شرح كتاب التجريد الصريحألحاديث اجلامع الصحيح

فضيلة الشيخ الدكتورعبد الكريم بن عبد الله الخضير

عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوثالعلمية واإلفتاء

)الحلقة الثامنة عشر(

/ / 14

التجريد الصريح– الحلقة الثامنة2عشر

ال شك أن هذه األسئلة تنم عن عقل راجح، لكن إرادة هللا -سبحانه وتعالى- له وإيثاره للدنيا على اآلخرة، والفاني على الباقي ال شك أن هذا شيء مقدر عليه لكن باختياره وبإمكانه أن يختار الباقي

على الفاني، واألمر يومئذ هلل. المقدم: "فقال: للترجمان، قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أن��ه فيكم ذو نس��ب، فك��ذلك الرس��ل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت: أن ال، فقلت: لو ك��ان أح��د ق��ال ه��ذا الق��ول

قبله لقلت رجل يت�...".يتأسى ويأتسي كلها جاءت في هذا وذاك.

المقدم: ألنه كتب عندنا "يأتسي" هكذا.وال فرق بين الروايتين، يأتسي أو يتأسى كالهما وارد.

المقدم: "يتأسى بقول قيل قبله، وسألتك هل كان في آبائه من ملك؟ فذكرت: أن ال، فقلت: ل�و ك��ان من آبائ��ه من مل��ك قلت: رج��ل يطلب مل��ك أبي��ه، وس��ألتك ه��ل كنتم تتهمون��ه بالك��ذب قب��ل أن يق��ول م��ا ق��ال؟ فذكرت أن ال، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على هللا، وس��ألتك أش�راف الن�اس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبع��وه، وهم أتب��اع الرس��ل، وس��ألتك أيزي��دون أم ينقص��ون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر اإليمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل في��ه؟ فذكرت أن ال، وك��ذلك اإليم��ان حين تخال��ط بشاش��ته القل��وب، وس��ألتك ه��ل يغ��در؟ ف�ذكرت أن ال، وك��ذلك الرس�ل ال تغ�در، وس�ألتك بم�ا ي�أمركم؟ ف�ذكرت أن�ه ي�أمركم أن تعب�دوا هللا وح�ده وال تش��ركوا ب�ه ش�يئا،ا فس��يملك وينه��اكم عن عب��ادة األوث��ان، وي��أمركم بالص��الة والص��دق والعف��اف، ف��إن ك��ان م��ا تق��ول حق�� موض���ع ق���دمي ه���اتين، وق���د كنت أعلم أن���ه خ���ارج لم أكن أظن أن���ه منكم، فل���و أعلم أني أخلص إلي���ه

مت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه." لتجش بعد أن أنهى هرقل األسئلة التي سألها أبا سفيان عن حاله -عليه الصالة والسالم-، واإلجابات من أبي

" أي ألبي سفيان"فقال هرقل للترجمان: قل لهسفيان عقب هرقل على هذه األسئلة واحدا بعد اآلخر، أي شريف عظيم،نس��ب" أي صاحب "ف��ذكرت أن��ه فيكم ذو"أشريف هو أم ال؟ ""س��ألتك عن نس��به" ا تقرر عنده في الكتب السابقة،نس��ب قومه��ا" " أشرف "في "فك��ذلك الرس��ل تبعث وجزم به هرقل لم

"فذكرت: أن ال، فقلت: لو كان أح��د ق��ال ه��ذا وفي نسخة: "قبله" "وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟"، يأتسي يقتدي ويتبع، وفي رواية: يتأسى. القول قبله لقلت: رجل يأتسي بقول قيل قبله"

"وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت: أن ال، قلت: فلو كان من آب��ائهم مل��ك قلت: رج��ل يطلب ؟"فقلت" باإلفراد، وفي رواية بالجمع "آبائه" فإن قيل: لم قال هرقل في هذين الموضعين مل��ك أبي��ه"

في السؤال األول والرابع،"قلت فل��و ك��ان" في السؤال الثاني: "فقلت"يعني في السؤال الثاني والثالث ما قال: قلت فكذلك،"سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك"انظر صيغة السؤال والجواب

3 فضيلة الشيخ عبد الكريم

الخضير 3

"س��ألتك: ه��ل ق��ال أح��د منكم ه��ذا الق��ول؟وفي الرابع -على ما سيأتي- ما فيه )قلت(، الثاني والثالث فإن قيل:"وسألتك هل كان من آبائهم من مل�ك؟ ف�ذكرت: أن ال، قلت: فل�و ك�ان" فذكرت: أن ال، فقلت"

ر ونظر، بخالف غيرهما لم قال هرقل في هذين الموضعين: فقلت؟ نسب التعقيب له؛ ألنهما مقاما فك من األسئلة فإنها مقام نقل، بقية األسئلة، األسئلة مجموعها عشرة، في هذين الموضعين قال: قلت، نسب التعقيب له، األسئلة الثمانية ما قال: قلت؛ ألنه تلقاها من الكتب السابقة نقال، في الموضعينر ونظر، هذا من تلقاء نفسه جاء بهذا السؤال الثاني والثالث قال: قلت؛ ألن هذين الموضعين مقام فك

التعقيب، بخالف غيرهما من األسئلة فإنها مقام نقل. "وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول م��ا ق�ال؟ ف�ذكرت: أن ال، فق��د أع��رف أن��ه لم يكن لي��ذر"

بهم{الالم فيه تسمى الم الجحود، لمالزمتها النفي، وفائدتها تأكيد النفي ان هللا ليع���ذ ا ك��� ]سورة}وم��� بعد"ويكذب على هللا" قبل أن يظهر رسالته "الكذب على الناس"هذه تسمى الم الجحود، [33األنفال

إظهارها. غالبا"وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ ف��ذكرت: أن ض��عفاءهم اتبع��وه وهم أتب��اع الرس��ول"

ين على الشقاق بغيا وحسدا كأبي جهل، ويؤيد ألنهم أهل االستكانة، بخالف أهل االستكبار المصرر [111 ]سورة الشعراء }ق��الوا أن��ؤمن ل��ك واتبع��ك األرذل��ون{استشهاده على ذلك قوله تعالى: المفس

بأنهم الضعفاء على الصحيح. فإنه ال يزال في زيادة"وس��ألتك أيزي��دون أم ينقص��ون؟ ف��ذكرت: أنهم يزي��دون، وك��ذلك أم��ر اإليم��ان"

بجميع أموره المعتبرة فيه من صالة وزكاة وصيام وغيرها، ولهذا نزل في آخر عمره -"حتى يتم". [3 ]سورة المائدة }اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي{عليه الصالة والسالم-:

"وس��ألتك: أيرت��د أح��د س��خطة لدين��ه بع��د أن ي��دخل في��ه؟ ف��ذكرت: أن ال، وك��ذلك اإليم��ان حين تخال��ط القلوب مفعول، وبشاشته فاعل، أي تخالط بشاشة اإليمان القلوب التي يدخل فيها،بشاش��ته القل��وب"

وفي رواية: "يخالط بشاشة" بالنصب، و"القلوب" مجرور على اإلضافة، والمراد ببشاشة القلوب انشراحالصدور، والفرح والسرور باإليمان.

ألنها ال تطلب حظ الدنيا الذي ال يبالي"وس��ألتك ه��ل يغ��در؟ ف��ذكرت: أن ال، وك��ذلك الرس��ل ال تغ��در" طالبه بالغدر بخالف من طلب اآلخرة، من طلب اآلخرة ال يمكن أن يسعى من أجل تحقيقها والسعي

إليها بأمر يحرمه هللا عليه، ال شك أن ما عند هللا ال ينال بسخطه -كما هو معروف-. بإثبات األلف مع )ما( االستفهامية وهو قليل، قاله الزركشي وغيره،"بما يأمركم" "وسألتك بما يأمركم"

ما فيه )عما( يتساءلون؟ األصل [1 ]سورة النبأ }عم يتساءلون{األصل الحذف )بم( هذا الكثير الغالب "فذكرت: أنه يأمركم أن تعبدوا هللا، وال تشركوا به ش�يئا، وينه��اكمحذف األلف، وإثباتها قليل كما هنا،

"وال تشركوا به شيئا، واتركوا م��ا جمع وثن وهو الصنم، واستفاده هرقل من قوله: عن عبادة األوثان"م، ولم"ويأمركم بالصالة والصدق والعف��اف" ألن مقولهم األمر بعبادة األوثان، يقوله: آباؤكم" وهذا تقد

التجريد الصريح– الحلقة الثامنة4عشر

ها أبو سفيان، يعني قوله: ج هرقل على الدسيسة التي دس "ونحن من��ه في م��دة م��ا ن��دري م��ا ه��ويعرج عليها، ألنها ال رصيد لها من الواقع، وهي أيضا من عدو. صانع فيها؟" لم يعر

"وسألتك هل ق�اتلتموه وق�اتلكم؟وسقط هنا إيراد السؤال العاشر وجوابه، وثبت ذلك في كتاب الجهاد ة وت��دالون علي��ه األخ��رى، وك��ذلك فزعمت أنه قد فعل، وأن حربكم وحربه تكون دوال، يدال عليكم المر

، هذا السؤال العاشر سقط هنا إيراده. الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة"ا"ثم قال هرقل ألبي سفيان: ألن الخبر يحتمل الصدق والكذب -كما هو"ف��إن ك���ان من تق���ول حق

وقد يعني أرض ملكه "موضع قدمي هاتين"" يعني النبي -صلى هللا عليه وسلم- ""فسيملكمعروف- قاله لما عنده من عالمات نبوته -عليه الصالة والسالم- الثابتة في الكتبكنت أعلم أن���ه خ���ارج"

القديمة، وفي رواية في كتاب التفسير: فإن كان ما تقول حقا فإنه نبي وفي الجهاد: "وهذه صفة نبي"، أي "إلي����ه لتجش����مت"أي أصل"فل����و أني أعلم أني أخلص" يعني من قريش، "لم أكن أظن أن����ه منكم"

م هو الهجرة، وفي مرسل ابن إسحاق لتكلفت لقاءه على ما فيه من المشقة، قال ابن بطال: هذا التجش عن بعض أهل العلم أن هرقل قال: ويحك، وهللا إني ألعلم أنه نبي مرسل، ولكني أخاف الروم على نفسي ولوال ذلك التبعته، وخفي على هرقل قوله -صلى هللا عليه وسلم- اآلتي في كتاب النبي -عليه

فلو حمل»أسلم تسلم« خفي عليه قوله -عليه الصالة والسالم-: »أسلم تسلم«الصالة والسالم-: لم من جميع المخاوف في الدنيا لم لو أس لم، لس الجزاء السالمة تسلم، على عمومه في الدارين لس

، قال ذلك مبالغة في الخدمة، وفي رواية: "لغسلت عن"ولو كنت عن��ده لغس��لت عن قدمي��ه"واآلخرة، قدمه"، أو في رواية: "لغسلت قدميه" بدون عن، ثم دعا هرقل بكتاب النبي -عليه الصالة والسالم-.

المقدم: أحسن هللا إليكم، عندما قال هنا: سألتك هل كان في آبائه من ملك؟ ه��ل ك��انت ق��ريش ال تعت��بر عبد المطلب ملكا في وقتها وليس له إم�رة، وبالت�الي ال يحتس�بون أن الن�بي -ص�لى هللا علي�ه وس�لم-

من ساللة قوم كان لهم رأي في قريش؟ العرب في الجاهلية عاشوا فوضى، ليس هناك ملك مرتب منظم كما عند غيرهم من األمم، فهو في االصطالح أو في العرف السياسي سواء كان في القديم أو الحديث ال يسمى ملك، سيد وكبير قوم،

ليس بملك عرفا؛ ألنهم يعيشون فوضى، ما اعتبر ملك.المقدم: هذه الحادثة كانت في أثناء فترة الصلح؟

نعم، بعد صلح الحديبية سنة ست. المق��دم: ثم حص��ل بع��دها م��ا حص��ل من إس��الم أبي س��فيان -رض��ي هللا عن��ه- ونق��ل ه��ذه الحادث��ة إلى

الصحابة؟ نعم، نقلها عنه ابن عباس، نقلها كما هي، وهذا يدل على أمانة الصحابة وثقتهم؛ ألن فيها بعضيها للناس؛ ألنها قدح األشياء التي لو كانت المسألة بالرأي كان يغطيها أبو سفيان، بل يخفيها وال يرو

فيه.

5 فضيلة الشيخ عبد الكريم

الخضير 5

المقدم: ونحن نسميه اآلن هذا نسميه حديثا كما تفضلتم قبل قليل؟ نعم، هو حديث؛ ألن فيه وصف النبي -عليه الصالة والسالم-، والحديث ما أثر عن النبي -عليه الصالة والسالم-، أو ما يروى عنه -عليه الصالة والسالم- من قول أو تقرير أو فعل أو وصف،

الوصف من الحديث، ولذا الشمائل قسم من أقسام السنة. المقدم: قال: "ثم دعا بكتاب رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم- الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى،

»بس��م هللا ال��رحمن ال��رحيم، من محم��د عب��د هللا ورس��وله إلى هرق��لفدفع��ه إلى هرق��ل فق��رأه ف��إذا في��ه: عظيم الروم، سالم على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية اإلسالم، أس��لم تس��لم، يؤت��ك هللا

اأج��رك م��رتين، ف��إن ت��وليت ف��إن علي��ك إثم األريس��يين، و واء بينن�� ة س�� ا أه��ل الكت��اب تع��الوا إلى كلم�� }ي��ن دون هللا ف��إن تولوا فقول��وا ا م ا أرباب�� وبينكم أال نعبد إال هللا وال نشرك به شيئا وال يتخذ بعضنا بعض��

لمون{ هدوا بأنا مس�� ق�ال: ق�ال أب��و س��فيان: فلم��ا ق�ال م��ا ق��ال، وف��رغ من «[64 ]س��ورة آل عم��ران اش��ر ابن أبي خب، وارتفعت األصوات، وأخرجنا، فقلت ألصحابي: لقد أمر أم�� قراءة الكتاب كثر عنده الص

كبشة، إنه يخافه ملك بني األصفر، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل هللا علي اإلسالم." بكتاب رس�ول هللا -ص�لى هللا علي�ه وس�لم-" هرقل ""ثم دعافي تتمة الحديث السابق في قصة هرقل،

، بكسر الدال وهو فاعل، بعث به دحية، وهو ابن خليفة الكلبي، صحابي جليل كانالذي بعث به دحية"ا لئال يفتتن به من جماله، ا، أسلم قديما، ذكر في الشروح أنه كان يمشي متلثم من أحسن الناس وجه

ولذا جاء جبريل -عليه السالم- في صورته. وفي رواية: "بعث به مع دحية" أي بعثه -عليه الصالة والسالم- معه، وكان في آخر سنة ست، بعد

، بضم الباء الموحدة مقصورا مدينة في الشام من أعمال"إلى عظيم أهل بصرى"أن رجع من الحديبية اني، هرقل بنفسه أو الترجمان"فدفعه إلى هرقل فقرأه"حوران، أي أميرها الحارث بن أبي شمر الغس

"فقرأه ف��إذابأمره، وفي مرسل محمد بن كعب القرظي عند الواقدي، فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية ، وفي ذلك استحباب تصدير الكتب بالبسملة، وإن كان المبعوث إليه"»بسم هللا الرحمن الرحيم«فيه:

كافرا في جميع مكاتباته -عليه الصالة والسالم- يفتتح الكتاب بالبسملة دون الحمدلة، وهذا يدل على أن الرسائل تختلف عن الخطب، وافتتح سليمان -عليه السالم- كتابه إلى بلقيس ببسم هللا الرحمن

الرحيم كما جاء النص عليه في القرآن الكريم. ا لبطالن قول النصارى في"»من محم��د عب��د هللا ورس��وله«" ف نفسه الشريفة بالعبودية تعريض وص

ا الرد على الغالة الذين غلوا فيه المسيح أنه ابن هللا، ألن الرسل مستوون في أنهم عباد هللا، وفيه أيض-عليه الصالة والسالم- ممن ينتسب إلى اإلسالم كمن يقول:

سواك عند حلول الحادث العمميا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

)يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به( أين هللا -سبحانه وتعالى-؟! إلى أن قال:

التجريد الصريح– الحلقة الثامنة6عشر

ومن علومك علم اللوح والقلمفإن من جودك الدنيا وضرتها

}وأنهماذا أبقى هلل مثل هذا؟! نسأل هللا العافية! فالنبي -عليه الصالة والسالم- أشرف مقاماته العبودية »من"وهنا قال: [14 ]سورة اإلسراء }سبحان الذي أسرى بعبده{ [19 ]سورة الجن لما قام عبد هللا{

، فالوصف بالعبودية رد على الغالة، والوصف بالرسالة رد على من ينتقصه"محمد عبد هللا ورسوله« -عليه الصالة والسالم-، وفيه استحباب ابتداء الكاتب بنفسه قبل المكتوب إليه، السنة في المكاتبات أن يقال: من فالن إلى فالن، هذه الطريقة المتبعة عنده -عليه الصالة والسالم-، من فالن إلى فالن، فيستحب للكاتب أن يبدأ بنفسه قبل المكتوب إليه، ونص على هذا أهل العلم استنباطا من مثل هذام اسمه، وإن كان المكتوب الحديث، وإن كان بعضهم يختار البداءة باألكبر، فإن كان الكاتب أكبر قد

م، إلى فالن بن فالن من فالن، عمال بقوله -عليه الصالة والسالم-: وأما»كبر كبر« إليه أكبر قدا، سواء كان صغيرا أو اإلمام أحمد -رحمه هللا تعالى- فكان يبدأ في مكاتباته باسم المكتوب إليه دائم كبيرا تواضعا منه -رحمه هللا-، وال شك أن هذا ثابت عنه -عليه الصالة والسالم- فاألولى االقتداء به مع استصحاب التواضع وهضم النفس، يعني يستحضر اإلنسان االقتداء بالنبي -عليه الصالةم اسمه إال من أجل االئتساء واالقتداء ا التواضع وهضم النفس، وأنه ما قد والسالم- ويستحضر أيض بالنبي -عليه الصالة والسالم-، ولو قرن اسمه بوصف يدل على التواضع، وقرن اسم المكتوب إليهر اسمه وإن كان كبيرا بما يدل على رفعة شأنه كما قال النبي -عليه الصالة والسالم- إلى الذي أخ

أي المعظم عندهم، ووصفه بذلك"»إلى هرق��ل عظيم ال��روم«"هرقل عظيم الروم، فقال في الخطاب: ا ليس بملك، وإنما لمصلحة التأليف، ولم يصفه باإلمرة وال الملك، لكونه معزوال بحكم اإلسالم، حكم

م اسمه -عليه الصالة»من محم��د«هو عظيم قومه، وذكر المدائني أن القارئ لما قرأ: يعني قد والسالم- غضب أخو هرقل، واجتذب الكتاب فقال له هرقل: ما لك؟! فقال: ألنه بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم، فقال هرقل: إنك لضعيف الرأي، أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه؟! لئن كان

دق أنا صاحب الروم، وهللا مالكي ومالكه. "»س��الم«"رسول هللا إنه ألحق أن يبدأ بنفسه، ولقد صز أهل العلم على حد سواء، خيروا بين التعريف والتنكير في بالتنكير، وفي رواية: )السالم( وجو السالم على الحي، ولذا قالوا: ويخير بين تعريفه وتنكيره في سالم على الحي، أما بالنسبة للميت

"»على من اتبع الهدى«" إلى آخره، »السالم عليكم دار قوم مؤمنين...«فيكتفى اللفظ النبوي الوارد: دى{أي الرشاد على حد قول موسى وهارون لفرعون: ع اله� الم على من اتب� [47 ]سورة طه }والس

لم، لم، فليس المراد به التحية، وإن كان اللفظ يشعر به؛ ألنه لم يس لم من عذاب هللا من أس والمعنى: سفليس هو ممن اتبع الهدى.

ا، وسبق الحديث عنها باختصار في"»أم��ا بع��د«" بالبناء على الضم، لقطعه عن اإلضافة المنوية لفظمة، وذكر الخالف في أول من قالها من بين ثمانية أقوال، يجمعها قول الشاعر: شرح المقد

7 فضيلة الشيخ عبد الكريم

الخضير 7

جرى الخلف أما بعد من كان بادئاويعقوب أيوب الصبور وآدم

بها عد أقوال وداود أقربوقس وسحبان وكعب ويعرب

األقرب أنه داود -عليه السالم-، وأنها فصل الخطاب الذي أوتيه، ويؤتى بها للفصل بين الكالمين، ولالنتقال من أسلوب إلى آخر، وتقدم الكالم عليها في شرح المقدمة، واإلتيان بها سنة كما تقدم ذكره؛ ألن النبي -عليه الصالة والسالم- لزمها في مكاتباته وفي خطبه -عليه الصالة والسالم-، وينبغي أن

وبعد، وإن كانت دارجة على ألسنة الناس،"»أما«" وال تغني الواو عن "»أما بعد«"يؤتى بها بلفظها ."»أما بعد«"الناس يقولون: وبعد، لكن األصل المقدم: بعضهم يقول: ثم أما بعد؟

هذه ال داعي لها، )ثم( ال داعي لها إال إذا أتي بها لالنتقال مرة ثانية إلى أسلوب ثالث، تقول: ثم أماا على أما بعد األولى، نعم جاء في بعض نسخ تفسير الطبري العطف ب)ثم( في الموضع بعد عطفاألول، لكن العبرة بما ثبت عنه -عليه الصالة والسالم-، ما أثر عنه وال نص واحد فيه )ثم أما بعد(.

؟»سالم على من اتبع الهدى« -عليه الصالة والسالم- المراد: اإلسالم »الهدى«المقدم: في قوله: الرشاد، الذي هو اإلسالم، نعم، الدين الحق.

المقدم: وبالتالي يفهم من هذا أنه ال يجوز أن يسلم على غير المسلم؟ »ف��إني أدع��وك بدعاي��ةنعم ابتداء الكافر بالسالم ال يجوز، السالم المطلق ال يجوز، يقول بعد هذا:

بكسر الدال المهملة، وفي رواية: "بداعية اإلسالم" أي بالكلمة الداعية إلى اإلسالم، وهياإلس��الم« »أس��لم«شهادة أن ال إله إال هللا، وأن محمد رسول هللا، والباء بمعنى )إلى( أي أدعوك إلى اإلسالم،

بالجزم في األول على األمر، وفي الثاني»يؤت���ك هللا أج���رك م���رتين« بفتحها، »تس���لم«بكسر الالم، جواب له، والثالث بحذف حرف العلة اللتقاء الساكنين -كما هو معروف-، جواب ثان له أيضا أو بدل

ر، إن»أسلم تسلم«منه، أسلم فعل أمر مبني على السكون، تسلم جواب الطلب أو جواب شرط مقدا أو بدل منه، وجاء في كتاب الجهاد على»يؤتك«تسلم تسلم -كما يقوله بعضهم-، جواب ثاني أيض

ما سيأتي تكرار أسلم، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك، على ما ستأتي اإلشارة إليه قريبا -إن شاء هللا تعالى-. وإعطاء األجر مرتين لكونه مؤمنا بنبيه ثم آمن بمحمد -عليه الصالة والسالم-، وقد جاء في هذا

»رجل آمن بنبيه ثم آمن بالنبي -عليه وذكر منهم: »ثالثة يؤتون أجرهم مرتين«الحديث الصحيح: ، وهذا منهم، أو من جهة أن إسالمه يكون سببا إلسالم أتباعه، لكن األول أقرب.الصالة والسالم-«

فيه غاية االختصار، ونهاية اإليجاز والبالغة، وجمع المعاني مع ما فيه من"»أسلم تس�لم«"وقوله: الجناس االشتقاقي، وهو أن يرجع اللفظان في االشتقاق إلى أصل واحد، وفي الجهاد عند المؤلف:

بتكرار أسلم، مع زيادة الواو في الثانية، فيكون األمر األول للدخول في»أسلم تسلم، وأسلم يؤتك«ا الذين آمن�وا آمن�وا{اإلسالم، والثاني للدوام عليه على حد قوله تعالى: [136 ]سورة النساء }يا أيه�

التجريد الصريح– الحلقة الثامنة8عشر

قاله الحافظ ابن حجر: وعورض بأن اآلية في حق المنافقين، أي يا أيها الذين آمنوا نفاقا آمنواا، قاله مجاهد، ومنزلة مجاهد في التفسير معروفة، إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، إخالص عرض التفسير ثالث مرات على ابن عباس من أوله إلى آخره، وابن عباس -رضي هللا عنهما- يقول: نزلت في مؤمني أهل الكتاب، يا أيها الذين آمنوا يعني بأنبيائهم السابقين آمنوا بمحمد -عليه الصالة والسالم-، وهي عند جماعة من المفسرين خطاب للمؤمنين بمحمد -عليه الصالة والسالم- ويكون المراد ب)آمنوا( الثانية دوموا واثبتوا على إيمانكم، يا أيها الذين آمنوا أنتم على خير على إيمان لكن اثبتوا على هذا الخير ودوموا عليه، فيكون المراد االستمرار عليه، ومنهم من يقول: أن المراد ب)آمنوا( هنا: ازدادوا من اإليمان، يا أيها الذين آمنوا عندكم أصل اإليمان صحيح، لكن ازدادوا من

اإليمان، فاإليمان يقبل الزيادة -كما هو معروف-. بمثناتين تحتيتين، جمع»إثم اليريسين« أي أعرضت عن اإلسالم فإن عليك مع إثمك "»فإن توليت«"

ريم، وفي رواية: " " بقلب المثناة األولى همزة، وفي أخرى:»األريس�������ين«يريس على وزن كي، وفي رواية: "»اليريسيين«" " والمعنى أنه إذا كان عليه إثم األتباع»األريسيين«" بياءين جمع يريس

بسبب اتباعهم له على استمرار الكفر؛ فألن يكون عليه إثم نفسه من باب أولى، فإن قلت: هذا معارضله غيره، [164 ]سورة األنعام }وال تزر وازرة وزر أخرى{لقوله تعالى: أجيب بأن وزر اإلثم ال يتحم

ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين، جهة فعله، وجهة تسببه، المقتدى به في »من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلىأي عمل سواء كان عمل خير أو عمل شر،

عليه إثمها وإثم من عمل بها،يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها« }إنا أطعنا سادتنايتحمل إثمه بفعله وإثم غيره باالقتداء به، وال شك أن الكبراء والعظماء يقتدى بهم

ا{ فال شك أن عليهم إثم من يقتدي بهم، واألريسيون األكارون أي [67 ]سورة األحزاب وكبراءن��� الفالحون أي عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون ألمرك، ونبه بهم على جميع الرعايا ألنهم األغلب في رعاياه، واألسرع انقيادا، فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا. وقال أبو عبيد: المراد بالفالحين أهل مملكته؛ ألن كل من يزرع فهو عند العرب فالح، سواء كان يلي ذلك بنفسه أم بغيره، فأهل مملكته أهل زراعة، منهم من يتولى الزراعة بيده وبنفسه، ومنهم من يتوالها بماله، فيؤاجر

ارون، أي أهل المكس، وقيل: الخدم والخول. الناس عليها، وقيل: هم األجراء، وقيل: العش معطوفا على قوله: أدعوك بدعاية اإلسالم، وأدعوك بقوله تعالى، أو أتلو عليك، أو"}يا أهل الكتاب{و"

، وعلى هذا التقدير فال تكون زائدة في التالوة، تكون خارجة عن التالوة؛}يا أهل الكتاب{أقرأ عليك: ألن الواو إنما دخلت على محذوف وال محذور فيه، وقيل أنه -عليه الصالة والسالم- لم يرد التالوة، بل أراد مخاطبتهم بذلك، وحينئذ فال إشكال، وعورض هذا بأن العلماء استدلوا بهذا الحديث على جواز

كتابة اآلية واآليتين إلى أرض العدو، ولوال أن المراد اآلية لما صح االستدالل، وهم أقوم وأعرف.

9 فضيلة الشيخ عبد الكريم

الخضير 9

}يا أهل" فيكون بيانا لقوله: بدعاية اإلسالم، وقوله: }يا أهل الكتاب{وحذفت الواو في بعض الروايات أي مستوية بيننا وبينكم ال يختلف فيها القرآن"}تع��الوا إلى كلم��ة س��واء{" يعم أهل الكتابين، "الكت��اب{

"، أي نوحده بالعبادة ونخلص له فيها، هذا القدر}أن ال نعبد إال هللا{والتوراة واإلنجيل، وتفسير الكلمة " »نحن معاشر األنبياء أوالد عالت،الذي هو التوحيد قدر مشترك بين الديانات كلها، الديانات السماوية،

وال نجعل غيره شريكا له في"}وال نش��رك ب��ه ش��يئا{" األصل واحد، والشرائع مختلفة، ديننا واحد«ا من دون هللا{"استحقاق العبادة، ا أرباب� فال نقول: عزير ابن هللا، وال المسيح"}وال يتخ��ذ بعض�نا بعض�

ارهم ابن هللا، وال نطيع األحبار فيما أحدثوه من التحريم والتحليل، لما نزل قوله تعالى: }اتخذوا أحب�ن دون هللا{ جاء في الحديث أن عدي بن حاتم قال للنبي -عليه [31 ]سورة التوبة ورهبانهم أربابا م

يحلون لكم»أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون« الصالة والسالم-: ما كنا نعبدهم يا رسول هللا، قال: " عن التوحيد}فإن تولوا{"، »تلك عبادته«. قال: نعم. قال: »فتتبعونهم«يعني الحرام ويحرمون الحالل

أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم، أو اعترفوا بأنكم"}فقول��وا اش��هدوا بأن��ا مس��لمون{" كافرون بما نطقت به الكتب، وتطابقت عليه الرسل، وقد قيل: إنه -صلى هللا عليه وسلم- كتب ذلك قبل نزول اآلية فوافق لفظه لفظها لما نزلت؛ ألن اآلية نزلت في وفد نجران سنة الوفود سنة تسع،ز بعضهم نزولها مرتين، نزلت وقصة أبي سفيان قبل ذلك سنة ست، وقيل: بل نزلت في اليهود وجو

قبل قصة أبي سفيان، وفي سنة الوفود سنة تسع.