2). تائبون عابدون لربى

قوله: »سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنني«:

وجه مناسبة اإلتيان هبذا الذكر وافتتاحه ب »سبحان« الموضوعة للتنزيه: أن تسخري الدواب لنا نعمة عظيمة ال يقدر

عليها غريه، فناسب شهود تنزهيه عن الرشيك حينئذ.

»وإنا إىل ربنا ملنقلبون« ومناسبة ذلك: أنه ملا كان ركوب

(1) الفتوحات الربانية )120121/5(.(2) رواه مسلم )1342(.

144


السفينة والدابة قد يفيض إىل الموت يف بعض األحوال؛ تذكر معاده بسببه، فناسب ذكره؛ ألن الدابة سبب من أسباب التلف،

فيكون ذلك حامال له عىل تقوى اهلل يف ركوبه ومسريه.

أي احلافظ والمعني، السفر« الصاحب يف أنت »اللهم والصاحب يف األصل المالزم، والمراد: مصاحبة اهلل إياه بالعناية واحلفظ والرعاية، فنبه هبذا القول عىل االعتامد عليه واالكتفاء به

عن كل مصاحب سواه.

»واخلليفة يف األهل«: اخلليفة من يقوم مقام أحد يف إصالح أمره.

: المعنى أنت الذي أرجوه وأعتمد عليه يف قال التوربشتيسفري بأن يكون معيني وحافظي، ويف غيبتي عن أهيل أن تلم

شعثهم وتداوي سقمهم وتفظ عليهم دينهم وأمانتهم«(1).

»اللهم إين أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر«:

»وعثاء السفر« هو النصب والتعب.

»وكآبة المنظر«: يعني أعوذ بك مما ينقلب إىل ما يقتيض كآبة: من فوات ما أريد أو وقوع ما أحذر، والكآبة ظهور احلزن(2).

»وسوء المنقلب« أي: أعوذ بك من سوء الرجوع بأن يصيبنا حزن أو مرض.

(1) تفة األحوذي )280/9(.(2) المنتقى رشح الموطأ )303/7(.

145


»يف المال واألهل« مثل أن يعود غري مقيض احلاجة أو لنائبة أصابته يف النفس كمرض، أو المال كرسقة كله أو بعضه، واألهل

أي: الزوجة واخلدم واألقارب كمرض أحدهم أو فقده.

ويف الفائق: كآبة المنقلب أن ينقلب إىل وطنه فيلقى ما يكتئب منه من أمر أصابه يف سفره أو فيام يقدم عليه(1).

* * *

ذكر الرجوع من السفر:

عن عبد اهلل بن عمر أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص كان إذا قفل(2) من غزو أو حج أو عمرة يكر عىل كل رشف من األرض ثالث تكبريات ثم يقول: »ل إله إلى اهلل وحده ل رشيك له له الملك وله احلمد وهو عل نا حامدون، كل يشء قدير، آيبون))( تائبون عابدون ساجدون لربى

صدق اهلل وعده ونرص عبده وهزم األحزاب وحده«(4).

مناسبة جميء التهليل بعد التكبري:

قال احلافظ يف الفتح )11/ 189(: »قال القرطبي: ويف تعقيب التكبري بالتهليل إشارة إىل أنه المتفرد بإجياد جيع الموجودات،

وأنه المعبود يف جيع األماكن«.

(1) مرقاة املفاتيح )305/8(.(2) القفول: الرجوع.

(3) اإلياب: الرجوع والعودة.(4) متفق عليه.

146


شكر اهلل تعاىل عل نعمه:

قال ابن عبد الر -رمحه اهلل- : »وليس يف هذا احلديث إال احلض عىل شكر اهلل للمسافر عىل أوبته ورجعته، وشكر اهلل تعاىل والثناء عليه بام هو أهله واجب عىل كل مؤمن الزم له بدليل قوله تعاىل: )ى ائ ائ ەئ ەئ وئ(، ومن

الشكر االعرتاف بالنعمة، فنعمة اهلل عظيمة.

ومعنى آيبون راجعون، ومعنى تائبون: أي من الرشك والكفر، عائدون بام افرتضه عليهم ورضيه منهم، ساجدون لوجهه ال

لغريه، حامدون عىل ذلك كله.

وقوله: »صدق اهلل وعده« فيام كان وعده من ظهور دينه، وذلك كله اعرتاف بالنعمة وشكر هلا«(1).

* * *

حال اهلم واحلزن:

عن عبد اهلل بن مسعود قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »ما أصاب أحدا قط هم ول حزن فقال: اللهم إينى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك))( ماض يف حكمك عدل يف قضاؤك، يت به نفسك أو علىمته أحدا من أسألك بكل اسم هو لك سمى

(1) االستذكار )397/4(.(2) الناصية: مقدم الرأس، وهي هنا إشارة إىل أن إحاطته كاملة للعبد.

147


خلقك أو أنزلته يف كتابك أو استأثرت به يف علم الغيب عندك: أن جتعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجالء حزين وذهاب مهىي، ه وحزنه وأبدله مكانه فرجا« فقيل: يا رسول اهلل إلى أذهب اهلل مهى

أل نتعلىمها؟ فقال: »بل ينبغي ملن سمعها أن يتعلىمها«(1).

وهذا احلديث يتضمن أربعة أصول، ال سبيل للعبد إىل نيل السعادة وزوال اهلم والغم إال باإلتيان هبا وتقيقها:

األصل األول: هو تقيق العبادة هلل ومتام االنكسار بني يديه، ). واعرتاف العبد بأنه خملوق هلل مملوك له هو وآباؤه وأمهاته،

وذلك يف قوله: »اللهم إين عبدك وابن عبدك وابن أمتك«

فلم يكتف بقوله: »إين عبدك« بل زاد »وابن عبدك وابن أمتك« إلظهار التذلل واخلضوع، واالعرتاف بالعبودية، فهذا أبلغ وآكد يف إظهار التذلل والعبودية، ألن من ملك

رجال ليس مثل من ملكه مع أبويه.

األصل الثاين: أن يؤمن العبد بقضاء اهلل وقدره، وأن ما ). شاء كان وما مل يشأ مل يكن، وأنه ال معقب حلكمه، وال راد لقضائه، وذلك يف قوله: »ناصيتي بيدك ماض يف حكمك

عدل يف قضاؤك«.

األصل الثالث: أن يؤمن العبد بأسامء اهلل احلسنى وصفاته ). العظيمة الواردة يف الكتاب والسنة، ويتوسل هبا إىل اهلل

(1) رواه أمحد )3704(، وصححه األلباين يف الصحيحة )199(.

148


تعاىل، وذلك يف قوله: »أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته يف كتابك أو

استأثرت به يف علم الغيب عندك«.

األصل الرابع: هو العناية بالقرآن الكريم، كالم اهلل عز . وجل، المشتمل عىل اهلداية والشفاء والكفاية والعافية، والعبد كلام كان عظيم العناية بالقرآن نال من السعادة والطمأنينة وراحة الصدر وزوال اهلم والغم بحسب ذلك، وهلذا قال يف الدعاء: »أن تعل القرآن ربيع قلبي

ونور صدري وجالء حزين وذهاب مهي«.

فهذه أربعة أصول عظيمة مستفادة من هذا الدعاء المبارك، لها ونسعى يف تقيقها؛ لننال هذا الموعود ينبغي علينا أن نتأمه الكريم والفضل العظيم، وهو قوله ملسو هيلع هللا ىلص: »إلى أذهب اهلل مهى

وحزنه وأبدله مكانه فرجا«(1).

وعن أنس قال: كنت أسمع رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص كثريا يقول: »اللهم إينى أعوذ بك من اهلم واحلزن، والعجز والكسل، والبخل

جال«(2). ين وغلبة الرى واجلبن، وضلع الدى

: اهلم يف المتوقع، واحلزن قوله: »من اهلم واحلزن« قال الطيبيفيام فات.

(1) فقه األدعية واألذكار )186188/3(.(2) رواه البخاري )2893( -واللفظ له - ومسلم )2706(.

149


و»العجز«: هو ضد القدرة.

و»الكسل«: هو التثاقل عن األمر المحمود.

و»البخل«: هو ترك أداء الواجبات المالية.

و»اجلبن«: ضد الشجاعة، وهو اخلوف عند القتال(1).

قوله »وضلع الدين«: أصل الضلع: االعوجاج، والمراد به هنا ثقل الدين وشدته وذلك حيث ال جيد من عليه الدين وفاء

وال سيام مع المطالبة.

وقال بعض السلف: ما دخل هم الدين قلبا إال أذهب من العقل ما ال يعود إليه.

قوله »وغلبة الرجال«: أي قهرهم وشدة تسلطهم، فاستعاذ من أن يغلبه الرجال ملا يف ذلك من الوهن يف النفس والمعاش.

: هذا الدعاء من جوامع الكلم، ألن أنواع الرذائل قال الكرماينثالثة: نفسانية وبدنية وخارجية، والدعاء مشتمل عىل االستعاذة

من جيع ذلك.

وحمصله أن اهلم ملا يتصوره العقل من المكروه يف احلال، واحلزن ملا وقع يف المايض، والعجز ضد االقتدار، والكسل ضد

النشاط، والبخل ضد الكرم، واجلبن ضد الشجاعة(2).

* * *

(1) عون المعبود )280281/4(.(2) فتح الباري )174/11(.

150


دعاء الكرب:

عن ابن عباس قال: كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص يدعو عند الكرب يقول: »ل إله إلى اهلل العظيم احلليم، ل إله إلى اهلل رب العرش موات ورب األرض ورب العرش العظيم، ل إله إلى اهلل رب السى

الكريم«(1).

ومناسبة قوله: »ال إله إال اهلل العظيم«: أنه ال يتعاظمه مسؤول وإن عظم، ومنه إزالة الكرب الذي ال يزيله غريه.

العرش ربوبيته فمن وسعت العظيم«: العرش »ورب الذي وسع المخلوقات كلها، جدير بأن يزيل الكروب ويرفع

اللغوب(2).

وكرر ذكر العرش مرتني ألن العرش أعظم المخلوقات، وأعىل الموجودات، تنبيها عىل عظمة شأنه، وعىل عظم خالقه(3).

قال ابن بطال -رمحه اهلل-: »حدثني أبو بكر الرازي قال: كنت بأصبهان عند الشيخ أبى نعيم أكتب عنه احلديث، وكان هناك شيخ آخر يعرف بأيب بكر بن عيل، وكان عليه مدار الفتيا، فحسده بعض أهل البلد فبغاه عند السلطان، فأمر بسجنه، وكان ذلك يف شهر رمضان، قال أبو بكر: فرأيت النبي ملسو هيلع هللا ىلص يف المنام وجريل

(1) رواه البخاري )6346( ومسلم )2730(.(2) الفتوحات الربانية )5/4(.

(3) العلم اهليب )336(.

151


عن يمينه حيرك شفتيه ال يفرت من التسبيح، فقال يل النبي ملسو هيلع هللا ىلص: قل أليب بكر بن عيل: يدعو بدعاء الكرب الذي يف صحيح البخاري

حتى يفرج اهلل عنه.

فأصبحت فأتيت إليه وأخرته بالرؤيا، فدعا به فام بقي إال قليال حتى أخرج من السجن.

ففي هذه الرؤيا شهادة النبي ملسو هيلع هللا ىلص لكتاب البخاري بالصحة بحرضة جريل ملسو هيلع هللا ىلص، والشيطان ال يتصور بصورة النبي يف

المنام«(1).

ويف احلديث فضل التوحيد وأثره العظيم يف كشف الكرب وزوال اهلم والغم، وكام قال تعاىل عن نبيه يونس عليه السالم

وهو يف أعظم ساعات الكرب: )ک ک ک ک گ گ ڻ ں ں ڱ ڱ ڱ ڱ ڳ ڳ ڳ ڳ گ گ ھھ ہ ہ ہ ہ ۀ ۀ ڻ ڻ ڻ

ھ ھ ے( ]األنبياء: 87- 88].

عن سعد بن أيب وقاص قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »دعوة ذي النىون إذ دعا وهو يف بطن احلوت: ل إله إلى أنت سبحانك ه مل يدع هبا رجل مسلم يف يشء قط إلى إينى كنت من الظىالمني، فإنى

استجاب اهلل له«(2).

(1) رشح صحيح البخاري )109110/10(.

(2) رواه الرتمذي )3505( وصححه األلباين.

152


وعن أيب بكرة قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »دعوات المكروب: اللهم رمحتك أرجو فال تكلني إىل نفس طرفة عني،

وأصلح يل شأين كله، ال إله إال أنت«(1).

قوله: »رمحتك أرجو«: قدم الرمحة عىل الطلب والرجاء، والتقديم يفيد القر، أي ال أرجو سوى رمحتك.

»فال تكلني إىل نفس« فضال عن غريها.

فإنك إن تكلني إىل نفس تكلني إىل ضعف وعورة وذنب وخطيئة(2).

وقال المناوي: »ختمه بكلمة التوحيد إشارة إىل أن الدعاء إنام ينفع المكروب ويزيل كربه إذا كان مع حضور القلب، ومن شهد هلل بالتوحيد واجلالل مع جع اهلمة وحضور البال فهو حري

بزوال الكرب يف الدنيا والرمحة ورفع الدرجات يف العقبى«(3).

ومناسبة الدعاء بكلمة التوحيد إلزالة الكرب: أن كلمة التوحيد تنري القلب، وترشق الروح، وإذا استنار القلب زال عنه

الكرب.

هك عن أن يعجزك يشء(4). وقوله: »سبحانك« أي أنز

(1) رواه أبو داود )5090( وأمحد )27898(.(2) الفتوحات الربانية )9/4(.

(3) فيض القدير )526/3(.(4) الفتوحات الربانية )11/4(.

153


ه أو يكرهه؟ ماذا يقول من أتاه أمر يرس

عن عائشة قالت: كان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص إذا رأى ما حيب قال: احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات، وإذا رأى ما يكره

قال: احلمد هلل عىل كل حال(1).

قال المناوي -رمحه اهلل-: »أحوال المؤمن كلها خري، وقضاء اهلل بالرساء والرضاء رمحة ونعمة، ولو انكشف له الغطاء لفرح بالرضاء أكثر من فرحه بالرساء، وهو أعلم بام يصلح به عبده. ونبه هبذا احلديث عىل أن عىل العبد أن حيمد اهلل عىل الرساء والرضاء، وعىل أن للصابرين محدا خيصهم وهو احلمد هلل عىل كل حال، وأن للشاكرين محدا خيصهم وهو احلمد هلل الذي بنعمته تتم

الصاحلات«(2).

* * *

مناسبة ذكر اهلل عند القتال:

وئ وئ ەئ ەئ ائ ائ )ى تعاىل: قال ۇئ ۇئ ۆئ ۆئ ۈئ( ]األنفال: 45].

أمر اهلل عباده بذكره كثريا عند مصابرة العدو والتالحم بالرماح والسيوف، ألهنا حالة يقع فيها الذهول يف هذا الموطن

(1) رواه ابن ماجة )3803( وحسنه األلباين.(2) فيض القدير )368/1(.

154


العظيم، فأمروا فيها بذكر اهلل تعاىل الذي يفزع إليه عند الشدائد، ففيه تنبيه للعبد أال يشغله عن ذكر اهلل تعاىل يشء، وأنه يلتجئ إليه عند الشدائد، واثقا بأن لطفه ال ينفك عنه يف حال من األحوال(1).

ان وعن سهل بن سعد قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »ثنتان ل تردىعاء عند النىداء، وعند البأس حني يلحم ان- : الدى -أو قلىام تردى

بعضهم بعضا«(2).

* * *

ذكر اهلل عند وسوسة الشيطان:

قال اهلل عز وجل: )ہ ھ ھ ھ ھ ے ےۓ ۓ ڭ ڭ ڭ( ]فصلت: 36].

قال ابن كثري -رمحه اهلل-: »أي: إن شيطان اإلنس ربام ينخدع باإلحسان إليه، فأما شيطان اجلن فإنه ال حيلة فيه إذا وسوس إال االستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت باهلل وجلأت

إليه كفه عنك ورد كيده«(3).

وقد سمى اهلل عز وجل الشيطان ب »الوسواس اخلناس«؛ ألنه إذا ذكر اهلل خنس، وإذا غفل عن ذكر اهلل وسوس(4).

(1) الفتوحات الربانية )51/5(.(2) رواه أبو داود )2540( وصححه األلباين.

(3) تفسري ابن كثري )166/7(.(4) تفسري الطري )709/24(، جمموع الفتاوى )16/2(.

155


وعن سهيل بن أيب صالح قال: »أرسلني أيب إىل بني حارثة، ومعي غالم لنا، فناداه مناد من حائط باسمه، وأرشف الذي معي عىل احلائط فلم ير شيئا، فذكرت ذلك أليب، فقال: لو شعرت أنك تلق هذا مل أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصالة؛ فإين سمعت أبا هريرة حيدث عن رسول اهلل أنه قال: »إن الشيطان

إذا نودي بالصالة وىل وله حصاص«(1).

وقيل: واية األخرى. الر »الحصاص« أي رضاط كام يف ة العدو. »احلصاص« شد

فإن قيل: ما احلكمة من أن الشيطان هيرب من األذان، وال هيرب من قراءة القرآن، وهي أفضل من األذان؟

قيل: إنام أدبر الشيطان عند األذان لئال يسمعه؛ فيضطر للشهادة له بام سمع إذا استشهد يوم القيامة؛ لقول النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »ل يسمع صوت المؤذىن جنى ول إنس ول يشء إلى شهد له يوم

القيامة«(2).

وقيل: إنام يدبر لعظم أمر األذان ملا اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار شعائر اإلسالم.

وقيل: ليأسه من وسوسة اإلنسان عند اإلعالن بالتوحيد(3).

(1) رواه مسلم )389(.(2) رواه البخاري )609(.

(3) رشح النووي عىل مسلم )92/4(.

156


ويف احلديث دليل عىل جواز األذان يف غري وقته لدفع الشيطان(1).

* * *

تلقني المحترض:

عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »من كان آخر كالمه: ل إله إلى اهلل دخل اجلنىة«(2).

قال الكرماين -رمحه اهلل-: »قوله: »ال إله إال اهلل« أي: هذه الكلمة، والمراد هي وضميمتها »حممد رسول اهلل(«(3).

وقال احلافظ -رمحه اهلل-: »المراد بقوله »ال إله إال اهلل« كلمتا الشهادة، فال يرد إشكال ترك ذكر الرسالة. قال الزين بن المنري:

قول ال إله إال اهلل لقب جرى عىل النطق بالشهادتني رشعا«(4).

فيستحب تذكري المحترض هبذه الكلمة لتكون آخر ما يتكلم به.

ومن لطيف ما يروي يف هذا الباب: ما رواه احلاكم يف معرفة علوم احلديث(5) عن أيب جعفر حممد بن عيل الساوي وراق أيب زرعة قال: »حرضت أبا زرعة بامشهران وكان يف السوق -يعني يف

(1) العلم اهليب )ص356(.(2) رواه أبو داود )3116( وصححه األلباين.

(3) عون المعبود )267/8(.(4) فتح الباري )110/3(.

(5) معرفة علوم احلديث )ص76(.

157


الموت- وعنده أبو حاتم، وحممد بن مسلم بن وارة، والمنذر بن نوا موتاكم شاذان، وجاعة من العلامء، فذكروا قول النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »لقىل إله إلى اهلل«، فاستحيوا من أيب زرعة، وقالوا: تعالوا نذكر احلديث، فقال أبو عبد اهلل بن وارة: حدثنا الضحاك بن خملد أبو عاصم قال: ثنا عبد احلميد بن جعفر، عن صالح.. ومل جياوز، والباقون سكتوا، فقال أبو زرعة وهو يف السوق: ثنا بندار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عبد احلميد بن جعفر، عن صالح بن أيب عريب، عن كثري بن مرة ، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »من كان احلرضمي

آخر كالمه ل إله إلى اهلل دخل اجلنىة« ومات رمحه اهلل«(1).

* * *

ذكر اهلل عند الغضب:

عن سليامن بن رصد قال: كنت جالسا مع النبي ملسو هيلع هللا ىلص ورجالن يستبان، فأحدمها امحر وجهه وانتفخت أوداجه(2)، فقال النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »إينى ألعلم كلمة لو قاهلا ذهب عنه ما جيد، لو قال أعوذ

يطان ذهب عنه ما جيد«. باهلل من الشى

فقالوا له: إن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: تعوذ باهلل من الشيطان. فقال: وهل يب جنون؟(3).

(1) وانظر: اجلرح والتعديل )346/1(، شعب اإليامن )546/6(.(2) األوداج: العروق المحيطة بالعنق.


158


فالغاضب يستعيذ من الشيطان ألن الغضب نوع من رش الشيطان، وهلذا خيرج به عن صورته ويزين إفساد ماله، كتقطيع ثوبه وكرس آنيته، أو اإلقدام عىل من أغضبه، ونحو ذلك مما

يتعاطاه من خيرج عن االعتدال(1).

* * *

تشميت العاطس:عن أيب هريرة عن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: »إذا عطس أحدكم فليقل احلمد هلل، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرمحك اهلل، فإذا قال

له يرمحك اهلل فليقل: يديكم اهلل ويصلح بالكم«(2).

قال ابن القيم -رمحه اهلل-: »ملا كان العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج األبخرة المحتقنة يف دماغه التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عرسة، رشع له محد اهلل عىل هذه النعمة مع بقاء أعضائه عىل التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التي هي للبدن كزلزلة األرض هلا... فإن العطاس حيدث يف األعضاء

حركة وانزعاجا«(3).

وقال ابن هبرية -رمحه اهلل-: »قال الرازي(4): العطاس ال يكون أول مرض أبدا، إال أن تكون له زكمة.

(1) فتح الباري )467/10(.(2) رواه البخاري )6224(.

(3) زاد المعاد )400/2(.(4) هو أبو بكر حممد بن حييى بن زكريا الرازي، أحد األطباء المشهورين.

159


قال ابن هبرية: فإذا عطس اإلنسان استدل بذلك من نفسه عىل صحة بدنه وجودة هضمه واستقامة قوته؛ فينبغي له أن حيمد

اهلل«(1).

* * *

الذكر عند صياح الديك ونيق احلامر:

يكة عن أيب هريرة أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص قال: »إذا سمعتم صياح الدىا رأت ملكا، وإذا سمعتم نيق احلامر فاسألوا اهلل من فضله فإنى

ه رأى شيطانا«(2). يطان فإنى ذوا باهلل من الشى فتعوى

قوله: »إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا اهلل من فضله« قال القايض عياض: »كان السبب فيه رجاء تأمني المالئكة عىل دعائه

واستغفارهم له وشهادتم له باإلخالص«.

وأخرج أبو داود (5101) وأمحد (21171) من حديث زيد بن خالد رفعه »ال تسبوا الديك فإنه يدعو إىل الصالة«(3).

: »يؤخذ منه أن كل من استفيد منه اخلري ال ينبغي قال احلليميأن يسب وال أن يستهان به، بل يكرم وحيسن إليه«.

قال: »وليس معنى قوله: »فإنه يدعو إىل الصالة« أن يقول

(1) اآلداب الرشعية )334/2(.(2) رواه البخاري )3303( ومسلم )2729( وأبو داود )5102( والرتمذي

(3459( والنسائي يف الكرى )10780(.(3) صححه األلباين يف صحيح أيب داود وغريه.

160


بصوته حقيقة صلوا أو حانت الصالة، بل معناه أن العادة جرت بأنه يرخ عند طلوع الفجر وعند الزوال فطرة فطره

اهلل عليها«.

قوله: »وإذا سمعتم هناق احلمري فتعوذوا باهلل من الشيطان«.

قال عياض: »وفائدة األمر بالتعوذ ملا خيشى من رش الشيطان ورش وسوسته، فيلجأ إىل اهلل يف دفع ذلك«(1).

فائدة: هذا احلديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والرتمذي والنسائي يف الكرى كلهم عن شيخ واحد وهو قتيبة بن سعيد.

وروى أبو يعىل (2327) عن جابر بن عبد اهلل قال: سمعت رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يقول: »إذا سمعتم نباح الكلب بالليل أو نيق

احلمري فتعوذوا باهلل؛ فإنم يرون ما ل ترون«(2).

قال احلافظ ابن رجب -رمحه اهلل-: »يستعاذ باهلل عند سامع صوت احلامر بالليل، ألنه يرى الشيطان«(3).

وقال أبو احلسن المباركفوري -رمحه اهلل-: »قيل: أطلق األمر بالتعوذ عند هنيق احلمري يف حديث الباب فاقتىض أنه ال فرق يف طلبه بني الليل والنهار، وخصه يف رواية أخرى بالليل. فإما أن حيمل المطلق عىل المقيد، أو يقال: خص الليل ألن انتشار

(1) فتح الباري )353/6(.(2) صححه األلباين يف الصحيحة )3184(.

(3) فتح الباري - البن رجب )135/4(.

161


الشياطني فيه أكثر، فيكون هنيق احلمري فيه أكثر، فلو وقع هنارا كان ذلك.

وقال الشوكاين: »يف قوله يف احلديث اآلخر »من الليل«: يقيد المطلق؛ فتكون االستعاذة إذا سمع النهيق والنباح ليال ال هنارا«(1).

* * *

دعاء من رأى مبتل:

عن عمر أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص قال: »من رأى صاحب بالء لني عل كثري ممىن فقال: احلمد هلل الىذي عافاين ممىا ابتالك به وفضى

خلق تفضيال، إلى عويف من ذلك البالء«(2).

قوله: »من رأى صاحب بالء« أي مبتىل يف أمر بدين كرص وقر فاحش أو طول مفرط أو عمى أو عرج أو اعوجاج يد

ونحوها، أو ديني بنحو فسق وظلم وبدعة وكفر وغريها.

»احلمد هلل الذي عافاين مما ابتالك به«؛ فإن العافية أوسع من البلية؛ ألهنا مظنة اجلزع والفتنة، وحينئذ تكون حمنة أي حمنة،

والمؤمن القوي أحب إىل اهلل من المؤمن الضعيف.

»وفضلني عىل كثري ممن خلق تفضيال« أي يف الدين والدنيا والقلب والقالب.

(1) مرعاة المفاتيح )166/8(.(2) رواه الرتمذي )3431( وحسنه األلباين.

162


»إال عويف من ذلك البالء« أي مل ير أحد صاحب بالء فقال هذا الدعاء إال عويف من ذلك البالء(1).

قال الرتمذي عقبه: »وقد روي عن أيب جعفر حممد بن عيل أنه قال: إذا رأى صاحب بالء فتعوذ منه يقول ذلك يف نفسه وال

يسمع صاحب البالء«.

قال النووي: »ينبغي أن يقول هذا الذكر رسا بحيث يسمع نفسه وال يسمعه المبتىل؛ لئال يتأمل قلبه بذلك، إال أن تكون بليته معصية فال بأس أن يسمعه ذلك إن مل خيف من ذلك

مفسدة«(2).

* * *

ذكر اهلل عل الطعام:

عن عائشة قالت: كان رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يأكل طعاما يف ستة نفر من أصحابه، فجاء أعرايب فأكله بلقمتني، فقال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: ه لو كان قال: بسم اهلل، لكفاكم، فإذا أكل أحدكم طعاما »أما إنىله فليقل: بسم اهلل فليقل: بسم اهلل، فإن نيس أن يقول بسم اهلل يف أوى

له وآخره«(3). يف أوى

قال المباركفوري -رمحه اهلل-: »قوله: »فإن نس يف أوله« أي

(1) تفة األحوذي )275/9(.(2) األذكار )ص303(.

(3) رواه الرتمذي )1858( وصححه، وابن ماجة )3264( وصححه األلباين.

163


فإن نس حني الرشوع يف األكل ثم تذكر يف أثنائه أنه ترك التسمية أوال »فليقل بسم اهلل يف أوله وآخره« والمعنى: يف جيع أجزائه، كام يشهد له المعنى الذي قصد به التسمية، فال يقال ذكرمها خيرج الوسط، فهو كقوله تعاىل: )ېئ ېئ ېئ ىئ ىئ( مع قوله

: )ڀ ٺ(. عز وجل

ويمكن أن يقال: المراد بأوله النصف األول وبآخره النصف الثاين فيحصل االستيفاء واالستيعاب.

ويف احلديث دليل عىل مرشوعية التسمية لألكل وأن النايس يقول يف أثنائه: بسم اهلل يف أوله وآخره، وكذا التارك للتسمية

عمدا يرشع له التدارك يف أثنائه.

قال يف اهلدي: والصحيح وجوب التسمية عند األكل وهو أحد الوجهني ألصحاب أمحد، وأحاديث األمر هبا صحيحة رصحية ال معارض هلا وال إجاع يسوغ خمالفتها وخيرج عن

ظاهرها«(1).

* * *

دعاء كفارة المجلس:

عن أيب هريرة قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »من جلس يف جملس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من جملسه ذلك: سبحانك

(1) تفة األحوذي )483484/5(.

164


اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إلى أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلى غفر له ما كان يف جملسه ذلك«(1).

وروى النسائي يف الكرى )0067)( عن عائشة قالت: ما ، وال تال قرآنا، وال صىل صالة جلس رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص جملسا قطإال ختم ذلك بكلامت، قالت: فقلت: يا رسول اهلل، أراك ما تلس جملسا، وال تتلو قرآنا، وال تصيل صالة إال ختمت هبؤالء الكلامت؟ قال: »نعم، من قال خريا ختم له طابع عل ذلك اخلري، ارة: سبحانك وبحمدك، ل إله إلى أنت، ا كن له كفى ومن قال رشى

أستغفرك وأتوب إليك«.

ورواه يف الصغرى (1344) ولفظه: عن عائشة أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص كان إذا جلس جملسا أو صىل تكلم بكلامت، فسألته عائشة عن م بخري كان طابعا عليهن إىل يوم القيامة، الكلامت فقال: »إن تكلىارة له: سبحانك اللهم وبحمدك م بغري ذلك كان كفى وإن تكلىأستغفرك وأتوب إليك«. ورواه أمحد (23965) ولفظه: »سبحانك

وبحمدك ل إله إلى أنت أستغفر اهلل وأتوب إليه«(2).

فكثر فيه لغطه: قال يف النهاية: اللغط صوت وضجة ال يفهم معناها(3).

(1) رواه الرتمذي )3433( وصححه، وصححه األلباين.(2) صححه األلباين يف صحيح النسائي وغريه.

(3) النهاية )517/4(.

165


والمراد ما يشابه اهلذيان مما ال طائل تته، وأشد منه ما يقع يف المجلس من غيبة ونميمة.

سبحانك اللهم وبحمدك: أي أسبحك وأمحدك، أو أسبح حامدا لك(1).

تنبيه مهم:

قال ابن حجر: »ينبغي أن ال يذكر هذا الذكر والذي فيه »أستغفرك وأتوب إليك« إال بعد أن توجد منه توبة صحيحة مما هو فيه من المعاص، أما المقيم عىل المعصية القائل بذلك فهو كاذب بني يدي اهلل تعاىل، فربام خيشى عليه من المقت، فليتنبه له؛

فإنه كثريا ما يغفل عنه«(2).

* * *

الدعاء ملن صنع معروفا:

عن أسامة بن زيد قال: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك اهلل خريا فقد أبلغ يف الثىناء«(3).

قوله:»فقال لفاعله« أي بعد عجزه عن إثابته، وقيل بل مطلقا.


(2) الفتوحات الربانية )169/7(.(3) رواه الرتمذي )2035( وحسنه، وصححه األلباين.

166


»جزاك اهلل خريا« أي خري اجلزاء، أو أعطاك خريا من خريي الدنيا واآلخرة.

»فقد أبلغ يف الثناء« أي بالغ يف أداء شكره؛ وذلك أنه اعرتف بالتقصري وأنه ممن عجز عن جزائه وثنائه ففوض جزاءه إىل اهلل

ليجزيه اجلزاء األوىف.

قال بعضهم: إذا قرت يداك بالمكافأة، فليطل لسانك بالشكر والدعاء(1).

قال الرتمذي عقب هذا احلديث:

حدثني عبد الرحيم بن حازم البلخي قال: سمعت المكي بن إبراهيم يقول: كنا عند ابن جريج المكي فجاء سائل فسأله فقال ابن جريج خلازنه: أعطه دينارا فقال: ما عندي إال دينار إن أعطيته : فنحن جلعت وعيالك. قال: فغضب وقال: أعطه. قال المكيعند ابن جريج إذ جاءه رجل بكتاب ورصة وقد بعث إليه بعض إخوانه ويف الكتاب: إين قد بعثت مخسني دينارا. قال: فحل ابن ة فعدها فإذا هي أحد ومخسون دينارا. قال: فقال ابن جريج الرجريج خلازنه: قد أعطيت واحدا فرده اهلل عليك وزادك مخسني

دينارا.

* * *


167


ذكر النكاح والتهنئة به والدخول بالزوجة:

التهنئة بالنكاح:

الذي ورد يف السنة أن تنئة الزوجني بالنكاح تكون بالدعاء هلام بالركة؛ فعن أيب هريرة أن النبي ملسو هيلع هللا ىلص كان إذا رفأ اإلنسان(1) إذا

تزوج قال: »بارك اهلل لك وبارك عليك ومجع بينكام يف اخلري«(2).

وعن احلسن البري قال: تزوج عقيل بن أيب طالب امرأة من بني جثم فقيل له: بالرفاء والبنني. قال: قولوا كام قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص:

»بارك اهلل فيكم وبارك لكم«(3).

قال ابن القيم -رمحه اهلل-: »كانت اجلاهلية يقولون يف تنئتهم بالنكاح: بالرفاء والبنني. والرفاء االلتحام واالتفاق، أي تزوجت زواجا حيصل به االتفاق وااللتحام بينكام والبنون، فيهنئون بالبنني سلفا وتعجيال، وال ينبغي للرجل أن هينئ باالبن وال هينئ بالبنت، بل هينئ هبام، أو يرتك التهنئة ليتخلص من سنة اجلاهلية؛

فإن كثريا منهم كانوا هينئون باالبن وبوفاة البنت دون والدتا.

وقال أبو بكر بن المنذر يف األوسط: روينا عن احلسن البري أن رجال جاء إليه وعنده رجل قد ولد له غالم فقال له: هينك الفارس. فقال له احلسن: ما يدريك فارس هو أو محار!

(1) يعني هنأه ودعا له.(2) رواه أبو داود )2130( والرتمذي )1091( وصححه، وصححه األلباين.

(3) رواه النسائي )3371( وصححه األلباين.

168


قال: فكيف نقول؟ قال: قل: بورك لك يف الموهوب وشكرت الواهب وبلغ رشده ورزقت بره«(1).

عند الدخول بالزوجة:

إذا دخل الزوج عىل زوجته ليلة الزفاف، يسن له أن يقول ما ورد يف حديث عبد اهلل بن عمرو عن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص ج أحدكم امرأة أو اشرتى خادما فليقل: أنه قال: »إذا تزوىاللهم إينى أسألك خريها وخري ما جبلتها عليه وأعوذ بك ها ومن رش ما جبلتها عليه. ثم ليأخذ بناصيتها وليدع من رشى

بالربكة«(2).

قوله: »اللهم إين أسألك خريها«: أي خري هذه المرأة كحسن المعارشة وحفظ الفراش واألمانة يف المال ورعاية حق الزوج،

ونحو ذلك.

»وخري ما جبلتها عليه«: أي خري ما خلقتها عليه من األخالق احلسنة والطباع المرضية والسجايا الكريمة.

»وأعوذ بك من رشها ومن رش ما جبلتها عليه«: فيه التعوذ باهلل وااللتجاء إليه، بأن يقيه ويسلمه مما فيها من رش يف خلقها

وتعاملها ومعارشتا وسجاياها.

وهذا فيه داللة عىل أن صالح أمر الزوجني والتئام شملهام ال

(1) تفة المودود )ص29(.(2) رواه أبو داود )2160( وصححه األلباين.

169


يتحقق إال بااللتجاء إىل اهلل، واالعتامد عليه، وسؤاله وحده العون والتوفيق والصالح.

الذكر عند إتيان األهل )اجلامع(:

عن ابن عباس قال: قال النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »لو أن أحدهم إذا أراد يطان يطان وجنىب الشى أن يأيت أهله قال: باسم اهلل اللهم جنىبنا الشىه شيطان أبدا«(1). ر بينهام ولد يف ذلك مل يرضى ه إن يقدى ما رزقتنا، فإنى

واحلكمة يف ذلك أن الشيطان له مشاركة يف األموال واألوالد، كام يف قوله تعاىل: )ۇ ۆ ۆ ۈ ۈٴۇ ۋ

ۋ ۅ ۅ ۉ( ]اإلرساء: 64].فإذا دعا المسلم هبذه الدعوة سلم من هذه المشاركة ووقي

من رشه.

»ال يرضه«: قال النووي: »قال القايض: قيل المراد بأنه ال يرضه أنه ال يرعه شيطان، وقيل ال يطعن فيه الشيطان عند والدته بخالف غريه. قال: ومل حيمله أحد عىل العموم يف جيع

الرضر والوسوسة واإلغواء، هذا كالم القايض«(2).

وقيل: مل يتسلط عليه بحيث يمنعه العمل الصالح.

ته يف وقال ابن اجلزري: مل يسلط عليه يف دينه، ومل تظهر مرضحقه بنسبة غريه(3).

(1) متفق عليه.(2) رشح النووي عىل مسلم )5/10(.


170


الذكر عند دخول السوق:

عن سالم بن عبد اهلل بن عمر عن أبيه عن جده أن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص وق: ل إله إلى اهلل وحده ل رشيك له له قال: »من قال يف السىالملك وله احلمد ييي ويميت وهو حي ل يموت بيده اخلري وهو عل كل يشء قدير، كتب اهلل له ألف ألف حسنة وحما عنه ألف

ألف سيىئة«(1).

: »خصه بالذكر ألنه مكان الغفلة عن ذكر اهلل قال الطيبيواالشتغال بالتجارة، فهو موضع سلطنة الشيطان وجممع جنوده، فالذاكر هناك حيارب الشيطان وهيزم جنوده، فهو خليق بام ذكر

من الثواب«(2).

والسوق من أماكن اللهو والغفلة؛ لذلك استحب ذكر اهلل فيه.

وعن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول اهلل مل أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: »ذلك شهر يغفل الناس عنه بني رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه األعامل إىل رب

العالمني؛ فأحب أن يرفع عميل وأنا صائم«(3).

(1) رواه الرتمذي )3429( وحسنه األلباين، وضعفه غريه، والراجح ضعفه، واهلل أعلم.

(2) تفة األحوذي )272/9(.(3) رواه النسائي )2357( وحسنه األلباين.

171


ففيه دليل عىل استحباب عامرة أوقات غفلة الناس بالطاعة وأن ذلك حمبوب هلل عز وجل؛ كام كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بني العشاءين بالصالة ويقولون: هي ساعة غفلة. ولذلك فضل القيام يف وسط الليل وآخره لشمول لغفلة

ألكثر الناس فيه عن الذكر.

قال ابن اجلوزي -رمحه اهلل-: »كل وقت يغفل الناس عنه يكون فاضال لقلة القائمني باخلدمة، وكام بني العشاءين، ونصف

الليل وأشباه ذلك«(1).

* * *

الدعاء عل العدو:

عن عبد اهلل بن أيب أوىف قال: إن رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص يف بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس ثم قام يف الناس حاب وهازم األحزاب فقال: »اللهم منزل الكتاب وجمري السى

اهزمهم وانرصنا عليهم«(2).

عاء إىل وجوه النىرص عليهم: فأشار هبذا الدى

فبالكتاب أشار إىل قوله تعاىل: )ٱ ٻ ٻ ٻ(.

(1) كشف المشكل )353/4(.(2) متفق عليه.

172


وب »جمري السحاب« إىل القدرة الظاهرة يف تسخري السحاب حيث حيرك الريح بمشيئة اهلل تعاىل، وحيث يستمر يف مكانه مع هبوب الريح، وحيث متطر تارة وأخرى ال متطر، فأشار بحركته إىل إعانة المجاهدين يف حركتهم يف القتال. وبوقوفه إىل إمساك

أيدي الكفار عنهم.

وبإنزال المطر إىل غنيمة ما معهم حيث يتفق قتلهم، وبعدمه إىل هزيمتهم حيث ال حيصل الظفر بيشء منهم، وكلها أحوال

صاحلة للمسلمني.

وأشار ب »هازم األحزاب« إىل النعمة السابقة، وإىل تريد التوكل، واعتقاد أن اهلل هو المنفرد بالفعل.

وفيه التنبيه عىل عظم هذه النعم الثالث؛ فإن بإنزال الكتاب حصلت النعمة األخروية وهي اإلسالم، وبإجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهي الرزق، وهبزيمة األحزاب حصل حفظ النعمتني، وكأنه قال: اللهم كام أنعمت بعظيم النعمتني

األخروية والدنيوية وحفظتهام فأبقهام(1).

* * *

الذكر عند التعزية:

عن أسامة بن زيد قال: أرسلت ابنة النبي ملسو هيلع هللا ىلص إليه: إن ابنا

(1) فتح الباري )157/6(.

173


يل قبض فأتنا، فأرسل يقرئ السالم ويقول: »إن هلل ما أخذ وله ما ى فلتصرب ولتحتسب«(1). أعطى وكل عنده بأجل مسم

فقدم ذكر األخذ عىل اإلعطاء مع أنه متأخر عنه يف الواقع، وذلك ملا يقتضيه المقام، والمعنى: أن اهلل إذا أراد أن يأخذه فهو الذي أعطاه، فإن أخذه أخذ ماله، فال ينبغي اجلزع إذا استعيد منه.

»فلتصر ولتحتسب« ألن غم اجلزع حينئذ ال فائدة له، بل هو سبب لفقد الثواب وعظم المصاب(2).

قال النووي -رمحه اهلل-: »وأما لفظة التعزية، فال حجر فيه، فبأي لفظ عزاه حصلت«(3).

وروى البيهقي عن اإلمام الشافعي أنه بلغه أن عبد الرمحن بن مهدي مات له ابن فجزع عليه جزعا شديدا، فبعث إليه الشافعي:

ى به غريك، واستقبح من فعلك ما يا أخي عز نفسك بام تعزتستقبحه من فعل غريك . واعلم أن أمض المصائب فقد رسور

وحرمان أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر ؟

فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد نأى عنك، أهلمك اهلل عند المصائب صرا، وأحرز لنا ولك بالصر

أجرا، وكتب إليه :

(1) متفق عليه.(2) الفتوحات الربانية )144/4(.

(3) األذكار )ص150(.

174


ثقة عل أين ل يك معزى إينى

ين من اخللود ولكن سنىة الدى

ميىته بعد بباق ى المعزى فام ي ولو عاشا إىل حني ))( ول المعزى

يه بابنه : »أما بعد، فإن الولد وكتب رجل إىل بعض إخوانه يعزعىل والده ما عاش حزن وفتنة، فإذا قدمه فصالة ورمحة، فال تزع عىل ما فاتك من حزنه وفتنته، وال تضيع ما عوضك اهلل عز وجل

من صالته ورمحته«.

وعن ابن جريج قال : »من مل يتعز عند مصيبته باألجر واالحتساب، سال كام تسلو البهائم «.

وإن قال يف التعزية: »أعظم اهلل أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر مليتك« فحسن(2).

* * *

الدعاء للمريض يف عيادته:

عن ابن عباس قال: كان النبي ملسو هيلع هللا ىلص إذا دخل عىل مريض يعوده قال: »ل بأس، طهور إن شاء اهلل«(3).

(1) مناقب الشافعي )9091/2(.(2) انظر: األذكار للنووي )ص152-150(.

(3) رواه البخاري )3616(.

175


قوله: »ال بأس«: أي ال شدة عليك وال أذى.

قال احلافظ: »أي أن المرض يكفر اخلطايا، فإن حصلت العافية فقد حصلت الفائدتان، وإال حصل ربح التكفري«(1).

قوله: )طهور(: أي هذا طهور لك من ذنوبك؛ أي: مطهرة.

وقال ابن بطال -رمحه اهلل-: »قوله لألعرايب: »ال بأس طهور إن شاء اهلل« إنام أراد تأنيسه من مرضه بأن اهلل يكفر ذنوبه، ويقيله، ويؤخر وفاته، فوقع االستثناء عىل ما رجا له من اإلقالة والفرج؛

ألن المرض معلوم أنه كفارة للذنوب«(2).

وقال ابن عثيمني -رمحه اهلل-: »)ال بأس(: يعني ال شدة عليك وال أذى، )طهور( يعني هذا طهور إن شاء اهلل. وإنام قال النبي ملسو هيلع هللا ىلص: »إن شاء اهلل«؛ ألن هذه جلة خرية وليست جلة دعائية؛ ألن الدعاء

ينبغي لإلنسان أن جيزم به وال يقل: إن شئت«(3).

* * *

دعاء زيارة القبور:

عن عائشة قالت: قال رسول اهلل ملسو هيلع هللا ىلص: »إن جريل أتاين، فقال: إن ربك يأمرك أن تأيت أهل البقيع فتستغفر هلم، قالت: قلت: كيف أقول هلم يا رسول اهلل؟ قال: قويل: السالم عىل أهل الديار من

(1) فتح الباري )119/10(.(2) رشح صحيح البخاري )484/10(.

(3) رشح رياض الصاحلني )484/4(.

176


المؤمنني والمسلمني، ويرحم اهلل المستقدمني منا والمستأخرين، وإنا إن شاء اهلل بكم لالحقون، نسأل اهلل لنا ولكم العافية«(1).

* * *

أحوال الناس يف زيارة القبور:

ال خترج أحوال الناس يف زيارة القبور عن أربع حاالت:

األوىل: أن يزور القبور ليدعو لألموات، فيسأل اهلل هلم المغفرة والرمحة، وليعتر بحال الموتى وما آلو إليه، فيحدث له

ذلك عرة وذكرى، وهذه هي الزيارة الرشعية.

الثانية: أن يزورها ليدعو لنفسه وملن أحب عندها معتقدا أن الدعاء يف المقابر أو عند قبور الصاحلني أفضل وأحرى بالقبول

واإلجابة، وهذه بدعة منكرة.

هم، الثالثة: أن يزورها ليدعو اهلل متوسال بجاه الموتى أو حقفيقول: أسألك يا ريب بجاه فالن أو بحق فال، فهذه بدعة حمرمة

ووسيلة إىل الرشك.

الرابعة: أن يزورها ليدعو المقبورين ويستغيث هبم ويطلب منهم المدد والعون والشفاء وغري ذلك، فهذا رشك أكر ناقل

عن ملة اإلسالم(2).

(1) رواه مسلم )974(.(2) فقه األدعية واألذكار )238/3(.

177


هذا ما تيرس جعه عىل سبيل االختصار يف معاين األذكار، أردنا به التنويه والتذكري، مع ذكر الفائدة التي تعني عىل ذلك؛ حتى يتسنى للذاكر أن يستحرض بعض تلك المعاين الرشعية؛ فيكون

ممن يذكر اهلل بلسانه وقلبه.

جعلنا الله وإخواننا المسلمني ممن يذكرون الله ذكرا كثيرا، ويسبحونه بكرة وأصيال؛ إنه سميع مجيب.

كيف عاملهم ملسو هيلع هللا ىلص.. )70 مسألة في الصيام.. )شرح األربعين النووية.. )أربعون نصيحة إلصالح البيوت.. زاد الصائم.. 5رمضان فرصة للتربية والتعليم.. 6األساليب النبوية في التعامل مع . 7

أخطاء الناس.كيف تقرأ كتابا.. 8أريد أن أتوب ولكن.... 9

التنبيهات الجلية.. 0))) سببا للخشوع في الصالة.. ))شكاوى وحلول.. ))ظاهرة ضعف اإليمان.. ))محرمات استهان بها كثير من الناس.. )وسائل الثبات على دين الله.. 5)كونوا على الخير أعوانا.. 6)أدرك أهلك قبل أن يحترقوا.. 7)حمى األلعاب اإللكترونية.. 8)المسابقات الشرعية.. 9)

العيد آداب وأحكام.. 0)المتقلبون.. ))اترك أثرا قبل الرحيل.. ))المجمعات التجارية.. ))رصاع مع الشهوات.. )األمة المالية.. 5)زاد الحج.. 6)بدعة إعادة فهم النص.. 7)مشروعك الذي يالئمك.. 8)نظرات في القصص والروايات.. 9)الفقه والعتبار في فاجعة السيل . 0)

الجرار.أخطار تهدد البيوت.. ))فتيان اإليمان.. ))الدليل إلى مراجع الموضوعات . ))

اإلسالمية.

سلسلة نسائم الشام:. )• طوبى للشام• سنن اهلل يف خلقه

من مؤلفات الشيخ

توزيعنرش

سلسلة أعمال القلوب:. 5)• اإلخالص.• التوكل.• اخلوف.• الرجاء.• التقوى.• املحاسبة.• التفكر.• املحبة.• الشكر.• الرضا.• الورع.• الصرب.

سلسلة أمراض القلوب:. 6)• الشهوة.• الرتف.• العشق.• الغفلة.• اجلدال واملراء.• الكرب.• النفاق.• حب الرياسة.• حب الدنيا.• اتباع اهلوى.

C

M

Y

CM

MY

CY

CMY

K

معاني الأذكار - محمد صالح المنجد

Education