القوقعة

156
1 خليفة مصطفىــوقعـة الق(( ص متلص يوميات)) كافيت في وسوزان جلست ي دامابѧ غيدѧ بعديѧ بلىѧ إلتقلنيѧ سيѧ التائرةѧ الطعѧ إقرѧ ننتظاريسѧ ببيѧ أورل مطار ريا ست. سنوات

Upload: introac

Post on 03-Jul-2015

1.451 views

Category:

Documents


2 download

DESCRIPTION

مصطفى خليل، رجل سوري، مسيحي، ملحد (كما وصف نفسه) في الثمانينات من القرن الماضي ألقي القبض عندما كان عائداً من فرنسا بتهمة الإشتباه بالإنتماء للإخوان المسلمين وقضى 13 سنة خلف جدران سجن تدمر. يروي الكاتب قصص مروعة عن منهجية التعذيب التي تعرض لها وآخرين إضافة لأولئك الذين قضوا نحبهم تحت التعذيب. ـ

TRANSCRIPT

1

مصطفى خليفة

القــوقعـة

(( يوميات متلصص ))

اب دام يجلست وسوزان في كافيت د غي دي بع ى بل تقلني إل اريس ننتظر إقالع الطائرة التي س ي بب ريا مطار أورل

سنوات. ست

2

ى مسامعي أخذت تك ،لم تيأس سوزان من محاولة إقناعي بالبقاء في فرنساحتى ربع الساعة األخير ھذا، رر عل

نفس الحجج التي سمعتھا منذ شھور عندما أعلمتھا بقراري النھائي بالعودة إلى الوطن والعمل ھناك.

اريس .أنا ابن عائلة عربية تدين بالمسيحية والمذھب الكاثوليكي ة يعيش في ب واب ،نصف العائل ذلك كانت األب ل

ل دراستي كانت سھلة ،مفتوحة أمامي للدراسة في ھذا البلد ى قب د الفرنسية حت ي كنت أجي وميسرة وخاصة إنن

اريس ى ب دومي إل تي ،ق ي دراس ت ف ينمائي وتفوق راج الس دي .درست اإلخ ى بل ي إل د تخرج ود بع ا أع ا أن وھ

.ومدينتي

ين ،سوزان أيضا ابنة عائلة عربية ولكن كل عائلتھا كانت قد ھاجرت وتعيش في فرنسا، أصبحنا صديقين حميم

نتين األخ رتين من دراستيفي الس ى ،ي ودة إل ى الع وال إصراري عل ائلتين ل ة الع زوج بمبارك ان يمكن أن نت وك

.وإصرارھا على البقاء في فرنسا ،الوطن

آلخر نقاش في الموضوع ونحن في المطار: ◌ قلت لھا حسما

ه شإ ،ليست رومانسية فارغة ھذه .أحب شوارعھا وزواياھا ي.مدينت ،سوزان .. أنا أحب بلدي - ،عور أصيلن

و ◌ أما ثانيا ،ھذا أوال .أحن إليھا ،أعشقھا ،أحفظ العبارات المحفورة على جدران البيوت القديمة في حينا ي أفھ نن

ا سوف ، ، في رأسي الكثير من المشاريع والخطط، إن طموحي كبير◌ متميزا ◌ أريد أن أكون مخرجا في فرنس

ا ى غريب دھم ،أبق أي الجيء عن ي ،أعمل ك د يتفضلون عل ات ... ال... ال أري بعض الفت ا صاحب .ب دي أن ي بل ف

ي …حق زة التفضل عل ل ،وليس ألحد مي د أستطيع أن أثبت وجودي بقلي ذا إذا نح ،من الجھ ا حاجة ھ ا جانب ين

.الوطن لي وألمثالي

.وكل محاولة إلقناعي عكس ذلك عبث ،لذلك قراري بالعودة نھائي

شربنا ما تبقى في كؤوسنا من بيرة ،وقفنا ،آن أوان صعود الطائرة .نداءسمعنا ال .ران صمت استمر بضع دقائق

قبلتھا سريعا. " ال ،ألقت بنفسھا على صدري ،لمحت مشروع دمعة في عينيھاا، نظرت إليھا متأثر ،دفعة واحدة

" أطيق ھكذا موقف

.قلت : أتمنى لك السعادة

.حافظ على نفسك ،أرجو أن تنتبه ،وأنا كذلك -

صعدت الطائرة.و

يوميات متلصص: *

.وان لم يخل األمر من ذلك -إن التلصص الذي مارسته لم يكن تلصصا جنسيا

.وكلمة ( كتبت ) في الجملة السابقة ليست دقيقة ،ھذه اليوميات كتبت معظمھا في السجن الصحراوي

الم د أق ي السجن الصحراوي ال يوج ة. والفف يأوراق للكتاب ذا ا ف بع ھ ى س وي عل ذي يحت لسجن الضخم ال

ا،رساحات إضافة إلى الساحة صف ى ، وعلى سبعة وثالثين مھجع ة وعل ر المرقم دة غي اجع الجدي د من المھ العدي

ه في لحظة من اللحظات ،والغرف والزنازين الفرنسية (السيلول ) في الساحة الخامسة ين جدران ذي ضم ب وال

3

ذا ال، في ھذا أكثر من عشرة آالف سجين سجن الذي كان يحتوي على أعلى نسبة لحملة الشھادات الجامعية في ھ

أية ورقة أو قلم. -وبعضھم قضى أكثر من عشرين عاما -لم ير السجناء ،البلد

م السجناء " .ره اإلسالميونالكتابة الذھنية أسلوب طو ر من عشرة آالف اسم، ھ ه أكث أحدھم كان يحفظ في ذھن

جن ال وا الس ذين دخل امھم، مصيرھم ال الھم، أحك اريخ اعتق راھم، ت دنھم أو ق ائالتھم، م ماء ع ع أس صحراوي، م

.....".

ى شريط تسجي ذھن إل ه ، سجلتلعندما قررت كتابة ھذه اليوميات كنت قد استطعت بالتدريب تحويل ال كل علي

.ما رأيت، وبعض ما سمعت

بعض" ما احتواه ھذا الشريط."فرغ أن اآلو

نعم صغيرة، وال كبيرة. .كنته قبل ثالثة عشر عاما ؟! ... نعم ... والھل أنا نفس ما -

نعم، ألنني أفرغ وأكتب "كتابة حقيقية" بع من ھذه اليوميات. ضا

يء ل ش ول ك ب وأق تطيع أن أكت ي ال أس ذ .وال.. ألنن وحي اھ ة ب ى عملي اج إل روط ،حت وح ش رف .وللب الظ

.رالموضوعي والطرف اآلخ

نيسان 20 رائعة.إنھا لحظة مدينتي.أنظر إلى األضواء البعيدة، أضواء .أتملى أبنية المطار سلم الطائرة قليال وقفت على

د باالرتياح،أخذت حقيبتي وجواز السفر في يدي، إحساس ،نزلت ة بع اه المألوف إحساس من يعود إلى بيته وزواي

غياب.طول

.فانتظرت االنتظار،بعدھا طلب مني عنده،راق رجع إلى أو ،قرأ جواز السفر .طلب مني الموظف االنتظار

.اثنان من رجال األمن استلما جواز السفر وبلطف مبالغ فيه طلبا مني مرافقتھما

ك –أنا وحقيبتي د ذل ا بع ل، أرقب األضواء –التي لم أرھ ق المطار الطوي ى طري يارة األمن عل ة في س ورحل

أساله: ،لتفت إلى رجل األمن الجالس إلى جواريأ ،أرقب أضواء مدينتي تقترب ،على جانبي الطريق

خير إن شاء هللا ؟ .. لماذا ھذه اإلجراءات ؟! -

!فأسكت ،ال ينطق بأي حرف، يطلب مني السكوت يصالب سبابته على شفتيه،

.رحلة من المطار إلى ذلك المبنى الكئيب وسط العاصمة. رحلة في المكان

ومنذ تلك اللحظة ولى ثالثة عشر عام .قادمة! رحلة في الزمان ا

ا، "عرفت فيما بعد أن أحدھم ،وكان طالبا معنا في باريس، قد كتب تقريرا رفعه إلى الجھة األمنية التي يرتبط بھ

يس ة بحق رئ ارات جارح ي تلفظت بعب ائم، وإنن ام الق ة للنظ ارات معادي د تفوھت بعب ي ق ر إنن ذا التقري ول ھ يق

بر الجرائم، يعادل فعل الخيانة الوطنية إن لم يكن أقسى.الدولة، وھذا الفعل يعتبر من اك

.وھذا جرى قبل ثالث سنوات على عودتي من باريس"

–التقرير قادني إلى ھذا المبنى الذي يتوسط العاصمة ذلك دا قريبا ه جي ذي أعرف ا من بيتنا ھذا المبنى ال ، فلطالم

الحراسة الشديدة حوله.وبه، بالغموض الذي يلف ثارا كنت حينھا م .مررت من أمامه

4

ل ى الممر الطوي اب إل ا الب دما ولجن اعدي عن ى س ي، اشتدت قبضاتھما عل في آخر الممر .رجال األمن يخفران

شاب، صاح عندما رآنا:

أھلين موسى ..شو ؟! أخضر وال أحمر؟ -

و أخرى من بعض.كل -

صوت من الداخل: أدخل. ...قرع الباب ...نمن الممر إلى ممر آخر، درج داخلي، ممر علوي، غرفة إلى اليمي

فتح مرافقي الباب بھدوء، ثم خبط األرض بقدميه بقوة:

سيدي. احترامي سيدي .. ھذا مطلوب جبناه من المطار .. -

ة، ح، العطور المختلف يط روائ انسلت إلى أنفي رائحة مميزة، ال يوجد مثيلھا إال في مكاتب ضباط األمن، ھي خل

ة، رائحة العرق اإلنساني، رائحة األرجل.السجائر الفاخر

العذاب اإلنساني. رائحة القسوة. .بيكل ذلك ممزوج برائحة التعذ

مما أن تصل الرائحة إلى أنف اإلنسان حتى يشعر بالرھبة والخوف، وقد شعرت بھ ا ا ا رغم اعتقادي أن التباس م

وراء كل ھذا.

شخص عمالق، أبيض الشعر ذو وجه أحمإلينا التفت ابا ه ش ر، لمحت عند قدمي ال مقرفصا ين، ق معصوب العين

العمالق:

خذه لعند أبو رمزت. -

ذا ا ممرات وأدراج، كم يبدو البناء صغير .جذبني المرافقان، ھذه المرة بعنف ظاھر من الخارج، بينما ھو بكل ھ

داال ا تق تغاثات، كلم اني واس لني أصوات صراخ إنس يرنا تص الل س داخل، خ ن ال اع م ذه تس زداد ھ ر ت منا أكث

األصوات ارتفاعا اب، رأيت مصدر الصراخ احد مرأفتح ،إلى القبو -عتقد أعلى ما –، نزلنا ووضوحا ي الب فق

دد أرضا والمحشور في دوالب واالستغاثة، فاجأتني صرخة ألم عالية إثر ضربة كابل على قدمي الشخص المم

سيارة خارجي، رجاله مرتفعتان في الھواء.

.رتجف"اسست أن شيئي بين فخدي قد "أح

من رؤية الكابل األسود يرتفع ثم يھوي على قدمي الشاب المحشور في دوالب السيارة األسود بينما كنت مذھوال

. دني صوت زاعقجم ،معه نقاط الدم ونتف اللحم اآلدمي ثم يرتفع ناثرا ا ة التفت مرغم ى مصدره، في زاوي إل

ه، والزبد يرغي على زاويتي فمه:محمر الغرفة رجل محتقن الوجه،

طمش عيونه ..وال حمار!! -

وراء، وإذ حد مرافقي أقفز ى ال ام، وأخرى إل ى األم ي وي اقفزتين، واحدة إل ى عين ربط بمطاط بشيء يوضع عل

خلف رأسي، ولم أعد أرى شيئا.

وقفوه على الحائط. -

أقف. ،سير مرغما، يرتطم رأسي بالجداري إلى الخلف، أادفعة على ظھري، صفعة على رقبتي، يد

رفع يديك لفوق ..ولك كلب ... إ -

ھما.أرفع

5

بن الشرموطة.ارفع رجلك اليمين ووقف على رجلك اليسار ..يا إ -

أرفع رجلي، أقف.

ألم، صوت أفي الخلف يستمر ما كان يجري، دمين، صوت الشاب المت ه بالق سمع صوت الكابل، صوت ارتطام

أصوات. أصوات.. ، أكاد اسمع صوت نتف اللحم التي رأيتھا تتطاير قبل قليل..لھاث الجالد

عند األعمى الصوت ھو السيد.

ة ، مرطبات ،الكرسي المريح في مطار اورلي، سوزان بيرة، المقعد الوثير في الطائرة، المضيفة التي تفيض رق

، العصير.. الشاي !! وجماال

تقن؟! تتعب رجلي اليسرى التي تحمل كام ل جسدي." لو بدلت اليمنى باليسرى، ھل سينتبه الرجل ذو الوجه المح

. "وإذا انتبه ماذا سيفعل ؟!

ه أحد، أشعر باالنتصار!.. يأستطأعد تتخدر اليسرى، لم م ينتب ع االحتمال، أغامر ..أبدل !!.. لم يحصل شيء، ل

ه في الصراع األ"بعد سنين طويلة من السجن مستقبال ين السجين والسجان، كل انتصارات ، سأكتشف أن دي ب ب

السجين ستكون من ھذا العيار!!".

ئلة، أحاول أن ا ؟! آالف األس ا ھن م أن ذي يجري؟! ول ا ال ابني!! م ة من الالتصديق تنت الزمن ثقيل .. ثقيل .. حال

يارأأستند بيدي إلى الحائط، ة الخارجي لمسه برؤوس أصابعي .... فجأة يصيح الشاب المحشور في دوالب الس

األسود:

بس يا سيدي ..بس، مشان هللا، ما عاد فيني أتحمل! رح أحكي كل شي. -

، يقول الرجل ذو الوجه المحتقن:ربھدوء وبلھجة المنتص

بس إبراھيم .. كافي، اتركه، طالعه من الدوالب وخذه لعند الرائد. -

ن دوري !!؟ .آلافكرت: جاء .اسمعه يتكلم بالھاتف مع الرائد

ح المحتقن:ا، سمعت صوت سماعة الھاتف تعاد إلى مكانھا، صعال ف

.ولك أيوب ..أيوب -

.نعم سيدي -

ا الزبون. ذتعال شوف ھ -

أحس بأيوب خلفي .

الدوالب ..يا بسرعة. ـدخله ع -

ى ا" .شعرت بأن أكثر من خمسة رجال قد جذبوني وأوقعوني أرضا آلال ا ة عشر عام د أربع ى مضت عل ن، بع

يارة دوالب الخارجي للس ك ال بحيث ،تلك اللحظة، لم أستطع أن أفھم أو أتصور كيف أن أيوب قد حشرني في ذل

".ن في الھواء، ال أستطيع الفكاك مھما حاولت، وال كيف انتزع حذائي وجواربي !!يأصبحت رجالي مشرعت

؟ نةسيدي ..كابل وال خيزرا -

نعنوع!خيزرانه .. خيزرانه، يظھر األستاذ -

6

رة أخرى .. الضرب .سيخ من النار لسع باطن قدمي، صرخت قبل انتھاء الصرخة كانت الخيزرانه قد لسعت م

الصراخ متواصل. رغم ذلك سمعت صوت الرجل المحتقن: متواصل،

أيوب.. بس استوى ناديلي. -

دون مني، تجرأت وصرخت: يي! ال أعرف ماذا يرنال أعرف لماذا يضربون

ي شو بتريد مني؟.لك يا أخ -

نيك.والم كول خرى.. -

ل، أخبرني .. وبدأت أعد الضربات وأنا أصرخ ألماھذا كان رد أيوب الذي لم أر وجھه أبدا "بعد ذلك بزمن طوي

د ى إعالمات الضعف، و أولالضربات المتمرسون: إن ع دل عل ذا ي ام أن ھ ينھار أم د أو المناضل س ن المجاھ

دا نفسي: ولكنني لست مناضال المحقق!!..وقتھا قلت في ي أنأ. ووال مجاھ ذه الحاالت من خبرون األفضل في ھ

".كون لديك قدرة كبيرة على التركيز النفسي بحيث تركز على مسألة محببة لك، وتحاول أن تنسى قدميك !!تأن

ة من عد ه، حال وازن و عند الرقم أربعين أخطأت العد، وبدأت أفقد إحساسي بجسدي، صراخي خفتت حدت م الت

ي .. –رغم الطماشة –، الغمام رالدوا ام ..دوار .. مطار أورل بدأ يطفو أمام عيني "ھل بدأت أفقد وعيي ؟" غم

العصير البيرة ..الطائرة والمضيفة اللطيفة ...

نعم حتى الضرب توقف! خدر... خدر .. إحساس مبھم بأن كل شيء قد توقف.. استعدت استيعاب الموقف..

.د تكون طويلة ... قد تكون قصيرة ..لست أدري !! صحوت!دقائق ق

:صوت الرجل ذو الوجه المحتقن ثانية

شو يا أيوب .. صحي وال أل؟ -

!!وصحي ، بس .. شخ تحت صحي .. سيدي.. -

نو األستاذ كتير خروق!!إالعمى بـ عيونه ..الظاھر -

أحسست بلكزة في خاصرتي، وصوت المحقق:

مانك رجال ؟! العمى بعيونك ما بتستحي تشخ تحتك ؟! شو اسمك وال ؟ ولك شو ؟ .. -

قلت له اسمي.

ة ذوال كلب .. شوف ، لسه ما بلشنا معك، صار فيك ھيك، لسه ھ - ا كله مزح وما بلشنا الجد، األفضل من البداي

بدك تحكي كل شي .. من تريح حالك وتريحنا ... بدك تحكي ... يعني بدك تحكي!! ھون عندنا الكل بيحكوا ... و

طق طق ..لـ السالم عليكم ! ھاه ..؟ مستعد تحكي ؟

.. بس قولولي شو بدي أحكي! بتريديا سيدي بحكي شو ما -

طيب ..ھات لنشوف ..شو أسماء أسرتك وال؟ -

ءا◌ بدأت أعد له أسماء أھلي، بد من والدي ووالدتي، لكنه قاطعني صارخا :مھتاجا

التنظيم وال جحش ..عم تجد - بھا علي ؟ أنا بدي أسماء أھلك !! خراي عليك وعلى أھلك، قل لي أسماء أسرتك ب

.وال ... كر

أي تنظيم يا سيدي؟ أي تنظيم؟ -

7

!!ه!! بدو يعذبنا و يعذب حالهالتيس عم يغشم حال ـيا أيوب .. يبدو ھ -

يللي عم تحكي عنه؟ ھذاتنظيم أي ..ما بعرف عن شو عم تسألني! حياة الرب..وحياة الربيا سيدي ..و -

شعرت أنه اقترب مني، أنفاسه لفحت وجھي، وبھدوء شديد قال: .صوت خطوات

خوان المسلمين ..شو ما بتعرف تنظيمك ؟!.تنظيم المنايك أمثالك .. تنظيم اإل -

."ا ن رائحة فمه كريھة جدأ"الحظت

.لم أدر ھل علي أن أفرح ألن االلتباس بدا واضحا اس ؟ جليا ذا االلتب ي في ھ ذي أوقعن اثر ال ..أم ألعن حظي الع

ا ذوا أغراضي كم م فتشوني وأخ و أنھ و رمزت ؟.. ل ى أب درت أن أصل مباشرة إل ي ق ؟.. أم ألعن الصدف الت

ابرات في اللحظة التي يفعلون مع الجميع.. رع المخ لتبين ألحد ما من أكون وما ھي جريمتي، ولكن أن أدخل ف

ا إل أتي فيھ ان ي ك ا رع يومي ن اإل ى الف ين م ات المعتقل مئ لمين، وأن أ ل الضباط حشخوان المس نھم، وأن يعم ر بي

ذه الدرجة، فمن والعناصر على مدار األربع وعشرين ساعة يوميا ة لھ رع عارم ، وأن تكون الفوضى داخل الف

ذا ل ھ وق ك اس. وف ذا االلتب ة وتوضيح ھ تطيع إزال دھا أن أس تحيل عن ذياالمس مي ال أنني لست ال س وحي ب ي

.مسلما

ولكن رغم ذلك، صرخت:

أنا مسيحي!! .مسيحي.بس سيدي أنا -

ا حكيت ؟! - يش م د عامل شو وال !! عم تقول مسيحي ؟! العمى بعيونك وال ..ل يش جايبينك لكان؟..أكيد..أكي ل

شغلة كبيرة!..مسيحي؟!

.أنا ما بآمن با !!ملحد . رجلأنتو ما سألتوني يا سيدي ..ومو بس مسيحي .. أنا -

.فما الغاية من إعالن إلحادي أمام ھذا المحقق ؟.. ال أعرف !" ،اآلن لم أجد تفسيرا لفذلكتي ھذهالى "

وملحد كمان؟! -

.سألھا بصوت عليه مسحة من تفكير

.وشوف جواز سفري.العظيم.نعم سيدي ..نعم . وهللا -

سمعت صوت أقدامه تبتعد، وبصوت واضح قال: .سكت الرجل المحتقن لحظات بدت لي طويلة جدا

.كمل شغلك!! أيوب.بس نحن دولة إسالمية !!.. قال !! إي.. قال ملحد... -

وعادت خيزرانة أيوب تواصل عملھا.

وب ا، لكن أي ى سؤال م ة عل د اإلجاب اأخي_ عن ة _ ي ؤالء، استخدمت كلم اكي بھ ى الحتك ذ اللحظات األول " من

صفعني قائال:

لب.. أنا أخوك؟.. أخوك بالخان._ وال ك

تداركت األمر وخاطبته ب "يا أستاذ" وصفعة أخرى:

أستاذ؟.. أستاذ ببيت أھلك..بين فخاذ أمك. -

منذ تلك اللحظات علموني أن أقول: " ياسيدي".

دية.ھذه الكلمة التستخدم ھنا كما بين رجلين مھذبين، ھذه الكلمة تنطق ھنا وھي تحمل كل معاني الذل والعبو

8

نيسان 21بطء، ى فتحت عيني ب دام واألرجل، ملقى عل ة من األق ي، حولي غاب روائح المحيطة ب ة ال اد اختنق من نتان أك

دام دم، رائحة الجروح المتقيحة، رائحة األرض المكتظة،األرض بين ھذه األق ذرة، رائحة ال دام الق رائحة األق

د التي لم تنظف منذ زمن طويل ... األنفاس الثقيل ة ألناس يقفون متالصقين "علمت بعد قليل من خالل عملية التفق

را يوالعد، أننا كنا ستة وثمان د عن خمسة وعشرين مت درت أن مساحتھا ال تزي ة وق ن رجال، عاينت سقف الغرف

.مربعا.!!"

ع وق الجمي يم ف زا متواصال يخ د أزي ذي يول و .الحديث بين الناس يجري ھمسا، األمر ال ستنشاق الف أردت الوق

آالم فظيعة في كامل الجسد، تحاملت، تجلدت، وعندما حاولت أن أقف على قدمي صرخت ألما..بعض الھواء

ال إنتبه الناس من حولي، عدة أياد امتدت، أمسكت بي من تحت ا ادي، ق ى األي تندا إل بطي وأنھضتني، وقفت مس

شاب يقف إلى جانبي:

!!صبر، إنھا شدة وتزولا صبر يا أخي..ا -

قال آخر:

من يكن مع هللا فإن هللا سيكون معه..ال تيأس يا أخي. -

يال ت اآلالم قل ة خف ع الحرك ال.. ،م ولي، رج باب.. نظرت ح ر ش ة عش ي الثاني ال ف د أطف ر ويوج ة عش والثالث

..كھول.. شيوخ!!

إلى الرجل الذي حاول أن يشد من عزيمتي قبل قليل، سألته : التفت

. ليش نحن ھون؟ ليش الناس واقفين؟!مين ھدول الناس؟ . -

:!! ورد بسؤال؟ما ھو بديھي شرحنظر الرجل إلي بحيرة تقرب من البالھة وكأنه يقول: كيف يمكن

أنت ..ما بتعرف شو صاير بالبلد ؟! -

د سمعت ،فرنسافي أنا و ،"كنت اء ق أنب ا اك حزب ا، وأن ھن دعى اإل عن اضطرابات سياسية تحصل ھن خوان ي

م أعرف يولكن .لمين يقوم ببعض حوادث العنف ھنا وھناكالمس ة، فل لم أعر ھذه األنباء أية أھمية، وبقيت مبھم

ة ي المرحل ت ف ي كن م أنن نظم، رغ ل السياسي الم ار، أو العم واة نشرات األخب ن ھ ا م ن يوم م أك التفاصيل، ول

صة أفكار خالي الذي كان على ما يبدو يحتل بأفكارھم، خا من بعض الماركسيين ومتأثرا الثانوية وما تالھا قريبا

مركزا قياديا ي".في الحزب الشيوع مھما

أجبته:

ال وهللا .. ما بعرف! .. ليش شو صاير؟ -

ليش مانك عايش بالبلد؟! -

:أجبته دفعة واحدة عن كل ما يمكن أن يسألهفو أردت أن اقطع كل دابر أسئلته،

ساعة بس. ةنظرت الى ساعتي" أربع عشر" ..م أنا جيت، يعني منواليو أل .. كنت عايش بفرنسا.. -

دافعين العمى معك ساعة ؟!! ..خبيھا يا أخي خبيھا، شايف كل الناس ھون، - ھدول كلھم من خيرة المؤمنين والم

عن اإلسالم بھا البلد، امتحان يا أخي امتحان، امتحان من هللا عز وجل.

9

، قلت محتدا:كبيرا الغبن والضيق حدا ببة وضعي وقاطعته وقد بلغ بي اإلحساس بغرا

وأنا ملحد ماني مؤمن!! طيب .. العمى أنا شو دخلني؟! أنا مسيحي ماني مسلم، -

ي ملحد ا أنن ة أيضا -" ھذه ھي المرة الثانية التي أعلن فيھ ة من .-وكانت فذلك ى كلفتني وجب رة األول في الم

ة ا خيزرانة أيوب، بأمر من أبو رمزت رة الثاني ا في الم ة إسالمية !!! أم ا نعيش في دول لمين ألنن ح المس لذي ذب

.ال بل أسوأ منھا" فإنھا ستكلفني سنوات طويلة من العزلة المطلقة، ومعاملة كمعاملة الحشرات،

وي .رأيت محدثي وكأنه قفز إلى الخلف ط، وبشكل عف وي فق ه إال جزؤه العل م يتحرك من ا محشورين، ل ولكونن

قال:

دنا واحد -ثم بصوت أعلى -أعوذ با من الشيطان الرجيم .. - افر !.. في عن .. يا شباب في واحد نصراني ك

جاسوس.

و ص بت نحوي مجموعة من العيون، في نفس الوقت الذي سمعت فيه صوتا آتيا :آمرا من خلفي، صوتا

ار وقت التبديل.يللي عم يرفع صوته ؟ .. سكوت ..سكوت ! يا .. ص ھذاـ مين

ى األرض، الھناك مجموعة من الناس تفي الجزء األبعد من الغرفة كان لم استطع استيعاب األمر !! مستلقين عل

ة" ين .وقد اصطفوا بطريقة غريبة ولكن منتظمة. "كما لو كانوا مجموعة من لفائف التبغ قد اصطفت في علب وب

الثالثة، مجموعة المقرفصين على األرض. وجد المجموعةتالمستلقين وبيننا نحن الواقفين،

د كالم الرجل الضخم ـ علمت ثالثأبع يس المھجع ـ تحركت المجموعات ال ه رئ ام .ن ان الني خالل لحظات ك

جميعا المجموعة الثالثة اتجھت الى مكان النوم .نحن قرفصنا .قد وقفوا واحتلوا الركن الذي كنا فيه تدريجيا

كل النايمين يسيفو.سيف، ـ يا سيف..

."وتبين أن التسييف ھو النوم على الجنب"

ه واضعا بطن، رأس األول استلقى لصق الحائط على جنبه، ظھره إلى الحائط، الثاني استلقى أمام ى ال بطن عل ال

كل واحد منھما عند أقدام اآلخر.

الثالث سيف ووضع ظھره لصق الظھر الثاني، الرابع بطنه على بطن الثالث، الرؤوس عند األقدام. ودائما

ق م يب اك ستة أو سبعة أشخاص ل ة والزال ھن تتابع المستلقون إلى أن وصل الصف إلى الحائط الثاني من الغرف

لھم مكان. ھنا صاح رئيس المھجع:

ـ يا ..يا كبيس .. أجا شغلك!

دو مصارعا دوء ـ يب اني بھ ى أول رجل مس. ـ قام الرجل الضخم الث دوء وضع تلق ذھب إل د الحائط ، وبھ عن

ستند بظھره إلى الحائط، ثم أخذ يدفع المستلقي بباطن قدميه، دفع أكثر، ا قدميه بين الحائط وبين الرجل المستلقي،

نزل ھون.إأنضغط المستلقون قليال، أصبح ھناك مسافة تتسع لرجل آخر، نادى على واحد من المتبقين: يا ..

يس بالضغط على الرجل الجديد، ومرة يس والرجل األول، ثم بدأ الكب لى جنبه بين أقدام الكب ع نزل الرجل مستلقيا

تيعاب إيا .. أخرى حقق مسافة تتسع إلى آخر.. م اس نزل ھون، ثم الضغط من جديد ورجل جديد، في النھاية ت

.ينفض يديه! جميع الذين لم يبق لھم مكان سابقا، عاد الكبيس إلى مكانه بنفس الھدوء، وھو

.!!راقبت المستلقين، بعضھم استغرق في النوم فورا

10

ة ك الغرف ي تل ام قضيتھا ف ة أي بعضھم"سمعت أن .ثالث ابقا س ا ا ، قضى والحق ھورا فيھ ي بعض ش دة، وف عدي

.خالل ھذه األيام تعرفت على الغرفة جيدا .الحاالت كان العدد يزيد على عددنا"

سألته:وصاء، أحسست أنني أريد قضاء حاجة، التفت إلى جاري بعد قليل من جلوسنا القرف

ـ أين يقضي اإلنسان حاجته ؟

تذكرت أنني نصراني، كافر، جاسوس، وستظل .لم يجب أشاح بوجھه عني ولم يجب، سألت الجار اآلخر، أيضا

.تالحقني ھذه التھم

ضررت لالنتظار ا .الغرفة مرحاض!""إذن في .موقعي قريب من رئيس المھجع، سألته فدلني على المرحاض

.ساعةمن أكثر .مرحاض واحد، حنفية ماء واحدة، وستة وثمانون شخصا

ا .حركة ما فوق، نظرت .عدت إلى موقعي ة من أولھ أنبوب الصرف الصحي، ويبدو أنه للبناء كله، يقطع الغرف

ة عمر كل فوق ھذا األ .بين األنبوب وبين سقف الغرفة حوالي النصف متر .إلى آخرھا نبوب ينام اثنان من الفتي

ا ، منھما حوالي خمسة عشر عاما ى األسفل، بينم دلت األرجل إل احتضن الواحد منھما األنبوب بيديه وصدره وت

الرأس مرتاح على صوت خرير الماء داخل األنبوب.

ـ بحياتي ما نمت أحلى من ھـ النومة!!

قال أحدھما في اليوم الثاني.

نيسان 22 ظت!استيق

تلقاء يبعد ثمان ا في االس ى .ساعات من القرفصة جاء دورن وا بعضھم إل رة نبھ م خب بعض المقرفصين ممن لھ

ه، يس من عمل تلقيت وانتھى الكب تلقاء، ألنك إذا اس ان السبب وضرورة الذھاب إلى المرحاض قبل االس ا ك مھم

ك سيذھب.مكانالذي قمت من االستلقاء من أجله فإن

غوطا تلقيت مض ر رج اس ب بظھ ي تح ديقتي الت ذكرت ص ي، "ت ى بطن ر عل ل آخ ن رج ري، وبط ى ظھ ل عل

.الوضعية الفرنسية !!"

كيف يمكن لإلنسان أن ينام وھو يشم ھذه الرائحة ؟!! .خلف رأسي قدمان، وأمامه قدمان

ورغم ذلك نمت نوما ضغط صحوت تماما .. كل شيء في جسدي مضغوط ..لكن ال .. واآلن استيقظت.. عميقا

ه، فتحجر عضوه، وطبيعي على أسفل بطني شديد ويكاد يكون مؤلما. "يبدو أن لصيقي األمامي قد امتألت مثانت

وفي ظل ھكذا ظروف من المعيب أن تفكر باحتمال آخر!! .أن ينغرز في بطني أنا"

ى صعوب دي عل د ي ر، سمعت شخيره، فكرت أن أم ك، حاولت زحزحته فلم أفلح، فمع كل حركة ينغرز أكث ة ذل

.وعضوه في يدي ؟!!"إذا استيقظ ولكن خشيت أن يستيقظ لحظتھا. "ماذا سيقول

وذھبت إلى المرحاض. انسللت من وضعية االستلقاء بصعوبة،

يسمونھا وثالث مرات يفتح الباب في اليوم ويغلق، وفي كل مرة يفتح الباب.. يدخل الطعام في أوان ثالث ليال..

د قصعات. صباحا ل واح يس المھجع، وخمس لك ا رئ ذان الصنفان يوزعھم ة حالوة، ھ ع قطع د م رغيف مرق

ا، يرشف .قصعات من سائل أسود "تبين انه شاي" وفي المساء كذلك. تدور القصعة من شخص آلخر .. يرفعھ

11

ه ر، . منھا، يناولھا لمن بجانب ا الظھ ة فتكون أم وي بعض القصعات مليئ دورة تحت بالبرغل، مع قصعة رب البن

ضار.الخ

ا ا لحم وا فيھ ى ." لن أنسى أبدا الطريقة التي تخاطف بھا الناس قطع اللحم في المرة الوحيدة التي جلب فكرت، حت

.لوال رئيس المھجع لتحول المھجع إلى غابة" ،ن الصباحية والمسائيةيالوجبت

بدت لي كاعتقاد راسخ خالل ھذه الساعات التي بدت لي بطول دھر، كنت كمن يطفو في الزمان والمكان. رغبة

بأن كل ھذا ماھو إال خطأ سخيف سينتھي بعد قليل.

ق، يبقى م والقل ز األل حسي المھني والفني قابع في زاوية بعيدة يراقب واليتدخل، ھذا الحس الذي يبقى خارج حي

متيقظا ومحايدا مھما كانت درجة آالمي النفسية أو الجسدية، ھو يراقب ويسجل.

ه أتذكر قوال أل د يستطيع أن يصنع من إن المخرج الجي ان صغيرا، ف ا ك وقين: إن الحدث مھم اتذتي المرم حد أس

فيلما جيدا، الحدث ھو الھيكل العظمي وعلى المخرج إكساؤه باللحم والثياب.

ياء المحيطة التي ين مجموعة من األش ة الصارخة ب ھذا الحس التقط مشھد تخاطف قطع اللحم، وأحس المفارق

إلقياء_ أو على األقل_ العزوف عن كل شيء، وبين الفعل المادي الممارس من قبل خاطفي قطع اللحم.تدعو ل

زة البشرية، ھل ھو الصراع من أجل ما الذي يفقد ھؤالء الناس الحس باللياقة والذوق؟! وبالتالي بالكرامة والع

البقاء؟.. قد يكون.

الوة.أيام بلياليھا، أكلت نصف رغيف مع قطعة ح ثةثال

نيسان 23 .استيقظت!

ة ي، استيقظت قبل انتھاء مدة الثمانكان االستلقاء الثاني " النوم على البالط " أفضل قليال ساعات، لم أشعر برغب

ولكني أتابع استرخاء في النھوض. حلمت أني قد شبعت نوما .وترفا

".ارةتمنيت فنجان قھوة وسيج .!"تمنيت لو أني أستطيع المطمطة قليال

ى أ .مكاني قريب من رئيس المھجع سمع حديثه والكبيس، فتح السجان طالقة الباب وھي النافذة الصغيرة في أعل

ديثا ادل ح ع، تب يس المھج ز رئ اب. قف وال الب ة مط تح الطالق ذي ف جان ال ع الس ع. .م س المھج اد رئ ع

لكبيس ھمسا: لقال

ن المح - رة م ات كبي اي دفع جن ج ـ الس وا ع رة راح يترحل وم أو بك دول .. الي ا ھ ات .. وجماعتن افظ

الصحراوي.

الكبيس متسائال باستغراب: رد

.!العمى.. شو راح يحطوا الناس كلھا بالسجن !؟ ... إي .. ما ضل حدا برات السجن ! -

ي!!.ولك سكوت .. اوعا حدا يسمعك ... ما دخلنا نحن يا عم -

مسجونان بجرم التھريب". "رئيس المھجع والكبيس

12

ع. يس المھج رب رئ رفص ق دت أن أق ى القرفصة، تعم وف إل ن الوق ا م ت مجموعتن دما انتقل اء، وعن د المس عن

قلت له: ،انتظرت حتى قبيل وجبة الطعام الثالثة، وبوجه حاولت أن يكون بشوشا

يا أستاذ .. عفوا .. ممكن احكي معك شغلة ؟. -

ويتني أستاذ ؟ .. نعم شو بدك ؟! .أستاذ ؟! .. من وين لوين سا -

.يا سيد .. أكيد في غلط! -

وين الغلط ؟.. يا أستاذ. -

يا أخي أنا ماني مسلم .. حتى أكون إخوان مسلمين.. أنا مسيحي وليش حطوني ھون، ليش جابوني أصال، -

ما بعرف!! .

خي الطاسة ضايعة .. ما في حدا لحدا .! .؟ألك يا -

جن .. لشي حدا مسؤول ھالحكي ؟طيب ممكن تقول لرئيس الس -

ھـ الحكي.وراح أنقل له وين أنا بدي شوف مدير السجن ؟.. خلص .. خلص.. ھلق بيجي السجان -

سمعت طقطقة القفل، وقف رئيس المھجع، أمسكت يده:

أرجو أال تنسى أن تقول له. -

السجان:خاطب رئيس المھجع .دخل األكل .لوا األكل""يا دخ ،تح البابھز رأسه، ف

يا سيدي ... في عنا واحد ھون .. عم يقول .. -

: قاطعه السجان مسرعا

عم يقول ما عم يقول ! أنا ما بعرف شي ... ھلق ببعتلك رئيس النوبة . -

ھجة جبلية ثقيلة:لساعة، طقطقة الباب مجددا، ظھر شخص وسيم، وبالبعدما يقرب من نصف

؟شو في عندك يا رئيس المھجع -

قال: .ئيس المھجع من كتفي، وقفتجذبني ر

لسيدنا أبو رامي! ،احكي له... احكي له -

متلعثما علي : وبنفس اللھجة الجبلية رد ،.. شرحت له األمر .. متأتئا

ثال - لمين م طيب أنا شو بدي ساوي لك ؟ ... مسيحي ؟ .. إيه وإذا مسيحي !... بلكي عاونت األخوان المس

ي ھيك بتكون أضرط منھم مثال ... إالح مثال ... ... يعني بلكي بعتھم س

ثم التفت إلى السجان، أمره :

ر الباب . ر ... وال سك سك -

وبصوت عال قال :، وقبل أن يغلق السجان الباب، التفت أبو رامي إلى الناس في المھجع

و إخوان شياطين . - لمين ... انت ا شطارتكم لشوف وال .. عرصات ... وال انتو مانكن إخوان مس .. فرجون

ـ وا ب وا وتخرب .... ھاي عندكم واحد مسيحي ... انشطوا معه .... اھدوه للدين الحنيف ... بس شاطرين تقتل

ھالبلد !!

13

ه، فورا فتحه مالبث أنأغلق الباب الحديدي بيده بقوة، و وعلى وجھه ابتسامة عريضة، تعلقت كل األنظار ب

تابع يقول :ف

لمين، مشان تصير إعرصات ... وال كالب ... - اإلخوان المس وه ب لم، ال تنسوا تنظم ذا حسنتوا تساووه مس

.ةحبسته محرز

وأغلق الباب بقوة.

االستلقاء الثالث:

ي، ،لصيقي الخلفي كان ذا مؤخرة عريضة وكبيرة ة التي إضايقني وأراحن ه أفضل من ذوي العظام الناتئ ن

صيقي األمامي شاب في العشرينات ال تبدو عليه عالئم التدين.ل .تنغرز في جسدك بال رحمة عند الكبس

ورا ا كان ھناك أمل كبير يعيش داخلي بأن أحد .عاصاني النوم بعد حديث أبو رامي ا سيكتشف الخطأ، وف م

جن ي ى الس ل إل ايعة ... والترحي ة ض ديث ... والطاس ذا الح د ھ ن بع أ، ولك ذا الخط حيح ھ ى تص ار ال ص

.الطني اليأس والخوف من المصير المجھولالصحراوي !!... خ

دريجيا .ساعتان أو ثالث... لست أدري ... وأخيرا بدأت أھوم ، التعب ، اإلرھاق ، النوم ... ثم ... أصحو ت

دمي . إحساس بالضيق ر، أشعر أن ق انمكبل أقترب من الصحو أكث د تورمتت دماي ق ة ا، كانت ق من خيزران

عور بال ر ... ش وب، أصحو أكث أي ا م أيض ن األل ل م دمي، قلي ن ق ة يصعد م ا... دفء والرطوب ة م ... حرك

... أرفع رأسي وأنظر إلى قدمي العلوية:أنتفض... أصحو تماما

ه وأخذ لصيقي األمامي، الشاب، ر في فم دمي الكبي د وضع أصبع ق يقبض على قدمي العلوية بكلتا يديه، وق

د ه، تراخت ي م لكزت ه ... ث ، سحب اهيمصه !! لكزت ا تيقظ الشاب تمام ز، اس ه! تابعت اللك ي رأس ، نظر إل

وبحدة قال : .بغضب واستنكار!!

ليش فيقتني؟ ! -

شو ليش فيقتك ؟ مانك شايف شو عم تساوي ؟ -

يلعن سماك!! قطعت علي أحلى منام !! -

شوكنت شايف منام ؟ -

كتني ... - كتھا ومس ي مس ة يل ون ... وباللحظ ا وميس ا أن م .... كن رتك نع ـ " " حض نا ... ب وبلش

فيقتني!!

ومين ھي ميسون .... دخلك ؟ -

ميسون؟ .... ميسون خطيبتي. -

رجع نام .. لكن ال تخربط بين إصبع رجلي وشفايف ميسون .اال تواخذني ... عفوا -

.داية؟ ولكن إلى أين؟لم أستطع النوم بعدھا ... أسئلة وأسئلة، أي عالم ھذاالذي حشرت فيه؟! ھل ھذه ھي الب

مكان أي كاتب أو سينارست أو مخرج تخيل ھكذا عوالم؟! أسئلة تطارد أسئلة !! ... إھل ب

14

ال وأحسست أن قلبي يكاد ينخلع!! إالمفتاح في الياب الحديدي طوال ثالثة عشر عاما ، لم أسمع مرة قرقعة {

}الم أستطع االعتياد عليھ

ز ه، قف ر وقت ه قرقع المفتاح في غي ى جانب و رامي وال اب، أب ا الب تح فيھ يس المھجع في اللحظة التي انف رئ

ال ذو را، ق رين عنص والي العش ا ح اء، خلفھم ة بيض ارات طبي ع نظ ينات يض ي الخمس ل ف خص طوي ش

النظارات:

وين رئيس المھجع ؟ -

حاضر سيدي ! -

ون إ - ى ھ ا يبق ين، م ين اتن ره، اتن ن لب دول كلھ العلي ھ ام، ط دوء ونظ ن بھ اني ...وي رب الث ت والمھ ال أن

المھرب التاني؟

.حاضر سيدي -

خليك ھون أنت كمان... يا . -

.نيسان 24ن ... وكان فجر ين ... اثنيوخرجنا ... اثن

نيسان 24ى كاحل سجين آخر، نسير دي إل ر حدي وط بجنزي اليدان مقيدتان بالقيد الحديدي إلى الخلف، كاحل القدم مرب

.ضمن لوائحؤنا ل أسماسج نتعثر، ممرات ... أدراج .... ت بصعوبة،

م يذھب حامال رات بضع دقائق واقفين وايتركنا ذو النظ ة، ل ه ذو أھمي د ان ود، من المؤك اللوائح االسمية، يع

األمر، يقترب مني، أعاجله:له ال أشرح

يا سيدي كلمة واحدة. -

.كول خرى ..... وال -

.يةوصفعة مدو

.، أترنح.... أسكتي، الفجر ربيعيلنجوم البراقة أمام عينتنبثق آالف ا

ـ " ذه السيارات ب يسحبوننا إلى خارج البناء، أرى أربع سيارات شحن ذات أقفاص معدنية، السجناء يسمون ھ

الخ ام المذبوحة من المس سيارات اللحمة ". قد تكون سميت كذلك ألنھا تشبه السيارات التي يوزعون بھا األغن

.زارين ، أو ألن السجناء يصطفون بداخلھا كما تصف الذبائح داخل سيارات اللحمة الحقيقيةإلى الج

دين تعانة بالي ة االس دم إمكاني دة وع ل المقي بب األرج عوبة بس عد بص وارض، نص الث ع دني ذو ث لم مع ،س

اب يجلسوننا على أرضية السيارة، تمتلىء السيارة، يغلق الباب بقفل كبير، يجلس عنصران من األ ام الب من أم

انتظار .... انتظار، ثم تنطلق السيارات سوية. .من الخارج

الم ورا رك الظ يارات، نت رعة الس زداد س ة، ت ارج المدين ءنصبح خ يئا ا، ش ن يئا ر فش وط الفج ى خي وح أول تل

الفضية.

} .ھل ھي رحلة من الظالم إلى النور ؟ ... آمل ذلك {

يسأل آخر: أحدھمسمعت

15

حتى نوصل ؟ قديش بدنا وقت -

شي أربع أو خمس ساعات. تيسير هللا... -

ر لبر يا أخي... وهللا ما فيني أتحمل كل ھالوقت !!... كنت نايم .. فيقوني من النوم وفورا - ا كتي ه... وھلق أن

محصور.... شو بدي ساوي ؟!.. مثانتي راح تطق !!

بالسيارة. إذا مافيك تصبر... أنا بفكلك سحاب البنطلون، وساويھا ھون -

ھيك معقول ؟!!! قدام كل ھالناس؟ -

ي .. مافيھا شي، والحمد مافي نسوان بيناتنا.إي ... إ -

متوجھا بالحديث إلى الجميع: مرتفع ثم وبصوت

يا شباب... يا شباب اسمعوني. -

م، ھمشرح لھم األمر، بعض نظار،توجھت إليه األ تكلم ھمبعضو ھمھ أدار الم ق، ف بعض واف ى سكت، ال ره إل ظھ

" له، وابتعد. هه، أخرجـ "ـ، تلمس السحاب، فك المحصور، وبيديه المقيدتين خلفا

ح حالك يا أخي .يا ... ري -

خرون تقيأوا فوق بركة آبعدھا وحتى وصولنا السجن الصحراوي تكررت ھذه العملية أربع مرات، خمسة رجال

.لون واحد" و"القيء كله ذ .البول

نه كان يعاني من تعفن األمعاء، لفني بغاللة من روائح بطنه ! أمقيدة رجلي إلى رجله، فيبدو أما جاري، ال

ة صباحا ي الثامن ام السجن الصحراوي ف ن .وصلنا أم ر م اعتي، وأكث ى س را إل ت أنظر كثي ق كن ي الطري " ف

".شخص نصحني أن أخبأھا، ولكن أين ؟... تركتھا على معصمي

أمام السجن.

اب مخططة باألسود عشرات م وق الب ة ف ين لوحة حجري ن عناصر الشرطة العسكرية، الباب صغير، تصدم الع

النافر:

.ولكم في الحياة قصاص يا أولي األلباب""

ا من السيارات ا بفظاظة وقسوة، أنزلون انوا يعاملونن ذين ك م أنفسھم الل يارات، ھ واب الس فتح لنا رجال األمن أب

ى فقة، حت ق مشوب بالش البرف دھم ق نكم ! " :أن أح رج ع نھم ك ." هللا يف ا بي اوفيم ا دثون ھمس وبصوت نوا يتح

م دائرة، الحظت أن لھ ا يشبه ال ا بم ذين اصطفوا حولن خافت، يتحاشون النظر إلى عناصر الشرطة العسكرية ال

ى الخصر، ، الصدر مشدود إلى الوراء، اليد اليسرىن قليال ان منفرجتاالساق، نفس الوقفة تقريبا جميعا تتكىء عل

بال اليد اليمنى تحمل إما عصا اء أو ش مجدوال غليظة أو ك من أشرطة الكھرب ا أسود يئا " .يشبه الحزام مطاطي

.عرفت فيما بعد أنه قشاط مروحة محرك الدبابة " ينظرون إلينا والى عناصر األمن نظرة فوقية تحمل استخفافا

ل ح .مبطنا لنا بعناصر األمن ووعيدا ركاتھم تدل على نفاذ الصبر من بطء إجراءات التسليم واالستالم، ينقلون ثق

ق،زجسدھم من رجل إلى رجل، يھ ا عسكري أني رم وغيظ، لباسھم جميع ا تحمل ھزات تب ى بم دھم اليمن ون ي

وھو الذي كان يوقع على لوائح استالمنا . ،أعلى رتبة بينھم مساعد أول

16

رة نظروا قرأت في مكان ما أن رجال إحد { ي األبيض ألول م وا باإلنسان األورب دما التق ى القبائل اإلفريقية عن

}لماذا قام بسلخ وجھه ؟! ،إلى بعضھم البعض بدھشة، وتساءلوا: ھذا الرجل

تو امي ،ن عناصر الشرطة العسكريةأ تخيل م ام ذين أراھ ؤالء ال ذه ،ھ وة سلخت ھ ة ق لوخة، أي ذوو وجوه مس

اقي أ؟... لماذا ؟... أين ؟... لست أدري لكن ما أراه الوجوه ؟ ... كيف سلخت ة ال تشبه وجوه ب ن الوجوه البديل

،غير بشرية ... ھي غير مرئية ةالبشر، وجوه أھلنا وأصدقائنا !!... مسح .موجودة! صحيح، ولكنھا قطعا

.مالعافية ... خلص انتو تيسروا، خلصت مھمتك كمهللا يعطي -

.العسكرية للرجل ذي النظارات ھكذا قال مساعد الشرطة التصقوا بعضھم كانوا قد فكوا قيودنا، السجناء غريزيا

ذھب رجال األمن. .ببعض

بدأت الدائرة تضيق .... صمت مطبق!!

يا ... صفوھم تنين تنين ... دخلوھم. -

ل ين اثنياثن .باب"وأدخلونا من ھذا الباب الصغير، وفوقنا منحوتة "ولكم في القصاص حياة يا أولي األل ن، في رت

ة، ورود الريفي ع الجھات طويل داخل ساحة في وسطھا وعلى جنباتھا بعض األشجار وال وھي محاطة من جمي

وائح اسمية أخرى .بغرف تشرف عليھا ة أخرى، ول ر من ،وقف الرتل أمام مساعد آخر، جلس خلف طاول أكث

ا، ام ون حولن كرية يحوم ن عناصر الشرطة العس ة عنصر م ى أي ئ رة إل جناء يتحاشون النظر مباش ع الس جمي

ة .عنصر ا متھدل ا خشوع .رأسنا منخفض قليال، أكتافن ة فيھ ع السجناء ،وقف ة تصاغر وذل، كيف اتفق جمي وقف

! لست ادري.؟على ھذه الوضعية وكأننا تدربنا عليھا سابقا

ن كل واحد منا يحاول االختباء داخل ذاته !!! أك

، احكني رأسي من القف سمعتوحككت !! و وكما يفعل كل إنسان يحكه رأسه، مددت يدي عفويا :راعدا صوتا

كمان ...!! هولك يا جماعة ... شوفوا الكلب شوفوا !! عم يحك راس -

؟! هشــــوووو .... ! عم يحك راس -

وسحبتني األيدي خارج الرتل، تقاذفتني صفعا لرقبة والوجه .... ، لكمة تقذفني، صفعة توقفني، النار في اولكما

يال ي قل و أبك ت ل زيال تمني جلني وأصبحت ن ري، س ق غي م يب جيلي فل اعد لتس ي المس ... طلبن ميا ذا رس ي ھ ف

السجن.

دمنا بين غرفتين باب حديدي صغير، مرة أخرى قادونا، ا تق واب تصغر كلم م األب اب األول، " ل أصغر من الب

رة، إ احة كبي ى س ا إل اب ولجن ذا الب ن ھ ات ؟! " وم ل الطرق فلت، ك ة باإلس احة مفروش ى، س احة األول ا الس نھ

لة : ام متسلس ا أرق وب عليھ د مكت ابق واح ن ط ة م احة أبني يط بالس ن، يح فلت الخش ة باإلس احات مفروش والس

المھجع الثالث ، المھجع الرابع ... المھجع السابع.

.}نا وقودھا !! األبواب تصغر ولكن في الساحة األولى فتحت جھنم أوسع أبوابھا، وك {

ن أو ثالثة، صاح المساعد:ا، يفصل بين الواحد واآلخر مترإلى جانب بعضبھدوء ودقة أوقفونا بعضنا

ھلق ... كل واحد منكن يشلح كل تيابه .... حط تيابك على يمينك .... خليك بالسروال الداخلي فقط. -

17

ع ع الجمي د ان خل ليب " بع بس " س ذي يل د ال ي الوحي ت أنن رون، الحظ وا ينتظ ابھم ووقف ثي

وانتابني إحساس بالغربة !..

كان صوت المساعد في البداية ھادئا يئا ، ومع مرور الوقت أخذ يتصاعد ش يئا ا تصاعد ، حدة فش وشدة، وكلم

زدا ع ي دان في صوت المساعد كنت أحس أن التوتر والعصبية يزدادان في حركات الشرطة... والخوف والھل

يغضون أبصارھم وتتھدل أكتافھم أكثر فأكثر!. نفوس السجناء،

قال أحدھم: اقترب مني شرطيان يحمالن الكرابيج،

ل الكيلوت وال ...واعمل حركتين أمان!! نز -

أنزلت الكيلوت حتى الركبة، ... نظرت إلى الشرطيين مستفھما

اعمل حركتين أمان وال... -

ل.. شلون حركتين األمان؟ شلون يا سيدي بدي اعم -

!شقرفص وقوم مرتين وال... صحيح انك جح -

"حركات األمان ت عمل خشية أن يكون السجناء قد خبأوا شيئا " !في شرجھم ممنوعا

أنظر ، وبصوت خفيض:حد الشرطيين الى اآلخر مبتسما

العمى ... شو تبعو صغير!! -

حس بالذعر الشديد والھلع، فا ختبأ داخل كيسه، أ!! حتى ھو جدا را نظرت اليـ"ـه"، إلى تبعي، نعم لقد كان صغي

أنا لم أستطع االختباء!

ى وجه ./ 6- 5خلفي مھجع كبير كتب على بابه / المھجع اب بالوعة "صرف صحي" عل تخرج من جانب الب

سيل في ھذه البالوعة مياه سوداء قذرة. تاألرض،

يش ى التفت رفين، ح .انتھ ة محت رى بدق اب،ج ا الثي ى ثناي ة ت دني، األحزم يء مع ود واألوراق، أي ش ع النق جمي

دي مرت .وأربطة األحذية ... جميعھا صودرت، "أنا كنت حافيا" إن ساعة ي التفتيش ف م ، ورغم كل ھذه الدقة ب ل

ھا، فقط لم ينتبه لھا احد، وعندما صاح المساعد:ءأتعمد إخفا

وال كالب ... كل واحد يحمل تيابه. -

داخلي لسترتي، وشعور حملت تھا في الجيب ال ثيابي ووضعتھا على يدي اليسرى، وفورا فككت الساعة ودسس

آخر باالنتصار.!

البلديــــــــات :

ا، ون جرائم كلمة خاصة بالسجون ھن ذين يرتكب ود ال ة العسكرية، الجن ارون من الخدم ود سجناء ... الف م جن ھ

وبتھم في يدرات... كل الجنود المجرماالغتصاب، السرقة، مدمنو المخ القتل، رة عق ن، حثالة الجيش، يقضون فت

ھذا السجن، مھمتھم التنظيف وتوزيع الطعام وغيره من األعمال... من ھنا جاء اسم في مثل السجون العسكرية،

لھم مھمات أخرى.الصحراوي البلديات، ھؤالء في السجن

18

ا ونحن نحمل ا، صوت المساعد جمعونا في أحد أطراف الساحة، تكومن را اثيابن ع كثي ون في رتف ديات يقف ، البل

.الطرف اآلخر من الساحة ين غليظة كثير من البلديات، البعض منھم يحمل عصا دل يصل ب ل مت مربوط بھا حب

"الفلقة". اطرفيھا، حبل سميك يتدلى من العص :حديثه للسجناء صاح المساعد بصوت مشحون موجھا

لضباط تعو لھون.ضابط ؟.. ا ممين فيك -

خرج اثنان من بين السجناء، أحدھما في منتصف العمر، اآلخر شاب.

شو رتبتك ؟ -

عميد. -

.عميد؟!! -

.نعم -

وأنت شو رتبتك؟ -

مالزم أول. -

.ھـممم -

وبصوت أقوى: التفت المساعد إلى السجناء،

طبيب .. أو مھندس أو محامي.. يطلع لبره. ممين فيك -

رة أشخاص.خرج من بيننا أكثر من عش

- :ءللسجنا وقفوا ھون.. ثم متوجھا

ات الصف.كل واحد معه شھادة جامعة ... يطلع لبر -

أكثر خرج ، كنت أنا بينھم.من ثالثين شخصا

، وقف بجوار البالوعة، صاح بالشرطة:مشى المساعد مبتعدا

جيبولي سيادة العميد!! -

أمام المساعد!! انقض أكثر من عشرة عناصر على العميد، وبلحظات كان

كيفك سيادة العميد؟ -

الحمد ... الذي ال يحمد على مكروه سواه. -

شو سيادة العميد ... مانك عطشان؟ -

.ال .. شكرا -

بس الزم نشربك.. يعني نحن عرب، والعرب مشھورين بالكرم، يعني الزم نقدم لك ضيافة... مو من شان -

شي ... منشان واجبك!!

:بصوت زاعققال ، ثم انتفض المساعد، ووالسخرية صمت االثنان قليال بعد لھجة االستھزاء

شايف البالوعة ؟ .. انبطح واشرب منھا حتى ترتوي ... يا وال كلب!! -

ال ... ما راح اشرب. -

وكأن مسا أصاب المساعد، وباستغراب صادق صرخ: كھربائيا

19

شـو ..شـو ...شـو ؟؟!!! ما بتشرب!!! -

لى عناصر الشرطة العسكرية وال زال وجھه ينطق بالدھشة:عندھا التفت إ

شربوه .... شربوه على طريقتكن و ال كالب.... تحركوا لشوف. -

ر إال من السروال الداخلي، حاف العميد عار اء، أكث راء والزرق الخطوط الحم ، وبلحظات قليلة اصطبغ جسده ب

ا من عشرة عناصر انقضوا عليه، تناوشوه، عصي غليظة، ك دبابات .... كلھ راوح ال ة، أقشطة م ل مجدول واب

ه، أصاب من أول لحظة بدأ العميد يقاوم، تنھال عليه من جميع الجھات، راه أمام يضرب بيديه العنصر الذي ي

كانوا يضربونه ھمأن يمسك بواحد منھم، ولكن بعضھم بضربات يديه .... كان يلكم ... يصفع ... يحاول جاھدا

ده .... يمدھما لإل ينللتوبشدة على يديه ا مساك بھم... تزداد ضراوتھم، خيوط الدم تسيل من مختلف أنحاء جس

تمزق السروال وانقطع المطاط، أضحى العميد عاريا اليتإ، تماما ر بياضا وط ه أكث من سائر أنحاء جسده، خي

دلت الدم أكثر وضوحا ذتا عليھما، خصيتاه تتأرجحان مع كل ضربة أو حركة، بعد قليل ت ه وأخ ى جانبي داه ال ي

، سمعت صوتتتأرجحان أيضا ا خلفي: ھامسا

!!يديه !! يا لطيف ... ھالعميد يا رجال كتير .. يا مجنونإتكسروا -

أخوذا .لم ألتفت إلى مصدر الكالم دأ العناصر يحاولون أن يبطحوه كنت م امي، مع الضرب ب ا يجري أم بم

ؤأيديھم... تساعده دما، العميد يقاوم، يملص من بين أرضا تكاثروا عليه، كلما نجحوا .ه التي جعلت جسده لزجا

حنائه قليال ... ينتفض ويتملص من قبضاتھم وبعد كل حركة تزداد ضراوة الضرب ... إفي

رأس ا ب وت ارتطامھ معت ص رق !!.. س رعة الب وي بس د وتھ ف العمي ن خل ع م ة ترتف راوة غليظ ت ھ رأي

دى ه أي صوت آخر....! حتى عناصر الشرطة العسكرية توقفوا عن الضرب، شال يشب أالعميد....! صوت لوا ل

د دار بجذعه سماعھم الصوت لثوان....صاحب الھراوة تراجع خطوتين إلى الوراء .. جامد العينين ...!! العمي

ع خطوة ا ربع دورة وكأنه يريد أن يلتفت الى الخلف لرؤية ضاربه !! خط م برف ة واحدة، وعندما ھ ه الثاني رجل

انھار .... على اإلسفلت الخشن !! متكوما

الصمت صفحة بيضاء صقيلة تمتد في فضاءات الساحة األولى ... شقھا صوت المساعد القوي:

يا وال حمير ... اسحبوه وخلوه يشرب!! -

سحب عناصر الشرطة العميد، واحد منھم التفت الى المساعد وقال:

عن الوعي، شلون بدو يشرب؟!غايب ذايا سيدي .. ھ -

.حطوا رأسه بالبالوعة .. بيصحى .. بعدين شربوه -

وضعوا رأس العميد بمياه البالوعة، ولكنه لم يصح.

عطاك عمره!أيا سيدي .. يمكن -

هللا ال يرحمه ... اسحبوه لنص الساحة وزتوه ھونيك. -

ياء بيض دماء بأش ه!! مسار من يديه جروه على ظھره، رأسه يتأرجح، اختلطت ال ى وجھ اء وسوداء لزجة عل

.من خطوط حمراء قاتمة تمتد على اإلسفلت الخشن من البالوعة الى منتصف الساحة حيث تمددت جثة العميد

صاح المساعد وقد توترت وبرزت حبال رقبته:

20

الحقير ... المالزم لھون. جيبولي .. ھالكر -

وبعد أن أصبح المالزم أمامه:

شرب وال أل؟شو يا حقير ؟ .. بدك ت -

حاضر سيدي .. حاضر .. بشرب. -

العسكري على ءهانبطح المالزم على اإلسفلت أمام البالوعة، غطس فكيه في مياه البالوعة، وضع المساعد حذا

:رأس المالزم المنبطح وضغطه إلى األسفل قائال

!!الزم تشرب وتبلع .ما بيكفي ھيك -

حديثه للشرطة: ثم تابع المساعد موجھا

.. خدوا ھالكلب عا التشريفة ... بدي يكون االستقبال تمام .! وھلق -

اذورات أخرى، ول وق ا من بصاق ومخاط وب ا فيھ ره أالمالزم الذي شرب وبلع المياه القذرة بم ى ظھ لقي عل

ى دمين إل وا الق ه ورفع ى كاحلي ل عل وا الحب ة، لف ل الفلق ه في حب بسرعة مذھلة، ووضع اثنان من البلديات قدمي

أعلى.

ثالثة عناصر من الشرطة توزعوا أمام القدمين وحولھما بطريقة مدروسة بحيث القدمان مشرعتان في الھواء،

راخ ع ص رى، ارتف رابيج األخ دى الك ق إح ب دون أن تعي اغم عجي دمين بتن ى الق وي عل رابيجھم تھ ت ك كان

المالزم عاليا ، ولكن دون جدوى.، تلوى جسده يحاول خالصا

زم واستغاثات المال استفز صراخ ة بوطه ه العالية المساعد، مشى باتجاھه مسرعا دم وجه مقدم ، وكالعب كرة ق

إلى رأس المالزم وقذف الكرة.

وط، كالعواء... است صرخ المالزم صرخة حيوانية، صرخة فز المساعد أكثر فأكثر، سحق فم المالزم بأسفل الب

الزم، ا دمي الم ى ق م عل لون عملھ رطة يواص ر الش عناص حقا ه س ل عمل اعد يواص در، لمس رأس، الص ، ال

بالكاد يفھم: البطن... رفسات على الخاصرة ... حركات ھستيرية للمساعد وھو يصرخ صراخا

رئيس !!... والك سو - تغلوا ضد ال ة ... سواك مالزم والك عرصات ... والك حقيرين .... عم تش اك زلم

الء.. ا عم تغل ضده ؟!!... والك ي الجيش ... وبتش ز... ب بع خب ا نش رئيس خالن يس !.. والك ال ا جواس . ي

ا ده ؟!... ي تغلوا ض الب تش ا ك و ي ايين أنت ق ج ا والد وھل رائيل ... ي الء اس ا عم ا.... ي الء أمريك عم

ق عم تصرخ اء ... ھل ا جبن الكن رجال ... ي املين ح وا ع ره كنت ق عم تترجوا ؟!!... ب الشرموطة ... ھل

والك حقير !!...

دبيكه" فوق المالزم،"رخات المساعد وعلى إيقاع ص ا ، وصرخات وشراسة كانت ضربات الشرطة تزداد عنف

واستغاثات المالزم تخفت شيئا .فشيئا

ان .بعد قليل تمدد المالزم أول إلى جانب العميد !! "ال أدري حتى اآلن ماذا حل به ؟ ھل مات أم ال ؟ ...ھل ك

.ناء االستقبال أو التشريفة ؟"لدى إدارة السجن أوامر بقتل الضباط أث

ا، ولكن إ" .واآلن جاء دورنا جاك الموت يا تارك الصالة !" عبارة سمعتھا فيما بعد من اإلسالميين حتى مللتھ

فعال جاء دورنا، حملة الشھادات الجامعية، ليسانس ، بكالوريوس ، دبلوم ، ماجستير .. دكتوراه ..

21

وا البالوعة، ا اتذة الجامعات .. وحتى األطباء شربوا وبلع وا البالوعة، المحامون .. أس لمھندسون شربوا وبلع

ين كل المخرج السينمائي .. شربت وبلعت البالوعة .. الطعم .. ال يمكن وصفه !! والغريب انه وال واحد من ب

!.الشاربين تقيأ !

! .شيئان مشتركان، الشھادة الجامعية، وشرب البالوعة ! وأصبح بين ھؤالء جميعا

ر.. رابيج.... والكثي الث ك ة عناصر وث ا ثالث ديات، أمامھ ان من البل ا اثن ة يحملھ ل فلق ين، ك ن ثالث ر م م أكث ث

من القسوة، األلم، الصراخ. ..الكثير

القھر.. القسوة.. الموت.. !! الضعف.. األلم..

ي تطيع المش اد أس وب ، بالك ة أي ار خيزران ن آث ان م دماي متورمت ي ا .ق يت ف دما مش وق عن ى ف احة األول لس

اإلسفلت الخشن ، كنت كمن يمشي على المسامير ، رفع البلديات قدمي الى األعلى بالفلقة ، ثالثة كرابيج تلسع

بطن لتنفجر في الصدر... ت وم وتتصاعد من ال م تتك ة من األل ة عارم حبس نقدمي المتورمتين .. موجة داخلي

ان عن العمل ... األنفاس عندما تھوي الكرابيج ... الرئتان تتشن واء المحبوس وتتوقف ى الھ ان عل جان ... تنغلق

ة، رئتين عن صرخة مؤلم ي ال وس ف واء المحب ي الصدر ... ينفجر الھ اره ف م وانفج ة لألل ة الثاني ع الموج وم

واء ... كل دمان مسمرتان في الھ ين ... أصرخ ... وأصرخ والق أحسھا تخرج من قحف الرأس ... من العين

اوالتي لتحر ا ... مح ا إليكھم لك يصل بينھم ط ... س م فق ي ... مصدر لألل لة !! تنفصالن عن ا ... فاش زاحتھم

رورا بأسفل د وتتصاعد م دھما، تمت دأ الموجة عن م، تب وبين أسفل البطن والصدر... موجات متالطمة من األل

اثرة أالبطن ... البطن ... الصدر ... ثم تتكسر عند الرأس، وصرخة ة ن م ورعب ومھان ذھول ل م ال وعدم الفھ

ين رجال ر من ثالث ابكة، ألكث ة... متش ين صرخة متوازي ، تنتشر في فضاء الساحة والتصديق، أكثر من ثالث

األولى.

يئا م يستطع أن يفعل ش اھى بإلحادي ـ ، ولكن هللا ل في البداية استنجدت با ـ وأنا الذي كنت طوال عمري أتب

ءلت: ولكن أين هللا، الساحة األولى أكبر دليل على عدم وجود كائن اسمه أمام جبروت الشرطة !!! فنقمت وتسا

هللا!!

ين صرخة ين رجال أأكثر من ثالث ر من ثالث واه أكث م ... قھر ... تخرج من أف ل ا مثقف ا ر من .. متعلم !! أكث

ان يصرخ ... عوثالثين رأسا ، كل منھا يحوي الكثير من الطموح واألمل واألحالم، الكل ك ا ين ذئب ... اء ثالث

د ين أس ر من ثالث ر أكث ر ا زئي ون أكث ن يك ؤالء الرجال المتحضرين ... ول ى من صراخ ھ ون أعل ن يك ... ل

وحشية ... وحيوانية!!

يضيع صراخي وسط ھذه الغابة من الصراخ وأصوات ارتطام الكرابيج باألقدام ... وترتفع األمواج.

. وأفھم منھم أن علي أال أدنس اسم فخامته بفمي القذر. استنجد بنبيھم:أستنجد برئيس الدولة .. يشتد الضرب .

من شان محمد!!! -

لطمة على الرأس وصوت المساعد الراعد:

ي .. بدي نيك أمك ... على أم محمد!!! ليش في حدا خرب بيتنا غير محمد ؟! إ -

:تيبتعد عني ببطء.. فصرخ تهرأي

22

واحدة!! يا سيدي دخيلك .. دخيل أختك.. بس كلمة -

موجات األلم تتصاعد أكثر فأكثر ... تتالطم أشد فأشد ... المساعد يبتعد أبعد فأبعد ... وأصرخ بأعلى صوتي:

دك ... أبوس - ك ... أبوس أي ا سيدي دخيل ا مسيحي ... ي ا مسيحي ... أن لم ... أن اني مس يا سيدي ... أنا م

رجلك ... أنا مسيحي!!

ي، مي لقد .وببطء شديد يقف المساعد بطء أشد، يصل قرب ود ب ذه األصوات، سمعه، يع ز صوتي ضمن كل ھ

.يرفع يده اليمنى لعناصر الشرطة بإشارة "كفى"

} .مصيري اآلن كله مرتبط بكلمة من فم ھذا المساعد الذي بالكاد يعرف القراءة {

يزرر عينيه ويسألني:

أنت مسيحي وال ؟ -

مرك .. نعم سيدي نعم ... هللا يخليك ويطول ع -

مسيحي... وصاير إخوان مسلمين؟!! -

ال ..ال سيدي ال ... أنا ماني إخوان مسلمين. -

ي ؟ ... آه يا كلب ..آه ، إذا كانوا ھدول العرصات لكن ليش جايبينك ؟ .. ھيك !! .. لوجه هللا !! ... يعني تبل -

ب زيدوا العيار لھالكلب ... مسيحي وصاير نت الزم تموت مرتين!! ... يا شباإيستحقوا الموت مرة واحدة،

إخوان مسلمين!!

مضى، والعناصر الثالثة يزيدون العيار على القدمين وعنصر رابع تنھال كرباجه على فخدي العاريتين.

دمين، أختنق بصرخاتي أسكت لحظات اطن الق زداد، لحم الفخذين رقيق ويختلف عن لحم ب م ت تقلصات األل

لذي سأصرخه، غمامة حمراء تتأرجح أمام عيني، حد األلم ال يطاق.ألتنفس وأعب الھواء ا

ا ود فيھ دام األمل يع ره، وساعات الضيق وانع ق من مخلص غي م يب ى هللا، ل بعد أن خذلني المساعد، أعود إل

ى هللا .اإلنسان إل ا ه، راجي ذيب وأعمق درجات عدت إلي ة التھ "سرا" أن ينجيني من األشرار، كنت في غاي

ن والخشوع:األيما

يا رب خلصني ... أنت المخلص، نجني من بين أيديھم. -

قلت ھذا الكالم دون أن انطقه، باتجاه السماء. طاف بذھني، ومنه خرج مسرعا

ادا م ح بح األل ت، يص راخ تخف ى الص درتي عل ور، ق واي تخ ق ا ع عالي رابيج ترتف فرة، أرى الك ، كنصل الش

اجسدي فأنإذا نزلت ھذه الكرابيج على أتوقعھا، ة لت حتما ق أي طاق م !!.. حسأموت !! لم يب د من األل مل المزي

الموت... أعود إلى هللا:

يا رب دعني أموت ... دعني أموت ... خلصني من ھذا العذاب.-

يصبح الموت أمنية!! أتمنى الموت صادقا ... حتى الموت ال أستطيع الحصول عليه!!.

الحمراء، السماء وردية، يخف األلم... يخفت الصراخ ... موجة ضعيفة من الكرابيج ترتفع وتھوي ... الغمامة

.الخدر والنمل تنزل من القدمين إلى باقي أنحاء الجسم!!

23

ذ ... أشعر بالجسد م اللذي ع وتھوي ... األل رابيج ترتف ي ... الك ذ تغمرن اح اللذي الخدر يزداد ... موجة من االرتي

.!!!رتخى ... ثم أغيب !االمتوتر قد

تشرين الثاني 16

يد التي تمجد .منذ الصباح يعم ضجيج مكبرات الصوت ة واألناش أرجاء السجن وما حوله تبث األناشيد الوطني

دة، جاعة وتصفه بأوصاف عدي ة والش ه صفات الحكم بغ علي ة وتس يس الدول يم، رئ د العظ دى، القائ و المف فھ

ا م... تذكر أفضاله العميمة على جملھ المعلم، الم ذي يمنحن ا بزغت الشمس ،وھو ال واله لم يع أبناء الشعب ، فل

الھواء لنتنفس ، والماء لنشرب ...

ا جناء جميع ن الس ا نح محوا لن ا س ى ھن ي ال ذ مجيئ رة من ة، وألول م ي صفوف منتظم احات ف ي الس ف ف نق

بالوقوف ضمن الساحة مفتوحي األعين.

نا من السجناء ورقة، ومما ھو مكتوب ا أعطوا واحد عليھا يھتف... فنھتف وراءه: بالروح...بالدم سنفدي رئيس

حبوب والمعبود !. مال

.أعادونا الى المھجع .قبل قليل انتھى االحتفال

ا ستةصبحت جيدة، لقد مضى اآلن أكثر من أأشعر اآلن ان صحتي اشھر ونصف على اللحظة التي أعدت فيھ

ى الصفر"، ينحني ا ة فتح عيني على رأس حليق "عل ة قماش مبلل ده مزق وقي وبي راس الحليق ف لشخص ذو ال

بالماء يحاول أن يمسح بھا بعض جروح جسدي، الحظ صحوتي فابتسم لي، قال:

ا - ى سالمتك، ي د عل دكتور زاھي ... ال تحكي وال تتحرك .. والحم ا ال خوي أ الحمد انك صحيت، أن

نكتب لك عمر جديد، احمد هللا سبحانه وتعالى. ا

ى تلزم .استطع ال الكالم وال الحركةلم ر من شھر حت م، وأكث ى ألتكل د صحوتي األول ام أخرى بع ة أي ني ثالث

وطوال ھذه الفترة الزمني الدكتور زاھي بعنايته الفائقة، وبلھجة المنطقة الشرقية المحببة كان .أستطيع الحركة

ين لسببين: األ ا يشرح لي بما يشبه التقرير الطبي أن وضعي كان خطر ول أن أذية بالغة قد أصابت إحدى الكليت

د اقتربت من حد .وأنني بقيت فترة البأس بھا أتبول دما د المتھتك في جسدي ق أما الثاني فھو أن مساحة الجل

د ا .حسب المنطقةتفاوتت النسبة ن وإ ر.الخط ة تھتك جل ة األمامي بطن ، الجھ ا ، قسم من ال ه تقريب لظھر بكامل

د القدم اليسرى جلد . أمامان من الجھتين العلوية والسفليةمن الفخذين، القد ة وبانت فق ة العلوي انكشط من الجھ

العظام.

أ خبرني زاھي إنني بقيت ستة أيام غائبا ا ة عن الوعي ومعلق ادة المعقم ح ھو الم ان المل اة والموت، ك ين الحي ب

ان يحب أن ا ك الجني الشيخ زاھي، كم ة الوحيدة المتوفرة، بالملح ع ور بكل طيب ازال عن لقب دكت ادى متن ين

خاطر وكان يشربني الماء وقليال من المربى المذاب والمخفف بالماء.

24

ول فإنه كما شرح لي وضعي الصحي و ن إأخبرني عن المعلومات التي وصلتھم من المھاجع األخرى والتي تق

/ شخص 91عدد أفراد دفعتنا كان / ة في الساحة األوا دخلوھم ، قتل منھم ثالث م ي تقبال وھؤالء ل اء االس ى أثن ل

ان لإلى المھاجع، وخال ة، واثن فترة غيابي عن الوعي مات عشرة آخرون متأثرين بجروحھم وإصاباتھم البليغ

اج من الدفعة أصيبا بشلل دائم نتيجة أذى كبير بالعمود الفقري، واحد فقط أصبح أعمى بعد أن تلقى ضربة كرب

ى زاھي من سرد ھذه المعلومات قال:فقأت عينيه، وبعد أن انتھ

ا - د هللا ي ده..أوالحمد على سالمتك .. احم در تصلي خوي احم و رغم أن الصالة ممنوعة بس أنت تق

ركعتين لوجه هللا !. ا سر

الحالقة

الناس في المھجع: بعد تسعة أيام من صحوتي وقف رئيس المھجع في الصباح وقال مخاطبا

ا - وإي ا بيحسن خوان .. الي ي م وا المرضى ويلل يعيننا هللا .. احمل ة، اصبروا وصابرو، س ا بالحالق م دورن

يك ةيمشي على البطانيات، كل بطانية يحملھا أربع و هللا أسرعوا، السرعة أفضل.. مفدائيين ... وقدر ما ف

يقوينا!

فتح الباب، وقف الجميع، حملني أربعة أشخاص، قال لي أحدھم بحماس:

يا أخي ال تخاف.. راح نحميك بأجسامنا. خاف ال ت -

صفان من الشرطة على جانبي الباب، بين الشرطي واآلخر حوالي المترين، كل شرطي يحمل كربا ا ا أن ج ، م

يصل السجين إلى الباب حتى يبدأ الركض، تتلقاه كرابيج الصف اليميني للشرطة من األمام، الكرابيج اليسارية

اع الضرب، يقف الصف من تطارده من الخلف، من يتعثر أو يقع .. قد يموت فھو يكون قد كسر التناغم وإيق

ة خلفه وتجتمع عليه الكرابيج جميعا رابيج المنھال ة واستطاع النھوض رغم عشرات الك ة قوي ان ذا بني ، فإذا ك

ا.عليه.. فقد نج باألرض إلى األبد. أماالضعيف فستبقيه الكرابيج لصيقا

ة، اصطفوا في الساحة حوالي الثالثمائة سجين وا الضربات السريعة والكاوي من مھجعناركضوا بسرعة، تلق

نھم مغمضة، ائط وأعي ى الح ن عناصر ووجوھھم إل ر م احة، الكثي ي منتصف الس نحن المرضى وضعونا ف

الشرطة، الكثير من البلديات وفي أيديھم أمواس الحالقة للذقن وماكينات حالقة الشعر على الصفر.

.؟!! اللؤم ...

ر ،كانت ھذه ھي التجربة األولى للحالقة ام كثي ادم من األي رة ا،وسأجربھا في الق ذ الم ى ونتيجة ولكن من األول

ا رغم ا يجري فيھ ه مغمضتان! ألوضعي كمريض مرمي في وسط الساحة يستطيع أن يراقب كل م ن عيني

طرقت ذھني تساؤالت إنسانية كثيرة:

انون من البلديات سجناء مثلنا، مقھورون نھم يع ون، ولك ة ولصوص ولوطي ون، قتل م مجرم مثلنا، صحيح إنھ

رح ة والضرب المب قھر السجن مثلما نعاني، وال تعني لھم السياسة شيئا... ولكن من أين تنبع ھذه القسوة اللئيم

ا البلديات للسجناء أثناء الحالقة؟! ميكيلھ لذانال

وكنت دائما أتساءل بذھول: ھل من المعقول أن ي إلى ھذه الدرجة ؟!! وھذا اللؤم المجاني ؟!! كون اإلنسان لئيما

25

وكان بعضھم يتلذذ بافتعال السعال قبل ،حالقة الذقن عملية تشريح أو حراثة للوجه مصحوبة بالبصاق والشتائم

ع بالبصق على وجه السجين كي يكون البصاق مصحوبا ديات بالوجه ! ويمن المخاط !!! وتلتصق بصقة البل

مسحھا.من جين الس

ة وق، ضربة قوي ديات الشعر المحل نفض البل د أن ي رأس، وبع ى ال ة عل حبة ماكين ل س ع ك رأس .. م ة ال حالق

سنانه ويشتم:أبالماكينة نفسھا على المكان المحلوق وھو يصر على

بن العرص .. منين جايب كل ھالقمل؟! ايا عرص يا -

ولك يا منيك ... شو عامل راسك مزرعة قمل؟! -

ع كل ضربة ماكينة، إما أن ينفر الدم، أو تظھر كرة صغيرة في الرأس مكان الضربة!!.وم

ديات ن البل ر م جناء عرف الكثي ن الس ر م ائھم ،الكثي دنھم وأحي داتھم وم راھم وبل ن نفس ق م م ى نفس ، ھ وتبق

ه النفسية؟.. ھ ا ھي دوافع در؟.. م ذا الق يم بھ ادية األسئلة مطروحة: ولكن لماذا؟ .. لماذا ھو لئ ل القسوة و الس

.المتأصلة أو العارضة يمكن أن تنتقل بالعدوى؟ أم ھي روح القطيع؟!

.تاح لي فرصة محادثة احدھم "ت" وددت لو

بعد أن انتھى أحد البلديات من حالقتي بضربة قوية على رأسي الحليق، قال:

!.بن الكلب .. كسرتلي ضھري!! .. عامل حالك ما بتحسن توقف!اياكلب يا -

رؤوس ال أدخلونا جميعا ى ال ال عل تلقيت حإلى المھجع بين صفي الشرطة والكرابيج تنھال أكثر ما تنھ ة!! اس ليق

إمارات السرور والفرح بادية على كل المساجين: .في الركن المخصص للمرضى

" ھاھي حالقة أخرى .. تمر بسالم .. ال زلنا أحياء !! ".

المھجع ذا المھجع أل استلقائي أكثر من شھر في ھذا الركن خال تيح لي أن أعاين وأفھم الكثير من األشياء واألمور في ھ

ر 15يبلغ طول المھجع / .الكبير ى ا / خمسة عشر مت دي أسود، في أعل اب حدي ار ب ، وعرضه حوالي ستة أمت

ميكة، ة س لحة بقضبان حديدي قف و مس ذ صغيرة مالصقة للس دران نواف ذة خمسال الج اوز عرض الناف ن ي يتج

ر ا سنتمتر ا حوالي المت ا .وطولھ قفية، وھي فتحة في منتصف السقف طولھ ا في المھجع ھو الفتحة الس م م أھ

ةأرب يح ع راقة " تت مونھا " الش ة ويس ذه الفتح ة، ھ ة متين ا بقضبان حديدي لحة أيض ران، مس ار وعرضھا مت أمت

دار للحارس المسلح ببندقية والذي يقف على سطح المھجع أن يراقب ويعاين كل ما يجري داخل المھجع وعلى م

.كل مھجع في السجن الصحراوي حارس مسلح من الشرطة العسكرية فوق ساعات الليل والنھار،

ا، اثنساعات اري، اثنتاليوم ھنا جزءان الثالث لھم وم إجب اري، كل تا عشر ساعة ن ا عشرة ساعة جلوس إجب

اثنتين، من سجين يملك ثالث بطانيات ع سكرية فقط، يطوي واحدة ويمدھا على األرض فتصبح فراشا ويتغطى ب

يملك ألبسة زائدة عن الثياب التي يرتديھا يطويھا ويجعلھا وسادة أو يضع حذاءه كوسادة، ومن يكن مثلي ال يملك

ثيابا أو حذاء فإنه ينام بال وسادة.

26

مساء إلى السادسة صباحا يجب أن يكون نائما ال يتحرك، من وعلى كل سجين أن يتقيد بالتعليمات، من السادسة

السادسة صباحا إلى السادسة مساء يجب أن يطوي البطانيات الثالث ويجلس عليھا ال يتحرك.

ه أن ينظر داخل الذھاب إلى المرحاض يتم وفق نظام خاص، بحيث أن الشرطي الحارس في أي ساعة يخطر ل

يس المھجع وھو سجين أيضا يجب أن المھجع يجب أال يرى أكثر من شخص واحد يمشي داخل المھجع، ورئ

ينظم كل ھذا تحت طائلة المسؤولية.

اك /أي خلل..لدى ان ھن يال، إذا ك إذا تحرك النائم حركة غير طبيعية مثال، إذا كان إثنان يتحدثان إلى بعضھما ل

برئيس المھجع:الحارس يصيح /رسأكثر من شخص يمشي، إذا كان جالسا بطريقة التعجب الحا

!! رئيس المھجع .... وال كر -

نعم سيدي. -

علم ...ھالكلب. -

وھكذا يكون قد تم تعليم السجين.

اعتان ل حارس س ة ك ي .نوب ه ف ن يلي غ م ل حارس يبل ارس، وك ل ح زاج ك ابع لم يمھم ت تم تعل ذين ي دد ال وع

ى الساحة وبصحبته عدد وفي الصباح يكون المجموع ع ،مھمالحراسة بعدد الذين عل ند الرقيب الذي يحضر إل

كبير من عناصر الشرطة العسكرية والبلديات، ويصيح:

ياحقير ... عندك تالتة وتالتين معلمين .... طالعھن لبره الشوف!. عوال ... رئيس المھج -

ويخرج الفدائيون!.. جزاء وعقوبة التعليم أصبحت عرفا: خمسمائة جلدة.

الطعام

ى ،الطعام يأتي في أوان بالستيكية ،رغيفان من الخبز العسكري لكل سجين ،وجبات في اليومثالث العشاء عل

رم ،بطاطاالاء برغل ومرق دالغ ،غلب شوربة عدساأل دون أن تغسل أو تف دورة ب ،البطاطا تطبخ مع رب البن

ا بيض الف ،ولذلك دائما ھناك عدة سنتمترات من التراب الراقد في أسفل جاط المرق طور لبنة أو زيتون وأحيان

مسلوق.

ز ،يضعونھا أمام المھاجع ويذھبون ،يجلب البلديات جاطات الطعام حوالي العشر ،أكثر من ستمائة رغيف خب

كلھا تكوم أمام المھجع. ،جاطات بالستيك مليئة بالبرغل ومثلھا من المرقة

امثالث مرات في اليوم يفتح الباب الحديدي األسود إلدخال ا ين خلف ،لطع دائيون واقف رة يكون الف وفي كل م

ا ،الباب ه ،مما أن يفتح حتى يصبحوا جميعا وبلمح البصر عند الطع رق يحملون دائي واحد لكل ،وبسرعة الب ف

ان برغل، جاط ه اثن ة أشخاص ،جاط المرق يحمل ا أربع ة يحملھ ات وكل بطاني ى البطاني ه عل ز يكومون ،الخب

تغرقه ذي يس ت ال وال الوق ا ط ت فعلھ د فعل رطة ق رابيج الش ون ك ام تك ال الطع رطة ،إدخ نن عناصر الش يتف

ويبتدعون أساليب جديدة:

قال: .أمسك الرقيب بالفدائي الذي ھم بحمل الجاط ،أمام جاط شوربة العدس الغالي

أترك الجاط على األرض ... وال شرموط! -

27

ترك السجين الجاط ووقف.

ف!وھلق ... غطس إيديك بالشوربة لشو -

.وأجبره بعدھا أن يحمل الجاط بيديه المسلوختين إلى داخل المھجع ين.وخرجت اليدان من الشوربة مسلوخت

كل بضعة أيام يقتل واحد أو أكثر أثناء إدخال الطعام إلى المھاجع.

الفدائيونة عش اوزوا الخامس م يتج ان ل رھم، فتي ن عم انين م ي الثم ال ف ار، رج ل األعم ن ك اس م ا أن د ھن د يوج ر، يوج

عاھات سواء كانت في األصل أو حدثت جراء التعذيب. ومرضى، ضعفاء، ذو

الفدائيون مجموعة من الشباب األقوياء ذوي األجساد المتينة، تطوعوا من تلقاء أنفسھم للقيام بالمھام الخطرة التي

أحد المرضى أو الشيوخ من تحتاج إلى قوة تحمل أو سرعة، مثل إدخال الطعام إلى المھجع، أو إذا تم " تعليم "

دة، ال يعرف أحد أي مھجع في قبل الحراس، فإن أحد الفدائيين ينوب عن ھذا المريض في تلقي الخمسمائة جل

ة دى كل مھجع في السجن فرق ين أن ل ا تب السجن كان السباق إلى ابتداع ھذه الفرقة الفدائية، ولكن في لحظة م

نوات ال ي الس ة، "اكتشفت الشرطة ف د فدائي ة أح لون بمراقب ان الحراس يتس ام ك د األي ي أح ر، فف ذا األم ة ھ الحق

ة، وأصر ة الفدائي وق عدد أعضاء الفرق يمھم يف م تعل ذين ت يم السجناء، وأصبح عدد األشخاص ال المھاجع وتعل

دائي ويبعض الف رى، وف دة أخ مائة جل ي خمس ة لتلق رة ثاني روج م ى الخ ار ا رن عل رطة آث اكتشف عناصر الش

".الكدمات الحديثة على أرجلھم ولكنھم رغم ذلك لم يفعلوا شيئا حيال األمرالضرب و

سمعت أحد الفدائيين يقول إلى زميله:

نحن مشروع شھادة. -

اإلخالص م ب م يتس ر، وعملھ اة الكثي ة حي رق الفدائي ذت الف د أنق ھاد، وق ى االستش عيھم إل ي س م صادقون ف وھ

يق.واالندفاع الشديدين النابعين عن إيمان عم

الصالة التي أداھا جالس بعدفي مرة أخرى سمعت دعاء أحدھم :ا

ث النبي - ك حي ى جنت ذني إل ھادة، وخ ي الش ل ھبن مك الجلي يء، باس ل ش ى ك ادر عل ك ق م ان ن واللھ

ن األخيار.ووالمؤمن

.ف في حديثهكنت أالحظ نبرة زھو وتشو على بعضھم اآلخربعضھم كان يقوم بعمله بتواضع شديد وصمت، و

امالحم نحن في المھجع ستة مرضى ال نذھب إلى الحمام، أنا وزميلي في الدفعة الذي بقي غائب عن الوعي طوال الفترة ا

ا ، التي كنت ال أستطيع الحركة فيھا ومين، أن د ي ة، واحد مات بع ا ثالث "وكان قد دخل إلى ھذا المھجع من دفعتن

ام، تة أي د س ا الثالث فق صحوت بع فيأم دھا وش اة، صحا بع ين الموت والحي أرجح ب ي شھرين يت ة "د بق وأربع

ة ، أن، اثنان منھم باألصل شلل أطفال ، الثالث أثناء االستقبالومشلول ـ " المظل ذيب ب ما الرابع فقد شل نتيجة التع

".

28

ة م الحمام إجباري للجميع إال الذين ال يستطيعون الحركة، ه إن النظاف ان، ذھب خاصة وقد كتب على باب ن اإليم

ون فقط ابھم يبق ة، يخلعون كل ثي ا ال أستطيع الحرك المھجع إلى الحمام مرتين خالل فترة الشھر التي بقيت فيھ

.بالسراويل الداخلية

ام!.وقدرتي على الحركة ذھبت مع المھجع إلى الحم بعد شفائي نسبيا

ام فوجدت الكيلوت الذي كنت ارتديه عند مجيئي إما أنه تقطع أثناء االس د ستة أي ه ضاع، صحوت بع تقبال أو أن

سرواال نفسي مرتديا ذا السروال وقفت بالصف داخل داخليا انبي، وبھ ى ج ة إل يصل إلى الركبتين وثيابي مكوم

ى الحم ذھاب إل ار ال ة .امالمھجع بانتظ ا األدعي يط بن ود تح اب األس ائف، نقف خلف الب ل خ وجس، الك ل مت الك

روي لآل ، خلفي اثنان يتحادثان حول أبواب السجن،واالبتھاالت إلى هللا ا سوداء، أحدھم ي ة وكلھ ا حديدي خر كلھ

واب ا عن سجينة اسمھا "ترفة" كانت قد قطعت عھد على نفسھا نتيجة لكثرة االستفزازات التي كانت تشكلھا األب

يخلع لھا كل أبواب بيتھ ا السوداء لھا بأنھا بعد خروجھا من السجن ستحضر نجار .ا أبد مغلقة ا، ھي ال تريد أبوابا

ين اثني، اثنفتح الباب ... خرجنا ركضا ا ع عالي وتھوي ن، حولنا من الجانبين الشرطة يحملون الكرابيج التي ترتف

ا ثالث ساحات د "، من الساحة السادسة عبرن دا بع ا تشفى جي دماي لم اة " كانت ق على من تصادفه، الكل حف

ا أخرى حتى وصلنا الحمام ية، أدخلون ة الفرنس ، بناء مستطيل يحوي العديد من المقاصير، وھو من مخلفات الحقب

وح من الصابون .. كل اثنين إلى مقصورة بال باب، وزعوا الصابون العسكري ضربا على الرأس، لكل واحدا ل

تغل فرصة تائم حول موضوع أال نس ذه الش ذا الصياح وھ ي ھ ديد ف ز ش تائم ... تركي ي صياح ... ش ا ف وجودن

الحمام ونلوط بعضنا بعضا !!، وأنھم يعرفون أننا كلنا لوطيون وأننا نفعل كذا وكذا ببعضنا.

اد دھن ة، بالك ر ممكن اء غي ديل حرارة الم اء، الماء النازل من "الدوش" يغلي، البخار يتصاعد، تع ادنا بالم ا أجس

ع دھا تحت وق وان، نخرج بع ة ذو دقيقة واحدة قد تزيد أو تنقص بضع ث اد المبلل ى األجس رابيج، الضرب عل الك

وقع مختلف، يلسع لسعا نحمل آثار الضرب فقط. ، نعود إلى المھجع ركضا

ى الحم " وف يلغ ون س ه المعتقل ع في ع يوض ى مھج ه إل يتم تحويل جن وس اظ الس ة اكتظ رة نتيج د فت ام بع

الشيوعيون ."

دم تابع الدكتور زاھي العناية بي وبالمرضى ى وجه الق اآلخرين، جروحي كلھا على وشك الشفاء عدا الجرح عل

دكتور زاھي من مضاعفات ،اليسرى و نتيجة ألن عظام مشط القدم قد بانت بعد انكشاط الجلد عنھا فقد خشي ال

ة، ه طبيب أخصائي جلدي ى أن ذا الطبيب أن أخرى، حضر مرة ومعه شخص آخر وعرف به عل د أخبرني ھ وق

بمھجعنا فقط ي من مختلف االختصاصات. وجد ثالثة وعشرون طبيبا

ة وسھر زميلي في الدفعة قاوم الموت أكثر من شھرين، أخذت في نھايتھا صحته في التحسن، أيضا بفضل عناي

وجيء بي إوعندما أصبح ب ،زاھي، ثم بدأ يصحو من غيبوبته تدريجيا ه تحريك رأسه ... نظر باتجاھي وف مكان

د رأى ديناصورا تماما !! أصيب بالدھش ان ق أله إذا ك ه س ان جانب ذي ك ى أن زاھي ال ة حت وان قليل ؟! ة الشديدة لث

ولكنه تململ ولم يجب.

29

دة، خالل الشھرين األولين كانت قد نشأت بعض العالقات بيني وبين بعض السجناء، فعالقتي مع زاھي تعتبر جي

ي لقد جلسنا عدة مرات سوية نتحدث عن السجن والحرية، بثني ا ى، كشف ل لعديد من ھمومه الطبية والعائلية حت

ة ف ة والوسائل الطبي دام األدوي إعن خشيته من تفشي وباء ما داخل السجن، وأمام انع اء سيكون قاضيا ، ن أي وب

سألته مرة عن تاريخ سجنه ومجيئه إلى السجن الصحراوي، قال:

بعد المجزرة مباشرة!! -

وأية مجزرة تعني؟! -

. معقول ما سمعت بالمجزرة يا أخوي؟ ولو يارجل !!! .. -

كنت بفرنسا.، ال وهللا .. ما سمعت .. أناما كنت بالبلد -

بعدھا سرد علي تفاصيل ما حدث، أو ما سمي بمجزرة السجن الصحراوي:

وبتر - ائظ، حطت طائرات الھليوك ي ق وم حزيران ة األلف سجين إسالمي، وفي ي كان في ھذا السجن قراب

وا من الطائرات في ساحات السجن، محملة بالجنود الذين دججين باألسلحة، نزل يقودھم شقيق الرئيس، م

دخلوا على السجناء في مھاجعھم وبالرشاشات حصدوھم حصدا ما وا قس نھم في الساحات وقضوا ! جمع م

زاھي أتى إلى ھذا السجن بعد المجزرة تماما ،كانت الدماء والشعر اآلدمي ونتف من اللحم .عليھم جميعا

واألدمغة ال زالت الصقة على جدران وأرضية المھجع الذي أدخلوه فيه.

يتوقف زاھي قليالعن السرد، ينظر عاليا خالل الشراقة نظرة ساھمة ... ويتابع:

ا أخوي رحمھم هللا جميعا ... الجميع استشھد، كانوا أبطاال - ة هللا، تصور ي يھم رحم من الرواد األوائل، عل

زاع بعض ... انه خالل المجزرة ھجم كم واحد من الشباب المسلم على العساكر المسلحين، واستطاعوا انت

اومون باألسلحة وا يق اومون ؟!.. وظل األسلحة... ھم يعرفون أنھم راح يموتون على كل حال... ليش ما يق

. الغريب ھاي ... حتى استشھدوا أو نفذت ذخيرتھم ... كبدوا العساكر خسائر كبيرة ... عليھم رحمة هللا ..

ي المجزرة.. يا أخوي!!.ذانك ما سمعت بھ

لم ر مس ال أحدھم أن أكون غي ، خاصة وخالل ھذين الشھرين لم يسألني أحد عن ديني، فلم يكن يخطر على ب

دا اوأن ر أح م أخب ابرات ل ه سمي ال يوحي بذلك، وبعد التجربة التي مررت بھا في مركز المخ ذلك خاصة ان ب

سيكون خارج السياق.

ني، كان المھجع كله قد عرف أنني:آبعد يومين من دھشة زميلي في الدفعة عندما ر

نصراني، ملحد، وجاسوس!! -

ر قوطعت مقاطعة .ظھرت النتائج فورا تامة من الجميع، لم يعد أحد منھم يحييني، إذا قلت ألحدھم صباح الخي

ردوا التحية بأحسن منھا".أشاح بوجھه إلى الطرف اآلخر عكس تعاليم نبيھم التي تقول: "

: ھاقال لي وھو منھمك بفحص .في اليوم الثالث للدھشة، تظاھر زاھي بأنه يريد الكشف على قدمي

30

اب !.. شغلة أنك تكون جاسوس للنظام .... ھاي - أن تكون نصراني... ھذا مو مشكلة، انت من أھل الكت

ون جواسيسھم ماتخرط ال بالعقل وال بالمنطق ... أنت كنت راح تموت بالت ا يقتل عذيب... وھذول الكالب م

!!... بس قولي ... صحيح انك أعلنت قدام كل الناس بفرع المخابرات انك ملحد ؟! .

- من العذاب والسجن. صحيح يا دكتور... ولكني قلتھا تخلصا

ك حذر... - ك ... خلي ول ل ذلك أق د، ل ك رجل جي ي أظن أن افي، لكنن ر ك رر غي ذا مب ذا ااھ ه!! بھ لمھجع نتب

ع جماعة من المتشددين... يفكرون انه من واجبھم قتل الكفار "حيثما وجدوا"، وأنت صار معروف للجمي

!عن الجماعة نك كافر!!... وشغله ثانيه أرجو انه ما تحاول تحكي معي... فأنا ال أستطيع أن أكون شاذا إ

يا دكتور... على كل شيء. ا شكر -

.ال شكر على واجب -

ورا حوالي عشرة مضى أسبوع دون حوادث تذكر، وذات يوم خرجت من المرحاض وأنا أعرج، أحاط بي ف

حدھم:أت كلمات من بين أسنان أشخاص كلھم شباب في بداية العشرينات من عمرھم... صر

ي ھي نھايتك يا كلب.ذوقف ولك ... يا نجس .. يا كافر ... ھ -

ة ينفجر تجمدت مكاني، ذھلت... ألجزاء من الثانية نظرت إلى ا د والكراھي لعيون المحدقة بي، فائض من الحق

من ھذه العيون، العزم.. اإلصرار..!.

تضيق الدائرة حولي ... استسالم كلي، بل شلل بالتفكير.

ابرات، الخوف من الشرطة العسكرية، الخوف طوال الفترة الماضية لم أكف عن الخوف، الخوف من المخ

الخوف من الضرب واأللم والموت ... أما اآلن .. إنني أرى الموت يحدق لدى قرقعة المفتاح في باب المھجع،

د كنت حجر ي ..! ھل خفت ؟ ... ال أدري، لق ة خشب مجردة من ا بي من خالل األعين المحيطة ب ... قطع

األحاسيس والمشاعر، ال تفكير.. ال رد فعل... جمود كلي... واستسالم تام...!!.

ى ال يم عل ل يخ ى صمت رصاصي ثقي ارس عل تطيع الح ان ال يس ي مك اض، وھ ام المرح حة الصغيرة أم فس

ذي ھو ، خطواتھم صغيرة جدا السطح أن يراه من شراقة السقف، كان اقترابھم مني بطيئا نحو مركز الدائرة ال

م م ل ي؟!.. ھل ھ ائفين من ردود فعل انوا خ ة عمرخوفي وفزعي؟!.. ھل ك ر إطال ذيبي عب دوا تع ا، ھل تعم أن

موتي بعد؟!.. لست أدري!.مر أيحزموا

ى سر الصمت... وك فجأة ك ه، التفت إل سر محيط الدائرة البشري حولي، قفز شخص كبير السن وأحاطني بيدي

المحيطين بي وبصوت ھادىء أجش قال:

من يعتدي على ھذا الشخص فقد اعتدى علي!. -

قال أحدھم: ،بوغت المھاجمون... توقفوا .قالھا بالفصحى

ن، يا شيخ محم - ذا األمر!.. أنت شيخ دي ة بھ ك عالق ا ال ود، نحن نحترمك ، لكن ... م ود ... يا شيخ محم

والزم تكون معنا في القضاء على الكفر والكفار!.

.ال... لست معكم! قال هللا تعالى: "ال تقتلوا النفس التي حرم هللا إال بالحق" -

31

لكن... ھذا الشخص كافر يا شيخ محمود!. -

ما في النفوس وسرائر القلوب. هللا وحده يعلم -

لكنه نصراني... وجاسوس! -

وجادلھم بالتي ھي أحسن، وال تأخذوا الناس بالشبھات. -

كل الناس بالمھجع يراقبون ما يحدث، ولكن لم يتجمع حولنا إال عدد قليل، خمنت أن أكثرھم من أنصار الشيخ

:يخ محمود وقال آمرا محمود، فجأة رأيت الدكتور زاھي إلى جانبي، التفت إليه الش

يا زاھي ... خود ھالشخص لمكانه. -

ي ى فراش لني إل ة، أوص ة ممانع ا دون أي دائرة حولن ت ال ي، انفتح ن كتف ي م ي أو جرن دكتور زاھ حبني ال س

وقال لي:

اجلس مكانك وال تحكي أية كلمة!. -

مكان رئيس المھجع إلى جانب الباب حيث يكون جاھزا ى الطرف عند فتح الباب دوما لمخاطبة الشرطة، وعل

ه اآلخر من الباب وضعوا فراشي بدال ان يحتل اب .من الشخص الذي ك نھم، الب م رفضوا أن أكون بي دوا أنھ يب

ر رغم ع مت على يساري، الشخص الذي على يميني وھو الجار الوحيد لي أبعد فراشه عن فراشي أكثر من رب

االكتظاظ واالزدحام، ولم يحتج أحد.

حت م أض لطا د ال زال مس ة، التھدي ي تام اطعتھم ل ق اھما ي س ى فراش ت عل ر ، جلس ى النظ أتحاش

إلى أي اتجاه محدد.

مع األيام بدأت تنمو حولي قوقعة بجدارين:

دا .جدار صاغه كرھم ليـ د واالشمئزاز، وحاولت جاھ ة والحق أال أغرق في كنت أسبح في بحر من الكراھي

ر.ھذا البح

والجدار الثاني صاغه خوفي منھم!ـ

د ر الوحي و األم داخل، وھ ن ال ع م ى المھج دأت أتلصص عل ي وب ة القاس دار القوقع ي ج ذة ف ت ناف وفتح

الذي استطعته.

كانون األول 31 ا الى مسألة التواريخ ھذه، األ اليوم عيد رأس السنة، ترى أين تسھر سوزان اليوم ؟! "لم أكن منتبھا ا كلھ ام ھن ي

ة متشابھة، وم ھو رأس السنة الميالدي أن الي ى بعض السجناء ب ول مالحظة إل ولكني سمعت رئيس المھجع يق

وم ،ھو يوم الخميس وأن غدا ذا الي دون ويفسقون في ھ ومن حسن الحظ أن ھؤالء الظالمين يسھرون ويعرب

".ال محاكمات ... ال إعدامات ،ي غدا حتى الصباح، بعدھا ينامون، ومعنى ذلك ان الھليوكوبتر لن تأت

رأس السنة في غرفھم، ون ب دو أن بعض عناصر الشرطة يحتفل بعدھا أصغيت لألصوات خارج المھجع، يب

."حفل في الجحيم" خطر بذھني ھذا العنوان، ھل ھو عنوان فيلم ؟! عنوان رواية ؟... أو مسرحية ؟ ال يھم

سوزان، خالل الشھور الثمانية الماضية !.كان حنيني إليھا يكاد يكون وحشيا

32

ن ا ؟... وأي ن أن وا أي أھلي، أين ھم اآلن؟ ماذا يفعلون؟ بماذا يفسرون غيابي طوال ھذه الفترة؟ ماذا فعلوا ليعرف

ا؟؟ يجب ولماذا اختفيت ؟... أبي وأمي يعيشان ھنا وكانا ينتظران وصولي... أنا لم أصل إلى البيت، إذا ن أن أي

ساؤلھما الرئيسي!.أن يكون ھذا ت

م اذا ل رين، لم اء اآلخ وذ، وبعض األقرب ك بعض النف و يمل الي فھ ذلك خ ه، وك ه معارف د ول ي ضابط متقاع أب

يتحركوا حتى اآلن النتشالي من ھذا الجحيم؟... ولكن ما أدراني!! قطعا إن جميعھم اآلن يتحركون ويسعون.

ھذه األفكار أشعرتني ببعض األمل!.

ورحتاج إلى شخص أحأ ذه األم ه ھمومي ،ادثه عن كل ھ أله، أبث ة، .أس أنظر حولي فتصدمني الوجوه المغلق

فقط بضع كلمات من رئيس المھجع عند الضرورة، وبضع كلمات ،على مقاطعتھم لي ر أكثر من نصف عام م

دأ يصدأ .فمي مطبق ال يفتح إال أثناء إدخال الطعام .من زاھي خلسة د ب إلنسان ھل يمكن ل .أحس أن لساني ق

يجب أن أتكلم حتى لو مع نفسي وليقولوا أنني مجنون!!. .أن ينسى عادة الكالم إذا لم يتكلم لفترة طويلة؟

ال أستطيع أن ألمس شي يائھم ئا اد ،من أش رة .ھمأجس م يا د واحد كنت ماش دي بي اه المغاسل فاصطدمت ي باتج

دا رامن المغاسل، رجع و منھم كان عائ اء فإذا ا .غتسل ليتطھ ة الم لھا إستخدمت حنفي أتي بعدي يغس ن من ي

رة .بالصابون سبع مرات، ألنني ببساطة "نجس" دا م ة سمعت واح ه ال يكفي أن يغسل الحنفي ول لآلخر بأن يق

بالصابون سبع مرات، إنما يجب أن يكون لدينا بعض التراب... ألن الرسول صلى هللا عليه وسلم قال :

".اغسلوه سبع مرات إحداھا بالترابناء ، فإ"إذا ولغ كلب في

انوا يتكتمون ي، ك من يقوم بتوزيع الطعام يضع الطعام لي أمام فراشي ويتحاشى أن يلمس بطانيتي أو ينظر إل

اليبھم ھم وأس ائل عيش ة ووس اتھم الداخلي ن حي ر ع رف الكثي تطعت أن أع ك اس م ذل ن رغ امي! ولك أم

داخل السجن.

الصالة الصالة م منوعة منعا ا بجرم الصالة .بأوامر مدير السجن باتا ه متلبس ة من يقبض علي " الموت "، ھي عقوب

ا اصالة الخوف، يوجد شيء من ھذ .نھم لم يكونوا يفوتون وال صالة واحدةإرغم ذلك ف في اإلسالم، ولكن ھن

ي أي وضعية أخرى، دون ه أو ف ي مكان الس ف و ج ان يصلي وھ ا بحيث أن اإلنس وع أو سجودطوروھ .رك

إدارة السجن عرفت ھذا أيضا ، ويتناقلون حديثا دير لمدير السجن قاله أمام السجناء الشيوعيين، ودائما حديث م

:السجن أشبه ما يكون بالمحاضرات أو الخطب، خاطب الشيوعيين قائال

م خوان المسلمون، البارحة فقط أمضيت أكثر من نصف ساعة وأنا ھؤالء الكالب ... اإل - م وأفھمھ أشرح لھ

اس !! أن القومية أھم من الدين، ادوا يصلون !!! عجيب أمر ھؤالء الن وم ع م الي ولكن ھل تتصورون أنھ

لماذا ذھنھم مغلق إلى ھذه الدرجة ؟!.

االتصال

33

ا ين واليسار، وأحيان ين آخرين من اليم من الخلف جميع المھاجع ملتصقة ببعضھا، كل مھجع ملتصق بمھجع

ة ھذا األمر سھ ، وأيضا ل االتصال بين السجناء كثيرا، ويكون ذلك بالدق على الحائط حسب طريقة مورس، دق

ي ترسل وفق طريقة مورس.التعلى الحائط ... دقتان ... دقة قوية ودقة ضعيفة... نفس رموز البرقيات

ذين اعدموا وأسما ار خارج السجن ھم، ؤكل ما يجري داخل السجن، الدفعات الجديدة، من مات، عدد ال األخب

ؤوالتي ينقلھا السجناء الذين جا اجع وفق رموز المورس، وفي وا حديثا ، كل ھذه األشياء كانت تنتقل عبر المھ

قف خلفھم مجموعة الحفظة.تكل مھجع مجموعة مخصصة لتلقي وإرسال تلك الرموز،

ات كبار يجلسون ويتلون سور بدأ الحفظ منذ بداية "المحنة " كما يسميھا اإلسالميون، كان الشيوخ ال رآن وآي الق

على مجموعة من الشباب، وھؤالء يظلون يكررونھا حتى يحفظوھا، وھكذا تولدت آلية الحفظ ھذه، لم يبق أحد

دة، دأ دورة جدي دة كانت تب ة جدي ى آخر حرف، ومع كل دفع رآن من أول حرف إل في المھجع إال وحفظ الق

ا ر، ي والحق اه آخ ر باتج رآن تطور األم ى الق باب صغار السن يحفظون إضافة ال ن الش ة م اء مجموع تم انتق

ات ن الحرك جن م ذا الس ل ھ ن دخ ل م ماء ك جن، أس جل الس ميته بس ن تس ا يمك د ... م ي محم ث النب وأحادي

ة آالف اسم، اسم السجين، اسم .اإلسالمية ر من ثالث "في مھجعنا شاب لم يبلغ العشرين من عمره، يحفظ أكث

ه أو بل همدينت يره!!." ،دت جن ... مص ه الس اريخ دخول ه، ت م ھمبعض قريت ل، وھ دامات والقت متخصص باإلع

دم في السجن شھيدا ل أو يع ذا سجل الشھداءو، يسمون كل من يقت وان األھل، .ھ أيضا يحفظون االسم، عن

تاريخ اإلعدام أو القتل.

د د أن امتلكت الق ات، أعجبت بھذه الطريقة وأخذت أدرب نفسي عليھا، وبع ذه اليومي ة ھ ررت كتاب ة ق رة الكافي

م د كتبت وحفظت أھ وم أكون ق ا، في آخر الي ة... أحفظھ ا، أكتب الثاني أكتب الجملة ذھنيا، أكررھا... أحفظھ

وم ل في السجن، وفي صباح الي ذھن وتمضية الوقت الطوي أحداث اليوم، واكتشفت أنھا طريقة جيدة لشحذ ال

ة.التالي أتلو كل ما حفظته البارح

ا ت الحق ي أعرف وا عل ذين حكم ددين ال دة، فباإلضافة للمتش ة واح وا مجموع م ليس و أنھ اتي ھ ظ حي ا حف ن م

اك جماعة ات العسكرية، وھن م يشارك بالعملي م يحمل السالح ول بالموت، يوجد التنظيم السياسي وھو تنظيم ل

ذان أ ي الل ود وزاھ يخ محم نھم الش المة وم ة مس م جماع المي وھ ر اإلس ات التحري ذلك جماع اتي، وك ذا حي نق

الصوفية وھي كثيرة ومتشعبة... وغيرھم.

ابھة، رھذه المجموعات بقد ة ومتش ذه اآلخر عن بعضھايختلف بعضھا ما كانت تبدو متماثل ى درجة أن ھ إل

ة أو ،الخالفات كانت تصل إلى حد التكفير رح دون رحم دي والضرب المب تباك باألي إلى حد االصطدام واالش

شفقة.

ان ھ دريبھم العسكري ببي وا ت م أنھ م قساة إلى درجة أن بعض أعضاء الجماعة المتشددة كانوا يروون كيف أنھ

ام ھؤالء بتنظيف الشوراع اء قي اكر أثن الين" في الصباح الب ذا مجرد ،عملي قتلوا خالله بعض "الزب ان ھ وك

د ھؤالء أنفسھم يتحولون إلى كائنات في منتھى .عمادة بالدم""تدريب أو ادم جدي روي ق الرقة و يبكون عندما ي

راف ى االعت ارھم عل ه إلجب ده أو والدت ام وال ابرات كانت تعذب طفال صغيرا أم م ،أن أجھزة المخ أو كيف ت

الفتيات أمام والدھا إلھانته وإذالله وإجباره على اإلدالء بما يملك من معلومات. ىحدإاغتصاب

34

ذيب وا ة التع دائيين ،لموتشجاعتھم أسطورية في مواجھ رق الف دى ف انوا ،وخاصة ل نھم ك ا م د رأيت أناس وق

دى .يفرحون فرحا حقيقيا وھم ذاھبون لإلعدام ان أخر أو ل الأعتقد أن مثل ھذه الشجاعة يمكن أن توجد في مك

مجموعة بشرية أخرى.

ر من الجبن أيضا در الشجاعة ،ھناك الكثي ذا .ولكن الجبن ال يلفت النظر بق دو الجبن ففي ظل ھ الوضع يب

.ولكن ھنا عندما يكون الجبن مبالغا فيه يعزى إلى قلة اإل .ن والشجاعة استثنائيةيوالخوف طبيعي يمان با

نتظر أو ،أسجل ،أراقب ،أجلس داخل قوقعتي.... أتلصص ،" كسلحفاة أحست بالخطر وانسحبت داخل قوقعتھا

.فرجا"

أب 31ا ال صيفان وشتاء واحد مروا وأنا ھن ة، ھن ذه الصحراء المترامي ةتا وسط ھ فقط فصالن، ، وجد فصول أربع

ا تاء رحيم دو الش ي الصيف يب ر، ف ن اآلخ وة م د قس ا أش دري أيھم تاء، وال ن تاء نحس صيف وش اء الش ، وأثن

العكس.

د كبي الجو الھب، .نحن اآلن في عز الصيف ى جھ اج إل دا بحيث نحت ل ج واء ثقي واء لنتنفسه، الھ ر ال يوجد ھ

يال لشفطه إلى داخل الرئتين، وھذا يجعل عر ،قنا يسيل س ابقا ة س ول سمعت بعضھم ممن يعرف المنطق إن يق

ل عن درجة الحرارة قد تصل الخمسين أو حتى ستين درجة مئوية في الخارج، وفي الظل داخل المھجع ال تق

الخمسة وأربعين درجة مئوية، تأفف أحدھم:

فرن !!.العمى ... شو نحن مسجونين ب -

دو اب، ويب بعض كبار السن قضوا اختناقا، رئيس المھجع يدق الباب ويخبر الشرطة بموت أحدھم، يفتحون الب

من شدة الحرارة: صوت الشرطي سائال

وين ھادا الفطسان ؟... يا ... زتوه لبره. -

ذ الصب تيكية داخل المھجع ومن ام البالس تيقاظ يحتال رئيس المھجع إلبقاء بعض أواني الطع ل اس اكر وقب اح الب

ط، الناس تقوم الخدمة اليومية بملء األواني بالماء، جميع السجناء بالسراويل الداخلية التي تغطي " العورة " فق

ة من عناصر وم أربع راحيض، يق ام الم ى الفسحة الصغيرة أم ة سجناء إل دخل أربع ة، ي ى الركب من السرة إل

الخدمة اليومية "وھذه الخدمة منظمة دو اء ريا من السجناء أنفسھم، أنا معفى من كل أنواع الخدمة !" بصب الم

والماء يقطر منھم، يدخل أربعة غيرھم ... وھكذا. على رؤوس وأجساد األربعة، ويخرج ھؤالء سريعا

اوية داخل المھجع، ى مسافات متس ون عل ة، يقف ان من الخدم ستة بطانيات مبللة بالماء، كل بطانية يمسكھا اثن

ون البطانيات جاعليھا كمراوح لتحريك الھواء وترطيب الجو، ھذا ھو اليوم الصيفي العادي.يھز

اد تھرأتاليوم الشتائي فھو يوم منكمش، ثياب الجميع قد اأم رد الصحراوي الح ذي وال يمكن أن تقي من الب ال

ذلتي ينخر العظام ويجمد المفاصل، ثالثة بطانيات تعاقبت عليھا األيام واستخدمھا قبل بس ب ات السجناء، أل ي مئ

الباريسية األنيقة، السترة والبنطال وكان الشرطة قد صادروا "الكرافات"، سترة البذلة ال زالت بحالة جيدة، أما

يال االبنطال فقد د خرب وتقطعت األزرار، ألبسه ل ركبتين وفي المؤخرة، السحاب ق ارا ھترأ عند ال ى نھ وعل

ه البنطال سلت بعضمدار األيام، وقد ن ا أثبت في دال الخيوط من البطانية وجدلتھا وجعلتھا حزام من األزرار ب

35

اھ حاب، "ش ت".دوالس ذا ففعل ل ھ ري يفع ان أو ت غي د خيط ا ال يوج رواالن إھن دي س بح ل ة، أص ر خياط ب

اء وجوده ف ه أثن د استطاعوا زيارت اء جدا، وق ه أغني ان أھل رع داخليان، أحد القادمين الجدد إلى المھجع ك ي ف

المخابرات بعد أن دفعوا ما يوازي ثروة صغيرة كرشوة إلى الضابط المسؤول، وھناك من نصحھم بأن يأخذوا

ئة غيار داخلي، كان نصيبي منھا سرواال اممن "جلب معه أكثر .بنھم الكثير من الثيابال ا اه داخلي ، أعطاني إي

رئيس المھجع:

.... مشان يكون عندك بدل! ھذاخود -

رد آخر، عشت أيامالبرد الصحراوي أقسى من أي ب ى تحت ا ا كانت الحرارة تصل ال دا في فرنس اردة ج ب

الصفر ، ولكن ذلك البرد يبدو بردا ، بينما البرد ھنا وقح صفيق!مھذبا

تكون أصعب في اليوم الشتائي، فال حل للقمل المنتشر بكثافة في جميع المھاجع إال أن تجلس فأما مشكلة القمل

دي، وتخ د أن ھرش جل ثلھم بع ك وفعلت م لع كل ثيابك وتبدأ بالتفتيش عنه في ثنايا الثياب، الجميع ھنا يفعل ذل

ين ة ب وا قمل ا فقس ه" كلم نانھم "تس ين أس ن ب ه م ذي يخرجون تطع أن أخرج الصوت ال م اس ي ل ري اولكنن ظف

اإلبھامين!!

د ابھم ويب ع ثي ع الجمي ار يخل ة اإلفط د وجب وم بع ل ي ا ن تفليتھؤوك ا أيض ل، وأن ن القم ا ع ة أا بحث ك القمل مس

ل أحدھم بغضب:ءتسا ،كان وجود القمل بھذه الكثافة محيرا ،وأھرسھا بين األظفرين

ى األغلب - رات، عل العمى منين عم يجي كل ھالقمل ؟!.. كل يوم ننظف ثيابنا منه، كل يوم نتوضأ خمس م

اني نشوف القمل كل يوم جسمنا بالماء البارد والصابون، نغسل ثينغسل اليوم الث ا، وب ا، نغسل بطانياتن ابن

أكثر ... وأكثر !!.. العمى... في حدا عم يرش المھاجع بالقمل؟!!

أيلول 10ه ل شارك في اش طوي ة ، نق ألول مرة يدور في المھجع نقاش خارج عما ھو موجود في القرآن أو السنة النبوي

ن المش ان م نھم اثن خاص بي رة أش ن عش ر م تم أكث جارات ... ت ى الش وارات، حت ات، الح ل النقاش لولين، " ك

وكان موضوع الحوار ھو الحضارة اإلسالمية والحضارة الغربية، .بصوت منخفض خشية أن تسمع الشرطة"

ة وم ة، استمر بدأ ھذا النقاش طبيب دارس في أوربا بمالحظة سريعة أبداھا حول الحري ة الغربي ل الديمقراطي ث

حد المشلولين:أانتھى بقول النقاش طويال و

ي مشلول - د عل ذا محم اني، وھ ا مشلول بالكرسي األلم تقول الحضارة الغربية !... انظر يا أخي حولك، أن

أيضا برصاصة استقرت بعموده الفقري مصنوعة في روسيا، ھذا السجن بنته فرنسا، القيود التي كبلوا بھا

ذي اعتقلني يحمل مسدس، الضابط ال"صنع في أسبانيا"يدي مكتوب عليھا بلجيكيا، الضباط الذين يشرفون ا

ة، وإذا ات الحضارة الغربي ذه منتج يا ... ھ ا وروس ا وبريطاني ي أمريك دربوا ف ذيب ت ق والتع ى التحقي عل

أضفت إلى كل ھذا الكثير من الفسق والفجور واالنحالل األخالقي تكون الحضارة الغربية مجسدة أمامك.

لطبيب:ايود إنھاء نقاش ال طائل تحته، لكنه ال يريد التسليم بحجج الخصم، رد بصوت تعب وبلھجة من

- لبياتھم، في الغرب أيضا د الغرب أو نأخذ س ول أن نقل ا ال أق زاء، أن إن في ھذا الكثير من التجني واالجت

العلوم والطب وتطور الزراعة والصناعة ... وفوق كل ھذا وأھم من كل شيء ... ھو أن لديھم إنس حرا انا

36

، إذا أردنا أن نتقدم علينا أن نتعلم منھم الكثير وخاصة احترام اإلنسان واحترام حريته، وھذا ليس ومحترما

.عيبا

كانون األول 25

ددت .جافاني النوم ادة وتم ة كالع د من .الساعة السادسة مددت البطاني ل مللت االضطجاع تالواحدة بع صف اللي

جلست ولففت نفسي بالبطانيات، خمس دقائق وصوت الحارس من خالل الشراقة:بعد أن آلمتني أجنابي،

يا رئيس المھجع .. يا حمار. -

نعم سيدي. -

علملي ھالتيس القاعد جنبك. -

حاضر سيدي. -

دا .لقد علمني ورا، غ تمددت ف دمي! إن صباحا ى ق ة عل دة بقشاط مروحة الدباب سيكون فطوري خمسمائة جل

قدمي التي أصيبت شفيت ت ا،في أيام البرد فألف ماما مع ندب طويل ولكنھا كانت تؤلمني دائما ر من غيرھ ھا أكث

دما .كنت احلم بزوج من الجوارب الصوفية! احد أحالمي الصغيرة دم المسكينة عن ذه الق ماذا سيكون مصير ھ

المھجع ليخرج وعندما فتح الباب وصاح الشرطي برئيس .تتلقى خمسمائة جلدة؟ لم أستطع النوم حتى الصباح

، ولكن رئيس المھجع وبسرعة قال: األشخاص الذين تم تعليمھم، قفزت واقفا

مكانك، ال تتحرك، واحد من الشباب طلع بدال منك. -

ي ديني اآلن بنفسه ويتلقى عن افر يف ي ك ذھلت، واحد من الفدائيين، واحد من المتشددين الذين حاولوا قتلي ألنن

خمسمائة جلدة!!

ان أف تقريبا لم منذ سنة ونص ذھول، خرجت كلمت نطق وال كلمة، جلست مكاني وأنا أنظر إلى رئيس المھجع ب

:من فمي ال إراديا

لكن ... ليش ؟ -

لم يجب رئيس المھجع بشيء، أشار بيده لي أن اسكت، إشارة فيھا الكثير من االحتقار و االشمئزاز!!.

ر من واحد ، بعد وجبة الجلد يعودون راعاد األشخاص الذين جلدو اة، أكث م حف ى اإلسفلت الخشن وھ كضا عل

منھم رمقني بطرف عينه بنظرة ازدراء وحقد!!

لماذا؟؟ إذا

طويل حتى استطعت التوصل إلى تخمين: ي زمنزمن"ل

" .أال أحتك بعناصر الشرطة كي ال أمارس جاسوسيتي !! نھم كانوا حريصين جدا إبما أنني جاسوس ف

ر مھجعنا بالتنفس .كان دونفسه في اليوم

التنفس

37

ى ساحة ھ ه إل ا بعض ؤاوفي السجون األخرى التنفس ھو حيز زمني يخرج فيه السجين من مھجع ي، بھ ا نق ھ

يأخذ حاجته من الھواء والشمس والحركة. المالعب فيتريض، معرضة للشمس فيتشمس...

وا في طابور و ھنا ... قبل التنفس يكون السجناء في المھجع قد انتظم تح الشرطة بعضھم خلف بعض متل ، تف

اب الباب، يخرج الطابور بخطوات بطيئة، الرؤوس منكسة إلى األسفل، العيون مغمضة، كل سجين يمسك بثي

يرا ة، يسير الطابور س ا بكثاف الذي أمامه، عناصر الشرطة والبلديات يحيطون بالساحة وينتشرون بھ ا أو بطيئ

حسب مزاج وإرادة الرقيب. سريعا

ا ام األسبوع ھن ة أي ان عن بقي ان مختلف دما .االثنين والخميس يوم ذلك عن تم اإلعدامات، ل ومين ت ذين الي في ھ

نفس يكون ام، وفي الت نخرج للتنفس في ھذين اليومين تكون كمية التعذيب والضرب أكثر من غيرھما من األي

على الرأس: الضرب غالبا

وال كلب... ليش عم ترفع راسك؟! -

لكرباج على الرأس.ويھوي ا

ولك ابن الشرموطة !!.. ليش عم تفتح عيونك من تحت لتحت ؟!! -

ويھوي الكرباج على الرأس.

ل ذيب أق ة تكاسل .في الصيف يكون التع نا تجعل عناصر الشرطة في حال حرارة الشمس التي تثقب رؤوس

وعدم ميل للحركة، في الشتاء يشتد التعذيب.

يتجمع بعض عناصر الشرطة حول الرقباء، تدور بينھم أحاديث ال نسمعھا، يصبح وبينما الطابور يدور أحيانا

مزاجھم فجأة أميل للتسلي بنا، يصرخ الرقيب:

أطول واحد بالصف، تعال ھون... .وال حقير... أنت أنت يا طويل.. -

ة إسأيركض ى كتل رين، الرقيب جالس عل ر من مت ه أكث ا، طول منتية أشبه حد البلديات ويجر أطول واحد بينن

على رجل، يشد صدره يرجع رأسه إلى الوراء واألعلى، يقول: بالكرسي، يضع رجال

وال حقير .. أنت بني آدم وال زرافة؟ -

يتابع الرقيب: يضحك المتجمعون حوله بصخب،

وھلق ... اركض حول الساحة خمس دورات وطالع صوت متل صوت الزرافة ... يا بسرعة. -

دور أأصواتا، ال أحد يعرف كيف ھو صوت الزرافة، يركض السجين ويصدر ى وال الرقيب نفسه، ي د حت عتق

السجين خمس مرات، يتوقف، يقول الرقيب:

وال حقير ... ھلق بدك تنھق متل الحمار! -

تضحك الشرطة. .ينھق السجين الطويل

وال حقير... ھلق بدك تعوي متل الكلب! -

ك الرقيب وھو يھتز، يقول:يضح .تضحك الشرطة .يعوي السجين الطويل

ي ... ھاي ناجحة وكويسه ... أنت متل الكلب فعال.إي ... إوال حقير... -

38

ثم يلتفت إلى رتل السجناء الذي يسير منكس الرؤوس ومغمض العينين، يصيح:

وال حقير... أنت أنت... أقصر واحد بالصف ، تعال ھون. -

يال من شاب .واحد بالرتل حد البلديات، يجر أقصرأيركض ر قل ه أكث صغير ال يتجاوز الخامسة عشر، طول

المتر والنصف، يقف أمام الرقيب الذي يضحك ويقول:

... وقف قدام ھالكلب الطويل. ك م وال حقير... يا ز -

يقف السجين القصير أمام السجين الطويل، يصرخ الرقيب:

ه ، وإذا وال حقير ... يا طويل ... ھلق بدك تعوي وتعض ھالكلب يللي قدا - مك وبدك تشيل قطعة من كتف

ما شلت ھـ القطعة ... ألف كرباج.

ذي ى كتف القصير ال ه عل ا بفكي يعوي الطويل ثالث أو أربع مرات متواصلة، يتقدم من القصير وينحني مطبق

يصرخ ألم ويتملص من العضة. ا

وال حقير... يا طويل... وين قطعة اللحم ؟ يا شرطة ... ناولوه. -

جال رينھال رابيجھم ضربا الطول مع القصير وھو الشرطة بك ه، يتساوى ب ى ركبتي ل، يسقط عل ى الطوي عل

... يترنح ... يصرخ الرقيب: جاث

بس ... " تتوقف الشرطة عن الضرب " ... وال حقير ... طويل ... قوم وقف. -

يقف الطويل.

وال حقير... قصير... وقف وراءه. -

يرجع القصير إلى خلف الطويل.

شلحوا تيابكم.اثنين وھلق ... انتوا اال -

يخلع االثنان ثيابھما ويبقيان بالسراويل.

وال حقير قصير... نزل سرواله. -

ينزل القصير سروال الطويل الى حد الركبتين.

ونزل سروالك كمان. -

ينزل القصير سرواله أيضا.

منايك ... يا هللا قرب نيكه.وھلق ... قرب نيكه ... اعمل فيه متل ما بتعملوا ببعضكم كل ليلة يا -

اج إيتلكأ القصير، تشتد ذا ويھوي بالكرب ليتا الطويل وتتشنج، يشير الرقيب إلى أحد عناصر الشرطة، يقترب ھ

اد يصل دلي بالك على ظھر القصير ... يلتصق القصير بالطويل من الخلف، يھتز الطويل، عضو القصير المت

عناصر الشرطة.فوق ركبتي الطويل، يضحك الرقيب وباقي

ير ل يس ة .الرت رؤوس منكس ون مغمضة، ال ل يسمع ،العي رى، الك ل ي ك، الك م ذل د .رغ ادر الحق ع بي ... وترتف

والذل.

ر ي منصف ظھ نكمش ف ل خلف القصير، عضوه المرتخي والم ع، يصبح الطوي ديل المواق ب الرقيب تب يطل

القصير... يستمر الضحك ...

39

ن مغمضة.العيو الرتل يسير، الرؤوس منكسة،

.تنفس آخر، يوم آخر، رقيب آخر، شرطة آخرون، بلديات آخرون، السجناء أنفسھم، زادوا قليال، نقصوا قليال

ا، يضع رجال يجلس الرقيب على الكتلة اال ذي يسير سمنتية ذاتھ ل ال ى الرت ى رجل، يصيح وھو ينظر إل عل

برؤوس منكسة وعيون مغمضة:

جيبوا لي ھـ البغل ... السمين. -

يأتون برجل أربعيني بدين، يعرف الرقيب منه اسمه واسم مدينته، كم أمضى في السجن ... وتفاصيل أخرى،

ثم يسأله:

أعزب؟ أنت متزوج وال -

متزوج سيدي. -

ك ثالث سنين - أنت بتعرف شو عم تساوي زوجتك ھلق ... وال ... أنا بقلك، أكيد عم تشرمط، أنت صار ل

واحد جديد. في السجن .... وھي كل يوم مع

السجين ساكت، منكس الرأس مغمض العينين، يتابع الرقيب:

و - رموطة ؟!... ش دة ش وز واح ك متج باب ان دام الش ول ق الن تق ي ... وإال خج اكت ؟! ... احك يش س ل

العرصات كمان بيخجلوا؟!

م يك اليب تبقى نفسھا ... الزوجة الشرموطة، إذا ل اء، لكن األس دل الرقب ا تمضي األيام، يتب ن السجين متزوج

تصبح ... األخت الشرموطة، أو حتى األم الشرموطة، البنت الشرموطة إذا كان للسجين بنات.

د الجنس ذا الموضوع ھل ھو عق " كنت أتساءل : ھل ھي تسلية فقط أم أنھا نھج ؟! ... الدافع للتركيز على ھ

نھج مدروس وونھا على السجناء؟! ... أم ھوالكبت الشرقية لدى الرقباء يفرغونھا من خالل السلطة التي يملك

لمين سواء كانت دى المس يم الشرف ل ى ق ا أعل رأة باعتبارھ ه من خالل الم ه تحطيم اإلنسان وإذالل ة من الغاي

زوجة أو أخت أو أم ا ام ھو أن ال تمارس الجنس ا دى الشرقيين بالع رأة ل ة أخرى ؟!... وشرف الم أو أية قريب

".سلوك لھا في ھذا االتجاه قد يدمر العائلة بالكامل ويلحق بھا العار خارج نطاق الزوجية، وأي

دھم لم يكن ممكنا يھم أسماء من عن وا عل ذه األسماء .معرفة أسماء الشرطة أو الرقباء، ولكن السجناء أطلق وھ

ذا ان ھ ع شقف" وك ل: األحول، أو "األرب الرقيب كانت تعتمد إما على عالمة فارقة تميز ھذا العنصر، من مث

ا، .يھتز ويتخلع في مشيته بحيث يبدو إن قطع جسده تتحرك كل منھا باتجاه اس م ى لب تند التسمية عل أو أن تس

تعال أتي من ا ي ان دائم ذا ك و شحاطة" وھ ارة مثل الرقيب "أب ى عب تند التسمية عل ى األغلب تس الشحاطة، وعل

ا ب دائم ا الرقي ر"، والر .يرددھ ب "وال حقي اك الرقي ان ھن ر فك ا ك ب "ي رموطة"، والرقي ن الش ب "اب " قي

... إلى آخره.

يسأل السجين صديقه العائد من العقوبة:

40

مين اليوم في الساحة؟ -

ابن الشرموطة. -

.يقصد الرقيب الذي يظل يكرر عبارة: ابن الشرموطة

شباط 22

د دخل ابطريقة وكأن مطة باب المھجع ودخلوا رفي الصباح الباكر وقبل إدخال الطعام، فتح الش ائج ق ئة ثور ھ

الضرب بالكرابيج، الشتم، وبين شتيمة ولسعة كرباج يصرخون: ،ھذا المكان، الصياح

الحيط .. ـالحيط .. وجھك ع ـوجھك ع -

ت ال ائط، وقف ى الح م إل جناء وأداروا وجھھ ز الس ة قف ذه الطريق رطي بھ ول أول ش ذ دخ ل.. أمن ا افع دري م

على خدي ويلتف على رقبتي من الخلف والشرطي يصيح: صحوت على الكرباج يھوي

وجھك عـ الحيط ! -

م أدرت وجھي، تخشبت وسيخ األ يم الصمت، ث ائق خ لم يمتد من وجھي إلى رقبتي، بعدما ما يقرب الخمس دق

صوت احد الشرطة يصيح بصوت عال:

انتبــــه .. مكانك تھيأ. -

م الصف بصوت اعلى:خبط جميع عناصر الشرطة أقدامھم باألرض، وقد

المھجع جاھز سيدي المقدم. -

تعداد آأخد يتمشى من أول المھجع إلى .انه مدير السجن ة اس واقفين وقف خره بين صفين من عناصر الشرطة ال

عسكرية.

دم ى المق ي خلسة إل ة عين ر من أن يكون مقصودا، نظرت بزاوي وي أكث ه، .ركبني الفضول وبسلوك عف رأيت

م شاب ثالثيني أشقر ارات ل ه يحادث نفسه بعب تكلم وكأن ه، ي الشعر، مشيته فيھا الكثير من التوتر، وكذلك كالم

ستطع فھمھا أو الربط بينھا: أ

أنا.. أنا أتھدد!! .. سأحولھا إلى جھنم ... شعرة واحدة يروح ألف مجرم مقابلھا .. -

ثم صاح بصوت شديد االحتقان:

ني منيح .. وهللا الدبحكن دبح الغنم.وال كالب.. مجرمين.. انتو لسا ما بتعرفو -

بعدھا صاح بمجموعة من الشرطة واقفة بينه وبين السجناء:

زيحوا ھيك وال.. -

ة ام صدري، وبسرعة فائق أت رأسي أم دى سماعھا وخب صوت طلقات مسدس متتابعة، انكمشت على نفسي ل

خرج المقدم يسحب وراءه رتال من عناصر الشرطة وأغلق الباب.

دو أربعة ا يب ى م دم عل ا مخزن مسدس المق ة ھي كل مايحويھ أربع عشرة طلق يال ب اء .عشر قت ركض األطب

ان دخول الرصاصة ورا، ومك اتوا ف ا، الكل م ى، فحصوھم جميع ة المھجع حيث القتل ى زاوي وبينھم زاھي إل

الطازجة وجلس واحد لدى الجميع في الرأس من الخلف، سحبوھم إلى وسط المھجع، تجمعت بركة من الدماء

41

ون، وق ا يفعل ون م رة اليعرف ة حي اء في حال ة، األطب واحد من فالبعض حولھا يبكون، األغلبية جامدة مذھول

فرقة الفدائيين، قال:

م - ون، اللھ ابقون ونحن الالحق م الس ة هللا، ھ يھم رحم الحول والقوة اال با ... انا وإنا اليه راجعون، عل

للھم ھؤالء شھداء في سبيل إعالء كلمتك، كلمة الحق، فارحمھم أنت الرحيم الغفور.اسكنھم فسيح جنانك، ا

سكت قليال .. ثم أردف موجھا حديثه للجميع:

يا يا إخوان .. خلينا نقوم بواجبنا. -

انتظروا حتى توقف نزيف الجثث، نقلوھا ووضعوھا قرب الباب أمامي وأمام رئيس المھجع، بين القتلى الشيخ

ي مح ان حزن ي، وك ة ل ع فوجوھھم أصبحت مألوف ى الجمي مود الذي أنقذ حياتي، صليت عليه سرا، حزنت عل

كبيرا على الشيخ محمود.

نظفوا األرض من الدماء، كل البطانيات الملوثة بالدماء نظفوھا، دار نقاش بين مجموعتين عند رئيس المھجع،

رى أن نه يجب ان نأخذ جميع مالبسھم، ألإمجموعة تقول ك وت ن الحي أفضل من الميت، وجماعة تعارض ذل

ع المالبس يأخيرا انتصر الرأي القائل بأن األحياء الباق .ھذا معيب ن بحاجة إلى المالبس، وتكفلت مجموعة خل

وتنظيفھا، خرجت الجثث ليال من المھجع وھي عارية ال تلبس إال السروال الداخلي فقط.

د أرسل " بعد ثالث سنوات سيروي احد ا ذه المجزرة ھوان التنظيم المسلح ق ادمين الجدد أن السبب في ھ لق

د تحت ماسحة زجاج ذا التھدي دم ھ تھديدا بالقتل للمقدم إذا لم يحسن من معاملة السجناء اإلسالميين، وجد المق

يم مصحوبا ه التنظ مع ب ر ليس ؤالء وسرب الخب ل ھ ام بقت دوام صباحا ، فق ى ال و ذاھب إل يارته وھ د س بتھدي

معاكس:

مقابل ورقة مكتوبة قتلت أربعة عشر واحدا! إذا مست شعرة من رأسي أو رأس شخص يخصني سيكون -

حي أحدبقي على أئة، إذا حصل أذى أو مات احد من أقربائي فإنني لن االمقابل م ".!!ا

ولم يرد بعدھا أي تھديد.

أ اب ي ذا الب وم مھجعنا قريب من الباب الخلفي من السجن، من ھ ا ويق ام، تصف الشاحنة الروسية خلف تي الطع

ل، د منتصف اللي ا بعي البلديات بإنزال قدور الطعام الكبيرة، ومن ھذا الباب وفي نفس السيارة تنقل الجثث يومي

ارة من خالل سماعنا الرتطام الجثث في أرضية السيارة كنا نعرف عدد الذين ماتوا في ھذا اليوم، وفي يوم زي

ة وعشر المقدم أحصى ة يالساھرون ثالث م معرف ا ت ا وإياب ق مجموعة المورس ذھاب ة، وعن طري ن خبطة جث

الجميع وحفظت ھذه المعلومات في األذھان.

آذار 24 نسير..ندور.

أمشي في الرتل الدائر حول الساحة، منكس الرأس، مغمض العينين، ممسكا مطاط بيجاما من يتقدمني، يجرني

يمسك مطاط بيجامتي ويشدني إلى الخلف، نسير..ندور. أتساءل أحيانا:خلفه. الرجل الذي خلفي

أي كائن أنا؟! ھل أنا إنسان؟! حيوان؟! شيء؟!.

42

ة ى كفاي ه حت ال يكفي غ من الم ة كل شھر مبل ه بداي ا، يصله من أھل درس في فرنس كان لي صديق من بلدي ي

ثين يوما كان يدعوني إلى سھرة واحدة فخم الشھر. ھذا الصديق بدال من أن يبرمج مصروفه ويقسمه على ثال

أو مطعم مشھور.

ي تدين من رة من الشھر يس ام العشرة األخي ھذه السھرة كانت تكلفه حوالي نصف مصروفه، لذلك كان في األي

ومن األصدقاء حتى يأكل.سألته مرة:

الشھر فلس واحد؟ لماذا تصرف كل ھذه النقود على سھرة واحدة واليبقى معك في الثلث األخير من -

أجاب:

ادق أو - ذا فن إنني في ھذه السھرة التي أقيمھا مرة في الشھر أشعر أنني إنسان! إن ھؤالء الذين يعملون في ھك

ك ياء تجعل ذه األش ك..ھيئتھم" كل ھ مطاعم مدربون جيدا كي يشعروك بأنك إنسان " كالمھم..طريقة خدمتھم ل

م أن أجوع بضعة تحس بأنك إنسان محترم، أنا ياصديقي ف ي جوع حقيقي كي أشعر يحترمني اآلخرون، اليھ

أيام كل شھر، لكن الشعور بأنني إنسان يكفيني لمدة شھر.

لقد راقبت ھذا الصديق في كل المرات التي دعاني فيھا إلى السھرة عند استالمه النقود المرسلة من أھله، وفي

يمشي إلى جانبي في خيالء. كل مرة كنت أشاھد إنسانا معتزا بنفسه، واثقا،

ان رة ك اريس، وفي كل م فارتنا في ب ة س ى مراجع ا عل را فيھ ان مجب ثالث التي ك راقبته كذلك في المرات ال

ى اللحظة ة حت يستعطفني ويرجوني بحرارة أن أرافقه، رغم أنه كان يحاول تأجيل الذھاب بأعذار وحجج واھي

األخيرة.

رأ في يصل السفارة وقد تغير، يدخل متردد د من وجودي)، أق ا، يلقي نظرة خاطفة إلى الوراء (عله يريد التأك

نظرته ھذه معاني الخوف والقلق.. وطلب الغوث.

يخرج مكفھرا..صامتا.. مسرعا..يشير لي بيده أن أمشي بسرعة، أمشي إلى جانبه صامتا.

ن السفارة.في المرة األولى والثاني اكتفى بأن يبصق بصوت مدو حالما ابتعدنا ع

في المرة الثالثة، تكلم:

ى يوسف!! - ي أن أتجسس عل دون من ن؟! يري ى م ا! وعل الكالب.. يريدون أن يجعلوا مني جاسوسا!.. جاسوس

ھددوني باالعتقال والترحيل.. قالوا إن لديھم خمس زنازين في مبنى السفارة، كالب..تفو..تفو!.

نسير..ندور حول الساحة.

عل مئات الصور تتقافز في الذھن.إغماض العينين يج

في بدايات حياتي أولعت بالمطالعة كثيرا، صار اسمي في البيت "فأر الكتب". التھمت كل ماوقع تحت يدي من

ذھن.. افز في ال قصص وروايات، كنت وقتھا عندما أغمض عيني أحس أن ھناك آالف األحرف والكلمات تتق

ذي كنت -ضا ليقفز غيرھا. أجلس ملتفا برطوبة قبو منزلنا الظليلتتصادم.. ترتطم بجدران الرأس.. تقع أر وال

43

ين، -قد نظفته ورتبتع وجعلت منه مكاني المفضل بعيدا عن األھل وضجيجھم راءة، مغمض العين ا من الق تعب

أمارس لعبة األحرف والكلمات المتقافزة "يحرقني الحنين إلٮجلسة صغيرة في ذلك الركن".

ة في المراھقة وا ا ثالث ينما، أخرج من صالة ألدخل أخرى، كنت أشاھد أحيان لشباب األول، أصبت بلوثة الس

أفالم في يوم واحد، أصبح اسمي "فأر السينما"، عرفت كل صاالت العاصمة جيدا، كنت أحفظ عن ظھر قلب

برامج الصاالت لألسابيع المقبلة.

نا مغمضة، يمسك أحدنا ذيل اآلخر.. وندور.نسير..ندور.. تحت لسع الكرابيج، منكسي الرؤوس، عيون

فأر كتب، فأر سينما، اآلن.. أحس أنني بغل.

ار بواسطة ذه اآلب اه من ھ انم انتشال المي ار، ك في الكثير من األرياف وقبل انتشار محركات ضخ المياه من اآلب

راف"). يربطون البغل إلى قوة محركة ھي البغال (في بعض البالد يسمونھا "الدوالب" ويسمونھا في أخرى "الغ

ر من دور حول البئ ي البغل" ويظل يدور..يسير.. وي اذا يغطون عين م أعرف لم عمود، يغطون عينيه " لآلن ل

الصباح إلى المساء، ھذا الدوران العبثي بالنسبة للبغل!.. ونظل ندور!.

د اة ذات فيلم غربي يصور حياة راھبة في الخامسة والعشرين من عمرھا، كان أھلھا ق ة. فت اة الرھبن ذروھا لحي ن

دور أحداث ة. ت رة نائي ع في جزي ر يق نفس نقية، قانعة بحياة الرھبنة ومستمتعة بھا، طاھرة كالثلج، تعيش في دي

ا أرضا ق، يلقيھ رم فاس دي قرصان مج ين أي ع ب ول تق ة البت ذه الراھب رة، ھ ذه الجزي اجم القراصنة ھ يلم ويھ الف

ويغتصبھا.

اقين..مشھد: يقف القرص اة أرضا..مكشوفة الس ة ملق اميرا -ان بجسده الضخم ويبتعد مھمھما.. لراھب -تقترب الك

خيوط من دم العذرية تسيل على الفخذين.. ھي غائبة عن الوعي.

ك ا، رغم ذل ة..أو كرباج ع في كل لحظة صفعة أو ركل نسير..وندور حول الساحة، مشدودي األعصاب، نتوق

ه، ننسى أحيانا، تأخذن دور في ا األفكار في جميع االتجاھات، نحلم بيوم النسمع فيه كلمة "تنفس"، يوم النسير والن

كل رأة بش ل واألصدقاء، الم وه األھ داعبني وج د العصبي وتحضر، ت ل الش ى ك ب عل ذكريات.. تتغل تحضر ال

ة على شفاھي.خاص، أمي.. أختي.. سوزان، تحضر كل نساء"ي"، وأحيانا قد ترسم ذكرى ما ظل ابتسام

نسير..ندور.

و استحالب في اللغة العربية "االستنثار": ھو إخراج المخاط عن طريق فوھات األنف الخارجية، أما "التنخم" فھ

المخاط إلى داخل الفم.

دا ونكست فيما نحن نسير..ندور، امتدت يد غليظة، أمسكتني من ساعدي وجرتني خارج الرتل، أغلقت عيني جي

ى رأسي حتى ى األعل التصق بصدري. بقي ممسكا بساعدي، اليد األخرى أمسكت فكي السفلي ورفعت رأسي إل

بعنف، فح صوته ممزوجا بحقد رھيب:

ارفع رأسك.. وال كلب، افتح تمك..لشوف. -

44

فتحت فمي، طلب مني أن أفتحه أكثر، ففتحته. تنخم بقوة، تنخم ثالث مرات، ودون أن أستطيع رؤيته أحسست

ى.. داخل فمي. أن فم ه إل ه فم ه قد امتال بالمخاط المستحلب.. شعرت برأسه يقترب مني و..بصق كل مايحتوي

ي ان أسرع من ه ك اء، لكن ة باإلقي ي حاجة الإرادي ه، تملكتن تخلص من محتويات برد فعل غريزي حاول فمي ال

ازي التنا ى جھ رق إل ده األخرى بسرعة الب دت ي د وامت ق فمي بي سلي، أمسك خصيتي وأسرع من فمي، أغل

وعي، انقطع دني ال وضغط عليھما بشدة.. مودة األلم الھائلة التي صعدت من خصيتي إلى األعلى كادت أن تفق

ي د أنن تنفسي لثانيتين أو ثالث، كانت كافية ألن أبتلع مخاطه وبصاقه كي أتنفس، ظل يضغط خصيتي حتى تأك

قد ابتلعت كل شيء.

، مغمض العينين، منكس الرأس.تابعت السير.. تابعت الدوران

ألم الخصيتين المھروستين يخفت شيئا فشيئا، اإلحساس بأنني قد امتالت بالقذارة يتصاعد شيئا فشيئا.

ذارة ا بالق زداد إحساس ون.. كانت ت ى الجن ا.. تنتھي إل تفيق الراھبة من غيبوبتھا يملؤھا اإلحساس بقذارة جوفھ

كلما اغتسلت.

ى المھجع، أن عدنا إل اه ولكن اإلحساس ب ة من المي ات ھائل م أنجح، شربت كمي اء بشتى السبل، ل حاولت اإلقي

جوفي ممتلئ بالقذارة يزداد.

اردة روبات الب تى المش كي، ش ذ والويس رق والنبي اء والع ن الم ة م ات ھائل رب كمي جن وأش ن الس أخرج م "س

ك أن مخاط ذل تخلص من اإلحساس ب دتي.. ببلعومي.. وھو والساخنة، لكن لن أستطيع ال الشرطي ملتصق بمع

يأبى الخروج".

آذار 30 صح ما توقعه الدكتور زاھي .

نفس أو .حوالي سنتين مضتا على وجودي ھنا ى الت ادره إال إل اني ال أغ معزول ومجبور على الجلوس في مك

ي ال أالمرحاض، ال أستطيع النظر إلى أي واحد بشكل مباشر رغم ع رأنن د أن الجمي ان عتق ي "أو ك اغب بقتل

ذا ي ھ م ف ب، والمھ ن يرغب أو ال يرغ ين م ز ب تطيع أن أمي ي ال أس ا"، ولكنن اطعني وال أراغب ع يق ن الجمي

هأيرغب بوجودي بينھم ھنا، " وأنا أيضا ال ،رغب بوجودي ھنا "، طوال ھذه الفترة كنت أتوق إلى من أحادث

اھية كانت تلصقني بالبطانية وتلصق البطانية باألرض.أن أجرب قدرتي على الكالم من جديد، لكن قوة الكر

د اآلن بعد أن صحت توقعات الدكتور زاھي أصبحت اجلس في مكاني بإرادتي، ال أريد االحتكاك بأحد، ال أري

محادثة احد.

ا، أوال ةوتحول األمر إلى وباء بسرعة مذھل .نه التھاب السحاياإ ذ شھر تقريب دأ األمر من م شخص واحد، ث ، ب

د جاوز دد ق ان الع رار موحد ك ى ق آخر .. ثم آخر، اجتمع األطباء السجناء، تدارسوا األمر، وعندما وصلوا إل

ابين رة مص ل .عش ي ك ة ف ة عام ين ان الحال تفھم، تب ر واس ورس" اخب اجع "الم ين المھ داخلي ب ال ال االتص

المھاجع.

د الب ان وفق نھم اثن أرجحون"، عندما وصل عدد المصابين إلى عشرين "مات م اقون يت زال الب ان وال ي صر اثن

يس ن رئ وا م م طلب ة، ث ة وواقعي ر بدق وا وشرحوا األم ع، تكلم ي المھج ام ف اش ع اء أن يجري نق ب األطب طل

45

ال إن ذا الطلب وق يس المھجع ھ ر، رفض رئ المھجع أن يدق الباب ويطلب المساعد ويضعه في صورة األم

دواء فرد عليه احد األطباء بأنه خال ،ھذا مستحيل وافر ال م يت ذا المھجع، إل أيام قليلة وإذا ل اس في ھ ن كل الن

ه سيصابون ي السجن كل ى األغلب ف دام .وعل دواء انع دام ال ذه األوضاع الصحية وانع ي ظل ھ واإلصابة ف ا

ننا سنموت في كل األحوال فلنطلب المساعد ونضعه أكليا◌، يعني حتما إما الموت أو ما يشبه الموت، وطالما

على مليون. ا في صورة األمر ولو كانت نسبة األمل واحد

ا؟ يريدوننه ھدول إيا دكتور .. يا دكتور عندك شك - ه يعالجك؟ موتن ك ان د قتل ي يري ع من يلل وأنت تتوق

الج مريض بھالسجن؟ أنت تتصور دھإنحن ھون من سنوات .. شفت شي طبيب ع دول عن ه ھ ذرة من

ة من هنإأو اواحدة من الرحمة أو اإلنسانية؟ ة هللا .. وال نطلب الرحم يخافوا هللا؟ خلينا نموت تحت رحم

.بھذا الظرف رحمة من هللاھدول الوحوش، والموت حق على كل مسلم ومسلمة، والموت

ا وة شخصية، وھو .كنت اسمع كل النقاش ھلع اتي ق ذين شاھدتھم في حي ر الرجال ال يس المھجع من أكث "رئ

ارم، رزين". ضابط في الجيش، قوي، ص

لم يستسلم األطباء، توجه احدھم إلى رئيس المھجع قائال:

ك - ة، وطلب ى التھلك نا إل ي بأنفس أال نرم ا ب دين يأمرن ن ال ا، لك وت بأجلن ا راح نم ق، كلن وت ح م .. الم نع

المساعد قد يساعد على إنقاذ الكثير من أرواح المسلمين وھذا واجب عليك وعلينا.

اإلحراج أردف الطبيب: وفي عبارة القصد منھا

منا يطلبه بدال عنك. ا إذا كنت أنت ال تستطيع أن تطلب المساعد، اترك واحد -

قال: ،فز"انتفض رئيس المھجع ، "واضح انه است

طيب يا جماعة أعطوني مھلة ساعتين حتى أفكر بشي طريقة. -

ع ة للجمي ذلتي فنزعسار .انفض االجتماع، وأعطى األطباء مجموعة من النصائح الطبي ى سترة ب ا إل ت عت أن

ي أ ع إل ي، نظر الجمي ى فمي وانف ة وضعتھا عل ة، صنعت كمام ا من البطاني ة، نسلت خيط حد جيوبھا الداخلي

باحتقار، ولكن خالل يومين كان لدى الجميع كمامات.

الليكانت عيناه محتقنت ،نظرت إليه ساعة وقف رئيس المھجع بحركة مفاجئة،البعد حوالي ربع ر، ن ب ون األحم

اب بعزم ام الب ه الطبيب ، وقف أم ا إلي ده طرق ،واضح انه أدرك حجم اإلھانة التي وجھھ اع ي ات هوبجم طرق

قوية.

سأل صوت الرقيب المناوب من الساحة:

شو بدك وال حقير؟ -

بدي المساعد .. األمر ضروري جدا. -

ن المساعد؟ .شو ..! شو..! شو..! المساعد دفعة وحدة ؟! وال حقير.. شو بدك م -

اغتاظ رئيس المھجع ، وبدأ يتمتم:

ان - ـ الزم العمى .. شو أنا عم اطلب رئيس الجمھورية ؟!.. ھوي شقفة مساعد ال راح وال أجا .. هللا يلعن ھ

.

46

بعدھا صاح بصوت عال :

. لمصلحتنامو لمصلحتكماألمر خطير جدا .. جدا ، والزم يجي المساعد ھلق ، -

تح اعة ف ع س د رب اد بع ع أبع يس المھج ه رئ رح ل ع ، ش يس المھج راج الجحش رئ اعد إخ ب المس اب وطل الب

المرض كما سمعھا من األطباء ، وختم حديثه بقوله :

دوا من المساجين ، ممكن - السمح هللا –يا سيدي .. العدوى بھادا المرض شديدة جدا ، ممكن الشرطة ينع

حبيتوا تسمعوا أكثر بنادي الدكتور سمير .ذا إسيادتكم تنعدوا ، نحن واجبنا نخبركن ، و –

ع يس المھج الم رئ دا ك اعد بالتفصيل مؤي رح للمس مير وش دكتور س ادوا ال ى أن ل إل ن أن تنتق دوى ممك ن الع

الشرطة .

ف ه، وق ادوا فتح اعة أع ع س د رب ة! وبع ع دون عقوب يس المھج مير ورئ دكتور س ال ال د إدخ اب بع وا الب أغلق

ا المساعد وجميع الشرطة خا ا وقتھ رج المھجع ودخل ضابط برتبة مالزم ثان، طبيب السجن العسكري، عرفن

ن في السجن طبيبا!!. أ

دھا وقف عند الباب إلى جانبي، طلب من الجميع الجلوس في أماكنھم وفتح عيونھم، " لم نعتد ھكذا لھجة !" بع

اء الوقوف ، بانت دھشة حاول إخفا ع األطب دما رأى عدء طلب من جمي ا عن ألھم عن أسباب ھ اء ، س د األطب

اب، ى الب ا إل ل راجع تشخيصھم فعددوا له األسباب، دخل إلى زاوية المرضى وألقى عليھم نظرة سريعة، ثم قف

ت، ألھما دون أن أتوقف والتف اؤوا س دما ج ه، وعن نھم المجئ إلي ا م باب طالب اء الش ن األطب ين م ى اثن ار إل ش

يستدير:

عرفتوني؟ -

نعم. -

ھم م م.. -

خرج الطبيب وأغلق الشرطة الباب، اقترب بضعة أشخاص من الطبيبين، قال أحدھما:

د التخرج - رئيس وعشيرته، بع ھذا الطبيب زميل دراستنا وتخرجنا مع بعضنا، ھو من الساحل من طائفة ال

ما عاد شفناه، راح على ضيعته.

ه المساعد واأبعد رة أخرى، مع اد الطبيب م دكتور قل من أربع وعشرين ساعة ع ادى ال ديات، ن لشرطة والبل

سمير قال له:

ه، راح يكون - رة من ات كبي دنا كمي الزم، في عن دواء ال ادا ھو ال أنت بدك تعالج كل المرضى في السجن ھ

لم همعك رقيب وعناصر من الشرطة، الزم يشوفوا كل حبة دواء تستھلك، كل "سيرنغ" تستخدمه الزم تس

عد؟.للشرطة، كل علبة كرتون .. أنت مست

نعم مستعد. -

ا وبدأ الدكتور سمير جوالته على المھاجع، الشرطة ترافقه، البلديات يحملون علب الدواء، كرتونة كبيرة لكل م

ھو مستھلك، يخرج صباحا ليعود مساء تعبا منھكا، ورغم ذلك استمر المصابون باالزدياد، لكن حاالت الموت

بالمرض أول طبيب، الدكتور زاھي . وم انضم إلى المصابينيال انحسرت وتضاءلت

47

أيار 1 مات زاھي .

رة تقبال، وم د االس ليس ألنني أدين بحياتي له مرتين، مرة لعنايته الطبية بي عندما كنت مشرفا على الموت بع

عندما أوعز للشيخ محمود بانتشالي من بين أيدي المتشددين.

ة، لكن ألنني أحببت ھذا الرجل الذي لم يفقد ابتسامت ة الشرقية المحبب ه لھجة المنطق ه في أحلك الظروف، لھجت

ان، أفق وسعة تراه موجودا في كل مكان يمكن فيه أن يقدم فيه يد المساعدة، سعة ذا المك ادرتين في ھ ة ن ثقاف

نه موجود في الموقع الخطأ حيث يسود التعصب والتشدد وضيق األفق والضحالة الثقافية. أكنت أحس

اتي، حزن أميق لم شعرت بحزن ع ه طوال حي ور شعر ب وقعتي ف أنساني حذري المضاعف، أخرجني من ق

سماع الخبر، نسيت حذري منھم وحذري من المرض.

ه ورفعت ى جانب د زاھي، ركعت إل ده مشيت كالمسرنم إلى حيث يرق اء بصوت ي ي وأجھشت بالبك ى جبين إل

اء ذا عال، بكيت بك ى زاھي ھك ي عل را، ھل تفجر حزن ذ عودتي مري راكم من ؟ أم ھو تفجر بسيط للقھر المت

إلى بلدي؟!.

ى ذي أستطيع النظر إل د ال ا، زاھي ھو الوحي بموته أحسست أنني قد فقدت آخر سند لي ھناك، أصبحت عاري

عينه مباشرة، وغالبا كنا نختلس النظرات خفية، كنت اشعر أن ھناك تفاھم خفي ا رأت في بيني وبينه، وطال ا ما ق

نه لن يتخلى عني.أعينه

زاھي .. كان إنسانا كبيرا. .. إنسانا

.بكيت وبكيت

حدھم"، صر على أسنانه وقال: أحدھم بقدمه، رفعت رأسي ومن خالل الدموع رأيت "ألكزني

قوم والك .. ال تنجس الشھداء. -

ا تسيل إلى الداخل.قمت، رجعت إلى مكاني، دخلت قوقعتي، مسحت دموعي من الخارج، تركتھ

أيار . 3دھا .جنأيجب أن ال ون، عن كنت كان ھذا قراري منذ البداية، رغم ذلك كنت أحس أحيانا أنني على حافة الجن

غن أية أغنية عربية. أغني بذھني ودائما أغان فرنسية، لم أغني.. لكن بصمت، أ

رف، أال أي ح ظ ب ا، ال أتلف ي مطلق تح فم ي أف وم ف وال الي س ط ل جل اه المغاس ادره باتج د، أغ ان واح مك

والمراحيض أربع أو خمس مرات في اليوم، أتحرك فقط في اليوم الذي يكون لدينا فيه تنفس.

فكرت مرة: ھل يمكن إلنسان ما أن يوقف التفكير؟!"." .اجلس .. أفكر وأفكر

ذكرھ ن أن أت ان ال يمك رات، أدق التفاصيل، تفاصيل ك رات الم ر استعرضت الماضي عش و عشت عش ا ول

ستعيد كل ما ھو سعيد ومبھج، كل ما ھو جميل في الخارج.أحيوات خارج ھذا المكان،

48

ل التجاري ة تحت إغراءات العم ي الثانوي د نيل ة بع د تركت الدراس ري، كنت ق ن عم ين م ي الثالث ا اآلن ف أن

ل األھ ل، تحم اري الفاش ل التج ن العم نوات م ع س ي، أرب ديق ل ع ص ريع م راء الس وية والث ؤولية تس ل مس

األوضاع، بعدھا إلى فرنسا والدراسة ھناك، ست سنوات في فرنسا، واآلن ھنا.

تعرض الماضي و أاس تمتاعا ا اس تمتع بھ ة، اس الم اليقظ ادة، أح ى ع ر إل ول األم تقبل، تح م بالمس را حل ، كبي

ة، الم يقظ دمن أح يئا، أضع التفاصيل الصغيرة والدقيأأصبحت م يئا فش م ش ي الحل ة، بن مھا، أصحح، أق رس

و وسھل ه حل ا في يال كل م ا جم ع ألعيش واقع ذا الواق أغوص ساعات طويلة، جالسا أو مستلقيا، أغيب عن ھ

واتي مررت بھن أو وميسر، وفي كل حلم يقظة تكون المرأة حاضرة دوما، تشتعل خاليا الجسد، كل النساء الل

بتدع مشاھد جديدة أتقلب أحميمية أستعيدھا، أعيد تركيبھا، خلط الماضي بالمستقبل، أكثر اللحظات أمررن بي،

نتظر حتى آخر الليل واذھب إلى المرحاض لالستمناء، ھو الحل الوحيد لكي أستطيع النوم .أويجفوني النوم ،

ت: للو سألني احدھم أن ألخص السجن بكلمة واحدة لقلحظتھا

غيابھا الحارق. إن السجن ھو المرأة!. -

اذا وتلصصا، كيف يحل ھؤالء ھذه المسألة، نظر حولي مأ ه ؟ بم ر أم رأة غي ه كاحل ام ر في حيات بعضھم لم ي

كانت احتالمات النوم لديھم .وتوثب خياالت المراھقة ححالمھم ؟ بعضھم مراھقون بكل جموأيفكرون ؟ ماھي

ا نھم نائم أة ،غزيرة ، عرفت ھذا من خالل تلصصي الليلي الدائم ، يكون الواحد م يختلج أو يصدر صوتا فج

اليم غلبھم يقول: أعوذ با من الشيطان الرجيم، ثم يقوم لالغتسال، ألأ ،بعدھا يستيقظ ،خافتا ديھم تع مشددة ن ل

ة أي طريق ذف ب ا، والق بشأن النظافة، فھو ال يستطيع أن يأكل أو يشرب أو يصلي إن لم يكن طاھرا نظيفا تمام

ي أو باالحتالم، يوجب غسل الجسد كامال.كانت سواء باالتصال الجسد

راء أنھم يمارسون الشذوذ الجنسي ھو محض افت أنا شبه متأكد أن كل ما يقوله عناصر الشرطة أو يشيعونه ب

أو كذب، حتى على المستوى الواقعي ھذا مستحيل.

وم فال سمع حركة استيقاظ الناس في المھجع .أعرف كم يطول ھذا، أأعود ألحالمي أتقلب .. ال ى الن ح عل . أل

سمع صوت طائرة الھليوكوبتر. أيأتي ..

ر.طائرة الھليوكوبت

وترون، ديات يت رطة والبل ى الش جن، حت ي الس ن ف ل م وتر ك وبتر يرتجف أو يت مع صوت الھليوك دما نس عن

ابط من السماء، ل يجلس أالبعض يسميھا طائرة الموت، أو مالك الموت الھ ال إن عزرائي في حد السجناء ق

ن معه. ون ھؤالء متعاقدالمقعد األمامي للطائرة ال

السجن يبعد عن العاصمة عدة مئات من الكيلومترات، لذلك فھيئة المحكمة الميدانية تأتي بالطائرة على األغلب

دا، د تكون ضابطا واح ة ضباط وق د تكون ثالث ذه ق مرتين في األسبوع، االثنين والخميس ، وھيئة المحكمة ھ

إدارة السجن بعد أن يدخلوا الغرفة المخصصة لھم الئحتين اسميتين: يعطون

ل ى ك دور عل ة وت ذه الالئح رطة ھ ذ الش وم، تأخ ذا الي ي ھ يحاكمون ف ذين س ماء ال ى : تضم أس ة األول الالئح

رابيج ، المھاجع منادية على األسماء، ثم يبدأ التجميع من آخر مھجع في الساحة السابعة مع الصياح والشتم والك

49

ى الساحة صفر حيث ي ديھم نجلسوالرؤوس المنكسة واألعين المغمضة، يسوقونھم سوقا إل ى األرض أي ھم عل

فوق رؤوسھم ورؤوسھم بين ركبھم.

يدخل إلى غرفة المحكمة أول اسم نادوا عليه بصفعة قوية على الرقبة عند باب الغرفة، يسأله الضابط:

أنت فالن ابن فالن؟ -

نعم سيدي. -

لبره.طالعوه -

ر ة أكث تم محاكم د ت ة ق وھكذا تكون قد انتھت محاكمته، ثم يدخل الثاني والثالث .. وھكذا خالل ساعتين أو ثالث

تتعطل إجراءات المحاكمة، فالضابط يسأل السجين: من مئة شخص، أحيانا

أنت فالن ابن فالن؟ -

نعم سيدي. -

والك ابن الكلب .. أنت شاركت بتفجير المجمع االستھالكي؟ -

ال وهللا يا سيدي .. أنا مالي عالقة بأي شي. -

.وال كلب .. عم تنكر كمان !! .. يا شرطة -

يدخل عناصر الشرطة إلى الغرفة.

حطوه بالدوالب حتى يعترف. -

ة، يتوقف ة المحكم ى ھيئ تبدأ حفلة التعذيب أمام غرفة المحكمة، يبدأ الضرب والصراخ األمر الذي يشوش عل

المحكمة القھوة العربية، بعد قليل يھدأ كل شيء ويدخل الشرطة والسجين معھم يترنح: العمل، تشرب ھيئة

؟! هشو .. لساتوا ميبس راس -

ي.سيدي .. اعترف بكل ش ال -

ه. إعدام .. طالعوه لبر -

ة واحدة،أ ر من دقيق ة أكث ة الميداني دى المحكم نھم ل ة أي م أغلب السجناء ال غلب السجناء ال تستغرق محاكم

غلب السجناء ال يعرفون األحكام التي صدرت بحقھم وقررت مصيرھم. أالقاضي "الضابط"، يرون

ھذه المحكمة ذات نوعين من الصالحيات، فھي تملك الحق في أن تصدر أحكام ذھ ا دام وتنف ذي اباإلع در ال بالق

ريء "م بيل أي ب ي إخالء س ك الحق ف ا التمل اء. لكنھ ي تش دة الت اء الم ن تش اء، وتسجن م ا أن تش روف ھن ع

دة سنوات كانت األول والثاني المھجعين ا وخالل ع يسميان حتى لدى الشرطة بـ مھجع البراءة، المحكمة ذاتھ

ين / ارھم ب ال أعم يھم 15 – 11قد أصدرت أحكاما بالبراءة على سجناء ھم في الحقيقة أطف ا قبض عل / عام

د نھم، وق راح أي م ق س م يطل ي السجن ول وا ف نھم بق أ ولك ددا خط ي السجن م راءة ف جناء مھجع الب قضى س

/ سنة، ھؤالء األطفال خرجوا من السجن الحقا رجاال". 15 – 10تتراوح بين /

الالئحة الثانية:

ذه نفسهفي اليوم الالئحة االسمية الثانية ھي الئحة الذين سينفذ فيھم حكم اإلعدام شنقا دور الشرطة بھ ، أيضا ي

سماؤھم في الالئحة االستعداد.أشخاص المدرجة اجع طالبين من األالالئحة على جميع المھ

50

ة أاليوم ھناك د أربع م، بع دام بھ م االع ذ حك يتم تنفي ا س وھمأشخاص من مھجعن ام ھؤالء األ ،ن ابلغ شخاص ق

ى كل واحد منھم صالة عادية، أي صالة علنية مكشوفة وا، صل ؤربعة بالذھاب الى المغاسل، تطھروا، توضاأل

وع، صالة للجم ا سجود ورك ع فيھ وا ي افوا المھجع ودع دھا ط د الموت خوف؟!" بع ا، "وھل بع ال خوف فيھ

:وتقبيال الجميع مصافحة

ه وأن يحسن ان تغفروا لنا أخطاءنا، أسامحونا يا جماعة... نرجوا - دعوا لنا عند هللا ان يأخذنا بواسع رحمت

ختامنا.

عدموا ھم من أر، "النسبة الغالبة من الذين بشباب في مثل سني أو أك، ھم كلھم األشخاص األربعة أعرفھم جيدا

.الشباب، وقلة منھم تكون قد تجاوزت األربعين"

ة، امة خفيف دوء، ابتس دا أالھ بھم جي ا أ، راق دين ، زواي ب الي طنع ؟ أرق ي أم مص دوؤھم حقيق ل ھ تلصص، ھ

العيون، ال ألمح شيئا يدل على الخوف أو الھلع. ،الشفتين

ة يو اب التي ال زالت بحال دعون ويصافحون الجميع عداي، يقفون الى جانب رئيس المھجع ، يخلعون كل الثي

ة ال تصلح لشيء، يسلمون ستخدامھا من قبل األحياء من بعدھم ، يلبسون بدال جيدة وتصلح ال منھا ثيابا مھترئ

ي ال يلبث أن يفتح ... ويخرجون.الثياب الجيدة الى رئيس المھجع لتوزع بمعرفته، يقفون خلف الباب الذ

ع اإل تم تجمي اك ي عدام يتم قبالة مھجعنا، وقد رأينا المشانق عدة مرات أثناء خروجنا أو دخولنا من التنفس، وھن

عدام بھم. الذين سيتم تنفيذ حكم اإل

ا دة أشخاص مع اجر ع ق من حن ر ينطل ة واألخرى نسمع صوت التكبي ة التبين الفين ا الدفع دو أنھ أتي ، يب ي ي

دورھا بالتنفيذ:

هللا أكبر ... هللا أكب. -

كلما سمعت ھذا الصوت ينطلق قبالة مھجعنا . خالل الفترة الماضية كلھا كان شعر جسدي يقف منتصبا

ر اال ذي ورد عب دد ال ين الع ى في الليل يطابق الساھرون ب ين عدد ارتطامات الجثث عل تصال "المورس" وب

ارضية السيارة.

.مسة وأربعون شھيدا صحيح ... خ -

ھم وعناوينھم.ئفي اليومين التاليين ينھمك الحفظة بحفظ اسما

زتمو 15 حادثه.أاآلن أصبح ھناك من

ى أمن الشراقة ، وقف في لحظة كان فيھا الحارس على السطح قريبا ده عل حد السجناء وسط المھجع ، وضع ي

خده كمن يمسك بسماعة ھاتف، صاح:

طوني القائد.عأالو ... الو ... -

ويعتبر خليفة للرئيس" . القائد ھو لقب شقيق رئيس الدولة، ويقود واحدة من أقوى وحدات الجيش،"

51

د، و ه بأسكت الجميع ، عيونھم موزعة بين الحارس والسجين الذي استمر يطلب القائ ا يطلب سمه األول ، احيان

ان ربعة أشخاص سحبوه من وسط المھجع وقد أثوان قليلة وھجم عليه ى حيث المغاسل وھو المك ه ال كموا فم

، عاد واحد فيه ن يراه الحارسأالذي ال يستطيع : منھم وقال لرئيس المھجع مبتسما

يبدو ان األخ فقس ! -

، اللھم ثبت عقولنا، العقل زينة اإلنسان !. - ال حول وال قوة إال با

د.جنونه كان لطيفا، ال أذى، ال ھياج، فقط يريد أن يكلم القائ

ماذا تريد من القائد؟ -

ھناك موعد بيني وبينه ، لم يأت ... لقد أخلف الموعد !. -

:ولكنه خرق النظام العام للمھجع في أكثر األمور أھمية وحساسية ، أكثر جمله وأحاديثه مترابطة،تخاله طبيعيا

ع وفاجأني ، ج أ الجمي ه فاج ام من جنون ى فراشي ، لم يعد يصلي ، لم يعد يغتسل ، وبعد عدة أي التي عل لس قب

حياني قائال :

السالم عليكم ... انت شو اسمك؟ -

م استطع ارتج ه، ل هأن أكياني كل ه، .رد تحيت ر من إفقط كنت انظر الي ذ أكث ه الباسمتين مباشرة، من ى عيني ل

حسست بالدفء.أنظر في عيني انسان بھذا القرب، أسنتين لم

ألوف ر م ع من في المھجع، شيء غي ى سكت جمي ى فراشي وعل ون منصبة عل ع العي امھم !، جمي يحدث ام

رة أالكائنين الجالسين عليه، دھشة من نوع خاص تكسو جميع الوجوه، يبدو يني، ففي غم د نس ان ق ن الجميع ك

اد، ا الرم األحرى غطاھ داء المتأججة نحوي ، أو ب دفق سكنت مشاعر الع األحداث وضمن شالل الموت المت

لرماد.بقيت مثل الجمر تحت ا

اب ون الب يھم، ل ئلة عل سود بشع، في ألقد تعودوا على وجودي الى جانب الباب ولم يعد ھذا الوجود يطرح اس

ه، وكذلك وجودي الى جانبه. نه ثم ينسونالبداية يستفز لون الباب الجميع، ولكن مع توالي األيام يألفو

ال واآلن يوسف "مجنون القائد كما اصبح اسمه"، يعيد تذكيرھم بكل شيء، دھشوا، تفحصوا وجھي، كنت مھم

واآلن بفضل مجنون القائد أعود الى دائرة األضواء!.

العجزة في المھجع كثر، المشلولون والمجانيين، ثالثة عميان، أخرس واحد.

ون أم شيء آخر إأميز حالة بين المجانين ضافة الى يوسف ھي حالة دكتور الجيولوجيا ـ ال أعرف ھل ھو جن

دكتوراه ؟ ـ رج ى ال ل في الخمسين من عمره، ذھب الى امريكا لدراسة الجيولوجيا، نجح في دراسته وحاز عل

بدرجة امتياز، عاد الى البلد وبعد عودته ببضع سنوات تسلم ادارة واحدة من أھم المؤسسات العلمية، كان مياال

ة لل ى مك ا، يصوم ويصلي، ذھب ال دين بأوقاتھ ين الى التدين، يؤدي فرائض ال دام الصراع ب ان احت حج ، وإب

سالميين والسلطة كانت ھذه الصفات تھمة بحد ذاتھا، عند فجر أحد األيام سحبه رجال المخابرات من وسط اإل

عائلته، وماذا جرى بعد ذلك ال يعرف أحد.

52

ارا بالبطانية، ليال ووجھه الى الحائط ثم يغطي نفسه كامال يجلس دكتور الجيولوجيا على األرض متربعا ، ونھ

، حاول كثيرون أن يسألوه، يحادثوه، سنوات وشتاء صيفا ... لم يلفظ حرفا .... لم يفتح عينا

ع يال أيرف ام قل ن األم ه م دھم بطانيت ى ح ذھب ال ة، ي و مغطى بالبطاني ل وھ ره، يأك ي حج ام ف ه الطع ويضع ل

دا إ المرحاض وھو مغطى بالبطانية، كل بضعة أيام يقوده اثنان من تحت ع ج ى المغاسل، بطيه ـ وھو مطي ـ ال

يخلعون ثيابه، يغسلون جسده، يعيدونه وھو مغطى، مكان دكتور الجيولوجيا قبالتي تمام .ا

************

ا دمھا لن ي تق ام الت ات الطع ھر ھبطت كمي ة أش ذ ثالث دة، من ائعون بش ائعون ... وج دارة السجن إنحن اآلن ج

.حادا ھبوطا

كان لكل سجين ي ة وميا ة سجناء ، حصتي اليومي ز العسكري ، اآلن رغيف واحد لكل أربع ان من الخب رغيف

ة صغيرة من ون ھي كامل حصتي ، ملعق ات زيت ان ثالث حب وم فطوري ك ات ، الي ثالث وجب ربع رغيف ل

إالمربى على العشاء ، ان األفطاربيضا ع ب ذا ك اء الجمي لوقة ، "نصح األطب ة سجناء بيضة مس دم فلكل ثالث ع

رمي قشر البيض، يسحقونه ويأكلونه للتعويض عن الكلس".

زال و ة أشھر من الجوع، الھ د ثالث وم ابع ان يق ع، من ك ة الجمي ت حرك ع، قل ى الجمي اد عل صفرار الوجوه ب

أقلع عنھا. بالرياضة سرا

الشرطة تراقب ... وتواصل عملھا كالمعتاد.

ى ق ده اليمن اولني جلس يوسف قبالتي على الفراش، في ي ى المشمش، ن ل من مرب ا قلي ز صغيرة فوقھ ة خب طع

ياھا:إ

خود ... ھاي الك. -

يا يوسف... ھادا عشاك والزم تاكله. شكرا -

ن العسل مفيد.إنت زلمه بدك تتجوز بكره، الزم تاكل عسل، قال الدكتور إال أنا شبعان ... و -

ن يتيح لي فرصة الكالم:أثم تابع الحديث دون

ى؟ ھلق انت شو بتتمن -

طلع من ھون.أن أاتمنى -

شوف ... ھون كويس ... انت تعرف انه عندي فرس اصيلة لونھا احمر، وعندي تياب كلھا بيضا، ابيض -

وم بتشوف م ي را، أخوك يوسف البس أبأبيض ... استنى شي ك الفرس الحم أبيض ... وراكب ع بيض ب

موسكو .. بالساحة الحمراء... وواقف بنص

صوت أحد قليال :ردف بأسكت قليال ثم

وهللا ... وهللا بدنا ندك اسوار موسكو !..بدنا نمسح الكفر والكفار! . -

أيلول 15

53

ين دأت تحدث بعض المشاجرات ب اء، ب زة البق ة الجوع، غري أنا جائع، أكثر من خمسة شھور مرت على بداي

ا ر األشخاص احترام ى أكث ذا األمر ال ة السجناء بسبب توزيع الطعام، عھدوا بھ ا تساؤالت و مھاب ، تطرح ھن

كثيرة حول سبب نقص الطعام:

أھم يريدوننا - !.ن نموت جوعا

ة ب - لطة الني دى الس ون ل د يك دنا إق ا ال تري بيلنا، لكنھ ون أخالء س ارج، يجب ان نك ي الخ اء ف ون أقوي ن نك

.مرضى كي ال نستطيع القيام بشيء خارجا ت، ولكن الشرطة كانت تراقب.الكثير من التخمينات ، الكثير من التحليال

ة، إفتح اليوم عناصر الشرطة الباب وطلبوا دخال الطعام، ركض الفدائيون وقاموا بإدخال كميات الطعام الھزيل

راء وأل ده بطيخة حم اب المھجع، بي ى ب ول مرة لم يكن ھناك ضرب وكرابيج، برز بعدھا المساعد ووقف عل

لمھجع:كيلو غرام، صاح برئيس ا ةتزن حوالي ثالث

تعال لھون. -

.ذھب رئيس المھجع اليه مسرعا

خود ھالبطيخة، حصة المھجع!. -

سكت قليال وبعد ان تناول رئيس المھجع البطيخة، قال المساعد:

بدي شوف ... كيف بدك توزع ھالبطيخة على المساجين!. -

رة م الحي ه عالئ ى وجھ رت عل ة ظھ ي البداي يال، ف ع قل يس المھج ردد رئ مت ارات الت ث دي واالام تفزاز، ح س

ثم التفت الى داخل المھجع وصاح بصوت عال: ، أطرق برأسه قليال "أصبحت أعرفه جيدا بحكم قربي منه"

.ميا مرضانين ... ھاي البطيخة الك -

حد السجناء.أوناولھا الى

وة.بوجه رئيس المھجع بق نظر اليه المساعد لثانيتين بتمعن شديد، رجع خطوتين الى الوراء وصفق الباب

المھجع المساعد، يكفي انه أغاظه. لقد ھزم رئيس ،جلس جميع السجناء، شعور الفخر يغمر الجميع، حتى أنا

امي، ساحة اإل بي ارٮالساحة اذإفيما الجميع منھمكون بالحدث حانت مني التفاتة الى اليسار و وح ام دام ... تل ع

قبفجأة وجدت ث ،كشف الباب ،الساحة السادسة، ھناك الى جانب يال ا ذا غير منتظم أكبر قل من حجم جوزة ، ھ

ا فركبت دحدث اآلن! نظرت حولي فوج ثقبال ا وسددت الثقب بھ ى طرف فراشي، حملتھ ت كتلة اسمنتية عل

تماما وسدته، الثقب على مستوى رأسي وأنا جالس.

دو ة االسمنتية والتي يب ذه الكتل وة الضربة سقطت ھ ققة أعندما صفق المساعد الباب ومن ق ا باألساس متش نھ

وأحدثت ھذا الثقب.

ا أتلصص أشاء ذلك، استطيع ان أاآلن استطيع أن أرى كل ما يدور في الساحة متى ى الخارج كم تلصص عل

من ثقب قوقعتي على الداخل.

54

ددا ودوايوسف "مجنون القائد" انقطع عن زيارتي، أو لم يع ي مج وا ل ارتي، انتبھ ه، يسمحوا له بزي د زيارات بع

ى م م جالسون حت ه وھ ارتي، يراقبون ين زي ه وب ة بين ا أمر الحيلول ذا إجموعة من األشخاص أخذت على عاتقھ

أو وقف في طريقه يمازحه: رأوه متجھا نحوي ناداه أحدھم

شو يوسف ... ما بدك تخبر القائد؟ -

أي .. بدي خبرو ... بس تلفوني مقطوع. -

تعال لھون ... أنا عندي تلفون. -

يأخذه الى مكا لعندي. نه، يحادثه الى أن ينسى يوسف أنه كان قادما

}.الجوع يقرص معدتي {

أيلول 20

ثالثة أيام بعد اكتشاف الثقب، ثالثة أيام لم استطع أن أنظر من خالله، قلبي ينبض بشدة كلما فكرت في األمر.

ذا إء، ماذا سيفعل السجناء أفكر كيف أتغلب على خوفي من الشرطة، واألھم خوفي من السجنا اطوال اليوم وأن

رأوني وأنا انظر عبر الثقب؟!.

ة الحائط أھبط علي الوحي عندما نظرت أمامي، الى دكتور الجيولوجيا، لماذا ال أفعل مثله ؟!! دير وجھي قبال

ة، بحيث تغطي ة وأغطي نفسي بالبطاني أالثقب البطاني ذا يضا ة دون أن يالحظ أحد، وھ ذا أنظر بحري ، وھك

.في الوقت نفسه من النظرات العدائية التي ازدادت مؤخرا يخلصني

ولكن يجب أن أجرب التغطية لمدة يومين أو ثالثة قبل أن أغامر وأفتح الثقب وأنظر من خالله.

عتياد عليه والتعايش معه بعد.القمل يھرش جسدي، لم استطع اال

} .الجوع يشتد ويتراكم{

أيلول 30

أحد السجناء من خلفي وأنا مغطى، يتي مغطى بالبطانية، منذ يومين مر ؤن على رن أجعلھم يعتادوأنجحت في

سمعته يقول لرئيس المھجع:

شو يا أبو محمد ؟.. كنا بواحد صرنا باثنين .. شو القصة ؟ ... كمان االستاذ أجر الطابق الفوقاني ؟! . -

خليھا على هللا... اللھم نسألك حسن الختام. -

رات ستطع ان أنظر مألم د كانت تمر فت اج شديد، فق ة ھي ن خالل الثقب وال مرة، ألن الشرطة كانت في حال

دھا أنشعر فيھا ار، عن د ون ذه القبضة لتصبح من حدي ود ھ أة تع يال، وفج ن قبضة رجال الشرطة قد تراخت قل

ن ھناك احداثأيخمن البعض ھنا د منيت بخسائر جسيمة وأ ا ن وضعھا ھامة تدور في الخارج، وأن السلطة ق

ا حرج وقد تكون آيلة للسقوط، ا تحاول ن تعوض ھن دور في الخارج فانھ ا ي ة م ا عن مواجھ ونتيجة لعجزھ

وتنتقم من المساجين المساكين الذين ال حول لھم وال قوة .

55

تشرين األول 6

والي .م كان مليئا

اب مھجعن .منذ الصباح تعج الساحة باألصوات والضرب والصياح والصراخ دائيون إلفتح ب دخال ا وخرج الف

دائيين تلقى ضربة عص ى االطعام تحت ضرب الكرابيج والعصي، أحد الف إسقط عل ا ارضا ذه ثرھ وكانت ھ

يدي عناصر الشرطة، وبعد قليل صاح الرقيب:أبين آخر سقطة له، بقي في الخارج وحيدا

.هوال كالب ... تعوا دخلو -

.حامال ن يكونأبدال من عاد الى المھجع محموال

متھدج: نفاسه وأسلم الروح بعد ان أوصى صديقه بصوت أتلقفه األطباء في المھجع، بعد أكثر من ساعة لفظ

سه بابنه ...أيرفع ر له ذا هللا فرج عنك ... احكيلوا عني ... وقلإسلم على ابوي ... -

تى الى عند رئيس المھجع والحزن باد عليه:أواحد من األطباء

ك - ة بحيات وا محل بجسمه اال وضاربينه البفي ا خل ه م د... هللا يرحم ھيد جدي د وش وم جدي د ...ي و محم ا أب ي

صابات ... حتى الخصيتين مھروسات ھرس.إ...عدة

عليه رحمة هللا، خلي الشباب يجھزوه مشان ندق الباب ونطالعه. -

م صل رة، ث آثره، وصيته األخي ه سرا وأحضروه انغمس المھجع بتجھيز الشھيد، الحديث عن الشھيد، م وا علي

قرب الباب، وضعوه في الفسحة الفاصلة بيني وبين أبو محمد رئيس المھجع، علق واحد:

العمى شو ھالحالة ؟! عم نموت واحد ورا واحد متل الخرفان !!. -

حد.ألم يرد عيه

وقف أبومحمد ودق الباب بجماع يده، وجاء الصوت من الخارج:

يش عم تدق الباب ؟.شو بدك يا ابن الشرموطة ؟... ل -

يا سيدي ... في عنا واحد شھيد !!! ... عفوا عفوا ... -

واحد ميت.

.انتبه واستدرك ولكن ھذا االستدراك جاء متأخرا نسي أبو محمد حذره من كثرة ترداد كلمة شھيد في المھجع،

دوء توجه بال ب، وبمنتھى الھ دي وظھر رأس الرقي اب الحدي د فتحت الطاقة الصغيرة في الب و محم ى أب سؤال ال

:الذي كان واقفا

مين يللي قال شھيد ... يا رئيس المھجع ؟. -

أنا سيدي. -

أغلق الرقيب الطاقة وصاح بالشرطة أن يفتحوا الباب.

في الثواني القليلة التي استغرقھا فتح الباب، التفت أبو محمد الى الناس وقال:

يلھم كيف مات دعوا لي ... ويللي يضل طيبإيا شباب سامحوني ... - د والدي ويحك منكم خليه يروح لعن

أبوھم!

56

د ينظرون همامأجمھرة من الشرطة .تح البابف و محم ة أب تنظرالى الداخل، جمھرة من المساجين وفي المقدم

لى الخارج، صاح الرقيب:إ

وال ابن الشرموطة ... اطلع لبره. -

اب، كل السجناء واقفن يغلقأقذف أبو محمد نفسه بينھم، صاح الرقيب بالشرطة ور إن ووا الب ال العجزة ودكت

.... قليال الجيولوجيا، جلست أنا ايضا وغطيت نفسي بالبطانية، وبسرعة وبھدوء نزعت الكتلة االسمنتية قليال

أدرك ما أفعل، فالشرطة أ لم أكن أعي أو والثقب كبير يمكن ألي شرطي أن يالحظه، ولكني مام مھجعنا تماما

ونظرت. فتحت الثقب

أبو محمد كان ضابطا ، وكان رجال سابقا منذ فترة وعندما حدثت بعض المشاحنات في المھجع بسبب .حقيقيا

ى س حس انه قد م أصال، أتوزيع الطعام القليل ا، بقي عل ا سبعة أمن قبل شخص م ا أثرھ اول خاللھ م يتن ام ل ي

ع.شھر من الجوأيام بدون طعام بعد أوال ذرة طعام، سبعة

ة عن اتى لعنده مجموعة من كبار المشايخ والناس األ ذرون نياب ون خاطره ويعت كثر احتراما في المھجع يطيب

د نكل الناس، ورجاء خالصا ان ينسى كل شيء، وانھم ل يذھبوا من عنده قبل ان يأكل، وكان مما قاله ابو محم

ردا عليھم:

دناءة، كل " ان أابو محمد ال يمكن ان يسمح لـ" لقمة - اك من تصرف او سيتصرف ب ان ھن ه ... واذا ك تذل

فھذا الشخص لن يكون ابو محمد، الموت وال الذل.

د ان فتحت الثقب د لان اوكبع ده عصا غليظة من المؤك د، بي و محم و اب ا من أمن رأيت ھ ه انتزعھ د أن ح

ين وذات الشماأعناصر الشرطة بعد ا ذات اليم ة خروجه، يضرب بھ رة من ن فاجأھم بطريق ه دائ ل، تحيط ب

رض.ا على األدمن الشرطة ممد ا عناصر الشرطة والبلديات، ثم رأيت واحد

دائرة، تضيق الدائرة حوله وتنھال عليه بعض الضربات من الجانبين ومن الخلف، يتألم يلتفت ويھجم، تتسع ال

ل ه سيموت في ك دديا، من طرف رجل يعرف ان ة ع ر متكافئ ا غي ة ولكنھ ة حقيقي رر األ معرك ال أحوال، وق

ن األ رة م ة كبي ر مجموع رف االخ ن الط ا، وم ھال ورخيص ا س وت موت تلھم يم ون ق ادوا ان يك خاص اعت ش

خرين سھال.لآل

ع أسقط .الشجاعة توالكثرة غلب ه بحوالي رب د زمن قدرت ا المساعد البو محمد ارضا بع ساعة، حضر اثناءھ

ى األ جن، عل دير الس ب وم خوالطبي ة اش ن رض اربع ب " اب نھم الرقي رطة بي ن الش ة م ددين، ثالث اص مم

دأن يھاجمه ھو رغم أالشرموطة "، لقد رأيت كيف تقصد ابو محمد و ا نه كان بعي ه، وكيف نزلت عصا اب عن

محمد على رأسه.

ع، ب الجمي عفوا أفحص الطبي ب والعنصر اآلأس رعة، الرقي د العناصر بس ات،ح د م و محم ا، اب ر مات د خ مق

في السجن من عناصر نن يجمع كل مأالشرح لمدير السجن الذي التفت الى المساعد طالبا منه الطبيب ھذا

ن يقف جميع الحراس المسلحين الموجودين على االسطحة فوق مھاجع الساحة السادسة.أوالبلديات و ةالشرط

زحت البطانية.أغلقت الثقب جيدا وأعرفت ان المشھد لما ينته بعد،

57

د في الساحة أن أتي ال يمكن ( من االشياء ال و محم ى وشجاعة اب د في الساحة االول دا، شجاعة العمي نساھا اب

ذا ضباط في د ھك اذا يحدث، ان يوج ا، تساءلت : كيف يحدث، او لم ع ھن ا يفكر الجمي السادسة، وفكرت كم

؟قتلون فيه والكل يعرف اننا في حالة حربالسجن، ي

ه من ذھني ) .توولكن فورا قمعت ھذا التفكير، مح

دير السجن دم م ر المق رة يجب أاعتب ابقة خطي ردا وس ان تم ا حدث ك وة أن م وة، بمنتھى القس ل ق ه بك ن تجاب

والعنف كي تكون درسا للجميع.

احة يط الس ى مح م عل يط بھ جين، يح ة س والي الثالثمائ رطة أح ر الش ن عناص ر م دد بكثي ذا الع ن ھ ر م كث

سطحة. ن على األوالبلديات، عشرات الحراس المسلحي

حدا في المھجع. أال تتركوا -

دير السجن محاضرة نصفھا آجمعونا وسط الساحة، في خر الصف قريبا من المھجع وضعوا العجزة، القى م

خر تھديد ووعيد، وقد نفذ تھديده، قال للمساعد: شتائم، والنصف اآل

زحف على بطنه.مابدي حدا يفوت على المھجع وھو ماشي، السليم منھم الزم يفوت -

. /".بو محمدأيوم /خر سيسميه اآل ھموبعض /يوم التنكيل /"بعض السجناء سيسمي ھذا اليوم الحقا بـ

ان إاستمر التنكيل من قبيل الظھر م ي ألى ما بعد حلول الظالم، وك لولين وھ ؤلم مشھد المش ا ي ر م ضربون، كث

نھم.يحاولون الحركة، يحاولون تفادي الضرب .. ويظلون مكا

ذنا أدخلنا زحفا وجرجرة، من لم يستطع ان يجرجر نفسه ه" داخل المھجع، اخ ـ " قذف ديات ب ل البل وغيره، تكف

نضمد جراحنا، نغسلھا، نبحث عن مزقة قماش نلف بھا جرحا ما.

الجوع يعضنا، رغم ذلك نمنا.

تشرين اول 7

درة يح ه الق ى أاول في الصباح الجميع ينظر الى الجميع، كل من لدي ة قتل ى جاره، الحصيلة ثالث ئن عل ن يطم

ماتوا ليال، جراحي خفيفة وال تشكل أي خطر.

وزع أتى المساعد ومعه الشرطة، كل من يستطيع الوقوف وقف، "اكتشفت أ ذي ي ن ابو حسين وھو الشخص ال

الطعام ويرضي الجميع كان قد نقل فراشه ليال الى مكان ابو محمد".

و حسين، نظر إ، شمل المھجع بنظرته، ابتسامة على زاوية الفم، نظر تقدم المساعد خطوتين ى اب ي،إل شار أ ل

قائال: إلي

نت بتصير رئيس مھجع.إ -

ا سكت ده عالي ع ي و حسين مصطنعا الخوف، رف ولم اجب، سكت المساعد وتراجع يريد االنصراف، تحرك اب

وقال:

يا سيدي اسمحلي بكلمة. -

.قول وال.. كر -

58

مجنون!. ،ھادا يللي عينتوا رئيس مھجع .. يا سيدييا سيدي -

لي، سألني:إالتفت المساعد

انت مجنون .. وال؟ -

قال المساعد: .جيبأعرف بماذا ألم .جبإلم

صبح انت بدك تصير رئيس مھجع. أطيب .. -

متل ما بدك سيدي .. بس في عندنا ثالثة ميتين. -

ميتين؟.. وال شھداء؟ -

.ميتين سيدي.. ميتين -

قول نفقوا.. وال جحش. -

نفقوا سيدي.. نفقوا. -

يا .. طالعوھم لبره. -

صبح ابو حسين رئيس مھجع، اقترب مني بھدوء وقال: أ .غلق البابأو

حكام.أنه للضرورة نك مانك جاسوس .. وساويتك مجنون ألإانا بعرف -

مان الى جانبه ". " ھاھو واحد اخر منھم يشعرني باأل

شباط 24 دنا، الجوع يضنينا. البرد يجم

ه أقاوم، أقسام، وأقسمه ثالثة أكثر من عشرة اشھر مرت ونحن جائعون، ربع رغيف أ ه كل ة بالتھام اوم الرغب ق

ا م يصل فيھ دة، عشرة شھور ل ة واح ع، أدفع ى الجمي ديدا عل دا ش زال ب بع، الھ ى الشعور بالش د السجناء ال ح

ثار سوء التغذية جلية واضحة. آالوجوه مصفرة و

ي س، ش زة نف ة وع ألة بأنف ع المس ع م ل الجمي ة تعام ي البداي ف ي ئا فش دأت التصرفات ئا تمرار الوضع ب ع اس وم

ة، أالغريزية تطل برأسھا، فالسجن اتذة الجامع ان من اس الم الصغائر، اثن ياء الصغيرة، ع الم االش ا ھو ع ساس

اتمان، ينت ا ھي األشخصان محترمان جدا، كبيران في السن .. يتشاجران، يتش ألة برمتھ ة، والمس مر بالمقاطع

تكون قد بدأت على الشكل التالي:

يا اخي كم مرة قلت لك ال تلبس شحاطتي؟! -

ذا لبسناھا؟ .. رح ينقص من قيمتھا يعني؟! إايه ... شو فيھا -

ال انت ما بتفھم حكي؟! إبينقص ما بينقص ... ال تلبسھا وبس... صار ميت مرة حكينا ... و -

ھم!!... شو شايفني حمار متل حضرتك؟! انا ما بف -

كبر حمار!!.أبوك وكل عيلتك حمير يا أنت وإنا حمار ؟! ... ايه أ -

حد بينھما. أذا لم يتدخل إلى الضرب إستاذين مر بين األوقد يتطور األ

كثر موضوعھا الوحيد الطعام .أو أال يمر يوم دون مشاجرة

صغر من غيري؟ أليش اعطيتني قطعة خبز -

59

تعطي لفالن ملعقة لبنة كاملة وانا يا دوب نص ملعقة؟ ليش -

نه حصتي ثالثة حبات زيتون وفوقھا تكون صغيرة، حبات غيري سمينة. إما بيكفي -

و حسين ان استمرار الوضع الحالي و حسين، شرح احدھم الب يس المھجع اب قبل شھر اجتمع االطباء مع رئ

ن لديھم اسبابأينذر بكارثة مرضية، و ن قسملالعتقاد أة من خالل مالحظاتھم وفحوصھم قوي ا د ا من السجناء ق

.مر، وبعد نقاش تقرر اعتماد خطة المرحوم ابو محمدبالغ ادارة السجن باألإصيب بالسل، وطلبوا منه أ

األأ اجع ب ع المھ ين بلغوا جمي ق "المورس" وتب ة حضر ن اإلأمر عن طري د المطالب ع، وبع دى الجمي صابات ل

ردف:أرح له ابو حسين الوضع والمساعد ، ش

ر ... ونحن إن يطباء متأكديا سيدي األ - ادا مرض معدي كتي وا ھ يادتكم تعرف ا س ل م نه مرض السل.. ومت

وانتو بمحل واحد، ومتل ما ممكن السجين يمرض، ممكن ال سمح هللا الشرطي كمان ينعدى.

السلين ، األرشيدين ... ابتدأ العالج ، تفاعل -

************

م، أنا منذ أشھر مستمر بالمراقبة والتلصص عى ساحة السجن عبر الثقب، حفظت وجوه عناصر الشرطة كلھ

ا أعدامات ... ثمان مشانق ... كل اثنين وخميس، شاھدت اإل اس ھن ان الن سمع كالم الشرطة بوضوح احيانا، ك

دام ؟ م األع ذ حك دى تنفي ر ل د نسمع صيحات هللا أكب م نع د أن يخرج .يتساءلون: لماذا ل اآلن عرفت السر، بع

ومين بالصق عريض، كالمحكومون باإل ن أعدام من المھجع يغلق الشرطة الباب ويقومون بلصق أفواه المحك

ا صرخة هللا أكبر من المحكومين قبل اعدامھم تشكل تحديا واستفزازا للمحكمة الميدانية وادارة السجن، فمنعوھ

بالالصق.

وم باإلالمشانق غير ثابتة، ال ا المحك دامتشبه المشانق العادية التي يصعد اليھ زل .ع ذه المشانق ھي التي تن ھ

ل ألى إلى المحكوم، البلديات األشداء يميلون المشنقة إ وم باإلإن يصل الحب ة المحك ى رقب ل ل ون الحب دام، يثبت ع

دلى رجال د ان يلفظ حول الرقبة جيدا ثم يسحبون المشنقة من الخلف، يرتفع المحكوم عليه وتت واء، بع ه في الھ

ة ... م الثالث ة ث ادئين، أالروح ينزلونه الى االرض ... وتأتي الدفعة الثاني انوا ھ دامھم ك ذين شاھدت اع غلب ال

ول ايضا حاالت كثيرة ظھر فيھا حب الحياة والضعف االنساني، البعض كانت ترتخي لديه مصرتأشاھدت الب

ا والبراز، والشرطة في ھذه الحالة ين زعجون كثيرا، فالرائحة التطاق، يشتمون ويضربون الشخص الذي عملھ

حد المساجين من صغار أخر كانوا يبكون، يحاولون الكالم والتضرع فيمنعھم الالصق العريض، اآل ھمبعض .!

تطاع رعين، أالسن اس دا ذات ف رة ج احة كبي ة، وھي س احة السادس ي الس ركض ف ديھم وي ين اي ن ب ت م ن يفل

مسكوه، اوقفوه تحت المشنقة فجلس أن أتحيل واضطر الشرطة والبلديات للركض وراءه لدقائق الى الھرب مس

دخلوا رقبته في الحبل، بعد قليل لعبط برجليه في الھواء.أعلى االرض، رفعه اثنان من البلديات و

ذارآ 20

60

ر يضا مستمرة،أعالج مرضى السل مستمر، وجوالت الدكتور سمير الذي قام بالعالج امالاشھرم ن لكن ن ك

ة أاالصابات في تزايد مستمر، وصل الرقم الى دكتور سمير، إلف وثالثمائ ال ال ا ق صابة في السجن حسب م

الوفيات قليلة جدا.

انيته معالجة كان الجميع ھنا يعزي يد بانس ع يش ى فضل طبيب السجن، الجمي التھاب السحايا ومرض السل ال

" مؤلفة من بضع كلمات:سحيث وردت رسالة "موروذلك حتى عشرين يوما خلت،

" .من زمالء دفعته ين" طبيب السجن قتل اثن

يام وردت رسالة اخرى: أالرسالة واردة من المھجع السابع، بعد ثالثة

" ." طبيب السجن قتل ثالثة من زمالء دفعته

الرسالة واردة من المھجع الرابع والعشرين.

ة طبيب اي جدا باالضافة الى انه ذكي، احس بالخطر، فدعوھو شخص ديناميك ،بو حسينأ الطبيبن زمالء دفع

وم طبيب ن أن يق رة م ية كبي ه خش رة، كانت لدي ياء كثي ألھما عن أش ا مطوال، س ده، تحدث واياھم السجن لعن

دخل ا يال ي ه ك ه ودھائ و حسين كل لباقت لخوف السجن بقتل كافة زمالء دفعته ومنھم ھذان الطبيبان، استخدم أب

انفسه الوقت فيالى قلبيھما، و د أن يكذب عليھم و . كان ال يري ول أب ه ق ا في م م دا، وأھ ان طويال ج الحديث ك

حسين لھما:

ا، نأنا ال أريد أ - اك ومن المحتمل أن ينتھي ھن دأ ھن د ب -أھون المسألة وأكذب عليكما، يبدو أن زميلكما ق

ولكن -وأرجوا من هللا أن يكون ظني خاطئا ، واآلن ھل استطيع -ال سمح هللا - قد يكون دوركما قادما

أنا أو غيري أن نفعل شيئا؟.

ثم تناوبا على الحديث بعد ذلك: سكت الطبيبان قليال

ين - ا ب ا جميع تأتي ساعة نقف فيھ ل، وس م الوكي ليس بيدك أو بيدنا يا أبو حسين إال أن نقول: حسبنا هللا ونع

تلك الساعة.يدي هللا، و يا ويله من

ولكن قوال لي لماذا يفعل ھذا؟ ھل ھو ينتقم؟ وممن؟. -

را - ان فقي ة وك ى الجامع ى ال ه أت ا أن ع زمالئن وهللا يا أبو حسين ال نعرف الكثير عنه، ما نعرفه ويعرفه جمي

ة، وبعض ؤ، كان ريفيا بسيطا وخجوال، قد يكون زمالجدا ه بفوقي نھم عامل ه أبناء المدينة قد تعاملوا مع ه م

ة، ة الدول ى نفق باحتقار، عرف الجميع أنه من عشيرة الرئيس وھو لم يكن يخفي ھذا، كان يدرس الطب عل

ى في إقيل نه كان يعمل مخبرا لدى الجھات األمنية، كل أبناء المدينة تجنبوه، والقصة التي لھا بعض المعن

ى ال ي حت ة، بق ات المدين ا من بن ة من زميالتن ه لزميل ذا المضوع ھو حب ا ھ ة يحبھ ة في الجامع نة الثالث س

ر ،بصمت ى اال ؤال يج د عل ا بأح راده بھ ز فرصة انف ة انتھ نة الثالث ي الس ا أو مصارحتھا، ف راب منھ قت

نه. إنه.... وإنه يعبدھا ... وإالمخابر، أمسك يدھا وصارحھا بحبه، قال

ا دالفتاة وھي من عائلة مدينية محافظة عرفت بالغنى والقوة، كانت ردة فعلھ ة ج د تكون ھي السبب ا، عنيف وق

.أھلھا بما حدث تحتقار واشمئزاز، اشتكت الى عمادة الكلية، ثم أخبرافي كل ما يحدث ، صدته ب

61

ون في أرجاء وا يتجول ة ظل عوقب من قبل الجامعة، ولكن ردة فعل األھل كانت أعنف، ثالثة من أخوة الطالب

ه الكلية بصحبة أختھم مدة ثالثة أيام، وكان واضح ون عن انوا يبحث ابھم، ك ون أسلحة تحت ثي م يخف ا للجميع أنھ

لقد اختفى ولم يعد يحضر الى الكلية. ،لكنه لم يكن موجودا تھم قتله، ھكذا قالت الطالبة فيما بعد،وبني

لغيت.أدارة عقوبة اإل .خوة الطالبة انسحبواإ .سبوع حضرالى الكلية وكأن شيئا لم يكنأبعد

عنه أھلي. اباس األيادي حتى عف ،مخابرات، ودخل وساطاتراح جاب قرايبه ال -

خرين.ھكذا راحت الطالبة تشرح األمر لآل

تابع دراسته منزويا اليختلط مع أحد إال طالب دھا ب ،أو طالبين من منطقته ا ه بع ان يعامل اراالكل ك وبعض ،حتق

نا الطالب كانوا أحيانا يسلقونه بتعليقاتھم الالذعة.ئزمال

ذه االمور ال من قريب وال من لكن . - ه لھ .. اقسم با يا اخي ابو حسين , نحن ھذه المجموعة لم نكن ننتب

ابا مؤمن بعيد , كنا في صف واحد أكثر من خمسة وعشرين ش ة في ا ا ديني دوام دروس د ال ا نحضر بع ب

ان هللا في أت لس ،كم من االخوة قبض عليه وكم منھم نجا ،ولھذا السبب نحن ھنا االن ،المسجد دري ... ك

عون الجميع.

ل شھود ،ن ھذا الشخص يشعر بالعارإ .نه قد يكون في االمر امرأةإھم م ... قلت لنفسي - ولكن ھل اذا قت

يمحي ھذا العار ؟... غبي ... ،عاره

ال يعرفه احد! عتقد ان ھناك سببا اخر أن ھذا السبب على قوته اليكفي! أعتقد إولكني

كان موعد ھذين الطبيبين مع زميلھما. ،قبل عيد الربيع بيوم واحد ،آذار 20اليوم في

بأ ،غلقوا البابأخرج عناصر الشرطة الطبيبين وأ ين يسوقھما عناصر ،سرعت الى بطانيتي والثق رايت الطبيب

ه يقف الطبيب عاق .متار من المھجعأاو خمسة ةربعأمام طبيب السجن الذي يقف على مبعدة إلى أالشرطة دا يدي

مرھما:أثم التفت الى عناصر الشرطة و ،رحب بھما: أھال وسھال .على صدره وھو يبتسم

جانب البلديات. مروحوا خلوك -

نھم .في وسط الساحة سبع من البلديات العمالقة ال ،اسمع الحديث بصعوبة ،وقف عناصر الشرطة بالقرب م ق

طبيب السجن:

نكم : سبحا مايه ... ھلق عم تقولوا لحالك - دي اطلب م ول ھيك ... ب ان بق ا كم ن مغير االحوال ... طيب وان

؟ . همين منكم بدو يجوزني اختو ،طلب

تابع طبيب السجن: ،قليال انمنكس أساھمار ،لم يجب الطبيبان بشيء

الزواج عيب شي؟. ،خطب اختك على سنة هللا ورسولهأنا عم أليش ساكتين؟! ... شو يا عدنان ... -

. ،ندي اختبس انا ما ع - والحمد

فترة صمت ثم التفت الى الطبيب اآلخر، وقال : تساد .لم اسمعه ھنا قال طبيب السجن لعدنان شيئا◌

طيب ... وأنت يا زميل سليم كمان ما عندك أخت؟. -

نعم ... عندي أخت. -

طيب خطبني اياھا على سنة هللا ورسوله. -

62

أنا ماني ولي أمرھا. ا وأخير قاش ھيك أمور، وأوال الزواج قسمة ونصيب، ونحن ھلق بوضع ما بيسمح بن -

ھذا أسلوب تھرب ... -

اقترب منه وبصوت أقوى:

وأكابر، نحن فالحين، مو ھيك؟ وإال شايف انه نحن مو قد المقام، انتو ناس أغنياء -

وھو يصر على أسنانه:صاح اقترب منه ولوح بيده أمام وجھه وبصوت حاد

ك و كل ولك شوف ... افتح عيونك وط - وطي أحسن منك ومن أختك وأھل وط، ب ذا الب ون، شايف ھ ع لھ ل

عشيرتك وطايفتك ... وال كلب.

ثم التفت الى حيث البلديات وصاح:

بلديات... تعوا لھون والك... خذوھم عـ نص الساحة. -

ومشى وراءھم وھو يصيح: .سحب البلديات الطبيبين

حن بدنا نطالعھم كمان لفوق أكثر وأكثر ... يا لشوف.ھدول ناس أكابر ... يعني فوق ... فوق، وھلق ن -

ديا ن البل بعة م ه س ك ب ره وأمس ى ظھ دنان عل تلقى ع مع، اس ت أرى وال أس احة كن ي منتصف الس ن تف ، م

رأ ة س.الرجلين، اليدين، الخاصرتين، ومن تحت ال ة المظل ا عقوب ي واحد .إنھ ة تعن ة عقوب ة ا والمظل من ثالث

دما يكون الكسر إما كسور مختل أشياء: م عن فة في سائر أنحاء الجسم وعلى األغلب في الحوض، وإما شلل دائ

ذا في العمود الفقري، أو الموت وھو اال ا ھ زول، وغالب رأس الجسم في الن حتمال الثالث خاصة عندما يسبق ال

يحدث عندما يكون عنصر البلديات الممسك بالرأس أقل قوة من اآلخرين.

أرجحوه قليال ثم بصوت عال: ،سفلتيةه مواز لألرض االروجھه الى السماء، ظھ رفع البلديات عدنان،

يا .. واحد ... اثنين ...ثالثة. -

وقذفوه الى األعلى، ثم خبطة قوية على األرض، لم يتحرك عدنان بعد أن صرخ صرخة ألم رھيبة.

ا ان ينظر بانتظر طبيب السجن قليال، أشعل لفافة تبغ وظھره لعدنان واآلخرين، كا ا، عب نفس تجاه باب مھجعن

ين ... د ... اثن رة أخرى و ... واح دنان م وا ع دموا ورفع ذين تق ديات ال ار للبل ت وأش ره، التف ة وزف ن اللفاف م

ثالثة، ھذه المرة لم تصدر أية صرخة.

أشار لسليم اشارة وھو يتكلم كالم الم أسمعه، اقترب سليم و ا لطبيب السجن نحنى فوق عدنان، وقف وقال كالما

الذي انتفض وصفعه على وجھه صفعة سمعت صوتھا وأنا جالس داخل المھجع ... وبدأ يصرخ ويشير بيديه.

تكرر نفس األمر مع سليم.

.الساحة ،موكبه يحيط به ،السجن غادر طبيب .تركوھما وسط الساحة في حالة استلقاء أبدي

مجموع ما قتله طبيب السجن من زمالء دفعته أربع .ة عشر طبيبا

ى ه ال ه أخذ السر مع تلھم فإن ى ق يلھم إل إذا كان بعض ھؤالء األطباء أو أحدھم يعرف األسباب التي دفعت زم

القبر، ألن القاتل لن يتكلم. وظل األمر داخل السجن في إطار التكھنات ... فال أحد يعرف السر الحقيقي.

ايار 6

63

ره، التي مور ن يحقق بعض األأخل السجن استطاع الدكتور سمير ومن خالل جوالته الطويلة دا ا غي م يحققھ ل

زالء كل مھجع، أعرف تقسيمات السجن وتوزع ساحاته ومھاجعه، ل من المعلومات عن ن م ھائ ه ك صبح لدي

د خبار بين المھاجع، فقد يكون ھناك مجموعة من اإلينقل األ م يع وا سوية ول حدھم أخوة من عائلة واحدة اعتقل

ن االخرين موجودون في المھجع كذا وكذا.ار شيئا، يقوم ھو بالسؤال عنھم وتطمين بعضھم خيعرف عن اآل

ود الشرطة ان لمر حققه انه نال امتياز التكأھم أ دائم تع اك ال ين، فنتيجة لالحتك وح العين م مع الشرطة وھو مفت

خرين.يبدأھم ھو بالحديث وھذا غير ممكن لآل

المحكمة الميدانية الى الغرفة المخصصة لھا، سلمت الالئحتين ھيئةر، دخلت االثنين الماضي جاءت الھليوكوبت

عدام.دارة السجن، الئحة الذين سيحاكمون والئحة اإلإلى إ

دا أتلصصمام الثقب مغطى بالبطانية أجلست ة االع ة بالنسبة لأالتي معلى الشرطة وعملي ، يصبحت روتيني

ذ ح يتم تنفي ذين س ادة حضر السجناء ال م اإلكالع انق، ك ادة، جھزت المش م، تمت كل االجراءات المعت دام بھ ع

ق مجموعة البلديات جاھزون، وضعوا اول م يب انق، ل ة اشخاص تحت المش ل، إثماني نقة والحب زال المش ال ان

عندھا صاح احد الذين لم يلصق فمھم بعد وكان الشرطي واقفا امامه والالصق بيده:

تحاكمنا.ياسيدي ... دخيلك، نحن لسه ما -

انھال عليه الشرطة بالضرب والشتائم، فال يجوز له ان يبدأھم الكالم، ولكن صيحته وصلت الى المساعد الواقف

خر مشنقة، قال:آعند

اتركوه ... اتركوه. -

ثم اقترب من السجين وسأله:

؟شو عم تقول .. وال -

ياسيدي نحن مانا محكمومين، لسه ما رحنا عـ المحكمة. -

!!.شو ھا الحكي -

ه الالئحة .لى الرقيب المسؤولإالتفت المساعد أ .طلب من د اخط ا بسيطا، لق اك خطأ اداري ين ان ھن اء تب الرقب

ذھبوا أن يعدموا الى المحكمة، وجلبوا االشخاص الذين من المفترض أفأخذوا السجناء الذين من المفترض ن ي

عدامھم.إالى المحكمة ليتم

م يتجرأ كل السجناء الذين جلبوا امام ا بطريق الخطأ، ولكن ل ىال شخص واحد عإالمشانق يعرفون انھم ھن ل

تنبيه الشرطة على ھذا الخطأ.

خ المساعد الرقيب وتم اصالح الخطأ.وب

ة، دخل المھجع، السالم ه العالجي بعد شھر تقريبا من مقتل الطبيبن عادل وسليم، عاد الدكتور سمير من جولت

عند ابو حسين، بعد االحاديث المعتادة قال ابو حسين: عليكم، وقف قليال ثم جلس

شو دكتور ؟... انا شايف انه عندك حكي. -

ايه وهللا ياابو حسين ... بدي نصيحتك. -

64

شرح الدكتور البو حسين ان ال نتائج ملموسة لكل العمل الذي يقوم به، ومع كل يوم جديد يتفاقم وضع مرضى

أكثر، " ر ف ن يحرث المأالسل اكث ا كم ريض شيء أاء"، ون ه الم ذي يتناول ذاء ال ي، فالغ ده اليكف دواء وح ن ال

اساسي، و:

دا يطيب من - ا تحسن االكل بالسجن، مستحيل ح ه، واذا م اس جوعان متل مانك شايف ياابو حسين ... الن

د.تھالمرض، بالعكس المرض بدو يش دو يزي اءه د اكتر، وعدد المرضى ب أن يطلب اعف ديا ب ه يفكر ج وان

العمل. من ھذا

ام هللا ه ام دكتور سمير بواجب ذكرا ال اش م و حسين النق تم اب را خ ه اخرون، اخي امتد النقاش طويال، شارك في

ن يجعل من يأسه منطلقا لتحسين الشروط، عندھا سأله الدكتور:أوواجبه االنساني طالبا منه

وكيف بدي اعمل ؟ -

الطعام.مر، وطالبه بتحسين اطلب طبيب السجن، اشرح له األ -

طبيب السجن ؟! ھذا ... الجالد!. -

، انت اعمل اللي عليك واترك الباقي على هللا.دنعم .. ھذا الجال -

ال وفي صباح اليوم التالي ، كالمعتاد فتح الشرطة والبلديات الباب وھم محمل دكتور وق ن باالدوية ، لم يخرج ال

للرقيب :

. قبل الجولة ... الزم شوف طبيب السجن ... ضروري -

دكتور سمير األ ه ال اء ، وبعد قليل حضر طبيب السجن ، شرح ل ة االطب ه أمر بلغ ى نتيجة ان ال إنھى حديث ل

لغذائية كما ھي عليه االن ، رد طبيب السجن :اجدوى من العالج كله اذا بقيت الشروط

اترك لي موضوع الطعام شي يومين.. ثالثة ، وروح انت تابع العالج مثل العادة . -

خو الناقص !.أد الزائ

ل أبعد ز والبيض المسلوق، سبوع من ھذه المحادثة فتح الشرطة الباب الدخال الفطور، واذا بت دخل أمن الخب

يأكل كل الفدائيون الطعام، وزعوه، نصيب الشخص الواحد سبعة ارغفة مع خمس بيضات مسلوقات ... من س

ھذا ؟.

بعد كل ھذا الجوع اليجوز للبطن ان يمتلئ كثيرا.كل، النه نبه االطباء الى ضرورة االعتدال باأل

را، اس كثي ا، اسماه السجناء " سنة الجوع "، وھي سنة غيرت الن امال تقريب أاستمر الجوع عاما ك أيضا وان

ا، األ أصبحولى من سنة الجوع، سابيع األحسه جليا من الداخل، بعد مضي األأتغيرت، وھذا التغيير مر عادي

ن أمرئعا تكون جا أن اقص وزن الجسد كل امىطبيعي لم يعد يستلزم الكثير من التفكير، ولكن مع تن ي يت داخل

عميق بالصفاء والنقاء. إحساس

يئا، ومن اإلنسانيبالجسد إحساسيخذ أنني في بواكير المراھقة أاذكر عموما وجسدي خصوصا يكبر شيئا فش

انفجار اللذة الذي يعصف بالجسد كامال. إلى صلأھمسات رفاق المدرسة والشارع تعلمت كيف

اءصاب أدخلت الحمام في منزلنا وقمت بتطبيق ما تعلمته من رفاقي ، كدت ذة باإلغم ا ودھشة، ولكن ل وخوف

.األبدبالتلوث، فقدت طھارتي ونقائي الى إحساسثم، باإل إحساسبعد مضي دقائق قليلة تلبسني

65

ذا ي ھ ي، اساإلحسمنذ ذلك الحين الزمن ى إ كظل ا كنت اشعر أنل ذا أنمررت بسنة الجوع والتي خاللھ ھ

. ھذا الدنس قد بدأيزول تدريجيا، وانني اعود الى بساطة وبراءة الطفولة.التلوث.

ودة م" اكثر ما امضني واحرقني ھو عد ان شعوري بع ا احسه واشعره، ك ى مشاركة أي انسان بم قدرتي عل

وع ".النقاء فرحا رافق عذابات الج

ى رت، أحت رت أحالمي تغي رأة، تغي ى الم ا عل ا تقريب نة الجوع منصبة كلھ ل س ي كانت قب حالم اليقظة والت

م ا، ابتكرت بعض الطبخات، احل ام، الطبخات التي كنت احبھ ى الطع وانصبت بمعظمھا خالل ھذه السنة عل

م ذا كنت استطيع معالجة الحاجات التإبوجبة مليئة باللحوم والدسم ... و انني ل ي تخلفھا احالم اليقظة الجنسية، ف

حالم اليقظة الطعامية!.أاستطع معالجة الحاجات التي خلفتھا

، ولكنه بتواضع اصيل قال البو حسين:هاصبح الدكتور سمير بطال على مستوى السجن كل

حسين. أبوالفضل كله الك يا -

اليوم اجروا لي فحصا، فتأكد خلوي من مرض السل.

تموز 14دكتور در ال خالل الفترة الماضية تمت السيطرة على مرض السل بنجاح البأس به ، الوفيات بسببه توقفت ، يق

صبح ھناك طبيب اخر يساعده في جوالته .أسمير ان ھناك حوالي الفي شخص يعالجون من ھذا المرض ،

ام يام األصبح مشكلة كبيرة ، في األأالطعام ه خذ السجناأولى من وفرة الطع ايمكن تخزين ء يحاولون تخزين م

ى االكل خوفا من العودة الى ايام الجوع ، ولكن تدفق الطعام استمر بمعدل يزيد عن حاجة او قدرة االنسان عل

بضعفين او ثالثة اضعاف ، لم يبق فراغ في المھجع الذي ھو مكتظ اصال اال وخزن فيه السجناء الخبز اليابس

خل المھجع ، ثم استحالت .، حتى اصبحت الحركة صعبة دا

" في ھذا السجن اليوجد قمامة ، ممنوع منعا باتا اخراج أي قمامة من أي مھجع " .

اشتكى السجناء البو حسين :

يا ابو حسين ... القي لنا حل ، شوف المساعد بلكي ياخدوا من عندنا بس الخبز اليابس. -

مع المساعد فقال سمير له في نفس اليوم : ابو حسين طلب من الدكتور سمير ان يتحدث بالموضوع

ه - رات المھجع ، الن ياسيدي ... صار في عندنا خبز يابس كتير ... بلكي سيادتك تسمح للسجناء يطالعوه ب

د ذا ممكن يصير علف جي ام ... ھ ولكم اغن ه ... اذا في ح تفيد من ا يس ا ... وممكن غيرن د عن حاجتن زائ

لالغنام .

: جاء رد المساعد حاسما

شو دكتور !!... شايفك صرت عم تتمدمد اكتر من الالزم !.. شو شايفنا رعيان غنم !؟ بعدين نظام السجن -

د وا نزي ي طلبت و يلل ا : انت ا ثاني ذا اوال ، ام ة . ھ اجع وال ذرة زبال واضح وصريح : ممنوع يطلع من المھ

االكل ... زدناه ، وھلق كل شي موجود في المھجع الزم تاكلوه .

عاح ي المھج اش ف دم النق ه قطعان .ت ب مع ابس جل ز الي اق، الخب ان ض المك ير ا ل والصراص ن النم رارة م ج

والجرذان.

66

كان السؤال كيف نسطيع التخلص من كل ھذا الخبز ؟... وجاء الحل من عند ابو حسين:

ى دفع - اء وعل ز بالم ذا الخب ع ھ ر حل واحد، ننق ا في غي دين ياشباب ... خلونا نختصر، انا برأي م ات، بع

نمرسه حتى يصير سائل بعدين نصرفه عن طريق المراحيض.

وقامت قيامة المھجع :

ھذا حرام ... ھذا كفر ... نعمة هللا نلقيھا بالمرحاض !!. -

ھذا ما بيجوز من هللا ... ياما احلى سنة الجوع !!. -

د ي - ه الواح ن ان نين احسن م ر س وع عش نة الج ون طول س ه يك ه وهللا صحيح ... اي ورة اي ز بج كب الخب

المرحاض !!.

يالطيف ... يالطيف وين وصلنا !!. -

ل سنة الجوع كنت ان أخالل السنوات الماضية وحتى قب ه، ك ز في املون الخب ذي يع ر ال رام الكبي الحظ االحت

ى أذا صدف وإال يوقع اية قطعة خبز على االرض، وأواحدھم حريصا جدا على ة عل ز مرمي ن رأى قطعة خب

ان عال نه إاالرض ف يرفعھا باحترام ، ينفضھا ثم يقبلھا ثم يضعھا على جبينه، اما ان يأكلھا او يضعھا في مك

اس ، فللخبز عندھم مكانة القداسة ، واآل ن يتجرأ ابو حسين ويقترح ان يرموا الخبز في المرحاض ، وھاج الن

ھياجا شديدا.

د ورد ا ان ق و حسين ك د ان رأيت " للحقيقة فان الحل الذي اقترحه اب اتھم، وبع ى نقاش ا استمع ال ي وان ى ذھن ل

وني راح لقتل ذا االقت دم ھ ذي ق ي كنت ال و انن وع من الكالم، فل الھياج الذي عم المھجع، قلت الحمد اني ممن

حتما ".

قابل ابو حسين ھياجھم بھدوء شديد ، جلس مكانه ، لم يجادل ، لم يتكلم وتركھم يوم اخر. ا

ى المغاسل ألي كل يوم يعني حوا لف رغيف خبز زيادة ، صار الجميع يمشي بين تالل من الخبز ، الوصول ال

و حسين ، في الوقت أضحى صعبا جدا ، وأاو المرحاض ه اب م يشارك في الي فل وم الت اش في الي تح النق عيد ف

الكالم ، قال :الذي كان الجميع ينتظرون رأيه ومساھمته ، ضاق الناس ذرعا بسكوته فتوجه اليه احدھم ب

ايه ابو حسين ... شايفك ساكت ، ما الك رأي بالموضوع وانت رئيس المھجع ؟. -

الن ... - الن ... والشيخ ف طبعا الي رأي ! لكن قبل كل شي الزم احكي شوي مع المشايخ ، ياريت الشيخ ف

يتفضلوا لعندي شوي.

ون االتجاھات وال ة يمثل انوا في الحقيق ايخ ك د عدد اسماء خمسة مش ات الموجودة في المھجع ، وكنت ق تحزب

عرفھا جيدا من خالل تلصصي الدائم ، كل واحد منھم ھو االكثر علما واحتراما في جماعته . أاصبحت

ع م وصف الواق د ، ث رآن واحاديث النبي محم ات الق تكلم ابو حسين مطوال ، بدأ حديثه بسرد مجموعة من اي

:نھى حديثه قائال أوالمخاطر ...

م ، - ا ، لكن يجب ان ال ننسى ان االنسان اھ د هللا يجب احترامھ ة من عن ذا نعم ا نعرف أن ھ م ... كلن نع

ا د كرمن ى وجه البسيطة ، ولق االنسان مخلوق على صورة هللا ولذلك ھو اعلى قيمة من أي شيء آخر عل

بني آدم ... ثم الم يعلمنا ديننا ان " الضرورات تبيح المحظورات ؟ " .

67

منطقه مفحما ، ان ھذا الرجل ثعلب ، ذو شخصية قيادية ھائلة ، سكت قليال وعاد يتكلم :كان

ا - را ي ا أواخي ة ، ام ذي النعم ة !! ھ ة بخمس ل: كعك ول المث ا بق ل م اوي ؟... مث ن نس و بنحس فاضل ... ش

تحيل ، ذا مس ع ، وھ رات المھج ا لب تحيل ، أنطالعھ ان مس ذا كم ا ، وھ ا كلھ ه نإو أو بناكلھ ن ن صرفھا ع

نه المرحاض ھو المنفذ الوحيد النا ھون على ھـ االرض .إطريق المرحاض ، وال تنسوا

سأله احد المشايخ :

ايه طيب ... شو المطلوب منا نحن يا ابو حسين ؟. -

اجع فتوى. - .. انتو مشايخ ھذا المھجع ، ھلق تجتمعوا وبطالعوا فتوى ، موبس لھذا المھجع ، فتوى لكل المھ

.

تخلص وصدرت ة ال ا طريق ه ، نظم مھجعن ى السجن بكامل وى عل فتوى بأغلبية اربعة ضد واحد ، عممت الفت

ر وم عش ل ي د ، ك ل الزائ ن األك ي وم ريفه ف ه ، تص ز ، مرس ع الخب دة : نق تھم الوحي ا مھم ا دوري ن شخص

المرحاض ، ھو وكل المواد األخرى ، الرز والبرغل والبطاطا والبيض .

دخول حدثت أزمة من نوع أخر ولكنھا اخف، أصبح على الشخص أن ينتظر مدة طويلة حتى يأتي دوره في ال

إلى المرحاض لقضاء الحاجة !.

أيلول 29ا ، خف ذ شھر تقريب يال من انعتھم تعاد يوسف " مجنون القائد " لزيارتي ، لقد تحسن وضعي في المھجع قل مم

له عن زيارتي .

ل مو اكر قب ى استيقظت في الصباح الب ادي بساعة او ساعتين عل تيقاظ الع ألم بشدةأعد االس ين رجل يت ه .ن ان

ي اري ف راش،ج وى الف و يتل ه وھ ى بطن ده عل ان يضع ي ا،ك دا ألم اول جاھ تم أيح ه،ات نأن يك نظرت ألم

ذي أ.. حولي. ى أنا الوحيد ال تيقظ عل رة أس ي مباشرة ، ھي الم ه ، نظر ال ىنين ا األول االتي تلتقي فيھ ، أعينن

ت ديدة ، ولكن كيف ؟!... تلف ي بمساعدته ش دة ، رغبت ألم بش حولي نظرته تحتوي على نداء استغاثة لرجل يت

ين فراشي وفراشه أكثرورغم انه كان قد ترك مسافة حائرا، ه ك إالمن خمسة وعشرين سنتمترا ب ا اان ن قريب

م أن أھممت جدا، د، لكن ل اذا يري نفس الوقت عرف كيف افعأسأله عما به وم ك !، وب ه أشاحل ذل يبوجھ ال

يأتوه بطبيب ، أن، دقائق كانت طويلة ... استيقظ العديد من السجناء ، اقتربوا منه ، طلب منھم األخرالطرف

استفسر منه وسأله وھو يفحصه عما به: األطباءحد أحضر

ح موت يا دكتور!!. لم ما بينطاق ... راأمغص ... مغص شديد يادكتور ... مصاريني عم تتقطع، -

خالل ساعة اجتمع ثالثة من االطباء عند ابو حسين رئيس المھجع :

ه، أالتھاب حاد بالزائدة الدودية، ال نعرف الزمن الذي يمكن - تم إن تنفجر في م ي سعافه سريعا واجراء إذا ل

عملية جراحية الستئصال الزائدة فھي حتما ستنفجر وسيموت المريض.

طباء، التفت الى المريض ... تساءل وكأنه يحادث نفسه :األ نظر ابو حسين الى

يأايه ... والحل ؟ ... الزم نالقي حل ... - ه من رقبت ... !ظن ما في غير حل واحد ... منشان شيل خطيت

ك ا ؟... ول ردوا علين رى رح ي ندق الباب ونطلب طبيب السجن، ھذا كل شيء اقدر اساويه ... بس ياھل ت

68

ة وحدة !... و خلينا ندق الباب ا مسخ هللا !... شو أويللي بدو يصير يصير !!... ھي موت رد م ر من الق كت

رأيكم بھالحكي؟.

متل ما بدك يا ابو حسين. -

و شحاطة دق ابو حسين الباب، الشرطة والبلديات في الساحة يوزعون طعام االفطار، جاء صوت الرقيب " اب

:"

مين ھـ الكلب يللي عم يدق الباب ؟. -

مر ھام.بو حسين برقم المھجع، وان الدكتور سمير يريد طبيب السجن ألأ خبرهأ

بو حسين لسمير:ألى جانب ابو حسين بانتظار طبيب السجن، قال إفوجئ الدكتور سمير بذلك لكنه وقف

وك ويجوز إوهللا يا دكتور ... كيف طلع اسمك معي مابعرف !!... يجوز - لھام من هللا، وانت صاروا يعرف

منك.يسمعوا

ابع عالج عشرات الحاالت التي دكتور سمير يت سماھا مستعصية، أكان مرض السل في اواخره وال زال ال

على احتكاك دائم مع الشرطة.فھو ولذلك

اته، فتح ن أم ويحاول كبح لن الوقت الزال مبكرا، جاري يعتصر من األاستغرق مجئ الطبيب اكثر من ساعة أل

تدعائه، شرح مامه الطبيب واأالباب وظھر لمساعد وبعض الشرطة، سأل الطبيب الدكتور سمير عن سبب اس

دار ظھره ومشى، المساعد رمق سمير بنظرة طويلة وقال:أمر، لكن طبيب السجن لم يتكلم ابدا، له سمير األ

ا من أمشان زائدة دودية عملتوا كل ھـ الضجة ؟!... صحيح ھـ الكلب معه زائدة بس انت معك ناقصة، و - ن

ع لبره.النك ما تنعطى وجه ... طإان حاسس زم

بو حسين:أخرج الدكتور سمير الى خارج المھجع ، وخاطب المساعد

مين دق الباب ... وال خرى؟ -

انا يا سيدي دقيت الباب. -

طالع لبره كمان يا كلب ... يا ابن الكالب. -

جئ الھليوكوبتر توقف الضرب خرج ابو حسين ايضا واغلق الباب، نصف ساعة كنا نسمع صراخھما، ومع م

وادخلوھما المھجع.

مشان هللا يادكتور ال تواخذني !... انا سببتلك ھـ العقوبة، انا يللي ورطتك. -

ضحك الدكتور سمير وھو يحجل في مشيته، ربت على كتف ابو حسين:

ي بسيطة ابو حسين بسيطة ... ھنن كم كرباج !... راح سجلن دين عليك واستوفيھن انشاء هللا - ره ... يعن ب

قدام ام حسين، المھم ھلق شو بدنا نساوي بالمريض؟.

طرح ھذا السؤال على مستوى المھجع كله، كثرت االقتراحات، كثرت التعليقات والتساؤالت:

العمى ... بدي افھم !... ليش عالجونا من السل، وما بعالجونا من الزائدة الدودية؟. -

69

م، يا اخي ... الزم نفھمھا منيح ... - رق معھ ا بتف ي فراطة، اذا مات م ا السل أالزائدة شخص واحد، يعن م

ل ه نحن مث جماعي ، يعني جملة، اذا ماتوا كل الناس ھون ھذا مو من مصلحة ھـ الحكومة بنت الكلب الن

الرھائن عندھا، تضغط على الناس يللي بره بھالرھائن.

دم خاللھ - اه لم يدم النقاش والحوار اكثر من عشردقائق، تق يم القسمات، عين ا طبيب كھل اشيب الشعر وس

صغيرتان براقتان، جلس على فراش ابو حسين، قال:

ي طبيب جر - دة تعرف يا ابو حسين ان ة للمريض بستأصل الزائ ة جراحي ق ساوي عملي ا بحسن ھل اح، ان

ا ا نفيھا، لكن يلزمني بعض االشياء، وكم اس كلھ دام الن ول ق ىإالزم المريض يق ة عل مسؤوليته ن العملي

ھو.

ى إمسك يد الطبيب وسحبه أن يجيب ابو حسين أدون ا ال ي، جلس ى يمين لى عند المريض، انتقال من يساري ال

بو حسين للطبيب:أجانبه، قال

احكي له، شو بدك منه. -

ا - رة بسيطة اذا م ة، وخالل فت شوف يا اخي، راح كون صريح معك، انت معك التھاب حاد بالزائدة الدودي

ة، لكن بھذي الظروف ساوينا ع ملية جراحية راح تنفجر وتموت، في عندنا فرصة نساويلك عملية جراحي

ه نسبة النجاح إخلينا نقول ين الموت أن ا ب اس كلھ دام الن ار ق دك تخت ق انت ب ة، وھل ل من خمسين بالمي ق

المؤكد، وبين الموت المحتمل.

عن الطبيب. امام الناس كل مسؤولية ىواختار المريض الموت المحتمل، نف

ابلغ الطبيب ابو حسين بمستلزمات العملية:

دكتور - وي التي استطاع ال وب المضاد الحي ح، يوجد بعض حب يوجد قماش نظيف، يوجد كحول، يوجد مل

و بعض أسمير ا نحتاجه ھ ن م ار، لك د ن د خيطان، يوج ر خياطة، يوج د اب ا، يوج ل الشرطة عنھ ن يغاف

ط !!.االشياء المعدنية لنحولھا الى مشار

ال ما يظھر على السطح.إن تلصصي لم ير أنني كنت غافال وأمع ظھور كل ھذه االشياء تبين

ال مقصات أظافر في –افرھم بھذا االسمنت ظالتلييس الداخلي للمھجع كان ذا اسمنت خشن والجميع يدرمون ا

د من –السجن ار العدي م صنع وابتك ياء، فمن قطع عظم االسمنت يستخدم كمبرد، وعلى ھذا االسمنت ت األش

ومإصغيرة تم صنع وم ... ي ى الجدار ... ي ه عل دأ بحك ام، يبر الخياطة، يمسك احدھم العظم ويب ى إن.. اي ن أل

تح ائبي بف وم الشخص وبصبر عج ى الحائط، يق يأخذ شكل االبرة، وبواسطة مسمار يكون قد تم برده ايضا عل

روة ، وت ر ث ا ثقب االبرة ، " المسمار ھنا يعتب اك عشرات المسامير في المھجع " ، الخيطان امرھ ين ان ھن ب

سھل ، ينسلون قطعة قماش ، بصبر وھدوء يغزلون الخيطان الرفيعة من جديد وحسب الطلب .

ا انتبھت الي إوقتھ ى ب م يخطر عل رأت ، " كيف ل د اھت ونھا ق ي يلبس اب الت م الثي ى ان معظ اءل عن أل ن اتس

ا ا ثي ا الوسيلة التي يرقعون بھ ورك وأبھم ؟!" ، علم ركبتين وال د ال رأ عن د اھت ان ق أمس أن بنطالي ك ضحى ب

الحاجة الى ترقيع .

70

تكية " –او باالتفاق بينھم جميعا –الكحول : بعض االطباء قاموا بتخمير المربى في بعض المرطبانات البالس

كنه كحول .كيف حصلوا عليھا ؟؟!" وتحول السائل الى كحول ، قد تكون نسبته قليلة ل

عمم ابو حسين االمر على المھجع :

كل من لديه قطعة معدنية مھما كان نوعھا او شكلھا ليأت بھا . -

وظھرت المعادن ، مسامير ، قطعة نقدية من فئة الليرة عليھا صورة رئيس الدولة ، اربع علب سردين فارغة

خاتم ذھبي " خاتم زواج " . ،! اسالك معدنية

ن؟... أسترتي الداخلي ، تحسست الساعة ، مددت يدي الى جيب م ... ولكن لم مسكت بھا، يجب ان اعطيھا لھ

دا أھل سيقبلونھا ؟ ... دة ج م انھم سيقذفون بھا على وجھي باعتبارھا نجسة من شخص نجس ؟ ! ساعتي مفي

ى ا ال ة يسھل تحويلھ ة رقيق دني مؤلف من قطع معدني ـ " الكستك " المع ذلك دوات ألھذا االمر ، ف ادة ، وك ح

د انتشروا انوا ق دة اشخاص ك ة ، ع غطاؤھا الخلفي ، وحتى زجاجھا اذا لزم االمر، وطال ترددي دقائق طويل

وبيد كل منھم قطعة معدنية ما يبردھا حسب توجيھات الطبيب ، تم فرش بطانية امام المغاسل حيث ال يستطيع

اقش الحارس على السطح ان يرى شيئا ، واستلقى المريض وھو ة ، الطبيب الجراح يتن يتأوه على ھذه البطاني

مع مجموعة من االطباء وسط المھجع .

ألوا عن ن يس ه ان يجدوھا بسھولة ، ولكن ال حزمت امري ، سأغافلھم واضع الساعة في مكان يستطيعون في

عتقد .أنھا لي ؟ ... ال أن اجيبھم بأستطيع أصاحب ھذه الساعة ؟ ، ھل

عطيتھا له . القائد " يزورني في ھذه اللحظة أل لو ان يوسف " مجنون

ليكن ما يكون ، وقفت ومشيت باتجاه الطبيب الجراح ، دون اية كلمة مددت يدي بالساعة اليه .

ده د ي بطء م بوغت الجميع ، سكتوا ، نظر الجراح في عيني مباشرة ، عيناه عسليتان دافئتان دھشتان قليال ، وب

: وتناول الساعة مني ، قال

شكرا . -

ثم التفت الى االطباء وھو يقلب الساعة ، قال :

ھلق صار فينا نبدأ ، ھـ الساعة راح تساعدنا كثير . -

اني وجلست ى مك ل من النشوة ،عدت ال ذه ،قلي د كل ھ ة " شكرا " بع ع كلم ل من الرضى ، استرجع وق قلي

مباشرة ، ال يشيح بنظره قرفا واشمئزازا السنوات " احدھم " يشكرني ، يخاطبني مباشرة وھو ينظر في عيني

وحقدا .

أة رد والشحذ ، فج ة الب وا في عملي ذين انھمك ى بعض السجناء ال وزع الطبيب قطع الساعة و " الكستك " عل

اب ، ي الب اح ف ع المفت ت تذيعأقرق ة ، توقف تة محاكم دام وس ة اع ا ، ثالث ن مھجعن خاص م عة اش ماء تس اس

راء العمالتحضيرات إل اس ، ج وا الن دام ، صلوا ، ودع ون باالع ا المحكم اعة ، توضأ خاللھ ن س ر م ة اكث لي

خلعوا الثياب الجيدة وارتدوا ثيابا بالية ، فتح الباب ... خرجوا .

ا شباب أل - ابع الشغل ي ا نت ة هللا ، خلون يھم رحم اد ممكن يتحمل اللھم احسن ختامنا ، عل ا ع ه المريض م ن

اكثر من ھيك .

71

تعدادات ، انتھى توجه الطبيب انوا يقومون باالس الجراح بھذه الكلمات الى بعض االطباء والى الشباب الذين ك

تجھيز المشارط ، توجه الطبيب ومعه بعض الشباب الى حيث يستلقي المريض متألما امام المغاسل .

ة ، وقلت ان من حقي ان ارى ، ت ة الجراحي د ان ارى اجراء العملي ى تملكني الفضول ، اري تمھال ال مشيت م

اض ن المرح ت م ير ، خرج ون بالتحض خاص منھمك رة اش والي عش اض ، ح ى المرح ت ال داخل ، دخل ال

راقب .أوانزويت جانبا ، لم ينتبه إلي احد ، اخذت

دو دھن ، يب وء بال تيكي ممل يس بالس ن أك ه م ام ، ينقون طح الطع ى س د عل دھن المتجم ون ال انوا يجمع م ك نھ

ألالشوائب ويضعونه ف ا ي الكيس ، م د ان فتلوھ ة قماش بع ه قطع دھن وغرزوا في وا احدى علب السردين بال

وق جيدا ، اخرج احدھم علبة كبريت واشعل الفتيل ، " من اين الكبريت ؟!" ، اشتعلت النار مدخنة ، وضعوا ف

دخان المت ى ال انوا ينفخون عل ه " المشارط " ، ك اء وب دھن النار علبة سردين اخرى مملوءة بالم صاعد من ال

ويحاولون توزيعه قدر االمكان كي ال يصعد الى السطح ويشمه الحارس ، بعد قليل غلت المياه فتعقمت ادوات

الجراحة .

ه نفس رك ب ا ف ا رطب م احضر ملح اء والصابون ، ث د غسل بطن المريض بالم في ھذه االثناء كان الطبيب ق

داء ا ى ارات دأ باصدار المكان ، غسل يديه جيدا واصر عل رة صوته وب ة ، تغيرت نب ل اجراء العملي ة قب لكمام

االوامر :

ما في عنا مخدر ... لذلك بدك تتحمل االلم وال تتحرك ابدا . -

تعالوا انتو االربعة ، امسكوه بقوة ، كل واحد من طرف . -

ار المش د االخر ، اخت دا بع ا واح دأ بتجريبھ ة السردين وب رط المصنوع من اخرج الطبيب المشارط من علب

غطاء ساعتي ، جربه على اظفر ابھامه ، قال :

يا يا اخي ، توكلنا على هللا ، يا شباب ثبتوه منيح وال تخلوه يتحرك ابدا . -

وضع المشرط على بطن المريض " بسم هللا الرحمن الرحيم "، .وحز جرحا بطول عشرة سنتيمترات تقريبا

آخ يا امي . -

يتحرك . صاح المريض ولكنه لم

ات من دة حب تح ع ه ، ف د خياطة الجرح مسحه ونظف ة ، وبع ان الطبيب يعمل بسرعة فائق ة ، ك انتھت العملي

المضاد الحيوي وافرغ المسحوق فوق الجرح ، ثم قطعة قماش نظيفة وربطه جيدا .

انشاء هللا معافى يا اخي ، يا شباب احملوه على فرشته . -

ياء ت بنطال بيجدعدت الى فراشي فوج ذه االش ة وخيطان ، امسكت بھ رة عظمي ا اب ا وقطعتي قماش فوقھم ام

ذين ان الحد ال ه ك ذه االغراض ؟ البنطال عرفت نظرت حولي ولكن لم يكن ھناك احد يلحظني ، من وضع ھ

عدموا اليوم ، لكن من وضعه على فراشي ؟ .أ

افرا دركت االمر ، لقد اعطوني ھذه االشياء ، ھل ھي مكافأة ؟ أبعد قليل ا ك ھل يعني ھذا انني لم اعد جاسوس

نطق بحرف قال بحدة شعرت انھا مفتعلة :أمام وجھه وقبل ان أ؟! التفت الى ابو حسين ، رفعت االشياء بيدي

الك ... ھدول الك ... ماداموا على فرشتك يعني الك . -

72

بس بنطال أام ، ممن يومھا احسست ان وضعي قد تحسن قليال ، رقعت بنطالي من الخلف ومن األ صبحت ال

البيجاما عندما اغسل بنطالي ، اصبح يوسف "مجنون القائد" يزورني مجددا دون ممانعات .

صبح يمشي بشكل طبيعي .أن وبعد مرور شھر على اجراء العملية فان الرجل تعافى واآل

" لكنه سيعدم بعد حوالي السنة شنقا ".

كانون الثاني 1ى الصباح ، البارحة كان عيد رأس ا ذه المناسبة حت ون بھ ان يحتفل ذا المك ا ألسنة ، اغلب الناس خارج ھ ا ھن م

أفأعتقد يئا وم ش ذا الي ه ھ ي ل ذي يعن رد جارح ، لبست بنطال .ني الوحيد ال ع ، الب ام الجمي ة المساء ن ذ بداي من

ي ... لففت البيجاما وفوقه بنطالي والسترة ، تغطيت بالبطانيات لكن ال جدوى ، قداماي مثلجتان ، انفي ... اذن

نفسي جيدا وغطيت رأسي، ھذا البرد الصحراوي اللعين ... برد كنصل الشفرة .

ى ه ال رب من ت الھ ان أحاول ار المك ي اختي يال ف ت قل ا ، تعب نة م رأس س ھرة ل ت س ي ، رتب حالم

بة ، الموسيقا ، الرقص ... جو المرح شرطعمة واألشخاص ، انا نجم السھرة بال منازع ، المائدة مليئة باألواأل

اللون األأ ،قف خلف زجاج النافذةأوالنكات، الثلج يتساقط في الخارج، يض، رقب اشجار الصنوبروقد تكللت ب ب

غطية ناعمة اللمس !!.أحس بالترف، وبنفس الوقت بالتعب، سريروثيروأالدفء داخل المنزل يحيطني ...

زحت الغطاء قليال، حككت يدي ببعضھما، نفخت أ !.لبرد ان تحلم بالدفءمستحيل ... غير ممكن في ظل ھذا ا

عليھما، فركت قدمي بقوة عل الدماء تسري فيھما ! .

ل سمعت اصوات عند منتصف اللي ة ونظرت من الثقب ، الساحة أفي الساحة ا ا ، تغطيت بالبطاني ام مھجعن م

تبقى مضاءة ليال نھارا ، ھناك في الساحة جمھرة مضاءة كالعادة ، كل ساحات واسطح ومھاجع وسور السجن

ي اعد ف دا ، المس تائم .. امعنت النظر جي رة ، ضحك .. صياح .. ش رة من الشرطة يصدرون ضجة كبي كبي

وسط الساحة تحيط به مجموعة من الرقباء .

بعض يبسم تاحسس تيقظ ، ال د اس ع ق ان الجمي ة ك ل ، بحركة داخل المھجع ، نظرت من تحت البطاني ل ويحوق

البعض يردد عبارات مثل : يالطيف .. ياستار .. اللھم مرر ھذه الليلة على خير !!.

ذه أكان المساعد وشلته قد اقتربوا قليال من مھجعنا الذي يعتبر من عدت للنظر الى الساحة، كبر المھاجع في ھ

. وخرجنا .خراج السجناء الى الساحةإالساحة ، طلب من الشرطة فتح الباب و

ن يبتعد الواحد عن االخر أ وامرأرتاال وأمرونا ان نخلعه ، صفونا أخرجنا حفاة عراة ، حتى السروال الداخلي

نستغل عرينا لنلوط بعضنا !. ن الأخطوتين .. و

ول ة تق ر إ" وردت رسالة قبل بضعة ايام عن طريق المورس من الساحة الثاني د اجب ا منيك ) ق ن الرقيب ( ي

ه !!".اخأوط سجينا ان يل

[ لماذا تركز الشرطة على ھذه المسألة كثيرا ؟!] .

الشرطة والرقباء والمساعد جميعا يرتدون المعاطف العسكرية وقد لفوا رؤوسھم باللفحات الصوفية ، المساعد

مام الصف ، الشرطة يضبطون االصطفاف : وقف باستعداد وال ... نزل راسك .. أوذھابا ة يتمشى جيئ

ح شمالية خفيفة ولكنھا قارسة ، اعتقد ان درجة الحرارة تحت الصفر ببضع درجات .الري

73

ا وخالل ا اال نتحرك ، عناصر الشرطة يمشون حولن دمين ، امرون بللونا بالمياه من الرأس وحتى اخمص الق

صفوفنا وبايدھم الكرابيج والعصي .

دير بدأ المساعد خطبة طويلة ، وقفته والكثير من عباراته وجمل ه وحركاته ھي تقليد وتكرار لحركات واقوال م

ه الم كل ا الع ه بالسجن بينم السجن ، ثالثة ارباع الخطبة شتائم مقذعة ، وقد بدأھا بتحميل السجناء مسؤولية بقائ

وا كل المسؤولية وا وترك وا ليحتفل ل ، الضباط ذھب يحتفل ، ولوال اننا موجودون ھنا حاليا لكان ھو ايضا يحتف

" رجل ذو اھمية تاريخية !" . .اتقهعلى ع

ن يعطي اية تعليمات بشأننا .أانھى خطبته وغادر الساحة وقد شد صدره الى الخلف ، دون

بقى واقفا .تماسك ألأصوت اصطكاك االسنان مسموع بشكل واضح الجميع يرتجف بردا ، انا بالكاد

ن ھناك سؤاال طاف بأذھان الجميع .أظن أ

ل ھ - ة ك ا نھاي ى م ة ال نعود ثاني ل س دة ؟... ھ زرة جدي ة لمج ي مقدم ل ھ ا ؟... ھ يفعلون بن اذا س ذا ؟... م

مھجعـ"نا" ؟!.

ا ، تيمة ، صمت مطبق ال يخدشه اال صوت خطوات الشرطة وھي تتمشى حولن ال كلمة ، ال صراخ ، ال ش

دل رزت العصي وت وبھم وب ذه حتى ايديھم التي يحملون بھا الكرابيج والعصي دسوھا في جي رابيج من ھ ت الك

الجيوب .

تقيم ارتجاف الجسد ... الخدر يزداد وينتشر ، االلم يتعمم ويتعمق ، االسنان تصطك ، من اللسان وحتى المس

ى .ليس من الجسدكل ھذا ن ، ان ، القدمان ، الكفاواحد ، االنف ، االذن د عل اء فتتجم ردا وبك دموع ب تتساقط ال

سقط ارضا ؟.أوالسؤال : متى س الخدين وزوايا الفم المرتجف ،

وب ، أيسقط دي من الجي دى سقوطه ، تخرج االي ة ل ع عناصر الشرطة عن الحرك ي ، يوقف جمي حدھم قبل

:وينطلق بضعة عناصر ، يجرون السجين الذي سقط الى امام الصف حيث يتجمع الرقباء ، يقول احد الرقباء

وه .يا ... دف -

ه ، يسقط نحأتنھال الكرابيج على جميع رابيج يمنع ع الك خر ... آاء جسده المتخشب ، يحاول الوقوف ولكن وق

خر.آخر ... وآيجر الى حيث التدفئة ، و

ا أ ا يجري واع وجالد نفسي خوفا من السقوط ، يحدث انفصال تام بين العقل والجسد ، عقلي صاف تمام كل م

نف واجد وع مع المخاط السائل من األما ، تختلط الدما جسدي فينفصل عني شيئا فشيئا خدرا وتجمدأحولي ،

نفي ... حتى لو استجابت يدي !.ألى إجرؤ على رفع يدي أصعوبة بالتنفس ، ال

وسقطت ... سقطت دون ان افقد الوعي وجروني الى امام الصف .

م الجسدي ... لكن رد وألقد جربت وعاينت الكثير من صنوف االل ل .أن تساط في الب مر ال يمكن أ.. نت مبل

وصفه .

ةآمع بزوغ ضوء الفجر وسقوط ى .خر شخص وتدفئته من قبل الشرطة انتھت الحفل ا المھجع ركضا عل دخلن

ا أظن أايقاع الكرابيج ، ركضنا بخفة ورشاقة وكنت ن سمعت أنني لن استطيع النھوض عن االرض ، لكن م

74

وة !... مر بالدخول ورأيت الكرابيج تھوي حتى قفزت ، " لطالاأل ذه الق ما تساءلت بيني وبين نفسي عن منبع ھ

المقاومة ؟".

را م كثي ھذه المرة رأيت فرحا حقيقيا على وجوه الناس بخالصھم من مجھول كانوا يخشون وقوعه في دواخلھ

، وخلف ھذا الفرح تراكمت طبقة جديدة من حقد اسود تزداد سماكتھا بازدياد االلم والذل .

حزيران 5ذه أما أكثر مما يتكلم ، أذنين اثنين حتى يسمع أو ا واحد ما◌ ن هللا خلق لالنسان فإقديما قيل نا فقد كنت طوال ھ

ذان .عشرات اآلبالسنوات بال فم و

ل أكالم ... كالم ... كالم ... بيادر و ذنإھرامات مكدسة من الكالم ، انق دة أل ا ة المھجع البعي ى زاوي م ال سمع ب

اجع ، ال يتحدثون ، االذن ائل من المھ رد رس اذا ي ى حائط المورس ، م ا ال ي ، فقط أاالخرى انقلھ حرك عين

رآن !"، واألاذني ، األ دا من الق ة ذن الثالثة تنتقل الى حيث حلقة حفظ القرآن ، " لقد حفظت الكثير ج ذن الرابع

... الخامسة .

دي ال نا ، أسمع صوتي أشتاق الى ان أحن الى الكالم ، أفمي مقفل ، م ، ألأحتى عندما يجلس يوسف عن ه تكل ن

ا تكون الجمل مترابطة ، دأ الكالم ، احيان ى يب ا ان يجلس حت يئا ، م أله ش ى اس ببساطة ال يتيح لي المجال حت

احيانا مجرد تخاريف ، لكن ال فواصل وال توقفات ، وعلى االغلب ينھض مغادرا وھو يتابع الحديث .

ا ا... الجميع يتكلم والجميع يسمع ، وأل كالم ... كالم ... كالم ن إو بصوت خافت فأن الكالم دائما يكون ھمس

الطنين ، ال اتمجموع ھذه الھمس اليتحول الى شيئ ال ھو باألزيز وال ھو ب ھسيس ... ھو شيء بالفحيح وال ب

ذي يتحول ا يشبه الطاآمن كل ھذا ، يدخل االذنين ومنه الى الرأس ال ى م وم ال ا خر الي سة الفارغة ، شيء م

ذه أكالطبل ، نقر على رأسي بأصابعي فأسمع الرنين ، حتى بعد ان ينام الجميع وتسكت االصوات كلھا تبقى ھ

الضجة المكتومة تحوم داخل االذن وتقرع جدران الرأس.

احلم احد احالمي الصغيرة ، وقد صغرت كل احالمي :

وم واحد فقط في زنزاأحلم ... أ - ة ، في صمت مطبق ، ال ضجيج ، ال نظرات ن اعيش ولو لي ة انفرادي ن

نام خالله نوما عميقا .أعداء ، ال نظرات احتقار ، و

م ... - ة ، أن أاحل اخنة المتدفق اه الس ار والمي ا بالبخ وق ، محاط ام الس ي حم ط ف دة فق رة واح و لم تحم ول س

والمكيس والمدلك .

كل سندويشة واشرب العيران .آ، ن اقف على الرصيف امام محل للفالفل أحلم ... أ -

ل ، سير أاحلم ... - ادىء ظلي ر شخص ن اسير في شارع ھ ا محددا ، وغي عاطل متبطل ، ال يقصد مكان

محدد بزمن معين .

ن استيقظ مغطيا رأسي باللحاف .أارفض دالال انأاحلم ... بأمي وھي توقظني صباحا ، و -

صباح الخير . احلم ... بشخص ... أي شخص ، يقول لي -

كالم ... كالم... كالم... ، منذ عشرة ايام كل الكالم يدور حول موضوع واحد ھو الزيارة !.

75

ادة ، يسمعان ه الرسائل ع رد من منذ عشرة ايام قرب اثنان من السجناء في المھجع رأسيھما من الجدارالذي ت

ربعة اشخاص خلفھما :النقرات ويبلغانھا أل

: -البرقية –ع " المھجع " ، وھكذا الى ان اكتملت الرسالة –ج –ه –م –ل -اياء " في " ، –فاء -

تته زيارة ، وقد حضر كل اھله !" .أحد االخوة أ" في المھجع الواحد والعشرين

د ان يد الموقف ، بع ذھول س ى أفي البداية كان ال بعض ينظر ال اد الصمت ، ال ع س ى الجمي الة عل ذيعت الرس

بعض ، اعقب م الوقت ، او ال وه لمعظ د نس انوا ق ع ماك ذكر الجمي اھمة ، ت ا نظرات س تھ يانه ، أ ى نس روا عل جب

ارة والنجاسة ، ة والطھ دأ بالمرحاض والحنفي ردات فقط ، تب ى عشرات المف وي عل قاموس حياتھم اصبح يحت

ا من ،وتنتھي عند الكرباج واالسماء المحلية للشرطة ، اما الصالة والقرآن ى لغوي ، على ما فيھم يصبح فغن

ليا ال يستدعي اشغال الفكر .آتردادھما

ع ذكر الجمي اة أت اك حي ي ن ھن ا ھ وي الضئيل ، وانھ اموس اللغ ذا الق ارج ھ ان ، وخ ذا المك ارج ھ اخرى خ

االصل ، وما ھم فيه طارىء عابر .

رأة الزوجيذھب الخيال الى حيث األ ة ، الم وة مھيمن رأة بق رأة االم ... االخت ھل واالحبة ، تحضر الم ة ، الم

... االبنة ، ويسود وجوم رمادي حامض ، تثور التساؤالت الممضة والحارقة عن المصائر ؟!.

زمن ل بطيء ، وال الماضي الزمن في السجن زمنان ، يستتبعھما احساسان متناقضان ، الزمن الراھن ... ثقي

ع ، تنتبه فجأة وتسأل نفسك :، ما مضى من ايام وشھور وسنين السجن ... زمن خفيف سري

االھي - زمن ، ي ذا ال م اشعر بھ ة ل ماذا ؟ ! ... اصبح لي في السجن خمس سنوات ، سبع ، عشر ؟! الحقيق

كيف مضت ھذه السنون بسرعة البرق !!.

ام د االي ك الوقت لتع اح ل ا يت ة قلم ة التفاصيل اليومي ه في زحم اتج عن ان ذا االحساس ن تفكر ، وتعرف ان ھ

ام والسنو دأت عد االي ذلك اذا ب ا سوف تضعف ، وك ات ، وھذا كالجلد بالكرباج ، اذا بدأت عد الضربات حتم

وتسجيلھا خطا وراء خط على الحائط ، حتما سوف تضعف ، او ... تجن !.

ه االتصال مع المھجع الواحد كسر ابو حسين الصمت بعد دقائق قليلة ، نادى احد جماعة المورس وطلب من

ع ، ام ھي بالواسطة ، ام الرشوة والعشري ارات للجمي ن واالستفسار عن الزيارة ، كيف اتت ، ھل فتحت الزي

. ؟... كيف تعامل الشرطة مع االمر ، ھل احضر االھل اغراضا ... الخ

لية الزيارة ، ھناك الكثير من االغراض ، البسة واطعمة ونقود ، السجين آوجاء الجواب ، ال يعرفون شيئا عن

ھب الى الزيارة وعاد دون ان يضربه احد .ذ

اء ألقى مدير السجن خطابا ، تحدث فيه عن انسانيته ورحمته وان قلبه ينفطر أبعد ثالثة ايام رى ابن دما ي لما عن

وطنه في ھذه الحالة !! وقال :

الي السجناء االإھله أكل من تأتيه زيارة منكم عليه ان يطلب من - ون من اھ خرين لكي خبار كل من يعرف

يسعوا الى زيارته وبنفس الطريقة .

ا ا فيھ ى التي يخاطبن رة االول لكن ماھي الطريقة ؟... لم يعرف احد ، ولم يجرؤ على السؤال احد ، وكانت الم

مفتوحة ورؤوسنا ليست منكسة الى االسفل . ونناوعي

76

ي ، ادوه باسمه الثالث دهللا ، ن و عب ا ، اب ارة لشخص من مھجعن وم اتت زي ي الي م الثالث ا يعرف االس ا قلم وھن

لشخص ما ، فالكل ينادون بعضھم بـ " ابو " ، ابو حسين ، ابو عبدهللا ، ابو علي ، ابو احمد ...

لباس ابو عبدهللا افضل ثياب في المھجع ، طلب الشرطة من ابو عبدهللا ان يلبس ثيابا جيدة ، وتبارى الجميع إل

ن ر م د اكث اد بع دهللا وع و عب ا ، وقف بمنتصف ذھب اب ا مخضوضا يتصبب عرق اد الھث اعة ، ع نصف س

ديات ا والبل زال مفتوح اب المھجع الي دا ، ب رى اح دو كمن ال ي ع ، ولكن يب ى الجمي المھجع يتلفت وينظر ال

يدخلون االغراض بجاطات بالستيك ، بعد ان اغلق الشرطة الباب قال شخص الخر :

ن جاطا !!.وخمسة وثمانماشاء هللا ... ما شاء هللا ، -

ابو عبدهللا يتلقى التھاني من الجميع وھو الزال واقفا كالمأخوذ :

مبروك ابو عبدهللا ... مبروك الزيارة . -

هللا يبارك فيكم ... عقبال عندكم . -

مبروك ابو عبدهللا ... كيف االھل ؟. -

الحمد بخير ... يسلمون على الجميع . -

المبروك " والتفت فجأة الى ابو حسين ، قال : قطع ابو عبدهللا سلسلة "

كيلو ذھب ... كيلو ذھب ياابو حسين !! ... هللا وكيلك كيلو ذھب . -

فوجئ ابو حسين ، نظر الى ابو عبدهللا بتمعن ، وزن االمور قليال ، ثم سأل :

خير ابو عبدهللا ... خير ، شو قصة ھـ الكيلو ذھب ؟. -

... كل زيارة بكيلو ذھب . الزيارة يا ابو حسين الزيارة -

لة الى جانب صوت ابو حسين :ائفارتفعت عدة اصوات متس

شو !!... كيلو ذھب كل زيارة ؟ -

و ذھب ، وام حنعم كيلو ذھب ، سألت اھلي قالوا لي ، الزم امك ترو - ا كيل دير السجن تأخذ معھ د ام م لعن

مدير السجن تعطي ورقة زيارة !!.

ابو عبدهللا : اراد ابو حسين ان يھون على

و - م ان داك ... المھ و ذھب ف دهللا ... كيل و عب و اب غلة شول ـ الش ه ھ ك ، اي وا علي افوك وتطمن ك وش فت اھل

م انت روح وبيجي ، المھ دين ب ال وسخ اي ذھب... الم و ال ذھب واب بتساوي اموال الدنيا كلھا ، هللا يلعن ال

ب الذھب .وصحتك واھلك ، الذھب مو مھم المھم البني ادم اللي بجي

ايه وهللا صحيح ... ايه وهللا صحيح ياابو حسين !. -

يومھا انا دخت ... سكرت ... حتى ان عيني قد غامتا ... تشوشتا ...!.

نھم ... دون أي ات م ذون الجاط دائيون ويأخ رج الف ع ، يخ اب المھج ى ب ات حت ون الجاط انوا ينقل ديات ك البل

لمو ع ويس ل المھج ا داخ ة ھنضرب !... يفرغونھ س الداخلي ة ، خاصة المالب ن االلبس ر م ديات ... الكثي ا للبل

اك من ه سر أالصيفية والشتوية ، كأن ھن ر من الخضار والفواك ر ... الكثي ا ، والكثي أذان االھل عن حاجاتن ب

التي يمكن ان تؤكل نيئة .

77

ى انفي ، ثالث ما اسكرني ... كان الخيار ... الخيار بلونه االخضر ، انسابت روائحه وعطوره جاطات من ةال

ار ال صغيرا اخضر أالخي كلة ت ي مش د عن ر بعي ع غي ا وسط المھج ن فرغوھ ر م ل صغير احم ه ت ى جانب ، ال

ارة ، ودون ان ر الزي ذھوال من اث البندورة ، رائحة الخيار مألت المھجع ، الجميع كان فرحا ، ابو عبدهللا كان م

ا رائحة افكر او اعي بما اقوم به مشيت وجل ار االخضر ، انحنيت وشممت بعمق ، انھ ل الخي ى جانب ت ست ال

قتھا ا من انفي وتنش الطبيعة ... انھا رائحة الحياة ، اخضراره ھو اخضرار الحياة ذاتھا ، امسكت واحدة وادنيتھ

بعمق ، اغمضت عيوني واعتقد ان مالمحي كلھا كانت تبتسم .

ه ك ج كيان أ ، القيت كان كل ھذا اشبه بزلزال ، ارت م اعب ون تحدق بي ... ل ة من العي ي واذ بغاب ه ، فتحت عين ل

الخيارة على كومة الخيار ، مشيت الى فراشي ، تمددت ، غطيت رأسي ... وبكيت بصمت .

م يال ... ول اء اراحني قل يئا ، البك د ان ارى ش دا ، ال اري د ان ارى اح ة ، ال اري دة ساعات تحت البطاني بقيت ع

ن البث طويال ة م ة متنوع ام فراشي مجموع ان ام ة وجلست ، ك تيقظت عصرا رفعت البطاني ى نمت ، اس حت

اخرة ، بعض انصاف الوة ف ة بق دني ، قطع ز م االغراض ... " نصف خيارة ، نصف حبة بندورة ، رغيف خب

ي شتوي من الصوف ، غي ار داخل ا رياضية ، غي ان االلبسة ... بيجام م ك ي حبات الفاكھة ، ولكن االھ ار داخل

صيفي ، جوارب صوفية ... ثم شحاطة !".

كل د تش يئا ، وق دمي ش ى ك تطوال كل ھذه السنوات ومنذ ان اخذوا حذائي بمركز المخابرات لم انتعل بق مل اعل

قدمي من االسفل طبقة سميكة من اللحم الميت المتقرن المتشقق ... واالن ھا ھي شحاطة !.

لحصة أي سجين اخر منھم ، الاكثر وال اقل . نظرت حولي ، واضح ان حصتي مساوية

ون ا يكرھ م جميع ا يحتقرون( ھ م جميع ور ني ، ھ ي االم ن ف ذا صحيح ، ولك ل ھ ي ... ك د قتل ي ، بعضھم يري ن

الحياتية ... كانوا عادلين معي ) .

اخذت االغراض ، رتبتھا كوسادة ... اكلت ، ولكن لم اشأ ان اكل نصف الخيارة .

حزيران 6ود ال أني وج ادة صباحا ، فاج تيقظت كالع أخرة واس اعة مت ي س وم اال ف تطع الن م اس افال ، ل ا ح ان يوم ة ك بارح

قطعتين من الخيار " نصفين " الى جانب النصف الخاص بي ، ثالثة انصاف ... واستنجت ان ھناك شخصين قد

م ي ار !... ل ي احب الخي ا انن د تنازال عن حصتھما من الخيار لي !!... ظن ه ... ق ه ... لون ار برائحت ا ان الخي عرف

استحضر الحياة بكل ثقلھا الى نفس كانت قد نسيت الحياة !.

ن على اظھار ھذا التعاطف !.ؤااثنان منـ "ھم" يتعاطفان معي ! ... ولكن ال يجر

داخلي قليل من الراحة واالطمئنان ، نظرت حولي ، ھل أستطيع تمييزھما ؟ .

ل العيون كابية .كل الوجوه مغلقة ، ك

اذار 8ذا بقي ا ، وھك ام مھجعن ا أم احة ، أوقفون ى الس وم ال ا الي ادة أخرجون ذ ة كالع جن تصدح من ة الس اجع ، إذاع المھ

ى احد ة ال ة مكتوب ه ، اعطوا ورق ه وشجاعته وبطوالت ى بحكمت ة وتتغن الصباح باألغاني التي تمجد رئيس الدول

78

ات ردد نحن وراالسجناء بھا بعض الشعارات والھتاف ا ون دم ، يسقط ءيصرخ بھ الروح وال رئيس ب ه : سنفدي ال

االخوان المسلمون عمالء االمبريالية ...

دل ة ت ة اشارة او ممانع نھم اي در م م تب لم يكن السجناء يرون أي غضاضة بالھتاف ضد انفسھم ، او على االقل ل

شيء من ھذا . ھتفون باصوات عالية جدا ال يستشف منھا أييعلى ذلك ، كانوا

ا في ان السجناء ام تختلف عن غيرھ ھذه االحتفاالت تجري كل عام مرتين او ثالث مرات ، واحتفاالت ھذا الع

د .اليوم كانوا ال ينفكون يحكون ويھرشون اجسادھم : انه الجرب اف واخر ، يم ين ھت ين تصفيق وتصفيق ، ب ب

السجين يده ليحك جسده .

ل بدأ الجرب منذ خمسة اشھر تق ي كنت من اوائ د نجوت من التھاب السحايا ومن السل اال انن ا ، وكنت ق ريب

ين تالط ب ر ان االخ ي االم ب ف ه ، والغري مل السجن كل م وانتشر ليش ا ع رعان م ذي س الجرب ، ال المصابين ب

.المھاجع ممنوع منعا باتا ، فكيف يمكن ان ينتشر وباء ما يبدأ في احد المھاجع ليعم السجن كله !!

ة را ، خاصة نظاف ة كثي واالغرب من ھذا ان مستوى النظافة ھنا يعتبر جيدا ، فالمساجين عموما يھتمون بالنظاف

ذه ل والجرب ان تنتشر بھ ل القم ياء مث ن الش ارة والصالة ، فكيف يمك ي للطھ ا شرط دين اب النھ د والثي الجس

الكثافة ؟!.

ر نھم ، ظھ ا م د بضعة اشخاص وان أة عن دأالجرب فج م ب ات الجس ى ثني د ال م امت ين االصابع ث ر ب ا ظھ اول م

ذ زداد عدد المصابين ، وواضح من وم يمر ي االخرى ، كان عذابا مضنيا كالنار عندما تسري في الجسد ، كل ي

ليم فھي عبث ال البداية ان اية عملية وقاية ال جدوى منھا ، مھما كانت االحتياطات المتخذة من قبل الشخص الس

ه .طائل تحت

ة ، ورد االمريكي لالمراض الجلدي ل الب دكتور وھو زمي ذا ال دكتور غسان االمر ، ھ ه منذ اليوم االول حدد ال ل

دخل في أي را ، ال يت ا كثي رم ھن مؤلفات كثيرة ويعتبر عالما في اخصاصه على المستوى العالمي ، شخص محت

خير في الطب لكل االطباء الذين في المھجع .وھو المرجع اال مسألة ال تعنيه ، يترفع كثيرا عن الصغائر،

و راش اب ين فراشي وف و حسين ، وقف ب د اب ه واتجه لعن دوء من مكان ام بھ فحص الحاالت االولى للمرض ، ق

حسين ، القى التحية :

السالم عليكم يا ابو حسين . -

قفز ابو حسين احتراما وھو يرد التحية :

اھال وسھال ... اھلين دكتور ... تفضل ... تفضل ... استريح .وعليكم السالم ورحمة هللا وبركاته ، -

جلس الدكتور غسان ، وبمنتھى الھدوء بلغ االمر البو حسين ، ختم حديثه قائال :

اه ، والعالج بسيط ، اخي - ا عالجن انين اذا م ا جرب ھذا الجرب سريع العدوى ، خالل ايام راح نكون كلن

اني طايق احكي ابو حسين ... خذ اجراءاتك ... ـ الساقط طبيب السجن !، م د عن ھ بس انا خليني بعي

معه وال كلمة ... مفھوم ؟.

ا م يشاھد جالس اومأ ابو حسين برأسه موافقا ، عندھا قام الدكتور فورا الى فراشه الذي ال يغادره ابدا ، فھو ل

سجين اخر وكان ذلك للضرورة . عند احد ، وھذه ھي المرة االولى التي يقوم فيھا بالجلوس على فراش

79

فيما ھو يغادرالتفت نحوي ، سار خطوتين ثم توقف ، اتجه نحوي ، جلس على فراشي وھو يقول :

السالم عليكم ... يا اخي . -

ال ادري كيف اجبته مبھوتا وبصوت انا نفسي لم اسمعه :

وعليكم السالم ورحمة هللا وبركاته . -

تمد ايديك حتى افحصھم . ممكن ... يا اخي من بعد فضلك... -

ابع ،بحركة الية مددت كفي الى االمام ، امسك بھما ه يت ال كان و حسين وق ى اب باعد بين االصابع ثم التفت ال

حديثا انقطع :

شايف ابو حسين.. وھاي االخ جارك كمان مصاب !، وانا ماشي شفته عم يحك وعرفت انه مصاب . -

م - ا ... اللھ وة اال ب ن ال حول وال ق ا ولك ا حمال خفيف م ال تعطن ذه المحن ، اللھ ل كل ھ ى تحم ا عل اعن

اعطنا ظھرا قويا ، يارب انت السميع المجيب .

بعد ان انھى ابو حسين الدعاء قال الدكتور : آمين ، ثم التفت الي :

ء حاول انك يا اخي حاول اال تحك ... مھما حكك جسمك حاول ال تحك ، وحتى يفرجھا هللا ويتأمن الدوا -

تغسل ايديك دائما بالماء والصابون ، وارجو لك من هللا الشفاء ، وال تخاف ھذا المرض مزعج بس مانو

خطير .

وذھب .

ان ا ؟... اذا ك ( ياهللا ... ما ھذه العذوبة ؟... ما ھذه الرقة ؟... ما ھذه االنسانية ؟... ھل ھو ال يعرف من ان

ر ... كذلك ، فھذا يثبت انه انسان كبي ر ... كبي ه انسان كبي ذا يثبت ان ا ... فھ ر !... اما اذا كان يعرف من ان

) . ا واليخشى احد

ا العالج ولكن وا لن مرت االيام ، ثم االسابيع ، وابو حسين يحاول مع ادارة السجن وطبيب السجن ان يؤمن

خر مرة قدم فيھا الطبيب قام بزجر ابو حسين وتھديده :وآدون جدوى ،

دين ال العمى - ه والك ... قاع ر ، اي ة وينتھي االم وية حك و جرب ! ... ش ه ھ ك ... صرعتنا ، اي بعيون

شغلة وال عملة ... اكل ومرعى وقلة صنعة ، خليھم يتسلوا بالحك ... احسن ما يملوا !.

وذھب .

قد مرة اربعة اشھر على بداية المرض ، وظل ابو حسين يحاول . تكان

دة التي " اما انا فقد شفيت بع ة الوحي ة مرضي ، كيف ؟ ... ال اعرف ، كنت الحال د حوالي الشھر من بداي

ى المغاسل اغسل كل االجزاء وم ال دكتور غسان ، كنت كل نصف ساعة اق ه ال ا قال شفيت ، فقط اتبعت م

اكن ى ام ين واضعه عل ى كشط الصابون الرطب الل د ال م اصبحت اعم دا ، ث المصابة بالماء والصابون جي

ضع كل ألي النظيف واحضر سروأنام أبدا ، حتى عندما أحك جسمي أتركه الى اليوم الثاني ، لم أصابة واال

ا أيد في طرف من السروال ، و ه متعاكس ذلك إظل الف د ، وب ى ان يصبح السروال كالقي ي ال أل د انن حك أتأك

ى و ائمأحت ا ن أة .ن ى فج أة اختف ي فج ر المرض عل ا ظھ ا فرصة ب .وكم فاء واغتنمتھ ن الش دت م د ان تأك ع

لمحادثة الدكتور غسان ، ذھبت اليه وابلغته انني شفيت ، اكتفى بھز رأسه !.

80

و حسين اء بحضور اب دكتور غسان مع مجموعة من االطب ديثا لل را ، سمعت ح تطور مرض الجرب كثي

د ان وكان حديثه موجھ ا ، وبع م افھمھ ة التي ل ة والالتيني ابير الطبي د من التع ى العدي احتوى عل ا لالطباء ، ف

ا عدد انواع الجرب خلص الى نتيجة انه ال يوجد عبر تاريخ الطب ان سجلت حاالت كالحاالت التي يرونھ

ھنا سجل حاالت / بثرة ، بينما300ھنا ، وذكر ان اقسى انواع الجرب ھو ان يكون لدى المريض حوالي /

ى ح3000احتوت على اكثر من / ذا ھو احد االسباب التي ادت ال وث د/ بثرة تغطي كامل الجسم ، وان ھ

ه نتيجة ة الشرج ، وان وفيات بالجرب ، ونبه الى حالة خطرة وھي انتشار المرض داخل االليتين وعلى فوھ

دة ى حدوث جروح عدي ذي ادى ال ة وال ك المنطق ي تلل ة للحك القاسي ف ول فتح ودة ح رات الموج دد البث بع

داد ى انس ا ادى ال دم مم ر ال د تخث د الصقتھا ببعضھا بع ان الجروح ق الشرج ، ونتيجة لتقارب ھذه البثرات ف

ة لحضور احد الشرج ... ومن ثم الى الوفاة الستحالة طرح الفضالت من الجسم ، وتمنى لو ان ھناك امكاني

ومعاينة ھذه الحاالت الشاذة . معاھد البحث الطبي المتطورة لمراقبة

طلب الدكتور غسان من ابو حسين تشكيل فرقة تمريض مھمتھا ربط المرضى الذين ينتشر الجرب لديھم في

الشرج من ايديھم لمنعھم من حك انفسھم ، ثم طلب منه معاودة جھوده مع ادارة السجن .

ان التفكيرأمنذ خمسة ايام وفي الصباح ك و حسين مستغرقا ب دكتور غسان ، ب ى ال تفض وذھب ال أة ان ، فج

في المھجع كله وھو يردد : أبو حسين جال ھاتحدث معه قليال والدكتور يھز برأسه ، بعد

شباب ... كل شخص اتته زيارة مدعو لالجتماع عندي ، كل اربعة ... خمسة يجوا سوا . -

ارات ، ولمع تھم زي د ات ا ق ين شخص من مھجعن د تكوت كان ھناك حوالي ثالث ارة ق ذه الزي ة االھل ان ھ رف

ة ل ، خاصة لجھ تقبلي طوي زمن مس د يحتاجه ول ا ق د سجينھم بم استثنائية ويتيمة فانھم كانوا يحاولون تزوي

ذا أااللبسة والنقود ، وتبين لي ن اھالي المساجين االسالميين عموما ھم من الفئة الميسورة في المجتمع ، ولھ

بعض عطي لسجين كأقل مبلغ أفان رة ، وال ا أان مئتي الف لي ذلك اصبح في مھجعن ر، ول ك بكثي ر من ذل كث

ان بعض ھر ،" ك تة اش والي الس ارات ح تمرت الزي د اس يء ، وق راء أي ش ال لش رات وال مج ين اللي مالي

ي جن ، وف دير الس دى م بح ل ب اص و ذھ م كيل وا ك ي يعرف ارات لك دد الزي ون ع ة يحصون ويحفظ الحفظ

وقف الزيارات كان العدد قد وصل الى ستمائة وخمسة وستين كيلو ذھباإلحصاء االخير بعد ت ". ا

وقد توقفت الزيارات نتيجة النتقال مدير السجن وحلول نائبه محله في اإلدارة ، ولم يكن توقف الزيارات ھو

ع األولى النتيجة الوحيدة النتقال مدير السجن بل كان ھناك نتيجة أخرى ، اذ وردت برقية مورس من المھاج

تقول :

ارا من ه اعتب م ان " لقد جمع مدير السجن الجديد جميع عناصر ورقباء الشرطة العاملين داخل السجن وابلغھ

ادي اء موجودا في –ھذا اليوم ال يحق للعنصر الع م يكن أحد الرقب ل أي سجين اذا ل وم بقت دي أن يق الجن

اء الساحة ، التعذيب ، الضرب ، السحل ...كل ھذا ليس م شكلة، لكن الموت ال يجوز إال بحضور أحد الرقب

"

اعتبر الجميع عندھا ان المدير الجديد أفضل وأكثر انسانية من المدير القديم .

81

من خمسة أشخاص لعند أبو حسين ، بعد التحية والسالم والمجامالت وكأنھم يزورونه في مجموعة أتت أول

وضوع دون مقدمات فيما الجميع يھرشون ويحكون :بيته دعاھم للجلوس وبادرھم فورا بفتح الم

بدنا منكم يا شباب .. تبرعات في سبيل هللا . -

سكت الخمسة قليال ، ثم قال أحدھم :

غ - األموال ، المبل دك تعمل ب يا أبو حسين ... أرواحنا وأموالنا في سبيل هللا ، بس أشرح ، قول أوال شو ب

المطلوب ... موالزم نعرف ؟!.

تعرفوا ... لكن ما بدھا ذكاء كثير ، هللا خلق األموال وأعطانا إياھا منشان نصرفھا ونشتري طبعا الزم -

بھا .

طيب شو بدك تشتري ؟. -

بدي اشتري طبيب ... دكتور . -

دكتور...؟!! -

وضحك الجميع .

ة - ذه الدول م بھ ذا الطريق ... وبسالمة فھمك ر ھ ا في غي نعم دكتور ... بدي اشتري طبيب السجن ..! م

ومن فوق لتحت كل واحد له سعر ، وما بظن ان ھذا الدكتور غير شكل ، كلھم عم يلھطوا ، ونحن خلينا

نملي جيب ھـ الدكتور منشان يجيب لنا دواء للجرب ، ونخلص أمــة محمد من ھذه البلوة .

تح محترم، عندھا طلب من الرقي جتماعات وأصبح بحوزة أبو حسين مبلغ وافقه الجميع وتتالت اال دما ف ب عن

الباب مجيء الطبيب ألمر ھام !.

كان الطبيب حانقا عندما فتح الباب ، وصاح بوجه أبو حسين :

دنا دواء - ا عن ك م رة قلت ل ا كلب ، صار ألف م اذا كنت طالبني منشان الجرب ... بدي كسر عظامك ي

جرب ، ھات لشوف ... شو بدك ؟.

ك وا - ان هللا ... بس طول بال يدي ... منش ا س الفترة ي ا بتعرف نحن ب ل م يدي مت ا س سمعني شوي ... ي

الماضية اجتنا زيارات وصار في عندنا مصاري كتير ... ومثل ما أنت شايف ... نحن ھون المصاري

ما تلزمنا ألنه ممنوع نشتري أي شيء .

انوا لتقاط الطعم فالتفت الى الشاكان ھذا ھو الطعم الذي ألقاه أبو حسين للطبيب ، وبدأ الطبيب ب ذين ك رطة ال

بتعاد ، قال :يحيطون به وأمرھم باال

دكم ... شو ممكن - ا عن دكم مصاري أو م ان عن ـ العالك ... اذا ك ا شو عالقتي بكل ھ ايه طيب ... وأن

أعملك ؟!.

ذه - ه هللا ... ھ ر لوج اعدتنا كثي انية ، وس ك انس ه هللا ... انت رجل كل ه لوج دمنا ھالخدم يدي ... اخ ا س ي

يش اذا المرة كمان ساعدنا ... اشتري لنا الدواء على حسابنا ... حتى لو كان من السوق السودا ... ومعل

كان الدواء غالي ، نحن مستعدين نشتريه بضعفين أو حتى ثالثة ... خدمة لوجه هللا يا سيدي .

وتحولت لھجة الطبيب فورا من الحنق والغضب الى اللين الثعلبي :

82

الدوا غالي كتير ؟ لكن ... انت تعرف أن ھذا -

معليش يا سيدي ... مھما كان غالي الثمن ، بس يكون كافي لكل ھـ الناس ، ألن الكل جربانين . -

طيب ... تعال لھون شوي . -

أخرج الطبيب أبو حسين الى خارج المھجع ، تكلما بصوت خافت ، وتمت الصفقة .

ة ذ ثالث ة ، ومن ا بعد يومين أتى الدواء بالصناديق الكرتوني انوا مصابين أم ال وأن اس سواء ك ع الن ام وجمي أي

منھم بدأوا العالج بـ البنزوات " بناء على تعليمات الدكتور غسان المشددة ، وتحت رقابته الصارمة " .

تم تھيئة خمس مقاصير بالبطانيات يدخل الواحد خلفھا ويبدأ بفرك كل جسمه بـ البنزوات .

ھر النتائج االيجابية .خالل ھذه الفترة القصيرة بدأت تظ

وعلق أحد األشخاص : تم ابالغ المھاجع األخرى ، والجميع أتم الصفقة مع الطبيب الذي أصبح مليونيرا،

اذا سألوا طبيب السجن شي مرة ، كيف صرت مليونير ، الزم يقول : الجرب حولني من شخص جربان -

الى مليونير .

يكون مفيد وكويس .بس يا أخي الحظ ان الفساد في بعض األحيان -

تموز 23رغم مرور كل ھذه السنوات بقيت قابعا في قوقعتي أتلصص على الداخل والخارج ، داخل المھجع وخارجه

، ولكن مع مرور األيام قل أھتمامي بكثير من األشياء نتيجة لمعرفتي التامة بھا .

ات وي آي كل عف ا رددت بش دا ولطالم رآن جي ورا حفظت الق ة من وس ى طويل ا حت ه ، حفظت الصلوات كلھ

ات ات الجماع ى خالف تمعت ال راويح ... اس الة الت ازة ، وص الة الجن وف ، ص الة الخ ا كص ة منھ الطارئ

م أعد ذا ل الھم ... لكل ھ اتھم ... آم الھم ، طموح رھم ، ردود أفع ة تفكي ام الشرعية ، آلي المختلفة حول األحك

قوقعة .أركز ذھني كثيرا عندما أنظر من خالل فتحة ال

ات اجع األخرى ... العقوب نفس المھ ى خارج المھجع ، مرأى ت كذلك عندما أطل بنظري من خالل الثقب ال

... التعذيب ... كله أضحى عاديا ... يوميا .

ان د ، وك ألوف ... لشيء جدي ر م ا ھو غي ا لم لكن كنت أداوم يوميا على النظر خالل الثقب انتظارا وتوقع

ه في مدرسة واحدة ، على األغلب يوجد شيء درب علي د ت جديد ، فالتعذيب وان كان ذا نمط معمم والكل ق

يئا ه ش رد ، فكل رقيب ... كل شرطي يضفي من ذات ذات ، ذات كل ف اال انه يبقى ھناك شيء له عالقة بال

ة اإل ى خان تطيع ان نضيفه ال دا نس يئا جدي ق ش ابه ، فيخل ل المتش ى العم ةبخاصا عل حة ابداعي داع ، " مس

بالتعذيب !! " .

ه أرة من أمام منذ أكثر من سنة وخالل تنفس أحد المھاجع ، كان أحد الرقباء واقفا في ظل الحائط ، مرت ف

ا وأمسكھا بواسطة ديال ورقي ه من فھرسھا ببوطه العسكري ، معست الفأرة وماتت ، أخرج الرقيب من جيب

دور مال ي ت اجين الت رب من صفوف المس ا ، اقت ديل من ذيلھ ى ن د السجناء ال عل احة ، أمسك بأح حول الس

التعيين وأجبره على ابتالع الفأرة ، ابتلع السجين الفأرة .

83

تھم ال ن وق ا م زءا مھم رطة ج اء وعناصر الش وم صرف الرقب ك الي ذ ذل ران والصراصير من صطياد الفئ

اره " إوالسحالي و د ألول رقيب جبار السجناء على ابتالعھا ، كلھم قاموا بھذا العمل ولكن ابتك ابداعه " عائ

قام بھذا العمل .

عدمات ، رغم أنني أدمنت مراقبتھا اال أنھا لم تعد تحمل نفس الشحنة من التوجس والرھبة .حتى اإل

تم تثبيت الال واھھم ، يقاد المحكوم عليھم باالعدام الى أمام المشانق ، يقيدون بعد أن ي ى أف صق العريض عل

ى ، صعود كل دفعة ثمانية أشخاص ، ت ة األول زال الدفع اب ، ارتخاء الجسد ، ان رتفع المشانق ، تنحني الرق

الدفعة الثانية ...

وه ، ى الوج ال ال ة األفع ن مراقب ي م ورت مراقبت دومين ، تط ديات ومع رطة وبل ع ، ش ب الجمي ت أراق كن

د ، تشف ، سراال ع ، حق ذة نفعاالت ، ردود الفعل ... ما يرتسم على الوجه من خوف ، ھل تمتاع ، ل ور ، اس

...

... "الوحش"

وحش ، شاب في ه ال انوا ينادون الجميع ابتداء من رفاقه البلديات الى جميع عناصر الشرطة حتى المساعد ك

ة ائة والستين سنتمترا ولكن عرض أكتافه قد يتجاوز الماالخامسة والعشرين تقريبا ، قد ال يتجاوز طوله الم ئ

ماكت نتمترا ، س رين س ن والعش ع ، م دو كمرب ف يب ام والخل ن األم نتمترا ، م بعين س تين أو س غ الس د تبل ه ق

وق ا ف ى م د واحدة ال ع سجينا بي الجانب يبدو كصندوق ، مفتول العضالت ، شاھدته في احدى المرات يرف

رأسه ، قوي جدا ، ال يغيب أبدا عن أية اعدامات ، ويلعب دورا فعاال فيھا ، جميع عناصر الشرطة يعتمدون

عليه .

ى في أحدى حفالت األ ا ال ة ورفعوھ ة الثاني اب الدفع عدام وبعد أن أنزلو الدفعة األولى وضعوا الحبال في رق

ده ة معدومين األعلى ، سبع أبى أن يموت ، جس ان ي امن يصارع ، ك ادھم ، وبقي الث من ثمانية ارتخت أجس

دة ، أب ائق ولكن روحه كانت عني ع دق بط ، انتظر الجمي دل ويلع ه يحاول أن مت ت أن تخرج ، يحرك رجلي

ال اإل ى ، وط ى األعل ده ال ع بجس ار ، احساس باإليرتف اعد نتظ ع ، المس اب الجمي نفس ينت اق وضيق الت ختن

ة ... وصاح تلمس رقبته بيده اليمنى وفركھا ، الجسد المعلق في الھواء يصارع ، أخذت ألھث تحت البطاني

المساعد :

.. خليه يرتاح .يا وحش خلصنا من ھـ الشغلة ! -

ق ان السجين المعل ى األسفل ، ك ده ال ه وأخذ يش ادة –تقدم الوحش ، وقف تحته وأمسك برجلي بس –كالع يل

ابع ثيابا رثة .. أسماال ، ولذلك عندما شده الى االسفل انشدت الثياب واصبح السجين عاريا بجزئه السفلي ، ت

د الوحش الشد ، يشد ... ويشد ... ونجح اخيرا ، دو ان مصرته الشرجية ق ه يب ور موت مات السجين ، لكن ف

ائلة رة وس ة الفضالت كبي ارتخت نھائيا فأفرغ كل ما في امعائه فوق الوحش الذي ال زال يشد ، وكانت كمي

ه ع ، قھق ى الجمي ى الخلف واخذ ينظر ال وحش ال ... غطت الوحش ، رأسه ، وجھه ، صدره ، ... رجع ال

استوعب االمر ، قال وھو يضحك : المساعد وكان اول من

84

كان اسمك الوحش ... بس ھلق صار اسمك الوحش ابو خريه !. -

ضحك الجميع كثيرا ، حتى انا ضحكت بصوت مسموع .

اه ن ال يخش وحش وم ه ال ه ينادون افون بطش ونه ويخ ذين يخش ه ال مان ، رفاق وحش اس ا اصبح لل ن يومھ م

" . والجنود والرقباء ينادونه بـ " ابو خريه

الجنود والرقباء اغلبھم من المجندين الذين يؤدون الخدمة العسكرية ومدتھا سنتان ونصف ، االغلبية الساحقة

نھم واحد منھم ھم من ابناء الجبال والساحل ، لھجتھم ثقيلة وتصرفاتھم غليظة وجلفة ، ويستحيل ان يوجد بي

انھ دين ف ونھم مجن ية ، وك رة والرئيس دن الكبي اء الم تم من ابن دة ي نة الواح رون بشكل دوري ، في الس م يتغي

أتي د ذا فكل ستة اشھر ت دارس الشرطة العسكرية ، لھ تم تسريح دورة وتخريج دورتين من م دة وي رة جدي

قديمة .

وا دما دخل ود ، عن رة جن اء وعش ة رقب ة عشر عنصرا ، ثالث انوا ثالث ة اشھر اتت اخر دورة ، ك ذ اربع من

ا ساحتنا ھبط قلبي بين قدم اس الشرطة العسكرية ، عنم ان يسير اخي االصغر سامر بلب ي ، ففي المقدمة ك

اقتربوا اكثر تبينت انه شخص يشبه اخي كثيرا ، اسميته في سري " سامر" بينما السجناء االخرون سموه "

االعوج " النه كان يميل برأسه دوما الى جھة اليمين .

الجدد القيام بأي عمل على صعيد التعذيب او االعدامات ، يتركونھم في البداية ال تطلب االدارة من العناصر

ين من االمساك ا يكون الجدد متھيب م وقوف ، ودائم ا يجري وھ حوالي الشھر فقط يحضرون ويشاھدون م

ون بمشاركتھم تكون ضرباتھم حفيفة ومرتبكة .ؤمضي الشھر وعندما يبدبعد بالكرباج او العصي ، وحتى

وا من بعضھم يوقفونھم على مبعدة من المشانق، في االعدامات ما ان تبدأ عملية الشنق حتى يكونوا قد اقترب

ا ضاكثر ، اصفرت وجوھھم ، البعض يرتجف ويغ دة مم بعض االخر يصاب بتقلصات في المع النظر وال

يجعله يتقيأ .

يئا روا ش م ي أنھم ل ه وك املون مع ك فيتع رون كل ذل دماء ي ة المساعد والعناصر الق دام الثاني ة االع ، مع حفل

ون ، يصبحون طبيعيين كباقي زمالئھم . ؤوالثالثة ... يسترخون ، يتجر

ه ت ان ى خل دة حت أ بش دام تقي ة اع دما حضر اول حفل ا ، عن ه دائم ت اراقب وج " وكن امر " االع ب س الرقي

ة االعدامات ، س ه سيخرج امعاءه ، جلس على االرض وقد غطى عينيه بيديه الى نھاي ان من زمالئ اعده اثن

على النھوض وقاداه من تحت ابطيه الى خارج الساحة .

ده عصا طولھ دا ، بي ه ااخر حفلة اعدام حضرھا كان نشيطا ج ى وجھ ه وعل ازح زمالئ ر ، يم ر من مت اكث

ام احد المشنوقين واخذ يؤرجحه ، وضع العصا ابتسامة دائمة ، عند االنتھاء من اخر وجبة اعدام وقف ام

ى آلى االرض ع خذا وضعية المالكم جاعال من الجثة المعلقة كيس رمل ، اخذ يوجه لھا اللكمات ، صاح عل

الوحش :

وحش وال وحش ... تعال ھون . -

ركض الوحش لعنده .

نعم سيدي . -

85

شوف ھـ الكلب ... صار له ربع ساعة معلق من رقبته ولسا ما مات ، شده من رجليه ... خليه يرتاح . -

يال ضحك د وجم قل وحش فق ا ال العناصر والبلديات الذين سمعوا ھذا الحديث متذكرين ما حصل للوحش ، ام

وھو ينظر الى سامر .

شباط 24وفر بعض رد ت زل في الصحراء ، وخفف حدة الب ا تن رة قلم ھذا الشتاء كان باردا جدا ، نزلت امطار غزي

االلبسة وخاصة الجوارب الصوفية .

ه ، عشرمضى ھذا الشت ان ، ضمن ةاء كما مضت الشتاءات االخرى قبل ا جالس في نفس المك تاءات وان ش

ة التي كانت ة الفدائي ر من الوجوه حولي ،الفرق ه ، تغيرت كثي نفس الجدران ، الى جانبي الباب االسود ذات

ي ار السن ، والت كانت موجودة تقوم بادخال الطعام والتطوع للذھاب لتلقي العقوبات بدال عن المرضى وكب

و ا ، اب ابوا جميع وا ... غ تال او مرضا ، ذھب نقا او ق ا ش ا احد ، ام ق منھ م يب ى المھجع ، ل دومي ال لحظة ق

ع يحسين رئيس المھجع الحالي اصبح حاجباه ابيض ي ارى الجمي ة شعرة بيضاء، رغم انن ن ولم يكن بھما اي

تطيع نوات ، اس ر س ل عش ورھم قب ترجاع ص ي باس ا ولكن ى يومي اة عل ار المعان زمن واث ار ال ح اث ان الم

وجوھھم ، ترى كيف اصبح وجھي ؟!.

ة . آلو كسرة من مر

ادم ى الق ذا المھجع ، حت أتون يال نعرف شيئا مطلقا عما يجري في عالم ما ھو خارج ھ وا ي م يكون ن الجدد ل

ة في مراك ة او اربع نتين او ثالث د امضى س ابرات،من الحياة مباشرة ، اغلبھم يكون ق ى ز المخ وھؤالء عل

ان المساجين ناالغلب من قيادات التنظيمات ، يبقو ك ف ھم في فروع المخابرات لضرورات التحقيق ، رغم ذل

دة وطازجة ر جدي ة تعتب نتين او اربع ل س ار قب ار ، فاالخب د من االخب يظلون اياما عديدة يسألونھم عن الجدي

قياسا باخبار ما قبل عشر سنوات .

ا فھمت بطال من من ھؤال ان كم راء الجماعة المتشددة ، وك اع " واحد من أم و القعق ادمين الجدد " اب ء الق

ذ لمجموعة ابطال العمليات العسكرية التي قام بھا التنظيم ضد السلطات الحكومية ، وانه كان المخطط والمنف

من االعمال الجريئة التي القت الرعب في صفوف رجال االمن والمخابرات .

ا ان جبان ه ك ول : ان ين اشخاص من التنظيمات االخرى تق لكن بعد ذلك سرى ھمس خافت داخل المھجع ب

ذي واء ال ى كامل الل اء القبض عل ى الق جدا في التحقيق وان تعاونه مع المخابرات واعترافاته امامھم ادت ال

دوه كان يقوده وعدده اربعمائة مقاتل ، وقد اعدموا جميعا ، وان ھؤالء الم ه ، وع قاتلين كانوا ناقمين جدا علي

ا وا و مسقخائن ه ھ وم ب ل يجب ان يق ان اول عم نھم سيخرج من السجن ف د م ا " ان أي واح ا جماعي وا يمين

تصفية ابو القعقاع " .

ولكن لم يخرج أي واحد منھم .

بمجئ ابو القعقاع فقد المھجع ھدوءه وسالمه الداخلي .

86

ة في المھجع كان اول ما فعله ابو ا د اصبحوا اقلي انوا ق ى اعضاء التنظيم ، وھؤالء ك ه عل لقعقاع ھو تعرف

نھم ا م ة أي نتيجة النزيف المستمر بين صفوفھم ، وھم بالكاد يعدون اربعين شخصا ، لم يكن يعرف في البداي

دا دا ، خالل ، فلم يسبق ان كان تحت امرته واحد من الموجودين ھنا ، بعد ان تعرف عليھم زارھم واح واح

يومين كان ينتقل من فراش الى فراش ، بعد ذلك اخذ يعقد اجتماعات ، في اول اجتماع الول مجموعة الحظ

ة دأ برواي اله احد ، ب ة طرانھم متحفظون تجاھه ، ودون ان يس ان يق ه ك ر حديث ه واكث ه والتحقيق مع اعتقال

بالعربية الفصحى :

وا " ... وھيك استمر تبادل اطالق النا ر بيننا وبينھم اربع ساعات ، كنا نحن في الطابق الرابع وكانوا قد احتل

ة هللا، يھم رحم ة اخوة عل ان معي ثالث ذ ، وك ا تنف جميع االسطحة والشوارع المحيطة ببنايتنا ، بدأت ذخيرتن

شباب ، كل واحد من ال -وقرأ جميع الحاضرين الفاتحة ومسحوا وجوھھم –الفاتحة على روحھم يا اخواني

درج ، ى ال زول عل استلم شباك من شبابيك البيت ، انا استلمت الباب ، منعت ايا من المجرمين الصعود و الن

ذفت -ار، بي ، جي -لكن بعد اربع ساعات استخدموا ضدنا الـ ا انق بابيك ، ان ة من احد الش وا القذيف ، ادخل

ة ا الشباب الثالث م اصب ، ام درج ول ى ال ة ا -صمت قصير -عل واھم الجن م اجعل مث ين -للھ دھا -آم عن

درج ، كل عسكري ى ال قررت االنسحاب من الحركة رغم الحصار ، حملت معي خمسة مخازن ونزلت عل

كان قدامي بعثته الى جھنم ، صرت بالشارع ، ركضت وانا ارش الطلقات يمينا وشماال حتى اصبت ، واحد

ا صابت كلب كان بزاوية الشارع وجه لي صلية رصاص ، اصبت بثالث طلقات ، واحدة في الفخذ باللحم م

وق االذن ا -العظم ، واحدة مسحت راسي مسحا ف وق االذن خال -ھاي محلھ ا ف م خطا طوالني واراھ ا من ي

ن ظھري ى وخرجت م ة اليمن وق الرئ ة اصابت صدري ف ان دخول -الشعر، الثالث ان مك ع قميصه وب خل

دي ، -خروجھا ، حفرة كبيرة الطلقة ، حفرة صغيرة ، ومكان ، وقعت على االرض وطارت البارودة من ي

مديت يدي لكي اسحب قنبلة يدوية ... ما لحقت ، كانوا صاروا فوقي والسبطانات موجھة الى رأسي .

د ى ؤمباشرة اخذوني الى فرع المخابرات ، لم يضمدوا جروحي ، ابت ة عل ورا ، رفضت االجاب وا التحقيق ف

ا لم يتم اسعافي الى المشفى ، قال لي ضابط التحقيق وھو يبتسم : أي سؤال اذ

تكرم شواربك وذقنك ... ھلق راح نسعفك !. -

رة وا لة كبي ا من داحضروا حبال رفيعا ومتينا ضموه في مس ة واخرجوھ ان دخول الطلق لة في مك وا المس خل

م رفعوني وعلقوني بواسطة الحبل ، أخذ سحبوا الحبل وعقدوه عقدة متينة ث ھا،ءمكان خروجھا والحبل ورا

انوا وق ، غبت عن الوعي عدة مرات وھم يرشقوني بالماء ألصحشنالحبل يحز اللحم وأحسست انني سأ ، ك

دو يريدون معلومات سريعة ، رغم ذلك رفضت أن أعطيھم حتى اسمي ، كانت اآلالم فوق طاقة البشر ، ويب

إن وضع أن عظم الكتف قد أوقف الحبل، أصبح ثقل ه ، ولحد اآلن ف زاح من مكان دأ ين ه ، ب جسمي كله علي

كتفي ويدي غير طبيعي .

ا كنت ا وسجالتنا ، لطالم ع وثائقن لم يدم األمر طويال ألنھم في ھذه الفترة كانوا قد فتشوا الشقة ووجدوا جمي

نھم وجدوا سوأحذر المسؤ ة ، لك ة وثيق ه هللا وسامحه ـ أال يحتفظ بأي الي ـ رحم ه ل الم د دون في ان ق جال ك

87

ع اإل قة ... من أسماء جمي ود االيجار الخاصة بكل ش كنونھا وعق ي يس وة ومصاريفھم ، أجور الشقق الت خ

خالل ھذا السجل وفي الليل كانوا قد اعتقلوا الجميع . "

اوز ا تج رعان م ة ، وس تھم البت ر م ه غي دفاع وكأن رة لل ة نب ل أي ة ، ال تحم ردية عادي ة س تكلم بطريق ان ي ك

اني االعتقال وتوابعه وابتدأ حديثا دينيا متينا عن اإلموضوع اال ستشھاد يمان وقوته والجھاد وضرورته ، مع

ت اقش ، والتف ا ال ين د أصبح زعيم ان ق وم اال وك ذا الي نقض ھ م ي ا ، ول ة ومحتوياتھ رة ، الجن دار اآلخ ، ال

الجماعة المتشددة حوله بقوة .

دأ با ة ب ام التالي رة أي الل العش ود خ يخ محم ا الش ي اليھ ي ينتم ة الت رى ، خاصة المجموع ات األخ لمجموع

ى الوسائل ل ال اح المسلح ، تمي العنف والكف ؤمن ب والدكتور زاھي ، وھي مجموعة نقيض للمتشددين ، ال ت

السلمية .

فھا آر دة مس ا بش ق اءھاجمھ ى الطري دايتھم ال ه ھ اش علني " ألن من واجب ى سجال ونق ارھم ال ا كب ا ودع ھ

اع ا ك ، ب ى شخص مثل نا بحاجة ال لقويم " وكان رد فعلھم عنيفا ومترفعا ، رفضوا أي حوار معه " نحن لس

ارة عن دراويش أنھم عب م ب ذين اتھمھ ان رد الجماعات الصوفية ال ذلك ك دينا ." ك ى يھ نفسه للمخابرات حت

. وجھلة " وأصحاب بدع في االسالم . " وأنھم قد أھملوا ركن الجھاد في االسالم

اقي المھجع من طرف عشرة أيام تقريبا قسمت المھجع الى معسكرين ، أبو القعقاع وجماعته من طرف وب

د ه استمر في احراجھم وتحديھم بع ع ، خاصة أن آخر ، واستطاع أبو القعقاع ببراعة أن يكسب عداء الجمي

رفضھم الدخول في سجال معه حول جوھر الدين االسالمي وتعاليمه .

ذه باالستھزاء من نعتھم بالج ه ھ ام ادارة السجن ، فقوبلت دعوت ى أم ة حت بن وطالب أن تكون الصالة علني

ة ة الفدائي ى أن تكون الفرق ك ال د ذل ا بع ا ، دع التخلي عنھ الجميع ، حتى أن بعض أفراد مجموعته نصحوه ب

ذا مؤلفة من جميع التنظيمات وأن ال تكون طوعية ، ألن الجھاد فرض عين على كل مسلم ، ع ھ ل الجمي وقب

زا هاألمر، لكن جماعته والذين ھم في الحقيقة كانوا دائما قوام الفرقة الفدائية رفضو ة وتمي ألنه سيفقدھم مكان

ار ده ، وال يمكن اجب ا عن طالما تمتعوا بھا طوال السنوات السابقة " نحن نقوم بھذا العمل لوجه هللا ، وأجرن

أحد على ھذا " .

ى وجوده في المھجع خمسة فشل أبو القعقاع في كل شيء ونجح في كسب عداء الجميع ، كان قد مضى عل

ره ه أخب ع ، ال أدري من من مجموعت ا الجمي عشر يوما عندما اعتقد أنه قبض على المسألة التي سيحرج بھ

بموضوعي ، عندھا جابه الجميع :

افر أن ي نكم ؟ مع أن هللا سبحانه " ... كيف تقولون عن أنفسكم أنكم مسلمون وتسمحون لجاسوس ك عيش بي

وتعالى قال : واقتلوھم حيثما ثقفتموھم ؟ ! " .

وطالب الجميع بمحاكمتي وانزال حد هللا بي ، وحد الكفر والشرك با ھو القتل .

ا وھي األمر ال يعنيھ ة ، ف ا حيادي د كانت كلھ أصبحت حياتي معلقة على رد فعل المجموعات االخرى ، وق

مشكلة غير معروفة النتائج مع أبو القعقاع وجماعته . بغنى عن تفجير

88

ن وھو ل ال يتزحزح وأعل لكن مجموعة المرحوم الشيخ محمود كان لھا رأي آخر ، ووقف أبو حسين كالجب

ال ة ـ ق في منتصف المھجع ـ وكان الموضوع قد خرج من اطار الھمس الى النقاش العلني وبأصوات مرتفع

أبو القعقاع : أبو حسين موجھا كالمه الى

ا - ى وجوده بينن أوال من أنت حتى تحاسب وتحاكم البشر ؟! ان ھذا الرجل " وأشار بيده الي " مضى عل

ه ، ا بقلب تكلم ، وال أحد يعرف م ه ال ي ى ان سنوات طويلة ولم نر منه شيء سيئا ، وھو رجل مسكين حت

ا فبأي حق تحاسبه وتحاكمه وتريد قتله ؟، اعلم يا أبو القعقاع أ ن له ربا يحاسبه ويحاسبك ويحاسبنا جميع

، وليس أنت .

اه ، ونحن ثانيا أعلم يا أبو القعقاع أن الشيخ محمود رحمه هللا قد منع ايذاء ھذا الرجل ، وأنه أجاره وحم

ال يمكن أن نسمح ألحد أن يؤذي شخصا كان الشيخ محمود قد أجاره .

لة للمساس بھذا الشخص ستقابل من جھتنا بأعنف الردود .ثالثا ليعلم الجميع وأنت أولھم أن أية محاو

ثنين .بينما كان أبو حسين يتكلم نھض أبو القعقاع ووقف قبالته ، ودارت معركة كالمية بين اال

ة وأحاديث الرسول وحوادث من ات القرآني ى مجموعة من اآلي ه ال تند في ا ، اس رد أبو القعقاع ردا قوي

اع التاريخ االسالمي ، كان من ه سينجح في اقن ة ، وخلت ان ة الموافق في المھجع يھزون رؤوسھم دالل

الجميع ، لكن أبو حسين التقط الحديث وبدأ يرد عليه وقد ارتفع صوته .

ه جاء ايضا بمجموعة من اآليات القرآنية واألحاديث والسيرة النبوية تدحض وتناقض جميع ما استشھد ب

المھجع حتى بعض من مجموعة أبو القعقاع يھزون رؤوسھم داللة أبو القعقاع ، ايضا كان جميع من في

الموافقة واالقتناع ، كان رد أبو حسين مفحما ، ولم يشأ أبو القعقاع ان ينھزم فأنبرى يرد ... وأبو حسين

يرد ، وكان كالھما مقنعا للجميع .

: ارتفعت األصوات كثيرا ، وفي غمرة النقاش برز الشرطي فوق الشراقة ، صاح

شو ھالصوت يا رئيس المھجع يا جحش ؟ -

علم الشرطي الشخصين الواقفين ، أبو حسين وأبو القعقاع ، ومن السطح اخبر الرقيب الموجود في الساحة ،

فأخرجوھما وخمسمائة جلدة لكل منھما .

اب حت ق الشرطة الب ا ان اغل ى المھجع ، لكن م ا ران الصمت عل ى منذ لحظة خروجھما الى حين عودتھم

عادا الى المعركة الكالمية ، وبدأھا ابو حسين قائال :

خاف ربك يا رجل ... انت السبب بالعقوبة ، انت مبسوط ھلق ؟ . -

واستأنفا المعركة الكالمية ، وبعد اكثر من ساعة قال ابو حسين :

ھذا حكينا وما في عندنا غيره ... وكل واحد يقعد على فرشته ومو ناقصنا زعماء ھون . -

في حدا بدو يعمل زعيم ... وامر هللا بدنا نطيعه ونطبقه ، سواء رضيتم ام ال .ما -

توتر جو المھجع كثيرا ، فكرت انه يجب ان اتدخل ، ان اخرج من القوقعة ، ولكن كيف ؟... اقف واحكي

ة ، الن تع ذه ليست تھم اليم االسالم لھم حكايتي ؟ ... افند كل التھم التي وجھت لي ؟ ... ان اكون مسيحيا ھ

الحقيقية تأمرھم بحسن معاملة المسيحين ، ان اكون جاسوسا !... اظن ان ھذه التھمة قد سقطت بالتقادم ، فلو

89

اد كيف كنت جاسوسا لما انتظرت اكثر من عشر سنوات حتى امارس جاسوسيتي ، ولكن تھمة الكفر وااللح

قد مات ، ولكن اذا سألوني في سياق دفاعي ھل سأدافع عنھا ؟... صحيح ان كل من سمعني اقول انني ملحد

استطيع ان اقول لھم انني مؤمن ؟!.. ال اعتقد ذلك ، ولم اتوصل الى قرار .

و ا ، فاحترست ، لكن مجموعة اب اع بصدد عمل م و القعق دا ان مجموعة اب بقي الجو مشحونا بالتوتر ، وب

ى حسين اتخذت مجموعة من االجراءات ، طوال النھار كان ث و حسين عل راش اب ى ف الثة منھم يجلسون عل

ام ل فراشه فين نھم بنق وم واحد م ل يق ي ، في اللي راش جاري اليمين ى ف ة اخرون يجلسون عل يساري ، ثالث

ين امامي عند قدمي في الممر ، وھكذا اكون محاطا بھم ، عندما اقوم الذھب الى المغاسل كنت االحظ ان اثن

وي يرافقاني وكأنھما ذاھبان الى المغاسل عرضا . من المجموعة يقومان وبشكل عف

اذن ھم يحرسوني .

ى ة عل بقي الوضع ھكذا ثالثة ايام ، في اليوم الرابع افتعل بضعة اشخاص من المتشددين امام المغاسل ذريع

ا ة كانت دم وان قليل دي ، خالل ث ه باالي تبكوا مع ذين يقومون بحراستي واش ه ، ؤواحد من ال ه تسيل من انف

ة من يضرب وكان اكثر من مئتي شخص قد وقفوا واشتبكوا مع بعضھم البعض ، ولم يعد من الممكن معرف

ن م يك رة ، ول اء كثي ا دم الت خاللھ ة س ائق قليل تمرت دق ي اس ة الت اول فض المعرك ذي يح ن ال ن ، او م م

باالمكان اخفاء ھكذا ضجة .

و حسين وال ا م يشترك اب تح كنت واقفا الى جانب الباب ، ل دما ف اع ... الشباب الصغار فقط ، وعن و القعق ب

عناصر الشرطة الباب ، توقفت المعركة اليا .

ن اه ... " نح اتما إي ه ش ب بوجھ ون !! صرخ الرقي انوا يلعب باب ك اء ان بعض الش ين االدع و حس اول اب ح

ى الساحة ، فخرجوا ... وك ع ال ا راى الرقيب شخصا جايبنكم مشان تلعبوا .. مــــا " وامر بخروج الجمي لم

عليه اثار دماء يلتفت الى ابو حسين ويقول :

رياضة ... يا عرص مو .. قلت لي رياضة !. -

ا آلميني دمي مم ة ق ى ندب اعي عل عوقب المھجع بأكمله عقابا شديدا ، وقد ضربني احد العناصر بالكبل الرب

كثيرا ، ادخلونا واغلقوا الباب مع التھديد والشتائم .

ي كنت أقوال اب قد نسيت عادة الكالم ، لكن لحظتھا اعتقدت انني اذا لم اتكلم فسوف اختنق ، شحنت نفسي ب

وخالي لي منذ الصغر عن ضرورة ان اكون رجال يتحمل المسؤولية .

ع المشيت الى منتصف المھجع ووقفت ، من اآل ر نظري الشمل جمي دما رأوني ادي م بالكاد كنت اقف ، عن

، سكتوا ، اثنان من حراسي نھضا فورا ووقفا الى جانبي ، اشرت لھما ان يعودا الى مكانھما من في المھجع

، تلكآ ، لكنھما عادا .

م ادع الشجاعة ذلك ل لم اكن خطيبا في يوم من االيام ، ولم اقف ابدا التكلم امام مئات العيون المحدقة بي ، ك

ى الجبن ، يوما ، بل على العكس فان ھذه التجربة في االع تقال والسجن اظھرت لي على االقل انني اقرب ال

اع وصرخت و القعق لكنه االلم والقھر والعذاب ، الصوم االجباري عن الكالم ، توجھت بنظري ويدي الى اب

بصوت قوي " انا نفسي استنكرته " قلت :

90

در لماذا كنت اخاطبھم بالفصحى عاريا امامك " لم ا ،يا ابو القعقاع ... تريد ان تقتلني ؟... تفضل ھذا انا -

يال عن هللا في د ان تقتلني بصفتك وك ئلتي ، ھل تري ى اس ل ان تقتلني اجب عل " ... تفضل ، ولكن قب

ي ولألخرين االرض ؟... ھل تستطيع ان تثبت انك وكيله ؟... واذا اثيت ذلك ... ھل تستطيع ان تثبت ل

واجزم انك لست وكيل هللا .انه اصدر لك امرا بقتلي ؟... ال اعتقد ذلك ،

ك ، ارجو ان ال ا في ذل ديك ، وارجو ان اكون مخطئ ل ل ي الرضاء شھوة القت د قتل يا ابو القعقاع انت تري

م تجد من تلسعه فھي تلسع نفسھا ... ولكن العقرب ان ل تكون شخصا حاقدا موتورا ، ارجو ان ال تكون ك

ا اقول ، واشھد جميع الناس ھنا ، اذا كان قت ي وان دا من جماعتك لقتل لي يحل المشكلة فتفضل ، ارسل واح

اسامحكم بدمي .

سكت قليال ، ثم التفت الى مجموع الناس ، وبصوت أقل حدة قلت :

دقائق - يا جماعة .... أكثر من عشر سنوات حكمتم علي بالسكوت ، لقد سمعتكم كثيرا ، واآلن اسمعوني ل

فقط ...

ا ، وكيف أت ة قلت لھم من أن ى تھم دما وصلت ال ثالث ، وعن تھم ال ا ، دافعت عن نفسي ضد ال ى ھن يت ال

االلحاد ، عدت لمخاطبة أبو القعقاع :

اس - ع الن ألة شخصية بحت ، وعليك أنت وجمي ان مس يا أبو القعقاع ... انما مسألة اإليمان أو عدم اإليم

يس صعبا أمثالك أن يفھموا ذلك ، اإليمان ھو عالقة خاصة بين كل شخص وخالق ه ل ه ، وأنت تعرف أن

ك ا ذل علي أو على غيري أن يقول : أشھد أن ال إله إال هللا وأشھد أن محمدا رسول هللا ، ولكن لو قلت أن

ا ، ا أو كاذب ن أكون منافق ا منك ، ول ا لست خائف لقلت أنت وأمثالك أنه كان ملحدا وأسلم خوفا ، ال ... أن

أمرك واذا قلت لك فقط انني مسيحي ومتمسك ك ، ألن دينك ي ال ذل بديني ، فلن تسطيع أن تفعل شيئا حي

اع : اسمعني ھذا أن تحسن معاملة المسيحيين، لكن حتى و القعق ه خائف ... أب ول ان ئال تق ه ... ل لن أقول

ا ... جيدا ... أنا لست خائفا منك ... أنت لست ربي ألقدم لك كشف حساب ... واذا كنت مقتنعا بقتلي فھي

تخف .قم وال

د سكت عندھا ، بقيت واقفا أبادل أبوالقعقاع النظرات ، جاھدت أال ترف وني ، ومن خلفي أمسكت بي ي عي

أبو حسين وقادتني الى فراشي .

ة ، بس - خلص بقا ... اسكت ... ال تتحداه أكثر من ھيك ... أظن أن المشكلة انحلت ، هللا يعطيك العافي

ھلق اسكت .

و وفعال كما قال أبو حسين انحلت المشكلة ، وبعد يومين انحلت نھائيا ، فقد كان أحد الخميسات وخرج فيه أب

عدام .القعقاع الى اإل

:لي أقام له المھجع صالة الجنازة ، ترحموا عليه ، أما أبو حسين فقد علق موجھا الحديث

اكم ، لكن - ا عشرين هللا يرحمه ... وال يجوز على الميت إال الرحمة ، واذكروا حسنات موت ا أخي كلھ ي

اني ! . هللا اني تحت يوم قضاھا ھون ... كأنه اعصار دخل ھـ المھجع ... هللا يرحمه !! قلب المھجع فوق

يرحمه ... يا هللا بتعيش كثير ... بتشوف كثير .

91

ى من اع آت و القعق و أن أب ادل األحاديث " قلت في سري ... ل ذنا نتب و حسين وأخ تحسنت عالقتي مع أب

ا ، ن طويل ! " كانزما ى األخص عن نساء فرنس ا ، وعل اة في فرنس أبو حسين يسألني عن فرنسا ، والحي

وكنت أتكلم ... وأتكلم ... أغوص بالتفاصيل ، عندي جوع كبير للكالم ، ألتفت اليه وأمازحه قليال :

ن ؟ ! .شو يا أبو حسين ؟ ... شايفك عم تسأل عن النسوان كثير ، مانك خايف تسمعك أم حسي -

رج - ارة ، واذا هللا ف ق بتكون كبرت وصارت ختي ي وراسي ، بس ھل لك يا أخي ... أم حسين على عين

عنا ... ان شاء هللا راح اتجوز واحدة فرنساوية ... با عليك قل لي ... بفرنسا في مسلمات ؟.

اي طبعا في مسلمات . -

.الحمد ... الحمد " يضحك " ھلق أمنت مستقبلي -

ة من باإل اء األربع اء فقط كسروا الحاجز المضروب حولي ، و األطب ضافة الى أبو حسين ھناك أربعة أطب

ي أن يكون رح عل اني جلسة اقت دي ، ومن ث دأ يجلس عن ا ، ب خريجي الدول األوربية ، أحدھم خريج فرنس

حديثنا باللغة الفرنسية .

ان اكتشفت انه قد عاش حياته طوال وعرضا ، وانه لم ه ك يكن يتبع التعاليم الدينية إال في شھر رمضان ، ففي

يصوم ويصلي فقط وما عدا ذلك فال عالقة له ال بالسياسة وال بالتنظيمات وال بغيرھا .

قلت له بالفرنسية مستفسرا :

طيب ... اذا كان األمر كذلك ، فلماذا اعتقلوك ؟ -

ا استطيع !.اذا كنت أنت تستطيع اإلجابة على ھذا السؤال ... فأن -

أبو حسين يضيق ذرعا باألحاديث الفرنسية :

يا شباب ... خلصونا ... يكفي تعوجوا لسانكم ... احكوا عربي حتى نفھم عليكم . -

كانت األحاديث بالفرنسية تسكرني ... تدوخني ، فعلت في داخلي أكثر مما فعلت رؤية الخيار ألول مرة .

ونعرفھا كالنا ، أصبحت عالقتنا الثنائية عالقة حميمية لحظية .نتبادل الذكريات عن أمكنة زرناھا

في احدى المرات وأنا أتلذذ وأنتشي بالتأكيد على مخارج الحروف الفرنسية ، نظر الي وباغتني بالسؤال :

ور - ون دكت ذا المجن يا أخي ... مادام أنت ھيك ... يعني عاقل !... ليش كنت تغطي حالك بالبطانية مثل ھ

لوجيا ؟.الجيو

سكت قليال ... ثم أخبرته بسري الكبير ، سر الثقب !!.

أخبرته به بالفرنسية ، لكنه أجاب باللغة العربية بعد أن اتسعت عيناه وتدلت شفته السفلى :

العماااااا ش ...ونحن كنا نقول عنك أھبل !! . -

تحيل اآلن أل ذا مس ه أن ھ ه ، أعلمت ن خالل ر م تطيع أن ينظ ان يس أل ان ك يلفت س ه س م انن ع ، ث اه الجمي تب

عرض بعد قليل أن نخبر أبو حسين فوافقته .

ارات الدھشة ، واستخدم ه ام ى وجھ يم ، ارتسمت عل كانت ردة فعل أبو حسين شبيھة بردة فعل الدكتور نس

نفس الكلمة :

92

ع صحيح ا - ك طل نك جاسوس العماااااش ... وهللا تاريك مو قليل !... يا ما تحت السواھي دواھي !... ول

... بس جاسوس عـ الشرطة مو للشرطة!.

ة ، ى يمكن استخدامه بحري األمر ، حت اس في المھجع ب بعد يومين أبلغنا أبو حسين أنه قرر اعالم جميع الن

وألن كل الناس ھنا مأمونون ، وھكذا تم .

تجاھي .ن الجميع بقي متحفظا إباستثناء أبو حسين واألطباء " وعلى رأسھم الدكتور نسيم " ف

ة اال معلمت انھ ع تھم ر ناقشوا األمر فيما بينھم ، وخرجوا بنتيجة :ان كالمي بخصوص دف بس وغي اد ملت لح

دين يجب مقنع ، وانني لو كنت مؤمنا بحق سواء بالدين المسيحي أو اال سالم لما ترددت في اعالن ذلك " فال

أن يكون جھرا " .

نسان " إ، وھكذا فقد حصلت على أول حق من حقوقي األساسية ك لكن بالمقابل لم يبق ھناك أي تھديد لحياتي

حق الحياة " ، حصلت عليه من السندان " الجماعة األسالمية " ولكن لم أحصل عليه من المطرقة " الشرطة

"فال زال أي رقيب في الساحة يستطيع وبضربة عصا أن يرسلني الى الحياة األخرى .

تشرين األول 6ھر القلي وم السجن األش اعات ي ي س يم فعال مأل عل و كالنس يم وھ دكتور نس ة الماضية مضت بسرعة ، ال ل

تيقظ صباحا ودون ة ، نس ادال األمكن الطويلة ، كنا ال نكاد نفترق ، وبعد فترة من تعارفنا اتفق مع جاري وتب

ا بتصنيع أحجار ان نتحرك من تحت البطانية نستأنف حديثا لم يكتمل البارحة ، نأكل سوية ، نتحادث ، قمن

ان اشطرنج من العجين ، استغرق صنعھ يم بجوھره فن يال ، فنس أكثر من عشرين يوما ، وكان شطرنجا جم

ن التشكيلي، درس الف ه ان ي ة حيات لكن وشاعر ، مرھف االحساس ، يتلمس الجمال في مواطنه ، كانت امني

رك الطب ه ت ك فان ان في السنة ضغط األھل اجبره على دراسة الطب ، ورغم ذل دما ك ام كامل عن دة ع لم

ه ليجبره على العودة لدراسة الطب ، رغم ذلك وبأالرابعة واشترك مع فنان آخر في محترف بباريس ، وعاد

لم ينقطع عن الرسم ابدا .

دورة ، ة رب البن يال من مرق كنا نكشط األجزاء المحروقة من الخبز ونجمعھا ومنھا اللون األسود ، نضع قل

ذا نتركھا ز العسكري نصنع العجين ، ومن ھ ون االحمر ، من لب الخب ا الل ام لتتكثف وتجف ومنھ عدة أي

م أخذ يصيغ أشكاال ا شھق ، ث يم أحجار شطرنج كل من رآھ ون نس وان ك ذه األل ة العجين الممزوج بھ فني

مبتكرة آية في الجمال والذوق .

د أن ننھي كل نتحدث بالفرنسية ، نتحدث بالعربية ، نلعب الشطرنج ، نراقب الساحة من خالل الثقب ، وبع

دأ بتشكيلھا ، وفي كل األشكال التي ذلك ، واذا بقي القليل من الوقت فان نسيم يتناول قطعة من العجين ويب

ه د حديث ه ، وعن ر في وجدان رة ال زالت تحف صاغھا تلمس المرأة والحنين اليھا " عاش نسيم قصة حب كبي

ات دراسة الطب تحت عنھا اعتبرھا معنى ح ذه الخيب ى ھ اة ، وأول ه في الحي ياته ، وايضا احدى أكبر خيبات

".ضغط األھل والمجتمع

مرة ودون مقدمات سألته فجأة :

اآلن .. ھل تواظب على الصالة ؟ -

93

ببساطة شديدة قال :

صلي .أعد أبحت بين ھؤالء .. لم أص منذ انا -

ولكن ما الذي قذف بك الى ھنا بينھم ؟ -

ل أن أذھب ا - ه أو يطيقني ، شخص متزمت وضيق األفق ، وحتى قب نه أخي .. أخي الذي لم أكن اطيق

دخل في أللدراسة في فرنسا كان صياحنا اليومي يصل الى الشارع ، وغالب ه الت ا يكون السبب محاولت م

ك ى لباس أمي واخواتي البنات ، يريد ان يفرض عليھن لباسا اسالميا أسود ، وكن يعارضن ذل وأقف ال

جانبھن .

ياه نتضارب بااليدي ، كان فاشال على المستوى الدراسي .إفي غالب األحيان كنت و

ى الجماعة ده ال ى ھؤالء "وأشار بي د انتسب ال ا ق ذھبت الى فرنسا ، بقيت ھناك ثماني سنوات ، كان خاللھ

ددة" ، صبح مطلوبأالمتش دتي، ا دي ووال ل وال ذي اعتق ن ال ل األم ن قب دة م أزق بش ذا الم ن ھ وللخالص م

دي لألمن وإل ال وال ه ، ودون أن أدري إبعاد أنظار األمن داخل المدينة ، ق د أخي ا عن ى فرنس د ھرب ال ه ق ن

أصبحت مطلوب ي أخي أ، ا دون من تقبلني رجال األمن في المطار يري دي ، اس ى بل نھيت دراستي وعدت ال

منذ ثماني سنوات. الذي لم أره

ھذا السجن.وھا أنا أمامك في

ن الثقب عن ذين نظروا م دد ال اوز ع م يتج ة ، ل ن خالل الثقب دون بطاني ة م اوب المراقب يم نتن ت ونس كن

ى الخمسة ، يبدو ان الجميع الزال يعتبر فراشي نجسا ى الواحد أن يجلس عل ، فللمراقبة من الثقب يجب عل

فراشي .

ده ألبو حسين وھو بدوره يبلغه للجميع .اللذان يراقبان دائما، نبلغ ما نشاھ ،نسيم وأنا ،كنا

ام شباب صغار السن ة ، خاصة ان المتشددين بالع عادت العالقة بين المتشددين وباقي المھجع لتصبح ودي

ة !.دال يظھر بينھم ابو القعقاع أو صعصعة أو ابو قتاأأقرب الى الطيبة والسذاجة ، شرط

م األكثر عطاء وتضحية .ھ واق ب

دلنسيم كي يراقب اإل ن أيام االثنين تركت الثقب كامألم في واحد مومات ، التصق بالثقب اع تكلم أو ل د ي يع

يتحرك ، كان نسيم يكرر كلمة "العمش" كثيرا في احاديثه .

من التصاقه بالثقب ، قفز الى الوراء واقف تنبعد ساعت .. نظر الي وقال : ا

العمش .. العمش .. -

م..اا..ش نظر الى أبو حسين : الع

نظر الى المجموع : العمش .. العمش ..

ثم وبصوت خافت بعد أن اقترب مني :

ك شوف ... شوف - العمش .. ولك شو ھاد ؟! ولك ... شلون كنت عم تتحمل ھيك مناظر ؟!.. العمش ول

يللي عم يصير ؟! ھذا!... شو

94

د ال ، والعدي ة عن الحب ذه الجثث نظرت عبر الثقب ، كانت ثماني جثث متدلي ى األرض ، ھ من الجثث عل

ة ، ة من اليسار وھي جث الثمان يبو انھا آخر وجب ة الثاني ام الجث ديات" يقف أم وحش "عنصر البل رجل ةال

ه ضاحكين ، ومع كل بدين ، يمسك الوحش بيده عصا غليظة ينھال بھا ضربا على الجثة ، الشرطة يراقبون

ضربة عصا على الجثة يصرخ بصوت عال :

الرئيس المفدى .. بالروح بالدم نفديك يا رئيس ... " وضربة بالعصا على الجثة " ... ولك يا كلب عاش -

ا نابتشتغل ضدد الرئيس .. وضربة بالعصا ... لك يا منيك ... رئيس دو ي يس ... ضربة بالعصا ... حي أحسن رئ

د ل هللا نعب رئيس قب دة ... ضربة بالعصا همنايك حيدو .. ضربة بالعصا... ال اع .. ضربات عدي ل االيق ... ويخت

ون :بالعصا " اتساءل و والتلفزي ا في الرادي رة تردادھ ا لكث د حفظھ ھل انتھت ذخيرة الوحش الكالمية التي كان ق

يرات اء المس وارع اثن ي الش ا وف ي تنظمھ ة ؟الت ه !الدول ى ذخيرت أ ال دأ يلج وحش ب ذلك ألن ال ر ك دو ان االم يب

رة الكالمية التي لمھا من الشوارع " .الذخي الكالمية الشخصية !

و ا كلب ... انت ك ي ين العظام ... ول ا رن يتوقف قليال عن الضرب ، ثم ضربة قوية على الرأس اسمع من خاللھ

فيكن عالرئيس ؟... ضربة عصا ... ولك الرئيس أقوى واحد بالدنيا ... ضربة ... ولك الرئيس بدو ينيك امھاتكم

يس عندو أطول اير بالدنيا كلھا ... ضربة ... ولك بدو ينيكم وينيك اختكم واحد واحد ... ... ضربة ... ولك الرئ

ضربة بالعصا ... يتوقف الوحش قليال وھو يلھث ، بعدھا وبحركات ھستيرية يضع احد طرفي العصا بين اليتي

ين حش بالضغوالجثة ويدفع بھا الى األمام ، تتحرك الجثة كلھا الى االمام ، يستمر ال اني للعصا ب ط ، الطرف الث

ام ... ى االم زا ، ومع كل ھزة ال ة رھ ين اليتي الجث دفع العصا ب دأ ب يديه االثنتين يركزه في موضع قضيبه ويب

يصيح :

بالروح بالدم .. نفديك يارئيس . -

دم الرقيب " األعوج " ه ، تبقى العصا بين االليتين ، الجثة دائمة التأرجح ، الشرطة يضحكون ... يتق وھو يقھق

يمسك الجثة من األمام ويثبتھا جيدا للوحش ، الوحش يتابع ضغط العصى بين االليتين ويھتف :

بالروح ... بالدم .. نفديك يارئيس . -

و أاألعوج يضغط من األمام ، الوحش يضغط بالعصا من الخلف ، وفي لحظة يفلت ر س الجثة من الحبل "يب

ا المشھد من بعيد وكأن الجثة حركت ر ى وجھھ ة عل ل" ، تسقط الجث تخلص من الحب ة بارعة لت أسھا بحرك

وحش ع ز ال ة ، يقف ين اليتي الجث وحش وتظل مغروزة منتصبة ب أرضا ، تفلت العصا من يد ال ا ويصيح الي

:في الراديوا و التلفزيون كثيرا يردد سمعه بشعار طالما

يسقط االستعمار ... تسقط االمبريالية . -

األعوج : يرد عليه الرقيب

تسقط ... تسقط .. تسقط . -

يعيش الرئيس المفدى . -

يعيش ... يعيش ... يعيش . -

وتبقى العصا مغروزة بين اليتي الجثة تتأرجح .

95

الى األبد ... الى األبد ... يعيش الرئيس . -

يعيش ... يعيش ... يعيش . -

ومع كل كلمة "يعيش" تتأرجح العصا ذات اليمين وذات اليسار .

ن أول :كانو20 ،خالل الشھور الماضية توطدت عالقتي كثيرا مع نسيم ا بي أيضا ان فرح ل ھؤالء ،وھو ك يم مث م يكن نس ،ل

ى أي من التنظيمات ى باإلنتساب إل ه أن فكر حت م يسبق ل عقله منفتح ومتحرر و ال يھتم باألمور السياسية ول

ينية بالمناسبات.يؤدي الفرائض الدخارج السجن كان وھو في الحياة ،الدينية

كمرة قال لي شيئا كنت أف قال : .ر فيه أيضا

ى بعض - كيف مرت كل ھـ السنين وأنا وأنت في محل واحد ولم نتعرف على بعض ؟! بعدين نتعرف عل

و نصير كأننا توأم !!.. فعال أنت توأم روحي.

نفسه. كنت أحس اإلحساس

************

ي السجن ا اء ف ت ورشات البن دةالزال اجع جدي ادة مھ وم بإش ذا ،لصحراوي تق ى ھ دد إل ادمين الج م أن الق رغ

السجن قد تناقصوا بشكل كبير في السنوات الثالثة األخيرة .

اك ا(( من ھو أول سجين في التاريخ ؟ من الذي ان شكل السجين األول ؟.. ھل ھن خترع السجن ؟ .. كيف ك

م سجين واحد في كل العالم .. في كل األزمان .. ف ر .. ث دا أو أكث ا واح ي كل السجون .. قضى في السجن عام

عندما يخرج .. يكون ھو .. ھو ؟ !

ا ا من اإلعجاز م أي عبقري ھذا الذي أوجد فكرة السجن !!.. ھل ھو اإلله ؟.. يجب أن يكون كذلك .. ألن فيھ

ھو فوق قدرات العقل البشري !!..

ا واثق أن لكن لماذا ترك هللا الشيطان طليقا بعد ا ھو السجن ؟!.. أن ان هللا يعرف م م يسجنه إذا ك العصيان ول

ابيعسالشيطان كان سي دة أس ل ع ام حواء!.... ،جد مرغما بعد قضاء عدة شھور ال ب ا أم ام آدم فقط إنم يس أم ل

ه أن يسجد م يطلب من اذا ل ام آدم ؟! لم ام ھل يمكن أن يكون هللا قد أخطأ عندما طلب من إبليس أن يسجد أم أم

حواء !؟..

ھل كان إبليس سيرفض السجود أمام حواء ؟

ولكن ماذا لو سجد إبليس أمام آدم نفسه ؟

ھل كان سيصبح إبليس نائبا ؟! ....أو شريكا له ؟!

! " )) .؟ن سجينا كيف كان لمثل ھذه األفكار المضحكة أن تنبت ك" لو لم أ

ى "متى كان .تنشأ في السجن مھاجع جديدة اس سوية أو عل دخلھا الن ت كل المھاجع في ھذا السجن فارغة ؟" ي

ع ام ،بضع عشرات .بضعة أيام ويكتمل نصاب المھجع .دفعات متتابعة د ! الجمي ان ... ثالث أو يزي ة .. مئت ئ

يبدأ التعارف بعد دقائق .. ويستمر سنوات . .ال يعرف أحد أحدا .الوجوه متشابھة .ينظر إلى الجميع

96

ة و .يبدأ اإللتفاف و التالقي .لتعارف يبدأ الفرزمع ا في البداية تنشأ التجمعات على األرضية السياسية التنظيمي

ي دخولھم السجن ببا ف ي كانت س د ،الت يم الواح د .. التنظ اء الحزب الواح ون ،أبن انوا يعرف واء ك ون .. س يلتق

ارفون ابقا أم ال .. يتع ھم س دة ،بعض ة واح كلون مجموع تركةو ،يش ة مش اة اجتماعي م اجتماع ،حي تھم الھ

روح ،يتكئ بعضھم على بعض .كل ما في األمر أنھم يتساندون ! ،أغلبھا إن لم يكن كلھا .. وھم ،سرارھمأو ال

.أن تكون محميا بالجماعة يعطي الشعور باألمان ،الجماعية تشكل لھم وھما بالقوة .. وبالتالي الحماية

ان ،مع األيام .. تبدأ بالتراخي ،تصل إلى حد التعصب وعداوة اآلخرين ،تبدأ الحالة شديدة متوترة خاصة إذا ك

المھجع كله ذا لون تنظيمي واحد .

في الدروس التي يتلقاھا ضباط األمن .. وبعد الدرس األول الذي يقول :

." أول درس في المخابرات .. ھو أن ال تثق برجل المخابرات "

دة أتي دروس عدي و ،ت د تك ةق ون خاطئ د تك ع .ن صائبة وق ل م ة التعام ى كيفي وي عل ذي يحت نص ال ي ال و ف

التنظيمات المعادية .. ھناك درس يبقى صائبا على الدوام :

." إذا أردت ألفراد تنظيم ما أن يأكلوا بعضھم بعضا .. اسجنھم سوية "

اط د ،اإلحب ور ،التباع ة ،النف ادات .. وتب ،الكراھي ة القي ن ھيب ل م كالني التراخي والتفك ة ب ائج التنظيمي ،دأ الوش

ومعھا يبدأ التطلع إلى المحيط خارج إطار التنظيم الواحد.

السنوات !. ،الشھور ،األسابيع ،تمر األيام

ة ،البلدة ،القرية ،أبناء المنطقة الواحدة ." الجغرافية ": تنشأ عالقات جديدة على أرضية جديدة ى ،المدين أو حت

المنطقة الساحلية . ،المنطقة الشرقية ،المنطقة الشمالية ،وسع.. المنطقة األ

ال ،يتذكرون األماكن األليفة بحنين بالغ .يستعيدون فيما بينھم الذكريات ان .. الجب الطرقات .. السھول .. الودي

احات دائق والس وارع والح ة و ... الش داث العام ض األح ذكرون بع ھورة يت ر ،المش وم تكب د ي ا بع ويوم

ببعض.بعضھم وتكبر معرفتھم ،قاطعاتالت

ه من ال ،مع ازدياد المعرفة ة منسيات.وبأسئلة بريئة في الظاھر ينبش ما كان محسوبا أن فلكل شخص أو عائل

أو عشيرة إيجابياتھا .. ولھا كذلك ما تخجل منه وتحاول نسيانه .. أو جعل اآلخرين ينسونه .

سيطة... الصريحة... الوقحة !الب ...لكنه السجن و له قوانينه الخاصة

ويسأل أحدھم ابن مدينته الذي تعرف عليه سؤاأل قد يكون مازحا .... قد يكون بريئا .... قد يكون ! :

أنت من بيت البيك الذين يسكنون في المحل الفالني ؟ . -

نعم .. أنا من بيت البيك ھؤالء . -

صحيح أن رتبة البكوية و األمالك و األراضي .. ،عت حكايةآ ..... آ عفوا .. ال تواخذني .. بس أنا سم -

صارت عندكم ألنه ستك "جدتك" الكبيرة كانت صديقة للوالي العثماني ؟؟

.أل ... أبدا مو صحيح -

ينتھي الحديث و ينكمش شيء ما داخل نفس سليل آل البيك .. ونفور !

يسأل آخر آخرا :

97

من بيت مين ؟ أنت من قرية الحيدرية بس أنت -

أنا من بيت البيطار . -

ا باالشتراك مع .آ ... البيطار - رأة من بيت البيطار قتلت زوجھ ام سنة ... أن ام قل لي .. سمعنا من ك

عشيقھا .. بتقربك شي ھــ المرأة ؟

يعني تھمة وبس ! ،المرأة خالتي .. بس القصة مو صحيحة -

سليل آل البيطار ..... ونفور ! ينتھي الحديث و ينكمش شيء ما داخل نفس

وتتعدد األسئلة :

أنت ابن فالن الذي سرق صندوق البلدية ؟ -

أنت أبن فالنة التي ....... -

وتنكمش أشياء كثيرة داخل النفوس ... ونفور ! ،وتنتھي األحاديث

السنوات !. ،الشھور ،األسابيع ،تمر األيام

دة ى أرضية جدي دة عل ات جدي أ عالق ول .تنش ات ،المي ن ،الھواي األ ،المھ ين ب انين ،دبالمھتم ين ،الفن ،المعلم

األطباء .....

.!السنوات ،الشھور ،سابيعاأل ،تمر األيام

اللباقة األجتماعية !. ،تنشأ عالقات جديدة على أرضية جديدة : الذوق

ذا ينفر منه ويبتعد عن زميله في التنظيم أو المھنة أو المنطقة .. ألنه يخرج أصو ات من فمه عندما يأكل .. وھ

قلة ذوق .

ينفر منه ويبتعد عنه ألنه عندما يطوي بطانياته فإنه يطويھا بعنف مثيرا الغبار على جاره ..وھذا قلة ذوق .

تكلم .. ينفر منه ويبتعد عنه .. ألنھما عندما يتحادثان ال يترك مسافة كافية بين الرأسين !.. يقترب منه كثيرا وي

ن يشم رائحة فمه الكريھة !.. وھذا قلة ذوق .يجبره أ

اروا بعضھم بعضا م يخت اس ل ين أن ايش القسري ب ا التع م من مشارب ومنابت ،مئات المشاكل التي يثيرھ فھ

مختلفة .. تربيات مختلفة .. سويات حضارية مختلفة .

سنة تجثم على صدر التي قبلھا . .تكون السنوات قد مرت

اعيو ،ى أرضية جديدةتنشأ عالقات جديدة عل ه طابع جم اد السنوات ،يبتعد الناس أكثر فأكثر عن كل ما ل رم

ذكريات عن الخارج ذا الخارج .المنطفئة يغطي شيئا فشيئا طزاجة ال د ھ نغمس الشخص في تفاصيل ،يبتع وي

ذه التفاصيل في نفس السجين ،اليومية للسجن ةالحيا ا ھ ى حساب ال ،تكبر المساحة التي تحتلھ ذي عل خارج ال

ة .انعكاساتھا كناظم لقطيع من البشر ،يبدو قصيا بعيد المنال ! .. وأكثر ما يبتعد ھو السياسة ذات الفردي تعود ال

اريخ .لتنمو على حساب الذات الجماعية أو روح القطيع داء .. مع الت ة أو الع ى حد القطيع د يصل األمر إل وق

جلد سادي للذات !!... يقول بمرارة تقطر مع الكلمات : الذي ساھم ھو بصنعه !.. خطوة أخرى ويصل إلى

أي غباء .. أي وھم .. أوصالنا إلى .لقد كان السجن ضروريا لنا لنكتشف الكذبة الكبيرة التي كنا نعيشھا -

ھنا ؟!..

98

دة ى أرضية جدي دة عل رةو .وتنشأ عالقات جدي ل األخي ا قب ة م ة ھي المرحل دأ ك ،الصداقات الثنائي حاالت و تب

ة ى ظاھرة إال في المراحل المتقدم ة و وال تتحول إل د ال تكون ،معزولة منذ البداي ذه المراحل ق وحتى في ھ

عامة مطلقة ولكنھا تقترب من األغلبية.

ا من تباعد في كل شيء ،المتشابھان ..... المتناقضان ... التشابه و التناقض ا فيھم ا يشكالن ،على م إال أنھم

ة أو التربة المناسبة لنشوء العالقات الصداقية الثنائية ! .األرضية المناسب

من خالل االحتكاك المستمر والدائم على مدار أربع ،ومن خالل التجربة و الخطأ ،بعد مسيرة السنوات الطوال

ابھان في بعض ، وعشرين ساعة كل يوم ا متش ان أنھم ام .. يكتشف االثن ا كل ع ثالثمائة وخمس وستون يوم

.. في الكثير من األشياء .. في كل األشياء !. األشياء

وتبدأ عالقة صداقة بين اثنين . .ينجذبان إلى بعضھما البعض

أ ،بعد مسيرة السنوات الطوال ة و الخط دار ،ومن خالل التجرب ى م دائم وعل اك المستمر وال من خالل االحتك

ام ويأربع وعشرين ساعة كل يوم و ثالثمائة وخمس وست ا كل ع ا متناقضان .. في ن يوم ان أنھم يكتشف اثن

بعض األشياء .. في الكثير من األشياء .. في كل األشياء .

ين ين اثن ة صداقة ب دأ عالق بعض .. وتب ى بعضھما ال ه .. ينجذبان إل ،وكما المغنطيس ينجذب سالبه إلى موجب

ومع توالي األيام يبدأ الخلل ،باتلكل منھما نفس الحقوق وعليه نفس الواج ،ھذه الصداقة تبدأ متوازنة متكافئةو

ا ،بنفس قدر ارتفاع األولى تنخفض الثانية ،بين كفتي الميزان وة و اظھارھ دأ باكتساب الق والطرف ،طرف يب

ة!.. تستمر ،اآلخر يعتمد أكثر فأكثر وفي كل األمور على صديقه القوي ة ورق ر ليون ليصبح ھو الطرف األكث

ة طويال ثنين وفق ھذه الالعالقة بين اال وي والضعيف ،معادل ه ،الق ذي يرعى الضعيف ويبسط حمايت وي ال الق

تمتاع ،عليه وھو في غاية االستمتاع بھذا الدور ة االس والضعيف الذي يلوذ تحت جناحه ورعايته وھو في غاي

بھذا الدور !.

امي ضمن ا يحدث أم ذا التجمع أقبع في قوقعتي طوال ھذه السنوات أحاول أن أرقب وأفسر وأسجل كل م ھ

رصدت الكثير من األمور وفسرتھا وسجلتھا . ،اإلنساني

امي ارت اھتم ا ،ھذه الثنائيات منذ بداية تشكلھا أث ا ..راقبتھ ا وتطوراتھ وفسرتھا في سياق الحاجات ،تحوالتھ

قعقاع .وبين نسيم بفضل المرحوم أبو ال ياإلنسانية لإلجتماع و التواصل .. إلى أن نشأت الحالة الثنائية بين

في بداية العالقة كنت مأخوذا بأمر واحد فقط .. أن يكون لدي من أحادثه !.

ة أن ة التام ر من عشر سنوات من القطيع د أكث كان طبيعيا أن أندفع وبقوة نحو ھذا الشخص الذي ارتضى بع

أني إنسان اودني الشعور ب ى فراشه !.. ع وس عل دعوني للجل م ي ى فراشي .. ث ادثني ويجلس عل ان يح ذو كي

ه ،يحترمه البعض ه ورأي رم عقل رفض ،يحترم شخصه ويحت ا ي ذا يمكن أن يتحقق مع أي شخص ھن ان ھ وك

مقاطعتي ويملك عقال منفتحا ولو بحدوده الدنيا.

ه ،نسيم أكبر من كل أحالمي وامنياتي بشخص ينتشلني مما أنا فيه .لكن نسيم أكثر من ذلك بكثير بساطته ورقت

ةحامي ساطعا نقيا كسطوع صفجعالني أراه أم وار قوي ة ،ة بيضاء تحت أن ام قليل ى روحي خالل أي ،دخل إل

ھصرھا .. سحنھا .. عجنھا بروحه وجسده .. اتحد بھا !!... و

99

ذعرت .. ذعرت .. ذعرت !!.

من أنا ؟ ! .. ھل أنا .. أنا ؟! .. و

إلى أين ؟؟ .

ل ،ھن عابرات .. قد ال أتذكر مالمحھن اآلنبعض ،في بلدي وفي فرنسا عرفت الكثير من النساء بعض األق وال

حفرن في الوجدان أثالما ال تمحى .... !

دا ا ج ات طبيعي ذه العالق أي إنسان عادي ،كنت في ھ دا خالل كل الماضي ،ك م يحدث أب ي أي أول ن كانت ل

ين ولم ألحظ على نفسي أية ميول لممارسات جنسية غ ،ممارسات غير طبيعية أو شاذة ة ب ير الممارسات العادي

يا ،كما لم ألحظ أبدا أية ميول مثلية نحو الجنس المشابه ،الرجل و المرأة ا نفس ر منھ ال بل على العكس كنت أنف

داعبات شتى ذات طابع جنسي ون بعضھم م داعب المراھق ا أن ي ة التي يحدث فيھ رة المراھق م ،حتى في فت ل

إلى أية تجارب من ھذا النوع . –الموضوعية وقد يكون بحكم بعض ظروفي –أتعرض أنا

ولكن اآلن .. اآلن ماذا يجري لي ؟!

وماذا يمكن أن تكون نھاية ھذا األمر ؟

ما أشعر به اتجاه نسيم من عواطف ملتھبة لم أشعر به أبدا حيال أية امرأة عرفتھا في حياتي !.

ينام إلى جانبي ونتابع أحاديثنا بصوت خافت ،يقاظطوال ساعات االست ،نتحادث .. نلعب .. نأكل ،نجلس سوية

مع بعضنا البعض طوال اليوم .. ورغم ذلك أظل مشتاقا إليه وبشدة!. ،نياالثن ،نحن يان.ونحن مستلق

اب المغاسل ،يغادرني أوقات قليلة كأن يذھب إلى المرحاض أو يذھب لالغتسال .. فتبقى عيوني معلقة على ب

ومن ھناك يبادلني االبتسام .. فأرتاح . ،الحجري إلى أن يعود

ة ،تفكيره في ھذا الموضوع ،عواطفه ،ال أدري شيئا عن مشاعره ة الحميمي ذه العالق لكن اندفاعه نحوي في ھ

ه بمنتھى التي .. أو أن ه يعيش نفس ح ا أن ه إم ئ بأن ور تنب ا أم وأم روحه " كلھ ي " ت ارة أن دائم لعب رداده ال وت

البراءة .

وحتى على صعيد الشكل تقاسيمه ناعمة بھا شيء ،ھو رقيق جدا ،ن في عالقتنا في األساس متفاوتةكفتا الميزا

ا .وأنا متجھم .. ذو شعر كث وتقاسيم حادة قاسية .من األنوثة ومع تطور العالقة بيننا ازددت قوة ورجولة بينم

شابت حركاته بعض النعومة و الليونة .. وأحيانا الدلع .

ه القاسيةأعيش اآلن صر ي ومحاكمات ين عقل ا ب يا رھيب ة التي أحسھا ،اعا نفس ولي الطارئ ين عواطفي ومي وب

أحيانا أنھا ال تستجيب ألوامر العقل ونواھيه و روادعه .

ة الصداقة ببا في تحطيم عالق ذا س ھل أناقش األمر معه بصراحة ؟.. ولكن لم ؟.. ما ھي الفائدة ؟ ألن يكون ھ

الرائعة ھذه ؟!

ة غريبتين!! .المالمسات بيننا ده فأشعر براحة ومتع يحدث أحيانا ونحن في حمى الحديث أو اللعب أن أمسك ي

أبقى ممسكا بھا أكثر مما يستوجبه الموقف !! .

100

ة المنتشرة .ألتفت إلى المھجع مجددا ات الثنائي ذه العالق ون فاحصة ،أرقب وأفسر ھ دة .. عي ون جدي ولكن بعي

م لالجدار الخارجي السميك تحاول أن تثقب ذه !.. ل ا تحت القشرة ھ م تسبر م ات .. ث كل واحدة من ھذه العالق

كل العالقات ظاھرھا بريء . .أتوصل إلى أية معلومة أو نتيجة مفيدة في ھذا الشأن

.. خفت كثيرا . وخفت

اه ؟ لكن ھل يمكن أن تكون مفاعيل السجن وتأثيراته قد غيرا بنيتي النفسية بحيث يجعالني ذا االتج اسير في ھ

عقلي يرفض ذلك رفضا باتا .

وخوفي الشديد .. ھل يمكن أن يكون داللة صحة إذا كانت مشاعري وعواطفي داللة مرض ؟!

اذا ال أدع ي ؟ لم ه الحقيق ن حجم ر م ا أكب ي اعطي الموضوع حجم ن أن م ؟ أال يمك ه وھ ذا كل ل ھ ن .. ھ ولك

وليكن ما يكون . األمور تسير سيرا طبيعيا ؟ ..

ان امل لإلنس ل و الش دمار الكام ذا ال ر ،ھ ى أكث ون .. أو إل ى الجن دفع إل م .. أال ي ومي المعم وت الي ذا الم ھ

التصرفات والسلوكيات جنونا وغرابة ؟!

تتجمع في حلقي بصقة كبيرة .. إلى أين أقذفھا ؟ .. بوجه من ؟.

شباط 24وقعتيبدال من ،مؤخرا انتبھت إلى أمر آخر يم في إخراجي من ق ه ،أن تساھم عالقتي مع نس ا بإدخال قمت أن

إلى القوقعة.

ة ،صحيح أنھا لم تعد مقاطعة عدائية خطرة .وھو المقاطعة ،بقي المھجع على موقفه مني لكنھا أصبحت مقاطع

ادرة ه أيض ،سلبية ب ة علي يم فقط انسحب موقف المقاطع ى نس يئا ومع اقتصار عالقتي عل يئا فش وش بعض ،ا

ه يم في دين ،المتزمتين اتھمني بأنني أفسدت نس دا أيضا د أصبح ملح يم ق د أن نس ر بعي ك ،وغي ى ذل وا عل ودلل

دال من ذكر هللاب ،انقطاع نسيم عنھم وقضائه كل الوقت عندي يتحدث معي بلغة الكفار .. ونتلھى بالشطرنج ب

وعندما نبھت نسيم إلى ھذا األمر قال :

أنا من الداخل كنت رافضھم . ،من قبل ما يرفضوني ھم ،مع ألف جھنم -

بھم ه ال يح ي أن ين ل ديث وتب تفاض بالح ي بعض األ ،واس نھموف مئزازه م ر عن اش ان عب ووصف بعض ،حي

تصرفاتھم بالتخلف و الجھل وأحيانا بالوضاعة .

شفاف" ،كنت أعتقد أن إنسانا مثل نسيم فنان يا،وصاف ا طيب ا،صادق ا ره بعد الحدود "إلى أ ا ، ال يمكن أن يعرف الك

م .ولكن من أحاديثه عنھم كنت ألمس أحيانا بعض شذرات كراھية مترسبة في أعماقه صارحته بمالحظتي .. ل

قال : ، ينف أو يدافع

ال أعرف .. اإلنسان ال ينتبه على حاله .. ممكن يكون أساس ھذه الكراھية أخوي .. يعني " زميلھم " ! -

ئم اإلندھاش يرى أمرا أو حدثا يتكرر أمامه مئات المرات لكنه في كل مرة يبدي نفس القدر من الدھشة نسيم دا

وإذا كان أمرا يرفضه يبدي نفس القدر من االحتجاج و االستنكار . ،و االستغراب

والرھافة االرستقراطية . ،ھذه الرقة الالمتناھية ،أھم ما يميزه ھو ذكاؤه ورقته

لى نسيم ثالثة أيام ال يأكل رغم كل محاوالتي إلجباره على األكل .اآلن مضى ع

101

************

أما العائلة الثانية فھي تتألف من أب وثالثة أبناء .، العائلة األولى تتألف من أربعة أخوة، في مھجعنا عائلتان

ال الواسعة ،عند بداية األحداث بين الحركة الدينية و السلطة م ،وبدء حمالت االعتق ة وھ اء الثالث استطاع األبن

وعند مداھمة المنزل وجد رجال األمن والد الفارين ،استطاعوا الفرار و التواري عن األنظار ،جميعا منظمون

ر من شھرين رھن التحقيق ،اقتادوه معھم إلى فرع المخابرات ،وحيدا اك ظل اآلب أكث ه أن ، وھن دون من يري

اك أيضا وھو ،يدلھم على مكان تواجد أوالده ى العاصمة وھن لوه إل د شھرين أرس م يكن يعرف ! وبع حقيقة ل

نھم سيبقونه في السجن رھينة إلى أن يسلم أوالده إأخيرا سئم الضابط منه وقال له ،حققوا معه لكن دون جدوى

أنفسھم لألمن .

بي ى س يھم عل ون عل ان السجناء يطلق ذين ك ل المزاح اسم " تنظيم بقي األب إلى جانب الكثيرين من أمثاله و ال

الرھائن " أو " حزب الرھائن " .

ي العاصمة ھور ف دة ش ي األب ع ع اآل .بق ه م م ترحيل دھا ت ى السجن الصحراويبع رين إل دما ضاقت ،خ عن

سجون وفروع المخابرات في العاصمة .

،م واحدا إثر األخرتم اعتقالھ ،أصبح جميع أبنائه في السجن الصحراوي ،بعد ثالثة أعوام من بدء اعتقال األب

ع بعضھم وا مواق ائل المورس عرف ة ومن خالل رس ال اإل ،وفي النھاي تم اطالق ةخوة الثالثورغم اعتق م ي ل

سراح األب .

ة ة الميداني ا المحكم ر من خمسين شخصا .بعد ثالثة أعوام أخرى جاء دور قضيتھم لتنظر فيھ اك أكث ان ھن ك

.سيحاكمون في ذلك اليوم

ا ى األرض صفا رباعي ه و ،جالسون عل ين ركبتي ه ب ه ورأس وق رأس ه ف ه أن يشبك يدي نھم علي د م ل واح وك

األعين مغمضة.

ز ويصيح حاضر ،المحكمة تناديھم باألسماء ة ،من يذاع اسمه يقف ام ھيئ ة يجب أن يكون أم ل من ثاني وفي أق

ه المحكمة .. وفي أقل من دقيقة أو دقيقتين تتم محاكمته !! .. وفي أقل من ى مكان ود إل ه أن يع ثانية أخرى علي

وجلسته !.

ثم ،ورغم كل شيء رأى األب و األخوة بعضھم ووصلت سالماتھم لبعضھم عن طريق التسلسل ،في ھذا الجو

نودي عليھم فردا فردا .

ة ة الم ،بعد أن انتھت محاكمتھم يبدوا أن أحد الضباط قد الحظ وانتبه أن الكنية واحدة لألربع ة فطلبت ھيئ حكم

ه .ئمن الشرطة ادخال األب و أبنا

د توزعوا في أرجاء دير السجن ق م م ة استرخاء ومعھ ة ضباط في حال ة من ثالث ة المؤلف كانت ھيئة المحكم

،الغرفة حول المدفأة المتوھجة وفي اللحظة ت،يشربون القھوة ويدخنون ويتبادلون النكا ،جو الغرفة حار نسبيا

ق التي دخل فيھا األربعة إلى ة المغل اب الغرف د ب ة عن ه , فوقف األربع م نكت الغرفة كان مدير السجن يروي لھ

ائق د بضع دق ات .. بع ادلوا التعليق دة .. تب ا , ضحكوا بش رھم أي من الحاضرين اھتمام م يع وقفة تصاغر , ل

ديث لألب .. التفت أحد الضباط وأمعن النظر باألشخاص األربعة , كان جو المرح الزال سائدا , توجه بالح

102

واحدة .. أنتوا بتقربوا بعضكم شي ؟ مشو يا حجي .. أنتوا كنيتك -

نعم يا سيدي نعم .. ھدول أوالدي وأنا أبوھم . -

استلم دفة الحديث ضابط أخر ..

قول لي يا حجي .. في عندك أوالد غير ھدول ؟ -

ال و هللا يا سيدي .. ھدول ھنن كل أوالدي . -

كلھا مجرمين وعمالء .يعني العائلة -

قد حالنا .. وحسبنا هللا ونعم الوكيل . ىال و هللا يا سيدي .. نحن ناس عل -

تدخل مدير السجن , فسأل األب ..

قديش عمرك أنت .. وال ؟ -

و هللا بالضبط ما بعرف يا سيدي .. بس يمكن صار فوق السبعين . -

تضرب وتقتل ؟ فوق السبعين !.. وباقي عندك حيل وعندك قوة -

يا سيدي ..... هللا وكيلك ال قتلنا وال ضربنا ... بس النار مرت من جنبنا قامت حرقتنا نحن كمان . -

و هللا مانك سھل يا ختيار النحس ... قديش صار لك بالحبس .. و ال ؟ -

و هللا يا سيدي .... صار يمكن .... ست سبع سنين . -

تشتاق لمرتك ؟ طيب .. بھـ السنين ... ما عم -

يا سيدي ... االنسان بعمري .. وبعد كل ھالشي .. ما يطلب غير حسن الختام . -

طيب ھاي فھمناھا .. بس غير شي .. غير شي .. ما بتحس انو ناقصك شي شغلة ؟ -

ي - ي أوالدي مع وا ل و تحط ر ... ل ي صعبة كتي ر ... وحركت ة كبي ا صرت زلم يدي .. أن ا س أي و هللا ي

ني .. بتكونوا فضلتوا على راسي .يخدمو

وقتھا أمر مدير السجن أن ينقل أوالده إلى مھجعه .

عاد عضو المحكمة بعد ذلك لتوجيه الحديث .. خاطب األب :

شوف يا حجي ... شو تتوقع يكون حكمكم ؟ -

يا سيدي .. رحمة هللا واسعة , و انتوا دائما بتحكموا بالعدل !! -

ق طيب اسمعني .. ان - دام ... وھل نكم باإلع ة م توا اربعة أشخاص عائلة واحدة .... ونحن حكمنا على ثالث

تار مين الزم ينعدم ومين الواحد ياللي الزم يعيش .خ.. أنت بدك ت

ـ الزم اسعد يعيش , - ان الموضوع ھيك فــ ا سيدي .. و يطول عمر أوالدك .. إذا ك هللا يطول عمرك ي

.ونحن الثالثة يدبرھا هللا !

ومين أسعد ؟ -

ھذا ھوي أسعد .. مخدومك ويبوس ايدك يا سيدي . -

ليش اخترت أسعد يا حجي ؟ -

103

وا أوالد , تيا سيدي أنا زلمة كبير أكلت عمري , وسعد وسعيد م - ان وخلف ا و جوزين من زم من خلف م

رة حرام تنق بابو .. و الزھ رة ش دو بزھ انو متجوز و بع دو صغير وم ا أسعد بع ا مات , أم و ھيك ي طف .. م

سيدي ؟

أي حجي أي ... ھيك ... يا شرطي ... يا شرطي ... تعال رجع ھالجماعة وحطھم بمھجع واحد . -

نتين عشرات المرات , ولكن ذا الحوار سمعته خالل س عاد جميع أفراد العائلة إلى مھجعنا , ھذه القصة .. ھ

ذين وردت الئحة –وكان أحد أيام الخميس –منذ خمسة أيام اإلعدامات وبدأ الشرطي بقراءتھا , كان اسماء ال

سيعدمون من مھجعنا ھم ( سعد وسعيد وأسعد ) , عندھا ثار األب .

ا راش أسعد , أيقظاه , كان ى ف ا إل يھما , توجھ ام سعد وسعيد عن فراش أسعد كان نائما عند قراءة االسماء , ق

يناديه سعيد فيسكت سعد : يناديانه باسمه , عندما يناديه سعد يسكت سعيد ثم

ا - وا مھرب .. ي ا من وم .. أمر هللا وم وم .. أسعد .. ق أسعد .. يا خاي .. أسعد .. فيق .. قوم .. يا خاي ق

أسعد .. يا خاي .

تفھام , ا االس ا نظرة ملؤھ ا وھو ينظر إليھم دل جالس استيقظ أسعد , ونظر إلى أخويه على جانبي فراشه , اعت

وسألھما :

؟ .. شو في يا خاي ؟ .. شو صار ؟ شو -

ما في شي ..... بس قوم .... فيق .... الزم نقوم نتغسل ونتوضا ونصلي , بعدين الزم نودع ناس . -

تجمدت قسمات أسعد للحظات , ثم نظر إلى أخويه وسأل :

أنا كمان معكم ؟ -

نعم .. انت كمان معنا ! -

ونعم الوكيل ... توكلنا على هللا .ال حول وال قوة إال با .. حسبنا هللا -

قام الثالثة باتجاه المغاسل التي كانت قد افرغت وتركت لھم فقط .

ى قفز األب السبعيني إلى الممر بين طرفي المھجع وھو يلوح بيديه تلويحات عدم فھم وعدم تصديق !! مشى إل

ادة و ارس ع ا الح ل منھ ي يط راقة الت ف تحت الش ع , وق ماء , منتصف المھج ى الس ى .. إل ى األعل ر إل نظ

وبصوت راعش ولكن قوي :

ر .. - دي أكف يا رب .. يا رب العالمين , أنا قضيت عمري كلو صايم مصلي وعم أعبدك , يا رب أنا ما ب

ى الصراخ حاشا واستغفر هللا العظيم .. بس بدي اسأل سؤال واحد : ليش ھيك ؟ .."وبصوت عالي أقرب إل

ار ! .. وھو يلتفت إلى وي .. انت الجب يش ھيك ؟؟ أنت الق المين .. ل ا رب الع يش ھيك ؟؟ ي ك ل اس" .. ول الن

ول إن هللا يمھل وال يھمل ؟ .. دك تق ول ؟ ب دك تق يش ؟ .. شو ب ا .. ل وا فين ـ الظالمين يفظع ليش عم تترك ھـ

ا هللا ع من أوالدي ؟ .. ي دو يرج ين ب و أسعد... طيب ھــ الكالم م ن الخمس وعشرين سنة أنت ترضى أن اب

يس ساكت .. أنت .. انت .. استغفر هللا العظيم استغفر هللا ينعدم على أيدي ھــ الظالم ؟! قلي .. جاوبني .. ل

العظيم ... يا رب ... لو كان عندك ثالثة أوالد وراح يروحوا عـ اإلعدام بلحظة واحدة .. شو كنت تعمل ؟ ..

ـ الظالمين ھاه ؟ .. طيب جاوبني على ھا الس ؤال الصغير بس .. انت .. رب العالمين .. معنا نحن و إال مع ھ

104

ا رب .. بعزتك م .. مع الظالمين !! ... استغفر هللا ... استغفر هللا .. ي ؟! لحد اآلن كل شي يقول ... أنك معھ

دي ة , ب ك الثالث ع لي أسعد , ال تخليه يموت .. أنا ما عم قل أسعد بس .. وانت وجاللك .. بس اسعد , بس رج

قادر على كل شي !.

ه , ,السكون و الوجوم يخيمان على المھجع , أبو سعد سكت أيضا ين يدي ى األرض ووضع رأسه ب جلس عل

دبعد قليل رجع اإل م وب ة , صلوا أخر صالة لھ ه ؤخوة الثالث م يتحرك من مكان و سعد ل اس , أب ع الن وا بتودي

ا , جلسوا خوالزال رأسه بين يديه , انتھى اإل ذي الزال مطرق ام األب ال وا أم وة من وداع الناس , جاؤوا ووقف

حوله .. سأله سعد :

و آأبي ... يا أبي .... ما بدك تودعنا ؟ ..... أبي هللا يخليك ال تحرق قلبنا ب - ا ب خر عمرنا ... ابوس أيدك ي

....

ه باتجاھھم ع يدي ة , رف ة حارق ا ... رفع األب رأسه , شملھم بنظرة ذاھل دين وأخذوا بتقبيلھم تقط أوالده الي , ال

ا ينشجون ويشھقون ... ه ... أخذ الرجال جميع اء المھجع كل اء فجائعي , عم البك ع اوأجھش األربعة ببك رتف

اء ه شھقات البك و حسين في منتصف المھجع , وبكالم تقطع ا , وقف أب اعي عالي صوت نشيج الرجال الجم

ع أن يخفضوا اصواتھم :المتتالية أخذ يرجو الجمي

ا يمن شان هللا يا اخوان ... ھلق .... نكون بشي بنصير بش - ... وطوا الصوت يا شباب .. من شان هللا ي

شباب .

اء أنفسھم في حضن األب , تجمعئسحب األب يديه من أيدي ابنا ه , القى األبن ته وحاول أن يلف الثالثة بيدي

وعھم الرؤوس الثالثة على صدره , وضع األ ونھم والزالت دم ع عي د أغمض الجمي ى رؤوسھم وق ب يديه عل

تسيل ولكن بصمت .

ع االب ةمر اه األب وأوالده , رف اخرى بدا المھجع يھدأ , مسحنا دموعنا جميعا ونحن شاخصون بأبصارنا اتج

ه وبصوت اس المحدقين ب ى الن ه إل ة ... حول عيني رؤوس الحليق ه رأسه قليال , مسح بيديه على ال ادئ ولكن ھ

قوي بدأ الكالم كمن يخاطب نفسه , قال :

ذا - ه مھرب .. ھ ا من ر هللا م ر هللا : أم ي ال انوإ انإأم ا ابن افوا .. ي يش .. ال تخ ون .. معل ه راجع الي

م .. أمكم تخافوا .. خليكم سباع .. قلبي وقلب ا آخرة.. رضا هللا ورضاي معك يكم دني اكم .. هللا يرضى عل مع

لموت كاس .. نعم كاس .. كل الناس بدھا تشرب منه ...ھذا ا

سكت قليال التفت إلى الناس واستأنف حديثه :

رھم .. آخ .. - ولك بس ليش ؟.. ليش اوالدي أنا .. ليش ؟ ..يا جماعة .. يا ناس ھدول أوالدي .. ما عندي غي

ا جم ك ي ا أسعد .. آخ .. ول نكآخ .. هللا وكيلكم ما عندي غيرھم .. آخ ي دا م ك ح اس .. ل ا ن شاف ھيك ماعة ي

يش .. اس .. ل ا ن وا ي دا يخبرني .. احك ك شي ح ـ المشانق !!.. ول شوفة .. أوالدي كلھم قدامي راح يتعلقوا ع

ي ليش أنا وأوالدي .. شو عملت من الذنوب تحت قبة هللا حتى يجازيني ھيك جزاء ؟!.. آه يا ابني آه .. يا ريتن

يش متت من زمان وال شفت ھي يش .. ل ك شوفه !.. ياريت متت وال عشت ھيك يوم !! .. آخ .. يا ربي آخ .. ل

.. ليش .. ؟؟.

105

ه ن تحت ابطي األب م كوا ب ع ، أمس ي منتصف المھج ة ف ث جلست العائل ى حي ن إل ار الس ن كب ة م دم ثالث تق

ا وه ، تن وووأنھض ه يق ديث مع ى الح ه وبوا عل ة هللا, ن عزيمت ان بحكم رورة اإليم ه بض د يذكرون ام أش أم

المصائب ھوال ، سحبوه بھدوء إلى فراشه .

ه في وه مكان ا ، أمسكه الرجال وثبت تفض األب واقف اللحظة التي جلس بھا على الفراش قرقع مفتاح الباب .. ان

اه الخروج وعناصر ثالث باتج يرجونه الھدوء ، لدى فنح الباب وقف جميع الناس في المھجع ، سار األخوة ال

وا ، توقفت نظراتھم الشرطة يصر وا والتفت اب توقف ى الب د وصولھم إل نھم اإلسراع .. لكن عن البين م خون ط

ھم !.ءثم خرجوا وأغلق الباب ورا لثانيتين أو ثالث على والدھم،

اب .. اه الب ام اتج ى األم دودتان إل داه مم اقة شاب عشريني ي أفلت األب نفسه من قبضة الرجال وركض برش

وھو يلھث :

ي رجاع أوالدي - ا أبن .. يا جماعة أوالدي .. ولك يا أسعد .. رجاع .. رجاع !!.. ولك أكيد في غلط .. ولك ي

.. خليني أنا روح محلك !!.

ه برفق اعترضه أبو حسين محتضنا اياه ، لف يديه عليه بقوة ، وتعاون مع الرجال اآلخرين إل ى مكان ه إل عادت

أنظاره إلى الباب ... اجلسوه وجلسوا حوله يواسونه وھو شاخص ب

ونسيم ملتصق بالثقب يراقب ، ينشج ، يمسح دموعه التي لم تتوقف !. ةمنذ أن خرج األخوة الثالث

ين من ى اثن وه وأوعز إل ده أن يترك م بي و حسين أشار لھ ه لكن أب بعض منع د ، حاول ال نھض األب من جدي

مجموعة قال أبو حسين :الشباب أن يقفوا قرب الباب تحسبا .. وعندما ابتعد األب عن ال

وه - ده ، بس ال تخل وه يعمل شو ماب ه ويصبره .. اترك ه محروق .. هللا يعين اتركوه .. اتركوه يا جماعة ، قلب

يقرب على الباب ، مصيبته كبيرة وبدھا جبال حتى تتحملھا !.. ال حول وال قوة إال با .

ى ه إل وم ، يأخذ األب يسير سيرا سريعا وسط المھجع ، من أول ر مفھ ا غي تم كالم ه في ؤآخره ، يتم شر بيدي

م يم الملتصق بالثقب ، ث ى نس يال .. ينظر إل أ قل ان يتلك جميع االتجاھات ، وعندما يصل بمشيته أمام فراشي ك

يعاود المشي .

ي وكنت و حسين إل يم ال يجيب ، نظر أب أبو حسين جلس إلى جانب نسيم يسأله عما يجري عند المشانق ، نس

يح جالس يال ليت ه أن يتراجع قل ا خلف نسيم كأنه يطلب مني أن أتدخل ، وضعت يدي على كتف نسيم وطلبت من

ألبو حسين أن ينظر من الثقب ، لكن نسيم لم يتزحزح وأزاح يدي عن كتفه بعصبية !.. كانت يده ترتجف، في

متضرعا :ھذه اللحظة وقف األب أمام فراشي، نظر إلي ثم جثا على ركبتيه أمامي، قال

خلوني شوفھم .. من شان هللا .. من شان محمد .. يا ناس خلوني شوف أوالدي .. خلوني ودعھم . -

أمسكه أبو حسين من يده ، انھضه ، ماشاه وسط المھجع طالبا منه أن يوكل أمره إلى هللا :

أبكي .. أبكي يا حجي ابكي .. وكل هللا . -

بدي أبكي ؟.. دموع ؟.. وإال دم ؟.يا أبو حسين .. يا ابو حسين .. شو -

.. هللا اخذ . ىهللا يصبرك .. ويصبرنا ، إن وإن إليه لراجعون.. هللا أعط -

106

ر، دأ األب يتماسك أكث يئا ب يئا فش بقي أبو حسين يسير مع األب أكثر من ساعة ، الجميع يسمعون الحديث ، ش

دا ى ال ه إلى اللحظة التي أدار فيھا نسيم رأسه ونظر إل ا ونظرت دا متھالك ى الحائط، ب ره إل تند بظھ د اس خل وق

زائغة ال تعبر عن شيء ، عنھا عرف الجميع أن األمر قد انتھى .

أسرعت بأغالق الثقب أمام نظرات األب الذي توقف عن المشي وھو ينظر إلى نسيم نظرة ھلع ، ثم وضع يده

وصاح بصوت حارق :

يا ولداه ..!! -

ابو حسين ، تعاون بعض الشباب لنقله إلى الفراش . انھار أرضا بين يدي

أداء صالة الجنازة جماعيا وعلنيا !!.عارضا عليھم بعد قليل دار أبو حسين على الجميع في المھجع

ر ، لكن في كانت ھذه الفكرة في وقت آخر ستبدو ضربا من الجنون ديدة من الكثي ،وكانت ستلقى معارضة ش

عليھا الجميع دون استثناء .ھذه اللحظة أيدھا ووافق

ة شخص في ر من ثالثمائ تظم أكث ا ، ان ر من أحد عشر عام ه أكث ألول مرة منذ وجودي ھنا الذي مضى علي

المھجع وصلوا عالنية صالة واحدة !!.

وقفت معھم في الصف األخير إلى جانب نسيم وأبو حسين الذي نظر إلي متعجبا مستغربا !.. و" صليت " .

ة عاد الجميع ة والعلني ذه الصالة الجماعي د ھ إلى أماكنھم ، يتمتمون باألدعية ، الشعور بالحزن طاغ ، لكن بع

خالط الحزن قليل من الرضا عن الذات .. شعور غير مرئي باألنصار ..! .

جلس نسيم على فراشه بعد الصالة ، ومنذ تلك اللحظة وحتى اآلن ، لم يتكلم أبدا .. ولم يأكل البتة !.

آب 1ا أاليوم قلعت ضرسين من أضراس العقل , تخلصت من أسو ا السجين ھن ياء التي يمكن أن يتعرض لھ األش

" آالم األسنان " .

ادة إن أبي بعقليته العسكرية الصارمة اكسبنا بعض العادات , في البداية تكون قسرا , ولكن مع األيام تصبح ع

ادة ال نستطيع التخلي عنھا , من ھذه العادا ذه الع د أدمنت ھ ا, وق ت تنظيف األسنان بالفرشاة ثالث مرات يومي

ناني بالفرش م أنظف أس ا إذا ل وم , و اآلن مضى اإلى درجة أنه كان يستحيل علي النوم مھما كنت تعب ل الن ة قب

دأ ا ا فمن الطبيعي أن تتخرب األسنان وتب اة , سنوات طويلة لم أر فيھا أية فرشاة , وألنه حال الجميع ھن لمعان

ة .. ا آني ذه كلھ دام فھ ذيب و الموت و اإلع ه , أسوء من التع ا تعرضنا ل ين كل م فآالم األسنان ھي األسوء ب

لحظية , أم ألم األسنان فيبقى مالزما اإلنسان في الليل و النھار يمنعه من النوم وال يتركه يھدأ لحظة واحدة .

دخلرغم أن أطباء األسنان من السجناء قد وا , وات م يكون نھم ل ائلھم , لك اتھم ووس و الحاجة طوروا آلي ومع نم

يملكون إال عالجا واحدا وھو القلع !.

ع ا الطبيب يبقى القل د الطبيب رغم التخدير ورغم األدوات التي يملكھ ع األسنان عن ؤلم قل معروف كم ھو م

مؤلما ومكروھا , أما ھنا فال تخدير .. وال وسائل قلع مطلقا !.

ايلون ) و الشيء ك ة ( الن ة الرفيع وط التركيبي ا من الخي ا متين دلوا خيط م ج اء األسنان ھو أنھ ه أطب ام ب ل ما ق

الثاني الذي يقومون به ھو تحديد السن او الضرس المخرب الواجب قلعه .

107

ة عم ة أشخاص أو ثماني ة من ثماني راعم , وھي مؤلف ة .. في المھجع مجموعة تسمى ( تحببا ) مجموعة الب الق

الون حصة الطبع ين ام واحدة وب م يشكلون مجموعة طع ة , وھ أجساد ضخمة , طوال القامة , عضالت مفتول

مضاعفة من الطعام .

الخيط بعد أن يحدد الطبيب الضرس الواجب قلعه يأتي دور مجموعة البراعم , يربط أحدھم الضرس الخرب ب

ى المتين بينما برعم آخر يثبت رأس المريض بكلتا يد اج األمر إل يه , فيجذب األول الخيط بقوة , ونادرا ما احت

أكثر من شدة واحدة ليخرج الضرس معلقا بطرف الخيط , أنا لم أخلع أضراسي بھذه الطريقة .

ر اجع السجن وأخب ى مھ تحسن موضوع الطبابة في السجن الصحراوي منذ عدة شھور , فلقد دار المساعد عل

ع سنا أو ضرسا فبإمكانه فعل ذلك عند طبيب األسنان التابع للسجن , كذلك المرضى الجميع أن من يريد أن يقل

باألمراض العادية يستطيعون أن يراجعوا طبيب السجن لشراء األدوية التي يحتاجون .

جيا بطييھذا التحسن بدأ من سنتين أو ثالث , وكان تدر ادمين الجدد إ ئا ل عدد الق د ق ا فلق ى , وكان ھذا طبيعي ل

أكثر , تباعد ر .. ف م قلت أكث د بالعشرات , ث ات اسبوعيا أخذت تع د بالمئ دفعات تع د أن كانت ال السجن , فبع

مرات مجيء الھيلوكوبتر وبالتالي المحاكمات و اإلعدامات , خف التوتر و الشحن في نفوس عناصر الشرطة

ل , أصب ل للقت ا الضرب للضرب و القت ى الغالب , قلت الحاالت التي يكون فيھ ل او الضرب سبب عل ح للقت

كالصالة مثال , أو أن يرى السجين فاتحا عينيه اثناء التنفس .

ةأما نسيم فقد ساء وضعه كثيرا , بقي صائما عن الطعام و الكالم مدة خمسة أيام كاملة بعد إعدام اإلخوة الثالث

اب , حينھا تعاونا أنا وأبو حسين على إقناعه بأن يتناول قليال ة من االكتئ ك دخل في حال من الطعام , رغم ذل

لعب الشطرنج , وتوقف عن األعمال الفنية التي كان يشكلھا من العجين .يعد يالحاد , عزوف عن الكالم , لم

بعد حوالي عشرة ايام كان جالس إلى جانبي وھو ملتزم الصمت , التفت إلي ببطء وقال بالفرنسية : ا

يعدمون أو يقتلون ؟ أين يدفنون جثث الذين -

ال أعرف .. وال أعتقد أن أحدا من السجناء يعرف !. -

حسب رأيك ... ھل تكون جثث سعيد وسعد و أسعد قد تحللت ؟. -

يا أخي .. يا نسيم .. دعك من ھذه األفكار السوداء . -

لتراب .من المؤكد أن الشرطة تحفر حفرة كبيرة ثم تفرغ فيھا كل ھذه الجثث وتھيل عليھا ا -

نسيم ارجوك .. أرجوك يكفي كالما بھذا الموضوع . -

م - دان في الف الشك أن الديدان تنھش اآلن لحم األخوة الثالثة .. ديدان في العينين .. ديدان في البطن .. دي

.. الديدان تخرج من فتحتي األنف .. ديدان .. ديدان .

نسيم .. يكفي .. قلت لك يكفي . -

دة , ءتفي أفكاره , با بعدھا صمت وغرق ا عدي كل محاوالتي إلخراجه من صمته بالفشل , يظل صامتا أيام

وعندما يتكلم يبدأ بطرح األسئلة الكبيرة :

ما ھي الحياة ؟ . -

108

ذه - ول أن ھ ما ھي الغاية من ھذه الحياة ؟ .. ھل من المعقول أن تكون الحياة بال ھدف ؟.. ھل من المعق

؟ .الحياة من صنع هللا

ماذا يستفيد هللا من خلق شخص مثل أسعد ؟.. أتى به إلى ھذه الحياة , تعذب كثيرا ثم أعدم .. مات وھو -

اليزال في أول حياته !! ... حتى أنه لم يأخذ الوقت الكافي ليثبت إن كان رجال صالحا أم طالحا ؟!.

ت باللغ ذا الموضوع كان ول ھ ه ح اؤالته وأحاديث ل تس ب أن ك ى الغري رب إل ي اق ان احساس ية !, ك ة الفرنس

الفجيعة , ھو يغوص في كآبته ومتاھاته وأنا أغوص أكثر فأكثر في الحزن و األلم عليه .

وا فتحه ل أن يتم بقي على ھذا المنوال حوالي الشھرين , وذات صباح , فتح عناصر الشرطة باب المھجع , قب

ل ه , بأق ه كالعادة قفز نسيم كنابض مضغوط تم افالت اب بقدم د أن رفس الب ة اصبح خارج المھجع بع من ثاني

مكمال فتحه !.

ة أھم ثاني ى فاج ى حت أة األول ع المفاج م يتخلصوا من وق ة , ول ديات ألول وھل وجىء عناصر الشرطة و البل ف

بالھجوم عليھم ..

مل ھائج , عاصر م يتحرك ويصرخ صراخا وحشيا كجيالباب مفتوح ونحن نراقب ما يحدث بالساحة , كان نس

ذه م ھ ن تعل يم ؟.. أي ا نس ي أظھرھ ة الت وة الھرقلي ذه الق ا ھ ل من عشرة .. وذھلت .. م ديات أق الشرطة و البل

الحركات القتالية ؟!.. يھاجم أحدھم , يقفز أمامه عاليا ثم يھوي بسيف كفه على رقبته أو على أنفه فيلقيه أرضا

دي ن البل د م رطة وواح ن الش ن عناصر !!.. عنصران م بعض م ة !! ال ن دقيق ل م الل أق ا خ اھم أرض ات ألق

ه , عال الصياح و يم لإلمساك ب ى نس بعض اآلخر ھجم عل روا .. ال الشرطة و البلديات ابتعدوا مسرعين .. ف

ا أخذين ادق ولقموھ ا أشرعوا البن الصراخ في الساحة , أطل الحراس الموجودون على األسطحة , سرعان م

تحم وضعية الرامي , وج ھوا بنادقھم اتجاه نسيم .. وھبط قلبي بين قدمي .. ھل سيطلقون النار عليه ؟.. لكنه مل

مع الشرطة .

اقي العناصر يهأحد الرقباء ھجم عل من الخلف وأمسكه من رقبته محاوال إيقاعه على األرض لتثبيته , تشجع ب

ق دور حول نفسه بسرعة والرقيب معل يم أخذ ي دة دورات فھجموا عليه , لكن نس ه من الخلف , دار ع برقبت

يم , توقف دور مع دوران جسم نس دما الرقيب عن األرض وأخذ ي تزداد سرعتھا مع كل دورة .. ارتفعت ق

نسيم فجأة وجذب الرقيب فألقاه أرضا !! .

يم لدرجة أنن م فتح باب الساحة الحديدية األسود وأخذ عناصر الشرطة يتدفقون , العشرات منھم أحاطوا بنس ا ل

نعد نستطيع أن نراه , مع ھدوء حركتھم تأكدنا أنھم قد تمكنوا منه .

صاح احد الرقباء :

امسكوه .. ال تضربوه .. مدير السجن جاي لھون . -

دم ة تق ة , بمشية ھادئ ل القام حضر مدير السجن يحيط به المساعد وعدد من الرقباء و الشرطة , أربعيني طوي

حيث نسيم ملقى على األرض .

ه يم أمام باب مھجعنا الزال مفتوحا , نراقب ما يحدث دون أن نلتفت برؤوسنا , طلب مدير السجن إحضار نس

تفض وأفلت نفسه من قبضتيھما اة ان , انفض جمع الشرطة من حول نسيم واوقفه على قدميه عنصران , وفج

109

دير السجن , خطوة أو خطوتبوھو يصرخ اه م دما اتج وم متق ر مفھ الم غي ه مجموعة من ن ويك ھجمت علي

الشرطة أحاطوا به جيدا وثبتوه .

ا أشار تحادث مدير السجن مع المساعد و الرقباء بكالم لم نسمعه , أحد الرقباء اه مھجعن دير السجن اتج ى م إل

ا من المھجع ه , طلب طبيب م مع و حسين و تكل اء , طلب أب فتقدم المدير من الباب معه المساعد وبعض الرقب

م ذھب ال تشاور قليوسأله , ده , ث ذي يري مع طبيب السجن , عاد وطلب طبيب المھجع سائال إياه عن الدواء ال

بعد أن أمر بإعادة نسيم إلى المھجع دون إزعاج .

ق ،كان تصرف مدير السجن أقرب إلى التفھم و الود أقرب إلى تصرف الراعي , ھذا األمر المستغرب .. أطل

لم تنته . تكھنات وتحليالت وتأويالت

ى دفعات , ا وعل ة وذھاب يا سريعا وسط المھجع جيئ بعد إغالق الباب بقي نسيم لمدة ساعتين تقريبا يمشي مش

كل دفعة ما يقارب الخمسة دقائق , يقف بعدھا ويبدأ الدبكة وھو يغني :

الغربة الوطن حنونا بي على دلعونا على دلعونا بي

ي السريع بعدھا .. لم يكن ينظر إلى أي شخص وال إلى أي مكان ! في المشي أو الدبكة , ينظر إلى يعاود المش

نقطة محددة أمامه ال يحول بصره عنھا !.

ديد يس المھجع , بحذر ش ى رئ ودي عل ة ) , ن اب ( الطالق ذة الصغيرة في الب بعد ھاتين الساعتين فتحت الناف

ين قائال :أعطى الرقيب ثالث علب دواء ألبو حس

ھدول .. دواء المجنون !. -

اب , اه الب ق كالسھم اتج تفض وانطل ا الرقيب , ان ارة التي قالھ ا , سمع العب اب تمام كان نسيم لحظتھا قبالة الب

ده اب .. أخرج ي شاھده الرقيب في انطالقته فتراجع إلى الوراء عفويا رغم الباب المغلق .. وصل نسيم إلى الب

ول االمساك بالرقيب وھو يصرخ : من الطالقة يحا

م - وان .... كلك ا حي المجنون ؟!.. انت المجنون ولك كلب !... أبوك المجنون .... امك المجنونة ... ولك ي

مجانين .

من الخارج سمعت صوت الرقيب يصرخ بالجندي :

سكر .. سكر .. العمى .. ناقصنا مجانين ؟!. -

ي عشر ارب االثن ا يق تھم ألول مرة منذ م يم في الساحة , رأي ام نس روا من أم ائفين , ف ا أرى الشرطة خ عام

مذعورين !, ألول مرة أراھم يتلقون الشتائم وال يطلقونھا !.. يتلقونھا وال يردون !.. وتساءلت :

د ى تقف عن ة .... حت ة مجنون ى مواجھ ( ھل تحتاج ھذه القوة الطاغية التي تمثلھا الشرطة إلى الجنون ..... إل

دھا ؟ ! ) .ح

ة ذه الحال ه أن أي مريض بھ د أن شرح ل رفض نسيم تناول الدواء من الطبيب , وتشاور ھذا مع أبو حسين بع

راعم إلعطا تعانة بمجموعة الب ه االس وب , وطلب من تالع الحب ى اب اره عل دواء ويجب إجب اول ال ه ئيرفض تن

ر ة أو خمسة أشخاص الدواء بالقوة , فالمريض في ھكذا حاالت يمتلك قوة ھائلة غي ى أربع اج إل ة ويحت طبيعي

حتى يستطيعوا إمساكه وإجباره على ابتالع الحبوب !.

110

ي ه , ابتسم ل ل وكنت اراقب د منتصف اللي تيقظ بع ا , اس ا عميق ا نوم ى إثرھ ام عل دواء , ن اول ال قبل الظھر تن

ابتسامة واھنة دون أن يتحرك من مكانه , قال لي :

ك ؟ .كيفك ... كيف أحوال -

أنا ممتاز .. انت كيف أحوالك ؟ . -

ماشي الحال .. بس نعسان .. بدي نام . -

ان ابه , ك ة مشكلة أو ماش م يمر بأي ه ل و أن ا ل نام بعدھا إلى الصباح وعندما استيقظ تصرف تصرفا طبيعيا كم

نفس ي ھي ب ة و الت رات الطفيف ن التغي ر م د الحظت الكثي ا فق ا أن ع ... أم ذا رأي الجمي ا ھ ا دالالتھ الوقت لھ

ى ة عل ة معلق اك ابتسامة دائم ابيع التي تلت , أصبح ھن العميقة , ھذه المالحظات تكونت بمرور األيام و األس

ى الدھشة التي درة عل يم الق د نس شفتيه , ھي ابتسامة مزيفة أو أنھا ممزوجة بحزن دفين في أعماق النفس , فق

على ما يعجبه واستمر بإضرابه عن العمل في العجين .كانت من أھم سمات شخصيته , لم يعد يسخط

ه يجب ئأوكل لي الطبيب بصفتي صديقه وجاره أمر إعطا ى أن ددا عل دواء بانتظام , مش دا أه ال ن ال أنسى أب

مواعيده , ألن أي انقطاع عن تناوله سيؤدي حتما إلى عودة حالة الھياج الشديد والعدوانية !.

م يتطرق بقيت عالقتنا الثنائية ه ل ام لكن بنفس الحميمية , استأنفنا حياتنا اليومية المشتركة كالسابق , ومرت األي

لم يعد إلى ذكره أبدا . ةخوة الثالثبحديثه وال مرة إلى ما حدث , حتى موضوع إعدام اإل

مشاعري الداخلية اتجاھه ھي ھي لم تتغير , لكن احساسي يقول :

" ان ھناك شي ... قد مات " . ما داخل نسيم ئا

وكنت حزينا جدا لموت ھذا الشيء .

أيلول 25 الغبار يمأل األجواء .

ذا في عرف بعد ستة أشھر أو سبعة سأتم عامي الثاني عشر في السجن ، لقد عدت إلى عد األيام والشھور وھ

السجناء داللة سوء ، لكن أال يحق لي أن أتسأل إلى متى ؟.

نوات . بقوني بس ا س بعض ھن البراءة .. ال ال ة ب ة الميداني تھم المحكم ذين حكم ال ال ان األطف وا ! اذا ك . وال زال

ي ، مھمل ، ال ي .. منس زالوا يقيمون في مھجع يسميه عناصر الشرطة مھجع البراءة ، فھل يأمل شخص مثل

اه و ذا السجن ذو اتج ى ھ احد فقط ؟ يعرف حتى لماذا ھو ھنا .. أن يخرج من ھذا الجحيم ؟ .. ھل الطريق إل

م أر ود " صحيحة ؟ ل ود والخارج مول داخل مفق أن " ال ھل العبارة التي يكررھا السجناء وأكاد أسمعھا يوميا ب

أي شخص دخل ھذا السجن يخرج منه ! .

دار أو .. الم لألق ل واالستس ز الكام ا العج ا .. إم د الخالص ؟.. لست أدري ، ومعھ ين موع ى يح ى .. مت فمت

ن ھذا العذاب اليومي الذي يبدو بال نھاية .االنتحار والخالص م

وتجيش نفسي بالغضب .

************

111

ام ، وفي العجاج ، أو كما يسميه البعض " الطوز " .. يثورھنا في ھذه الصحراء مرتين أو ثالث مرات كل ع

اتسنوات القحط قد يزيد عن ذلك مرتين أو ثالثة ، تمأل األجواء بالغب ة ف ور العواصف الرملي ك ث ر ويستمر ذل

يوم واء،يأو يوم ا ار ، ن أو ثالثة ، سواء استمر ھبوب الريح أم توقف فإن الغبار يبقى معلقا في الھ نفس الغب نت

تيقظ فنجد األنف .. الفم .. العينان .. تمتليء كلھا بالغبار ، ننام والغبار ما زال معلقا فوقنا وحولنا وداخلنا ، نس

مياھنا غبار .. طعامنا غبار . في الرأس قد امتألت يالتراب المسحوق الناعم، ان كل فتحات االنسان الموجودة

ذفت ع ق منذ صباح أول البارحة ابتدأ ھبوب الرياح واشتدت عند الظھيرة ، اصبحت الرياح زوابع ، ھذه الزواب

والعيدان الجافة من الشراقة التي في السقف باالضافة إلى الغبار ، مزق من أكياس بالستيكية والكثير من القش

الخفيفة الوزن .. أشواك .. شتى النباتات الصحراوية اليابسة .

د يظھر من وجوھم سوى م يع ر من األشخاص ل ا ، الكثي كل من لديه قطعة ثياب زائدة حاول لف رأسه بھ

العينان .

ين فت الريح على القضبان الحديدية للشراقة صفحة كاملة من جريدة .. علقت ھذه الصذفجأة ق القضبان فحة ب

.!

ع ريح ويسمع الجمي ا ال أنظار جميع من في المھجع تعلقت بھذه الجريدة العالقة بين القضبان في السقف ، تھزھ

صوت خشخشتھا .

سمعت البعض يدعون ويبتھلون إلى هللا ان يسقط الجريدة داخل المھجع وأال يجعلھا تطير بعيدا !.

ا في األجواء الطبيعية كنا نرى الحارس كل بضعة دقائق ، إما ان يطل ناظرا من الشراقة ، أو يمر من جانبھ

ى سطح و يمشي عل ه وھ ع خطوات ا نسمع وق دا عن الشراقة فإنن ون بعي دما يك ى عن ه ، حت رى ظل راه أو ن فن

المھجع جيئة وذھابا ،اآلن ال أثر للحارس ، يبدو أنه يلوذ بأحد زوايا السطح متقيا الرياح والغبار .

دا كما تمن ى الجميع تمنيت أنا أيضا أن تسقط الجريدة داخل المھجع ، منذ أن أصبحت في بلدي لم أر حرفا واح

مطبوعا !، الجميع مثلي .. شوق حقيقي لرؤية األحرف المتالصقة ، الكلمات المطبوعة!.

ى المھجع ، ھذه جريدة ، وفي الجريدة أخبار ، ونحن منذ أكثر سنتين، ل إل يئا تاريخ قدوم آخر نزي م نسمع ش ل

عما يدور خارج ھذه الجدران األربعة .

سمعت نسيم يقول :

يارب .. يارب .. ولك يا انزلي . -

كان يخاطب الجريدة ، نظرت اليه ، أنظاره معلقة بالجريدة عاليا .

م يقف اع ا ، من ل وا بھ دل في الكثير من الناس وقف منتصبا ، الكثير أزاحوا عن وجوھھم األقمشة التي تلثم ت

ابع جلسته ، بعض من وقف مشى بشكل عفوي إلى تحت الشراقة ، الرأس مرفوع واألعين معلقة .. األنظار تت

تراقص الجريدة بين القضبان !.

واحد من الواقفين تحت الشراقة ، وھو من الفرقة الفدائية ، نظر إلى الناس وقال بصوت مسموع للجميع :

يا شباب .. ھرم ؟. -

له ھذا قفز العديد وھم يقولون :على أثر سؤا

112

ھرم .. ھرم .. ھرم ! . -

ة ة .. خانق وان مرعب لم تستغرق عملية بناء الھرم البشري وانزال الجريدة أكثر من عشر ثوان تقريبا ، لكنھا ث

وحابسة لألنفاس !.

كان من الممكن أن تكلف العديد حياتھم ، لكنھا مرت بسالم .

وأصبح لدينا جريدة !.

أبو حسين الفدائي الذي أنزل الجريدة وبلھجة سريعة :خاطب

بسرعة .. بسرعة .. عـ المراحيض ، اطويھا ، خلي واحد يقرأھا ويحكينا شو فيھا أخبار . -

وركض الفدائي إلى المرحاض حامال الجريدة .

انتصار آخر !. الفرحة عمت الجميع , فرحت حقيقية , الكثير تصافحوا وتعانقوا مھنئين بعضھم بعض.. إنه

نسيم إلي بعد أن عانقني .. قال : لتفت ا

قرأ " ؟ .اأنت تعرف أن أول كلمة نزلت من القرآن الكريم ھي كلمة " -

أعرف .... و أنت تعرف أن اإلنجيل يبدأ بـــ " في البدء كانت الكلمة " ؟. -

لك ھذا الحدث ؟ ول أعرف .. بس يا مخرج السينما شو يق -

ه تريد أحك - تعد أن يضحي بحيات ي كالم كبير .. مثل األفالم و الروايات ؟ الحدث بيقول : إن اإلنسان مس

في سبيل المعرفة .

صح .. شاطر . -

وضحكنا كما لم نفعل منذ شھور .

د ات الجري مية , و ةمحتوي ات الرس و صفة اإلعالن ن الصفحة ھ ه األول م يال , الوج ال قل ة لآلم اءت مخيب ج

ة من الوجه الثاني ارت زوبع ذه الصفحة أث دم !. وھ رة الق ام لك دوري الع ھو الصفحة الرياضية و بھا أخبار ال

ار ى ضوء األخب ذلك عل ع المحافظات , ول ا من جمي ا أن المھجع يضم اناس ى اآلن , فبم ه حت م تنت النقاشات ل

اريخ جماھير كل ناد من النوادي و أخذ تالرياضية الواردة في الجريدة سرعان ما تكتل اخر بمنجزات وت ت تف

انتصارات النادي الذي تشجعه .

نظم ؤوحتى اإلعالنات الرسمية أخذ الناس يقر نھا بعناية شديدة .. النھم إلى القراءة !, عين أبو حسين شخصا لي

ر اإلعالم " , ـ وزي ازحين بـ بعض م قراءة الجريدة بالدور من قبل الجميع , أصبح للجريدة مسؤول " اسماه ال

الذي ينظم دور قراءتھا , ينقلھا من شخص آلخر وھو الذي يحدد الزمن لكل شخص . وھو

الريح ھدأت تماما اليوم , لكن الغبار الزال معلقا بالجو , حتى داخل المھجع الغبار يمأل كل الفراغات .

************

113

ه مفتوحة في الصباح أعاد الشرطة للمھجع شخصا كان قد عوقب منذ شھر , ضبطوه في س نفس وعيون احة الت

ة في ة اإلنفرادي , بعد أن جلدوه ونكلوا به أمامنا فيما نحن ندور حول الساحة , أمر المساعد بوضعه بالزنزان

الساحة الخامسة .

ى نفس الصعداء , أخذ يضحك , جلس عل وا ت اب وذھب وا الب ى أن الشرطة أغلق بعد أن دخل وما أن اطمأن إل

رحلة الشھر التي قضاھا في الساحة الخامسة , بدأ حديثه بالقول :األرض .. وروى للجميع

يت - ع حس ت المھج ت دخل م ... وق تقت لك باب اش ا ش ديش إو هللا ي ـه .. ق ا اللـ ي .. ي ى بيت ع عل ي راج ن

المھجع حلو !.. يا شباب جنة .. جنة .. نحن عايشين ھون بالجنة ...

طفق يروي .. ويحكي يروي .. ويحكي !.

الخب وحاض داخل الزنزانة اإلنفرادية المر د أن زحتى يأمن أذى الجرذان أضطر أن يسد فتحة المرحاض ب بع

عجنه وجعل منه سدادة , أقسم أن ھناك جرذان بحجم الخروف الصغير ! ا

ثالث مرات في اليوم حفلة تعذيب أشبه ما تكون باالستقبال في أول قدوم السجين إلى السجن .

ام في ص اب ... يجب أن يخرج يوضع الطع ة , يفتحون الب اب الزنزان ار من ب د عشرة أمت ى بع ذر عل حن ق

السجين سائرا على أربع كما تسير الكالب .. وأن يظل ينبح في الذھاب , وفي اإلياب بعد أن يحمل الصحن ..

خالل كل ھذا تكون الكرابيج قد أكلت قطعا من لحم ظھره !!.

نيات وال أغطية وال أي شيء .النوم على االسمنت .. ال بطا

كان يروي ويضحك .. وجھه مشرق من الضحك ! .. (( ما الذي يضحكه ؟!)) .

************

الغبار ال زال معلقا .

ى " الشراقة " , ة ضعفت , ضعفت من األعل وترون لكن الرقاب رموش الناس أصبحت بيضاء , الشرطة مت

وضعفت من األسفل من األرض .

منذ ساعتين أثار اھتمامي والزلت أفكر فيه . سمعت حديثا

ام و تھم الرئيسية رعي األغن ة , مھن راءة أو الكتاب ون الق ون ال يعرف لدينا في المھجع أربعة من البدو , ھم أمي

ا للمرعى و الجمال , عاشوا طوال حياتھم في ھذه الصحراء المترامية يتنقلون في أرجائھا من مكان آلخر طلب

رار الماء , قب ى الف وبين عل ة مساعدة بعض المطل ض عليھم واعتقلوا وجيء بھم إلى السجن الصحراوي بتھم

إلى دولة مجاورة , وعندما يسألون ھنا عن ذلك يعبسون قليال ويجيب كبيرھم المدعو " شنيور " :

ا .. او هللا يا أخوي .. تھمة باطلة .. نحن بدو بديرة هللا .. ج - ادة العرب م " أتوا " جماعة علين ى ع و عل

ا خوي ا شيء ي اھم , ھاي فيھ .. رحبنا بھم , ضيفناھم من الميسور , بعدين يا خوي سألونا عــ الدرب .. دلين

؟! وبعدين يقولون لنا .. انتو عمالء .. و انتو جواسيس ! عجيبة و هللا يا خوي ! عجيبة .

114

دو اليوم بعد أن سرد شنيور ھذه القصة للمرة األلف تشعب الحدي اة ث كثيرا وكان كله منصبا على الب وحي

ة " البيت , ة أمكن دكان , البدو , سأله أحد أبناء المدينة من الذين لم يعرفوا في حياتھم كلھا سوى ثالث ال

الجامع " عما إذا كان صحيح ما يقال عن الكرم البدوي , وعن أسبابه ومسبباته , وختم سؤاله قائال بتعجب : ا

ا - ذبحھا وتطبخھ ة وحدة , صحيح أنك ت ر غنم وكيف يا أخ شنيور .. إذا اجاك ضيف وما كان عندك غي

لتقدمھا له ؟.. وليش ھذا الشيء ؟ ايه .. عمره وانشاء هللا ما بياكل ! .. انشاء هللا يأكل سم .

له .. له .. له .. يا خوي ما يصير تحجي ھيج " تتكلم ھكذا " . -

القرب من فراشي , مضى شنيور في م داخلة طويلة يشرح ويعلل ويفسر , كنت أنصت إليه قسرا ألنه جالس ب

لكنه بعد قليل شد اھتمامي بفكرة !.

قال شينور ما معناه :

أن للكرم البدوي أسباب - دوي يحب ضيفه إقال هعديدة , عدد عدة أسباب , لكن ا ن أھم االسباب ھي أن الب

ة و .. يعشقه !.. وھذا بسبب أن ان الرملي ين الكثب راري ب البدوي يبقى أياما وأسابيعا وشھورا يعيش في ھذه الب

ديث أنا من أن يجري ح ل ش رھم أق ه وأوالده يعتب ة , زوجت األتربة و الغبار في وحدة مطلق م ا ذلك وفي .معھ ل

ه حاالت كثيرة نرى البدوي يحادث أغنامه أو جماله !.. يكون في المرعى ال يسمعه أحد , ه يحب أغنام وألن

تائم الموجھ ديث بعض الش ذه الح ل ھ أس أن تتخل ا , وال ب ديثا معھ ه يجرى ح اغبة , و ةفإن ام المش ى األغن إل

ى ى األنس , إل ه إل ى أن حاجت يال إل ذا دل نم .. يكون ھ ديثا مع الغ البدوي عندما يصل إلى درجة أن يجري ح

د ب ذا الوقت إذا حضر الضيف فسيجد المؤانسة .. إلى االجتماع مع أي انسان , ق داھا األقصى , في ھ لغت م

ل ما عنده من كل شيء ضحتما شخصا متلھفا يغدق عليه الكثير الكثير من آيات الترحيب و المحبة , يقدم له أف

له للبقاء أطول مدة ممكنة . .. وھذا من حيث ال يدري مكافأة له على مجيئه , وإغراء

ا " يبدوا أن العزلة تعل د أزلت من نفسي قلق ينور , لق ا ش ك ي يم !.. شكرا ل م الحكمة , ھذا البدوي فيلسوف حك

د كانت عزلتي في المھجع أسو ان يقض مضجعي .. ق أة أمبھما ك دوي في الصحراء , وفج ة أي ب من عزل

ينور أن تكون عواطف دا حسب شرح ش يم جاء األنس و المؤانسة , فطبيعي ج ي اصبح نسيم ضيفي , مع نس

جياشة تجاھه " .

ى –التفت إلى نسيم بابتسامة ود وحب , أجابني بابتسامة دواء يصبح وضعه أقرب إل اول ال مع االستمرار بتن

قلت له : –الطبيعي

أنا رايح اغسل وجھي من آثار الغبار . -

اكتفى بھز رأسه .

أيار . 17ام ال أدري كم كان الوقت , أعتقد أنه بعد منتصف الليل , نسيم ن ه ين ه يجعل ذي يتناول دواء ال انبي , ال ى ج ائم إل

بعمق , لم أكن قد نمت بعد .

115

تح الثقب دي لف د ي ل أن أم ون , قب ا يفعل سمعت حركة في الساحة , جلست , نويت أن أنظر من الثقب ألرى م

ول اسم ه يق رار صراخه , إن اد لتك سمعت أحد الشرطة يصرخ بصوت عال .. لم أفھم ماذا يقول , ع ا , ا ثالثي

أنصت أكثر .. يصرخ :

ھذا االسم ؟. هيا مھاجع الساحة السادسة .. مين عند -

وقال االسم الثالثي مرة ثالثة .

إنه اسمي !!.

ألجزاء من الثانية كنت أتساءل من ھو صاحب ھذا االسم ؟.. وقعه ليس غريبا علي .. كأنني سمعت ھذا االسم

نه اسمي .إيوما ما !! ..

ة , اتلفت حولي مستغربا ما ال ى البالھ ادون اسمي ؟ أصابني شيء أقرب إل اذا ين ذي يجري ؟ ما ھذا ؟ .. لم

متسائال ! .

صاح أبو حسين وكان مستيقظا :

سم ؟. يا شباب .. في حدا عندنا بھـ اال -

حرفا .رفعت سبابتي عاليا كما يفعل التالميذ الصغار , رفعتھا في وجه أبو حسين دون أن أنطق

وعاد الشرطي يصرخ باالسم مرة أخرى .

انتقلت بالھتي إلى أبو حسين , فغر فمه , عيناه متسعتان دھشة :

ھذا االسم اسمك ؟. -

ھززت رأسي مومئا باإليجاب .

وبسرعة رمى أبو حسين جسده الثقيل اتجاه الباب , بدأ يدقه بسرعة وقوة وھو يصرخ :

/ . 8ا االسم في المھجع الجديد رقم /ھون يا سيدي .. ھون .. ھذ -

فجأة , لم يعد يصرخ أحد . .ھدأ كل شيء

بعد دقيقة أو أكثر فتح الباب , وقف الرقيب ومعه شرطيان , توجه إلى أبو حسين سائال :

ھذا اإلسم عندك .. يا رئيس المھجع ؟ -

نعم سيدي .. ھذا ھو . -

, نظر بعيني غاضبا , سأل : و أشار باصبعه اتجاھي , اقترب الرقيب مني

ھذا اسمك ؟ -

نعم سيدي . -

رفع يده عاليا وبكل قوته ھوى بباطن يده على خدي األيمن , دار جسدي كله ربع دوره , بسرعة البرق ألحقھا

ال ابلطمة على خدي األيسر بقف اي , ق ام عين راقص أم ى الوضع الطبيعي , عادت النجوم لتت ادتني إل ده اع ي

: غاضبا

ا شرموط - يا جحش .... يا ابن الكلب .... صار لنا ساعتين ندور عليك ونصرخ .. ليش ما عم تجاوب ي

.. ؟

116

سكت .

مد يده , وبقوة سحبني من صدري ليقذف بي خارج المھجع , وأغلق الباب .

أغلق باب المھجع في وجھي إلى األبد .

ى الساحة ضربا .. ركضا , الرقيب وعنصرا الشرطة من الخ لف , يسوقوني أمامھم , من الساحة السادسة , إل

ت ة صغيرة , الزال ي التفات ت من جن , حان ام الس دي الصغير , أصبحت أم اب الحدي ى الب ا إل صفر !. ومنھ

المنحوتة الحجرية في مكانھا :

" ولكم في الحياة قصاص يا أولي األلباب "

هي عشرة عاما قرأت ھذه المنتمنذ أكثر من اثن ن ؟ .. .ودخلت ،حوت ى أي ه وأخرج , إل ذه المنحوت رأ ھ اآلن اق

لست أدري !!.

ي دم من ر , تق ارب النصف مت ا يق دني بم دا , يزي ل ج ي , أحدھم طوي ثالثة رجال في اللباس المدني تقدموا من

وفتح ورقة كانت مطوية في يده وسأل :

أنت فالن ؟ -

نعم . -

ابن فالن وفالنة ؟ -

نعم . -

أنت ..؟ .. نعم . –نت كذا ... كذا .. نعم أ -

التفت إلى رفيقيه , قال :

ھات الكلبشة . -

ناوله أحدھم الكلبشة , الكلبشة االسبانية .

ع بعض م وق ام , ث ى األم دتين إل داي مقي ة , أصبحت ي ة ناعم مددت يدي إلى األمام , البسھما الكلبشة , طقطق

ا .األوراق وسحبني إلى مسافة خمسين متر

ين ،سيارة تكسي " بيجو فرنسية " ين االثن ه , جلست ب ى جانب ل إل ود , جلس الطوي السائق يجلس خلف المق

اآلخرين في المقعد الخلفي , انطلقت السيارة في عتمة الليل , أنوارھا تشق الظالم شقا .

ر موجود مع ة لم يتكلموا بشيء , لم يضربوني أو يزعجوني ابدا , تعاملوا وكأني غي ل من انطالق د قلي م , بع ھ

ال ل , ق د منتصف اللي ة و النصف بع ا الثاني ابوه أنھ اعة فأج ل عن الس أل الطوي يارة س والي إالس ينام ح ه س ن

الساعة .

وني دة , أغمضت عي رات متباع ى فت يارة عل رآة الس ي بم ذي ينظر إل بعد ساعة نام الجميع عداي و السائق ال

ألوھمه أنني نائم , وتساءلت :

117

ذي - ان ال ان المك ا ك ه مھم ة ان وه , خرجت بنتيج ع الوج ن جمي ر م ن ؟ قلبت األم ى أي رى .. إل ا ھل ت ي

سيأخذوني إليه فإنه حتما سيكون أفضل .

يال ه ؟!.. ،ارتحت قل ى جانب تيقظ صباحا فال يجدني إل دما يس يفعل عن اذا س اذا سيقول , و م يم .. م فكرت بنس

اشتقت إليه .

ن يمكن أن أغفوا ولكن فجأة ترنحت السيارة , السائق أخذ يصيح : استرخيت قليال وكا

يا لطيف .. يا ستار .. يا لطيف . -

ا ة أن يسيطر عليھ ارة فائق يارة , استطاع السائق بمھ استيقظ الجميع وصرخوا , لقد انفجر اإلطار الخلفي للس

بعد أن خرجت عن الطريق وتوغلت في رمال الصحراء .

ا وصلنا العاصمة ق ا في الصحراء وأقرب نقطة إلين بيل الظھر , استغرق اصالح اإلطار عدة ساعات , فقد كن

تبعد عشرات الكيلومترات .

ھذه مدينتي .. لم أعرف شي ا وترعرعت وكنت ئا دت فيھ دينتي التي ول ا !.. م ا نسير فيھ في الشوارع التي كن

ى درجة أحسب نفسي ضليعا في معرفتھا , لم أعرف في أي شارع نحن د تغيرت إل ن نتجه !.. لق ى أي وال إل

ا أعود ا أن ة , ھ ة للمدين ى الساحة المركزي يصعب على من غاب عنھا ھذه المدة أن يعرفھا , إلى أن وصلنا إل

ا ي أن أقف تحت رذاذھ إلى مدينتي التي أعرفھا , ھذه النوافير .. ھي .. ھي .. عندما كنت طفال كان يطيب ل

ه المتطاير .. فأشعر ب اإلنتعاش , ومن ھذه الساحة عرفت أن السيارة تتجه نحو مركز المخابرات الذي حللت في

لدى عودتي .

أيوب التي تبدو لي اآلن كلعب األطفال أمام ما شاھدت ةزال أبو رمزت و أيوب ھناك ؟ .. خيزرانماترى ھل

وذقت .. ھناك !.

دالسيارة تتوقف عند اشارات المرور , انظر إلى الناس ا , اتفحص وجوھھم , ما ھذه الالمباالة .. ترى كم واح

ذي ا منھم يعرف ماذا جرى ويجري في السجن الصحراوي ؟ .. ترى كم واحد ذا ھو الشعب ال تم ؟ أھ منھم يھ

ذا الشعب ؤيتكلم عنه السياسيون كثيرا ؟ .. يتغنون به .. يمجدونه .. ي ول أن ھ لھونه ! ... ولكن ھل من المعق

ر ييعرف ماذا يجري في بلده ؟! إذا لم يكن يعرف فتلك مصيبة , و إذا كان يعرف ولم يفعل شيئا لتغي العظيم ال

ه ا أن يكون مخدرا .. أو أبل ذا الشعب إم تنتجت أن ھ اء , ھل ذلك فالمصيبة أعظم , اس ! ... شعب من البلھ

ا .. من ھو يعرف أحد من ھذه الجموع .. ھذا البقال .. ھذه الفتاة التي تسير سعيد أبط حبيبھ ة مبتسمة وھي تت

نسيم ؟ ... نسيم الذي يقبع اآلن في السجن الصحراوي ينتظر من يناوله دواءه , نسيم الذي جن ألنه لم يستطيع

أن يتصالح مع ھذا الواقع .

ع أن يخرج انتبھت لنفسي , مالي أفكر غاضبا ھكذا ! ھل أصبحت سياسيا ؟ ... ابتسمت رغما عني , ھل أتوق

ھذا الشعب في مظاھرات عارمة للمطالبة بإطالق سراحي من السجن ؟ .. من أنا ؟ ! .

الفني الحظ د يح يارة , ق ه الس ذي تتجه إلي ان ال يا إلھي ما أكثر الناس , أحدق في الوجوه , بيتنا قريب من المك

فأحظي بمشاھدة أمي أو أبي أو أحد أخوتي , ال بل يكفي أي وجه أعرفه .

118

ا , سارت انحرف ت السيارة عن الطريق الذي كنت أتوقعه و الذي يؤدي إلى ذلك المبنى الكئيب القريب من بيتن

ا ا , ھ ا , أحن إليھ رة أعرفھ الم كثي بإتجاه الجنوب الغربي مخترقة المدينة من الشمال إلى الجنوب , مررنا بمع

ا ن حي ر م ارجين , ال أذك ين خ ات داخل ة و الطالب و الطالب ا واآلن أمشي ھي الجامع ت طالب ي كن تي إال أنن

سريعا في العقد الخامس من عمري ! .

مبنى ضخم , حراسات مشددة , الدخول صعب ومعقد حتى على سيارات األمن , انتظرنا أكثر من عشر دقائق

ام وني أم اء , أنزل ام البن ا وأصبحنا أم يارة بتجاوز الحاجز , دخلن اب , اتصاالت واستفسارات , سمحوا للس ب

ه األوراق , دخل ل حامال مع زجاجي عريض , البالط يلمع , كل شيء يوحي بالنظافة و النظام , ذھب الطوي

م نكس بحك أول غرفة إلى اليسار , لم يطلب مني أحد أن أغمض عيني أو أنكس رأسي , لكن رأسي نصف م

: ثنين اللذين معي بعد ان ناولھما األوراق العادة , عاد الطويل وقال لال

نزلوه عــ السجن . -

ارة عن قضبان اب عب مباشرة قبالة المكان الذي كنا نقف فيه , نزلنا األدراج .. أدراج .. ثم نلف ثم أدراج .. ب

اتيح , يعطوه األوراق , ده كدسة من المف اب , يحضر سجان سمين يحمل بي دقون الب حديدية , قفل ضخم , ي

الباب , ينصرف االثنان .. ثم : يفتح الباب يدفعوني إلى الداخل , يغلق

انتظر ھون .. ال تتحرك . -

اديني , ا , ين ة التي دخل إليھ اب الغرف ى ب ل , يظھر عل يذھب حامال األوراق إلى غرفة في صدر رواق طوي

ع وبي جمي أذھب إليه , يدخلني الغرفة فأرى رجال أشيب وراء طاولة ينظر إلي , يطلب مني أن أخرج من جي

أغراضي .

ما عندي شيء . -

ابدا .. أبدا ؟ ما عندك مصاري ؟ .. ما عندك أغراض ؟ . -

ما عندي شيء . -

طيب .. ما عندك ھوية ؟ .. جواز سفر ؟ . -

ال ال ما عندي شيء , جواز سفري وھويتي أخذوھا مني في السجن الصحراوي . -

ما رجعوھا إلك ؟ . -

ال ما رجعوھا سيدي . -

ك نظيف ؟ .طيب .. جسم -

نظيف سيدي .. نظيف , البارحة تحممت . -

يعني .. ما عندك قمل ؟ -

قمل ؟ .. في عندي قمل كثير .. سيدي . -

وبتقول انك نظيف !!. -

ردة - ام أن يضعني في المنف التفت إلى السجان , طلب منه أن يأخذني إلى الحمام وبعد أن أنتھي من الحم

/ , ثم قال لي :17رقم /

119

م أنت .. ا - لحمام ساخن , فوت عــ الحمام .. أول مرة اغسل كل ثيابك بشكل جيد , بعد غسيل الثياب تحم

ما ظل عندك وال قملة , أحسن ما تملي السجن ھون قمل . هبــ تظل تتحمم وتغسل الثياب حتى تحس أن

حاضر سيدي . -

لباب علي قال : أخذني السجان , أدخلني الحمام المليء بالبخار , قبل أن يغلق ا

أعمل مثل ما قال لك المساعد , بس تخلص دق الباب .. مفھوم ؟ . -

نعم سيدي . -

ا ،دققت الباب ،الحمام كان ممتعا , انتھيت وة ألنھ م أستطع أن أعصرھا بق دا , ل لتھا جي ابي التي غس لملمت ثي

ه ني أحاول أن ألبس الثياب المغسولة , آمھترئة , فتح السجان الباب ور بس .. قلت ل أمرني أن أمشي قبل أن أل

ال يجوز , صرخ :

اطلع وال .. شو مانك رجال ؟ .. بعدين على شو خايف ؟ !.. على ھــ الطيز متل طيز القرد !!. -

م / ه رق ا علي / ففتحه , دفعني , 17سترت عورتي من األمام بثيابي المبللة , مشيت خلف السجان , وصلنا باب

ي . وأغلق الباب ورائ

غ د تبل ة واسعة ق ى األرض , الزنزان ات عل اتح , البطاني ھا أنا لوحدي .. في زنزانة مطلية باللون األخضر الف

واء الفاسد و اآلخرى أكثر من ثالثة أمتار مربعة , في سقفھا فتحتان اكتشفت أنھما للتھوية , واحدة لسحب الھ

لضخ الھواء الخارجي .

ددت نشرت ثيابي المبللة على األرض , جلست على البطانيات .. تغطيت بواحدة , الجو ھنا حار , بعد قليل تم

وغفوت .

د , د بالحدي استيقظت على الصوت المرعب , صوت قرقعة المفتاح الحديدي في الباب الحديدي , صرير الحدي

ا جلست وأحكمت لف البطانية حول وسطي , انفتح الباب وظھر رجالن , أحدھما كھل و األخر شاب وم عھم

ق السجل ة بي سجلھا , أغل سجل , سألني عن اسمي وعمري , مكان والدتي , كل المعلومات الخاصة المتعلق

د , التفت م تجف بع ا مغسولة .. وھي ل دة التي أملكھ اب الوحي وسألني عن سبب نومي عاريا , أجبته بأن الثي

إلى الشاب وقال :

ما عنده ثياب . روح عــ المھجع , قول لھم أنه في واحد سجين -

حاضر . -

ي .. سليب ار داخل ا رياضية , غي اب , بيجام اد الشاب حامال صرة من الثي ع ساعة ع د رب اب , بع ق الب أغل

بمظھر جديد . وليس سرواال شرعيا يصل حد الركبة , جميعھا جديدة .. ظھرت

آيار . 20مرات أر خاللھا أحدا غير السجانين , ثالث السجن الصحراوي ومجيئي إلى ھنا لم رتغادأن ثالثة أيام منذ

ثانية إلخراج الصحون و نهإلدخال الطعام , وبعد ساعة تقريبا من ادخال الطعام يفتحوالباب في اليوم يفتحون

يسمون المرحاض ھنا " الخط " لم أستطع أن أعرف سبب ھذه التسمية!. –للخروج للمرحاض و المغاسل

اك , يصل إلى السجين القليل من قطع اللحم , و الطعام أكثر نظافة .. وتنوعا .الطعام ھنا أفضل من ھن

120

تثناء بعض بيا .. باس دة نس ا جي ة ھن أنتظر بقلق يزداد كلما مر يوم دون أن أعرف سبب نقلي إلى ھنا , المعامل

ى ذيب جسدي الصفعات على الوجه و الرقبة أثناء الخروج إلى المرحاض أو العودة منه , لم أتعرض إل أي تع

تفزازا ر اس دو مع الوقت أكث ردات تغ ع المنف ى جمي ة واضحة إل مباشر , لكن أصوات التعذيب التي تصل جلي

د م و التوسل , وتنتھي عن دأ صرخات األل ة و النصف صباحا تب ومدعاة للتوتر و الخوف , كل يوم من الثامن

مساء وحتى ساعة متأخرة من الليل .الثانية والنصف , لتعاود االسطوانة عزفھا من السادسة

أحاول تجاھلھا .. نسيانھا أو التغاضي عنھا .. ال أفلح .

أيار . 21

اب األدراج اليوم مساء فتحوا باب زنزانتي وطلب العنصر خروجي , خرجت , أمسكني من يدي وقادني إلى ب

ذا اآلخر صعودا , ذي القضبان المعدنية , فتح الباب , سلمني إلى عنصر آخر كان واقفا ادني ھ اب , ق أمام الب

اب دون آوصلنا إلى البالط الملمع , سحبني خالل الممر اليميني إلى خر غرفة , أدخلني فيھا , خرج وأغلق الب

أن ينطق حرفا , ليس في الغرفة إال طاولة وكرسي واحد فقط .

ا , دخل رجل في األربعين وبيده كدسة أوراق بيضاء وقلم حبر ناشف , سألني إن كنت أنا .. أنا , أجبت نعم أن

ى الكر ةسوضع األوراق و القلم على الطاولة , أمرني أن أجلس , جلست عل رة .ي خلف الطاول ذه ھي الم "ھ

قال : ./ سنة"12األولى التي أجلس فيھا على كرسي منذ /

ن , مفھوم ؟. ھذه أوراق .. ھذا قلم , نريد منك تكتب تاريخ حياتك من والدتك وحتى اآل -

نعم مفھوم . -

دون بالضبط ؟.. ال أعرف وأكتب , ساعة .. ساعت اذا يري ن اخرج , وبدأت أكتب .. استذكر وأكتب , أفكر م

يئا .. وا ش ة يخرجون دون أن يقول كتب , ، أوأكتب , فتح الباب خاللھا مرتين وعندما يرون انھماكي في الكتاب

دھما .. القلم .. الورقة .. افتقدتھما سنوا دما تفق ا , وعن د دائم ت طويلة , كانا أمرا عاديا , بديھيا وفي متناول الي

ى ا .. حت م لزمھ ورق ؟ ك اد ال راع وإيج ى استطاعت اخت د حت تفكر طويال : كم أنفقت البشرية من زمن وجھ

ى قلبي , واكتب .. أغو ران إل ص في التفاصيل اخترعت القلم الذي نكتب به بسھولة ؟ كم ھما عزيزان .. اثي

ي , ال ة ل ة متع ذه الكتاب الصغيرة , استذكر المدارس التي درست في صفوفھا , أھلي .. أصدقائي , أصبحت ھ

أريد مفارقة الورقة و القلم .

يدخل الرجل الذي قادني .. يحدق بي , يقول :

لو كنت عم تكتب تاريخ العالم كنت خلصت ھلق .. العمى ليش لھلق ؟ ! -

كم دقيقة .. أكون خالص . أعطيني -

بعد دقائق اسلمه األوراق و القلم .. يقول لي :

خليك ھون . -

121

ة , بعد ويذھب , عاد د الشخص ذي الھيب ا بي ة , األوراق التي كتبتھ ل مع شخص ذي ھيب ل من ساعة بقلي أق

حدق ھذا في قليال وقال :

أكتب لنا .. المفيد و المختصر . .ا قلمھاي أوراق جديدة وھذ .كل شيء كتبته .. اسمه: أكل خرى -

رموا بالقلم و األوراق على الطاولة وذھبوا .

د كنت صادقا في بدأت أكتب من جديد ولكن بنفس المتعة , أعدت ما كنت قد كتبته سابقا , ليس لدي جديد , لق

ا كتبت دي كل ما كتبت , طلبوا تاريخ حياتي وقد كتبته لھم في بضع صفحات , و كل م يس ل ان صحيحا فل ك

ولكن لماذا يطلبون مني كتابة ما كنت قد كتبته سابقا ؟ .. لست أدري .، شيء أخفيه أو أخاف من قوله

ومن جديد أخذوا ما كتبت , عاد الرجل األول بعد أقل من ساعة , قال :

يا هللا .. أمشي . -

بنفس الطريقة عدنا , ودخلت إلى زنزانتي .

أيار . 22

ة , ممر اليوم واب حديدي مساء فتح باب زنزانتي , طلب العنصر خروجي , خرجت .. ممرات .. ادراج .. أب

إلى اليمين ملمع البالط .. أول غرفة إلى اليسار .

ع ه , خل ع رأس تيكي , رف ب كرسي بالس ام المكت ود , أم ب أس س وراء مكت ة , يجل ارات طبي ل يضع نظ رج

م , يسال النظارات الطبية , أشار لي أن اج لس فجلست على الكرسي , وبعد قليل وضع النظارات , أمسك القل

, أجيب , يسجل دون أن ينظر الي :

ك , اصدقا - ات , أعمامك , أخوال ذكور , أخواتك البن ا , ؤاسمك , اسم أبوك , اسم أمك , أخوتك ال ك ھن

وعند ھذا السؤال قلت :تھم الحزبية ءاك في فرنسا , اسماؤھم الثالثية جميعا , انتماؤأصدقا

ال أعرف . -

لم يجادل , لم يكذبني , كتب على الورقة التي أمامه .. ال يعرف .

ثم سألني الكثير من االسئلة , كلھا سياسية .. عن األحزاب التي انتميت إليھا , وأخيرا قال لي :

ھل لديك أقوال أخرى ؟ -

ال . -

خليك ھون . -

حوالي الساعة أتى عنصر أعادني إلى زنزانتي , جلست . لملم أوراقه وذھب , بعد

نھم يعذبونھا !. إطوال الوقت أسمع صراخ امرأة ..

أيار . 23

في آخر الليل ، أعادوني إلى الزنزانة محطما .

122

ى اك أدراج ، أخذوني إل م يكن ھن ادة ، ل في أول الليل فتحوا باب زنزانتي وأمروني أن أخرج ، خرجت كالع

فة في صف الزنازين ، وضع السجان الطماشة على عيني ودفعني إلى داخل الغرفة !.آخر غر

سألت نفسي : ھل انتھى شھر العسل ؟.

أوقفتني أيدي السجان ، جاءني صوت من أمامي :

ـ العالك والحكي - نحن عاملناك معاملة راقية .. ألنه أھلك جماعة طيبين ، بس أنت ما فيك ذوق ، كل ھ

ا خليك تشوف نجوم الفارغ .. ا إم ى أي تنظيم تنتمي .. ي ي إل ول ل ا تق ا إم ما ينفع ، كلمتين ورد غطاھن : ي

الضھر .. ھا شو قلت .. ؟.

ـ السجن الصحراوي بتھم - األخوان ةيا سيدي .. أنا ما انتميت ألي تنظيم .. بس أنا رحت ع

المسلمين .

وأخوان مسلمين ؟.. ھذا كان خطأ ، وھلق الزم نصحح الخطأ ، شو اخوان .. شو خرى !.. شلون مسيحي -

ألي تنظيم أنت منتسب ؟ .

أنا ما انتسبت ألي تنظيم . -

ده تنظيم - ه الزم يكون عن يبدو انك جحش .. ما تفھم ! .. أي .. أي واحد يحكي مثل الحكي ياللي أنت حاكي

.!

ثم سمعته يخاطب آخرين في الغرفة :

الريح وبس يقرر يعترف .. ھاتوه لھون !. خذوه على بساط -

وح ى ل وني عل سحبوني بعنف ، رغم كل شيء فقد ارتحت قليال ألنني عرفت أن أھلي قد أصبحوا ورائي ، الق

خشبي ، ربطوني من جميع أنحاء جسمي ، رفعوا الجزء السفلي من اللوح الخشبي عاليا .. ثبتوه .

بدأ الضرب .. وبدأ الصراخ .

ر كنت أتألم بشدة ، لكنني لم أكن خائفا وال ھلعا ، أنا اآلن " صاحب خبرة وتجربة " ، لقد رأيت وسمعت الكثي

من الحاالت أمامي .. ومنھا تعلمت وحفظت .

ن للسجناء أيضا قواعدھم ووصاياھم ، وھنا كان أھم وصيتين :إكما لرجال األمن دروسھم وقواعدھم ، ف

م ، ألاألولى : مھما تألمت من التعذيب فال ان صغير تعترف بشيء لكي تتخلص من األل ا ك راف مھم ا ن األعت

دال سيجعلھم يعرفون أنك قد ضعفت ، لذلك فان كمية التعذيب ستزيد ال ات ب د من االعتراف زاع المزي من أن نت

تنتھي .

ا ، ألنك لديھم مقابل أن يطلقوا سراحك ، فال ت ا الثانية : اذا طلبوا منك أن تتعاون معھم وتصبح مخبر قبل مطلق

إن قبلت تكون قد تورطت ورطة تدوم مدى الحياة ، وھم دائما يكذبون !.

رخ ا أص ذا وأن ل ھ يم .. ك ي .. نس تى ، أھل أمور ش رت ب ربات ، فك د الض م أع ن ل ألم .. لك ت أت كن

بصوت عال !.

دا ألم بعد فترة أحسست أن قدمي قد تخدرتا ، احساسي باأللم خف كثيرا .. وغ ا ، يضربون ، أت األمر ميكانيكي

قليال ، أصرخ عاليا .

123

انتھت لعبة عد األصابع لصالحي !.. إما انھم تعبوا ، أو ملوا ، أو اقتنعوا أنني ال أنتمي ألي تنظيم .

تركوني بناء على أوامر "الصوت الذي كان في الغرفة" :

رأسه .. مثل رأس الجحش !.اتركوه .. اتركوه ، خذوه عـ الزنزانة ، العمى ما أيبس -

أمشي بصعوبة ، محطم بدنيا .. لكن بمعنويات جد مرتفعة ، أعادوني إلى زنزانتي . ا

لم ألبث أن نمت .

أيار 24اليوم صباحا فتحوا باب زنزانتي , أخرجوني , طمشوني فورا , ومن خالل السير عرفت أنني اصعد األدراج

أي ا ادوني ال أدري ب دم .. احترامي و الساللم , ق واب .. أدخل , دخل , خبطة ق د األب اه , دق العنصر أح تج

سيدي .

قال صوت أجش ثخين :

ارفع الطماشة عن عيونه .. وروح أنت . -

ق, اآل م وأني ب فخ ف مكت س خل دھم يجل ر .. أح ي منتصف العم ال ف ة رج ة , ثالث ع العنصر الطماش ران رف خ

ى يجلسان إلى جانبي المكتب , جميعھم صامت ة رأسي إل ي مباشرة , يفحصوني من قم ون تحدق ف ون , ستة عي

زيج من ا م ون يسيل منھ داخل , ستة عي أخمص قدمي , ستة عيون قاسية .. ثاقبة .. أحسست أنني أتعرى من ال

الدھاء و الذكاء .. مزيج من القسوة و السطوة .. مزيج من الترفع و العنجھية .. عيون رأت عشرات اآلالف من

ي .. عيون قد شبعت من كل شيء !.. عيون ضجرة ملولة .أمثال

ه فورا قدرت أن ھؤالء الرجال الثالثة ھم أھم من قابلتھم من المسؤولين و المحققين حتى اآلن , وأن مصيري كل

سيتقرر في ھذه الجلسة , قررت أن أكون جريئا .. أن ادافع عن نفسي بقوة , أن أستفيد من كل ما سمعته وما مر

بأي كلمة بادرتھم بالسؤال مستجمعا كل شجاعتي : وا, سأواجھھم , لذلك وقبل أن يتفوھ بي

ر من / - / 12إذا ممكن تسمحوا لي بسؤال .. أنا ليش ھون ؟ .. ما ھي جريمتي حتى أبقى في السجن أكث

سنة ؟ .. شو عملت ؟.. ممكن واحد منكم يجاوبوني على ھذا السؤال ؟ .

ف المكتب , ھو نفس الصوت األجش : قال الرجل الجالس خل

ك - ول ل ا رغم ھيك .. راح نق ئلة , ثالث و تطرح أس ئلة م ى األس أوال أخرس , ثانيا أنت ھون اتجاوب عل

ليش أنت ھون وما ھي جريمتك .. يا مجرم .

سكت قليال ثم أردف :

اسحب ھـ الكرسي .. أجلس . -

سحبت الكرسي وجلست .

وال ؟ أنت مخرج سينمائي .. -

نعم سيدي . -

أنت عم تقول أنك ما انتسبت الي تنظيم سياسي معارض للدولة .. أنا راح صدقك , لكن إذا ظھر عكس -

ھذا الكالم .. أنا بإيدي راح أعدمك .. مفھوم ؟

124

نعم سيدي . -

قول .. مفھوم ؟ هطيب .. أنا راح أقرأ لك مجموعة أسماء و أي اسم تعرف -

نعم سيدي -

رأ االقرأ دي مسرعا , ثالثة أسماء ال أعرفھم , ق دھا رفعت ي ع , االسم الثالثي لصديقي أنطوان , عن سم الراب

وكأني أريد أن اثبت مصداقيتي .. صرخت :

ھذا يا سيدي .. أنطوان .. ھو صديقي بفرنسا . -

ي - و ش اس ؟ .. ھ ن أخطر الن ذا أنطوان م د .. أنت تعرف أن ھ اه .. وصلنا لشيء مفي ارض ھ وعي مع

ه ر وطني ومخلص , ونحن نحترم ك رجل كثي ك شيوعي .. خال ك , رغم أن خال ل خال و مث للنظام , يعني م

وطن .. ى تحكي ضد ال كثير , بس أنطوان .. أنطوان عميل !.. أنطوان ضد الوطن !.. وأكيد ھو حرضك حت

مو ھيك ؟ .

أل .. أل سيدي , أنطوان ما كان يحكي معي بالسياسة . -

ن .. أنت من وين جايب ھذا الحكي المكتوب بالتقرير ؟ .لك -

أي حكي .. وأي تقرير ؟. -

مشان ما وجع راسك .. وتوجع راسنا راح أقرأ لك التقرير , وبعدين تجاوبني , اتفقنا ؟ -

طيب . -

فتح اضبارة أمامه , تفحص عدة أوراق , سحب ورقة منھا , نظر إليھا مليا وطفق يقرأ .

كذا .. وكذا .. دعيت إلى سھرة مع صديقتي الفرنسية , السھرة كانت في بيت المدعو أنطوان , وكان " بتاريخ

منھم بصحبة صديقته .. ل حاضرا في السھرة , فالن وفالن وفالن .. ك

توقف عن القراءة قليال قائال :

قرة .. شو بدنا بكل ھـ العالك .. وين الفقرة الخاصة فيك .. وين ھا .. ھذه الف -

الن الفالني دعو ف ......... عند نھاية النقاش بقي ھناك شخص لم يشارك في الحديث لم أعرف رأيه , وھو الم

ا اش ينظر إلين رة النق د أمضى فت ا , وق ي فرنس ا ف ينمائي ھن راج الس درس اإلخ ن العاصمة ي ب م و طال , وھ

مبتسما , وأحيانا يحادث صديقته .

.ولكي أدعه يطمئن تابعت تھجمي على السلطة السياسية، أيه عما دار من حديثتوجھت إليه بالسؤال عن ر

ا ه كم ا أآلن سأورد كالم دى , وأن ة المف يس الجمھوري ام رئ ين الع ضحك وقال كالما جارحا بحق الرفيق األم

يادتكم ت ارات !.. وس ذا عب أ بقلمي أن يخط ھك دا , وأرب ي محرج ج علمون ورد على لسانه مضطرا رغم أنن

ه .. ه ونحترم ذي نجل أنني على استعداد ألن أقطع لساني وال أدعه يتلفظ بھكذا عبارات مقذعة بحق اإلنسان ال

ال بل نعبده .. السيد الرئيس حماه هللا ونصره , ولتكن أرواحنا فداء له .

م ولكن تسجيلي لھذه العبارات إنما الھدف منه أن تكون الجھات األمنية الساھرة على أمن ى عل وطن عل بكل ال

شيء , وأن تكون في صورة الموضوع , قال المدعو فالن ردا على تساؤلي .. و بالحرف الواحد :

125

ينمائي - ن الس ية , وكرجل يھوى ويعمل في مجال الف ة ال استسيغ وال أحب النقاشات السياس ا بالحقيق أن

ى فإنني أھتم بالصوت و الصورة , ال تھمني السياسيات االقتصادي ة أو السياسية , ال أستطيع أن أحكم عل

النظام أو على السلطة من خاللھا , أنا أحكم من خالل الصوت و الصورة .

ول الصوت ؟.. إن صوت اذا يق إذا كانت الرسالة تعرف من عنوانھا , فإن عنوان ھذا النظام ھو الرئيس .. فم

ة و أنتن الحيوانات وأعندھا , وھذا الرئيس مثل صوت التيس .. و التيس كما تعرفون ھو من أ نا ال أحب النتان

ال العناد .

ا ليست أصيلة , أما الصورة فتقول , إن رأسه مثل رأس البغل , وأنا أكره البغال كثيرا .. لسبب بسيط ھو أنھ

لو كان حمارا ألحببته , ألنه في ھذه الحالة ينتمي إلى ساللة الحمير األصيلة و العريقة .

بين يا أخي , فإنني ال أحب ھذا الرئيس وال أحب ھذا النظام .لھذين السب

وقد ضحك جميع الحاضرين في الجلسة .. ھذا ھو رأي .. " .

د وھو يطوي األوراق الموجودة ي بعمق وحق راءة , نظر إل ارة توقف الصوت األجش عن الق ذه العب عند ھ

أمامه , ثم قال بلھجة استھزاء :

ا ألي تنظيم أنت منتسب نحن قلنا لك عن سبب وج - ول لن ودك ھون .. عن جريمتك , وانت الزم ھلق تق

.. ھذا الكالم الوارد بالتقرير كالمك وإال أل ؟ .. احكي .

ي و تنفرة , كنت اسمع بنصف عقل فيما كان يقرأ التقرير كان عقلي يعمل بسرعة مذھلة , كل حواسي كانت مس

ت التاريخ المذكور في التقرير , أكثر من ثالث طلتقاة فلم أفلح !.. خر كان يفكر , حاولت تذكر السھرالنصف اآل

ذكر تسنوات قبل عودتي إلى بلدي , يضاف إليھا أكثر من إثن ي أن أت ي عشر عاما قضيتھا في السجن !.. كيف ل

نھم سوى صديقي أنطوان !.. ذكر م م أت ى أشخاص السھرة ل ا ؟.. حت ا نقيمھ سھرة من مئات السھرات التي كن

ھذا كنت معه يوميا تقريبا , لم أتذكر .. لم أتذكر .و

اك داد النكات , وكانت ھن اول آأما كالمي الوارد في التقرير فھو يندرج في ع ا يتن ر منھ الف النكات , قسم كبي

ة ذه النكت اذا ھ رجال السياسة و الرئيس شخصيا , وال تخلو سھرة من سھراتنا كطالب من عشرات النكات , فلم

يكون ثمنھا باھظا إلى ھذه الدرجة ؟! –على فرض أني قلتھا –ت بالذا

أجبت على السؤال الذي وجھه لي ..

ى - ي حكيت ھيك كالم , وعل ا , ال أذكر أن ر من خمسة عشر عام ره أكث ه و عم ذي قرأت ھذا التقرير ال

من ھذه الشاكلة . فرض أني حكيته .. ھذه نكتة ال أكثر و ال أقل , وأنت تعرف أنه في مئات النكات

حتى لو كانت نكتة .. ھذه النكتة عقوبتھا من سنة إلى ثالث سنوات . -

/ سنة في السجن !. 12بس أنا صار لي / -

ذه اللحظة ,12ال/ - دأ من ھ ق / سنة انساھم , ھدول نتيجة خطأ نحن غير مسؤولين عنه , حسابك يب وھل

احكي لنا عن تنظيمك .. وألي تنظيم تنتمي .

خوان المسلمين !. أنا منتسب إلى تنظيم .. اإل -

126

ه وال ورا , خاطب اب ف ى الب انفجروا بالضحك .. ومد الصوت األجش يده ليكبس زر الجرس , ظھر العنصر عل

زالت أثار الضحك بادية عليه :

رجعه عــ الزنزانة .. وقول لمدير السجن .. ال تزعجوه . -

حاضر سيدي . -

وكل الدالئل تشير إلى أن ھذا القرار لصالحي . ،درسوا القضية واتخذوا قرارا يبدوا أنھم كانوا قد

ولكن مادور خالي في كل ھذا ؟ .. لست أدري .

حزيران . 10

أكثر من نصف شھر لم يحدث خاللھا شيء , أصوات التعذيب أنھكت أعصابي , أن تتعذب أنت أھون من أن

ة , تسمع أصوات الصراخ اإلنساني ليال نھار ا , أحاول أن أتلھى بقراءة األسماء الموجودة على حيطان الزنزان

ر من األشعار , اتح , الكثي جميعھا مكتوبة بواسطة شيء معدني .. مسمار مثال , محفورة بالطالء األخضر الف

ة إل ا متوازي ان يخط خطوط ه السياسي , أحدھم ك ه أو حزب ى أسماء ذكور و إناث , بعضھم يكتب اسم مدينت

وثالثين خطا . ةثالث :جانب اسمه .. يبدو أن كل خط يمثل يوما , عددتھا

حزيران . 21

ود , أدخلني وق دون طماشة ودون قي ى ف يائي , صعدنا إل ي أن أحمل كل أش أخرجني السجان وھو يطلب من

بالمراسيم المعتادة إلى غرفة " الصوت األجش " الذي بادر بأن طلب مني الجلوس .

م م وتكل انوا ين م ك ي أنھ ائق , أفھمن ر من عشر دق ذي ونعي أكث الي ال ون خ م يحترم إطالق سراحي , و أنھ

ليمي ك وطالبت بتس يتدخل لصالحي كثيرا ألنه إنسان جيد , إال أن ھناك جھات أمنية أخرى اعترضت على ذل

ن لتسليمي إليھم .يسفآإليھا و أنھم مضطرون

ائق اخرى ر دق والي عش ي ح ك بق د ذل د أن بع ه ال يري ي أن ين ل داورة , وتب ن م را ولك ي أم اول أن يفھمن يح

يخوض فيه صراحة لذلك لجأ إلى التلميح و اللف و الدوران , كل ما استطعت فھمه ھو ..

تعملوا معي من ا اس ا مھم ه ھن ه ب ا أدليت ادة عم ة األخرى زي ة األمني دى الجھ أنني يجب أال أدلي بمعلومات ل

وھذا كرمى –ال أنكر الجميل الذي أسدوه لي ھنا بعدم ضغطھم علي النتزاع المعلومات وسائل , وأنني يجب أ

در و –لخالي وذلك ألنني إذا أدليت بمعلومات جديدة سوف تظھر الجھة األمنية األخرى بمظھر الطرف األق

األكثر نجاحا , وأنني عندھا سوف أصم " الصوت األجش " وجماعته بوصمة الفشل .

رار إطالق خاصة أن ة لصالح ق ك سيكون لصالحي , وسيصب في النھاي إن ذل ذه التعليمات ف ني إذا تقيدت بھ

سراحي .

ختم حديثه قائال :

127

ال .. - أتمنى لك التوفيق , إذا أطلقوا سراحك سلم على خالك , قل له العميد " " يسلم عليك , وخليك رج

ال تخاف .. مع السالمة .

اه و...الجھة األمنية األخرى بعدھا سلموني إلى ى األوتوستراد باتج ق عل ود ... ننطل عناصر أمن , سيارة , قي

الشرق .

حزيران . 24 عند الجھة األمنية األخرى .

ثالثة أيام تساوي ثالث سنوات في السجن الصحراوي .

ة العناص ى تحي م يلتفت إل ه , ل ألني إن كان الضابط بإنتظاري على باب غرفته , الغضب يقطر من ه , فقط س ر ل

ذي يقف خلفي , ى صدر العنصر ال ى أنفي القتني عل ة عل م فاجأني بلكم كنت أنا أنا , أجبت نعم .. ومع الــ نع

ة وھو يصفعني سندني ھذا العنصر , عدت ألقف معتدال , أمسكني الضابط من صدري وشدني إلى داخل الغرف

اق , آ.. من تفاحة باليد األخرى , في وسط الغرفة أمسكني من رقبتي ا , أحسست باإلختن دم وأخذ يضغط عليھ

قال لي وھو يصر على اسنانه :

أركع وال كلب .. أركع وال عرص . -

ا .. رات منھ رأ فق ي , أخذ يق ة واقترب من ركعت على ركبتي أفلت رقبتي وذھب إلى خلف المكتب , أمسك ورق

.. ھيمع كل فقرة يضربني باسفل حذائه على وج

يال " .. صوت الص- وق الخد قل وت و الصورة .. " رفسة على الخد " .. الرسالة تظھر من عنوانھا " رفسة ف

التيس " ببوز حذائيه ضربة على جنبي ألقتني أرضا " .. ويتابع القراءة و الضرب !.

ا قلته بحق ألقاني أرضا , سحق فمي بحذائه ثم وضعه على رقبتي وضغطه , عجنني برجليه .. وفھمت منه أن م

!. " السيد الرئيس " يكفي بحد ذاته لشنقي من خصيتي

صرخ وھو يكاد يختنق بصراخه على أحد العناصر , وأعطاه التعليمات .

اء .. يثبت ذيب بالكھرب ريح , التع ي بساط ال دوالب , عل ثالثة ايام لن أنساھا ما حييت , الجلد , الضرب , في ال

ألفظ المالقط على األجزاء الحساسة ي س ة , أحس أنن من جسدي ويشغل الجھاز .. يبدأ جسدي رقصته الكھربائي

از ى يشغل الجھ ي .. ال أعرف مت ى عين ة عل را .. الطماش ان أن تنفج اد الرئت نفس , تك أنفاسي , أعجز عن الت

ومتى يوقفه , وأرقص .. أرقص تشنجا وألما .

دي بشب ر في اليوم الثالث جاء دور الشبح .. عندما سمعت األم دما ربطوا ي ك , لكن عن ي ذل اذا يعن م م حي لم أفھ

ا وجسدي كله مرفوع عن األرض أكثر من نصف متر تذكرت صلب المسيح , دون أن أعي صرخت : اليع

يا يسوع .. يا محمد .. يا هللا . -

ئل .بعدما يقارب النصف ساعة أحسست أنني قد استنفذت كل طاقتي على التحمل .. أحسست بضعف ھا

رع ن أخت سأعترف بما يريدون مني أن أعترف به , وليكن اإلعدام ! اإلعدام سوف يكون أرحم ! .. ولكن من أي

لھم تنظيما معاديا غير اإلخوان المسلمين .. وبعد ذلك أنتسب إليه ؟ .

128

جرائم لم يسمعوا تذكرت المھجع , مئات الروايات عن الذين ضعفوا واعترفوا بأعمال لم يقترفوھا ! .. اعترفوا ب

ه , اآلخرون م إعدام بعض ت اتھم ؟ .. ال بھا إال من فم المحقق الذي يتھمھم بارتكابھا !.. ماذا كانت نتيجة اعتراف

ل ا كنت قب م أعد كم ا ل ي , أن ى الموت !.. قويت عزيمت يتعفنون في السجن .. الكثير منھم مات أو في طريقه إل

ى اثني عشر عاما , لقد صلبتني التجربة ادر عل , أخذت اقنع نفسي أنني رجل .. ورجل شجاع .. رجل شجاع ق

التحمل !.. وتحملت .

حزيران 2ھل اكتفوا باأليام الثالثة من التعذيب ؟.. البارحة و اليوم لم يفتحوا باب زنزانتي إال من أجل الطعام و المرحاض

يد الطعام مباشرة ., الطعام ثالث مرات في اليوم , المرحاض ثالث مرات في اليوم بع

ررت أن استرخي و اضمد جراحي ! ى ؟ ق رة ؟.. ومت يعاودون الك لملمت نفسي قليال , أترقب متوجسا , ھل س

ارين الرياضية , أجد ا بعض التم تعملھما بصعوبة , أحاول أن أجري لھم ر الشبح ! .. اس يداي خدرتان من أث

.صعوبة في تنظيف نفسي بعد انتھائي من قضاء حاجتي

أريد أمي ... آه يــــا أمي .

آب : 22امي ا وأفھمني أن أي رجل ذو ھيئة ارستوقراطية ال تتناسب أبدا مع اللھجة الجبلية الثقيلة و البدائية التي كلمني بھ

ا , و ليمي إليھ ة طلبت تس ة ثالث ة أمني ة ألديھم قد انتھت و أن ھناك جھ ذه الجھ ى ھ ذھاب إل ي أستطيع تجنب ال نن

ة األمنية تعداد ألن أخدم وطني خدم ى اس ا وعل ا ومرن الثالثة وأنني أستطيع الخروج من السجن إذا كنت متفھم

حقيقية , وانه اآلن سيرسلني إلى المساعد أحمد لكي نتفاھم على التفاصيل .

رن الجرس وحضر المساعد أحمد الذي قادني إلى غرفته .

ته لزجة .. !امل. كالمساعد أحمد , نظرته لزجة .. ابتسامته لزجة .

!., ھو كائن لزج .. كان يمكن أن يكون بزاقة ة تنضح عرقا ولزوج تعلى يدي أثناء الحديث , كان يهوضع يد

اك اريس , ھن ى ب دوني إل راحي ويعي وا س اء , أن يطلق دعو لإلقي دا وت ة ج ة , كريھ ة لزج ي وبطريق عرض عل

ا أنخرط في صفوف المعارضة مسلحا بتاريخي "سجني الط ارير التي ارفعھ ويل" وأن أخدم وطني من خالل التق

للجھات األمنية المسؤولة كاشفا لھم عن أعداء الوطن .. من أبناء الوطن .

اول .. فر م ح ا , رفضت , ث داورا .. لبق تعلال .. م ة بالترغيب و الترھيب .. فرفضت , م رر المحاول ضت , ك

. -مستذكرا الدروس –فرفضت

ب رضى رؤسائه بنجاحه في مھمته , يحاول أن يبني مجدا ذاتيا .. حاول وحاول .يحاول أن يكس

ة لتظھر ه , غابت النعوم أس , فكشر عن أنياب لزوجته .. نعومته , تدعو للغثيان !! وبقيت أرفض , أوصلته للي

الھمجية و الشراسة .

لم أبه .. ليكن ما يكون , ولن يكون أكثر مما كان !.

صفعني بلؤم , وبلھجة تقطر فشال وإحباطا , قال :وقف غاضبا ,

129

شاء هللا إنت واحد جحش ما بتعرف مصلحتك , راح تتعفن بالسجن , راح نسلمك للجماعة .. وھدول إن -

راح ينيكوا أمك .. يا كلب يا حقير .

وسلموني للجھة األمنية الثالثة .

يارة شماال , ن ق الس ود , تنطل يارة , قي رة , عناصر أمن , س ة محم ار بأضواء برتقالي ذي ين ى الشارع ال صل إل

يسھا تختلف عن سابقاتھا !. يوزنزانة جديدة مقا

آب . 23رتفاع متر تقريبا عن األرض يوجد بالطة مصممة امتر عرضا , متر طوال .. ھذه ھي الزنزانة الجديدة , على

وس ر , الجل ر وعرضھا نصف مت ا مت ائطين طولھ ين ح ة ككرسي تصل ب ة بطاني ي الزنزان ا , ف وم عليھ و الن

دي ذة مشبكة بالقضبان و الشبك الحدي ن تأخذ نصف الجدار يمھترئة واحدة فقط , حظي جيد فالوقت صيف , ناف

الخارجي وتطل على حديقة مركز المخابرات , أتنفس ھواء طبيعيا .

ايلول . 1م ى ل ام األول د أنا ھنا منذ عشرة أيام تقريبا , الثالثة أي را بع وزع ظھ ة واحدة فقط ت ام وجب يئا , الطع ألوني ش يس

دة التي ال رة الوحي ول الظالم ھي الفت اإلنتھاء من التحقيق الذي يجري قريبا من زنزانتي , بعد الظھر وحتى حل

اعة أسمع فيھا الصراخ و البكاء .. و الشتائم , وما عدا ذلك فالتحقيقات مستمرة وعلى مدار األربع و العشرين س

, ھذا الفرع مشھور بين السجناء بقسوته .

ال في اليوم الرابع فتح السجان باب زنزانتي صباحا , يقف إلى جانبه شخص أخر , سألني عن اسمي فأجبته .. ق

:

ا سألك احكي - شوف .. المعلم طلبك , وانت أكيد سمعت بالمعلم , راح أعطيك نصيحة لوجه هللا : شو م

اس بتعرف بصدق وصراحة , ال تكون ا في أبطال !.. كل الن ذا المحل م عنيد وتعمل نفسك بطل .. بھ

ر د أخرس .. أجب ع واح ق م م يحق م ع ان المعل رات ك ن الم رة م ون بالصورة .. م ان تك م , ومنش المعل

األخرس أنو يحكي !.. األخرس حكى .. فيا أخي , هللا يرضى عليك .. منشان مصلحتك ال تخبي شيء

اسلم لك !. .. احكي كل شيء ..

وأخذوني إلى عند المعلم .

اتھم .. تراكضھم في غرفة اإلنتظار ذات األثاث الفخم أمام غرفة " المعلم " أوقفوني أكثر من ربع ساعة , حرك

.. الحديث بصوت خافت .. كلھا أمور تدخل الخوف و الفزع إلى قلب الشخص الذي ينتظر .

ه دون أن يك ام مكتب ه ال يراني , أوقفني " المعلم " أم ان يتصرف وكأن ع ساعة , ك ر من رب ترث بي أيضا أكث

مشغول بقراءة بعض األوراق و الملفات والرد على الھواتف .

بعد ذلك تفرغ لي كليا .. ولمدة أربعة أيام !! .

130

ة يأخذه ائي من الكتاب د انتھ رة بع اتي ثالث مرات , وكل م اريخ حي ي منذ الصباح إلى ما بعد الظھر كتبت ت من

ادة بويعطيه إلى أحد الض ي إع لبا , فيطلب من اط الصغار الذي يعود بعد أقل من نصف ساعة و ھو يھز رأسه س

الكتابة مرة اخرى .

اتي أث ةغرفة المكتب عبارة عن قاعة فسيحة مؤثثة بشكل باذخ , لم اشاھد في حي ة و األناق ذه الفخام ل ھ ا بمث , اث

وكن الغرفة حولھا أربعة وعشرأجلسني إلى طاولة لالجتماعات في ر .ن كرسيا

اريخ ا أكتب ت اتيخالل وجودي في غرفته وبينم امي , حي ذبھم أم ان يع ة أشخاص , ك , أجرى التحقيق مع ثالث

رة احاول أن اركز انتباھي على ما أكتب .. وسط ضربات السياط والصراخ االنساني , وينتھي األمر في كل م

لم " بايقاف التعذيب ويطلب من أحد العناصر ضبط أقواله واعترافاته .باعتراف المعتقل , يأمر " المع

داي و المعتقل ة متسق ومتناسق , ع ي الغرف ا ف ل م رن اآليك دوالب يخ ذلك ال دة , وك ة و المتجع اب الرث ن بالثي

األسود وأدوات التعذيب األخرى .

ي , بعد الظھر لم يبق في الغرفة غيري من المعتقلين , خرج " المعلم " م ي , نظر إل ه , جلس قرب ن وراء مكتب

قال :

شوف .. كلمتين نظاف .. أحسن من جريدة وسخة . -

بدأ من حيث انتھي األخرون , خيرني بين شيئين :

إما العذاب والعودة إلى السجن الصحراوي حيث سألقى اإلعدام , أو .. -

اإلعتراف و العودة إلى فرنسا و العمل بين صفوف المعارضة كمخبر . -

لم أختر , لكن نفيت أي عالقة لي مع أي تنظيم , ورفضت العودة إلى فرنسا .

ا ا زادوا عليھ ن ھن رى , لك اكن األخ ي األم ه ف د عرفت ت ق ا كن بعض منھ ا , ال ه جربھ ي لدي ائل الت ع الوس جمي

لم .... ى الس بحوني عل روج , ش وني كف د كسر ظھري , علق ه ق ذي أحسست أن اني ال تخدام الكرسي األلم .. باس

ه ذيب .. أن تغرقھا التع ي اس ة الت ام األربع ن االي ة م وم .. أو أخر دقيق ي آخر ي تعماله ف ددني باس وآخر شيء ھ

اتف بغضب , خرج ى الھ م عل اتف , تكل ة رن الھ ه القنين سيدخل قنينة كازوز في شرجي .. وبعد أن أحضروا ل

ى الزنزانة وايقاف التعذيب .دتي إلابعد أن أمر بإع –قبل أن ينفذ تھديده –من الغرفة بعدھا

ون ة واحدة , يترك م وال دقيق م أن داي نأربعة أيام لم أكل , ل ة , ي ع ساعات في الزنزان د الظھر ثالث أو أرب ي بع

ى رؤوس تمقيدتان , مربوط اد أقف عل ان بجنزير معدني , الجنزير معلق إلى حلقة بالسقف , يشدونه بحيث بالك

دي ويأخذونأصابع القدمين , كنت احس بالرا دما يفكون ي اء .. نحة عن ريح أو الكھرب دوالب أو بساط ال ى ال ي إل

كل وسائل التعذيب اسھل من التعليق ھذا .

ة ستزول ... أتلھي م مؤقت ا ساعات أل ول لنفسي إنھ ا أق رة , كنت دائم ذه الم ا ھ بقيت صامدا , لم اضعف مطلق

الل السنوات الماضية و السھولة التي صرت استحضر بأفكار أخرى , قد يكون تركيزي على أحالم اليقظة خ

فيھا أي مادة لتكون حلما.. قد ساعدني ! اكتشفت نفسي , وسررت لما اكتشفت , قلت في سري برنة تحمل بعض

التباھي :

ھذه معمودية صيرورتي رجال يحترم نفسه . -

131

.أنام وانا جالس مضى اآلن أربعة أيام على إنتھاء التعذيب , شبعت نوما , رغم أنني

لكن وجبة واحدة من الطعام ال تكفي .

كاون األول . 2دي حالساعة اآلن الوا ندة و النصف بعد منتصف الليل , ألول مرة منذ عودتي إلى بل ة م ا أشعر أن النظاف فرنس

دة ا جدي ة , بيجام ات نظيف ي , فراشي نظيف , شرشف أبيض نظيف , بطاني , تحيط بي من كل جانب , تغمرن

غيار داخلي جديد ناصع البياض , حولي عشرة اشخاص نظيفين في كل شيء .

ة واحدة ة مھترئ ى بطاني وي عل ع واحد وتحت ر مرب في األيام األخيرة من وجودي في الزنزانة التي مساحتھا مت

ذلك أخذت أسھر طوال ل , ل رد في اللي رين من الب ة , كنت أعاني األم ى الحديق ل فقط ونافذتھا مفتوحة عل اللي

وكلما شعرت بالبرد أتحرك وأقوم ببعض التمارين الرياضية قدر ما تتيحه المساحة , عند الصباح ألتف بالبطانية

و أنام في وضعية الجلوس .

أيقظتني قرقعة المفتاح الحديدي في الباب الحديدي , السجان الذي بت أعرفه ومعه شخصان , قال :

. قوم بسرعة .. ھات كل أغراضك يا هللا -

ل اصبحنا خارج د قلي خرجت فورا , ال أغراض لدي سوى بعض مزق الثياب , لم تتأخر اإلجراءات كثيرا , بع

دو ا , السائق االفرع , سيارة ميكرو باص محركھا يدور تقف على باب الفرع , قي ي أن أصعد إليھ دي وأمرون ي

وأربعة عناصر .. وأنا .

قال كبيرھم :

جن الجبلي .توكل على هللا .. عــ الس -

انطلق الميكرو باص باتجاه الغرب أو الشمال الغربي صعودا , خالل أقل من ساعة وصلنا .

ذ .. ه بين الجبال , في مكان منعزل , بناء حديث ضخم , يتألف من أربعة طوابق , مئات النواف ي إن السجن الجبل

.

ن , سألني أسئلة كثيرة وعندما عرف أنني مسيحي نزلنا , اجراءات التسليم و االستالم , ادخلوني لعند مدير السج

نادى أحد رقباء الشرطة العسكرية , طلب منه أن يأخذني إلى جناح الشيوعيين .

اح , ذين يتمشون في ممر الجن ى السجناء ال اح كنت أنظر مشدوھا إل اب الجن بينما كان الشرطي منھمكا بفتح ب

نھم ع , عيونھم مفتوحة , كل ھذا و الشرطي قريب يسيرون .. يتحدثون .. يضحكون .. صوتھم مرتف م

م , وقف ثالثة أو أربعة سجناء قبالة الباب ينظرون إلي , أدخلني الشرطي وأغلق الباب , بصوت خافت قلت لھ

:

السالم عليكم . -

وعليكم السالم , أھال رفيق , ھل أنت رفيق ؟. -

ال .. لست رفيقا . -

تفضل .. تفضل . أھال بك مھما كنت .. -

132

ام دأ خلوني أول مھجع , وقالوا لي قبل أن تجلس ھل أنت بحاجة للدخول إلى الحمام , أجبتھم نعم , أدخلوني الحم

, صابون معطر , غيار جديد , بيجاما جديدة .

خرجت , جلست , حكيت لھم حكايتي .. ردا على أسئلتھم , تجمعت حولي حلقة من الناس يستمعون .

ھم صينية كبيرة عليھا بيض مقلي , بندورة , جبن , زيت وزعتر .... دحأحضر أ

يا إلھي كما في البيت !... ھل ھذا سجن ؟.. سألتھم ھذا السؤال , ضحكوا وأجابوا :

نعم سجن , لكنه سجن خمس نجوم . -

طلب مني أحدھم أن أكل وبعد ذلك أكمل حكايتي .. وكنت جائعا كذئب .

شربت شايا حقيقيا , مع كأس الشاي أعطاني أحدھم سيجارة .. سألني : أكلت أكال حقيقيا ..

ھل تدخن ؟ -

نعم كنت أدخن .. ولكن منذ اثني عشر عام وسبعة أشھر واثني عشر يوما لم ادخن سيجارة . -

يبدو أنك نسيت أن تحسب الساعات و الدقائق و الثواني . -

ي أن ى قسمين , قسم يطلب من ول أن ال وانقسم الناس حولي إل ا , وقسم يق دخين نھائي رك الت نم الفرصة وأت أغت

ضير من بضع سجائر بعد كل ھذه المدة .

ذ الصباح تناولت اللفافة واشعلتھا , عببت نفسين منھا , دخت ! .. سعلت , تابعت تدخينھا , واستمرت الجلسة من

وحتى آخر الليل .

ائق .. .ت لھم كل شيءيسألون , يستفسرون , يعلقون تعليقات ضاحكة , وروي اح ف " فرغت " , وشعرت بارتي

عبرت عنه قائال لھم :

ھل ھذه ھي الجنة ؟. -

كانون األول . 31نة , الشرائط راس الس ال ب ع منھمك بالتحضير لالحتف دم وساق , الجمي ى ق تعدادات عل نة , االس وم رأس الس الي

ا الملونة و البالونات , الرسوم و التلوينات , اللحوم و ال مآكل الطيبة , و ... المشروبات , لديھم نبيذ وعرق وكلھ

تصنيع محلي !.

أعيش بين ھؤالء الناس منذ شھر صديقي أنطوان عندما ذكرته عرضا في سياق الحديث عرف , أكثرھم تقريبا

ذا النظام , ن أنطوان صديقه , كلھم عرفوا خالي , وكلھم يحملون رأيا سلبيا فيه ألنه يتعاون معإ, بعضھم قال ھ

لكن الذي فاجأني أن خالي أصبح وزيرا في الوزارة الحالية !..وقد صاح الشخص الذي كنت اتحادث معه :

ھل فالن خالك ؟ -

نعم خالي . -

لكن كيف ال يسعى إلخراجك من السجن وقد اصبح وزيرا ؟!. -

ه , وان ه يتحمل المسؤولية عن سجني يقولون عنه أنه انتھازي , وأنه قد باع نفسه للشيطان ھو وكل حزب حزب

خرين وعن كل ما يجري داخل البلد من قتل وتدمير وقمع بنفس درجة مشاركتھم بالحكم .وسجن اآل

خالي وزير ؟.. خبر أصابني بالدوار !.

133

كانون الثاني . 6ذ و ر من النبي ديھم الكثي ايير , ل وة بكل المع العرق وبعض رغم عدم وجود نساء فإن حفلة راس السنة كانت حل

انوا يصنعون ه و المربى ك ا .. من العنب و الفواك المشروبات الكحولية التي ال اسم لھا , وكلھا من صنعھم ھن

رحين شاركوا بكل جوارحھم انوا ف ھذه المشروبات .. شربنا , أكلنا , غنينا ورقصنا .. حتى الصباح , الجميع ك

....

رحھم وضحكھم , احاول أن كنت أجلس في احدى زوايا المھجع أحتسي الم شروبات وأراقب , أراقب أفعالھم وف

ي ين دفت نھم ب ا ؟.. أال يحمل كل م رح حقيقي ذا الف ون ھ اءل : ھل يمكن أن يك م !.. وأتس ى دواخلھ اتلصص عل

ذه ا ون ھ ة أن تك ذه اللحظ ي ھ ى ف ة ؟ أال يتمن ة .. حبيب ة .. خطيب ا , زوج رأة م ه لصدره إم ودة مع رأة موج م

رارة وألم يراقصھا .. رأة .. م ذه الم اب الجارح لھ ذا الغي يعانقھا ؟.. أال يشكل ھ ذا ا ع كل ھ ن ينب ؟.. إذن من أي

؟الفرح المتطاير في أجواء السھرة

ى ثم عل ة تج ال من الحزن و الكآب كان كل شيء يوحي بالبساطة و المحبة , لكن لم أستطيع أن أكون صافيا , جب

ي , لكن ھناك شصدري , حاولت أن اشارك بكل كيان ه ال يستطيع , ال يئا في داخلي يرفض الفرح .. يرفض ألن

يستطيع أن يقفز فوق جدار عال وصلد من الحزن المتراكم طوال ھذه السنوات .

خ دما تترس ة , عن ال نھاي دو ب ي تب الي الت ة , اللي ة الكئيب الي الموحش ي اللي جن الصحراوي , ف ي الس اك .. ف ھن

وج من ھنا !.. عندما يتساوى الموت و الحياة !.. وفي لحظات يصبح الموت أمنية !.... القناعات بأن ال خر

ى م أكن استطيع أن أصل إل ه اآلن !.. ل ا في ذي أن لم يكن ألكثر أحالمي وردية آنذاك أن تبلغ مطامحه الوضع ال

رح –رغم كل أحالم اليقظة –قناعة حقيقية كسھرة رأس السنة التي أنني قد أكون في يوم ما وسط جو من الف

عشتھا ھنا في ھذا السجن الجبلي !.. رغم ذلك لم استطع الفرح , لم استطع أن أضحك ضحكة واحدة من القلب

ذاب ادر الع اذا ؟.. ھل سأحمل بي ذا .. ولم أبقى ھك ك ؟.. ھل س ة الموت تل ي في زحم رح داخل !.. ھل مات الف

جميل بالحياة ؟!.. لست أدري .والموت جاثمة على قلبي دائما لتخنق كل ما ھو

آذار . 2 تؤتي ثمارھا . –على ما يبدو –وأخيرا بدأت جھود خالي

ى نفسي ي ھي ان نظرت إل ى السجن الجبل دومي إل دى ق وم ل ا في أول ي ي قمت بھ ى الت ياء األول ين االش من ب

اال بالمرآة .. وأحسست بالخوف , صلع في مقدمة الراس , الشعر وقد طال كثيرا خال ل وجودي بالفرع أصبح مي

ان ا ھالت يط بھم ان تح ان غائرت فھما , العين ن نص ر م يض أكث د أب دالن وق اربان متھ يض , الش ون األب ى الل إل

د رت أخادي د حف ذل .. ق م و القھر و الخوف و ال ة سوداوان , األل ين ! .. أبعدت عميق ين وحول العين ى الجب عل

المرآة بسرعة .

يس اليوم في العاشرة ه رئ و وجي ال ألب صباحا حضر شرطي إلى باب الجناح يحمل بيده ورقة , صاح اسمي وق

الجناح :

بلغ ھذا .. عندو زيارة . -

134

ذقن , تشذيب الشاربين , البنطال و انشغل أكثر من عشرة اشخاص بمسالة تجھيزي وإعدادي للزيارة , حالقة ال

م 42ذاء نمرته /القميص , الحذاء " سألوني عن نمرة حذائي واتوني بح / بناء على طلبي , لكنه كان صغيرا , ول

/ لقد كبرت قدمي نمرتين !" 44تدخل قدمي إال في حذاء نمرته /

ى التي أرى 13وكانت ھذه ھي المرة األولى التي ألبس فيھا حذاء منذ حوالي / رة األول ا كانت الم ا , مثلم / عام

فيھا مرآة طوال نفس المدة .

ى بعد أن ألبسوني ان , دخنت سيجارة إل داي ترتجف وترا , ي العطور , كنت مت ا يلبسون العريس , رشوني ب كم

حين مجيء السجان ألخذي إلى الزيارة .

ا أصعب ذي ألبسه " م د أن تعثرت بالحذاء ال رتين بع ع م ا , كدت أق ا مرتبك ى جانب السجان متوجس مشيت إل

وح ا مفت ة بابھ ى غرف ى المشي بالحذاء " وصلنا إل ابة تحمل عل رأة ش ا رجل كھل ابيض الشعر وأم يجلس فيھ

صدرھا طفال رضيعا , وضع السجان يده على ظھري بلطف , وقال :

تفضل .. ادخل . -

م و أيضا ل ر !.. ھ ح أخي األكب ين مالم تطعت تب ى اس ديق حت ن التح وان م دة ث ى ع ر إل اج األم ت .. واحت دخل

منذ أن رأيته أخر مرة " .يعرفني ألول وھلة " مضى تسعة عشر عاما

صرخت اسمه وأنا أتقدم نحوه .. احتضنني واجھشنا بالبكاء .

ا , تعانقنا ونحن نبكي أكثر من دقيقة , رأسي على كتف أخي , ابكي لوعة .. اشتياقا , ألما وفرحا .. أبكي ارتياح

ھنا بر األمان .

ال ابتعد أخي قلي د , مسح دموعه وناولني منديال ورقيا ابة , كانت ق رأة الش ى حيث الم ألمسح دموعي , التفت إل

ا ا وعينيھ وضعت رضيعھا على كرسي وجلست على آخر , تبكي وتنشج , تبكي بحرقة شديدة وقد غطت وجھھ

بيديھا , نظرت إلى أخي مستفھما , وبحركة من راسي سألته عنھا , من تكون ؟.

, قال : ووسط عينيه الدامعتين الح شبح ابتسامة خفيفة

ما عرفتھا ؟ .. أكيد ما راح تعرفھا .. يا أخي ھذه بنتي .. بنتي لينا . -

كانت قد رفعت رأسھا , احمرار البكاء يحيط ببؤبؤيھا األخضرين , قال :إليھا والتفت

يا لينا .. قومي سلمي على عمك . -

ينا , أح وي , كنت بال ألقت لينا نفسھا بأحضاني , اعتصرتني واعتصرتھا ونحن نلف حول نفس دوار ق سست ب

وزن أطوف في الفضاء الرحب .. ال أرى شيئا , ال أدري كيف جلست على أحد المقاعد , لينا تجلس في حجري

كما كانت تفعل وھي صغيرة , تمسح دموعي , تقبلني وتقبلني وھي تھمس :

و .. آخ .. وهللا - ا عم و .. آخ ي ر يا عمو .. يا عمو .. شو عاملين فيك .. يا عم ك كثي ا اشتقت ل العظيم أن

... شلون ھيك ... شلون ؟!..

لينا .. بؤبؤ الروح .

تنعندما ولدت لينا , أنا الذي اخترت لھا ھذا اال ا س ذ أن اصبح عمرھ ة يسم , ومن ا حبيب ارقني " لين ن كانت ال تف

ي تنام معي في السرير , حتى لو تأخرت في المجيء إلى .عمھا .. ھكذا كان الجميع يقول" البيت ونامت ھي قبل

135

دما أعود وسواء ألجدھا , كنت استيقظ صباحا دني , وعن ل , تتفق دة مرات في اللي انبي , تسيقظ ع ى ج ة إل نائم

أكنت صاحيا أم نائما تندس إلى جانبي .

عندما ذھبت إلى فرنسا كان عمرھا أكثر قليال من خمس سنوات , وھاھي اآلن أمرأة كاملة , وأم أيضا .

أمسك أخي كتف لينا وھزھا قائال وھو يضحك :

قومي انزلي من حضن عمك .. كسرتي رجليه .. شو ظانة حالك صغيرة لسى ! -

ا أخي يحاول أن يطمئنني .. وأن خالي جلست لينا إلى جانبي مبقية يدي بين يديھا , تعصر لينا يدي وتقبلھا بينم

ولم يتركوني أبدا , وأفھمني أن خروجي من السجن مرتبط ي من السجن وأنھم ورائيجيبذل جھودا جبارة إلخرا

زة األمن ادة أن أي مسؤول في أجھ ر من عشر سنوات جرت الع ذ أكث ه من ة !!.. وأن يس الجمھوري بموافقة رئ

ذي يحتفظ بسجالت ة ال يس الدول ة رئ تم بموافق يستطيع أن يسجن من يشاء , لكن خروج أي سجين يجب أن ت

لسياسين !.اسمية لكل السجناء ا

نھما بخير .إسألته عن صحة أمي وابي , فقال

انتھت الزيارة ولينا متعلقة بيدي .. تعصرھا وتقبلھا .

عدت إلى الجناح , إلى المھجع .. استقبلني أبو وجيه مبتسما , و .. الحمد على السالمة , مبروك الزيارة .

, في خفة الريشة كنت !. يتكلمون معي , أجيب ... وأنا في حالة انعدام وزن

ا أخر .. شربته ي كأس ة واحدة , ضحك , جلب ل الحظوا حالي , جلب لي أحدھم كأسا من العرق .. شربته دفع

على دفعات , سألت أبو وجيه ماذا أفعل بالنقود التي أعطانيھا أخي , قال:

" نقودھم مشتركة وتوضع إذا شئت ضعھا في الصندوق , ھنا ال يحتفظ أحد بنقوده وكل شيء مشترك , -

ال في صندوق واحد , طعامھم مشترك , لباسھم مشترك " , عشرة آالف ليرة وضعتھا في الصندوق , ق

الشخص الذي أخذ النقود إنني شخص غني , ألن الناس ھنا كلھم فقراء , وأكبر مبلغ يستلمه السجين من

ن في السجن الصحراوي اشخاصإليرة , قلت اأھله ھو ألف م أھلھم نصف مليون ليرة , اطلق ھذا اھطأع ا

الشخص صفرة تعجب من بين شفتيه .

تممدت على فراشي , غطيت رأسي بالبطانيات .. نمت .

ون أن يسموا أنفسھم" أن ا يحب ا من الشباب "كم ( حصيلة ألحاديث طويلة وممتدة على فترة طويلة , عرفت ھن

مع دة ھو الصراع الشرس بين ھذه األجھزة , وقد شرحوا لي السبب الرئيس للتحقيق معي لدى جھات أمنية متعد

ذه زة , ھ ل األجھ ة عم د" وآلي ي البل ام السياسي ف مونه "جوھر النظ ية مايس ابير السياس ن التع ر م تخدام الكثي اس

ا الحصول ه , وثاني ق ل ا المطل ات والئھ يئين أساسين : أوال اثب ى ش افس عل األجھزة التي جعلھا رئيس الدولة تتن

على أكبر قدر ممكن من المكاسب و االمتيازات .

ة , ة المختلف زة األمني د انعكس موقف األجھ دخل الطالق سراحي فق ولكون خالي وزيرا شيوعيا , وبما أنه المت

و ين شيوعي م ز ب ا وال تمي ال سلبا أو ايجابا , من الشيوعيين علي , فبعض األجھزة تكره الشيوعيين كرھا مطلق

وآخر معاد , بينما األجھزة األخرى تكرھھم بدرجة أقل ) . للنظام

136

أيار . 6 أعادوني إلى فرع المخابرات الذي أتيت إليه عندما عدت من السجن الصحراوي .

رع آي فزارني أخي وابنته لينا ثالث مرات في السجن الجبلي , و ى الف دوني إل خر مرة قال لي أنھم يمكن أن يعي

, وأنه يجب أن أكون مرنا ومتعاونا .. و : تمھيدا إلطالق سراحي

اليد التي ال تسطيع عضھا .. بوسھا .. وادعي عليھا بالكسر !. -

صباحا حضر السجان , نادى اسمي , طلب مني أن أجھز نفسي .

أعطاني زمالئي السجناء خمسة آالف ليرة , الكثير من الثياب , بعض األطعمة , ودعني أبو وجيه بالقبالت :

يك رجال , ال تخاف من شيء أبدا , نتمنى لك التوفيق و ... الحرية .خل -

ة د زنزان د , ومن جدي دائر في الحدي د ال ة الحدي ة , قرقع في الفرع درج .. ثم درج .. الباب ذو القضبان الحديدي

جديدة , اسماء جديدة محفورة على الجدران ذات اللون األخضر الفاتح .

ى ! .. يومان من الوحدة .. مع أ ال حت صوات التعذيب , الصراخ المعبر عن األلم اإلنساني , رجال ونساء وأطف

ومحاولة تجاھل كل ذلك , توبيخ الذات ألنھا تحاول التجاھل ! .. التجاھل ھو دعوة للبالدة و التحجر .

مساء يفتح السجان الباب :

قوم .. رئيس الفرع طالبك . -

بق أن قابلته منذ شھور :القي التحية على رئيس الفرع الذي س

مساء الخير . -

أھال وسھال , تفضل .. اجلس . -

أجلس بھدوء .

يس د رئ يد القائ ه الس ذي يلعب دمي ال دور التق ون عن ال و و التلفزي ال في الرادي ا يق ر مم ا الكثي دأ محاضرة فيھ تب

اعته .. و .. أخيرا :الجمھورية ضد الرجعية و االستعمار , وعن أفضاله على الناس وحكمته وشجاعته وبر

وطن .. و .. و ... بس - رة لل دم خدمات كبي ك ق نحن قررنا نخلي سبيلك , ألنك انسان وطني , وألن خال

د دم العمل في السياسية , وأيضا نري د بع ى تعھ ع عل نريد منك مسألتين روتينيتين !.. نريد منك أن توق

منك أن تكتب برقية شكر للسيد الرئيس حفظه هللا .

ية شكر ؟! برق -

نعم .. برقية تشكر فيھا السيد الرئيس . -

برقية شكر ؟! .. ولكن على أي شيء أشكره ؟ . -

نظر إلي متعجبا , وباستغراب صادق قال :

تشكره ألنه شملك برعايته ورحمته واخلى سبيلك . -

مرة أخرى ركبني العناد البغلي الذي أصبح نھجا لي أواجھھم به كلما طلبوا مني شيء .

بأكثر ما يمكن من اللطف , قلت :

أنا أسف سيادة العميد , ال استطيع أن أوقع ال على التعھد السياسي وال على برقية الشكر . -

137

ذھل العميد عندما سمع كلماتي !.. سكت قليال وبطريقة خبير أخفى كل ذھوله واندھاشه , قال :

ين - ذلك أرجوا أن تل راس راح تضرك , أنت تعرف أننا نكرنمك كرمى لخالك , ل يال , يباسة ال رأسك قل

ـ .. بيلھم .. فـ تم إخالء س م ي دم , ول رئيس بال يد ال وليكن بعلمك أن آالف السجناء كتبوا برقيات شكر للس

خليك عاقل ووقع أحسن لك .

ن دم م حبون ال ة يس اقن طبي جون مح ن إدارات الس ون م انوا يطلب جناء ك ن الس ات م ت أعرف أن المئ ال كن فع

شكر أو استرحام لرئيس الجمھورية راجين اطالق سراحھم من م بھا ليستعملوه كحبر يكتبون به برقياتعروقھ

ازف دم الن ن ال انوا يجرحون أصابعھم وم إنھم ك اقن ف يھم المح ت ادارات السجون ال تعط دما كان السجن , وعن

واالسترحام . يكتبون برقيات الشكر

وليكن السجن أو الموت " . لكن كنت قد قررت : " ال مزيد من الذل ,

ياء , ر من األش ي علمتني الكثي ة للسجناء في السجن الصحراوي و السجن الجبل و الحقيقة أن معاشرتي الطويل

.وأھم ما تعلمته منھم ھو معنى وأھمية الكرامة والرجولة , وھما شيئان شخصيان ال عالقة لھما بتنظيم أو نظام

ذا السجين إن التوقيع على برقية الشكر كشرط م أن ھ د لھ إلخالء السبيل ھي االختبار النھائي لھذه األجھزة لتؤك

ا ا م ا ، قد تجرع الذل حتى النھاية وتحول إلى كائن ال يمكن أن يقف بوجھھم يوم ذ كل م تعداد لتنفي ى اس وھو عل

دي من ه وأي ى يدي اه عل ا عان أنا يطلبونه منه, طالما ھو على استعداد ألن يشكر كبيرھم على كل م م أصغر ش ھ

منه .

رفضت بقوة ان أوقع .

ن أشكر من ضيع بابي .. ل ن أشكر من سرق عمري وش ة , ل ذه السنوات الطويل " لن اشكر من سجنني كل ھ

أجمل سنوات عمري .. "

كنت أردد ھذه العبارات و الجمل بيني وبين نفسي , أشحذ فيھا عزيمتي وأقوي إرادتي , كنت خائفا من نفسي ..

فا من ضعفي .. ظللت أردد ھذه الكلمات القوية ألبعد عني الضعف .خائ

بعد أن يئس مني رئيس الفرع أمر بإعادتي إلى الزنزانة , أعادوني بخشونة ظاھرة .

بعد نصف ساعة من عودتي إلى الزنزانة دخل علي مدير السجن , وھو شخص مسن على أبواب التقاعد , طيب

دة السجناء خفية وقدر المتاح .القلب كثيرا , يحاول مساع

ياء بلھجة أبوية وبنوايا صادقة حاول اقناعي أن أوقع , شرح لي عواقب عدم التوقيع وأسھب في ذلك , وأورد اش

كثيرة , منھا :

إن عدم وإن من يرفض التوقيع عادة ھم القيادات و الزعماء و المعارض - ذلك ف ة , ل ن بشدة للسلطة القائم

على أنني من ھؤالء , وينسف كل أقوالي السابقة بأنني لم أعمل في السياسة .. توقيعي سيعتبر دليال

ظل يحاول خاتما حديثه بالعبارة التي قالھا لي أخي :

.اليد التي ال تستطيع عضھا .. بوسھا .. وادعو عليه بالكسر -

وبقيت مصرا على موقفي .

138

ع بعد ذھاب مدير السجن فكرت طويال , ضحكت .. لو كنت وني أوق في السجن الصحراوي الستطاعوا أن يجعل

على آالف البرقيات , ال بل إنھم يستطيعون أن يجعلوني أقبل حذاء أصغر شرطي !.

الشعور بالحماية .

ابعون دي احساسنمعرفتي أن أھلي عامة وخالي على وجه الخصوص يت د ل ي خطوة بخطوة ول أنني محمي , ا ب

علي لموقفي الرافض للتوقيع !.. ولكن .. ويمكن أن يكون ھو األساس الف

أال يوجد شيء نابع من الذات ؟ .

تموز . 3 أقف على الرصيف المبلل بالمياه أمام الفرع بعد أن أغلقوا الباب خلفي .، التاسعة وسبع وثالثون دقيقة صباحا

! . واخيرا .. أنا حر

ا .. مضت ة عشر يوم ى ثالثة عشر عاما وثالثة اشھر وثالث ا , إل ى متنھ ى وصول الطائرة , التي كنت عل عل

مطار عاصمة الوطن .

دوار في الرأس , طنين في االذنين , زوغان في العينين .

ة ي كاف رعة ف ون بس اس يھرول ات الن اھين , مئ ي االتج رعة وف امي مس ق أم يارات الصفراء تنطل عشرات الس

االتجاھات .

رع , " تساءلت سمعت من ينادي خلفي , التفت , رأيت حار ام الف س الفرع يشير لي بيده يأمرني أن أبتعد من أم

خر أوامرھم لي ؟ " .آ: ھل ھي

ألني السائق إن كنت يارة أجرة صفراء , س امي س ى الرصيف , وقفت أم ابتعدت أكثر من مئة متر , وقفت عل

واء يضرب وجھي .. أغمضت اأريد الصعود .. صعدت , ي , سمعت صوت نطلقت السيارة مسرعة , الھ عين

السائق :

لوين رايح .. استاذ ؟ -

إلى أي مكان ! -

سكت السائق قليال , نظر إلي في المرآة متفحصا .. عاد للسؤال :

ي مكان .. تحب تروح استاذ ؟.أل -

لم أكن راغبا بالحديث مع أي كان , اردت اسكاته قلت :

ة .أريد أن تأخذني مشوار .. دورة في كل األحياء القديم -

************

بعد خروجي من عند رئيس الفرع وبعد محاولة مدير السجن معي ألوقع , أھملوني تماما أكثر من شھر ونصف

دأ ال ب ا , لكن مع استمرار االھم وا وراضيا عن نفسي تمام , في االيام األولى من ھذه الفترة كنت فرحا ومزھ

ام سمعت االحساس بالضيق و الملل ينتابني , يوميا وم من األي ذيب و الصراخ , وفي ي كنت اسمع أصوات التع

صراخ ولد صغير يتعذب , فكرت أن أطرق الباب ألطلب منھم مقابلة رئيس الفرع !.

139

حتى الكلمات التي يجب أن أقولھا له كانت جاھزة :

سيدي العميد .. لقد فكرت طويال , وأنا على استعداد للتوقيع على أي ورقة تريد !. -

دي , فكرت , ين ي ى الخلف , جلست , وضعت رأسي ب ا إل ام ومثلھم فركت جبيني وأنا أسير خطوتين إلى األم

ضربت راسي بالحائط , بكيت .. بكيت , تمددت ونمت .

حزيران حوالي العاشرة صباحا فتح السجان الباب وقال لي أن أجھز نفسي للزيارة . 23في

الكالم , أخي لوحده دون لينا , يجلس إلى جا ا ب دنا لكي نأخذ حريتن يتركنا لوح ه س نب العميد , قام العميد وقال أن

قال ذلك بمنتھى التھذيب و اللباقة .

ع ى التوقي دعوني إل بدأ أخي الحديث , حوالي الساعة أو أقل قليال , ساق الكثير من األمثال , وضغط علي بشدة ي

ان , تكلم .. وتكلم , أنا مطرق براسي أستمع إليه ذي ك ر ال ذا أخي الكبي ه ! ھل ھ ادا عن , استمع إليه وأزداد ابتع

يوما ما مثاال وقدوة لي ؟!.

ارتي ارجو أال يكلف نفسه زي دون أن أرفع راسي قلت له أنني لن أوقع على أي شيء ,انني اذا كنت عبئا عليه ف

ه . ي فصحت بوجھ ى حلق ق إل ن الغضب و الحن ة م دفعت كتل م .. ان ة .. ث ي ثاني ة أن يزورن ه إذا أراد ثاني . إن

ليسمعني ھكذا كالم .. ھكذا نصائح .. فأرجو منه بشدة أال يزورني , ألنني اشعر بالقرف اتجاھه !.

اتسعت عيناه دھشة .. فغر فمه , سكت مطرقا ..

أنقذ العميد الموقف بدخوله , واستوعب الموقف حاال .. التفت إلى أخي وقال بھدوء :

خالك .. مو قلت لك أن رأسه يابس . سلم لي على -

شكر أخي العميد وخرج .

ارة ا عب ذاب النفسي المضني .. ھل خسرت أخي ؟ .. ھل أن عشرة أيام أخرى من اإلھمال , عشرة ايام من الع

وب فضفاضا ذا الث ن يكون ھ وب المناضل الصلب ؟.. أل بس نفسي ث د أن ال ارغ صغير؟.. ھل أري دع ف عن م

نفس , ع ى جمر ال لي كثيرا ؟.. أليس المنطق الذي يتكلم فيه أخي ھو السائد إن لم يكن ھو الصحيح ؟.. أتقلب عل

و .. أحترق !.

تموز الساعة الحادية عشر صباحا ادخلوني إلى غرفة العميد ألجده واقفا باحترام بينما أخي وشخص أخر 1في

بعد أن ھذا الكھل ھو خالي . كھل , أبيض الشعر , جالسان !.. عرفت فيما

استأذن العميد بأدب جم أن يخرج من الغرفة بعد أن طلب لنا ثالثة فناجين قھوة .

التوقيع ا ب را حازم ي أم م أصدر ل وبيخ , ث بعد التحيات و القبالت بدأ خالي محاضرة طويلة انتھت بالتأنيب و الت

على الورقة التي مدھا لي .

بھدوء شديد رفضت .

ى أخي قام ع ا , توقف , التفت إل ي حانق را في السن !" اقترب من ن كرسيه ألول مرة , " فكرت .. كم يبدو كبي

ع , صر خالي م وق ا .. ث أ أخي برأسه موافق ي , أوم دال من ة ب بسرعة وسأله أن كان يستطيع التوقيع على الورق

على اسنانه , وقال لي :

140

يا ويلك .. إذا حكيت أي كلمة !. -

دوني .رن العميد الجرس بعد أن وضع الورقة في درج المكتب .ناوله خالي الورقة .عميدحضر ال رھم أن يعي أم

ى يبعد يومين وفي الساعة التاسعة وسبع وثالث .إلى الزنزانة ام مبن ل أم ى الرصيف المبل ة كنت أقف عل ن دقيق

ا!الفرع.. حر

************

اء ساعةزدارت بي السيارة ا ،ھ تجاھلت الس ا ر ،ئق تمام دام تفكي ة انع دھا .. وسألت ،كنت في حال صحوت بع

نفسي : إلى أين .. إلى أين ؟.

شعرت برغبة جارحة للنوم ! .. أريد أن أنام , أريد أن أنام !.

ود .أعطيت السائق عنوان بيتنا ى الرصيف .نزلت من السيارة بعد أن أعطيته نصف ما أملك من النق .مشيت عل

رصيف وأخشى في كل لحظة أن ينخسف و أغوص في حفرة ال نھاية لھا .كنت أنظر إلى ال

أبي ؟ . ،ضغطت الجرس .. من سيفتح الباب ؟.. أمي ،ت الدرجدصع

لم يفتح لي أحد ! أين أبي؟ .. أين أمي؟..

،جلست على الدرج زوال امن جار اتمرت بي العديد ،بقيت جالسا ثالث ساعات تقريبا ا صعودا أو ن رن ينظ ،تن

ة .لم أعرف أية واحدة منھن ،إلي باستغراب وتوجس ي باستغراب ،حضر شاب أنيق يلبس نظارات طبي نظر إل

فتح باب بيتنا .. ودخل !. ،ثم تجاوزني

.التفت إلي دون أن يستدير ناظرا بطرف عينه ،وقفت .. ناديت عليه

نعم .. شو بتريد؟ -

من أنت .. لوين داخل؟. -

************

ديدا .انه زوج لينا ابنة أخي .تعارفنا ا ش ال ،رحب بي ترحيب ام بسرعةإق ه سيجھز الحم ر إو ،ن ه يجب أن أغي ن

.ثيابي را أن أطرحه .طلبت منه فنجان قھوة بال سكر ،سألني إن كنت جائعا .يدور سؤال في حلقي.. أخشى كثي

وسألته : ،عتدلت في جلستياأنھيت شرب القھوة..

أين أبي و أمي؟ـ

بدأ يتمتم: ،نظر إلي بدھشة ممزوجة بالشفقة ..ئ.فوج

ا موجودين ،ال أعرف.. أنا ولينا - ارحم .وقت معرفتي بلينا .. لم يكون د ھم ى الوال ا تعرفت ال عل هللا .. م

وال على الوالدة .. و .. و..

ال أحدكما ،آه يا أمي ويا أبي .ما كنت أخشاه.. حاصل ى أن يراني قبإھل قلتما أو ق ه يتمن ل أن يموت؟ .. ھل ن

ى صدر ائق عل دة خمس دق تسبب سجني وغيابي بتعجيل موتكما؟.. أدفع نصف حياتي مقابل أن أضع رأسي لم

أمي.

141

أومأ برأسه أن نعم. ،سألته إن كان يعرف مكان الدفن ،يراقبني ،أنور زوج لينا يقف أمامي مرتبكا

ى الحجر ،اوصلن ،انطلقنا نحو المقبرة .كتب ورقة وضعھا على الطاولة ور ،اسم أبي وأمي واضحان عل رسم أن

...إشارة الصليب على صدره

يئا م ش ة وال أفھ ن الكتاب يال أتمع ا ،وقفت قل اردة وأرحت رأسي عليھ ارة الب ي ،احتضنت الحج .. .أغمضت عين

ي واجب .تذكرت أنور فوقفت ،.. أوشكت أن أنام.شعرت براحة كبيرة أن عل في داخلي شعور ب اه ا ا اتج الموت م

رأت الفاتحة ،.. القبر بيني وبين مكة.اتجھت نحو القبلة ،يجب القيام به اه السماء وق م وبشكل ،فتحت كفي باتج ث

.. صليت صالة الجنازة!..آلي

تشرين أول 6يال م جم ان المطع ة , ك بعد أسبوع من خروجي من السجن دعاني أخي أبو لينا إلى عشاء في مطعم خارج المدين

يسمع فيه إال صوت الموسيقى الناعمة وصوت خرير النھر المنحدر من الھضاب الغربية .وھادئا ال

ذي إعلى العشاء حدثني عن أمي و أبي و قال ن ابي قد رتب قبل وفاته وضعي المالي بحيث يكون بيت العائلة ال

أ باسمي شراكة بعمل تجاري مع أحد لينا تسكن فيه حاليا اح من مع زوجھا ملكا لي , وأنش ارب وأن األرب األق

يومھا تحفظ لي مما شكل ثروة صغيرة , وقال :

من ھذه الناحية ال تحمل ھم , وضعك المادي مرتب و الحمد . -

ا , أحسست بعدھا سألني إن كنت اريد السكن لوحدي بحيث تخرج لينا وزوجھا من بيتي , فرفضت رفضا قاطع

الرتياح .أن لھجة الرفض الحازمة قد أشعرت أخي با

ة .. وفج ذكريات العائلي ة , استرجعنا بعض ال أةمع إنتھاء كأس العرق الثانية اصبح الجو أكثر استرخاء وحميمي

اعتدل في جلسته وتطرق إلى الموضوع الذي كنت أخشى أن يفتحه أو يلمح إليه , قال :

ة أحسست راح كون صريح معك .. حول الكالم الذي قلته لي بالفرع أثناء الزيارة , - يا أخي .. في البداي

بجرح عميق , لكن بعد عدة ساعات أحسست بالفرح , بالفخر , ألنك رجل .. وبطل ..

رفعت يدي واسكته .

خالل ھذه الشھور الثالثة كان أكثر ما يضايقني ھو معاملة األخرين لي بصفتي بطال !!.

يح ائض يت ذا الف ت , ھ و الوق جن ھ ي الس ي ف ائض الرئيس جين" الف ي .. للس يئين , الماض ي ش وص ف أن يغ

المستقبل , وقد يكون السبب في ذلك ھو محاوالت السجين الحثيثة للھرب من الحاضر و نسيانه نسيانا تاما .و

ى شخص نرجسي عاشق و ادئ , أو إل الغوص في ھذين الشيئين قد يحوالن اإلنسان إما إلى ..... إنسان حكيم ھ

خرين إال في الحدود الدنيا , أو إلى ..... مجنون !.ع اآللذاته ومنكفئ ال يتعاطى م

نجحت . وال أدري إلى أية درجة ن أتحول إلى ذلك اإلنسان الھادئ ,أ أمنذ أن وعيت ھذه المعادلة حاولت جاھد

د خروجي من السجن أن دما أراد اآلخرون عن اجر بسجني , رفضت أن أكون بطال عن ا رفضت أن أت من ھن

عاملوني كبطل , أنا أعرف امكانياتي جيدا .. ببساطة ... أنا إنسان .يعتبروني وي

142

أنا خواف ورعديد وجبان .. إلى درجة أنني قد أتبول في ثيابي من الخوف .

أنا شجاع وصلب وعنيد .. إلى درجة أنني أصمد أمام اقسى اساليب التعذيب .

م ق ل ذا الطري لوكي ھ وال لست بطال , فس ل األح ن .. وبك اري , و البطل لك ن بخي ون بطال اليك ن أن يك يمك

لسلوكه طريقا باإلكراه .

الي أن تتعامل معي ھبذلت ج ودا مضنية مع لينا وزوجھا , حتى استطعت أن أقنع لينا أنني لست أسطورة , وبالت

ذا التھيب و اإلجالل في التعامل معي , ال ح اجة ألن يقف بمنتھى البساطة , وأن أقنع أنور أن ال حاجة لكل ھ

احتراما كلما دخلت أو خرجت من الغرفة , " عمري يزيد عمر أنور بحوالي العشر سنوات " .

************

شيئا لم أعھده في المدينة سابقا . تن دقيقة من الثالث من تموز الحظيمنذ الساعة التاسعة وسبع وثالث

ات ة , الطرق ار يغطي كل شيء في المدين ار .. الغب ة من الغب ة رقيق اة بطبق ا مغط , الشوارع , الجدران , كلھ

ة بخضرتھا .. مغطاة تالغبار األصفر الناعم , أوراق االشجار الخضراء .. التي كن ة المع ابقا زاھي ا س أعرفھ

بھذه الطبقة الرقيقة من الغبار .

ى االرصفة .. احات و عل ي الس كعين ف وارع و المتس ي الش ائرين ف اس الس وه الن ى وج ة حت ذه الطبق اة بھ مغط

الغبارية الصفراء .

ذا نيغسلون وجوھھم , يجففو دو ھ ا ! .. ويب ه من تكوينھ الوجوه أو أن دو ملتصقا ب زول , يب ار ال ي ا , لكن الغب ھ

ي شككت أن –الغبار واضحا عند االبتسام , فاالبتسامات على ندرتھا ى أنن ھذه الندرة التي تقترب من العدم حت

دين اس في م ام الن وا فعل االبتس د نس ار، –تي ق ذا الغب ع ھ ق م ذه تتراف دو ھ ام , تب ا االبتس إذا حاول شخص م ف

ن أعراض م عرض م نين , وأھ ي السن عشرات الس ر ف د كب ه ق ذا الشخص وكأن دو ھ ائھه .. ويب امة ش االبتس

ات الغ ر حبيب ا تظھ ورا واضحا .. حينھ ار الملتصق بالوجه ظھ ة الغب ور طبق و ظھ ام ھ ذه مجسمة اإلبتس ار ھ ب

واضحة .

خشيت أن أسأل أحدا عن أمر الغبار ھذا .

************

بعد خمسة عشر يوما من خروجي فكرت بالقيام بواجبي األول , زيارة أھل نسيم , ومحاولة تطمينھم عنه .

ارب , زوار من األھل و األق را , ال زوار كثي دل ال أتون .. ضجة خروجي من السجن خفت قليال , انخفض مع ي

يتلفظون بعبارات التھنئة التقليدية , الكثير من عبارات التبجيل , وأكثر من كل شيء .. النصائح :

الحمد على سالمتك . -

نحن نفتخر بك . -

ال تنظر إلى الخلف .. المستقبل ال زال أمامك . -

أصلحك هللا .. ضروري تعمل بالسياسية ؟.. يا أخي العين ال تقاوم المخرز !. -

143

اسمع أنا كل ھذا وأرسم ابتسامة بلھاء على وجھي .

صديقان أو ثالثة من أيام الصبا و الشباب , أرسلوا لي خبرا في منتھى السرية و الخفاء :

نحن نود زيارتك .. لكننا نخاف نتائج ھذه الزيارة , فعذرا !. -

.واحترمت جبنھم كثيرا

ا و رت لين يم اأخب ة نس ى مدين ور عن سفري إل ي حتاحليةلسأن ع االجراءات ورافقن ور جمي ى انطالق , رتب أن

مال اه الش ان باتج ي المقعالبولم اري ف ان , ج ي انس ة أحس أنن نوات طويل ذ س رة من اص د. ألول م ق الب ومراف

!.ما يخاطباني يخاطباني بلقب استاذ, عندني كإنسانيعامال

ات بفتح حديث معيت جاري , صددت كل محاوالأرجعت المقعد إلى الخلف, أغمضت عيوني , استرجعت ذكري

؟.. سيم .. يا ھل ترى ماذا يفعل اآلنن

أ ن أن تنش ين شخصين , لك ة ب ات حميمي أ عالق ن أن تنش الم يمك ذا الع ن ھ ان م ل مك ي ك ين ف ة ب ة حميمي عالق

.شخصين في السجن, حتما سيكون لھا معنى آخر, مذاق آخر .. نكھة أخرى

يم , األب , األم , األخوة أيام كثيرة , وليال طويلة .. طوي ة نس لة نقضيھا في الحديث , أعرف كل شيء عن عائل

خوات .. عاداتھم , تقاليدھم , تفاصيل عائلية دقيقة ال يمكن الحديث عنھا إال .. بين سجينين !, األ

اة التي ان , الحي ان عائليت ذه حيات تھا في بعد فترة من ھذه األحاديث يصبح لكل من طرفي العالقة السجنية ھ عش

عائلتي الحقيقية , والحياة التي عشتھا متقمصا , حالما , في عائلة نسيم ! .

استرجع التفاصيل الطازجة بينما الباص يجتاز مسرعا مناظر آخاذة وساحرة من الخضرة و المياه .

م استطع أن أفكر إال االم ي ل ى اليسار ئة كيلو متر األخيرة اسرني فيھا جمال الطبيعة إلى درجة أنن ا أرى , إل بم

البحر الرائق بزرقته المتدرجة , والى اليمين الجبال الشاھقة الخضراء .

ابحين و يتلوى الطريق , يقترب من البحر حتى يدانيه , أرقب تكسر المويجات الصغيرة على الشاطئ , أرى الس

اتين السابحات يحتضنون البحر و يحتضنھم , ويبتعد إلى درجة يغيب فيھا البحر عن ى بس ا إل أنظر يمين ا ف أعينن

البرتقال و الليمون و الزيتون .. ھذا االخضرار الندي .

وان ا أعرف عن ه كم ذي أعرف وان ال ه العن ويصل الباص إلى المدينة , مدينة نظيفة , أنزل واستقل تكسيا , أعطي

بيت أھلي , أصل , أنزل , ودون عناء أقف أمام بيت أھل نسيم واضغط الجرس .

ين رنين الجرس وخروجي من البيت مطرودا مھانا حوالي الثالث ساعات .ب

فتح الباب ووقفت طفلة صغيرة في العاشرة من عمرھا , قلت :

مرحبا عمو , ھذا بيت أھل الدكتور نسيم ؟ -

لم تجب , ركضت إلى الداخل , سمعتھا تقول :

ماما .. ماما , في واحد عم يسأل عن الدكتور نسيم . -

ة ثوان ا مثقل ى رأسھا , عيونھ اء عل د وضعت بسرعة غط ة وق ا المنزلي قليلة خرجت بعدھا أخت نسيم في ثيابھ

بنظرات الدھشة و االستفسار , وقد عرفتھا فورا , ابتسمت وقلت لھا :

مرحبا .. أكيد أنت سميرة ؟ -

144

يقا وقالت :جمدت في مكانھا مواجھتي قليال مرتبكة وقد سمرت عينيھا علي .. سحبت نفسا عم

نعم يا أخي .. نعم ! أنا سميرة , بس حضرتك مين ؟ .. كيف بتعرفني ؟. -

أنا صديق نسيم , وجئت أزور أھله واطمنھم عليه . -

أھال وسھال .. يا أھال وسھال .. صحيح ؟ .. يعني نسيم حي ؟ .. نسيم عايش ؟.. -

رة .. دور حول نفسھا .. ال تعرف مع العشرات من التساؤالت و الترحيبات ووسط دموع غزي أخذت سميرة ت

ا أھال وسھال , مسحت ا .. ي م تتبعھ ا , ث ئلة دون أن تنتظر جواب ماذا تفعل , طفلتھا إلى جانبھا , تسألني عدة أس

دموعھا عدت مرات بغطاء الراس , وأخيرا انتبھت , قالت :

عفوا .. عفوا , تفضل .. تفضل . -

جلست , ذھبت ھي قليال ثم عادت , قالت : أدخلتني إلى غرفة الضيوف ,

اتصلت مع زوجي .. زوجي في الجمارك , لم أجده , تركت له خبرا . -

سكتت قليال .. ثم وبحرقة :

من شان هللا يا أخي .. طمني عن نسيم , أكيد نسيم عايش ؟ .. و وينو ؟ -

اھم ن قصصھم وحكاي د م ا العدي ا .. تكلمت وتكلمت , رويت لھ راد شرحت لھ ا إال أف ي ال يعرفھ ة و الت العائلي

ى نشيج , وفھمت من خالل ا وتحول إل دھا ازداد بكاؤھ يم .. عن دة نس العائلة , فصدقتني , سألتھا عن والد ووال

الدموع و النحيب , أنھما قد توفيا , توفيا بحسرة الولدين .

ا اره نھائي و المنخرط بصفوف المعارضة االسالمية انقطعت أخب ي األول وھ ل ف ه قت ين أن وتضاربت اآلراء ب

بھذه العودة ة لالحتفال ئ, أما نسيم فقد انتظرت العائلة في اليوم المحدد لعودته متھيحدى العمليات وبين أنه معتقلإ

.رغم غصة الولد األول

ين إدارة الا, بدأ األب رحلة مارلكن العائد لم يعد, وطال االنتظار ة ب راثونية عبثي فارة مطار وشركة الطي ن والس

.الفرنسية

الده , لكن ى ب ا إل د غادر األراضي الفرنسية متوجھ القنصل الفرنسي أكد بعد شھر من االنتظار على أن نسيم ق

شركة الطيران الوطنية وادارة المطار لم يقدما إال إجابات غامضة ال تنفي وال تؤكد .

ين ست سنوات بقي األب مواظبا على السفر إلى العاصمة , في كل ا ب ل خاللھ ام يتنق ة أي مرة يبقى ثالثة أو أربع

السفارة الفرنسية و الشركة الوطنية للطيران و المطار الدولي , لكن دون فائدة .

ا ان جوابھ ران ك ة للطي رة . الشركة الوطني دا في كل م ان الجواب واح ية , وك وا القنصلية الفرنس ه موظف عرف

ان من المفترض أ واحدا في كل مرة : رفضت رفضا قاطعا ة التي ك افرين في الرحل نإطالعه على قائمة المس

ه بخشونة , م أخذوا يعاملون ا , ث دة مرات ردا لطيف دولي ردوه ع يكون نسيم ضمنھا . إدارة األمن في المطار ال

ى بعدھا ھددوه باالعتقال , وفي رحلة آب من السنة السادسة صفعه أحد عناصر األمن في المطار صفعتين ع ل

وجھه .

خرج األب وھو يبكي ألول مرة في حياته , قالت سميرة :

145

ا لھا الحادثة أنھا لم تشاھده يبكي وو هللا يا استاذ .. لم نشاھده أبدا وھو يبكي , حتى أمي قالت بعد أن رو -

أو يضعف وال مرة في حياتھما المشتركة الطويلة .

ة و اصيب األب بجلطة دماغية لم تقض عليه ولكنھا ألصق ته بفراشه مدة أربع سنوات مشلوال عاجزا عن الحرك

الكالم .

اة , كانت ال تخرج من ذه الحي ه ھ ذي رافقت نسيت األم كل شيء , حتى أوالدھا , كرست نفسھا لخدمة الرجل ال

غرفته إال لقضاء حاجة أو لشأن خاص به .

األم . وبعد شھرين لحقته بعدھا , دام ھذا الحال أربع سنوات توفي األب

البنات تزوجن , سميرة وزوجھا الكمركجي يسكنان بيت العائلة .

أعطيتھا رقم ھاتفي , سجلت رقم ھاتفھا .

د ل بع ررا الرحي اء , مق أتيني بكأس م ة أن ت ران صمت استمر أكثر من دقيقة , شعرت بعطش فطلبت من الطفل

, ھبت سميرة واقفة وخرجت مسرعة . شرب الماء , فيما أنا أشرب فتح باب البيت وسمعت خطوات الرجل

اسمعت ھمسا في البداية , ثم صوت نقاش حاد , صوت الرجل ال دة ذي م ا سميرة تحاول جاھ ع بينم ينفك يرتف

خفض صوتھا والطلب إليه أن يخفض صوته , رغم ذلك سمعت أغلب ما دار بينھما .. بصوت خشن :

اقصني مجرمين وخريجين سجون ! .ولك .. كيف تدخليه على بيتي و أنا غايب , أنا ن -

يم , صديق - د نس يا ابن عمي .. يا ابن عمي , هللا يخليك ويطول عمرك .. ھذا ما نو مجرم , ھذا من عن

نسيم , ھو فاعل خير .. هللا يخليك طول بالك .

ال : ودخل زوج سميرة بلباس الجمارك , طويل القامة , اشقر , مكفھر المالمح , وببرود وجفاء شديدين ق

.مرحبا -

ھببت واقفا وأنا أقول :

أھال وسھال . -

بإشارة من يده طلب مني الجلوس بينما بقي ھو واقفا , بادرني بأول سؤال :

كيف تسمح لنفسك أن تدخل إلى بيت رجل في غيابه ؟ -

يرة الموقف بدخولھا لم يتنظر الجواب , تبع ھذا السؤال سيل من األسئلة التي لم يكن يريد لھا جوابا , وأنقذت سم

مرا إياھا بالخروج , أبت الخروج ممسكة يده .. ومتضرعة :آالغرفة , تحول إليھا

من شان هللا .. ابوس ايدك .. ابوس رجلك , ھذا صديق نسيم ونواياه كلھا خير .. -

سحب يده بعنف وھو يصرخ :

ك ن - ه ھي ـ "وا " .. ان و عرفـــ ي ل ر !.. بتعرف ولي خي م تق ر ! .. ع ا راح خي ي .. وقتھ م يزورون اس ع

دھا شو بصير ي .. عن ولي ل اني .. ق ينخرب بيتي .. وبروح لعند أخوك الدكتور !.. وإال ھذا المجرم الث

فيكي .. و باألوالد ؟.. أه احكي .

ثم التفت إلي .. وبصوت أھدأ قليال :

146

روح - يم .. راح خليك ت رى ال شوف .. أنا الزم خبر األمن , بس من شان خاطر نس .. بس وينك !.. ت

شفتني وال شفتك .. ويا ويلك إذا ھوبت صوب بيتنا مرة ثانية .. فھمان ھــ الحكي ؟.

خرجت ال ألوي على شيء , اتصبب عرقا وأصواته تالحقني .

رميت نفسي في أول سيارة رأيتھا وقلت للسائق أن يأخذني إلى البحر , لكن السائق توقف وقال :

لبحر .. قدامك يا استاذ !.لكن .. ھذا ھو ا -

خذني إلى بحر غير ھذا البحر .. يعني خارج المدينة . -

في مطعم بحري ال أذكر منه شيئا , جلست و أكلت , ال أعرف ماذا وكيف أكلت ,ال أعرف كم بقيت جالسا .

راة ي أن أم وة أخبرتن ع القھ ر , م د الظھ ا بع ودة لين د ع ومي عن ن ن تيقظت م اني اس وم الث ي الي ميرة ف مھا س اس

اتصلت ھاتفيا وسألت عني وأنھا تعتذر بشدة عما حدث .

استرجعت أحداث اليوم السابق محاوال أن استوعب ما حدث .

حاولت أن أنسى .

تشرين الثاني . 13 اتركوني بسالم فأنا ال أريد منكم شيئا .

يياستيقظ صباحا دون موعد محدد , يكون الب ا ف ور ولين ا , أن ا , البنت الصغيرة في الحضانة , ت فارغ عملھم

ى ا " , أتوجه إل ام عاري ا أن أبقى قليال في السرير ثم أنھض , أرتدي ثيابي كلھا " منذ أن خرجت من السجن و أن

باب الغرفة المقفل , افتحه , أضع " ركوة " قھوة ثقيلة على الغاز وأذھب إلى المغسلة .

ا حيانا أكثر أجلسأن ويساعة أو ساعت ى المرحاض " أن على " الكنبة " اشرب القھوة بال سكر وأدخن , أدخل إل

نفس الدرجة يال , فب دة قل ا معق ألة ھن د أن المس ا عن البيت , وأعتق حريص جدا أن اقضي حاجتي اثناء غياب لين

ة في نف والم الجواني ا التي تضايقني عملية اعتباري اسطورة من قبل لينا , إال أنھا ترضي بعض الع سي , أي بم

إنني ا ف رة في نظرھ ك –انني بطل واسطورة كبي ك , –مع ضيقي من ذل د ذل يلة أن أوك اكثر من وس أحاول ب

ا ا أو البطل ذاك , يجب أن يكون منزھ ومنھا عدم دخولي المرحاض في حضورھا , فاالسطورة التي في ذھنھ

عة .. لذلك ومنذ أن عشت معھا في بيت واحد عن كل ما ھو كريه , وھو أرفع من ھذه الحاجات اإلنسانية الوضي

, لم ترني قط أدخل المرحاض .... " .

ي , ال أعرف أحد , أسير .... و أسير , ال أفكر ا أرتدي مالبسي , أخرج , أسير على غير ھدى , ال أحد يعرفن

ا .. أدخن و آود , بشيء محدد , قد اشتري قطعة شوكوالته فاخرة , انا أحب الشوكوالته ولدي الكثير من النق كلھ

أنا أمشي , في الكثير من الحاالت أجلس في حديقة صغيرة قريبة من بيتنا .

ا ادي أفضل منھم ا , فوضعي الم ا و زوجھ ى لين أشتري بعض الحاجات التي أشعر أنھا قد توفر بعض المال عل

بكثير , أنا مليونير تقريبا .

************

مسألتان أرعبتاني .

147

سالم فأنا ال أريد منكم شيئا .اتركوني ب

ي –وھو يتردد لعندنا بشكل دوري –منذ فترة حضر خالي الوزير وبعد الكثير من األحاديث المعتادة , التفت إل

فجأة وقال :

أما آن األوان .. تفكر بمستقبلك ؟. -

وجمدت !!.

المستقبل ؟!.. وھل إلنسان في مثل سني ووضعي مستقبل ؟!.

ارف بكل شيء, يتاؤه قاطعة حاسمة وال تقبل النقاش, آررفاقهخالي مثل أغلب ة كلم دائما بلھجة الع , ويتخذ ھيئ

!.يمتلك الحقيقة دائما .. ولوحده من

, وتطرق إلى المسألتين المرعبتين بالنسبة لي : العمل .. و الزواج !. مرلذلك قال كالمه ھذا بلھجة اآل

داج خالي , ابتسم , التفت إلى بعض نساء العائلة وقال :, انتفخت أوأيد جميع الحاضرين الفكرة

وا - ا هللا .... شوفوني شطارتكن .... ونق ـ الصبايا , ي ة ھـ أمر العمل , اتركوه لي .. أما الزواج فھو مھم

شي عروس تكون حلوة ومناسبة لھذا العريس المليونير .

عن مواصفات العروس المطلوبة . ارتفعت صيحات النساء وزقزقاتھن وفورا بدأن أحاديث جانبية

الني أحد رأيي , وبقيت صامتا . ذھب خالي وانھمك الجميع في ترتبات الخطبة و الزواج , وانا صامت ! لم يس

ھاتان المسألتان أتعبتاني لفترة طويلة .

ى نف ي عل ون , عرفن ي اإلذاعة و التلفزي ر ف اتف موظف كبي ى الھ ي عل بوعين طلبن د مضي حوالي االس سه بع

وطلب مني الحضور إلى مكتبه لمناقشة سيناريو مسلسل تلفزيوني وقال :

د - وفرة و الحم إذا عجبك السيناريو, فورا نوقع العقد لتخرجه, وال تسأل عن اإلمكانيات المادية فھي مت

.

احتجت إلى الكثير من اللباقة لكي أعتذر بلطف , لكنه واصل :

ي..ال تواخذني..أنت صحيح يا أخي ال ترفض , تفضل لعندي إلى - تقتنع , يعن ا واثق أنك س المكتب و أن

مخرج لكنك اسم غير معروف, وأنا العتبارات أظنك تعرفھا, أقدم لك فرصة العمر على طبق من ذھب

.

ورفضت .

ال ي رفضت , ق ى العرض , لكن نتيجة الرفض كانت توبيخا شديدا من خالي عند المساء , وأمرني أن أوافق عل

ب :بغض

انت واحد حمار . -

ة دأن الحديث بجمل بھن يب ة ، أغل اء العائل وم دون أن تتصل أو تحضر إحدى نس زواج، ال يمر ي ألة ال بقيت مس

واحدة :

أما شو لقيت لك عروس .. لقطة .. لقطة ، واذا مشي الحال .. راح يكون بيتك بالجنة . -

جارتھا ، واحداھن رشحت لي أختھا .وتبدأ عرض مزايا ھذه العروس التي قد تكون قريبتھا أو

148

دأ رأة تي ة إم كنت أحتاج إلى صبر أيوب ، خاصة والحديث يجري مع النساء ، فأنت تسطيع بسھولة أن تجعل أي

الكالم ، لكن من العسير جدا أن تجعلھا تسكت .

اتركوني بسالم فأنا ال أريد منكم شيئا .

وة ال ىمنذ أن خرجت من السجن أحسست أن ھناك ھ ين اآلخرين ، حت ي وب ا أو جسرھا بين أقرب يمكن ردمھ

، أحك عواطفي ومشاعري فال أشعر تجاھھم بشيء ، الحيادية في المشاعر ، ال شيء الناس إلي ، اخوتي أو لينا

يشدني ، ال شيء يثير اھتمامي .

د عن الناس ، ھذه اللغة .. لكل انسان لغة تواصل خاصة به يستخدمھا بإقامة العالقات المتفاوتة في القرب أو البع

ة اد لغ المطلق في إيج ة ب لغتي الخاصة بالتواصل مع الناس ، مفقودة .. ميتة ، واألكثر من ذلك ليست لدي الرغب

تواصل جديدة ... أو احياء القديمة .

دائما أشعر أن لھم عالمھم .. ولي عالمي ، أو ليس لدي عالم أبدا ، لكن قطعا ال أنتمي لعالمھم .

بتعاد عنھم أكثر ضطرار إلى مخالطة الناس بحكم العمل أو أي شيء آخر ، أريد االتعب من فكرة االأر

ما يمكن !! .. االنزواء !.

أريد أن أكون منسيا ومھمال منھم .

الزواج ؟ .... يا الھي .

نسانة ما تشاركني فراشي وطعامي ومرحاضي وروائحي !!..إأن تأتي

لمضوع يتعبني ويصيبني بالدوار .إن مجرد التفكير بھذا ا

اتركوني بسالم فأنا ال أريد منكم شيئا !.

د زواج بع وفي لحظة غضب طلبت من لينا أن تبلغ الجميع ھاتفيا انني ال أريد من أحد أن يكلمني في موضوع ال

اليوم أبدا .

كانت النتيجة أن قال لي خالي :

أنت واحد بغل . -

سعين لتزويجي فقد اعتبرن الموضوع ماسا بكرامتھن وانطلقت السنتھن تنھشني ..أما النساء اللواتي كن ي

ال تعمل خير ، شر ما يجيك .. -

على شو شايف حاله !! . يعني كل واحد يدخل شي يومين عـ السجن يصير يعنطز حاله ھيك ! -

رضينا بالھم ، لكن الھم ما رضي فينا .. -

ه !.. صحيح يعني ختيار " مكحكح " واصلع .. مثل الق - دا يعجب اد ح ا ع دو قرشين م ه عن ي ألن رد ، يعن

مثل ما يقول المثل : يا آخذ القرد على ماله ، بيروح المال ويظل القرد على حاله .

كل ھذ وأكثر .. ولكن رب ضارة نافعة ، فقد تحولت العالقات إلى ما يشبه القطيعة .

وأخيرا .. تركوني بسالم .

149

كانون األول 25 عيد الميالد ، وھو يتوافق مع العيد الثاني لميالد ابنة لينا . اليوم

حقا أنني قد عشت عمرا طويال !! .. وقد يكون أكثر من الالزم ، ال زلت أذكر حماسي الشديد عند ما كنا نحضر

حتفال بأعياد ميالد لينا نفسھا ، األول .. الثاني .. الثالث .. وحتى الخامس .لال

حتفال بعيد ميالد ابنة لينا .سافة " التحضيرات الحماسية ألجواء عيد الميالد ، ولالاآلن أرقب " ومن م

************

ا السبب أو وطوال الشھور الماضية حياتي محص رة بمجموعة من األفعال القليلة ، وعلى األغلب يشكل قسم منھ

العلة للقسم الثاني :

، أتبول .. أنام ، آكل ، أشرب ... و... استيقظ ، أتغوط

ي ال ألحظ الوجوه ، اس ، لكن ر من الن أتجول ھائما على وجھي في الشوارع والطرقات والحدائق ، حولي الكثي

ي ا أحس الناس كتلة ھالمية ، أو كتلة أثيرية .. جزء واء المحيط بي ، ال ألحظ ش من الھ ئا ا نسان ... فاال أو وجھ

عادة ال يرى الھواء المحيط به .

ار ا ز تلفزيون جديداشتريت جھا ابع األخب ة والمسلسالت ، ال أت وضعته في غرفتي ، ال اشاھد إال األفالم األجنبي

قا ، ال أفوت أية مباراة كرة قدم سواء كانت محلية أم أجنبية .لمط

ن ال زمن م ذا ال ي ھ ارة : " ف ردد عب ك ي و ال ينف ه وھ ي بتعلم وتر ، أغران ا للكمبي ل مبرمج ا يعم ور زوج لين أن

عرف الكمبيوتر يعتبر أميا " ، تعلمت واشتريت جھازا حديثا ذا نوعية جيدة ، لم استخدمه إال أللعاب الورق ي

" الشدة " وخاصة لعبة تسمى " العنكبوت " .

ا المحيط ، أحيان اس .. ب د صلتي بالن دة مرات أن تعي ا ع الم ، حاولت لين منقطع كليا عن كل ما يدور في ھذا الع

يرھا وأجاملھا ، لكني رفضت بعناد تغيير أسلوب حياتي .كنت أحب أن أسا

ذا زول ھ اھلي !.. وال ي ى ك ى عل يال ملق ا ثق اك عبئ عر أن ھن ة ، أش ة والغرب اس أحس بالوحش ي حضور الن ف

ة اال ى سريري وأحدق بالسقف , أبقى ساعات .. ساعات طويل تلقي عل حساس إال عندما أعود إلى غرفتي , اس

ودون أن أفكر بشيء !.على ھذه الشاكلة ..

اك عدد أنور ولينا يتحركان اآلن بحماس شديد ، يزينان شجرة الميالد ، بحضران الشموع .. يرتبان المائدة ، ھن

من المدعويين ، أفكر كيف سأتملص من ھذه الحفلة الصاخبة !.. في داخلي حزن أسود .

لم أخبر أحدا بما حدث لنسيم !.

************

تلقيا منذ عشرة أيا اك من يتصل بي ، ظللت مس يس ھن اتف ، ل م رن الھاتف في البيت ، عادة ال أرد أنا على الھ

على سريري ، نادت لينا :

يا عمو .. التلفون الك !. -

150

ألول وھلة جفلت ، ذھبت إلى حيث التلفون ، لينا تمسك السماعة ، سألتھا :

مين ؟ . -

سمه الدكتور ھشام . اواحد -

مت ، ذكرني بنفسه ، تذكرته جيدا . أحد األطباء اللذين كانوا معي في السجن الصحراوي ، أخذت السماعة وتكل

وھو من أوائل الذين اتخذوا موقف جيدا مني ، كان من األصدقاء المقربين لنسيم . ا

ذا طا اتف ھ م الھ يم أعطاه رق ا فوجئت ، سألته من أين يتكلم ، أعلمني أنه ونسيم قد خرجا من السجن ، وأن نس لب

تصال بي ، قال :منه اال

نسيم يحييك .. يرجو منك الحضور إلى ھنا . -

أجبت أنني سأكون عندھم غدا ، أعلمني بلباقة أنه ال يجب أن أذھب لعند نسيم في البيت ، رتبنا موعدا في عصر

اليوم الثاني في مقھى بحري قريب من بيت أھل نسيم .

فة تتكسر تحتھا األمواج الصغيرة ، جلسنا نسترق النظر إلى بعضنا ، خترنا طاولة على الحااالمقھى شبه فارغ ،

اذا ال يم !..لم م تلتق نظراتي بنظرات نس ا ول ى لقائن ر من نصف ساعة عل شعرھما ال زال قصيرا ، مضى أكث

ر ا أكث دأنا نبكي ، بكين نا بعضنا وب ة حض من ينظر إلي مباشرة ؟ عندما التقينا حضنا بعضنا بعنف ، نحن الثالث

منا يبكي على نفسه ؟ " . خمس دقائق " ال أعرف سبب البكاء ،الفرح باللقاء .. أم أن كال

بعدھا بدأت البسمات المتبادلة ، نسيم لم يبتسم أبدا ، زائغ النظرات ، ال يتكلم .

تقبل ، ه واحد شربنا أنا ونسيم البيرة ، شرب ھشام عصيرا ، ھشام ھو الذي يتكلم ، شرح لنا مخططاته للمس ھدف

وبسيط ، قال :

األرضية. " في أي مكان آخر على ظھر الكرة أخرجوني من ھذا البلد .. وأنا على استعداد للعمل "زباال -

" ھشام طبيب جراح تجميل ، ويعتبر متميزا في اختصاصه !".

نسيم صامت يحدق بنظره إلى نقطة في عمق البحر .

سجن .من ال ماسألت ھشام كيف تم خروجھ

ر ذوا يق يال وأخ اب ل رطة الب تح عناصر الش ذار ، ف ابق ان أة ودون س ت ؤفج ن تلي ع م رج جمي ماء , خ ون األس

ات ه يمكن تصنيفھم في ثالث فئ ين أن أمراض :أسماؤھم , عندما تفحصوا بعضھم تب لولون , المصابون ب المش

عضال ويتوقع موتھم قريبا , الرھائن ..

رفيما بعد انضم إليھم قسم م ذين غدواءن نزالء مھجع الب د أن قضوا اة , ال رھم بع بابا في العشرينات من عم ش

أكثر من عشر سنوات في السجن . نقلوا الجميع بالحافالت إلى العاصمة .

م يصدق أحد ام عن السجناء , ل و ع رئيس باصدار عف ة ال ارا شتى عن ني قبل ذلك كانت السلطة قد سربت أخب

في خارجھا ھذه اإلشاعات , لكنھم تعلقوا باألمل .سواء داخل السجون أو

م ألبسة تروا لھ يال , اش اولوا تحسين مظھر السجناء قل ام في العاصمة , أي في سجون العاصمة , ح بضعة أي

إلى بلدته أو مدينته . لكل واحد جديدة , أعطوا كل سجين مبلغ مئتي ليرة كمصروف جيب وثمن بطاقة السفر

151

وا في اليوم المقرر ة , أوكل م ساحة في المدين ر و أھ ى أكب لخروجھم من السجن وضعوھم في حافالت أخذتھم إل

األمر إلى أحد كبار ضباط األمن الذي فھم األمر حرفيا :

د - وب مظاھرة تأيي ى الساحة , المطل ع إل زل الجمي تأخذھم إلى الساحة , تضع الباصات حول الساحة , تن

للسيد الرئيس .

ر عليه البعض أن ھناك عشرات المشلولين وھوالء ال يستطيعون السير في مظاھرة !.عند التنفيذ أشا

لكن الضابط أصر , لقد قال له رؤساؤه كلمة : الجميع .

جين ة س ارب األربعمئ ا يق زال م ان ال ي ة , ك يس الجمھوري يد رئ د الس يرة تأيي ة مس دد النطالق ت المح ي الوق ف

ارب الم ا يق زال م اولون إن لوئيح ي مش دائري ت فلت ال ى االس ة عل ي صفوف نظامي وھم ف وھم , أجلس ل !.. أنزل

رايين , ب و الش ى القل رطان , مرض ى الس ال , مرض األمراض العض ابون ب امھم المص ف أم ريض , وق الع

بابا و ر ش م األكث راءة , وھ راد مھجع الب ع أف ة الجمي ار السن , في مقدم مرضى السل ..... وكذلك الشيوخ وكب

ة معھم البعض م ن تنظيم الرھائن , أمام الجميع الفتة ضخمة مكتوبة باللون األحمر الدموي وبخط جميل , معنون

:

" مبايعة مكتوبة بالدم "

ة ويعاھدو يس الجمھوري يد رئ اھرون الس ا المتظ ايع فيھ م نيب م كلھ م , وأنھ دمائھم وأرواحھ دوه ب ه أن يف

جنود لديه !.

************

ام األمواج ال دكتور ھش زالت تتكسر تحتنا تماما , يصل إلينا بعض الرذاذ أحيانا , نسيم ساكت يدخن بشراھة , ال

يمسك بدفة الحديث , بدأ يتحدث عن مخططاته للمستقبل :

أھم شيء ھو أن أخرج من ھذا البلد اللعين , يومان أو ثالثة وتكون أموري قد ترتبت . -

ام من لديه أخ يعمل بحارا على إحدى ا د خروج ھش ان موجود صدفة عن ذا األخ ك ة السويدية , ھ لسفن التجاري

السجن , ابلغه ھشام برغبته الحارقة لمغادرة البلد فرتب له عمال على السفينة التي يعمل بھا , العمل ھو مساعد

طباخ السفينة , مساعد الــ " شيف كوك " .

ذه الفرصة للھرب .الدكتور ھشام يكاد يطير فرحا بھذه الوظيفة , ھ

نسيم ساكت , أنا قلق .

ل إنسان قلق رغم أنني لم أحس بالفرحة المتوقعة لدى رؤيتي نسيم مرة أخرى , أحسست أنه إنسان عادي , ال ب

ا ة وباإلشارة فيم ام خفي مريض , واغتنمت فرصة انشغاله بالتحديق الدائم إلى نقطة محددة في البحر السأل ھش

ه بانتظام ؟ءدوا إذا كان نسيم يتناول

ھشام قلب لي شفته السفلى دون اكتراث , ال يعرف !

152

ى سريري ئيأحسست أن مجي تقليا عل ابني , تخيلت نفسي مس إلى ھنا بال معنى , ماذا أفعل ھنا ؟.. بدأ الملل ينت

ر , إن مجرد إشغال فكري أي في البيت أدخن , مجرد التخيل أراحني , فأنا بالعام لم أعد أحب التفكي ي ب و ذھن

قضية مھما كانت صغيرة تتعبني , أحس عندھا أن رأسي قد انتفخ والصداع يطرق الصدغين .

ي أن أنسحب , لحد اآلن ي , ولكن كيف ل ى بيت ررت أن أعود إل دما -ق ا بكيت عن د بكى كم يم ق م أن نس ورغ

, قلت :لم يتفوه بجملة واحدة مفيدة , فكرت أن أشده للمشاركة بھذا الحديث -تعانقنا

تقبل ؟. - ت للمس ط أن اذا تخط د , م ذا البل ن ھ رب م ط للھ ام يخط دكتور ھش ذا ال يم .. ھ ا نس و ي ش

ن , بحدة وتشنج واضحين قال :اصمت قليال , التفت إلي , ألول مرة تلتقي عينانا , عيناه حمراو

بدي أشكل عصابة .. عصابة مجرمين . -

ضحك ھشام , وبعفوية سأله مازحا :

بة ؟.. بدك تسرق البنوك ؟.ليش العصا -

ي - ي بيت ال .. ما بدي أسرق , أنا ما بسرق .... نسيم ما نه حرامي !.. بس في واحد كمركجي سرق من

واختي .. اغتصب بيت أھلي , وكل يوم يغتصب أختي سميرة !.. وھلق يريد طردي من البيت !.. راح

ي أقتل ھذا الكمركجي .. وكل كمركجي بھــ البلد .... راح أق ل يلل تل كل الكالب المجرمين .... راح اقت

عم يغتصبوا كل يوم أمي وأمك .... أختي و أختك ... بيتي وبيتك .

جمد ھشام وسكت .

التفت نسيم بعدھا إلى نقطته التي يحدق فيھا .. في عمق البحر , وران صمت عميق على جلستنا .

اء ة , عاصفة ھوج ذر عاصفة قوي يم ن ام أيضا أحس أرى من خالل سلوك نس دوا أن ھش ذر باإلنفجار , ويب تن

بالخطر , تبادلت وإياه النظرات خفية , عالئم الحيرة .. االرتباك علينا نحن االثنين .

ى البيت بأحسست بتعب شديد , انتفاخ في الرأس وصداع , حزمت أمري وقررت االنسحاب و السفر , السفر إل

حيث السالم و الھدوء و الالتفكير .

ام أول فرصة المق ھى البحري الذي نجلس فيه قريب من بيت أھل نسيم , وفيما أنا غارق في أفكاري احاول اغتن

ر من ن يغيب أكث ه ل ا , وأن ا أن ننتظره ھن ا وطلب من مناسبة لكي أعتذر وأنسحب , ھب نسيم واقفا , التفت إلين

ل ال ننا كلنا يجب أن نذھب ,إخمس دقائق , فوجدتھا فرصة مناسبة ألقول اطي وأنه يتعين علي السفر بعد قلي رتب

باشياء ھامة في العاصمة .

م استطع تفسيرھا , وقفت ووقف ھشام , سكت نسيم قليال .. نظر إلي بعمق مصوبا نظرة من عينيه الحمراوين ل

هينبعدھا طلب منا أن نمشي معه قليال صوب البيت ألن ھناك شيئا يجب أن يعط اه , استفسرت من ذا ي إي عن ھ

الشيء , قال إنه ھدية منه لي .

دقيقة أو أكثر وصلنا أمام البناء المؤلف من ستة طوبق و الذي خرجت منه ذليال مطرودا قبل بضعة أشھر .

ام ت لھش يم , قل ودة نس اء ننتظر ع ل للبن ى الرصيف المقاب ام عل ع ھش يم إوقفت م ابع وضع نس ه يجب أن يت ن

ا –على ما أعتقد –الصحي ألنه ه وصھره ويضعھم في دعلى أبواب نوبة جديدة , وأن عليه أن يتح ث مع أخت

صورة الوضع الصحي , لوح ھشام بيده وقال :

153

ز - وطن العزي ذا ال ول لھ ومين راح ق وم أو ي دين ... ي ه خسارة , بع يم واحد كر !.. الحكي مع صھر نس

باي .. باي .

أعلى صوته لم يتم ھشام كالمه , سمعنا صرخة من سطح الب ادي اسمي ... وب ده وين وح بي يم يل ا نس ة , رأين ناي

فھمنا منه ما معناه أنه سيقدم موته ھدية لي !!! .

وقفز .

على الرصيف .. أمام مدخل البناية , تحول نسيم إلى كتلة من الدماء و اللحم المھروس و العظام المحطمة .

نسيم من سطح الطابق السادس .. إلى الرصيف أمام البناية .جمع كبير من المارة , وأمام أعيننا .. قفز مأما

و ..... مات نسيم .

لبية كانت أم ة مشاعر .. س ا ... ال أحس بأي سحبني ھشام من يدي , سرنا .. لم أكن أفكر بشيء !. لم أكن حزين

إيجابية !! .

ل انتحاره , ألن أن ا وضعني ھشام في أول بولمان ذاھب إلى العاصمة , أوصاني أال أخبر أحد يم قي ا مع نس ا كن ن

ھذا سيعرضنا للتحقيق والسؤال و الجواب .

وصلت البيت في الواحدة بعد منتصف الليل , لم أخلع ثيابي كعادتي حين أدخل , أحضرت لترعرق من المطبخ

وجلست في غرفتي أشرب وأدخن .

استيقظت لينا , وقفت بثياب النوم قبالتي تتفرس في وجھي , قالت :

شو القصة .. عمو ؟ .. وين كنت ؟ وليش ھلق عم تشرب عرق ؟ ... -

لم تكمل لينا سيل أسئلتھا , حضر أنور زوجھا , استيقظ ھو أيضا ... قال :

ھاتي كاس لــ نشاركه . هر عن موعدخيا سالم !.. العم يشرب العرق مثل العادة , لكنه اليوم متأ -

التي تنظر شرب معي كأسا من العرق , شربت لينا كأ سا صغيرا , استأذن أنور وذھب لينام , بقيت لينا جالسة قب

ذھب ا أن ت إلي بقلق , صببت الكأس الثالثة عندما الحظت أن لينا تھم بالكالم , رفعت يدي .. أسكتھا وطلبت منھ

ا ن نفسي في الحي اذا للنوم , رفضت و أفھمتني أنھا لن تذھب قبل أن تعرف ماذا أريد , .. لماذا أدف ذا ؟.. لم ة ھك

أشرب ھذه الكميات الھائلة من العرق و التبغ يوميا وكأنني أسعى لإلنتحار ؟ ... لماذا .... ولماذا ؟.

أفرغت الكأس الثالثة دفعة واحدة , بدأ العرق يطفو في رأسي , نظرت إلى لينا وتساءلت : ماذا تريد ھذه الصبية

ة الجميلة التي تدعوني بــ " عمو الحبيب " دي أي م يكن ل ذا ل را .. رغم ھ ا تحترمني وتحبني كثي ؟ . أعرف أنھ

د تكلمت رغبة بالكالم !.. سكت طويال بينما ھي تنتظر كالمي ... ال أدري كيف بدات الكالم , وال ماذا قلت , لق

اة لكنت أرحت نفسي في حضنھا وو د الحي ى قي و كانت أمي عل ى ل ا , كنت أتمن ضعت كثيرا ... اسمعي يا لين

رأسي على صدرھا وبكيت ... بكيت فقط , البكاء لدي حاجة ... وحاجة قوية .

"ھل يمكن أن يكون الموت ھدية ؟ " . .أنتحر أمامي و اھداني موته.اليوم يا لينا انتحر صديقي وتوأم روحي !!

لم أبك ... لم أحزن .

154

كلما مات له قريب أو صديق أو واحد من معارفه يا لينا : أنا أؤمن بقول يقول إن اإلنسان ال يموت دفعة واحدة ,

ابع ام وتت ذا اإلنسان !.. ومع االي ذا الصديق أو القريب ... يموت في نفس ھ ه ھ ان يحتل ذي ك ... فإن الجزء ال

سلسلة الموت ... تكثر األجزاء التي تموت داخلنا ... تكبر المساحة التي يحتلھا الموت ...

ا ... أحمل مقب ا لين ا ي ادثوو أن ا .. يح ي نزالؤھ يال ... ينظر إل ا ل ور أبوابھ ذه القب تح ھ ي , تف رة داخل ني نرة كبي

ي . نويعاتبون

أشرب العرق يوميا يا لينا ... لكي أنام !.

ى ا أن تحل محل أمي , وأن أضع رأسي عل ا ھو رجاؤھ ا سمعته منھ أمسكت لينا يدي وطفقت تبكي , آخر م

صدرھا وأبكي !..

اب وقفت على قد داخل وأغلقت الب ى ال مي و أنا أكاد أفقد التوازن , أمسكت يدھا وسحبتھا إلى غرفتھا , دفعتھا إل

.

عدت إلى غرفتي واقفلت الباب بالمفتاح .. ال أذكر متى نمت ! .

تموز 3 ھا قد مضى عام كامل على لحظة خروجي من السجن !.

دخل حواسه جميعا في حالة سبات .ينام اإلنسان فال يعود يشعر بشيء مما يدور حوله , ت

يستيقظ اإلنسان فتسيقظ حواسه جميعا ويصبح مدركا لما حوله .

لكن بين النوم و اليقظة ھناك لحظة , ثانية أو أقل أو أكثر , ھذه اللحظة ال ھي نوم وال ھي يقظة , لحظة التحول

بين الحالتين أو اإلنتقال من حالة إلى أخرى .

تمثل نصف وعي .. أو نصف احساس .. نصف إدراك . ھذه اللحظة التي

ة " , ة التي تستغرقھا " لحظة " .. الزلت أرى نفسي " نصف رؤي افة الزمني ذه اللحظة , ضمن المس ضمن ھ

أحس " نصف احساس " .. أنني في السجن الصحراوي !!.

مضى عام كامل والزلت أرى نفسي عند استيقاظي في السجن الصحراوي .

القول أنني خرجت من السجن قوال وفعال ؟.ھل يمكن

ال أعتقد ذلك !.

يوميا .. أمارس نفس األفعال اآللية و الضرورية الستمرار الحياة , أكل وأشرب وأنام .. و..

ھل سأحمل سجني معي إلى القبر ؟.

ر !... ھ ا الخط ا محتمي دت فيھ ي لب وقعتي الت زدوج ق وفي الم كل خ جن الصحراوي .. ش ي الس ا ف ميه –ن ويس

ة الم الحري ر خوف –السجناء ع ة اضافية أكث ا شكلت قوقع وع أخر , وقرف .. ضجر , اشمئزاز , كلھ من ن

سماكة ومتانة وقتامة !! ... الن األمل بشيء أفضل كان موجودا في القوقعة األولى !.

في القوقعة الثانية ال شيء غير .... الالشيء !.

155

ة السكر , وھي يشرب اإلنسان الخمر , الكأس ى حال ى أن يصل إل يئا , يستمر بالشرب إل األولى قد ال تفعل ش

ل ا للعق الحالة التي ينفصم فيھا عقل اإلنسان .. للسكران عقالن ,عقل سكران : ليكن اسمه الالعقل , لكنه ليس نفي

, ليس عدما , ھو نقيض العقل , الالعقل شيء مادي موجود !... كوجود العقل ذاته .

لالعقل ھو الذي يتحكم بأفعال السكران وحركته ويدفعه الرتكاب األخطاء .ا

ذا الشخص , ھو ى ھ ك اللحظة عل ه سلطة في تل و العقل الثاني للسكران ھو عقل صاح , واع , لكن ليست لدي

يرى ويراقب ويسجل ... دون أن يستطيع التدخل .

ر منذ عام وأنا أعيش الحالة ھذه !.. أعرف ان انزوائي ة غي اس حال وانكفائي ... عزوفي وكرھي للتعامل مع الن

دما ترادة موجودصحية , لكن ... ال الرغبة و ال اإل ان للتغيير ... بل على العكس , أحس رعبا قاصما للظھر عن

يومض في ذھني خاطر أن أعود للعيش كبقية الناس !... " يا إلھي كم العيش مثلھم , متعب وسخيف ! " .

************

يم ذر ... أخبرني بحادث انتحار نس ا , اعت بعد وفاة نسيم بأكثر من شھر اتصل بي صھره " الكمركجي " ھاتفي

دعوتي , تھم ل ات التي دفع م الحيثي ين , ال أعل ى حضور األربع "إنھم ال يعلمون أنني كنت حاضرا " ودعاني إل

رة , رأ ا من السجن , عدت في ذھبت في الموعد المحدد , ذھبنا جميعا إلى المقب يت بعض الوجوه التي أعرفھ

النھاية إلى أحد الفنادق المطلة على البحر مقررا قضاء الليلة فيه .

ى غرفتي اد استطعت الوصول إل را , بالك مساء ذھبت إلى أحد المطاعم , تناولت العشاء وشربت , شربت كثي

بحدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .

ى سقف آالسرير بكامل ثيابي , احدق خالل الظالم إلى نقطة ضوء استلقيت على ة من الخارج ومطبوعة عل تي

الغرفة , و ... حضر نسيم !!...

اق انتصب ا في أعم ي نفس النظرة التي رأيتھ قبالتي عند طرف السرير , لم يتكلم , لم يتحرك ... فقط ينظر إل

ظرة , عتاب قاتل ... وعبارة :عينيه قبيل انتحاره بدقائق , عندھا فھمت الن

لم تركتني .... لم تركتني !.

وكأني كنت اسمع المسيح لحظة موته يصرخ ... بعتب ... احتجاج .... حيرة .... وبالكثير من الحب :

إيلي .. إيلي ... لم شبقتني ؟.

., اعتدلت , ذھب نسيم وھو ال يزال ينظر نفس النظرة بيسانفجر الحزن داخلي كبركان ح

دة رة واح ي فك يطرت عل ىس وس إل د الھ رة ،ح ى المقب ب إل ة ورد وأذھ ل باق يم ،أن أحم ارة نس أحتضن حج

و أبكي ... أبكي حتى الثمالة .

الورد لنسيم ... و البكاء لي .

ع الشو ارع خرجت إلى الشارع أبحث عن محل للورود في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ؟... ال أحد في جمي

التي لبتھا بحثا عن الورود!.

156

ھا قد مضى عام كامل على لحظة خروجي من السجن .

دما ا ھمدت عن ة البشر !... لكنھ ي كبقي كانت لحظة بحثي عن الورود الفورة العاطفية الوحيدة التي أشعرتني أنن

ظللت أبحث عن الورد حتى الصباح.

طورأيت أنه من األنانية بمكان أن أذھب دون ورو يم .د... ألبكي فق ة أن ألبي حاجتي دون حاجة نس .من األناني

ئ في وأنا أريد أن أبكي أل .أن يرد اعتبارهيريد نسيم يريدني أنا فقط... وأمامي فقط... رغ بعض السواد الممتل ف

القلب.

وعاد السواد ليطمس كل شيء.

************

ات من أحالم اليقظةقضيت ھناك داخل قوقعتي في السجن الصحراوي آالف الل الي استحضر وأستحلب المئ ،ي

ذه ،كنت أمني النفس أنه إذا قيض لي أن أخرج من جھنم ھذه سوف أعيش حياتي طوال وعرضا وسأحقق كل ھ

األحالم التي راودتني ھناك.

اآلن... ھا قد مضى عام كامل... ال رغبة لدي في عمل شيء مطلقا.

وضاعة و الخسة .... والغثاثة !!. أرى أن كل ما يحيط بي ھو فقط: ال

وتزداد سماكة وقتامة قوقعتي الثانية التي أجلس فيھا اآلن ... ال يتملكني أي فضول للتلصص على أي كان !.

ا ب فيھ غر ثق ق أص اول أن أغل ارج ،أح ى الخ ر إل د أن أنظ ل ،ال أري ري بالكام ول نظ ا الح ق ثقوبھ أغل

إلى الداخل.

.نا.. إلى ذاتي!.إلي أ

وأتلصص.