الباب الأول:b7oth.com/wp-content/uploads/2016/01/... · web viewوفي حديث أبي...

Click here to load reader

Upload: others

Post on 03-Jan-2020

7 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

الباب الأول:

الصلاة والسلام على النبي ( ودلالتهما العقدية وإبطال المفاهيم الخاطئة فيهما

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله.

﴿ ﴾().

﴿ ﴾().

﴿ ﴾() ()

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمّد(، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلّ محدثةٍ بدعة، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وكلّ ضلالةٍ في النّار .

إن أعظم نعم الله على عباده أن أرسل إليهم رسولا من أنفسهم، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، وأمرهم بطاعته وتوقيره وتعزيره، وجعل محبته ركناً من أركان الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم – الذي قال جل شأنه فيه ﴿ ﴾() – : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»().

فكانت محبته وتعظيمه أمراً واجباً محتماً على كل مسلم، إضافة إلى أن نفوس البشرية تميل إلى من أحسن إليها بالمحبة والتقدير، وليس هناك محسنٌ من الخلق على هذه الأمة أعظمَ منه- صلوات ربي وسلامه عليه.

ومعلوم أن من أخص علامات محبته( الأنس بذكره ، وكثرة الصلاة والسلام عليه(، كما أنها من أكبر أسباب زيادة الإيمان به (، ولذا فقد تضافرت النصوص في الكتاب والسنة على بيان أهمية الصلاة والسلام عليه(، والإكثار منها.

قال سبحانه وتعالى: ﴿ ﴾()، فأمر سبحانه العباد بالصلاة والسلام عليه وبدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته وثلث بالمؤمنين تعظيما لشأنه( وتحقيقا لعلوّ منْزلته.

وفي الحديث الشريف عنه (: «إنه أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك ألا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشراً، ولا سلم عليك إلا سلمت عليه عشراً» (). وفي الحديث الشريف أيضا: «ما من عبد يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة ما صلى علي»().

ولذا اجتهد المحبون له في أداء هذا الواجب عليهم، فقام أهلُ السنة والجماعة من السلف الصالح ومن سار على نهجهم بالثناء العاطر عليه بما هو أهله، وعظّموه حق تعظيمه، ووصفوه بالصفات التي هو موصوف بها من العبودية والنبوة والرسالة، فعصمهم الله سبحانه عن الانحراف والابتداع والمروق من الدين، وذلك لتمسّكهم بالكتاب والسنة وفهمِهم لمقاصد الدين، ولما نزلت الآية بالأمر بالصلاة والسلام عليه( لم يلبثِ الصحابةُ حتى سألوا الرسول ( عن كيفية الصلاة عليه (، فبين لهم رسول الله ( الكيفية في ذلك، وما ذلك إلا لشدة تمسكهم بالكتاب والسنة وحرصهم على معرفة هديه( ومبادرتِهم إلى امتثال أوامر الله وأحكامه.

فهناك صيغ عديدة ثابتة عن النبي(، ولا شك أن تلك الصلوات تحمل في طياتها معاني سامية ودلالات عقدية جامعة، فهي تدل دلالة واضحة على أصول العقيدة الإسلامية السمحة، ولهذا اهتم علماء السلف بهذا الباب وألفوا في ذلك مؤلفاتٍ كثيرة، من أهمها:

1- كتابُ (فضلِ الصلاة على النبي( ) للإمام إسماعيل بن إسحاق القاضي رحمه الله، فهو كتاب صغير في حجمه، جليل في بابه، ساق فيه المؤلف أحاديثَ وآثاراً كثيرةً في فضل الصلاة على النبي (.

2- (كتاب الصلاة على النبي ()، لأبي بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم رحمه الله، وهو أيضا كتاب مسند، صغير الحجم، جليل القدر.

3- وكتابُ (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام() للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله، وهو أجل كتاب في هذا الباب جمع فيه المؤلف كثيراً من المسائل المتعلقة بالصلاة والسلام عليه(، وجمع فيه عدداً كبيراً من الأحاديث الواردة في هذا الباب، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

4- (الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر)، للفيروز آبادي رحمه الله.

5- (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع) للسخاوي رحمه الله، وهو أيضا كتاب كبير في بابه، مشتمل على فوائد مهمة وعديدة.

5- (فضل الصلاة على النبي ( وبيان معناها وكيفيتها وشيء مما ألف فيها) للشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله().

وهكذا ألف غيرُهم في ذلك كثيراً، إلا أن بعضاً منهم أورد في مؤلفاته بعضَ البدع الشنيعة، والأحاديثَ الموضوعة والحكاياتِ والمناماتِ المستنكرة، ونشروا تلك البدعَ والخرافاتِ بين الناس بدعوى محبته( وتعظيمه والثناء عليه، وهم على بُعد من حقيقة المحبة ومعاني التعظيم اللائق به (، ولذلك لم يوفَّقوا للصواب عند التعبير عما في قلوبهم من المحبة والتعظيم بالعبارات السليمة، فنراهم في بعض مؤلفاتهم يصفون النبي ( بصفات لا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى، وأدهى من ذلك وأمرّ أنهم ينسبون ذلك إلى الكتاب والسنة، ويثبتون لها فضائل أكثر مما وردت للأذكار المتواترة، بل ويشترطون لقراءتها شروطاً لا يُشترط مثلُها لقراءة القرآن الكريم، فهذه صلاة الفاتح وصلاة جوهرة الكمال يشترطون لقراءتها الطهارة المائية، فلا يكفي لها التيمم فضلاً عن أن يقرأها أحد على غير طهارة، وقد اغترّ بمثل هذه الخرافات كثيرٌ من جهلة العوام الذين لا علم لهم بالكتاب والسنة، ولا بحقيقة هؤلاء المبتدعة، فانتشرت فيهم مثلَ هذه المنكرات، وراجت تلك البدع، وعادت الغربة إلى السنة وأهلها، والله المستعان وعليه التكلان .

ولما كانت الصلاة والسلام على النبي( لها منزلة كبيرة وفضائلُ جمةٌ ودلالاتٌ عقدية واسعة، ومع ذلك ضل كثيرٌ من الناس في فهمها، وابتدعوا فيها أموراً منكرة شنيعة تنافي أساسَ الإسلام وروحَ العقيدة، رأيت أن أجعل أطروحتي في مرحلة الدكتوراه في إيضاح المسائل العقدية المتعلقة بها ودحض المنكرات والخرافات الباطلة فيها، بعنوان:

الصلاة والسلام على النبي(

ودلالاتهما العقدية ورد المفاهيم الخاطئة فيهما

أسباب اختيار الموضوع:

أسباب اختياري لهذا الموضوع تتمثل في النقاط التالية:

أولاً: إن الصلاةَ والسلامَ من جملة حقوق المصطفى ( الواجبةِ، فمعرفةُ صيغها الثابتة وفهمُ دلالاتها العقدية من جميع جوانبها من أشرف العلوم.

ثانياً: إن محبةَ الرسول ( أصلٌ من أصول الإيمان، فلا يتم إيمانُ العبد إلا بمحبته(، بل حتى يكون الرسولُ ( أحبَّ إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، ولا شك أن كثرةَ الصلاة والسلام هي من آثار محبة النبي (، وكلما ازدادت محبة العبد له ( أكثر من الصلاة والسلام عليه(.

ثالثاً: إن الصلاة والسلام مع معرفة معانيها ودلالاتها تزداد بها محبةُ المسلم للرسول (، ويَقْوى بها إيمانُه، فهي من أكبر أسباب زيادة الإيمان.

رابعاً: تتضمن الصلاةُ والسلامُ أصولَ العقيدة الإسلامية من الإيمان بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، والإيمان بالرسل عليهم السلام، فهي مرتبطة بالعقيدة ارتباطاً قوياً، ومن هنا يجدر بالطلاب إبراز المسائل العقدية فيهما، وبيان العقيدة الصحيحة الثابتة، ودحض ما وقع فيهما من العقائد الفاسدة والأمور المبتدَعة.

خامساً: منزلةُ الصلاة والسلام من بين الأدعية والأذكار، فهي ذكر شرعي دل الكتابُ والسنةُ على أهميتِه والإكثار منه، وعقوبةِ من تركه، كما أنه سبب لحصول الصلاة والسلام من الرب جل وعلا، ومن الملائكة، كما أنه من أسباب نيل الشفاعة يوم القيامة.

سادساً: وقوع كثيرٍ من مدعي محبة النبي ( في كثير من أنواع الشرك والتعظيم الممنوع، وذلك بإنشاء صيغٍ مبتدَعة تحمل في طياتها معاني باطلة، حتى لم يفرقوا بين الرب جل وعلا والمصطفى (، ورفعوا النبي ( من رتبة العبودية إلى مرتبة الألوهية، وهدموا بذلك أساس الدين الإسلامي الذي جاء به المصطفى (، مما يحتاج إلى إبطال تلك الصلوات المبتدعة، وبيان ما فيها من الأمور المنكرة والعقائدِ التي تنافي روحَ الشريعة المحمدية، وتجريدِ الصلوات الثابتة، وتقريرِ دلائلها التي تَفْصل بين ألوهية الرب جل وعلا وتعظيم الرسول اللائق به( .

سابعاً: إني لم أر - حسب إطلاعي القاصر- كتاباً شاملا لجميع المسائل العقدية المتعلقة بالصلاة والسلام مع رد وإبطال البدع والمفاهيم الخاطئة، فالمؤلفات في هذا الموضوع كلها تكاد تنحصر في جانب من تلك الجوانب، مع أن كثيراً ممن ألفوا في الصلاة والسلام لا تخلو مؤلفاتهم من أمور مبتدعة أو أحاديث ضعيفة، فجمع المسائل العقدية المستنبطة من الأدلة الصحيحة في سِفر واحد مما يُثري المكتبة الإسلامية مصدراً هاماً في هذا الباب.

خطة البحث :

أما الخطة فهي تحتوي على:

مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب وخاتمة وفهارس، وهي بالتفصيل كالآتي:

المقدمة : وفيها النقاط التالية:

أهمية الموضوع وأسباب اختياري له، خطة البحث، منهجي فيه.

التمهيد: خصائص المصطفى ( وحقوقه على أمته وحكم الصلاة عليه

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: نبذة من خصائصه (

المبحث الثاني: حقوقه ( على أمته

المبحث الثالث: حكم الصلاة والسلام عليه(؛ وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: حكم الصلاة عليه(

المطلب الثاني: ذم وعقوبة تارك الصلاة عليه(

المطلب الثالث: حكم إفراد الصلاة عليه( عن التسليم وكذا العكس

الباب الأول: معاني الصلاة والسلام على النبي( وفضلهما؛

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: معنى الصلاة على النبي (؛ وفيه مبحثان:

المبحث الأول: معنى الصلاة لغة واصطلاحاً

المبحث الثاني: أنواع الصلاة؛ وفيه مطلبان:

المطلب الأول: أنواع الصلاة باعتبار المصلي

· النوع الأول صلاة الرب جل وعلا

· المسألة الأولى: صلاة الرب جل وعلا على النبي (

· المسألة الثانية: صلاة الرب جل وعلا على عامة المؤمنين

· النوع الثاني: صلاة الخلق

· المسألة الأولى: صلاة الملائكة

· المسألة الثانية: صلاة المؤمنين

· المسألة الثالثة: صلاة سائر الكائنات

المطلب الثاني: أنواع الصلاة باعتبار المصلى عليه؛

· النوع الأول: الصلاة على الأنبياء

· النوع الثاني: الصلاة على غير الأنبياء

· الفرع الأول: الصلاة على آل النبي (

· المسألة الأولى: المراد بـ(آل محمد()

· المسألة الثانية: خصائص آل محمد (

· الفرع الثاني: الصلاة على سائر المؤمنين

الفصل الثاني: معنى السلام على النبي (؛ وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: معنى السلام لغة واصطلاحاً

المبحث الثاني: صيغة السلام الصحيحة

المبحث الثالث: السلام على غير الأنبياء عليهم السلام

الفصل الثالث: فضل الصلاة والسلام على النبي ( وثمراتهما؛ وفيه مبحثان:

المبحث الأول: الفوائد والثمرات العاجلة في الدنيا

المبحث الثاني: الثمرات الآجلة في الآخرة

الباب الثاني: صيغ الصلاة والسلام الثابتة ودلالاتها العقدية؛ وفيه ثلاثة فصول:

تمهيد: صيغ الصلاة والسلام عليه (؛ وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: صيغ الصلاة الثابتة عن النبي (

المبحث الثاني: بعض الصيغ الواردة عن بعض أئمة السلف

المبحث الثالث: إنشاء الصيغ والجمع بين الصيغ الثابتة

الفصل الأول: دلالات صيغ الصلاة والسلام على أصول الإيمان؛ وفيه مبحثان

المبحث الأول: دلالاتها على الإيمان بالله عز وجل؛ وفيه مطلبان:

المطلب الأول: دلالاتها على ألوهية الله سبحانه

المطلب الثاني: دلالاتها على أسمائه وصفاته

· الفرع الأول: اسم الله الأعظم (الله)

· الفرع الثاني: اسم الله (الحميد)

· الفرع الثالث: اسم الله (المجيد)

· الفرع الرابع: اسم الله (السلام)

· الفرع الخامس: صفة الله (الرحمة)

· الفرع السادس: صفة الله (البركة)

· الفرع السابع: التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته وأفعاله

المبحث الثاني: دلالاتها على الإيمان بالرسل عليهم السلام؛ وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الإيمان بالرسل والأنبياء السابقين

· الفرع الأول: ورود السلام عليهم في القرآن الكريم

· الفرع الثاني: المفاضلة بين الأنبياء

· المسألة الأولى: تفضيل بعض الأنبياء على بعض

· المسألة الثانية: تخصيص إبراهيم عليه السلام في الصلاة

· الفرع الثالث: التشبيه في: (كما صليت على إبراهيم)

· الفرع الرابع: حكم السلام عليهم بعد مماتهم

المطلب الثاني: الإيمان بنبينا محمد(

· الفرع الأول: أفضلية النبي(

· الفرع الثاني: اسم النبي( وصفاته

· المسألة الأولى: اسمه( (محمد)

· المسألة الثانية: وصفه بالعبودية

· المسألة الثالثة: وصفه بالنبوة والرسالة

· المسألة الرابعة: أمية النبي ( وما فيها من الحكم

· المسألة الخامسة: إطلاق لفظ السيد عليه(

الفصل الثاني: الصلاة والسلام عليه في حياته وبعد مماته ودلالاتها العقدية؛ وفيه ثمانية مباحث:

المبحث الأول: السلام على النبي(؛ وفيه مطلبان:

المطلب الأول: السلام عليه( في حياته

المطلب الثاني: السلام عليه( بعد مماته

· الفرع الأول: مشروعية السلام عليه( بعد مماته

· الفرع الثاني: كيفية السلام على النبي( عند القبر

· الفرع الثالث: النهي عن الترداد على قبره( وجعله عيداً

المبحث الثاني: وصول الصلاة والسلام إليه( بعد مماته؛ وفيه مطلبان:

المطلب الأول: أدلة وصول الصلاة والسلام إليه ( بعد مماته

المطلب الثاني: خصوصية يوم الجمعة وعرض الصلاة عليه ( فيه

المبحث الثالث: رد الروح على النبي( عند السلام عليه؛ وفيه مطلبان:

المطلب الأول: حقيقة حياة الأنبياء البرزخية

المطلب الثاني: في حقيقة رد الروح عليه (

المبحث الرابع: الخطاب في قول المصلي (السلام عليك أيها النبي)؛ وفيه مطلبان:

المطلب الأول: أقوال الصحابة في صيغة الخطاب

المطلب الثاني: المراد بالخطاب في التشهد

المبحث الخامس: سلام الجمادات على النبي (

المبحث السادس: الدعاء بالبركة عليه (؛ وفيه مطلبان:

المطلب الأول: معنى البركة الواردة في صيغ الصلوات

المطلب الثاني: حكم الدعاء بالبركة عليه (

المبحث السابع: حكم الدعاء بالرحمة عليه (

المبحث الثامن: حكم الاستغفار له وإهداء الثواب إليه (

الفصل الثالث: الدلالات العقدية الواردة ضمن مواطن الصلاة والسلام على النبي(:

الموطن الأول: بعد الأذان

الموطن الثاني: عند زيارة قبره (

الموطن الثالث: يوم الجمعة

الموطن الرابع: عند ذكر اسمه (

الباب الثالث: الصلوات والتسليمات المبتدعة وبيان بطلانها؛

وفيه تمهيد وثلاثة فصول:

تمهيد: في أسباب تلك الصلوات والتسليمات المبتدعة

الفصل الأول: الصلوات المبتدعة؛ وفيه مبحثان:

المبحث الأول: بعض الصلوات المبتدعة وبيان بطلانها، وفيه مطالب:

المطلب الأول: صلاة الفاتح وبيان بطلانها:

· الفرع الأول: صيغة هذه الصلاة ومفهومها

· الفرع الثاني: أصل هذه الصلاة وبيان بطلانه

· الفرع الثالث: المعتقدات الباطلة في هذه الصلاة

المطلب الثاني: صلاة جوهرة الكمال وبيان بطلانها

المطلب الثالث: صلاة جوهرة الأسرار وبيان بطلانها

المطلب الرابع: بعض الصلوات المبتدعة عن ابن عربي الاتحادي وبيان بطلانها

المطلب الرابع: بيان بطلان الصلوات الأحمدية الإدريسية

المطلب الخامس: بيان بطلان الصلوات البكتاشية

المبحث الثاني: التنبيه على المخالفات العقدية في بعض المؤلفات المشهورة في الصلاة والسلام على النبي (

الفصل الثاني: البدع في السلام على النبي (؛ وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: الغلو في السلام على النبي ( عند القبر؛ وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: الغلو والإطراء في كلمات التسليم

المطلب الثاني: المبالغة في الهيئة عند السلام عليه (

المطلب الثالث: جعل قبره ( عيداً

المبحث الثاني: إرسال السلام مع الغير بعد مماته (

المبحث الثالث: بيان بطلان اعتقاد سماع الرد من قبر النبي (

المطلب الأول: رد اعتقاد سماع صوته ( عند السلام عليه (

المطلب الثاني: بيان بطلان فرية رؤية يده الشريفة خارجة من القبر ومصافحته (

الفصل الثالث: البدع الإضافية والمفاهيم الباطلة المتعلقة بالصلاة والسلام عليه(

المبحث الأول: الحقيقة المحمدية عند الطوائف المبتدعة

المطلب الأول: بيان الحقيقة المحمدية عند الطوائف المبتدعة إجمالا

المطلب الثاني: موقفهم من حياة الرسول ( البرزخية

المطلب الثالث: عقيدة حضور النبي ( في مجالس الصلاة

المبحث الثاني: بعض هيئات مبتدعة للصلاة والسلام عليه( وبيان بطلانها

المبحث الثالث: تشريعات مبتدعة في الصلاة والسلام عليه ( وبيان بطلانها

المطلب الأول: تخصيص أوقات معينة بلا برهان والرد عليه

المطلب الثاني: تخصيص عدد معين من غير دليل والرد عليه

المطلب الثالث: إثبات الفضائل والصيغ المبتدعة بالمنامات ونحوها

الخاتمة وتشمل أهم نتائج البحث

الفهارس العلمية، مشتملة على:

فهرس الآيات القرآنية

فهرس الأحاديث النبوية

فهرس الآثار

فهرس الأعلام

فهرس الكلمات الغريبة

فهرس الطوائف والفرق

فهرس المصادر والمراجع

فهرس الموضوعات

منهج العمل في الرسالة:

عند كتابة البحث سلكت المنهج الآتي:

أولاً: عزوت الآيات القرآنية إلى أماكنها من المصحف الشريف بذكر اسم السورة ورقم الآية .

ثانياً: خرجت الأحاديث والآثار بعزوها إلى مصادرها، فإن كان الحديث أو الأثر في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما، إلا إذا كان هناك زيادة مهمة، فأخرجه من غيرهما أيضا، وإن لم يكن في أحدهما فخرجت من بقية مصادر السنة الشريفة مع العناية ببيان درجته.

ثالثاً: خرجت الأحاديث في الموضع الذي وردت فيه كاملة، وأما إن ورد بعض ألفاظها في أماكن متقدمة فأحيلها إلى موضع التخريج، بقولي: (سيأتي تخريجه).

رابعاً: ذكرت المصادر والمراجع التي استفدت منها.

خامساً: شرحت الألفاظ الغريبة.

سادساًَ: ترجمت الأعلام (غير الصحابة، وكذا المعاصرين) الواردة في الرسالة.

سابعاً: التزمت بعلامات الترقيم وضبط ما يحتاج إلى ضبط.

ثامنا: عرفت الطوائف الواردة في الرسالة.

تاسعاً: وضعت الفهارس العلمية اللازمة

الشكر والتقدير

نحمد الله الذي أرشدني ووفقني لطلب العلم الشرعي المبارك، وسهل لي سبله، وسخر لي وسائله، ومنّ عليّ بإتمام هذا العمل وإنجازه، فله الحمد أولا وآخرا.

ثم أشكر حكومة هذه البلاد المملكة العربية السعودية على ما تولي اهتماما لشؤون الأمة الإسلامية وقضاياها في جميع أنحاء المعمورة، فجزاها عن المسلمين كل خير وحرسها من كل سوء ومكروه.

كما أني أتشرف بأن أسجل أجمل وأبهى كلمات الشكر والتقدير للجامعة الإسلامية المباركة، جامعة الأمة الإسلامية جمعاء، هذا الصرحِ العلميِ الشامخ، على ما تُكرّم به طلاب العلم من جميع أصقاع العالم، فتكتنف كلَّ عام مئات من متعطشي العلم النبوي، وتُرْويهم من معينها الصافي العذب الذُّلاَل، وتُحلِّيهم بنور الكتاب والسنة، سائلا المولى القدير أن يزيد في عزها وشرفها، ويوفق القائمين عليها بمزيد الخير والعطاء، ويرزقهم الإخلاص في القول والعمل، ويسدد على طريق الخير خطاهم، وأخص بالذكر عمادةَ كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية، وكليةَ الدعوة وأصول الدين متمثلةً في قسم العقيدة، على ما أتاحوا لي من مواصلة الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، فجزى الله الجميع خير الجزاء، وجعل هذا في موازين حسناتهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ثم أتقدم بالشكر الجزيل والعرفان الجميل إلى شيخي وأستاذي الجليل الدكتور محمد بن عبد الرحمن أبي سيف المشرفِ على هذه الرسالة، على تجشمه لقراءة هذا البحث، من أوله إلى آخره، وتصحيحه، ونصحه، وإرشاده، وكان لتوجيهاته القيمة ومتابعته الجادة أثر واضح - بعد فضل الله سبحانه- في إنجاز هذا العمل بهذه الصورة، فجزاه الله عني خير الجزاء، وجعل هذا في ميزان حسناته، وبارك في عمره وعلمه وعمله وذريته، آمين.

كما أشكر شيخي وأستاذي الكريم فضيلة الأستاذ الدكتور عبدَ الرزاق بنَ عبد المحسن البدر المشرفَ على هذه الرسالة في بداية عهدها، والذي استفدت من توجيهاته السديدة، ونصائحه الغالية، فجزاه الله عني خيرا، وأكرر الشكر له على قبوله مناقشة الرسالة وتقويمها وتصحيحها فجزاه الله عني وعمن استفاد من هذه الرسالة خيرا وكتب الله له الأجر والمثوبة.

كما أشكر العلامة الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان على تقبله لقراءة هذه الرسالة وتقويمها وتصويبها وتحمل عناء السفر لمناقشتها فبارك الله فيه وفي علمه ونفع به الإسلام والمسلمين.

كما لا يفوتني أن أشكر جميع مشايخي النبلاء وأساتذتي الفضلاء الذين استفدت منهم وتَتَلْمَذت عليهم في الجامعة وخارجها، فجزاهم الله خيرا ونفع بهم الإسلام والمسلمين، وجمعنا وإياهم في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين كما جمعنا في هذه البقعة الطاهرة، وأخيرا أشكر كل من أسدى إلي معروفا أو أتحفني بفائدة فجزى الله الجميع خير الجزاء.

وختاما فهذا جهد المقل، أضعه بين أيديكم فما فيه من صواب فمن الله سبحانه وحده، وما كان فيه من خطأ وقصور فمني ومن الشيطان وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعفو عن وأن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

التمهيد

خصائص المصطفى ( وحقوقه على أمته وحكم الصّلاة عليه

وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: نبذة من خصائصه (

وفيه مطالب:

المطلب الأول: تعريف الخصائص والكلام في خصائص النّبيّ (

وفيه مسألتان:

الأولى: تعريف الخصائص لغة واصطلاحا

الثانية: حكم الكلام في خصائص النّبيّ (

المطلب الثاني: ما اختص به النّبيّ ( دون سائر الأنبياء من الفضائل والكرامات

المطلب الثالث: ما اختص به النّبيّ ( دون أمته من التشريعات

المطلب الأول:

تعريف الخصائص والكلام في خصائص النّبيّ (

وفيه مسألتان:

الأولى: تعريف الخصائص لغة واصطلاحا

الثانية: حكم الكلام في خصائص النّبيّ (

المسألة الأولى: الخصائص لغة واصطلاحا:

لغة: الخصائص جمع الخَُصوصية، وخصوصية الشيء خاصيته.

وخَصه بالشيء يخُصُّه خَصاً وخَصُوصِيَّة وخُصوصِيَّة، وخَصوصاً وخُصوصاً، واختصه: أي أفرده وفضله وميزه عن غيره.

وأصل الكلمة الفرجة والثلمة.

يقول الأزهري() رحمه الله: ((الخُصّ: سُمِّى خُصاًّ لما فيه من الخَصاص، وهو التَّفاريجُ الضيقة، ويقال: تخصَّص فلان بالأمر واختصّ به، إذا انفرد به))().

ويقول ابن فارس() رحمه الله: ((الخاء والصاد أصلٌ مطّرد منقاس، وهو يدلُّ على الفُرْجة والثُّلمة، ومن الباب خَصَصْت فلاناً بشيءٍ خَصُوصِيَّةً - بفتح الخاء، وهو القياس))()

وقال الفيروز آبادي(): ((خصه بالشيء خصًّا، وخصوصاً، وخصوصية: فضله))().

وفي معجم الوسيط: ((خصوصية الشيء خاصيته، والخَصِيْصة الصفة التي تميز الشيء وتحدده، والجمع خصائص))().

الخصائص اصطلاحا:

وأما اصطلاحا فالكلمة لا تخرج عن معناها اللغوي، وهو الانفراد بالشيء، والتفضيل به على غيره.

فالخصائص النبوية: هي الأمور التي انفرد بها النّبيّ صلى الله عليه وسلم دون غيره، وفضله الله سبحانه بها على غيره، إما على إخوانه من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وإما على سائر البشر().

المسألة الثانية:

حكم الكلام في خصائص النّبيّ صلى الله عليه وسلم

إن الله سبحانه فضّل خليله وصفيه على سائر الخلق بأمور كثيرة وفضائل جليلة، ولا شك أن البحث في ذلك والاشتغال بها مما يزداد به المرء حبّاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً وتوقيراً له - صلوات ربي وسلامه عليه.

إلاّ أن بعض العلماء منعوا من الكلام في الخصائص، باعتبار أنها أمر قد مضى، وقالوا بأنه لا فائدة في الاشتغال بها، إذ لا يتعلق بها حكم تمس الحاجة إليه، وممن منعوا منه ابن خيران()().

ومنع بعضهم - كالغزالي() وغيره - من الخوض في المسائل التي لا دليل عليها، بمجرد الاجتهاد وذكر الخلاف فيها، مثل نكاح الكتابية الحرة، أو نكاح الأمة وما تتفرع عنها من المسائل().

قال ابن الرفعة(): ((يتكلم فيما جرى في الصدر الأول من ذلك دون ما لم يجر منه، وسياق كلام الوسيط - أي كلام الغزالي - يرشد إليه... أما ما لم يجر منه صلى الله عليه وسلم فهذا المعنى منتف عنه، ولا حكم يتعلق به ناجزاً، فإن كان ولا بد من الإعراض من الكلام فليكن في ذلك))().

وقال الآخرون بجواز الكلام في الخصائص مطلقاً والبحث في ذلك، وإن اختلفت الأقوال وتباينت الآراء.

يقول النووي() رحمه الله: ((وقال سائر أصحابنا لا بأس به، وهو الصحيح؛ لما فيه من زيادة العلم، فهذا كلام الأصحاب، والصواب الجزم بجواز ذلك، بل باستحبابه، بل لو قيل بوجوبه لم يكن بعيدا؛ لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتة في الحديث الصحيح فعمل به أخذاً بأصل التأسي، فوجب بيانها لتعرف فلا يعمل بها، وأي فائدة أهم من هذه، وأما ما يقع في ضمن الخصائص مما لا فائدة فيه اليوم فقليل))().

ولا شك أن الكلام في الخصائص لها فوائد عديدة، فالخصائص هي ما أنعم الله بها على نبيه صلى الله عليه وسلم، وفضله بها على غيره من الأنبياء أو سائر الناس، فبيانها في الحقيقة إظهار ما أكرمه الله عز وجل بها، ومعرفتها والعلم بها من أهم أسباب زيادة إيمان العبد به والمحبة له صلى الله عليه وسلم، ولو لم تكن من الفوائد إلا هذه لكفت لاستحباب الكلام فيها، فكيف أن خصائصه صلى الله عليه وسلم التشريعية ترتبط وتتعلق بها أحكام شرعية، لأنّ أفعاله مثل أقواله صلى الله عليه وسلم في الاتباع والاقتداء، فبيان ومعرفة الخصوصية ينقطع به حكم التأسي، ولا يتمسك بها جاهل فيقع في المحظور()، ولهذا ذهب الجمهور إلى الجواز.

قال ابن الملقن(): ((وأما الجمهور فإنهم جوزوا ذلك لما فيه من العلم))(). فتكلموا في الخصائص وصنفوا فيها مصنفات خاصة، ومن أقدم من تكلم في الخصائص المزني() في مختصره؛ حيث افتتح كتاب النكاح بها، وتابعه غيره من علماء الشافعية وغيرهم()،والله أعلم.

المطلب الثاني: خصائص النّبيّ صلى الله عليه وسلم

إن الله سبحانه يخلق ما يشاء ويختار منهم ما يشاء ويفضله على غيره، فاختار الله سبحانه الأنبياء والرسل وفضلهم على سائر المخلوقات، واختار منهم أولوا العزم، واختار من أولي العزم خاتمهم وإمامهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وفضّله على سائر الخلق بفضائل ومعجزات.

لما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم، أفضل الأنبياء وسيد المرسلين أعطي من الفضائل والمعجزات ما يعسر معه العد، وما لم يؤت أحد من الأنبياء والمرسلين، ((فقد خص الله نبينا من خصائص التكريم لما لم يعطه أحداً من الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام))() ووهبه في الدنيا والآخرة ما يغبطه عليه الأولون والآخرون، ((بل لم تزل تتجدد بعده صلّى الله عليه وسلّم على تعاقب العصور، وذلك أن كرامات الأولياء من أمته صلّى الله عليه وسلّم براهين له قواطع ومعجزات له سواطع ولا يعدها عاد ولا يحدها حاد)) ()، وكل معجزة أكرم الله بها أحدا من الأنبياء والرسل إلا وقد أعطي نبينا صلّى الله عليه وسلّم مثلها أو أفضل منها.

ولسنا بصدد الكلام على جميع تلك المعجزات والخصائص التي منحها الباري سبحانه لنبيه وخليله صلّى الله عليه وسلّم، ((فخصائص النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما أكرمه الله به لا تنحصر ولا تستطيع نشر عدها، وفيها كتب مشتملة على بعضها))()، وإنما نشير هنا إلى المعجزات والخصائص التي خص الله سبحانه بها خليله صلّى الله عليه وسلّم دون سائر الأنبياء والرسل، ونطقت الأدلة بالخصوصية، وجعلته في فرعين:

الفرع الأول: ما اختص به النّبيّ ( دون سائر الأنبياء من الفضائل والمعجزات

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: خصائص النّبيّ ( دون جميع الأنبياء عليهم السّلام في الحياة الدنيا:

فمنها:

· اختصاصه ( بالقرآن الكريم معجزة، وحفظاً، وجامعاً للعلوم السابقة، والمشتمل على الفاتحة التي لم ينزل مثلها في الكتب السابقة، والمفصل الذي فُضل به النّبيّ (، وعلى الكنْز الذي لم يؤت نبي قبله:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ (: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليَّ؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة»() .

وقال تعالى: ﴿ ﴾()

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله ( خرج على أبي بن كعب فقال رسول الله (: يا أبى، وهو يصلى فالتفت أبي ولم يجبه، وصلى أبي فخفف ثم انصرف إلى رسول الله ( فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله (: وعليك السلام ما منعك يا أبي أن تجيبنى إذ دعوتك؟ فقال: يا رسول الله إنى كنت فى الصلاة، قال: أفلم تجد فيما أوحى الله إلي أن ﴿استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾ قال: بلى ولا أعود إن شاء الله، قال: تحب أن أعلمك سورة لم ينزل فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا فى الزبور ولا فى الفرقان مثلها؟ قال: نعم يا رسول الله، قال رسول الله (: كيف تقرأ فى الصلاة؟ قال: فقرأ أم القرآن، فقال رسول الله (: والذى نفسى بيده ما أنزلت فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا فى الزبور ولا فى الفرقان مثلها، وإنها سبع من المثانى()، والقرآن العظيم الذى أعطيته»().

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النّبيّ ( قال: «أُعطيت مكان التوراة السبع، وأُعطيت مكان الزّبور المئين، وأُعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلت بالمفصل»(). وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: «إني أوتيتهما من كنْز من بيت تحت العرش ولم يؤتهما نبي قبلي. يعني الآيتين من آخر سورة البقرة»().

· اختصاص النّبيّ ( بجوامع الكلم()، وإرساله إلى الثقلين، والنصر بالرعب مسيرة شهر()، وجُعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، وأُحلّت له الغنائم، وخُتم به النّبيّون، وأوتي مفاتيح خزائن الأرض:

قال تعالى: ﴿ ﴾()

وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النّبيّ ( قال: «أُعطيت خمساً لم يُعطهن أحد قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً؛ فأيما رجل من أمتي أدركته الصّلاة فليصلِّ، وأُحلت لي الغنائم ولم تحل لأحدٍ قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النّبيّ يُبعث إلى قومه خاصّة وبُعثت إلى الناس عامة»().

ولمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ( قال: «فضلت على الأنبياء بست؛ أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النّبيّون»()، ولمسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: «بُعثت بجوامع الكلم، ونُصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي. قال أبو هريرة: فذهب رسول الله ( وأنتم تنتثلونها()»().

· اختصاص النّبيّ ( بأن الله تعالى أحلّ له مكة ساعة من نهار:

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ( يوم الفتح فتح مكة: «لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا، وقال يوم الفتح فتح مكة: إنَّ هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ...» الحديث().

· اختصاص النّبيّ ( بأن الله تعالى نهى الناس أن ينادوه باسمه العلم:

قال تعالى: ﴿ ﴾().

قال أبو نعيم الأصبهاني(): ((فخصه الله تعالى بهذه الفضيلة من بين رسله وأنبيائه وأخبر سبحانه عن سائر الأمم أنهم كانوا يخاطبون رسلهم وأنبياءهم بأسمائهم))().

· اختصاص النّبيّ ( بأخذ الميثاق له من جميع الأنبياء بالإيمان به ونصرته:

قال تعالى: ﴿ ﴾().

قال ابن كثير(): ((وهذه خصوصية ليست لأحدٍ منهم سواه))().

المسألة الثانية: خصائص النّبيّ ( دون جميع الأنبياء عليهم السّلام في الحياة الآخرة:

· اختصاص النّبيّ ( بأنه أول من تنشق عنه الأرض، وبإعطائه لواء الحمد وأول من يدخل الجنة يوم القيامة:

فعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ( يقول: «إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأُعطى لواء الحمد ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة، ولا فخر...» الحديث().

· اختصاص النّبيّ ( بأنه أول شفيع في الجنة، وأكثر الأنبياء تابعاً، وأول من يقرع بابها:

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: «أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعاً». وفي لفظ آخر: «أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة وأول من يقرع باب الجنة»().

· اختصاص النّبيّ ( بالمقام المحمود يحمده أهل الجمع كلهم، وهو الشفاعة:

قال الله تعالى: ﴿ ﴾().

وفي البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: «إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النّبيّ ( فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود»(). وفي رواية عنه رضي الله عنه قال: قال النّبيّ (: «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبيناهم كذلك استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمحمد (، فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً، يحمده أهل الجمع كلهم»().

· اختصاص النّبيّ ( بأنه سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع»().

· اختصاص النّبيّ ( بمنزلة الوسيلة:

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النّبيّ ( يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلَّى عليَّ صلاة صلَّى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منْزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشفاعة»().

الفرع الثاني: خصائص النّبيّ صلى الله عليه وسلم دون أمته

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: الخصائص المتعلقة بالفضائل:

· اختصاص النّبيّ صلى الله عليه وسلم بتعيين لفظ (الصّلاة) دون الترحم ونحوه عند ذكره():

قال الله عز وجل: ﴿ ﴾().

· اختصاص النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعرض الصّلاة عليه بعد موته:

فعن أوس بن أبي أوس أن رسول الله ( قال: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصّلاة فإن صلاتكم معروضة عليَّ . قالوا : يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟- يقولون : قد بليت – قال: إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»() صلوات الله عليهم.

· اختصاص النّبيّ ( دون أمته بأن الله تعالى عصمه من الناس:

قال الله تعالى: ﴿ ﴾().

· اختصاص النّبيّ صلى الله عليه وسلم دون أمته بأنه لا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوته (:

قال تعالى: ﴿ ﴾().

· اختصاص النّبيّ ( دون أمته بأن أزواجه اللاتي توفي عنهنّ محرمات على غيره أبداً، وأنّهن أمهات المؤمنين:

قال تعالى: ﴿ ﴾(). وقال تعالى: ﴿ ﴾().فهنّ أمهات المؤمنين بنص القرآن الكريم، فيجب احترامهنّ وطاعتهنّ ويحرم نكاحهنّ، إلا أنه لا يجوز الخلوة بهنّ ولا يحرم زواج بناتهنّ()، ولذا قال الإمام الشافعي(): (أي: في معنى دون معنى)() .

المسألة الثانية: الخصائص المتعلقة بالتشريعات():

· اختصاص النّبيّ صلى الله عليه وسلم بجواز الجمع بأكثر من أربع نسوة():

وقد تزوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع نسوة، وتوفي رسول الله ( عن تسع زوجات، يقول أنس بن مالك: «أن النّبيّ ( كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة»(). وقال عـز وجل للمؤمنين: ﴿ ﴾()، أي: ((فانكحوا ما طاب لكم من النساء؛ إما مثنى إن أمنتم الجور من أنفسكم فيما يجب لهما عليكم، وإما ثلاث إن لم تخافوا ذلك، وإما أربع إن أمنتم ذلك فيهن))().

· اختصاص النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالوصال في الصوم:

والوصال هو: صيام يومين فصاعداً من غير أكل أو شرب بينهما().

عن ابن عمر رضي الله عنه: «أن رسول الله ( واصل في رمضان فواصل الناس، فنهاهم، قيل له: أنت تواصل؟ قال: إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى»().

· اختصاص النّبيّ صلى الله عليه وسلم بصحة عقد النكاح بلفظ الهبة بغير صداق:

قال الله سبحانه: ﴿ ﴾().

يقول الإمام الطبري(): ((يقول : إن أراد أن ينكحها فحلال له أن ينكحها إذا وهبت نفسها له بغير مهر ﴿ ﴾يقول : لا يحل لأحد من أمتك أن يقرب امرأة وهبت نفسها له، وإنما ذلك لك يا محمد خالصة أخلصت لك من دون سائر أمتك))().

المبحث الثاني: حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته

إن الله سبحانه أرسل رسوله بالهدى والبينات، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى الصـراط المستقيم، وأرسله رحمة للعالمين، قـال سبحانه: ﴿ ﴾().

فبلغ البلاغ المبين حتى أتاه اليقين، وترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ما علم خيراً إلا أرشدهم إليه، وما علم شراًّ إلا نهاهم عنه، آخذ بحجزهم من الوقوع في النار، فما أرحمهم بأمته، قال سبحانه: ﴿ ﴾().

فحصل لأمته بسببه من الخير والفضل والرحمة والبركة ما يفوق وصف الواصفين، وما لا يعلمها إلا رب العالمين، ولذا فقد أوجب الله على أمته تجاهه ( حقوقاً وواجبات؛ (وهذه الحقوق ... هي تبع لرسالته؛ فإنه هو السفير والواسطة بيننا وبين الله تعالى في تعليمنا و انتفاعنا بما علمنا من علم الله ... وبذلك حصل لمن آمن به واتبعه سعادة الدنيا و الآخرة بل أعظم نعمة أنعم الله بها على المؤمنين أن أرسله إليهم وأنزل عليه الكتاب ومن عليهم باتباعه فليس في الدنيا خير أعظم من هذا)().

وفي هذا المبحث سأذكر جملة من حقوق المصطفى ( على أمته، وجعلتها في مطالب:

المطلب الأول: الإيمان به صلى الله عليه وسلم

فالإيمان بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان العبد ولا يقبل إسلامه إلا بالإيمان بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، فهو الشطر الثاني من الركن الأول من أركان الإسلام.

والإيمان به صلى الله عليه وسلم هو تصديقه فيما جاء به من عند الله، جملة وتفصيلاً، وأن ما جاء به هو حق يجب اتباعه، (فلا يكون الرجل مؤمناً حتى يقرّ بما جاء به النّبيّ (، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)().

قال سبحانه: ﴿ ﴾(). وقال سبحانه: ﴿ ﴾().

يقول شيخ الإسلام رحمه الله (): ((وأما الإيمان بالرسول فهو المهم، إذ لا يتم الإيمان بالله بدون الإيمان به، ولا تحصل النجاة والسعادة بدونه، إذ هو الطريق إلى الله سبحانه، ولهذا كان ركنا الإسلام: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله»))().

ولقد أخذ الله له الميثاق على النّبيّين وأمرهم أن يأخذوا على أممهم الميثاق أنه إذا جاءهم أن يؤمنوا به ويصدقوه وينصروه، قال سبحانه: ﴿ ﴾()، يقول ابن كثير رحمه الله: ((أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام، لَمَهْمَا آتى الله أحدَهم من كتاب وحكمة، وبلغ أيّ مبلَغ، ثم جاءه رسول من بعده، ليؤمنَنَّ به ولينصرَنَّه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته))().

ويشمل الإيمان به صلى الله عليه وسلم الإيمان بما وردت في الكتاب والسنة من أوصافه؛ فيؤمن بأنه خاتم النّبيّين، وأن رسالته عامة وإلى الناس كافة، وأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وأنه معصوم بعصمة الله سبحانه، ونحو ذلك مما دلت عليه النصوص().

المطلب الثاني: وجوب طاعته (

بعد الإيمان به صلى الله عليه وسلم وتصديقه فيما أخبر يجب على الأمة طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، فبه تحصل السعادة في الدارين والفوز بالجنة والنجاة من النار، ولذا قرن الله سبحانه طاعته بطاعة رسوله فقال عز شأنه: ﴿ ﴾() . وقال (: « من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله»().

والأدلة على وجوب طاعته واتباع شريعته وامتثال أوامره كثيرة جداً في الكتاب والسنة، بأساليب متنوعة وصيغ متعددة، يقول الإمام أحمد() رحمه الله: ((نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول ( في ثلاثة وثلاثين موضعاً))().

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ((وقد أمر الله بطاعة رسوله ( في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه))().

وطاعته تجب استقلالاً ومطلقاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، لأنه صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز شأنه: ﴿ ﴾() وأنه أوتي القرآن ومثله معه().

المطلب الثالث: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه

وفيه فرعان:

الفرع الأول: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم.

الفرع الثاني: وجوب تعظيمه صلى الله عليه وسلم.

الفرع الأول: وجوب محبته صلى الله عليه وسلم.

محبة النّبيّ ( من آكد الواجبات على الأمة، ومن أهم حقوقه ( عليها، وذلك لأنه لا أحد من الخلق أكثر إحساناً إليهم منه (، ولا أشد رحمة وشفقة عليهم - في المخلوقين - منه (، كما أن محبته واجبة ومحتمة حتى لا يبقى في القلوب من ينافسه في الطاعة والاتباع، ولا تميل النفس الأمارة بالسوء إلى تقديم قول أحد على قوله ورأيه صلوات ربي وسلامه عليه، فمن أحبّه أكثر من كل مخلوق فلن يجد في نفسه حرجاً مما يأمر به أو ينهى عنه، ويسلم له تسليماً، لأن المحبة هي أصل الأعمال ومنطلقها().

وقد دل الكتاب والسنة على وجوب محبته (، وتقديمها على محبة سائر المخلوقين، فقال عز وجل: ﴿ ﴾().

يقول القاضي عياض() رحمه الله: ((فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، و استحقاقه لها (، إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وتوعدهم بقوله تعالى: ﴿ ﴾، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله))() .

وقال صلى الله عليه وسلم: « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»().

وفي الحديث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال له: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم «لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك»، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر»().

ولمحبته صلى الله عليه وسلم علامات كثيرة، فمنها الاقتداء به والأخذ بسنته واتباع أقواله وأفعاله، وإيثار ما شرعه على هوى نفسه، ومحبة ما يحبه وبغض ما يبغضه، والإكثار من ذكره والشوق إلى لقائه وتمني رؤيته، ومحبة أصحابه وعترته، وبغض أعدائه وشانئيه().

((ومحبة الله ورسوله علي درجتين: واجبة؛ وهي درجة المقتصدين، ومستحبة؛ وهي درجة السابقين، فالأولى تقتضي أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما بحيث لا يحب شيئاً يبغضه، كما قال تعالى: ﴿ ﴾() وذلك يقتضي محبة جميع ما أوجبه الله تعالى وبغض ما حرمه الله تعالى وذلك واجب ... فيجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله ويبغض ما أبغضه الله، قال تعالى: ﴿ ﴾()، وقال تعالي ﴿ ﴾()، وقـال تعالي ﴿ ﴾().

وأما محبة السابقين بأن يحب ما أحبه الله من النوافل والفضائل محبة تامة، وهذه حال المقربين الذين قربهم الله إليه))().

الفرع الثاني: وجوب تعظيمه صلى الله عليه وسلم

كما سبق بيان أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد خصه الله سبحانه وتعالى بخصائص وفضله بها على سائر الخلق من الأنبياء والمرسلين وغيرهم، فهو سيدهم وإمامهم، فيجب على جميع الأمة توقيره وتعظيمه، فتعظيمه وإجلاله وتوقيره شعبة من شعب الإيمان()، وقد أمر الله به في كتابه.

قال سبحانه: ﴿ ﴾(). ونهى الأمة عن التقدم بين يديه (، فقال جل شأنه: ﴿ ﴾()، يقول ابن كثير رحمه الله: ((لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي: قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور، حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي))().

ونهى الله عز وجل المؤمنين عن رفع الصوت عند رسوله ( والجهر به كجهر بعضهم بعضاً، بل توعد من فعل بإحباط عمله، تعظيماً لنبيه ( وتبجيلاً لـه، فقال عز شأنه: ﴿ ﴾()، ثم مدح الذين يتأدبون مع الرسول ( ويغضون أصواتهم عنده، فقال سبحانه: ﴿ ﴾().

يقول ابن كثير رحمه الله: ((وقال العلماء : يكره رفع الصوت عند قبره، كما كان يكره في حياته؛ لأنه محترم حيا وفي قبره صلوات الله وسلامه عليه دائما))() .

ومن التوقير والتعظيم الذي أمر الله به: أن يعظمه ويبجله عند ندائه، فقال عز شأنه: ﴿ ﴾() يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ((وإذا كنا في باب العبارة عن النّبيّ ( علينا أن نفرق بين مخاطبته والإخبار عنه. فإذا خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى، حيث قال: ﴿ ﴾، فلا تقول يا محمد يا أحمد، كما يدعو بعضنا بعضاً بل نقول: يارسول الله، يانبي الله))().

وكذا من تعظيمه تعظيم شأنه وتعظيم كل ما يتعلق به (، من اسمه وحديثه وسنته وشريعته وآل بيته وصحابته رضوان الله عليهم وكل ما اتصل به عليه الصّلاة والسّلام من قريب أو بعيد().

المطلب الرابع:

كثرة الصّلاة والسّلام عليه صلى الله عليه وسلم

الصّلاة والسّلام على النّبيّ ( من أعظم الواجبات على الأمة، ومن أهم حقوقه ( عليها، فقد أمر الله المؤمنين بالصّلاة والسّلام عليه، ومهّد ذلك الحكم بالإخبار بأن الله سبحانه وملائكته يصلون عليه، تعظيماً لشأنه، وتأكيداً لهذا الأمر، فقال عز وجل: ﴿ ﴾()، يقول ابن كثير رحمه الله: ((والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصّلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً))().

وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الصّلاة والسّلام على النّبيّ (، وأحاديث أخر في ذم من ترك الصّلاة عليه (- ستأتي في الأبواب القادمة من البحث إن شاء الله تعالى.

والأحاديث التي وردت في فضلها تحث على الإكثار من الصّلاة والسّلام عليه، وخاصة في أوقات معينة كيوم الجمعة وعند الدعاء ونحوها.

وهناك مواطن وردت فيها أحاديث خاصة تحث المسلم على الصّلاة والسّلام على النّبيّ ( فيها؛ وهي كثيرة، وكثرة المواطن لاشك تدل دلالة واضحة على فضلها والحث على الكثرة منها.

وفيما يلي بعض منها:

الموطن الأول: في الصّلاة في آخر التشهد

وهو أهمها وآكدها، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته().

الموطن الثاني: في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية

وقد روي ذلك عن عدد من الصحابة بأسانيد صحيحة().

الموطن الثالث: في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين، والاستسقاء، وغيرها

قال ابن القيم رحمه الله(): ((وقد كانت الصّلاة على النّبيّ ( في الخطب أمراً مشهوراً معروفاً عند الصحابة رضي الله عنهم أجمعين))().

الموطن الرابع: الصّلاة عليه بعد إجابة المؤذن

لحديث عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله ( يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنّه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منْزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة»().

الموطن الخامس: عند الدعاء

لحديث: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء»().

الموطن السادس: عند دخول المسجد وعند الخروج منه

ففي حديث فاطمة بنت النبي ( مرفوعا: « إذا دخلت المسجد فقولي: بسم الله ، والسلام على رسول الله، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، واغفر لنا وسهل لنا أبواب رحمتك، فإذا فرغت فقولي مثل ذلك، غير أن قولي: وسهل لنا أبواب فضلك»()

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((والصّلاة والسّلام عليه عند دخول المسجد مأثور عنه صلى الله عليه وسلم وعن غير واحد من الصحابة والتابعين))().

الموطن السابع: عند اجتماع القوم قبل تفرقهم:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: « ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله، ولم يصلوا على نبيهم (، إلاّ كان مجلسهم عليهم ترة() يوم القيامة، إن شاء عفا عنهم، وإن شاء أخذهم»().

الموطن الثامن: عند ذكره صلى الله عليه وسلم

لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ ( أنه قال: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة»().

الموطن التاسع: يوم الجمعة

فعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله (: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصّلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي».

قالوا: يارسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟- يعني وقد بليت- فقال: «إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»() .

وهناك مواطن كثيرة ذكرها العلماء، وأكثرها ثابتة عن السلف، وبعضها وردت فيها أحاديث، ولا شك أنه ليس للصلاة والسّلام وقت محدد بحيث لا يشرع في غيره، بل هي مشروعة في كل وقت وحين، وكلما أكثر منها المرء كان ذلك خيراً له، وزيادة في الأجر، وسيأتي مزيد تفصيل للمسائل المتعلقة بهذا الباب إن شاء الله.

المطلب الخامس: محبة أهل بيته صلى الله عليه وسلم

إن محبة أهل بيته وأزواجه وذريته وقرابته هي من تمام محبته صلى الله عليه وسلم وتوابعها، وإكرامهم ومحبتهم وتوقيرهم مما تقر به عينه صلى الله عليه وسلم، فهم من ذرية طاهرة شريفة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً ونسباً وحسباً، ولاسيّما إذا كانوا متبعين للسنة الصحيحة().

وقد وردت أحاديث عديدة في توقيرهم واحترامهم وإكرامهم، فعن زيد بن أرقم قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُمّاً() بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين؛ أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي؛ أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي»().

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ((فآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقا في الخمس والفيء وأمر بالصّلاة عليهم مع الصّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم))().

فمن إكرام النّبيّ صلى الله عليه وسلم إكرام آله وأهل بيته، وتوقيرهم ومحبتهم، وعدم إيذائهم بل الدفاع عنهم وتبرئة ساحتهم مما ينسب إليهم كذباً وزوراً، سواء من الجفاة عنهم أو الغالين فيهم، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة: « إنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها»().

ولذا كانت الصحابة رضوان الله عليهم يعرفون هذه الفضيلة لهم، فيحبونهم ويكرمونهم ويبجلونهم، وهذا أفضل هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته)().

وقال أيضاً: (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي)().

وسيأتي المراد بأهل البيت وخصائصهم في الباب الأول إن شاء الله تعالى.

المبحث الثالث: حكم الصّلاة والسّلام عليه(؛

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: حكم الصّلاة عليه(

المطلب الثاني: ذم وعقوبة تارك الصّلاة عليه(

المطلب الثالث: حكم إفراد الصّلاة عليه( عن التسليم وكذا العكس

المطلب الأول: حكم الصّلاة عليه(

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: حكم الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم.

المسألة الثانية: متى تجب الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

المسألة الثالثة: هل يجب على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يصلي على نفسه.

المسألة الرابعة: حكم كتابة الصّلاة عند كتابة اسمه الشريف صلّى الله عليه وسلّم.

المسألة الأولى: حكم الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم

لاشك أن الصّلاة والسّلام على النّبيّ ( من أعظم الطاعات، وأفضل العبادات، وأجل القربات، تشرع في كل حين وفي كل وقت، وكلّما أكثر منها المرء كان خيراً له في الدنيا والآخرة، وقد اختلف العلماء في حكمها هل هي واجبة أم مندوبة، ومتى تجب إن كانت واجبةً؟ والأصل في هذا قوله تعالى: ﴿ ﴾().

فذهب جماهير العلماء إلى أن الأمر في الآية للوجوب، وأن الصّلاة واجبة على الأمة، ونقل جمع من العلماء الإجماع عليه.

يقول ابن عبد البر() رحمه الله: ((وأجمع العلماء على أن الصّلاة على النّبيّ ( فرض واجب على كل مسلم لقول الله عز وجل: ﴿ ﴾ثم اختلفوا متى تجب؟ ومتى وقتها وموضعها)) ().

وقال القاضي عياض رحمه الله: ((اعلم أن الصّلاة على النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فرض في الجملة غير محدد بوقت، لأمر الله تعالى بالصّلاة عليه، وحمل الأئمة والعلماء له على الوجوب وأجمعوا عليه))().

وذهب الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله وطائفة إلى أن الأمر في قوله تعالى: ﴿ ﴾ للندب، ونقل ابن جرير إجماع العلماء على ذلك()، وأشار أبو العباس القرطبي() إلى أن الأمر للندب حيث قال: ((وفي قوله: «أَمَرَنَا» دليل على أن المندوب يدخل تحت الأمر))().

وهذا القول المروي لا شك أنه مخالف لصريح الأمر في الآية، ولذا قال ابن كثير رحمه الله: ((قلت: وهو قول غريب، فإنه قد ورد الأمر بالصّلاة عليه في أوقات كثيرة، فمنها واجب ومنها مستحب))().

لأن الأمر المطلق المجرد من القرائن يقتضي الوجوب في راجح أقوال أهل العلم، وعليه جمهور فقهاء الإسلام()، وليس هنـاك قرائن تصرف ظاهر الأمر الوارد في الآية، بل القرائن تؤكد الوجوب وتقوي القول به.

قال في نسيم الرياض: ((ومستند الإجماع: هذه الآية، وما عضد من الأحاديث))() ولذا أول بعض العلماء هذا القول بما زاد على المرة الواحدة().

قال الألوسي() رحمه الله: ((والأمر في الآية عند الأكثرين للوجوب، بل ذكر بعضهم إجماع الأئمة والعلماء عليه، ودعوى محمد بن جرير الطبري أنه للندب بالإجماع مردودة أو مؤولة بالحمل على ما زاد على مرة واحدة في العمر))().

وقال السخاوي(): ((وهو المتعين))().

ولا شك أن من نظر في النصوص الواردة في الباب وأمعن النظر فيها يجد ما يؤكد وجوبها مطلقًا وبالأخص في بعض المواطن، فأمْرُ الله سبحانه في كتابه، ثم دعاءُ جبريل عليه السّلام والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برغم أنف من لم يصلِّ عليه عند ذكره، ووصفُ تاركها بالصفات القبيحة الذميمة، فهذا وذاك كلّه مما يقوي القول بوجوبها، وستأتي أقوال أهل العلم في المواطن التي تجب فيها الصّلاة.

وأما نقل ابن جرير الإجماع على الندب فكما قال ابن القيم رحمه الله: ((وهذا على أصله، فإنه إذا رأى الأكثرين على قول؛ جعله إجماعاً يجب اتباعه، والمقدمتان باطلتان))(). والله أعلم.

المسألة الثانية:

متى تجب الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

سبق أن ذكرنا في المسألة الأولى حكم أصل المسألة، وأن النصوص تؤيد القول بالوجوب، ومن قال بالاستحباب والندب فقوله إما مؤول، و إما مرجوح، وهنا سأذكر أقوال جمهور العلماء في الحكم بعد اتفاقهم على وجوب الأصل.

القول الأول:

ذهبت طائفة من أهل العلم إلى وجوبها مرة في العمر كالشهادتين.

وهذا محكي عن أبي حنيفة()، ومالك()، والثوري()، والأوزاعي()، وأهل الظاهر، قال ابن عبد البر رحمه الله: ((مذهب مالك عند أصحابه، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، أن الصّلاة على النّبيّ عليه السّلام فرض في الجملة بعقد الإيمان، ولا يتعين ذلك في الصّلاة، ومن مذهبهم أن من صلى على النّبيّ عليه السّلام في التشهد مرة واحدة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه))().

وقال ابن الملقن رحمه الله: ((الأكثرون على وجوبها في العمر مرة، كالشهادتين))().

وقال الألوسي: ((وعليه جمهور الأمة))().

واستدلوا بأن الآية فيها أمر مطلق، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار، والماهية تحصل بمرة. وسيأتي الكلام على هذه المسألة عند ذكر القول الأخير.

القول الثاني:

إنها تجب في الجملة بغير حصر، لكن أقل ما يحصل به الإجزاء مرة()

وهناك فرق بسيط بين هذا القول والذي قبله؛ وهو أن أصحاب القول الأول يقولون بأن الواجب على المسلم هو الصّلاة مرة واحدة، فإن زاد عليها كان الزائد نفلاً لا فرضاً، وأما أصحاب هذا القول فتجب الصّلاة عندهم من غير تعيين مقدار ووقت، بل الواجب إيجاد ماهية الصّلاة، فإن وجدت قليلا أو كثيراً يقع ما وجد منها فرضاً، كمسح الرأس عند الشافعية(). وقريب من هذا القول:

القول الثالث:

يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد.

قال القاضي أبو بكر بن بكير(): ((افترض الله على خلقه أن يصلوا على نبيه ويسلموا تسليماً، ولم يجعل ذلك لوقت معلوم، فالواجب أن يكثر المرء منها ولا يغفل عنها))()، وقال الخفاجي() رحمه الله: ((وهو كلام حسن))().

وقال ابن عطية(): ((الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في كل حال واجبة وجوب السنن المؤكدة؛ التي لا يسع تركها، ولا يغفل عنها إلا من لا خير فيه))().

القول الرابع:

أنّها تجب في الصّلاة؛ واختلفوا في موضع الوجوب، فقيل: تجب في الصّلاة من غير تعيين، وقيل تجب في التشهد مطلقاً، وقال جمهور القائلين بذلك تجب في التشهد الأخير فقط.

وروي ذلك عن بعض الصحابة، وبه قال الشعبي() والشافعي وإسحاق بن راهويه() وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وذهب إليه بعض أصحاب الإمام مالك().

وقال العلامة صديق حسن خان(): ((والحق وجوبه فيها))().

وقال القسطلاني(): ((وقد يلزم القائل من الحنفية بوجوب الصّلاة عليه كلما ذكر كالطحاوي() ... أن يقولوا بوجوبها في التشهد لتقدم ذكره صلّى الله عليه وسلّم في آخر التشهد في قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله))().

واستدلوا بأدلة من السنة، منها:

حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه وفيه: «أمَرَنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟»() وفي رواية: «كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا»() إلخ.

وجه الاستدلال: أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن كيفية الصّلاة المأمور بها في الآية، وثبت في الرواية الثانية أن الصّلاة المسئول عن كيفيتها هي الصّلاة عليه داخل الصّلاة، فدلّ على أن المأمور بها في الآية هي الصّلاة عليه في نفس الصّلاة، فثبت أنّها على الوجوب().

ويؤيده قوله صلّى الله عليه وسلّم في آخر الحديث: «والسّلام كما علّمتم» ((وقد ثبت أن السّلام الذي علموه هو السّلام عليه في الصّلاة، وهو سلام التشهد، فمخرج الأمرين والتعليمين والمحلين واحد ... وخرج ذلك مخرج البيان المأمور به في القرآن))().

وقد وصف جمع من أهل العلم هذا القول بالشذوذ ومخالفة الإجماع، وحكوا إجماع أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين على القول بعدم وجوبها في الصّلاة.

قال القاضي عياض: ((وأما في الصّلاة فحكى الإمامان أبو جعفر الطبري والطحاوي وغـيرهما إجماع جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على أن الصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في التشهد غير واجبة)) ().

لكن قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((غايته أنه قول كثير من أهل العلم، وقد نازعهم في ذلك آخرون من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب كما تقدم.. فأين إجماع المسلمين مع خلاف هؤلاء؟ وأين عمل السلف الصالح وهؤلاء من أفاضلهم رضي الله عنهم؟ ولكن هذا شأن من لم يتتبع مذاهب العلماء، ويعلم مواقع الإجماع والنّزاع)) ()

وقال الشوكاني(): ((ودعوى الإجماع من الدعاوى الباطلة لما عرفت من نسبة القول بالوجوب إلى جماعة من الصحابة والتابعين وأهل البيت والفقهاء)) ().

القول الخامس:

تجب الصّلاة عليه كلما ذُكر .

قاله جمع من الحنفية منهم الإمام الطحاوي، وجماعة من الشافعية منهم الحليمي()، وجماعة من المالكية، منهم ابن العربي() وغيره، وبعض الحنابلة(). بل وقد عد بعض العلماء ترك الصّلاة عند ذكره صلّى الله عليه وسلّم من الكبائر().

قال الحليمي رحمه الله: ((فقد تظاهرت الأخبار بوجوب الصّلاة عليه كلما جرى ذكره... فهو فرض على الذاكر والسامع))().

واستدل القائلون بهذا بأدلة؛ منها:

قوله تعالى: ﴿ ﴾ والأمر هنا يقتضي التكرار، ويدل عليه عدة أمور:

إن عامة أوامر الشرع على التكرار، كقوله تعالى: ﴿ ﴾() و﴿ ﴾() وغيرها أكثر من أن يحصر في النصوص الشرعية، إلا في النادر، فمن هنا علم أن هذا هو عرف خطاب الشارع، فلا يحمل أمره بالصّلاة والسّلام إلا على عرفه والمألوف من خطابه، وإن لم يكن مفهوما من أصل وضع اللغة، فهو معلوم بخطاب الشارع.

وأيضاً لفظ الفعل المأمور به يدل على الكثرة، وهو (صلّى) و(سلّم)، كما أن التأكيد بالمصدر يقتضي المبالغة والزيادة في الكمية.

وأيضاً أن الأمر ورد عقب إخبار الله سبحانه بأنه وملائكته يصلون، وصلاتهم لاشك ليست مرة واحدة فقط.

وأيضاً إن الصّلاة عليه ف