4206

196

Upload: kotob-arabia

Post on 15-Jun-2015

441 views

Category:

Education


19 download

TRANSCRIPT

Page 1: 4206
Page 2: 4206

א

Page 3: 4206

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

Page 4: 4206

.وأحزن.. تعيشون

.وأحزن.. تأكلون، تشربون، تنامون، تضاجعون هل لي يا سادتي أن أتقيأ شطر حزني في آنيتكم ؟

Page 5: 4206

.. المطر.. المطر.. المطر.. المطر.. المطر.. المطر.. رالمط.. المطر.. المطر.. المطر.. المطر ............. المطر.. المطر.. المطر.. المطر.. المطر

.. ماليين القطرات، عرق.. ألوف.. مئات.. عشرات . تتقزز………مني .. قيء.. دماء.. بول

قفاك، تصفعك بحنكة مخبر ى على القطرات الثقيلة تتهاو .شرطة عتيد

:كل الدنيا تصفعك .جيوبك الخاوية ظالم الركن منتظرا لحظة القابع فيىصبي المقه

.انفصال مؤخرتك عن قاعدة الكرسي المكسورة نصف كوب الشاي البارد الذي تبقيه كذريعة مرة سوداء

.لبقائك .الشوارع المظلمة الموحلة

.سيارات الدورية المتناثرة بالخارج كحجارة الطريق .غرفتك الكئيبة

Page 6: 4206

أبوك الذي تعلم أن ينتظرك خلف الباب بمجرد أن :تطرق ثالثين سنة ومفضوح .. ضائع ومتشرد.. أهال بالخيبة«

كل .. وأبوك يصرف عليك.. عاطل وسكري.. ابن مفضوحةلما ترجع وتدب في .. هذا وليس في وجه البعيد نقطة دم

.»بيوت الناس المحترمين كل ليلة وقت الفجر ظهره ى سواك، يوليك عامل المقهىلم يبق في المقه

، بقامته القصيرة ومشيته المتأرجحة يهرول ليطفئ التليفزيونإليك، يعترضك صامتا، رافعا عينيه نحوك، ضوء المصباح الخافت األصفر يبرق باهتا فوق صلعته الواسعة، تمرر

شعرك، تخزك األسالك الشائكة في كفك على أصابعك :المتثلجة، تنزل يدك، تهز له كتفيك

.»الحساب على يدق« ه مع تقلص مالمحه يصيح، يهتز، يؤرجح يد

من خلف المكتب ىوانبعاجها، يأتي جلباب صاحب المقهالعتيق يكنس األرض، يشتركان في صخب ال تسمعه، وأنت

Page 7: 4206

محبوس داخل قفص زجاجي يؤديان حركاتهما أمامه، تشعر .وتخرج.. ك في جيبي سروالكيأنهما قد انتهيا، تدس يد

بصعوبة تنقل حذاءك. عرض يومي ال يهددك كثيراالمثقوب في أكثر من موضع بين البحيرات السوداء الكثيرة التي خلفها المطر، تدور من شوارع جانبية ضيقة ملتوية، تاركا الشارع العمومي الذي ينتظرك فيه، يبدو أصغر منك

كأنه النموذج األساسي الذي كان ،اسنا، وسيما، نظيففي المرة األخيرة ظل . مفروضا أن يكون عليه البشر

:جانب رقبتك باستخفاف على يصفعك روري أن يمر الباشا علينا كل ليلة ليلقي تحيةض« .»؟ الفجر

بصعوبة تنزع بطاقتك المهترئة، تقبض عليها بيدك :حركتك المكشوفة إلى محاوال رفعها، ال يلتفت

Page 8: 4206

أنت يا ابن القحبة شايف العسكري الواقف خلفي مزاجه « سحنتك المسلوقة مرة ثانية وحياة أمك لو شفت.. مع الرجال .»لتركته عليك

ودفعك من قفاك بقوة عشر صفعات، تاركا لك مجاال من .الخيال لكي تقسمها بنفسك، يمتلئ حذاؤك بالماء القذر

الدنيا . ينزل أبوك حتى تفكر في أن تنتظر الصباح انفصاله والتصاقه ىساكتة ومغسولة، وصوت الحذاء لد

.رحد كبي إلى بالطين درامي .أي شيء آخر إلى يصرفك صوت أمعائك عن االنتباه

يلوح بيتكم من بعيد، خمسة طوابق، في كل طابق أربع شقق، خلف الشيش األخضر المغلق في الثالث حجرتك،

تساقط إلى ىحجرة أبيك خلف الشرفة، تنتبه للمرة األول من لم يره وهو أخضر زاه على ي يصعبذمعظم طالئها ال .لونه األساسيأن يخمن اآلن

Page 9: 4206

على أختك اآلن ال نافذة لهااي تنام فيهتالحجرة الثالثة ال على الشارع، إنما نافذة صغيرة ذات قضبان حديدية مفتوحة

.المنورتقترب، تلمح بوابة البيت، قصيرة، ضيقة، متهدمة، مظلمة، ذات باب صدئ، تلج، تداهمك الرائحة

ع يقتحمك، ينفذ المقبضة، الظالم، وصوت خرير ماء متقطفيك، يبللك، ترتعش، تبصق وأنت تتلمس مواطئ قدمك

السور الواطئ محاذرا من التعثر على مستندا بقوةبسطة على واالرتطام، تتجاوز األرضي والسلم، تضع رجلك

الثاني، تنقل قدميك في حذر، فجأة تشعر بقدمك تغوص في اشبا كومة طرية، يصرخ القط الذي ال تراه، يتسلق ساقك ن

لحمك، تفزع، تقذف به إلى أظفاره في نسيج السروال، تنفذبرجلك في غل وقوة، فتسمع صوت ارتطامه بالباب المواجه

.مدويا وسط كل هذا السكون

Page 10: 4206

تستحضر تفتح الست ناهد بابها، تلمح ذعرها، تهم بأنفرصة اإلشارة حتى صوتك لتقول لها شيئا، ال تترك لك

:بيدكتخبط الباب هكذا ؟ في هذا الوقت؟ سي يحيي ؟ لماذا «

.»ماذا تظنني؟ أم ألني أعيش بمفردي ؟ ،ومصباح. .ومصباح.. بتتابع يفزعك يضاء مصباح

جنبك، تسمع تكتكات فتح المزاليج بتتابع . .خلفك.. أمامكمن حولك، .. من تحت.. أسرع، تحيط بك الرءوس من فوق

رجة متراصة فوق بعضها من خالل فرجات األبواب، متدبتدرج الساللم التي يقفون عليها، أعين واسعة، محدقة، تتجاوزك لتتحسس اللحم األبيض، ثم ترتد إليك محاولة تخيل مدي مالءمة مالمحك الباهتة الشهباء بشعرك ورموشك وحاجبيك وشاربك الناصعة، وحدقتيك الحمراوين كعيني

لقديمة أرنب، مالبسك القديمة المتسخة الرثة المبتلة، فكرتهم اعنك لهذا البياض المترجرج في القميص األسود، يستكثرون

Page 11: 4206

عليك كل هذا، يتخيل كل واحد منهم نفسه مكانك في تلك :ون ءالصورة، فيبد

.»عيب.. ال يا يحيي أفندي« .»كله إال هذه األشياء.. بيتنا بيت محترم« .»أبوك رجل مستقيم وفي حاله« .»ولم نر منه العيبة«» ……………….« » …………… …«.

» ………………«.

، تفرك آثار نعاس لم ىتلمح رأس أبيك تطل من أعل .يتمكن بعد

.»يرضيك ما يفعله ابنك يا عم أبو يحيي« يسقط صوت أبيك معدني، حاد، مسنون، يهوي ىمن أعل

:فيبتر كل نظراتهم، تخيالتهم، عباراتهم المقززة

Page 12: 4206

رجلك النجسة .. أنت يا ابن الوسخة أنا تعبت معك«وسحنتك المقرفة ال أريد .. تضعها في هذا البيت مرة ثانيةال

.»أموت حتى أن أراهاداخل صندوقك الزجاجي، إلى صمت طويل يعيدك

تشعر بهم يبتعدون، يكبرون، يتضخمون، وأنت تتضاءل، وصوت صفير حاد يرتفع في أذنيك، تتضاءل، تتالشي، وال

مع قضبان أمامك إال الوجوه المحدقة تدور، تتداخلىيبقشراعات األبواب، وطالء حائط السلم المسود، وأشعة المصابيح العديدة كشموس محرقة، ومالبس النوم، كل هذا يدور، يتداخل، وأنت مختف، غير موجود، بينما القط .الرمادي ملتف حول نفسه، مغمض العينين في نعاس مفتعل

● ● ●

بمجرد أن يالمس نعل حذائك طين الشارع ينقطع النور، تبصق، تعجز عن تبين أي شيء في ذلك الظالم، فيما

الدكك الخشبية في على ذهنك صورة أولئك النائمين على تلح مواقف األتوبيسات ليال، بعضهم يبدو محترما جدا، مما دفعك

Page 13: 4206

لماذا ينام رجل ببدلة كاملة وربطة : التساؤل لمدة طويلة إلى !عنق هكذا وحذاؤه تحت رأسه ؟

اؤك الماء بسرعة عجيبة، تتجمد أصابع يتشرب حذقدميك، تحاول تحسس مواضع الوحل والطين الزلق، يعثرك

.الظالم األسود المحيط، فيتلطخ سروالك بالطين والبللتفكر في أي شخص، أي واحد تستطيع أن تقصده عندما

.. ببطء.. يطلع الصباح، بقدميك الموحلتين تطأ ذاكرتك دا، أو تبلله، لن تتمكن من الضحكال تتجاوز أح حتى ببطء؛ال أحد، تعرف هذا من البداية، موقن من .. نفسك طويالعلى

.أنك وحيد كبصقةكل هؤالء الناس المستريحين، الطاعمين، النائمين خلف الجدران في الدفء وفي أحضان النساء أنت ال تعرف أي واحد منهم بحيث يمكنك أن تقول له أفسح لي قليال، فأنا

.ب، وطريد، وجائع، وميت من البردمتع

Page 14: 4206

صوت شخيرهم المفترض ممتزجا بالصقيع يخترقك رقبتك، تختنق، فيما يؤلمك حتى كمخالب مدببة، من قدميك .صوت خطواتك الرتيب

فجأة يسطع األزرق ملونا المباني، آتيا من منتصف المسافة غير الطويلة التي تفصلك عن نهاية الشارع، يبرق

كيف لم تنتبه إليه وهو في( دائرية، مجنونةبسرعة شديدة، ، قبل أن تستوعب تتداخل األصوات في سقف )أول الطريق؟

:رأسكمكابح السيارة بصرير يفزعك، وهي تزحف نحوك

.بحركة دائرية أنت مركزها هاتوا لي ابن القحبة « :صوت الضابط النموذج

.»هذا فتتبين صوت انفتاح البابين الخلفيين للسيارة البيضاء،

من أحدهما ذلك العسكري الشاذ، تنطلق في الجري، تختفي !) لم تفعل شيئا، ما لهم بك أوالد الكلب هؤالء ؟(

نصفك العلوي، كل أعضائك ىالمباني من حولك، يتالش

Page 15: 4206

عدو، دقات قلبك في قدميك، رأسك المرتجة في إلى تتحوريرتفع صوت صرير . قدميك، والرياح تصفر حولك

مرة أخري والسيارة تنطلق مسرعة خلفك فتعرج اإلطاراتشارع جانبي ضيق، تصرخ المكابح، وصوت إلى أنت

قلبك على ارتطام األحذية الميرية باألرض مطارق تهوي التصويرية ألفالم الرعب القديمة، تتنفس ىبرتابة الموسيق

حتى بصعوبة، المرة الوحيدة في حياتك التي تجري فيها،لكن كيف جريت هكذا ؟ لماذا جريت؟ . وأنت صغير لم تجر

لو وقفت؟ أنت اآلن مشرد، لو أمسكوا بك آلواك القسم، جدران الحجز أضيق من هذه الزنزانة الواسعة، البد أنهم

.يقدمون طعاما، ويمكنك أن تنام مستدفئا بحرارة األنفاستقف، تبحث عن زيهما األسود وسط هذه الحلكة، ليس

التي لم تأنس لوجودك فظلت تنبح عن الكالب الكثيرة ىسو .بعد مسافة االستكشاف

متعب، جائع، تنقل قدميك المتجمدتين في وهن، تخرجالشارع الكبير الموازي لذلك الذي احتلته سيارة الضوء إلى

Page 16: 4206

ال ترتاح النفرادك هكذا وسط الشارع الواسع . األزرقط جوار الحائ إلى الخالي المضاء باألعمدة الصفراء، تسير

.أول فتحة جانبية تقابلك إلى قليال، ثم تخرج .»...اهللا أكبر... اهللا أكبر... اهللا أكبر... اهللا أكبر«

لجوامع عالية من مكبرات الصوت»اهللا أكبر«عشرات .كربك كثيرة، تتعانق في إجالل يؤلمك أنه ال يمسك برغم

تلمحه كشبح آت من بعيد، يقترب باقترابك منه كما لو ال يهتم . نقطة ثابتة، مع أنك تراه يمشي باتجاهككان

قوته ىأقص إلى باألذانات العالية المتكررة، يرفع صوته :محاوال أال يعيقه الصوت اآلخر

.»الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها«رأسك، تتلفت حولك، ترفع على كالحجر تهبط الفكرة

. صاقالنوافذ والشرفات المتقابلة في شبه الت إلى رأسكيغريك ترنحه الشديد، ضآلته، شعره األبيض، ضعفه البادي، فتستل قلمك الجاف من جيب البطاقة الخلفي، تفتح أزرار

Page 17: 4206

قميصك العلوية محاوال إقناع نفسك بأن هيئتك اآلن تصلح .االرتباك حتى الخوف، أو على ألن تكون باعثا

تفاجأ به أمامك، ال يفصلك عنه سوي رائحة الخمر المنبعثة من فمه وثيابه، تضطرب ويجتاحك خوف القوية تحاول أن تحرك يدك تشير له بها معتذرا، أن تستجمع . شديد

.صوتك لتقول له شيئا، تسأله عن الساعة مثال وتمضي يرعبك الرعب في وجهه، ويسمرك في مكانك تحوله

تمثال له عين مذعورة، نصف واعية ونصف تستجدي إلى ظة لن تمر، وأن الوقت مات، وأنت تشعر بأن اللح. الوعي .كورقة، لو صرخ فيك الرتعدت أمامه

اآلن أن أكثر من ضعفك يؤلمك ضعفه، كل ما تريد منه .ينهي هذا الموقف العصيب حتى ؛ يكون قويا بما فيه الكفاية

كمن استرد كامل وعيه مرة واحدة، يدس يده في جيب ث بهذه تتشب) هل سيخرج ما يقتلك به؟(سترته الداخلي

الفكرة، في البداية تخاف، ما تلبث أن ترتاح لها، تكاد ترجوه إلى قبضة يدك المدالة. أن ينهي ذلك ولو بهذه الطريقة

Page 18: 4206

القلم بقوة محاولة تفريغ توترك، يخرج على جانبك تضغطيده، تسمع صوت تكتكة تكسر بالستيك القلم، نقود، يمدها

إليك، ه، يدسها في كفك متوسال ال تستطيع رفع يدك، ينزل هو بيد

بها، محاوال طمأنة نفسه أن األمر انتهي هكذا ببساطة، وأنك .لن تؤذيه

هذا الحد، طمعت في إلى لم يخطر ببالك أن األمر سهل ! جنيهات لتأكل أما كل هذه األوراق الكبيرة

ببطء مترقب مطلي بالخوف يتجاوزك، يرجع خطوتين حة فرح ممتنة لك في بظهره ووجهه لك، بسرعة يستدير ولم

لـ قبل أن تفيق تجده قد صار بعيدا بمسافة كافية. عينيه حتى بصوت عال مترنح يخفت تدريجيا»طالعة تنورها«

.يصمتبقوة، األموال على واقف في مكانك ال تزال، يدك تقبض

للحظة تراودك فكرة أن تسرع وراءه، تشعر بحذائك يدوس الصالة خير «: وعشراتاألرض، على بقايا القلم المتكسر

Page 19: 4206

تتداخل متعانقة فوق سماء المدينة الغارقة في »من النوم .موت عميق

● ● ●

الملمس الناعم المتماسك للنقود الجديدة في إلى يطمئنجيبه، يسير في بطء محاوال التجرد من جسده المتعب الجائع

.المبتلب ايبحث عن أي مكان يمكنه أن يأكل فيه، كل أبو

الحمراء، والزرقاء، والصدئة، والملونة موصدة في الدكاكين مواعيد «، »مغلق للصالة«، »الراحة الجمعة« :وجهه ».......العمل

● ●● قفاك تؤلمك، تؤلمك أكثر ابتسامتك على صفعات العيال

المزيد من الصفعات، إلى البلهاء لهم في مداهنة تدفعهم . البذيئةىوالركالت، والحركات األخر

عصاباتهم، تتقدم صامتا ىإحد إلى تنضمتحاول أن) ال تدري لماذا(وتندس في وسطهم، بمجرد أن تفعل ذلك

Page 20: 4206

يكتشفون لعبة جديدة ال يمكنك مشاركتهم فيها إال باالنزواء .بجوار حجرة عم عبده الفراش في ركن الفناء، وتظل تبكي إلى عصي المدرسين أيضا تألفك، أول يوم تذهب فيه

مك كثيرا عند البوابة، تستحلفها برحمة المدرسة، تبكي ألالنبي، وبالمصحف الشريف، وبالكعبة، والجلباب الغامق

:الداخل إلى الواسع المتسخ يأتي من خلفك، يجرجركال يمسك حتى امشي من هنا.. اهللا يا ست على توكلي« .»فيك

أمك عنك لذراعي عم عبده، تجد نفسك وحيدا في ىتتخلحركة، كل مالبسه بيج فاتح، ثم بني مكان غريب صاخب بال

محروق بأسفل، يرص الجرس كل هذا الهرج في صفوف، .ويضعك في آخر واحد منها

تدخل الفصل، بمجرد أن تستقر في الدكة األخيرة تبولنفسك، يتركونك بمفردك في دكة واسعة، وهم على

يتزاحمون كل أربعة أو خمسة في واحدة، يتجمعون من

Page 21: 4206

دائرة ضيقة مزدحمة، يتنادون، يمد كل حولك، كلهم، في . دائرة الماء األصفر، ثم يفسح المكان آلخرىواحد عينيه لير

دامع، بائس، مبتل، مرعوب، محشور في دكة واسعة، وخمسون أو ستون فما ال تعرفه يرددون في نفس

: واحد .»أبو شخه أهو أهو«

الماء الحارق ممتد بطول فخذيك وساقيك، يؤلمك، يتجمع في النهاية في الحذاء البالستيكي الجديد، الذي ما زال يجرحك عند الكعبين برغم أن أمك قد أزالت البروز الزائد

.بالموسيينفض من حولك جمعهم، ليحل بدال منه الوجه ذو

.الشارب، والعصا، والدفتر المكسو بجلد أسود .»واحد« .»اثنين«

.وأنت تفتح كفيك بآلية .»ثالثة«

Page 22: 4206

الفصل وأنت تبكي، لكنك تستأنف بكاء منذ دخلت .جديدا .»خمسة«

يحاصرك األلم من كل قطعة فيك، والضجيج من حولك :ال يتوقف، طنين ذباب يسكته صوته

أي .. الحمام يرفع يده ويستأذن إلى من يريد أن يذهب«وسأجعله .. قدميه على نفسه سيضرب على واحد سيبول

.»يلحس القرف الذي عمله وأنهم لواسعة بمفردك، تشعر أنك عار تماما،في الدكة ا

. لو يختفون من أمامك، لو يموتونىعريك، تتمن على رأوكظل يتكلم طويال، فيما تمتزج سيول دموعك بالبحيرة

:الصفراء بين قدميك، تراه يشير إليك بالعصا الطويلة .»اقعد يا أبو شخه«

.نهاية االبتدائية حتى يضجون بالضحك، وتصير كنيتك الناظر، نزلت إلى في المرة التي فكرت فيها أن تشكو

بالفعل، تسمرت عند مدخل الحجرة الكبيرة، في النهاية

Page 23: 4206

ضربك ؛ ألنك وقفت هكذا، وألنك أخرس، وألنك بللت له السجادة القطيفة الحمراء الكبيرة، التي ال يوجد مثلها طرف

.في المدرسة كلها● ●●

لبار الذي أتي منه الرجل، يفكر في أن يسير في اتجاه احجر رصيف منتصب، ملتصق بالحائط، .. خطوتين ويلمحه

يحس بأنه مهدود، لن يستطيع السير بعده بخطوة واحدة، يرتمي عليه، ينسحب التعب من جسده ببطء ولذة، يمدد ساقيه

الحائط المبتل، يسترخي، شيئا فشيئا يعاوده على ويفرد ظهره .الشعور بالتعب

●● ● ها أذنك صاعدة ئع وقع خطوات أبيك التي ال تخطتسم

، تترك كل ما بيدك، )مفزع .. له وقع خطوات ثقيل( السلم تجري فتدخل حجرتك، تندس تحت الغطاء مغمضا عينيك

Page 24: 4206

بقوة، ودقات قلبك ترتفع في اطراد يزلزلك ويهز السرير .والحجرة كلها

ك ال يتركك، تجده واقفا أمامك، وقد نزع الغطاء من فوق، ! )لماذا ؟( بجذبة واحدة عنيفة، عيناه الجاحظتان تكرهانك

يبدأ في استجوابك عن أي ال شيء، تتكرر هذه الوقفة يوميا، وأنت متجمد في مكانك، ترتجف منكمشا مخبئا وجهك بكلتا

قبل أن ينطق، أقل شيء سيصفعك، صفعات قوية حتى كفيكي وجهك، متتابعة، تبكيك، تسمع صفيرها، وتحس بخدرها ف

هذا إذا لم يجد سببا مقنعا لضربك، أما إن لمح هذا السبب األرض، يلقي بك في على فإنه يجرجرك من طوق مالبسك

على حجرة الكراكيب المظلمة، يسحب الحبل الغليظ المعلقبعضهما، ورجليك إلى الجدار، يقيد يديك خلف ظهرك

.القديم إليهما، ثم يربط طرف الحبل في عمود السرير الكبير الضوء الشحيح المتسلل من الخارج تراه يسحب ىعل

سوطا قديما متربا من خلف صندوق كبير، يمسح ترابه في مالبسك وهو ينزل به عليك، يضرب، يضرب، يضرب، كل

Page 25: 4206

موتك ال يعنيه وهو ينقل مقبض السوط .. دموعك.. صراخك تراه ماردا يلمس السقف. ىاألخر إلى من اليد التي تعبت

حتى ، وتدرك عجزك عن الحركة عندما تحاولهابرأسه .تخفف شيئا من العذاب المنهمر فوقك

ألنك تعلمت أنك ؛تموت مع كل ضربة، وال تصرخ .لو صرخت فستزداد قوة الضربة التالية

أول مرة تركك وحدك في الغرفة المظلمة السوداء، ظللت تضرب رأسك في األرض، وقد تعبت من البكاء، ومن

ومن االستنجاد بينما الحشرات التي تحس بها الصراخ، فوق جسدك العاجز عن دفعها عنه باليد ىوال تراها تتمش

بالتمرغ في األرض ؛ فالحبل المشدود ال يسمح لك حتى وأ .إال بالتنفس بصعوبة

حائط الغرفة تتمثل لديك األشباح، تبدو في البداية ىعلبر، تكبر، صغيرة، ما تلبث أن تكبر بسرعة رهيبة، تك

وعندما تهم باالنقضاض عليك تكون أضواء السيارة المارة .بأسفل قد اختفت

Page 26: 4206

تؤكد لنفسك أنه عند الصباح سيأتي ليحل وثاقك، وتظل : منتظرا، فيأتي

تفك حتى مربوطا هكذا يا ابن الوسخةىستبق« .»نفسك

أمك على ويترك باب الغرفة مفتوحا، تسمعه يحلف على ك وبصاق سبابه ال يزال مبتالبالطالق إن اقتربت من

.وجهكتفرك وتحرك جسدك في كل االتجاهات، وجانب وجهك

.الملتصق باألرض تخدشه هذه الحركات العنيفةفكرة حل العقد مستحيلة، ليس إال أن تخلص يديك

وقت طويل يمر. ورجليك بانتزاعهما من الربطة المحكمةا، وبان لحمهما، تستطيع نزع يديك اللتين تشوهتا تمامحتى

.هكذا فك قدميك أسهل يداك لم تشفيا أبدا، تتكرر هذه المعاناة كل يومين

حالهما داميتان، مسودتان، مغلفتان بطبقة على أو ثالثة، يداكمن الصديد المخضر، يأتي ليقيدك مرة ثانية، وعشرين،

Page 27: 4206

، الحبل الغليظ، السوط، الظالم، الصراخ، االختناق، اوألفق رأسك في األرض، ثم عليك أن تنزع يديك األشباح، د

بنفس الطريقة في كل مرة، فيجتث الحبل طبقات اللحم، بعد .أن تهرأ الجلد واساقط

اآلن تسمع وقع خطواته التي ترعبك صاعدة السلم، على األرض، تعض على تتشنج، وتبكي بهيستيرية، وترتمي

يغرق يمتزج الدم النازف باللعاب الذي حتى جانبي لسانك .ومالبسك وجهك

● ● ●

دلو ماء قذر يسكب من شرفة قريبة، يغرق الماء المختلط بالطين والصابون حذاءه، ويبلل الرذاذ ساقي

.سرواله .ىأعل إلى يقوم في تثاقل، ويسير دون أن يرفع عينيه

● ● ●

Page 28: 4206

.» عليه أسيادىابنك يا أم يحي«

قك قي الجارات ألمك، وهن ينثرن فواوأكدت ذلك ب .البسمالت والحوقالت ثقيلة ولزجة

.»!وعليه أسياد ؟.. عيل لم يكمل الثامنة«الفراش، في أمك بأن هذا التشنج، والتبول على رددن

والبكاء بال سبب، واالنطواء، والصمت ال يكون إال من .الجن

ربما واحد من ملوك الجن .. وأكيد ليس جنا عاديا« .»الكفار .»الصغير والكبيروالجن ال يفرق بين « في المرة التي يربما دخل الحمام من غير أن يستنج« .»قبلها

فقط . أمك ال شخص، غير موجودة، ال تتكلم، ال تفعليضربها أبوك فتبكي دون صوت، يطردها فتسمع نحيبها من وراء باب الشقة الذي أغلقه خلفها بالترباس، برغم أنها

Page 29: 4206

الجيران، فتخلع عنها وقت قصير ويعيدها. ال تملك مفتاحاجلباب الخروج األسود الذي لبسته فوق جلباب البيت

.المشجر، لتندمج في الطبخ، والغسل، والكنسال شأن لها بك، بإمكانك أن تفعل أي شيء، وأن تخطئ في وجودها فهي لن تكلمك، فقط تظل منزوية بعينها

.وصامتة كسرةمناليرة أوال، اقتربت منها أكثر في تلك الرحالت القص

، أول مرة تركب فيها)المشايخ (هؤالء إلى الطويلة بعد ذلك رجل أمك، وجهك على األتوبيس، متعة كبيرة وأنت جالس

الشارع الذي يجري بسرعة كبيرة، فال تلحق أن تركز إلى .شيء معين على بنظرك

فرحت بالخروج، وبالشارع، وبالزحام، وبالسيارات، .يدك بقوة على وبيدها العرقانة القابضة

المكان قابض، عاج بالناس، نساء سمينات، مدخنات، ضئيالت، فقيرات، منزويات، وذوات أذرع مليئة بالذهب،

.ورجال بجالبيب، بقمصان وسروايل، بأربطة عنق

Page 30: 4206

عالم آخر يرهبك، تنزوي في انزواء أمك التي تحكية يد المرأة اللزج. استحياء للمرأة التي تسألها عن حالتكعلى صدغك ورقبتك كحشرة، وأنت مأخوذ، ومتقزز، على تتمشيمالبسها، فتلقيك عنها وهي تسبك وأمك، تنهض على تبول

.فتفسح لك مكانا للجلوس غرفة ضيقة سوداء الجدران، بدون أي نوافذ، عارية إال من سرير صغير يجلس عليه، وفراء خروف بني تحت

عليها قصعة قدميه، وأمامه منضدة صغيرة معدنية صدئة،كتلك التي يستخدمها البناءون متكسرة الحواف، مليئة بالفحم األسود والمبيض والمتوهج، تفوح منه رائحة بخور مقبضة، وبداخل طاقة ضيقة في الحائط الكالح يستقر مصباح كيروسين متسخ الزجاجة يغرق الغرفة الكئيبة في ضوء

.معتم، وظالل مخيفة أمك يدها له بالنقود قبل أي شيء يمد يده، تمد

معصمها، وهو يدس على ىالمطبقة، يقبض باليد األخر على النقود في سيالته، ترتبك أمك، تتوزع نظراتها عليك،

Page 31: 4206

الباب الكبير الموصد، اللحية الكثة، المسبحة، جسدها، حوائط على األرض، يضحك ضحكة كبيرة تهتز لها الظالل

ك، يسحبك من يدك الغرفة، يفلتها، ثم ينهض متوجها نحوالسرير أمامه، يمسك بكلتا يديك بيد على بعنف، ويجلسك

تقذف البخور من طبق صاج ىواحدة كبيرة، يده األخرأبيض في القصعة السوداء الكبيرة متمتما بما ال تتبينه، ثم

.األرض إلى طرف السرير على يدفعك فتسقط من وهذا لن يطلع من جلسة .. عليه جن يهودي« .»وربنا هو المعين.. سنجرب اليوم. .واحدة

يستل .تومئ أمك برأسها في موافقة مقترنة بعدم فهمخيزرانة رفيعة من خلف سريره، يتوجه بها نحوك، يحصرك

ينهال عليك في ركن الحجرة وأنت تتراجع أمامه زحفا، فجأة :صراخك بالخيزرانة، تصرخ، فيصرخ في

يا يهودي .. بن اللئاماطلع يا ا.. ببركة األسماء العظام«واخرج وال تؤذ أحدا من .. آمن بدين المسلمين.. يا لعين

.»الحاضرين

Page 32: 4206

كلما صرخت يردد كلماته بقوة وسرعة أكبر، موصيا أمك بين الضربة والضربة بقذف البخور في القصعة، وأنت

نفس وقفتها ( وأمك تفعل ما يطلب منها بعين جامدةىتتلو ).وأبوك يضربك

.»اخرج يا عدو اإلسالم.. دو الديناخرج يا ع« تغرق له المكان بدموعك، وبولك الذي انفتح كصنبور

ال ينقطع، ال يهتم ويحدق في عينيك بعينيه النافذتين، :ويصرخ في وجهك

.»الدين اخرج يا عدو.. اخرج من الجسد المسلم« :تصرخ من شدة األلم محاوال فعل أي شيء يوقفه

.»سأخرج.. حاضر«سريره ينضح عرقا، طرف إلى تك يتركك عائدالدهش

جلبابه مبتل ببولك، وأمك واقفة في ركن الحجرة ال تدري ماذا تفعل، يشير لها أن تقترب، تقترب، يظل يشير لها أن

ىأسفل ظهرها وأنت ملق على يضع كفه حتى تقترب أكثر .األرض تتأمل احمرار ألمك المتورمعلى

Page 33: 4206

أو إذا ..إذا لم تعودي.. هناك جلسات كثيرة قادمة«سيصيبك منهم الذيىسيكون األذ.. ذهبت عند أحد غيري

.»أما هو فلن يعيش إذا تأخرت في الحضور.. عظيما في الخارج بكت، ولم تمسك بيدك، ولم تفهم لماذا ذهبتما

. آخرين برغم التهديدإلى لم يختلف األمر كثيرا عند الباقين، ولم تكررا الزيارة

.احد مع التهديدات المشابهةأبدا ألي و ضرب أبيك لك ظل كما هو، أضيف إليه ضرب

مرضت أكثر من مرة، وكدت تموت، وصرت ). المشايخ( .أخرس ال تتكلم لفترات طويلة

كلما رأيت أباك تتشنج، تضرب رأسك في األرض، .وتبكي

ووصفات لم تجد كل محاوالتها، فشلت نصائح الجيران، حتى يزيد تلك الحالة التي ظلت معكاألقارب، كل شيء كان

.نهاية االبتدائية● ● ●

Page 34: 4206

انحناءة ىيتابع سيره مع الرصيف، ينزل ويطلع، لد

الشارع يواجهه زجاج سيارة عاكس، يحاول تفادي االصطدام بوجهه المنعكس بشاربه الناصع المتدلي بحيث يخفي الشفة

، بشعره الشائك المبيض كفراء خروف، برموشه ىالسفلالبيضاء كأنما عفرت بدقيق، يهرب من دمامة وجهه األحمر

.المسلوخ عدو الشمس القصير األعرج أكبر منه بخمس أو ست ىعامل المقه

.األقل، ويقول له يا عم، وأحيانا يا حاج على سنوات :الصورة المنعكسة على يفتح فمه متهكما

.»ثالثين سنة« . مظلمايرتفع الشارب فيبين مكان أسنانه أهتم

● ● ●

تنتهي االبتدائية، نجاحك لم يعن شيئا، رسوبك كان ).ربما ذبحك(سيعني الكثير

Page 35: 4206

تكره اإلجازات، تظل طوال الوقت محبوسا داخل حتى جدران أبيك الخانقة، في الدراسة تستطيع االنفالت،

.بتفكيرك ينصرف عنك وعن عذابك جزئيا، تصير أمك ضحيته

فعله معك، يلقيها في الحجرة المظلمة، الجديدة، أضعاف ما ي تري جسدها مشدودا بالحبال، طوال وقت وجوده في البيت

ال يخرج من الحجرة السوداء، وال تكف هي عن الصراخ، كل شيء، ال يضربها بالسوط مثلك، ىيتعمد أن يجعلك تر

إنما بماسورة حديدية غليظة مصمتة، يرفعها عاليا ثم يهوي في عينيها التي تفقد الوعي إثر كل ضربة، الموت ىبها، فتر

.فتفيقها الضربة التالية تعلم لماذا حتى يظل صامتا وهو يضربها، تود لو تكلم

سببا لكل هذا كما يفعل معك، آخر كل حتى يعذبها، لم يفتعل شعرها، مرة يبصق عليها بصاقا ثقيال، تراه يسيل فوق

. داخل فمهاىوعينيها، وإل

Page 36: 4206

؛ النشغال أبيك )سعادة غير قليلة(كل ما كنت سعيدا بشالتام عنك، تبرر هذه السعادة لنفسك بأنك كنت في نفس

.موقفها، وأنها لم تتدخل في أي مرة لتدفعه عنكفي الليل يفارقك هذا الفرح، الليل األسود العميق الذي تعرفه في قاع الغرفة، حيث الباب المغلق، وهي محبوسة

تشرب، ولم يحل وثاقها طوال أيام بالداخل لم تأكل، ولم تعذيبها الطويلة، يتسلل بكاؤها إليك في غرفتك، يصفعك، ،ويبصق في وجه فرحك، عواء شخص يتمزق من داخله

.كأنهم يجزون لحمها طبقة طبقة بشفرة باردةهذا األلم الصادر منها يعرف مكان دموعك، يستنزفها،

وضربت فتبكي بكل شيء فيك، بكيت، وبلت، وتشنجت، رأسك باألرض وأنت محتفظ بطرف ثيابك بين أسنانك،

.ال يسمع لك صوت حتى تعض عليه على آخر مشهد احتفظت به ذاكرتك لها صورتها وهي

األرض، وسكب على لها بكسرة خبزىهذا الوضع، وقد ألقبجوارها بعض الماء، وظل واقفا فوقها وهي موثقة اليدين

Page 37: 4206

بهما الخبز تغمره بالماء،خلف ظهرها، تمد شفتيها، تزيح تستطيع تقطيعه، وتلعق بلسانها الماء المترب، وأنت حتى

مختبئ خلف باب حجرتك تنظر من الفرجة الضيقة التي .يصنعها انفتاح الباب مع الحلق من ناحية المفصالت

أربعة أيام لم تأكل فيها جعلتها ال تهتم بالحذاء الضاغط ل في وهن، وجعلتها رأسها وهي تلوك الخبز المبتعلى

أبيك الذي فتح أزرار سرواله فاختلط إلى ال ترفع عينيها .أصفره بدموعها بالماء الذي ظلت تلعقه بشفتيها اليابستين

● ● ● ).١٠٠ بـ ٥٠× ٢( ).٥٠ بـ١٠× ٥(

.كان غنيا ذلك الرجل الثمل .يتزايد عليه شعوره بالجوع، والبرد، والوحدة، والتفاهة

ال سك في حياته بمثل هذا المبلغ، يضمن له وضعالم يم .بأس به لفترة غير قصيرة

Page 38: 4206

يندمج في متابعة حركة قدميه المبتلتين فوق الوحل، .منسحبا من أفكاره بهدوء

● ● ● لم تصرخ أو .. أول ما نزلت البنت حسبناها ميتة«

كانت يا عيني عليها .. انشغلنا بأمها.. تخرج أي صوتونحن خائفات .. وعينها مرعوبة.. باهتولونها.. تشهقلم نستطع .. عزرائيل الموت أمام عينيهاىكانت تر.. حولهاالبنت إلى التفت.. جلسنا نراقبها وهي تحتضر. .شيء عمل

.»فجأة فلقيتها حية وتتحرك فيها عمتك هذه، تتكلم عن أمك، وتقولىأول مرة تر

أثرىلترـ حتى ، وال تنظر ـ»ميتة« وتقول »الولية« .كالمها هذا عليك

صبيحة ذلك اليوم تعالت صرخات أمك حقيقية وقاطعة، على غرفته، يلقيها حتى فوجئت به يحل قيدها، يجرجرها

.السرير ويغلق عليه الباب

Page 39: 4206

سعدية، الست: بعد قليل تزدحم صالة الشقة بأربع نسوة .الداية ، وعمتك، وامرأة ينادينها بأم شحتةىوجارة أخر

جميعا، موصد عليهن أمك ال ينقطع، البابصراخ تمدد، يسند الشيش أرض الشرفة في شبه على ىوأبوك ملق .هذا الوضع على ال ينفتح فيرونه حتى برجله،

تتتابع األحداث بسرعة، يدخلن ويخرجن من الغرفة في هرولة، تنطلق الزغرودة من الداخل، تنبتر الزغرودة

) فم عمتك بسرعة وقوةالبد أن واحدة وضعت كفها فوق (يتصاعد الصوات بشكل منغوم وحزين، يتلقفنه من بعض، ينفتح الباب الموصد، تخرج عمتك تحمل اللفة القماشية

.البيضاء الباكية أمام مدخل البيت تقف السيارة الكبيرة الزرقاء،

على ال تستطيع من مكانك بالشرفة قراءة الكالم المكتوبسقفها ذلك على رطة عندما رأيتجانبها، ظننتها سيارة ش

.المصباح المغطي بعلبة زرقاء

Page 40: 4206

أربعة رجال يرشفون الشاي بصوت مرتفع، يقفون في الصالة بعد أن أدخلوا الصندوق الخشبي األخضر، والمنضدة

الغرفة، نضدها عبارة عن ألواح عريضة بينها إلى الكبيرةني فراغات، وحدها أم شحتة بالداخل، وهن يدخلن لها أوا

.الماء الذي تسمع خريره من الخارجصامتة تخرج، تغلق باب الغرفة وراءها، يدخل الرجال وراءهم أبوك، ثم يخرج أبوك، وهم يتبعونه حاملين

).هل سيتركون المنضدة ؟(الصندوق األخضر الكبير تتصاعد موجات الصوات من غرفتك التيىمرة أخر

). عليه؟ حصلنمن أين(فتحن بابها وخرجن يرتدين السوادتكتشف أنك والست سعدية بمفردكما في الشقة، وقد

وراء موكب ىنزلت عمتك، وأم شحتة، والجارة األخرالصندوق، تراها واقفة بأسودها ترتب الغرفة التي خلت من

تزال واقفا في مكانك في ركن الصالة في الأمك، وأنت .البقعة الصغيرة التي ال يغطيها البساط

Page 41: 4206

جوار إلى الست سعدية جيدا، شقتها التيأنت تعرف السلم في الطابق الثاني، سمينة، وطيبة، وال تتجاوز الطابق الثاني أبدا؛ ألنها تتحرك بصعوبة، تظل برغم ذلك األكثر وجودا في البيت كله، طوال النهار يعلو صوتها، تصيح، تتكلم، تزعق، في آخر كل مرة تختم بضحكتها الطويلة

وال تغلق باب شقتها إال في الليل تاركة مصباح السلم العالية، .مضاء

ىشقتها هذه أنت ال تعرفها جيدا، فقط وأنت نازل ترجزء من الحصيرة : ثلث الصالة من الباب المفتوح

الخضراء المربعات بأسود، مسندين من الكنبة ذات الثالث مساند النصف مستديرة، التليفزيون فوق المنضدة العالية،

وقه صورة أبيض وأسود لرجل عجوز بجلباب وطربوش وفالحاج فوزي إلهي «وعصا، لها إطار مذهب المع تعرف أنه

.؛ ألنها دائما تتكلم عنه»ربنا ينور قبره ى بقية الكنبة، وبقية الحصيرة، ال ترىوأنت طالع تر

طاقة غائرة في الحائط ىالتليفزيون وال الصورة، إنما تر

Page 42: 4206

بقية . ، وفيها زهرة بالستيكية متربة)اليس في شقتكم مثله(

.الشقة أنت ال تعرف أي شيء عنهاال هذه) يا ست سعدية(كل الجيران يحبونها، وكلمة .تسكت أبدا من فوق أو من تحت

لكنك لم تتخيل نفسك أبدا هكذا، شقتكم موصدة بالقفل والكالون معا، وقد ذهب أبوك وأمك مع الرجال والصندوق

وداء، وسكت الصوات، وأنت هنا جالس في والمالبس السوسط الحصيرة الخضراء المربعات بأسود، يواجهك التليفزيون المطفأ والصورة، وأمامك صينية مستديرة عليها كوب شاي بالحليب، وبعض أصابع بقسماط، والست سعدية

جوارك تقطع بصوتها كل قليل صوت القرآن إلى الجالسةظهرك كله بيدها على وتربتالعالي المنبعث من المسجل،

:الدافئة وهي تنشج ).ال تحزن.. ال تحزن يا ضناي(

● ● ●

Page 43: 4206

جوار الحائط، يرتكن عليه، يخلع حذاءه، ينزع إلى يقفالجوربين المبتلين الموحلين، يشعر ببعض الراحة والتحرر

.والدفء للحذاء دون الجورب في قدمهرهما ماء كثير يتساقط من الجوربين، بعد أن يعص

.جسمه، تلسعه إلى يدسهما في جيبه، فتمتد البرودة● ● ●

..التربة.. الرضاعة.. الموت.. الوالدة.. الحملقاموسك إلى كلمات كثيرة تدخل.... السبوع.. الداية.. النعش

.في األيام الثالثة التي تقضيها عمتك بينكمتخبر أن أمك ماتت، وأنك لن تراها ثانية، وأنها كانت

اإلجازة في بدايتها ال تزال، . حامال، وأن لك اآلن زينب أختا ال يظل أبوك طابقا حتى لو تنتهي في هذه اللحظة،ىتتمن

.أنفاسكعلى ).هل ستظل عمتك معكم طويال؟( ).لماذا كان يعذبها وهي حامل؟(

Page 44: 4206

إلى هل سيظل هكذا في البيت أم أنه سيذهب( ).الشغل؟رة جدا هكذا أم هل سيضرب أختك هذه وهي صغي(

).تكبر قليال؟ حتى سينتظر ).هل هو الذي قتلها؟(

تذهب عمتك في نهاية اليوم الثالث وهي تعد بأنها ستأتي :صباحا .»أقعد مع العيال لحد ما ترجع من الشغل«

يوميا قبل أن ينزل أبوك تأتي عمتك، يلتقيان عند بابن الشقة، يخرج وتدخل، ترسلك لتشتري لها األشياء م

السوق، فتطبخ، وتنظف الشقة، وترضع أختك من الزجاجة .البالستيكية ذات الحلمة المطاطة

أول مرة يعاملك أحد بهذه الطريقة تشعر نحوها بامتنانعظيم، تحبها، تنتظر مجيئها بالحضن اليومي الواسع الدافئ، برائحتها الجميلة وهي تقبلك وأنت غارق في خجلك، تنتهي

تقف غرفتك، تغلق الباب، إلى عليك، فتجريمراسم تسليمها

Page 45: 4206

تحاول أن تتجهم، ، وجهك يطفح بالسعادة،طويال أمام المرآة ىآخرها لكن وجهك يأب على أو أن تقلص ابتسامتك المتسعة

وتظل مبتسما رغما عنك، تطلع فوق السرير، تقفز، تقفز، تعلو، يصفر الهواء من حولك، تمد يدك، تالمس السقف

.العالي مرآة الدوالب تعدل هيئتك، تفتح باب الغرفة في

على وتخرج، تتعمد اصطناع الرزانة في مشيتك التي تضغط تصعد. األرض بقوة ؛ كي تتحقق من وجودها، وكي ال تطير

إلى الكنبة الكبيرة وتجلس ملتصقا بها، متعمدا أال تنظرعلى .أبيك الجالس في الجانب اآلخر

تنزلق عنه الطرحة فيبدو تنبهر بشعرها الفاحم الذي ناعما وجميال، فتعاود هي رفع الطرحة عليه، فتنزلق مرة

تزهق فتلقي بها جانبا وهي تضحك وتربت حتى بعد مرة، فتضحك أنت ضحكة عالية، تنفلت رغما عنك، . كتفكعلى

ما تلبث أن تموت فوق حد نظرة أبيك المرعبة التي تحاول

Page 46: 4206

متك التي تلف ذراعها الهروب منها باالختباء خلف ظهر ع :حولك وتضمك إليها

.»الولد كالغول هكذا إلى ال تنظر« . ضمك إليها منتزيد من التصاقك بها، وتزيد هي

تتابع حديثها في شغف، تعلو حكاياتها في سماء الغرفة أختك التي تركز ى أبيك وعلىالضيقة، فتسيطر عليك وعل

محركة وجه عمتك على عينيها السوداوين الصغيرتينتبهرك طريقتها في الحكي . رجليها بفرح خارج اللفة البيضاء

تحكي . أو تتعثرىوهي تنتقل بين الموضوعات دون أن تنسبوجهها ويديها وجسدها، تقلد األصوات واألشكال فيخرج

وجه على وجه متقلص المالمح، رفيعا على صوتها أجش، مسحوب ثم ممطوطا، عاليا، منخفضا، وأنت مبهور بها وبالشامة الكبيرة في خدها، وبقرطها الذهبي الكبير المستدير

.وجهها، ويبرق الذي يتحرك مع حركات ليستفسر عن ؛دون أن تشعر تجد صوتك يرتفع وحده

نقطة لم يفهمها، ينبتر كالمك في وسطه، تصفر أذناك، تحمر

Page 47: 4206

حذاء عمتك على الدنيا في عينيك، تهوي، تفتح عينيك أخيرا .عند دخولها أمام وجهك مباشرةالذي خلعته

حني عمتك عليك، نقبل أن تفيق من ذهول الصفعة، ت ).أنت الثقيل(ذراعيها على تحملكوالكعبة الشريفة أنت كافر ابن كافرين وخسارة فيك «

.»النعمة التي أعطاها لك ربناوتدخل بك حجرتك، تبدل لك ثيابك، تضع بعض مالبسك

. لفف أختك الكثيرةفي كيس بالستيكي كبير، فوقها يلعبوا مع بنت .. سآخذ العيال عندي يومين« .»عمتهم

كيف ) (كيف تجرؤ؟(نظرت له نظرة طويلة ).يصمت؟

ثم جذبتك بقوة آلمتك، وصفقت الباب بعد خروجكم بعنف ما إذا كانت شراعة الباب ىأنك أدرت رأسك لتر حتى شديد،

.الزجاجية قد انكسرت أم ال● ● ●

Page 48: 4206

.»رمسيس.. رمسيس.. رمسيس.. رمسيس«

الناس، الزحام، التمثال، : تمر بذهنه الصورة الكبيرة الضوضاء، وخوفه القديم من أن يتوه وسط كل هذه

.الحياة .»رمسيس.. رمسيس.. رمسيس«

تتبدل . يشعر بشدة احتياجه لهذا الوجودىللمرة األولفكرته ورغبته، يفارقه فزعه، يريد أن يذوب في الضجيج، أن يبتلعه الزحام، أن يختفي، هناك سيكون مجرد قميص وسروال وحذاء، لن يفرق بينه وبين صاحب الجلباب،

.أو صاحب السيارة أو الحافي .»رمسيس.. رمسيس«

.. دائما يهرب منهم، يختفي خلف جدران حجرتهكل هذه الجدران تنهار اآلن، يشعر . صمته.. جلده.. ثيابه

. عاريا، وحيدا، ومذعورابنفسه مكشوفا، مفضوحا، .»رمسيس«

Page 49: 4206

.يركب● ● ●

لوحة »سكك حديد مصر.. عبد الرسول محمد راضي«

باب كبير من مصراعين، فتحته عمتك على بيضاوية مثبتة .معصمها على بالمفتاح المربوط بدوبارة

شقة واسعة، مرتبة، سقفها عال جدا، مزينة الجدران لمعلقة في كل مكان الصفراء الالمعة بالصور الكثيرة ا

ألشخاص تتبين عمتك من بينهم بصعوبة، مروحة سقف دائرة، ثالجة كبيرة ببابين، ثالث كنبات وعدد من الكراسي الخشبية بينها كليم صوف بني سميك، عليه رسومات هندسية

.متداخلةتداهمك الغربة وأنت تلمح بنتا أكبر منك قليال تقف

ونك، عمتك التي دخلت بالقرب منك، عيناها معلقتان بسكالكنبة، تمد على جوار الباب، تضع أختك إلى تترك الكيس

يدها لتخلع جلباب الخروج الغامق، يبين من أسفله ثوب

Page 50: 4206

إلى طويل وردي بدون أكمام، ترتبك وتحيل نظرك عنها .الكنبة على أختك النائمة

هند بنت على اقفل الباب وادخل سلم.. يا ولدمالك « .»عمتك

جواره إلى رتجفة تغلق الباب الكبير، وتظل واقفابيد م بينما تتقدم هي منك، وتمد إليك يدا مبتسمة تصافحها وعيناك

.األرضعلى حجرة كبيرة إلى تأتي عمتك، تجذبك من يدك بعشم

بابها وتدخل، لتفتح شباكها الكبير، على معتمة، تترككبا، السرير الكبير المرتب، تلمح دوال على فينهمر الضوء

.ومكتبة، ومنضدة مدفوع بداخلها كرسيفي .. هو في الجيش.. غرفة ابن عمتك الدكتور حسن« .»السلوم

:األزرق خارج النافذة إلى تتركك، وترفع عينيها ويحبب فيك.. إلهي ربنا يرجعك بالسالمة يا حسن« .»خلقه

Page 51: 4206

حتى ..سأذهب ألحضر لك المالبس.. يخيبني.. يوه« .»تأخذ راحتكي كل األلفة التي كنت تجدها تجاه حلوحدة، تنمتشعر با

عمتك في بيتكم، تراها اآلن غريبة عنك، تخجل منها، تستغربها، ال يروق لك تعاملها معك بهذا الود الزائد، تراه

.مصطنعا وغير مبررتدخل بكيس مالبسك، تمد يدها لتخلع عنك ثيابك، تلمح

وهي الخجل في عينيك، فتتركك لتبدلها بنفسك،ذعرك .تضحك ضحكة عالية

تصفعك الضحكة، تود لو ينتهي هذا كله في لحظة لتجد تحت .. سريرك على ..في حجرتك.. نفسك في بيتكم

. تطمئن كثيرا عندما تغلق الباب وراءها. تحلم.. الغطاءطرف السرير، وقد بدلت على يطول الوقت وأنت جالس

قة تهدل أن تجلس بطريىمالبسك، ال تدري ماذا تفعل، تخش . األرض على المالءة المشدودة، أو تكرمش البساط المفروش

: دون أن تطرق الباب تقتحم عليك تلك البنت الغرفة

Page 52: 4206

أمي تقول لك .. طالعة ثالثة إعدادي.. أنا اسمي هند« . »تعال كل

. أنك قد تبعتهاىتنصرف دون أن تنظر وراءها لتر ير، عار، صامت، أسمر، مشعر، ليس إال سروال صغ

. ولم يرحب بك، أو يسألك عن اسمك حتى لم يصافحكترتاح لهذه الالمباالة، وإن شعرت تجاهه بالعداء أكثر من

الطبلية المغطاة على ابنته التي ترص مع أمها األطباق بينكما . بأوراق الجرائد

يظل في مواجهتك، تجلس عمتك عن يمينك، والبنت عن .يسارك

وصف ضرب أبيك لك يؤذيك أن تستفيض عمتك في بهذا الشكل أمام تلك البنت النحيفة، وذلك الرجل العاري، تتقزز منها وهي ترفع يدها متقمصة دور أبيك، تكرهها

األرض بكامل جسدها وال تقوم على عندما تقلدك فترتمي . إال وهما يضحكان

.»تعال احمل معي األطباق«

Page 53: 4206

هذه البنت تتعامل معك كأنها تعرفك طول عمرها، . وكأنها أكبر منك بكثير

تكتشف قدماك أماكن جديدة في الشقة الواسعة، يغلقان عليهما باب الغرفة، تقف البنت أمام الحوض تغسل األطباق، تجد نفسك واقفا تراقبها دون شيء تفعله، تهم

: الخارج، تزعق فيك إلى باالنسحاب . »أين ستذهب؟ ابق هنا«

مكانك مغمورا بالعرق كرهك لها، تظل واقفا فيىيتنام . البارد واالنكسار

الكنبة العالية في على بعد أن تنتهي تجلسك أمامهاالصالة تتكلم وتثرثر في أشياء كثيرة ال تسمعها، تود لو تنفرد

. بنفسك لتبكي ؛ ألنك بائس، حزين، وحيد، ويتيم● ● ●

بمجرد أن يستقر في الميكروباص يحرر قدميه من

م بنظرات المجاور له، وال بتأففه واشمئزازه الحذاء، ال يهت . ما يستطيعىالباديين وهو يتكور مبتعدا عنه بأقص

Page 54: 4206

يجفف مالبسه حتى يفتح زجاج النافذة للهواء المثلج . الغارقة، فتخترق البرودة نخاع عظامه

● ● ● الشغل إلى وأبي ذهب.. أمي نزلت السوق.. قم بسرعة«

. »من الصبح تها في تلك الحجرة فوق السرير الكبير ليلة سوداء قضي

الطري، لم تنم إال مع الضوء األبيض المتسلل من فتحات . الشيش

طوال الليل يهاجمك وجه أبيك، حشرات غرفة التعذيب هكذا ( السوداء، أمك، حفرة سوداء عميقة ضيقة مظلمة

، براز أختك األصفر السائل، تفتح عينيك لتجدها )القبور؟ ).لماذا توقظك؟(فوق رأسك

أنت خيبة طول الوقت؟ مالك ساكت هكذا؟ ال تريد أن « .»تقوم؟ أنام أنا بجوارك

.ترتمي فوقك، ثقيلة تلك البنت النحيفة وطرية .بسرعة تقوم، تجذبك، توقفك، تستسلم لها، تقف

Page 55: 4206

.»نزل البنطلون«، )ال شيء؟؟( تمد يديها، بسرعة ترفع جلبابها تنحني،

ن أسنانها، تمد يديها تجذب سروالك تضع طرف الجلباب بيالذي تشبثت بقوة بكلتا يديك، يدها قوية، سيتمزق السروال،

، بحيرة الماء الساخن .........ستعرف عمتك، ستخبر أباك،المنهمر من فتحتي رجلي سروالك كانت مستديرة تكبر شيئا فشيئا، ينفلت طرف جلبابها، ينزل فيغطيها، تبتعد بتلقائية

،النحيفة( وجهك على صرخة فزعة، تصفعكوهي تطلقاألرض، تستشعر دفء البساط، ترفع على ، تقعد)قليلة األدب

صوتها المنفر الذي يأمرك على صوت بكائك محاوال التغلب .بعدم إخبار عمتك

مشاركتهم الطعام على ينحصر وجودك في هذا البيتات مداعبىأن تتكلف اصطناع االبتسام لد حتى صامتا، دون

نفسك على ، فيما عدا ذلك تغلق)صارت ثقيلة جدا(عمتك .باب الغرفة التي لم تستطع التعود عليها

Page 56: 4206

يأتي أبوك وينصرف دون أن يراك، أو يسأل عنك، تكرهه، وتود لو يدخل إليك ليراك، لكنك ترتاح عندما

.ينصرف الشارع الضيق الذي على تمل الفرجة من الشباك المطل

تظل محبوسا في هذه الحجرة دون شيء ال مناظر فيه،تفعله، تمتد يدك نحو المكتبة، الكتاب األضخم فيها، تحمله

، تجلس به)أكثر من ألفي صفحة(بيديك االثنتين بصعوبة مليئا تفتحه فتراه طرف السرير، كله باإلنجليزية، على

بصور أبيض وأسود، أجزاء عارية من أجساد نساء، مشوهة .فةبصور مقززة ومخي

باقي الصورة على تداري بيدك الجزء المشوه وتتفرجخائفا من أن تقتحم عليك الغرفة، تسترجع مع كل صورة

كتاب غيره أليام إلى ال تمتد يدك. جلباب البنت المرفوع مدفوعا ىطويلة، تظل خائفا يحاصرك شعور بالذنب، وتبق

.إليه بقوة ال تستطيع التخلص منها

Page 57: 4206

معظمها كتب طب بصور هياكل تقلب في باقي الكتب،الكتاب العشرون . عظمية وجروح دامية بشعة و مقززة

بصورة المرأة والرجل، تتمدد فوق ) أرخص ليالي: (تقريبا ال تفهم، وال تتوقف عن القراءة، . السرير، وتقرأ على بطنك .ال تفهم، تلقيهما وال تفهم، يعجبك ما تفهمه، و تفهم

هذا الكتاب ى ليس سوتحصر كل الكتب بالمكتبة، .عدة مرات يوميا) أرخص ليالي(بالعربية، تظل تقرأ

ينقطع أبوك عن المجيء، تنقطع كل عالقة له بهذا البيت، ال تخرج من الغرفة، صرت تأكل بمفردك فيها، تنمحي الكتابة الحمراء، والصور األبيض وأسود من غالف

.الكتاب :تلك الليلة

.»مما يفعله أبوه فيه ةهذا الولد سيصاب بعقد«الجمل الصابر .. أخي من الولد لما يكبر على أنا خائفة«

.»يقتل صاحبه في النهاية

Page 58: 4206

الحمد هللا أن البنت طلع في وجهها شامة مثلي« .»وتشبهنا ويقول إن الولد ليس .. ىكان يشك في الولية أم يحي«وإنه قبل والدته ترك الولد طالب الجامعة الذي كان .. ابنه ).السطح السكن على سكني

لدرجة أن أخي كان .. وهو أيضا كان أحمر الوجه( ).يسخر منه ويقول الولد الخارج من المصباح

.. الست كانت ساكتة ومنكسرة.. بصراحة ال أعرف« .»عموما اهللا يرحمها.. لكن الولد خلقته ال تشبهنا أبدا

تتأكد من حتى كل ليلة تطفئ نور الغرفة، تنتظر قليالسكوت التام بالخارج، تبص من فتحة المفتاح في الباب، ال

.. أطراف أصابعك، ببطء على ببطء، تخرج.. تفتح ببطء باب غرفة البنت، تتأكد من نومها، تتوجه إلى ببطء، تصل

الضوء الخافت على ببطء،.. باب غرفة عمتك، بحذرإلى لمصباح الحمام البعيد، تلصق أذنك بالباب، ال تهتم بفهم ما

Page 59: 4206

الغرفة وتغلق إلى سمعه، تحفظه جيدا لتتذكره عندما ترجعت

.الباب، تتمدد في الظالم، تسترجع كل الكالم، وتفندهالمدارس على باقي أسبوع.. ما باليد حيلة يا حبيبي«

.» أن تبقوا معي كثيراىكنت أتمنلم تنس وأنت تضع ثيابك في الكيس البالستيكي الكبير،

تطمئن حتى فوق المالبس ؛بطنك من على أن تضع يدك، برغم أنك )الذي تهرأ غالفه وتمزق(وجود الكتاب على

.تشعر بدفئه ملتصقا بجلدك طوال الوقت● ● ●

.»األجرة يا أفندية«

النقود، يناوله ورقة بعشرة على يخرج يده المستميتة .جنيهات .»ىوالنبي فكه يا أسط«

سه الموجهة إليه، يهز رأ) ىأسط(تفزعه كلمة .بالنفي، يمد يده يغلق الزجاج المجاور له

Page 60: 4206

.»دائما زبائن أول دور ما يعلم بهم إال ربنا« .يتجاهله، يغرق في الدفء الذي صنعته األنفاس

● ● ●

أن على كل أعمال البيت تتكوم فوق رأسك، يجبرك تنظف، تكنس، تمسح، ترتب، تغسل األواني، والمالبس،

أن تغسلها بيديك، بينما على ركمالبس أختك القذرة أجبحتى حد أنك تهدئ من سرعة إلى يسيطر عليك شعورك بأمك

ال تصطدم بها، تزداد عليك حتى كل انحناءةىسيرك لد تستدعيها، فتشعر أن كل شيء يتم بسهولة كأنما وطأة الشغل،

.تساعدك أحب أبوك أختك التافهة هذه ألنها تشبه عمتك،

ة من أولها آلخرها طوال يحملها، يدور بها في الشق الوقت، يهرول إليها عندما تبكي، يتابع الرضعة بنفسه،

تتم الرضعة كاملة وتفرك يديها حتى يبردها، ينحني عليها يضحك، كرهت ىورجليها وتضحك، تراه للمرة األول

Page 61: 4206

انفراجة الشفتين اللتين تبصقان وتسبان، وكرهتها تلك لبيضاء، تعلمت الضحك المريضة الهشة المتدثرة باألقمشة ا

قبل أن تتكلم أو تسير، ضحكات كاملة ال تبترها بصقة .أو صفعة

بالقفل أكثر من مرة يوميا يحبسك، يغلق عليك باب الشقةكل األطباء مع عمتك عائدا في إلى من الخارج، يصحبها

:ذراعها علىمرة بحمل من األدوية، وعمتك التي ترفعها .»شكلها بنت موت.. واضح أنها لن تتحمل«

يا بنت «أول مرة يزعق أبوك في عمتك، شتمها إياك أن تمري من الشارع الذي أنا «، طردها »الكلب ىأختك جاريا، انحن إلى ، صفق الباب خلفها، ورجع»فيه

.ركبتيه وظل يحتضنها على فوقها● ● ●

.»اآلخر يا أستاذ«

Page 62: 4206

تيقظ من اليد الثقيلة تخبطه في كتفه، خبطات متتابعة يس .حفرة سوداء ال يعرف كيف سقط فيها

يتناول منه الباقي يحتفظ به في يده دون أن يعده، يفاجأ .أنه في السيارة بمفرده، ينزل مسرعا● ● ●

).اإلعدادية( تمتن كثيرا لهذه الكلمة وأنت تتأمل القميص التيل ناديه

.والبنطلون البني لوقت طويل في قاع الدوالبي طالما تبولت فيه، وتمرغت به في التراب البنطلون الذ

خيزرانة الناظر الرفيعة. وكلهم فوقك يضحكون ويتقافزون .مؤخرته تؤلمك وهو يعبطك أمام الطابورعلى

القميص الذي تمزق كثيرا وهم يجذبونك منه .ال يعرف أبوك حتى ويضربونك، في الليل تخيطه بيدك

).اإلعدادية( السماوي الفاتح، جديدان، البنطلون الكحلي، والقميص

.السرير على مكويان، مفرودان

Page 63: 4206

األرض، على يزعجك أن رجل البنطلون طويلة تجرجر .تقنع نفسك أن األمر سيعالج مع الحذاء

).اإلعدادية( سيكون لك زمالء جدد، يمكنك أن تبدأ بداية جديدة،

قفاك، أو أن على لن تسكت لهم إذا فكروا أن يصفعوكلن تتركهم . فعلوا بك أشياءهم البذيئةو يأيضربوك،

.يشتمونك، أو يطلقون عليك اسما كاسمك في االبتدائية ).اإلعدادية(

، تنقلب)مدرسة جديدة تماما(تدخل من بوابة المدرسة شخص آخر، تصرخ فيهم، تضربهم كلهم، تكتفي بأن إلى

وتمزق اثنين أو ثالثة، فتدميهم،ىتصطنع مشاجرة مع أقو .، كلهم أصبحوا يخافونك، يعملون لك ألف حسابمالبسهم ).اإلعدادية (

.تسمع خشب السرير يصر حتى تمد قامتك بشدة أحببت جدا النور عندما تسلل من بين فتحات الشيش

).ظللت تنتظره طوال السواد(

Page 64: 4206

.تجهز الفطور ألبيك، الرضعة ألختك، وتنزل ىتمشكل الدنيا بلون قميصك النيلي المضيء، الهواء ي

تفتح شفتيك . جانبي وجهك، نديا، ناعما، مغسوالعلى .لسانك كعذوبة تطفئ ظمأك وال ترويك على فينساب

ةتظل رافعا رجلي البنطلون من فوق الركبتين بيد واحد .ال تتسخا من األرضحتى

لتفادي ضربة، تضبط نفسك وأنت تصفع الهواء، تنحنييتوسل إليك بأنه وقد ارتسمت صورته أمامك باكيا، وذليال،

.ال ترحمه ال يعرفك ولم يرتكب شيئا ضدك وأنت ).اإلعدادية(

التي من بعيد، مغلف بضباب المسافةىأخيرا يلوح المبنتفصلك عنه، كرسم أسطوري في لوحة، مع كل خطوة تتضح معالم أكثر، أربعة طوابق، أعمدة بيضاء، جدران

سي مدرىمرشوشة باألصفر المحبب، يزعجك أنه مبن عادي، لكنك تراه مخلصك، تسرع خطاك، تتضخم صورته

Page 65: 4206

الناظر نفسه يخاف حتى تضرب،.. في عينيك وأنت تضرب .منك

).اإلعدادية(عمر بن مدرسة: (بخط أصغر قليال، فوقها بخط أكبر

.، تمد يدك، تلمس السور، تجده قويا كأحالمك عنه)الخطاب نشوة تمد حديدية، خضراء، المعة، عالية، مواربة، في

.قدمك، وتدخل من البوابة بحذر.(( ........))

بالداخل تراهم، ىقبل أن تتنفس حفنة الهواء األول، هم هم، يرتدون نفس األزرق الذي ترتديه، ىزمالءك القدام

.لكنه أزرق غامق معتم، يضجون )دون تبادل كلمة(بمجرد أن تقع أعينهم عليك

تتجمد في مكانك، بالضحك، تفلت يدك رجلي البنطلون، :ضحكته واحمرار وجهه ويزعق على يسيطر أحدهم

).أبو شخه جه(● ● ●

Page 66: 4206

رمسيس السادسة صباحا، األزرق، الواسع، المغسول،

.المتثائب بنعومةاألجساد مغسولة ومكوية، على المالبس المنشورة

.واألعين ال تزال محتفظة بكثير من نعاسهافي مكانه حيث نزل، أنه ال يزال واقفا إلى ينتبه

والسيارات تمرق من حوله مسرعة وغير مبالية، يبصق، .الرصيف، يعتليه، ويبصق على يصل حتى يعبر

● ● ●

تخف وطأة قهرهم لك، ينشغلون عنك باكتشافاتهم الجديدة بعيدا عن أعين المدرسين، والزمالء (التي يتبادلونها سرا

ظهر األسرار ، مبالغين في إحاطتها بم)العيال أمثالك .الخطيرة، لكنها ما تلبث أن تتضح شيئا فشيئا

Page 67: 4206

، يخبئونها في الجوارب، في جيوب )فرط: (السجائرالسروايل الداخلية، يتبادلونها في الحمام، يتحلقون حولها في

.مجموعات في الخرابة الكبيرة المجاورة للمدرسة على ملونة، ناعمة، الجسد كله، أو بالتركيز: الصور

طق المعينة، مثيرة، وصريحة، وتختلف تماما عن تلك المنا .التي في كتاب طب ابن عمتك

لم تهتم كثيرا بأمر السجائر، فيما ظل أمر الصور .يشغلك .»حالل أم حرام يا أستاذ ؟.. العادة السرية«

يفجروا حتى ينتهزون أول فرصة ينقطع فيها الدرس ؛ .نفس السؤال

هنك محاطة بعالمات ، تتردد في ذ)العادة السرية(المدرس على استفهام كثيرة، كلهم يفهمون، يتغامزون

، أو الذي ال يرد، )الصايع(المضطرب، أو المدرس .ال تعرف وال تفهم يضحكون، وأنت

Page 68: 4206

المدرسة، بين الحصص، في الطابور، في الفسحة، بعديتردد اسمها بصيغ مختلفة ال رابط بينها، وأنت قابع في

.تستسقط الكلمات المهموسةصمتك بصبر نافد أنفسهم، خفت حدت احتكاكاتهم بك، انزويت على انغلقوا

.في النهاية مطمئنا ألنك عرفتمرتعبا، عرقان، محتقن الوجه تخرج من الحمام، .ترتجف وشعور بالذنب والضآلة واالنتهاك يركبك، ويحتلك

مجنون، كل لحظة تخلع سروالك، تقلبه بحثا إلى تتحول حمر الذي صرت تراه أمام عينيك طوال عن األ .الوقت .»يخرج منه دم.. من يفعل وال ينزل«

موت، كل كالمهم .. إيدز.. سرطان.. دم.. حرام.. حاللال يهم، كل محاوالتك للتوقف فشلت، وإدمان تام لتلك اللحظة

.القصيرة المرتعشة الغارقة في اللهاث والعرق يتلبسك ركنك تظل قابعا، هادئاالجرس، الصخب، الهياج، في

إلى ينزلوا جميعا، تنسحب حتى ، تتأخر)ال يشك أحدحتى (

Page 69: 4206

، تسرق )طويال راقبتها(كن معينة في بعض الحقائب اأم

موعد االنصراف في الفتحة حتى الصور، ثم تسرع لتخبئهادائما، المكتوب عليه بخط جوار الباب المغلق إلى الضيقة

).المكتبة: (باهت رديء المرآة في الحمام، ملتذا، مجهدا، على الصورتعلق

تفتش عن دماء تتهيأ لالرتعاب لمرآها، فيرعبك أكثر أنها .ليست موجودة

أول ما فتحت بدأ العيال.. شفت يا أستاذ محمود« .»يهلون

هذه المرة تذهب لتخبأ الصور، يفاجئك الباب المفتوح، في) شاب قصير وسمين(الناظر ومدرس آخر ال تعرفه

مواجهتك، تثـقل الصورة في جيبك، فتنحني ناحيتها، الحجرةىيعرفون، تعرق، تتلعثم، تتجمد في مكانك، تر

.الباب الذي فتح على متربة، وال تستطيع قراءة كلمة المكتبةكتفك، عين األستاذ على يتقدم الناظر منك، يضع يده

.محمود مركزة عليك في حنق وغل أخافك

Page 70: 4206

كتب اسمك في . وفي يدك كتاباندقائق، تخرج بعدهاأول خانة في الدفتر الكبير، وأمرك أن توقع باسمك في

.الخانة المالصقة .»اختر لك كتابين«

.يتناولهما منك، يدون اسميهما في الخانة الكبيرة .»بعدها تعيد الكتابين.. مدة االستعارة أسبوع«

ىكتفك، دون أن تنس على تشعر بالفخر والناظر يربت .ور المخبأة في بطنك تحت الثيابالص

في . في المرات القادمة سوف تتجنب هذا الرف نهائياالبيت ستكره قصص الجيب هذه التي يضرب أبطالها كل الباقين، وتحبهم كل الفتيات، وينجون من كل المخاطر،

تتألم كثيرا من أجل كل من ليس له دور إال أن و تكرههم، .أو يموت يضرب،

درسة تحتمل الطابور، المدرسين،تنجذب نحو المهناك، ترد الكتابين، إلى تصل حتى زمالءك، أباك، اليوم كله

وتأخذ غيرهما، بعد أن توقع في الخانة التي ظلت تبتعد

Page 71: 4206

عن اسمك المكتوب بخط األستاذ محمود ) بمقدار خانة يوميا(

.في أول السطر الطويلاألرض، تنفصل، تتشكل مع حروف على تستلقي

.اعة السوداءالطبتعلمت أال تمارس لذتك في الحمام، إنما في الغرفة وأنت تقرأ، وألنك معرض القتحام أبيك في أي لحظة تعودت أن

دك، ـقه بجسـاب تغلـاألرض خلف الب على تستلقي .وتحتضر ،رأــتق

● ● ●

تربكه فكرة عدم ذوبانه في الزحام الذي لم يتكون بعد، كنقطة سوداء وسط هذا الضوء، يبدو مميزا وظاهرا جدا

بمالبسه الرثة المبتلة، بحذائه المثقل بالماء، بشعره المبعثر .المنتصب كقنفذ قذر

يضطرب وهو ال يجد حائطا يستطيع السير متواريا به، سياجات حديدية قصيرة وفاقعة، يبصق عدة مراتىليس سو

Page 72: 4206

مواصال طريقه أسفل الكوبري الذي يسقف هذا الجانب من .ميدان تماماال

● ● ●

رسوبك في هذه السنة كان طبيعيا ومتوقعا، لم تعرف .أسماء الموادحتى

أبيك، نعم مارس ضدك ىلم يمثل هذا مشكلة حقيقية لدالخالية من (أضعاف السابق، ولكن بنفس النظرة القديمة

.المليئة بحقد وكره عميقين) مبرر مباشر للفعل .ك تقرأاالنهيار التام عندما علم أن

نفسك، فال يدخل على لم يكن يهتم بما تفعله، تغلق البابسنة كاملة وأنت تقرأ . الحجرة السوداء إلى إال ليجرجرك

.كر، ميتا، ال يهتمادون أن يعرف، يظنك ربما نائما، تذ علىاآلن عرف، لست في دراسة، وقراءتك ال تؤثر

كتب عاجز عن جلب (شيء، ال تضره، وأساسا أنت ال تقرأ

Page 73: 4206

المخبأ ) أرخص ليالي (ى، كل ما حدث أنه رأ)من مكان ما .في قاع دوالبك

عيناه في تلك اللحظة مزيج من الخوف والرغبة في ).نظرة الخوف هذه واضحة جدا(ال تقرأ حتى قتلك؛

إلى تكتشف أن وسائله ال تنفد، وقابلة للتضاعف .ال حد

وح يمنع عنك الطعام والشراب، وأنت موثق غير مسمبانتزاع لحمك من هذا القيد، تتذكر صراخات أمك حتى لك

وهو يضربك بنفس الماسورة الحديدية، تحاول كتم أنفاسك الموت إلى الموت، ال تستطيع الوصول حتى لمدد طويلة

الكامل الذي سيريحك، فتستسلم لفرحك بالساعات الطويلة .التي تفقد فيها الوعي

في حتى قاومة، أوترضخ، دون تفكير في عصيان أو م .فعل ما تريده خلسة، لكنه لم يكتف

Page 74: 4206

لماذا وممن يخاف كل هذا (رعبه الواضح أرعبك األرض الموثق الباكي الملطخ على ىالخوف؟ األوراق؟ الملق ).ببول وبراز أيام تعذيبه؟

يحل قيودك ويحبسك في غرفتك ال تغادرها، ال يسمح السوق بنفسه، يمزق لك بالنزول مطلقا، يأتي بكل األشياء من

.الكتاب، ثم يحرقه، وبأنك مسجون ال تستطيع ىال يقتنع بأن األمر انته

الخروج أو النزول، يقيدك، يحضر وابور الجاز، يضع فوق مذعور ال تفهم، تراه وأنت ناره العالية السكين الكبيرة،

.اآلخر مضطربا وخائفا هووضع تحمر السكين، تقوس جسمك في . فهمت، سيقتلك .جنيني حاميا صدرك

روحك، انعكاس السكين الجمرة في عينيه ينعكس داخل .ترتجف وتنزوي بقدر ما يسمح لك الحبل. تأكدت، سيقتلك

ال يبرد االحمرار، تصلك حتى بسرعة يقترب منكسرعته بطيئة، ساكنة، تتقلص من الرعب، تحاول أن

Page 75: 4206

أن في تنفصل، أن تستجلب صندوقك الزجاجي، تفشل، تفكر تنهي هذه اللحظة، ترخي أطرافك المتقلصة، تعري له صدرك، تغمض عينيك، تنتظر، تمر الحرارة بصدرك دون أن تصيبه، يمسك بقدمك بيسراه، يقترب الجحيم من باطن

صرختك ىقدمك، بسرعة، تلتصق النار باللحم، تموت، تر على في سقف الحجرة، تعبق الهواء، تدير رأسك، وتسقط

هما، تصرخ، تنفصل قدمك عنك، األلم الكامل، عينيك، تغشيال تشعر برجلك كلها، فقط قبضته اإلطالق، على ثم ال ألم

.بقوة المنغرزة، والحديد الضاغط على لم ينزعها إال بعد وقت طويل عندما بردت تماما

قدمك التي ال تراها، تشم من مكانك رائحة اللحم المحترق، . بوجهه الدخان المتصاعد منك يحيطىوتر

● ● ●

Page 76: 4206

الناس المسرعة، صياح صبية الميكروباصات والباعة الميدان الواسع . الطازج، نفير السيارات، موقف األتوبيسات

.بدأ يمتلئ الجانب اآلخر طابور قصير من ثالث شاحنات أمن ىعل

مركزي كبيرة زرقاء، أمامه الجنود بأسودهم المكرر في .خمسة أو ستة صفوف

الوقت كي يقف ويراقب هذه الطوابير أحد ىليس لدالخلف كلما إلى الصغار فقط تظل رقابهم تلتوي. العسكرية

) صفا(الـ جرتهم األيدي الكبيرة، أعينهم ترفض ترك هذاالمتكرر مع الحركة القوية، عندما تصبح المسافة ) انتباه(و

يتعثرون، فتنحني غير مناسبة للرؤية عن طريق لي الرقبة .لكبيرة ؛ لتنفض السواد عن السيقان البيضاء المتألمةاأليدي ا

● ● ●

السماء مظلمة، قاتمة، الكالب كثيرة، تنبح، وأنت تعرج بشدة في الشبشب الفلين، تخشي االنزالق في الوحل الذي

Page 77: 4206

يرقش المكان، طريق المدرسة طويل ومخيف كقامة عفريت .ال تبكي حتى مشعر، تجلس كل عدة خطوات ؛

، يداعبها، يقبلها، تبتسم وترتمي عليه، تصعب يحتضنهاعليك نفسك فتبكي وتكرهه، وتكرهها برغم كيس األدوية

.المسمار في صدر الصالة على المنتفخ المعلقالمدرسة، تشعر بدوخة وهبوط شديدين، إلى تصل .جوار السور إلى ترتمي

العام الجديد، والصباح المغسول لم ينجحا في إمدادك .عد وقت تقوم، تدخلب. بالقوة

لم تمارس عادتك المبهجة طوال اإلجازة، كان يقتحم كأن يتيقن من عدم وجود كتب، كما حتى محبسك كل لحظة ؛

.العميق ال تستطيع الوقوف طويال في الحمام لجرح قدمكالطابور، كلهم زمالء جدد، ال يوجد أي واحد من

ور الثاني ، تلمحهم هناك في طابىزمالئك المزعجين القدام .اإلعدادي، تمتن للرسوب، يخف األلم من قدمك، تبتسم

Page 78: 4206

تجنبوك، راسب، وكئيب، وأكبر منهم، وال يعرفونك، .ذلك، انتحيت ركن الفصل األخير، وانزويت إلى فأمنت

ال تستطيع التخلص من غريزتك، وتعتاد ممارسة ارتعاشاتك في حمام المدرسة، خائفا ومرتبكا في البداية،

ال ينفتح، تعتاد التخلف عن حتى الباب على ظهركمتكئا بالمكتبة، تقرأ وأنت تلتفت كل إلى بعض الحصص والتسلل

مع أنه لم (باب المكتبة، تخاف أن يدخل أبوك إلى لحظةتعوض حتى ، في البيت تذاكر كثيرا؛)يزرك في المدرسة قط ).ال ترسب ثانيةحتى (ما يفوتك من دروس

حقيبتك،: ع لتفتيشه الدقيقيوميا، لعدة مرات تخضمالبسك، الحجرة من أعالها ألسفلها تتعود كل هذا، تصير

من ممارساته ضدك أخف وطأة، أصبحت تشعر فيها بشيءانتظار الطمأنينة، فأنت تظل قلقا طوال الوقت وخائفا من

ذلك الخوف، التعذيب، لكن في اللحظة نفسها أنت آمن من .المستترة عا من المتعة األلم فصرت تجد فيه نوأما

Page 79: 4206

لكن نوبات بكاء هستيرية تجتاحك بين الحين واآلخرنفسك، وتجد نفسك تبكي، تحاول على بال سبب، تنطوي

هذه على إيقاف هذه الدموع، تكتشف أنك ال تستطيع السيطرةالقوية، وأن األمر خارج عنك، في داخلك لست في الدفقات

ن تقفز، أن تضحك، تفكر اإلطالق، تستطيع أ على حالة بكاءفي أي شيء وأنت تجتر البكاء كاللعاب، أو التذكر، تعجبك

في بل مالبسك، أوراقك، وسادتك بالدموع، ىالعملية فتتماد .الورق على تصنع دوائر مبتلة مجعدة

درجة إلى فتشعر بأنك خفيف، هادئ، شفافيتنتهال يمكنك معها منع نفسك من الضحك بصوت عال، تشعر

شوة عميقة سرعان ما يهزمها ذلك الصداع الذي يمسك بن .برأسك بقوة تشوش الرؤية

ومكررة، اكتشافاتهم في الفصل الجديد بالنسبة لك قديمة .بسرعة تراودك فكرة التدخين، لكنك تجبن و تتراجع

تتعلم من الكتب مصادر استجالب المتعة الملتذة بعينيك، د، مسألة الدم هذه لم تعد اختزان المشاهد الحية للحظة االنفرا

Page 80: 4206

تعنيك، مجرد وهم، خدعة، لكنك ما تزال تقلب المالبس .وتبحث لكن ليس عن الدم

.أول يوم في الثالث اإلعدادي تصير حقيقيا وموجوداأبيض، شفاف، ثخين، دافئ، ملموس، رائحته المقبضة المفرحة أثملتك، كنجدة تم استدعاؤها منذ أزل ولم تتحقق إال

.اللحظةيدك تقف حائرا، ال تدري ماذا تفعل بهذا الكنز في كف .المتقوس قليال كآنية ترتجف من فرط الفرحة والتحقق

تبين صورتك في المرآة مزيفة ال شارب لها وال لحية، .لكنك رجل، تحمل الدليل الدامغ في يدك

بهوس تنحني، تتشمم الرائحة مرة بعد مرة، تختزنها ، تتلمس ىد سبابة وإبهام يدك األخرتم. كأنها المرة األخيرة

أن تمد طرف إلى اللزوجة المبتلة، تدفعك رغبة شديدةزمالء : لسانك، تتمني لو تخرج، لو تعرضه أمامهم جميعا

.الناس كلهماألستاذ محمود، الناظر، المدرسة، أبيك،

Page 81: 4206

تسمع صوت خطواته المقتربة من باب حجرتك الذيحها في مالءة السرير تقف خلفه، بسرعة تمد يدك، وتمس

.البيضاء

.إحساس عنيف بالجوع، النعاس، البرودة، الشهوة بعد، يواصل طريقه هقرص الشمس لم يعلن عن وجود

متعمدا لمس بعض المؤخرات األنثوية بطريقة يجتهد في .جعلها تبدو عفوية باحثا عن مكان يأكل فيه

● ● ●

، ىإجازة أخرتكره إجازة الثالث اإلعدادي أكثر من أي أصبحت وجودك الحقيقي (تحرم من الخروج، ومن القراءة

.، ومن رؤية األستاذ محمود)ومهربك

Page 82: 4206

األستاذ محمود الذي أحبك، وصار يأتي يوميا من أجلك، ينزع نظارته، يجلس خلف مكتبه، يدير لك الدفتر الكبير لتوقع وتكتب اسم الكتاب الذي ستقرؤه، يغلقه، ويديره

.ىخرإليه مرة أال يوجد أحد يقرأ بهذه الصورة مثلك .. اسمع يا يحيي« .»يصبح شيئا كبيرا ولن

تظل تحلق في ابتسامته التي يحتفظ بها طوال الوقت، المرتعبة، التي لم تجدها عند غيره، كل مشاعرك الخائفة، .المنكسرة، المخبأة صهرتها في حب الرجل الباسم

تبة من أجله وال تقرأ المك إلى في الليل تفكر فيه، تذهب، فقط تجلس أمامه، )كررت قراءة كتب المكتبة عدة مرات(

يبدأ في الحكي، عندما يهم بأن حتى يتلقف هو حضورك ؛ يدخل في الحكاية تشعر أنه حزين وصغير، تود لو تربت

عن ابتسامته بتلك ىال يتخل حتى رأسه وظهره ؛على .البساطة

Page 83: 4206

إلى ساك، يرجع بالكرسي نفسه وينىتأخذه الحكاية فينسالوراء، يفرد جسمه، وال ينظر إليك، يسبح بعينيه البنيتين

هذه على كل ما أمامه، وقت طويل يمر وهوىكأنما تالشالحالة، وأنت مشدود، مجذوب، معلق بشفتيه، بالحكايات،

. حركةىأال تتحرك أدن على حريص فجأة يتذكرك، ينتبه، يضطرب ويؤخذ، يعتدل في جلسته

في النهاية . محاوال تذكر ما إذا كان قد قال ما ال ينبغي أم ال يبتسم بتردد وعيناه تبحثان هنا وهناك عن مبرر لكل هذا الحكي الطويل، عندما ال يجد يهز كتفيه في استسالم

:وال مباالة ال تفوت حتى تأخرت أسرع.. يكفي هذا الوقت للمكتبة«

.»عليك الحصصأوقات تواجدك في ) األقلى عللنفسه( يبرر ىوحت

المكتبة لديه صار يجلب لك كتبا من مكتبته الخاصة، كل .إدريس، ومعظم نجيب محفوظ يوسف

Page 84: 4206

سأحضر لك روايات .. أول ما تنتهي من محفوظ« .»مترجمة

األستاذ محمود ى، ولن ترىلكن الثالث اإلعدادي انته .مرة ثانية

تجلس . طلقااألستاذ محمود الذي ربما لم يسمع صوتك ممبهورا به، بحكاياته، بقميصه المكوي النظيف، بسمنته، وبنظارته الذهبية اإلطار، لكن دون رد الفعل المناسب،

لم يطلب هذا الرد، كل ما يطلبه أن يتكلم، أنه الحقيقة إنصاتا، فقط يطلب مجرد وجودك كمبرر، هو حتى لم يطلب

أحد، تحتفظ الذي ال صاحب له وال زوجة وال أسرة وال أيله بكالم كثير جدا داخلك، أمامه تتعثر، تتجمع الكلمات كلها

صباح «في حلقك مرة واحدة، تخنقك، تظل مترددا بين ، فال »شكرا«، »يا أستاذ محمود«، »عليكم سالم« ،»الخير

تدري ماذا تقول من العبارات الكثيرة، تصمت، فيقف .الصمت في حلقك كشوكة كبيرة تؤلمك

Page 85: 4206

هذا الرجل، سهرك، شرودك، تفكيرك به أنت تحب .طوال الوقت

صرت تكتب له خطابات غرامية بأسماء فتيات وتلقيها .أسفل باب حجرته في المنزل القديم القريب من المدرسة

.ىالثالث اإلعدادي، انتهلم تكن أحالمك عن اإلعدادية وهما كبيرا كما تصورت

ألشياء، أما في البداية، سنة رسوبك أصلحت الكثير من اوجود أبيك فذاب في وجود أختك، ما يفعله معك أصبح

بالنسبة حتى (حد أفقده الكثير من إثارته إلى مكررا ومعتادا، فصار يؤديه كواجب مفروض عليه، وصرت تتلقاه )له

.كطقس يومي ال بأس من احتمالهثالث سنوات، صفراء، ضئيلة، مريضة، تحبو بالكاد،

تظل . يفهم أبوك عنها إال باإلشارةتتعثر في النطق، فالتشمت في . غسيل مالبسها الممتلئة بالبراز على مجبرا

.دمية إلى عجزها، وفي أبيك الذي يتحول أمامها

Page 86: 4206

الثالث اإلعدادي، تاركا لك خطا أشهب يعتلي ىانتهكثافة ) في المرآة(فمك، ال كشعر وإنما كقذارة محببة تزداد

خديك وأسفل على متناثرةكل يوم، مع بعض الشعيرات ال .ذقنك

الثالث اإلعدادي؟ىهل انته.. ولكنموت حقيقي ذلك الذي شعرت به وأنت تدلي برقم

:عم أنور الفراش، فيقول لك إلى جلوسك .»الحالوة على يدك«

ستفارق مدرسة عمر بن . الثالث اإلعداديىإذن انته .األبد إلى الخطاب اإلعدادية للبنين

..الرمل.. الجرس.. العلم.. طابورال.. هذا الفناءالذباب.. المقاعد.. الفصول.. المباني.. السور. .امالحم .... مكتب الناظر.. عصي المدرسين.. السبورة.. النوافذ

..........المرواح.. التذنيب.. المكتبة.. الفسحة.. الطرقات :من كتفيك يهزك صوت عم أنور

.»لماذا تبكي يا بني أقول لك نجحت«● ● ●

Page 87: 4206

على موقف األتوبيسات المحدد بالسياج الحديديىيتخط .اليسار

ينتهي الرصيف الواسع المنصف للطريق ببائع الجرائد ) الوفد.. الجمهورية.. األخبار.. األهرام(المحدود

ىفقط، وبائعة القرص متدلية الثدي الناشف في الفم المغط .بالذباب

ماما، فيما تمشي ينزل، يصير في منتصف نهر الطريق ت يمين الشارع، ىأقص إلى جانبيه، يعبر على السيارات ببطء

.ميمما وجهه شطر ميدان التحرير البعيد● ● ●

أتوبيس لعشر محطات طويلة، ثم ميكروباص لمسافة ساعة كاملة تنزلها . مدرستك الثانوية إلى تصل حتى أقصر

ه للمرة مبكرا قبل موعد الطابور الذي فوجئت عند وقوفك في، تعلم )حلمك القديم(األول بأن معظم الوجوه جديدة ومختلفة

Page 88: 4206

فيما بعد أن أغلب زمالء اإلعدادية دخلوا دبلومات، ستة فقط .ثانوية عامة) غيرك(

بالفعل تستطيع (يبدأ حلمك المقتول في االنتعاش خمد مرة حتى ، لم يكد يتنفس)وضع أفضل على الحصول

:ل، أول مدرس يدخل الفصىأخر .»هل يوجد هنا راسبون؟«

.تلمحه يقوم في تخاذل وانكسار .»جلوس«

مقعده في ركن الفصل األخير المناظر للذي على يرتميالضرب، السباب، : تجلس فيه، تعاودك كل صور االبتدائية

).ىالبد سيحييه مرة أخر(البذاءة، ولقبك . منكسرا، وال يتكلم مطلقا،لكنه يظل غريبا، مهدودا

اف لم تحلم به ذلك األتوبيس، في األسبوع األول اكتش.. رأيتهما حتى تضايقت من الزحام، والتدافع، والعرق،

وال حركة جسده حتى وقوفه خلفها لم يثر أي فكرة لديك،جواره وأمامك رجل إلى الخافتة الملتصقة بها، وأنت واقف

Page 89: 4206

يجاورها، يبتعد عنها قليال بعد وقت، يرفع يده، يغرس .ين جيبي سروالها الجينز الضيق، وينزلإصبعه ب

رأسك، ال تصدق، تفرح، ثم تتحرك إلى يصعد الدم .تأخذ مكانه حتى ببطء

في هذه الليلة نديت مالبسك عدة مرات في حلم متوتر .بأتوبيس الصباح

شيئا فشيئا تألف التفاصيل الحميمة، تتعامل معها متفهما صمت، الحلم، المخبأ ذلك الكيان الم. متطلباتها واعتراضاتها

خلف كل هذه الفساتين، الجالبيب، العباءات، الجيب، .كما تطلبه) بحدة(يل أصبح شيئا متاحا يطلبك اوالسر

ذلك الصمت القابل، التواطؤ المعلن، التعاون السافر !).أنت أيضا ممتع(

في المرات القليلة التي يواجهك فيها االعتراض السباب فتختبئ داخل صندوقك ال يتجاوز األمر الزعيق أو

:تخرجك دفاعاتهم حتىالزجاجي .»عيل صغير.. يا ستي«

Page 90: 4206

ال توجد مكتبة في المدرسة الثانوية، صرت تختزل لحظات األتوبيس، تختزن أكبر قدر على متعتك، تقصرها

عودتكىتستعيدها لد حتى من الحسية منها بذاكرة متوهجة؛ .البيت، فتفرغ كل شحنات اليومإلى فتيش أشيائك وحجرتك من جانب أبيك أصبح روتينيات

.وممال، وبعد لم تفهم سر هلعه هذا من الكتبيظل أمر القراءة يؤرقك ال تجد ما يخلعك من هذا السواد المسيطر غيرها، مصروفك الفقير ال يسمح لك بشراء

حتى ما تأكله، فماذا عن الكتب؟ ال تستطيع تناسي األمر .ئعة كركلة مازحة الراالمصادفةتحدث

األبيض ذي الطابق ىذلك المبن إلى ال تلتفت مطلقاظهر موقف الميكروباصات حيث تركب كل إلى الواحد الذي

.المدرسة إلى يوم إلى تذهب حتى اليوم أنت مزنوق، لن تستطيع االنتظار

المدرسة، تخاف أن تبلل مالبسك، تفكر في التبول في أي نحرف مسرعا من جانب ذلك جانب، كل المكان مزدحم، ت

Page 91: 4206

ت األصفر لال تف حتى األبيض، قابضا عضالت مثانتكىالمبن .الساخن

، تفتح سروالك مستسلما لصوت ىتلتف حول المبنالخرير، تتأكد أن األمور تنساب بشكل جيد، فترفع رأسك

بخط بارز »مكتبة رفاعة الطنطاوي«: تتعرف المكان حولك : ا األمر لتتأكد فإذا بها هكذاتنزل رأسك للحظة متابع أخضر،

.، تضحك بصوت عال سعيد، وتغلق السروال)الطنطاوي(زي أزرق يماثل زيك تماما لحارس األمن العجوز

الدكة الخشبية المفرود عليها بساط ملون جميل، على المتمدد :تواجهك عيون جوربه المثقب، والصوت

.»أي خدمة يا كابتن؟« .»الساعة تسعة.. تينتفتح بعد ساع.. المكتبة ؟«وخاتم النسر من .. وصورتان.. االشتراك؟ جنيهان«

.»المدرسة

Page 92: 4206

األرضية الزرقاء على بخط أبيض كبير) قسم األزبكية(

الشرطة والشعب «: للوحة، بخط أصغر بين أقواس تنصيص .»في خدمة الوطن

طرف لسانه، يتوقف قبله على بصقة كبيرة تتجمع يلفظ البصقة، يزدردها متقززا، بمسافة قصيرة، يخاف أن

.ى الجهة األخرىأقص إلى يعبر الشارع● ● ●

بطاقة .. وزارة الداخلية.. جمهورية مصر العربية(

لسنة ٢٦٠صادرة طبقا ألحكام القانون رقم .. شخصية في شأن ١٩٦٥ لسنة ١١ المعدل بالقانون رقم ١٩٦٠ ).المدنية األحوال

دية بول أوفر أسود، صورتك مرتى في الصفحة اليمنتظهر من رقبته ياقة قميص رمادية، بأسفلها تماما دق ذلك

.الدبوس البارز الموجود في كل البطاقات

Page 93: 4206

بأسفل الصورة بصمة سبابتك بالحبر األسود الذي كان يدها ناعمة وطرية (لزجا ومفرحا، وقد أمسكت الموظفة

سبابتك في األسود، ثم) لغمطت(بكفك ببرود، ) وبيضاءمرة ) لغمطته(أوراق أمامها، على نزلت بيدك بكل قوتها

وهوت بيدك ويدها فوقها بسرعة ودربة فوق أسفل ىأخر .البطاقة

وأنت خارج تظل ممسكا بالبطاقة بيسراك مفرودة، مبعدا .ال تصطدم به فتنثني حتى إياها عن جسمك

فوقه بصمات (الحائط األصفر على تمسح إصبعك المتسخ .في فرح) ع السوداءعشرات األصاب

تدرك أن الجيب الخلفي للبنطلون له ضرورة ملحة، وأنت تشعر بالدفء لملمس البطاقة داخل المحفظة تحتك

.بمؤخرتك وأنت تسير البطاقة، والصورتين المتبقيتين ىليس في المحفظة سو

.من الصور الست التي التقطها من أجل البطاقة ).ر من المدرسةوخاتم النس.. وصورتان.. جنيهان(

Page 94: 4206

جنيهين، ال تأخذ منه على ولكن من أين يمكنك الحصول . حق المواصالتىسو

األبيض الصغير مرتين قبل ىيوميا تلتف حول المبنوبعد المدرسة تتخيل كل هذه المساحة مكدسة بالكتب، تنسحب راجعا بسرعة عندما تطفو صورة أبيك مقبحة

.األشياء لحظات ىمل سوال يخفف من شرودك ألسبوع كا

المتعة المتوترة في األتوبيس، أو في البيت، ال تأكل،احتياجك، ال تنام، فقط تفكر في عجزك، رغبتك،،ال تشرب

ين المكتوب عليهما رقم واحد عدة مرات اووالورقتين الصفر .بالعربية واإلنجليزية

.في لحظة واحدة يحدث كل شيء ، المقشة فيتنظف غرفة أبيك وهو بالخارج يطعم أختك

جوار سريره الواسع إلى يدك، وفوق الكومدينو الصغيرعدد من الخمسات، والجنيهات، والكثير من الفكة ) في تناثر(

عصا على المعدنية، تتسمر أمامها طويال، ويدك تتقلص بشدة

Page 95: 4206

المقشة، تنتبه، تهز رأسك بقوة، فترجع معاودا التنظيف، ماذا أكثر مما يفعله؟ تكنس، أنتسيفعل لو أخذت ؟ تكنس، ماذا

ال تأخذ مصروفا مثل كل زمالئك، تكنس، لن يعرف، تكنس، جبهتك، البد سيعرف، على تتوقف، تمسح عرقك البارد من

تحاول الكنس، هل سيقطع يدك؟ لن يستطيع، سيدخل السجن، تقترب من النقود دون أن تنظر إليها، تقنع نفسك بتناسيها،

، البد أن هناك ترابا في الركن، هناك تراب في الركن، نعمكل األركان يوجد فيها تراب، أمامها مباشرة، بصورة مفتعلة العفوية تسقط عينيك عليها، تصطنع الدهشة لمرآها، تطيل

رتفع يعصا المقشة، ال تكنس، على النظر، تقبض بقوةصوت ضحكات أبيك وأختك كخلفية موسيقية موترة للموقف،

لماذا (ك التي تركت عصا المقشة يد على ترتجف، تفيق، تهرب من مكانك بسرعة، تسقط )تترك يد عصا المقشة؟

.المقشة، ال تكترث لصوت السقوط، تخرج مندفعا تنبتر ضحكته أول ما يلمحك، يغيم وجهه بدكنة سوداء

.قاتمة

Page 96: 4206

.»خلصت؟«طيب يا ابن الوسخة لماذا خرجت ؟ امش في داهية «

.»كمل التنظيف، بظهر كمك تمسح ىالداخل مرة أخر إلىتتراجع

عينك، فيما أخذ صوت الضحكات على البصقة الكبيرة من جنيهين من كومة ى كالحزن، بثقة تتقدم وتسحب أعلىيتعال

.النقود، تلقيهما في جيبك محاوال منع نفسك من البكاء● ● ●

.»بركة اهللاعلى «

الرائحة المنتشرة تتداخل مع صوت الشيخ عبد الباسط .عبد الصمد المنبعث من الداخل

اليافطة الكبيرة المكتوبة باألحمر، على ينزل عينيه من .يتعجب من االسم الغريب، ويدخل

زحام كثيف يمد أياديه وأفواهه بعمالت وطلبات متباينة، :بعد كثير. يظل واقفا خارج الدائرة المتدافعة

Page 97: 4206

.»أربعة كبدة وأربعة سجق« األخضر المزيت، يرتص في يتناول الطبق البالستيكي

الصف الطويل أمام المرايا، تلتقي عيناه بعينيه وراء الزجاج الالمع، يهرب منهما، يركز بصره في األخضر المستدير

أمامه، إال أن العينين المحبوستين داخل المرآة ظلتا تخترقانه .كلما الحت منه لمحة سريعة، فيضطرب

● ● ●

االسم، رقم : أربعة سطور أزرق، بنفس صورة البطاقة، واحد سطر على العضوية، تاريخ انتهاء العضوية، ثم

أمين المكتبة، مدير المكتبة، أسفلهما : بحروف الطباعة . توقيعان غير مفهومين باألسود

: قبل أن تنصرف من أمامها لتنفرد بالكارنيه الجديد . »الثانية حتى المواعيد من التاسعة«

Page 98: 4206

شعر أصفر، بيضاء، الصليب الذهبي المعلق في رقبتها يظل يتأرجح مع اهتزازات رأسها، ليعود فيستقر تماما في

. عمق البرزخ الجميل المعتم قليال . »مسموح باستعارة كتابين لمدة خمسة عشر يوما«

تفرح، ستقرأ وتتفرج، ما تزال تهز رأسها محاولة . خلف ظهرهاشعرها الثائر وإلقاءه على السيطرة

. »أهال بك.. فاتحين يوم الجمعة.. وإجازتنا االثنين«، وتخرج من المدرسة )أبوك(أنت ال تستطيع االستعارة المكتبة في الواحدة إلى في الواحدة، ثم تركب فتصل

، صرت تتغيب عن المدرسة كل خميس؛ )لن تلحق( والنصف . ألعاب، وحصة رسم حصةألنه ست حصص، منها

التففت حولها كثيرا من الخارج، أيضا (لجدران كل هذه ا ىأقسام، لم يعنك منها سو إلى مغطاة بالكتب، ومقسمة) بلت

. األدب العربي، األدب العالمي المترجم: قسمين مناضد كثيرة، مستطيلة ودائرية، مغطاة بجلد أخضر، حول كل واحدة ستة مقاعد، تختار المنضدة في الركن األبعد،

Page 99: 4206

، )القيام أكثر من مرة إلى ال تضطرحتى (ب تحمل عدة كت . وتجلس

لم تتعود القراءة إال مستلقيا، تضايقك تلك الجلسة محشورا بين الكرسي والمنضدة، بعد صفحات تتجاوز هذا

كما يقتضي (داخل األوراق، تتحول إلى الضيق، تنسحبهذه المرة .. حزن، ابتسام، رجفة، بكاء إلى )سير السطور

المكان على منفلتة بصوت مسموع، تفيقتضحك، ضحكة الخدش الواسع الذي أحدثه صوت ىالساكن حولك، تر

الرطب، النظيف، المنظم، عالي حماقتك في هذا الصمت آثار هذا الخدش، ىالسقف، تؤخذ، ترفع عينيك ببطء لتر

تصطدم بعيني نظارة زجاجتين، شعر طويل، بنت، لم تكن المنضدة المقابلة تماما، على موجودة عندما جلست، بنت،

ىأذنيك، تدفن وجهك مرة أخر إلى تضطرب، يصعد الدموبسرعة في الكتاب متظاهرا بالقراءة، بالفعل تقرأ، تمرر الكالم في ذهنك، تحرك شفتيك وال تعي شيئا، تتمالك نفسك، ببطء حذر ترفع الكتاب، توقفه ممسكا به بكلتا يديك، ببطء

Page 100: 4206

سمراء، بنظارة سميكة جدا تظهر سمينة، : أشد ترفع عينيك العين في أعماقها صغيرة كخرزة سوداء ملطخة بأبيض، شعر أكرت ملموم خلف رأسها، الكرسي الذي تجلس مكانه منزوع من موضعه، أما هي فال يظهر من كرسيها

. سوي عجلتين كبيرتينتنسي نفسك، تظل وقتا طويال تتأملها كصورة دون أن

أن الخرزتين الصغيرتين كانتا إلى )يةإال في النها(تنتبه مثبتتين عليك منذ البداية، تضطرب، ويسقط الكتاب من يدك

. محدثا دويا صاخبا يشق الصمت كسكين حاد● ● ●

على يخرج من المطعم، يتجشأ، يسير أسفل الكوبريأكثر عتمة الجو هنا. كل عمودىالرصيف الرفيع، ينزل لد إلى الرصيف مستندا على لقي بجسدهودفئا، يجتاحه التعب، ي

. مالبسه العمود الكبير في شبه جلوس غير مهتم باتساخ

Page 101: 4206

تمرق السيارات من أمامه ومن خلفه جالبة بردا شديدا، ينهض مواصال سيره، محاوال شغل نفسه بقراءة كلمة

.لوحات األتوبيسات المسرعة على )التحرير(● ● ●

،) رسالة غرامية١٠٠( ، )حبيبي إلى رسائليىأحل(

). كلمات العاشقين( كل واحد الكتب الثالثة، وعندما ىالبد أن يكون لد

يكتشف أن البنت تنقل من أحدها ينقل هو من الكتابين . اآلخرين

ال يحاولون مطلقا إخفاء أمر عالقاتهم بالبنات، بل يتم حتى يفاخرون به، يعرض الواحد منهم كل ما لديه

. تصنيفه من يحمل أكبر عدد من توقيعات البنات فوق: األول ظهرها على يأتي من يحمل صورة حتى يظل هكذا. الرسائل

). حبيبي(بخط بناتي

Page 102: 4206

ال أكثر واحد ظل محتفظا بتصنيفه لمدة طويلة برغم أنه يعرف إال بنتا واحدة، فجر القنبلة ذات فسحة حينما جمعهم

م صورتها ، وأخرج له) من الركنىاستطعت أن تر(حوله ظهرها شفتين رائعتين باألحمر القاني المثير للخيال، ىوعل

ثم قلب الصورة، فبدت الشفتان مطابقتان تماما لتلك الطزاجة . الفاتنة

وحدك لم تكن معك رسالة، وال تملك صورة، وال وهما، . ولم تكلم بنتا في حياتك

وحدك كنت تحترق وأنت تراهم متناثرين بطول الطريق المدرسة، يمسكون بأيدي بنات يرتدين أزياء ىلمن وإبنات حقيقات كالالتي .. زرقاء، بنية، خضراء مدارس

نراهن، شعور طويلة، سيقان عارية النصف ومغطاة النصف بجورب أبيض، قمصان ناهضة من عند الصدر، أشرطة

.شعر ملونة، وأحذية بناتية . خدعة، أو وهم أيليس في األمر

Page 103: 4206

أمل شعرك الخشن األبيض كله، رثاثتك، أمام المرآة تتتكره . بشرتك الحمراء المسلوقة عدوة الشمس، دمامتك

. نفسك بها على نفسك، عجزك، والكتب التي تضحكفجأة ؟ هكذا ؟ كيف ؟ هل تهبط النجدات من السماء بهذه

الطرق ؟ بكرسي بعجل ؟ بنظارة سميكة؟ مكانها كل أحزانك في لحظة، تحل هي ىكالسعادة تتالش

. كشيء موجود، وحقيقي باقي تلك النظرة المركزة تصير تفكيرك الوحيد طوال . خميس، وجمعة، وسبت، وأحد، واثنين، وثالثاء، وأربعاء

ال تذاكر، ال تمس واحدة في األتوبيس، ال تكره أباك،وال أختك، وال أعمال البيت، لست موجودا هنا أساسا، وإنما

. ، الجنةفي الخميس القادم، الحلم تندهش من الخميس الذي يأتي عاديا كأحد، كثالثاء، بال أي شيء يميزه، نفس الصباح، السماء، الشمس، الناس،

عن كل هذا، وتصطنع خميسك ىتتعام. األتوبيس، الزحام

Page 104: 4206

، وناسه ىبسماء ناصعة، شمسه ذهب، صباحه موسيق . طيبون، مالئكة

كما تأتي أول دخولك لم ترها، بمجرد أن جلست أتت، األماني في الحلم السعيد أتت، مدفوعة، تتذكر فجأة هذا

الكرسي، تجدها أسمن، وشعرها أخشن، بشرتها أشد غمقة، نظارتها سميكة للغاية، للحظة صدمت، وفوجئت بها واقعية

. تماما ألحالم أسبوع كامل حد يثملك، عشر صفحات إلى لكن وجودها وحده كاف

ـ١٠الصفحتين على كتاب مفتوحا الىتقلبها دون وعي، يبق١١ .

الثانية لم يقرأ أحدكما إلى خميس رائع، من التاسعةكتابه يخبئ نفسه فيه، يرفع عينيه بعد إلى كلمة، يهرب كل

هنيهة ليتيقن من أن اآلخر حقيقي وموجود، وأال توهم في األمر، يرفع عينيه لتلقيا عيني اآلخر هناك، تنظران،

. وتحلمان

Page 105: 4206

ال تؤلمها حتى أن تنصرف أنت أوال ؛لى عتحرص بصليبه ىرؤيتك لها عندما يأتي جسد أمينة المكتبة يتثن

. الصغير ليدفعها في قسوة وتشف ال ريبكنت قد تمنيت لو تصلب فوق هذا الصليب، فتظل

علىمتأرجحا تتخبط بين الجبلين الطريين، لكنك تعاهد نفسك التي تدفع حلمك فيتلك الجارية إلى ىأال تنظر مرة أخر

يتحقق، تقنع نفسك أن لها حرمة الخالص الذي حتى جمال .تمدك به

● ● ●

إلى ه لمسافة طويلة، يرفع عينيهءيظل الكوبري سما يطمئنه األسود المترب القريب، يهرب بعينيه من ىأعل

باألبيض السابح، يؤلمه الضياء، ىاألزرق العالي الموش . لمحيطيغرز عينيه في األسود ا

● ● ●

Page 106: 4206

أربعاء األسبوع العاشر يقابلك ساعي البريد أمام مدخل

البيت، توقع، تملي عليه رقم بطاقتك، فيكتبه أسفل . التوقيع

على علي جانب المرسل من الظرف اسم المدرسة، . الجانب اآلخر اسمك وفوقه بخط أكبر ولي أمر الطالب

سعدية، شقتكم مباشرة، دون أن تمر بالست إلى تصعدنحيط سيادتكم .. إنذار بالفصل: (تتردد قليال ثم تفتح الرسالة

قد زادت مدة غيابه عن ) اسمك(…… …علما بأن الطالب ، فسوف ىالمسموح به، وفي حالة غيابه لمدة ثالثة أيام أخر

).……يتم فصله نهائيا دون إنذار ال توجد أية مشكلة بالنسبة للقراءة، فأنت أساسا طوال

إنما فيها هي، حلمك الذي ظل . ة الفائتة لم تقرأ شيئاالمدماثال أمامك ألسابيع كاملة، حلمك الذي يبتسم، ويقول صباح الخير، ويتبادل معك اختالس النظر، حلمك الذي صرفك عن مراقبة الرسائل الغرامية والصور بهذا الحرمان، وجعلك

Page 107: 4206

يدا عن تسرق منهم الكتب الثالثة تنقل منها، وتصنف نفسك بع . المشكلة أن حلمك هذا حلم. قوائمهم . »يا ولد يا يحيي.. يا يحيي«

صوت الست سعدية، حادا، رفيعا، نافذا يأتيك على تنتبهمن أسفل، لم تأخذ أختك من عندها في غمرة انشغالك بجواب

. الفصلتنفرد بأختك، تحاول تقييدها في سرير الغرفة المظلمة،

رجليك في رأسها، بطنها، ظهرها، تضرب فيها بكلتا يديك وتشعر . وال تتركها إال عندما ينحبس بكاؤها، وتكاد تموت

. براحة وخواء كبيرين إلى المكتبة كل خميس بالذات؟ أال تذهب إلى لماذا تذهب

المدرسة؟ هل تذهب الخميس فقط ؟ نعم من أدراك أنها تذهب . الخميس فقط؟ ربما يوميا

. حلمك، تدفنه مع باقي األحزانفي النهاية تستسلم لموت ثالث خميس بعد يوم اإلنذار هذا تكون قد شحبت وهزلت

. بصورة ملحوظة

Page 108: 4206

الذهاب على يداهمك االكتئاب والوحدة والعزلة، تعزم . لو مت بعد ذلك حتى المكتبةإلى

إلى في الطريق تتراجع، تقنع نفسك بأن تذهب . تهاء اليومالمدرسة، وتستطيع المرور بالمكتبة بعد ان

إلى الثانية إال الربع، ال تستطيع منع عينيك من االنزالق، يضايقك الصليب المتدلي )واضح، ومغر(الفرق بين النهدين . الذي يشوش الرؤية

كل مناضد المكتبة خالية، منضدتها في مكانها، كل الداخل، في حزن إلى مقاعدها مرصوصة حولها، مدفوعة

. ليها أبداواضح، كأنما لم تجلس عتخرج، تفاجأ بأن كتابين بيدك، ال تعرف كيف استعرتهما، وال ماذا ستفعل بهما، تبرز عينا أبيك فوق

. ومهددة غالفيهما بشعةالكتابان في قاع الحقيبة ثقيالن بشكل مرهق، ترفع

. ظهرك على الحقيبة تعلقها

Page 109: 4206

تعودت أن تخفي كارنيه المكتبة في الحذاء، ترفع مكانه، بمجرد أن إلى الكارنيه، ثم تعيد الفرشالفرش، تضع

تخلع الحذاء في البيت تخفيه تحت السرير، وتظل قلقا من أن ولكنه قلق . تحبو أختك وتخرج الحذاء لتلعب به فيعرف أبوك

وأين؟ حد ما، أما كتابان كبيران فكيف تخبئهما؟ إلى محتمل أمام باب الشقة تركنهما، تدخل، تبحث عن مكان

، كل األماكن مفضوحة، يخيل إليك أن المكان الذي خفي . ستختاره هو أول مكان سيمد يده إليه

أكثر من نصف النهار يمضي وأنت تبحث، تغيم وشك المغادرة، على السماء، تبين الشمس قرصا خافتا

. تخبئهما مؤقتا بين مرتبتي السرير، وتنام فوقهمال مالبسه، أول ما يدخل أبوك ويغلق باب غرفته ليبد

باب الشقة، تفتحه، تلقي إلى تخرجهما بسرعة، تجري . بالكتابين في صفيحة الزبالة، ثم تضع عليها الغطاء

● ● ●

Page 110: 4206

. اليسار على أفيشات مسرح الفنالجانبين على اليمين، أمامه في صفوف على )األهرام(

السيارات والدراجات البخارية ذات الصندوق، وعليهابالخط الكبير ) األهرام(بخط صغير جدا، ) لكم: (الملصقات

. الحمراء األسود المميز، تبين في الخلفية األهرامات الثالثة يعبر ناحية األفيشات، يظل واقفا أمامها لفترة يتأمل

. ال تخفيه مالبس الممثالت القليلة ما● ● ●

المكتبة يوميا، تبحث إلى عام كامل بهذه الطريقة، تذهب، ال تجدها، تبدل )هل كان هذا حقيقيا؟(منضدتها ى علعنها

الكتابين وتخرج، تقرأهما بعد رجوعك من المدرسة، قبل أن يأتي المغرب وأبوك تخفيهما في صفيحة الزبالة، لتأخذهما

بهذه الطريقة. وأنت نازل صباحا قبل أن يأتي الزبال، وهكذا دأت فيأنهيت كتب األدب القليلة الموجودة في المكتبة وب

. إعادتها

Page 111: 4206

سجين البيت ) كالعادة(ينتهي الثاني الثانوي، تنجح، تظل يأتي ذلك اليوم، بنفسها حتى دون أي شيء يكسر الرتابة،

تصعد الست سعدية لتوديعكم، كل الجيران ودعوها في أثاثها ىشقتها، سمعت صوت بكائهم في محبسك، وأنت تر

عربة النقل بقسوة الحبيب ينزل قطعة قطعة ؛ ليرصه سائق ال . العربة وجفاء فوق ظهر

منذ . بنفسها تصعد، هي التي ال تغادر شقتها مهما حدث . أختكىماتت أمك تعطف عليك وعل

بي ىهم أول.. هناك في الشرقية أهلي وإخوتي«شربة الماء لم حتى ..خالص أنا كبرت.. يحملوني في شيبتي

. »أعد أستطيع إحضارها لنفسيكتفها، تلف بها رأسها على السوداء منترفع طرحتها

. المربوطة بإيشاربها الملون الذي تحبهتكبر حتى كنت أنتظر.. أنا قمت بما علي.. الحمد هللا«

والحمد هللا صارت عروسا وستدخل .. زينب وتشد حيلها . »حصوة في عين العدو.. المدرسة

Page 112: 4206

حتى منذ والدتها وهي تأخذها فتبقيها لديها طوال النهاررجع أنت من المدرسة وتأخذها منها، فتمسك فيك كل مرة ت

اشرب حتى تعال.. طيب«بنفس القوة أن تجلس وتأكل عارفة أنك .. من الصبح محتفظة لك به.. باللبن الشاي، تشربه وأنت واقف، فتقوم بصعوبة، تتمايل في »تحبه

باب الشقة الذي تمأل فراغه بجسدها حتى مشيتها، تودعكماإطار الباب على ديها لتسندهما بجوار كتفيهاوهي ترفع ي

على خل بالك«تختفيان حتى المفتوح، تمد رأسها تراقبكما . »اسم النبي حارسك وصاينك.. اسم اهللا عليك.. أختك

عن إذنك «فتخجل من أن تغلق الباب دون أن تقول . »يا ست سعدية

.. أنتم والغاليين فراقكم ي عل ال يهونىواهللا يا أبو يحي« في هذه الشقة وحدي أن أموتىأخش.. لكن ماذا أفعل

. »رائحتي تطلع حتى ..وال يدري بي أحد

Page 113: 4206

يديك تقبلهما، تبللهما بسخونة عينيها، على تنحني فجأةوتفعل المثل مع أختك التي تبكي، تتأثر أنت أيضا وتبكي

: خائفا من عيني أبيك الذي زعق فيكوصلها .. لست سعديةانزل يا مسلوخ أنت مع خالتك ا« . »يسكت نهيق هذا السائق حتى بسرعة

عها، تخرج معها، تنزالن السلم درجة درجة، راتمسك بذ ال تثقل حتى سور السلم على وهي تحاول أن تلقي ثقلها كله

. عليك، تشعر أنها طيبة جدا وضعيفةاسمع يا ضناي هذه أول مرة أكلمك في هذا «

باك المنور عندي كل ما لكني كنت أسمع من ش.. الموضوعورحمة عمك الحاج فوزي كان قلبي .. كان أبوك يفعله بك

وأنت .. يتقطع وأنا أسمع بكاءك وصراخك طول الليل . »كان السقف عندي يرج.. تضرب روحك في األرض

صارت تنزل ببطء أشد، تاركة حملها عليك، ملصقة . فمها بأذنك، سعدت العتمادها عليك بهذه الطريقة

Page 114: 4206

أنك اقتربت من أن تكبر على مد ربك يا حبيبياح« لكن ورحمة أمك الطاهرة .. وتأخذ الشهادة الكبيرة

.. لما يلف الزمن ويصير هو تحت رحمتك.. يا ضنايأنت يا حبة عيني ال تعلم أن .. لهذال تقس عليه يا ولدي وال ت

الشيب والعجز ذل ما بعده ذل ربنا ال يريك أنت . »وال الغالييندمك نور الشارع، سيارة العفش حمراء جديدة، خلفها يص

يقف تاكسي بيجو، تخرج الست سعدية كيس نقودها، تحاسب . الحمالين، وتفتح باب التاكسي

قبل أن تركب تسلم عليك، تضمك بقوة وهي ترتجف من األبد، وأنت داخل إلى البكاء، تود لو تستمر هذه اللحظة

الغبار على تفيق إالال…… حضنها الكبير الذي يخدرك، الكثيف الذي أثارته عجالت التاكسي الذي انطلق مسرعا

.يلحق بعربة العفش التي صارت بعيدة جداحتى ● ● ●

Page 115: 4206

رحابة شارع إلى يخرج من شارع مسرح الفن الضيق . العربية المحترقىرمسيس، يسير لصق سور معهد الموسيق

). صيدلية اإلسعاف( . يدليةيلتف موليا ظهره للص

إلشارة يطول وقوفه أمام الخطوط البيضاء العريضة .يعبر حتى منتظرا انقطاع تدفق سيل السيارات ؛،لمرورا

● ● ●

األفراح تأتي من بعيد، شيئا ىأبواق منغومة بموسيقفشيئا تقترب، ما تلبث السيارة المزينة بالزهور واألشرطة

. الملونة أن تتوقف أمام البيت أسابيع قليلة، طوال ىانتهاء اإلجازة سولى علم يتبق

الطبخ،ىالفترة الماضية أنت امرأة بالفعل، ال تفعل شيئا سو إلى والكنس، والمسح، والغسيل، والترتيب، وال تنزل إال

. السوق

Page 116: 4206

كان مهما أن تأتي السيارة المزينة بصخبها وألوانها في اآلتية من أنك أول ما سمعت األبواق حتى هذا الوقت بالذات،

. بعيد تركت ما بيدك، وجريت نحو الشرفة بمجرد أن غادرت الست سعدية الشقة، احتلتها دالء

الطالء، لفات أسالك الكهرباء الجديدة، خشب النجارة . األبيض النظيف، وصخب أغاني الصنايعية العالية

استمر األمر هكذا طيلة أشهر، مع تغيير جديد كل يوم، الرمادي القاتم بدال من الوردي إلى لون الحائط يتغير

القديم، بالط األرضية منزوع ومركون بالخارج، ومكانه سيراميك أسود مزركش برسومات هندسية حادة، الباب القديم

األرض على ذو المصراعين والشراعتين والمطرقة ممدد يستقر في فراغه باب كبير مصمت مطلي بالبني المحروق،

ل جدا بحيث ال تعبث بالجرس جواره زر مضيء عاإلى . والنزلة أيادي العيال في الطلعة

Page 117: 4206

تقترب السيارة المزينة منطلقة بسرعة كبيرة، عندما أثره كل من لم تخرجه على تتوقف تطلق صوتا عاليا يخرج

. األبواق الزاعقة الست ىكل مرة في صعودك ونزولك تتوقع أن ترح عليها، سعدية وراء باب شقتها الموارب دائما فتصب

رؤية صورة عمك الحاج فوزي التي تحبها على حريصافوق التليفزيون، تصدمك مالبس العمال الملطخة بألوان

. الطالء، فتمضي منكس الرأس محتكا بدرابزين السلمباب السيارة السوداء يفتح، تنزل صلعة واسعة المعة ببدلة ورباط عنق ملون متأبطة ذراع فستان أبيض مسدل

ال تستطيع تبين أي شيء من مكانك بالشرفة، تفرح حة،الطرالطبيب، إلى لخروج أبيك وأختك في هذا الوقت بالذات

وجوه الجيران ى سوىالشقة، تفتحه، ال تر تجري نحو بابالذين خرجوا بنفس سرعتك، والباب البني المحروق يوصد

. في هدوء بارد

Page 118: 4206

لك ثالثة أسابيع وأنت مؤرق، تتخيل ما يدور بأسفمباشرة، تتعمد التلكؤ في الصعود والهبوط أمام الباب الجديد

. يمكن أن تحدثة انفراجىمصغيا، ومستعدا للنظر من أدنزع الطرحة البيضاء عن الفستان األبيض، نكل لحظة ت

الفستان األبيض عما تحت الفستان األبيض، تجلسها أمامك علىهكذا بدون طرحة وال فستان وال أي شيء، تفيق

. أوهامك التي تزيدها أسطورية، وتزيدك احتراقا أول يوم في الثالث الثانوي، تخرج من باب الشقة

. فرحا، مكتئبا، نشوان، عابسا تنزل السلم بسرعة من داخلك، ببطء شديد متراخ في

اإلطالق، فجأة ينتبه على الواقع، بصخب، ودون أي صوتد خمس درجات بع على (الجسد المنحني على كل شيء فيك

، أسفل المصباح الجديد المضاء الذي رد إليك )سلم نازلوعليك كركلة، تفاجأ بالباب الجديد، بها، بخياالت أسابيع ثالثة، باألحمر، الخفيف، الالمع، الضيق يفضح الذراعين،

Page 119: 4206

، وال يستر باقي )أبيض، طري، ناعم(وما تحت الركبتين . الجسد

، الطابور، السيارة المزينة، الحقيبة في يدك، الباب الجديدالسلم، أبوك، األسابيع الثالثة، الصلعة، أرضيتك، سقفها، الطرحة، الفستان األبيض، السنتيمترات العشرين للسقف التي

. تفصلك عما يحدث ! مؤخرة لوجه ؟؟

المقشة الليف القصيرة في يمناها، الجاروف في يدها الستيكي ، نصف علبة الزبالة الظاهر أخضر بىاليسر . نظيف

! لوجهك ؟شعرها المربوط من مقدمته يدلي سيقانه أمام كتفيها في

اليسار، ذراعها إلى اليمين، أنملة إلى لهو، وهي تتحرك أنملةتعتدل، األمام، تثني ركبتها، إلى الخلف، إلى يترجرج،

دائرة ودائرة، ينفلت من .. ينحشر األحمر الالمع، يتدور . تراك.. بينهما األحمر، تلتف

Page 120: 4206

بعد أن يصفع الباب بسرعة وحدة، تتذكر أنها ذعرت، . لطمت فمها، جرت

درجات على حقيبتك التي سقطت متدحرجة على تنحنيالسلم، تتناولها من أمام العلبة الخضراء الجديدة، وتنزل دون

. أن تنفض ما علق بها من التراب الذي تركته مكوما . »صعيدية ومستكبرة« . »واحدة منا على السالمحتى لم تلق« . »تعمل نفسها عروسا« . »عيوشة تقول إن اسمها ناهد« . »وكيف عرفت عيوشة؟« . »تقول إن الست سعدية أخبرتها قبل أن تذهب« . »اهللا يرحم أيامك يا ست سعدية« . »لم يعد أحد طيبا في هذه الدنيا بعدها«

!تين ؟بدائرتين مستحيل! ناهد ؟! ناصعة ؟! صعيدية ؟ تقتل فكرتك عن الصعيد بأحمرها الالمع، الصعيد؟

. اإلنساني األسمر الغامق، الجاف، المتشقق، الغليظ، الطيب،

Page 121: 4206

تبعد أذنك عن شراعة الباب المفتوحة التي يأتيها الكالم همهمات بعيدة إلى ، تغلق الشراعة فيتحول الكالمىمن أعل

. غير مفهومة مالبس عادية، تجتهد السلم في على تتكرر رؤيتك لها

.ىالصورة األول إلى تصل حتى في تمزيقها سريعااإلطالق، يصعد وينزل على ال ينفع زوجها هذا كرجل

طرف حذائه، إلى متمسحا بظالل الحوائط، دائم النظرال يلقي التحية أبدا، وإذا تلقاها يرد بغمغمة مبهمة، ثم ينسل

. سريعا متخفيا في سرعة وتعثر ىا أكثر أمنا وأنت تتلصص عليها من أعليجعلك هذ

وهي تنظف السلم، تفاصيل حرة مبعثرة، كأنما خلقت كل قطعة منها منفردة مستقلة، ثم تم تجميعها في براعة ال نظير

. لها إلى ، تأخذه)فقط نهدها(تفكر كثيرا لو أنك تمتلك نهدها

يغمق الليل، حتى حجرتك، تخبئه في قاع الدوالب، تنتظر

Page 122: 4206

م الجميع، فتتسلل إليه، تمد يدك، تخرجه من سره، ثم وينا . تحقق أحالمك معه

● ● ●

جواره سلم إلى يوليو،٢٦أول هذا الجانب من الشهر العقاري، ودار ىالناحية الثانية مبن على المترو،

. القضاء العالي من الجنبالمكان، يظل على الوقت مبكر ال يزال، الرجل خفيفة

. كوب الشاي بالحليبىف سوسائر دون هد كبير غاطس في ىال يراه إال عندما يحاذيه، مقه . األرض، يهبط بمقدار درجة، ويجلس

● ● ●

: أحزاب إلى في هذا العام الطويل انقسموا ظهورا، الثانوية العامة ىاألقو: المذاكرين

. لديهم معركة حربية

Page 123: 4206

في الحصص الخالية، في الفسحة، قبل ىطابور، في الطريق من وإلوفي وبعد الوهم نائمون ال يتركون حتى المدرسة، .الكتاب

كل سؤال، ىيرفعون أصابعهم لدالدرجات النهائية في كل االختبارات، يطلبون من المدرسين زيادة الكم، عدم اإلعادة، االختبارات، والمسابقات، ليسوا

. ثالثة ىسوباألتوبيسات، أنت أيضا كنت مهووسا بمتابعة مدام ناهد، فتاة، على بممارسة البيت، بمحاوالتك الفاشلة في العثور

. أحيانا أيضا كنت تذاكر: األقدم وجودا، تاريخهم حافل: المكتشفين

السجائر، العادة السرية، القفز من فوق السور، الفتيات، المقاهي، الصور،

األفالم، تعقيد المدرسين من عيشتهم،

Page 124: 4206

صوصية دون رشوتهم بنقود الدروس الخ . حضورها

بقي هذا الحزب محافظا)) خمسة عشر((عدد أعضائه، يخرج بعض، يدخل على

جدد، تتغير الزعامة، ولكن يظل العدد، الناظر حتى على القوة، النفوذ و السطوة

. نفسهلم يرهم أحد هذا العام، أماكنهم خاوية، أحيانا يظهرون قبل أو بعد المدرسة،

ن قديم قريب من تصاحبوا مع خفير مخز المدرسة، يبقيهم لديه في مقابل الحصول

. كيفه من البانجو الذي ال يفيقون منهعلى حفرة عميقة خلفتها القراءة وراءها لديك، ال مكتبة في المدرسة، وال تستطيع شراء كتب، تقنع نفسك في النهاية بأن

كل إلى هذا أفضل ؛ ألن الثانوية العامة ليست سهلة، وتحتاج ). هكذا يرددون(دقيقة

Page 125: 4206

. هؤالء إلى هؤالء، وال إلى ال: المذبذبينحاولوا الدخول في جوقة المذاكرين،

حاولوا . فنجحوا تماما في إثبات فشل ذريعزمرة المكيفين، ظلوا طويال إلى االنضمام

أمام السور يمنعهم جبنهم، قلة نقودهم، ارتدوا . وتفاهتهم في عيون الزعماء

ن وجودهم المستقل، فشلوا محاولين تكوي . كالعادة، فظلوا في تقافزهم الزنبركي

هذه راقية ) مدام(، )مدام ناهد(يضايقك أن يطلقوا عليها . نوعا

صعيديتها الصرفة، صوتها الرجالي . فجرت هذه األيام لم يمنعاها من الهزار الثقيل مع كل من يطرق بابها،

عالية الصعيدية التي ضحكتها ال. زبال، لبان، مكوجي، تائه . تنخر في جدران البيت ال تفرق

Page 126: 4206

دون تنصيب أنت زعيم هذا : المتفرجينقبل اختراعه، فظللت في مكانك حتى الحزب،

. بالتزكية ودون مهام القد، ال مغيبات، إنما سجائر على مذاكرة

أو عادة سرية أو معا، فتور دائم، انكماش، . صمت

إال أنكم ) شرون ع(برغم أن عددكم األكثر . لو متم جميعا فلن يلحظ أحد ذلك

تجلس طويال تنتظر الزبال الذي غاب بالداخل، الباب موارب، الضحكات ال تسكت، يحرقك خروجه في النهاية

لكنك تهدأ تماما عندما تدخل . عرقانا يحمل كيسا كبيرا وينزل الشرفة فتجد زوجها واقفا تحتك مباشرة وقفة رجل أصلع،

، أسمر، تخفي أكمام بيجامته أطرافه تماما، ما عدا قصير . يمناه التي وضعها في فمه يقضم أظفارها

إلى نافذة، إلى تسمع الزغاريد تنطلق، تتقافز من نافذة، مدخل بيت، تتجمع عند باب محل عمك حمدي إلى شرفة،

Page 127: 4206

وصناديق المياه الغازية تخرج من عنده دون،)بقالة األمانة(

. حصر واضح أن كل الناس . ة الثانوية العامة طلعتنتيج

نجحت، ليس غيرك العرقان المضطرب الخائف المصطكة . أسنانه

في ورقة ملصق % ٦٨تخرج من المدرسة تحمل الـ . بها صورتك المطموسة بحبر النسر األزرق

، ١٠٠تتعثر، ظالم، أبوك، العام الطويل، نور، ظالم،، ٦٨ر، ظالم، ظالم، نور، ، أصلع، مدام، قصي %٦٨ناهد، ، %الطويل، أبوك، أبوك، ، تتعثر، العام، أختك،٦٨، ٦٨

امرأة، يقطعون رجولتك إلى ، يحولونك%، %ظالم، الزبال، ظالم دامس، يلبسونك قميص نوم أحمر، إلى يزفونك

يعرونك، أبوك، أبوك، أبوك، سواد قاتم ال يقطعه ل مت؟ تقترب إال الصوات العالي المنطلق من بيتكم، ه

األرض بسرعة، هل مت ؟ ترتطم، مت؟ ● ● ●

Page 128: 4206

القهوجي العجوز العابس من شغل ليلة كاملة يضع كوب

. الشاي بالحليب أمامه في حدةسطح الكوب على يشغل نفسه بانتزاع كريات الدهن من

. مالصينية األلومنيو على بالملعقة، يطرقهاة عندهم، يردد البد أن يدفع كل ما عليه لقهوجي المنطق

. ىال ينس حتى ذلك لنفسه عدة مرات . »الحساب يا أستاذ ألننا سنبدل«

يدفع الحساب للعجوز الذي بدل مالبسه فبدا أصغر . وآنق

الحائط، على الساعة الكبيرة إلى يفرك عينيه، يتطلع . التاسعة إال الربع حتى يقوم غير مصدق أنه نام

● ● ●

Page 129: 4206

خدك، جبهتك مارة بعينك،ى علة كبيرة تنزل منقبصمازلت ممسكا ( الورقة على شفتيك، ذقنك، تستقر في النهاية

. تماما فوق كلمة مجموع الدرجات) بهارفع حتى على الكنبة، غير قادر على ادتجد نفسك ممد

يدك لتمسح وجهك، تنتظر ما سيفعله أبوك بك وقد تسللت ن تفكر البصقة من بين شفتيك، تتقزز بصمت خائف، دون أ

. في أن تفتح فمك، أو تلفظهايتحرك ويدخل حجرته، يصفق الباب خلفه في عنف يهز األشياء، ال تستريح النسحابه هكذا، تظل قلقا مشدودا في

من حولك، تدرك أنك فقدت الوعي ىمكانك، والصوات يتعال على أمام البيت، وأنهم حملوك، تحاول االعتدال تسقط من

تستعذب ألم السقطة وبرودة البالط، فال األرض، إلى الكنبة . تحاول القيام

يوقظك بضربة قوية من بوز حذائه في مؤخرة رأسك، أن الليل قد دخل، يزيحك بقدمه من طريق الباب الذي ىتر

. يفتحه، وينزل

Page 130: 4206

ثالثون ق الصغير بأسفل،ادفرعا نور يزينان السر : أجش ، يخرج صوت المقرئ واهناكرسيا نصفها خال

). األعراف رجالىوعل(كل جيرانكم الرجال بأسفل، ما عدا األصلع زوج مدام

أباك جالسا فيىتر) أال يشارك في أي شيء؟(ناهد الصدر، يصافحه كل داخل، بينما يخرج المقرئ من سورة

: سورة إلى ).صدق اهللا العظيم(

، يصغر، تتضبب ىفي هذه اللحظة بالذات يبتعد المعز وجه عمتك القديم عابسا، بحركات جسدها الرؤية، يطفو

فبأي آالء ربكما ( تماما ليس إال ىوذراعيها، يختفي المعزفبأي آالء ربكما . (»ىكان يشك في الولية أم يحي«). تكذبانيوم والدته ترك الولد طالب الجامعة الذي كان «). تكذبان). تكذبان فبأي آالء ربكما. (»السطح السكن على يسكن

). فبأي آالء ربكما تكذبان . (»يضا كان أحمر الوجهوهو أ«

Page 131: 4206

فبأي آالء ربكما . (»لكن هذا الولد خلقته ال تشبهنا أبدا«

). تكذبان تتتابع أمام عينيك ألوان جالبيب أمك، وجهها، صمتها، عيناها الخائفتان، يدها الممسكة بيدك، شعرها

. الخشن مرآة الحمام، مالمحك عجوز، دميمة، إلى تجري

ال تشبه أباك، وال أمك، وال أختك، وال عمتك، دميمة بحيث . ال تشبه أي واحد أساسا

تظل عالمات االستفهام تغرز خطاطيفها في رأسك، بسرعة، من فعلها مع أمك؟ ىالشرفة مرة أخر إلى تجري

من هو أبوك الحقيقي؟ تمزق وجوه جيرانكم الجالسين تحت األضواء يفتعلون

مرآة الحمام إلى مل أحد األنوف، تجريحزنا بذيئا، تحق، ترد ادالسر إلى تطابق أنفك بهذا األنف الكبير، ثم تجري

الحمام، ثم إلى صاحبه، تحمل ذلك المعوج، تجري إلى األنفالحمام، أنوف طويلة، ضخمة، قصيرة، إلى ق، ثمادالسرإلى

Page 132: 4206

منمنمة، مفرطحة، جدعاء، عيناك، شعرك، في النهاية تجريالشرفة، تلصق وجهك إلى حمام، تنزع المرآة، تجريالإلى

لم تكن فيهم، ابالمرآة، وعينيك بمالمحهم، البد أن يكون واحد تخرج، ربما الزبال، المكوجي، اللبان، لم تكن تلبس مثل

السوق، مؤكد أن أباك ليس هذا الذي إلى ناهد، كانت تنزلريحك تكرهه، تراجع مالمح باعة السوق الذين تعرفهم، ت

فكرة أنه غريب عنك، تسبه، تلعنه، وأباه، وأمه، وأهله، وموتاه، أيكون غريبا عنك ويفعل معك كل هذا ؟

على ىرطوبة أرضية الشرفة، وأنت ملق على تفيقوجهك المغموس في البلغم واللعاب وشظايا زجاج المرآة المكسور، لسانك ممزق ودام من الجانبين، مازال نور

و، ويدك تمسك بالحبل الرفيع المربوط بإطار ق كما هادالسر ). في جيدها حبل من مسد( المرآة، ومازالت

● ● ●

Page 133: 4206

يوليو المتجه٢٦عمق إلى اليسار، إلى يخرج، يعرجاألوبرا القديمة، خطوات، تجذبه فاترينة محل الخمور إلى

الكبيرة، زجاجات خضراء، بنية، حمراء، شفافة، ال يفرق عريض باآللة ىورق مقو على سعار مكتوبةاألنواع، األ بين

.الكاتبة بالعربي و اإلنجليزي، يدخل● ● ●

تظل مرعوبا من فكرة الجامعة طوال الوقت، شباب وبنات في مكان واحد، معا، بهذا الشكل الذي تراه وأنت

ولد بنت، أوالد وبنات، مستحيل أن تجد : راكب األتوبيس . واحدا بمفرده

أنت الرث، .أحذية غالية، قصات شعرمالبس جينز، و المهرجان؟ البائس، الدميم كيف ستهبط وسط كل هذا

كالم عمتك الذي ىصد إلى تهرب من رعبك هذا: ال يفارق رأسك، ال تكف لحظة عن تفحص الوجوه

. الجيران، الشارع، المنطقة، السوق، التليفزيون

Page 134: 4206

من يوم المجموع وأبوك ال يكلمك، ال يشتمك، . يضربك، يتعامل كأنك غير موجودال

تعلم أن الذي مات هو زوج الست ناهد، الصلعة، القصر، البيجامة، الذعر، لن تراه مرة ثانية، أحسن، عرفت من أسود الست ناهد، من القرآن المنبعث من شقة الست

، تضايقت جدا لهذا اللقب )الست ناهد( إلى ناهد، من تحولها ). حتل الشقة واللقب؟هل ت(الخاص بالست سعدية،

هل كانت أمك هكذا فعال ؟ عمتك لم تجزم، وأنت تعرف ) أمك الطاهرة( الدجالين، ىأمك، تعرف خوف عينيها لد

). لماذا؟(هكذا قالت الست سعدية، من كل النظرات، كلها تعرف ىتمشي في الشارع تتوار

عارك، تنحني قامتك من ثقل هذا العار، تفكر في أن تنتحر، . أن تحرق الشقة فيموت أبوك وأختك معكوفي

بدأت مالمح وجه أمك تتحور، لتحل مكانها مالمح الست ناهد، وصرت كلما حاولت استدعاء أمك، تتموه وتتموج،

جلباب أمك الواسع مركب عليه وجه الست ى سوىوال تر

Page 135: 4206

ناهد التي اكتفت من الحزن بعد أسبوعين بقميص نوم أسود، ود زوجها مع الرجال اآلخرين ودون تطمئنك فكرة وج

. بالداخل في الشرفة يقضم أظفاره لحمها المتاح بالشهوة القديمة، تمرر إلى لم تعد تنظر

تود لو تعريها تماما، لو تبصق، لو تبول. لحمها، تعفنصوتها، ضحكتها، سفالتها كل هذا موجه ضدك، . داخلها

. يخزيك، ينتهكك ). رةجامعة القاه.. كلية دار العلوم(

تأتيك بطاقة الترشيح في ذروة انهياراتك، تعاودك نوبات التشنج بصورة مكثفة دون أن يهتم أحدهما بأمرك، فيما هما

. مشغوالن تماما بالحدث الهام . »زينب ستدخل المدرسة هذا العام«

. وال يصدق يقولها أبوك لكل من يراه، وهو يكاد يبكي العالية، وحولها ثالث ليلة المدرسة أوقفها فوق المنضدة

حقائب مدرسية جديدة وثالث مقالم، وثالث زمزميات،وبرايات، وأقالم رصاص، وجاف، وألوان شمع، وفلوماستر،

Page 136: 4206

عند ) مخصوص ( وثالث مرايل بيج قماش سموكن مفصلةأسود، : أحذية جديدة وثالثة. الترزي الكبير في شارع شبرا . العتبة وبني، وأبيض من محل زلط في

األرض، يلبسها المريلة، يضع لها على يقف هو بأسفلينتهيان، ظهرها، على األدوات في الحقيبة ثم يلبسها لها

. ترقصىالمنضدة وهي بأعل على يحتضنها، ثم يوقع بيده قميص رمادي قديم، سروال وسترة أسودان رثان، حذاء ممزق، تنتقل بهم بين المرآة وبين ثقب الباب،

وفرحتها، تها، رثاثتك ولمعة ثيابها، كآبتكصورتك ورقصاألرض متشنجا على تصعب عليك نفسك، تقضي الليلة

. وباكيا● ● ●

يخرج الزجاجة ملفوفة في ورق أبيض، مطبوع عليه ). يوليو٢٦أورفانيدس : (باألحمر واألخضر الباهت

Page 137: 4206

المترب، في المواجهة بالخط القديم )دار القضاء العالي(جاجة داخل السترة الصوف السوداء التي يرتديها، يخبئ الز

يخفي بروز الزجاجة حتى عاقدا ذراعيه فوق صدره، . الواضح

. ىيأخذ طريقة في اتجاه اإلسعاف مرة أخر● ● ●

. تنزل أمام تمثال نهضة مصر، وحديقة الحيوانتراهم بجوارهن، تعاودك صورة زمالء الثانوي،

و مغرقة كل ما حولها، تتخيلك حرمانك، وفتاة المكتبة تطف . اآلن تسير دافعا كرسيها الحبيب بيدك

بساحة تفاجأ حتى صندوقك الزجاجي الفاشل إلى تهربالمباني، األشجار، الجامعة أمامك، السور، البوابة، الحرس،

. تبرد وترتجف. وقبة الساعة الكبيرة في الداخلقة الترشيح تظل واقفا أمام حارس البوابة مادا يدك ببطا .الصفراء، مستعدا للطرد أو الحبس، لكنه يدفعك بيده

Page 138: 4206

). الذي خلفكىادخل لنر.. مالك واقف هكذا ؟(تطوي يدك المفرودة، تصير بالداخل، تصغر، تتضاءل، تشعر بنفسك كحشرة سوداء حقيرة، خنفساء قذرة وسط كل هذا الجمال الملون، يتفحصونك، يتقززون منك، خنفساء

ارا، خنفساء وغير شرعية الوجود، ترتفع وتحمل عسواد اإلسفلت، على سواد حذائكى سوىضحكاتهم، ال تر

الضحكات، تنحني تحت وطأتها، تنكس رأسك، وتنقل ىتتعال . قدميك في وهن

تظل تدور وتلف باحثا عن دار العلوم، ال تعرف جبهتك، ترمي بك من لوحة على الشمسىوال تسأل، تتمش

،)الحقوق(، )التجارة(، )اآلداب: (لوحة نحاسية إلى نحاسية ).اآلثار(، )اإلعالم(

تموت مع كل استدارة نهد، مع كل حز واضح للمالبس . الداخلية المرسومة، مع كل كفين متعانقين خلسة

Page 139: 4206

في طرف الجامعة، أصفر وجديد، ودار ىآخر مبنالعلوم بالخط الثلث المزخرف، تستجمع قوتك وتتجاوز

. لمختلط، وتدخلا الزحامخر ركن في المدرج، أمامك زحام شديد، شعور طويلة آ

جانب الرءوس الحليقة إلى سوداء، شقراء، بنية، تحجيباتفي تجاور كتالصق المواصالت، تجلس راجيا أن تأتي

. جوارك إلى وتجلس) بالصدفة( إحداهنبدلة كاملة، (رجل في الخمسين، بالغ األناقة واالحترام

، يتكلم في المبتدأ والخبر، والشعر، وسيبويه، )قورباط عن ما هذا ؟ تحاول التأكيد لنفسك أنك قرأت دار العلوم. والمتنبي

الباب الكبير في الخارج، طيب، ما هذا العربي؟ البد على . أنها محاضرة عارضة

يخرج الرجل المحترم، يدخل محترم آخر، وعبد القاهر، والبالغة، واإلسناد،والقزويني، والسكاكي، والفصاحة

……… و

Page 140: 4206

بك هنا ؟ وما عالقة هذا كله بالكيمياء ىما الذي ألق ؟ )العلوم ببساطة(والفيزياء واألحياء تفهم أن دار العلوم هذه هي أكبر حتى بعض الوقت

خدعة في حياتك، مجرد كلية لغة عربية، تفرح جدا لهذا لكيمياء المذهل، فأنت تكره األحياء والفيزياء وا االكتشاف

، ووجود محاضرات كاملة لألدب كاف )ببساطة العلوم( . إلثمالك

من كل ىأجمل واحدة في المدرج المزدحم، أقوالمكان إلى أحالمك، فاتنة، مكتنزة، مترجرجة، كالسحر تشير

الخالي بجوارك، عيناها ملء عينيك، كالمكهرب تخرج تها رجليك مفسحا لها لتدخل، ويغوص كتفك في ليونة مؤخر

. التي تمر، وأنت تعرق محاوال ىال تكاد من فرط الطيران أن تر

لصق فخذك بفخذها، أكثر من نصف ساعة والشعرة الرفيعة بينكما ال تضيق، في غمرة اضطرابك ومحاوالتك يسقط قلمك، بعد أن تعتدل والقلم في يدك تجد نفسك ملتصقا بها

Page 141: 4206

األمام، ذراعها من على تماما، وذراعك من الخلف مستريح رد فعلها، ببطء شديد تحرك ذراعكىتر حتى تجمد تنفسك

في هذه اللحظة تصفق دفترها . نهدها على بهئتتكحتى بعنف، ترتعب، تشعر بالفضيحة الموشكة وسط كل هذا : الزحام، وأمام الرجل البالغ االحترام في المقدمة، لكنها تتنهد

. »ةهم حاجاأراهن إذا كان أحد ف.. دكتور حمار«تهز رأسك لها في موافقة، إال أنها لم تكن منتبهة إليك، تشعر بتنفسها يرفع نهدها ويخفضه، فيرتفع ذراعك ثم ينزل في إحساس تنتصب له كل شعرة في جسدك، تري أنها

فتبدأ في ) هكذا المعاملة في األتوبيس(راغبة مادامت صامتة . تحريك فخذك

. »احترم نفسك يا حيوان يا سافل«بصوت هامس، وبسيط، وفمها في أذنك، تستقر في

دفترها لقلوب كثيرة متراصة، على عينك الرسومات الكثيرة . وهي تدفعك بكوعها في ضلوعك بغل يبعدك عنها

Page 142: 4206

ال تبول حتى تنهض بسرعة، وتخرج من المحاضرة ؛ . نفسكعلى

● ● ●

، يسير ببطء وتعثر ىمرة أخر) صيدلية اإلسعاف(أسفل أمام صدره، يعبر شارع الجالء من أسفل الكوبري، عاهاوذر

. الوالدة الحديديىيقف قليال أمام سور مستشف حتى بائع الكتب منهمك في رص كتبه القديمة، ينتظره

. ينتهي تماما : عندما يقف أمام أول كتاب

.»أي خدمة يا أستاذ ؟ تأمر بحاجة معينة ؟« رأسه يصدمه الصوت، فينصرف بسرعة دون أن يدير

لصاحبه، يسمع صوت خبط كفي الرجل ببعضهما، دون أن

Page 143: 4206

. يتبين همهمته● ● ●

بعد أسبوع واحد يقعدها من المدرسة، في خالل هذا األسبوع كان يتغيب من شغله، يلبسها بنفسه، يضع لها الكراسات واألقالم في الحقيبة، يفطرها، يخرج معها يحملها

تركها فيظل أمام باب على المدرسة، وال تطاوعه نفسهحتى . تخرج حتى المدرسة متوترا ينتظرها

عمله، واستأذن في موعد خروجها، إلى آخر يوم ذهبوجدها تنتظره أمام باب المدرسة تلعب مع ولد يرتدي نفس

. إليها، صفع الولد، ولم يخرجها بعد ذلك مطلقاىزيها، جروقت طويل يمر دون أن يحتك بك، نقود المواصالت

المنضدة على يضعها لك تحت المزهرية الفخارية الفارغةوإذا أردت نقودا لكتب أو مراجع أو مالزم . وسط الصالة في

. تقول ألختك، فتجد النقود في الصباح في نفس المكان

Page 144: 4206

إلى هذه األيام يرجع من الشغل، يبدل مالبسه، ويجلسها تبدي هي جواره أمام الطبلية يعلمها القراءة والكتابة، دون أن

أي استعداد إال لتدليله وقبالته، فتراهما أبا وابنة بشكل مبالغ . فيه، أما أنت فمقحم، وغريب

، لماذا يعلمك؟ )هو يعلم أنك لست ابنه(لماذا ينفق عليك؟ لماذا ال يرسلك لتعمل؟ لماذا ال يطردك؟

تكرهه، تكره نقوده، وتكره عجزك الذي يربطك بهذا . ، بهذينالمكان، بهذه النقود

بال أي أحد، كلهم لهم ) كالعادة(أنت الوحيد تأتي ىصاحبات، وأنت غارق في كآبتك تحلم بواحدة أخر

المرة على ، تلوم نفسك)صدفة أيضا(جوارك إلى لتجلس تلك ىالسابقة متعهدا بأن تكون هذه المرة أهدأ وأعقل، وتر

، فتجدهم ىجوارك في المرة األول إلى البنت التي جلستيضحكون معها، يمزحون باأليدي واألذرع، وهي تضحك ضحكة حقيقية عالية، كل هؤالء بإمكانهم أن يضموها

. ووحدك أنت السافل الحيوان) بهزار(

Page 145: 4206

. »أنا اسمي خالد نمر« . جوارك إلى نحاك بيده واحتل المكان الخالي

أال تعرف إن كان دكتور .. ينادونني يا شيخ خالد«أم ال؟ ما اسمك أوال؟ هذه أول مرة أراك األدب سيأتي اليوم

أنا أصاحبهم .. جميل أن تجلس بمفردك بعيدا عنهم.. فيهافأنا ال أحب كالمهم .. لكن تجدني أيضا في جانب وحدي

. »قلت لي ما اسمك ؟.. الفارغه، مفي لحظة واحدة يقتحمك، يكسر كل زجاجك، يهش

الطاقية تتألم في البداية، تطمئنك ثرثرته، تستريح له، ، )ال تنبت له لحية وال شارب(الشبيكة، الوجه األبيض الناعم

المالبس النظيفة الفاتحة المبهدلة، تتضايق منه جدا ألنه قتل يمكنك أن ) صاحبهمي(احتمال أن تأتي واحدة مكانه، لكنه

كيف يصاحبهن بطاقيته (تصاحبه، ثم تصاحبهن من خالله ). هذه؟

. »ىيحي«

Page 146: 4206

عن كالم آخر، يقطعك بلهجته تتعثر في البحث : المتسرعة

مرت ساعة من .. األول قم لنصلي الظهر« . »الدكتور لن يأتي.. المحاضرة

وجهك، تتخيل إلى يسحبك من ذراعك دون أن ينظرمنظركما من بعيد هو بمالبسه البيضاء ووسامته وأنت

. بأسودك القبيح كمالك يجر شيطانا . »أنت متوضئ؟«

. بعالمة بين االستفهام والنفيتشير له برأسك أنا متوضئ لكن سأجدد .. طيب تعال لندخل«

. »وضوئيآخره بصوت قوي تدرك على أمام الصنبور المفتوح

. أنك لم تصل قبل ذلك، وأنك ال تعرف كيف تتوضأتبرق في خيالك كلمة الوضوء باألزرق في وسط سطر

. كتاب الدين .)…………… ………………: أركان الوضوء(

Page 147: 4206

).………………………………:سنن الوضوء( ).…………………………:مستحبات الوضوء( . »طبعا كلكم عارفين طريقة الوضوء: كيفية الوضوء«

نكإخفت أن تقف لتقول لمدرسة الثاني االبتدائي ينتهي . ال يضحكون منك حتى ال تعرف كيف تتوضأ ؛

وتلحق الشيخ خالد من وضوئه، تغسل وجهك، تبلل رجليك، . هب

أنت تعرف صف الصالة هذا جيدا، دائما كنت تراهم في صالة الجمعة متراصين أمام الجامع، فتمر من أمامهم دون

. أن يشغلك ما يفعلونه جوار الشيخ خالد، يضايقك الذي يقف بجانبك إلى تقف

، يلصق قدمه المبتلة اللزجة بقدمك كلما ىمن الناحية األخر . يد الواقف وكلهم منحنون، تنحنيأنك الوح إلى تنتبه. أبعدتها

ال ينكشف أمرك، لكنك حتى تهتم بأن تتابع حركاتهمأبوك ال يصلي، أمك كانت تفعل، أحيانا كنت . تشرد فتتأخر

. تفتح عليها الحجرة فتجدها واقفة تصلي

Page 148: 4206

أول ما تنتهي الصالة ينهض الشيخ خالد بسرعة، يجذبك : الكلية ىخارج مصل إلى من يدكأترك لك البد أنني أحرجتك بإلحاحي عليك ولم..آسف«هذه الحكاية لم .. أنا آسف جدا واهللا.. تخبرني حتى فرصة

. »لكن كان البد أن تخبرني.. تأت في بالي● ● ●

شارع فؤاد، شركة الكهرباء، المقاهي الكبيرة، السينمات . القديمة، أبو العال، الكوبري، الوكالة

يوليو هذه في هذا الجانب، ربما ٢٦ال يقتنع أبدا بمسألة البيوت ؟ المحالت العتيقة؟ الناس؟ الرائحة؟ ربما القدم،

. التساند بين المباني، بين الناس : كل هذا ال تالئمه اللوحات الصغيرة الزرقاء الالمعة

بخط مطموس ) فؤاد سابقا(بخط أنيق، ) يوليو٢٦( . ال يكاد يبين

● ● ●

Page 149: 4206

بك عندما تقول له إنك مسلم ولست ينفعل، ويكاد يضر . كما ظن

ساعة كاملة في الحمام يعلمك الوضوء، يغسل أمامك، يطلب منك أن تقلده تحت الصنبور اآلخر، يترك مكانه ويأتي

األماكن التي لم تصلها على إليك، يغسل لك بيده، يشير لك حتى يأمرك بأن تتوضأ بمفردك، مرة، ومرة، ومرة،. المياه

. ضوء تماماتتقن الو . الخاليىبصعوبة أشد يعلمك حركات الصالة في المصل

الفاتحة، قل هو اهللا أحد، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ ( ). برب الناس

؟فاهم.. إذا لم تحفظهم سأضربك.. كتبتهم لك« . »سأضربك

: كتفك بحنان حقيقي على يكاد يبكي، يستدرك مربتا .» لكسمعأقد ما تقدر بكره على احفظ«

Page 150: 4206

لم تحضرا أي محاضرات في هذا اليوم، كل الوقت : أمام الصنبور، وفوق السجادة، بدا حزيناىانقض

لو تركتك .. حرام.. أنا ال أفهم كيف تعيش هكذا« . »ال أصدق أن هناك مسلمين وبهذه الطريقة.. سأحمل ذنبكأن يوصلك، يقفز معك في األتوبيس، يدفع على يصر

أسفل، فيما من، ثم يقفز بسرعة ملوحا لكلك، يناولك التذكرة.. يجري بك األتوبيس مبتعدا عنه بسرعة تجعله يتضاءل

. يختفي تماما حتى يتضاءل،أطرافك، تستشعر فيها وفي حتى تدفن نفسك في الصالة

كالمه عن اهللا واآلخرة بعزاء حقيقي يجابه أحزانك، تفرح أن ، وألن )ملذات ليست دار(، و)فانية(، و)دار عمل(الدنيا

، كل كالمه نور يشفيك، حرمانك هذا إذن )ىاآلخرة خير أبق(وهم صغير، له مقابل، كلهم سيدخلون النار، البد، وستفرح

. فيهم بمقدار حقدك اآلن عليهم أول كفين متحاضنين، يظهر هو ىلكن كل هذا ينهار لد

إلى كالوهم، كالسراب، تلعن في سرك هذه الطاقية السائرة

Page 151: 4206

ك، تود لو تستبدل بها مشبك شعر، ونار حية ككل ذلك جوار تبتر .....الجحيم أمامك، أما تلك الجنة التي فوق الشجرة

.عجزك وتستغفر الجنة البعيدة لن تدخلها؛ ألنك لست ضد ىحت

، أنت معها، تود لو ترتكبها، تحبها، فقط أنت )السيئات( . عاجز عنها وأمامها

تصلي في البيت ألول يسود وجه أبيك عندما يراك مرة، يهمل أختك لبعض الوقت متفرغا لعذابك بحججه

. القديمة الزائفة، يعود في عينيه خوف الكتب القديمقبل أن يكبر الموضوع تكف نهائيا عن الصالة أمامه، مع أنك تصلي طوال الوقت كل الفروض وكل السنن

لها، تحب فعل الصالة هذا، ى ال مسمىوصلوات أخر . كيغسل

وأنت سائر مع الشيخ خالد تراه يشير لهن بيده من بعيد، على يلقي إليهن بما يضحكهن، فتسخن أذناك، وتشعر أنك على وشك لمس حلمك، لكنه ال يقترب بك منهن، وال يعرفك

Page 152: 4206

أي واحدة، في الحقيقة تستريح لهذا، تستسلم لحزنك وتفضله . كل ذلك الخوف واالضطرابعلى

عن ممارسات األتوبيس برغم ذلك لم تستطع التوقف تحفظ ويسمع حتى المصحف الذي تحمله في جيبك بأمر منه؛

لك، فقط قللت من مزاولة ارتعاشاتك؛ ألنك تصير مضطرااالغتسال إثر كل بلل، تهدأ، وتستقر، وتحب الشيخ خالد إلى

نمر، يستحق أن يكون نبيا حقيقيا، الوسامة، الرحمة، النظافة ل أن يالزمك هكذا بكل رجسك ونجاستك، تحمد الشديدة ويقب

رفع عينيك في على اهللا أنه ال يعرف عارك، وال تجرؤ . نوره

قرب نهاية العام تقتربان بشدة، تذهب لتذاكر معه في بيته في النهار، أحيانا تبيت لديه، تذاكران، تقرءان القرآن،

حتى تأكالن، تشربان الشاي، وتنامان في سرير واحد .الصباح

) ليس لديه شعرة واحدة فيه(لكن جسده األبيض الناعم يوحي إليك بالشهوة، تظل تردد األدعية التي حفظها لك،

Page 153: 4206

وهو منحن، وهو وال تستطيع منع نفسك من مراقبته . منصرف، وهو يبدل مالبسه أمامك

أن تقول على تحبه، تظل ساهرا تفكر فيه، توطن نفسك . الصباح وال تقولله في الصباح إنك تحبه، يأتي

ينحصر كل وجودك فيه، وتستدعيه في لحظات . ممارستك الخفية التي كثرت بصورة تستغرقك

أصبحت تتعمد االحتكاك العفوي به الذي يثيرك للغاية، في البداية كانت األمور تمر بطبيعية، إال أنه بدأ يالحظ، وبدأت حركاته تأخذ شكال حذرا ومحسوبا، صار يتجنبك،

الصالة، إلى حتىد أال يطيل تواجده معك، ال يدعوكيتعم . يبدو مرتعبا منك بشدة

،»وعليكم السالم.. سالم عليكم«تدخل االمتحانات . ذلكى الشيخ خالد سوىوال تر

قديمك بانغماس إلى تتوقف عن الصالة والقرآن، تعودبتقدير مقبول، برغم أن معظم الدفعة ) صاف(تام، تنجح

. بينهم الشيخ خالد نمررسبوا، ومن ● ● ●

Page 154: 4206

). سينما الكورسال الجديدة( صورة ). أفالم اإلثارة والعنف التركيةىأقو.. رغبة(

جوارها إلى ،ىبطنها ترفع ساقيها ألعل على امرأة متمددة . رجل عاري الجذع

). إسماعيلية رايح جاي(، بخط كبير تحت عدة وجوه هندية ليس )االنتقام األخير(ينها أميتاب بتشان، إال أن اسمه مكتوب بمفرده بخط من ب

. كبير جدا . يدخل

● ● ●

)). مكتبة مبارك العامة((

Page 155: 4206

تراهم من األتوبيس يثبتون عمودي اليافطة الزرقاء تنزل، وترجع إليهم، تسأل الرجل الذي . الكبيرة في األرض

: ررة كان يباشر العمال، يزعق فيك بلهجة عدائية غير مب ىها هو السهم موضوع من أجل أي أعم.. ال أعرف« . »ال يقرفناحتى

لم يكونوا قد ثبتوها بعد بحيث تستدل بالسهم، تسأله إن . كانوا قد فتحوا، فال يرد عليك

. هكذا عامك الجديدالجامعة سائرا، تسب الرجل ابن حتى تواصل طريقك

بأنك تسقط في الكلب هذا، يداهمك شعورك المعتاد كلما أتيتتدمي، حتى بئر، تود لو تطول جدرانه برأسك، تخبطها فيها

شعور الهبوط ىليس سولكن وينبثق الدم فيلون كل شيء، . الحاد يسحبك نحو الالقرار

يفشل تماما في كل مرة يحاول فيها أن يعلمها القراءة والكتابة، يتوقف، يكتفي بحضنها، تقبيلها، تحميمها، تمشيط

. يده وهي جالسة في حجرهشعرها ب

Page 156: 4206

مدرج السنة الثانية أضيق، بعدد طالب أقل بكثير يخفض هذا من. ، نباح المحاضرين أهدأ)الثلث تقريبا(

. توتركوحيد، جالس في الركن المنعزل، تحمل في رأسك نفس

ىوشك اإلتيان، تنتظر، تتنام على الحلم، تقنع نفسك بأنها ق بك، تكلمك، تسحبكجوارك، تلتص إلى أحالمك، ستجلس

شقتكم، مانحة إياك يدا، نهدا، حضنا، وال شيء إلى إال صالبة خشب المنضدة تحت رأسك، تلعنهم جميعا وأنت

أحالمك ببساطة ىبعد يدك، يمارسون أقص على تتألم، . التبول

في المدرج أمام منصة الدكتور مباشرة، ) بنج(أول حتىد، والفستان بني، وحجاب طويل، ال تكلم أي واح

. واحدة، بمفردها تماما كقلبكمن مكانك لم تر إال ظهرها وحلمك، لكن كل خلية فيك

.رقصت

Page 157: 4206

بسهولة تضيف الواحد وعشرين جنيها قيمة اشتراك نقود الكتب التي تطلبها من أبيك، وتخرج منها على المكتبة

على بخمسة كتب كبيرة، وكارنيه أنيق عليه أرقام خاصة بك . لمكتبةا كمبيوتر

ال تكلم أحدا، ال تمشي مع أحد، ال ولد وال بنت، ليس إال حقيبتها السوداء، وكتبها، وفستانها البني، وحجابها

. األبيض، وحذاءها المترب قليال . الدفعة في السنة الماضية على ىتعرف أنها األول

ال أبوك، وال أختك، وال الست ناهد، وال الجامعة،لدكاترة، وال المحاضرات، وال أنت، وال أي وال الطلبة، وال ا

أحد، فقط سوسن محمد عبد الرحيم، التي يعرفها كل الدكاترة والمعيدين باالسم، التي يكرهها كل الطلبة ويسمونها األرملة،

، ىالتي تظل تفكر فيها في مكانك في آخر المدرج، وتتمننهاية العام، فتطلع هي حتى وترسم لها خططا ال تنفذها

. الدفعة كعادتها، وبالكاد تنجح أنت بمادتين على ىألولا● ● ●

Page 158: 4206

الصور بالداخل فوتوغرافية تظهر فيها وجوه الممثلين . الحقيقية بخالف األفيشات الخارجية المرسومة برداءة وقبح

يضطرب وهو يقطع التذكرة خائفا من أن تظهر .الزجاجة

تبغ، رطوبة، بول، : القاعة العتيدة بروائحها المختلفة بقايا طعام متعفن، أنفاس، يندمج مع الرائحة والظالم الذي

. تسبح فيه ذرات غبار كثيف● ● ●

ـ ضراء ـ ءسماء ـ رجاء ـ هواء ـ رضاء ـ مينا . شراء ـ هراء ـ سراء

من أجلها تتعلم الشعر، تضيع المحاضرات كلها في م بتعبئة اصطياد القوافي، تكتبها في نهايات األسطر ثم تقو

:األبيات

Page 159: 4206

حبيبتي التي تسكن في السماء ليس لي عندك سوي رجاء

فأنت لقلبي كما لألنف الهواء رجائي أن يكون شعورك هو الرضاء

يا سفينة شاردة حبي هو الميناء تبيعينني دوما وتلقينني في الضراء أال توجد في قاموسك كلمة الشراء

هواءىأم أن حبك لي ليس سو . ا يا قمري هي السراءليلة قربن

ترهقك هذه العملية جدا، صرت تستعير كتب الشعر القديم وتسرق القوافي، وتمأل البيت من عندك، وال يهم أن تفهم كل القوافي، وال مانع من نقل األبيات التي تعجبك

. وتركيبها داخل القصيدة معظم أو كل طالب السنة الثالثة في دار العلوم

الشعر، واحد أو اثنان فقط ينشرون شعرهم يكتبون) دفعتك(

Page 160: 4206

في الجرائد، وأنت تراقب، تحلم بقصيدة عليها اسمك بحروف . الطباعة األنيقة، هذا كفيل بأن يجعلها ترتمي أمامك

لديك استعداد ال بأس به، ولكن الطريق أمامك «طويل، عليك بقراءة موروث الشعر العربي منذ الجاهلية

تيعابه، ثم عليك بدراسة األوزان المعاصرين، واسىوحت على ماو أدوات الشعر، دىالخليلية وإتقانها، فهذه أول

. »مراسلتنا يهدمونك في حتى كل الجرائد، إلى ستة أشهر ترسل

النهاية، تسمع أنهم يحاربون المواهب الجديدة، ولكن أبهذه الطريقة؟ . نفسك قليال، ثم تنطفئ على تثور

ملء قلبك وعينيك، تراها نصفتكتفي بوجودها أمامك اليوم، وتحلم بها نصفه اآلخر، تظل معك كالشمس من

ى المغرب، تجلس في نفس المكان مثلك، ترىالصباح وحتالمناظر، تشم نفس الهواء، تدوس فوق نفس مواطئ نفس . يا لك من سعيد ومحظوظ القدم،

Page 161: 4206

كنهار آخر ينتهي العام، تنكر الوقت واالمتحانات نتائج، تتشبث بأهداب اللحظة األخيرة أماموكشوف ال

: الكشوفممتاز ـ ممتاز ـ ممتاز ـ: سوسن محمد عبد الرحيم

…………… ممتاز ـ ممتاز ـ ممتاز ـ ممتاز عندما ، أنت أيضا تنجح، بمقبول، لكنك تفرحىاألول

ابتسمت فرحتها الدفينة، لم تفرحها مثلهن، فقطىتر بها أحد ن أن يشعروانصرفت، دون صياح أو صخب، دو

أرجل أو يلحظها ابتسمت وانصرفت، وأنت واقف بينيلعق الزحام الصاخب ككلب صغير، يود لو يجري إليها،

سعيد فرحتها، ويقول أنا أيضا على طرف ثوبها، يقفز على لسعادتك، وأشعر بك، أعرف فرحك وأحسه، ارتمي

صدري أنا كل أصدقائك الذين لم تجديهم، أنا أحبابك، . كونك

Page 162: 4206

، الكنها ابتسمت وانصرفت، وتركتك كما أنت دائما وحيد تائها في كل هذا الصخب، وغريب ليس لديك منديل ابائس

. يكفي لتجفيف كل هذه الدموع● ● ●

مجموعات من القمصان الزرقاء المدرسية تتبادل السجائر، ال يكفون عن الكالم، الضحك، الصفعات،

. المشاهد العنيفة أو الساخنةالركالت، التقافز إال عند ىبعض الصنايعية بمالبسهم الواضحة متناثرون فراد

هنا وهناك، يحاولون االندماج مع الشاشة الباهتة التي ال تبين . منها صورة الفيلم األجنبي

ينشغل بمراقبة الموجودين، يطمئن، يخرج الزجاجةملفوفة في ورقها، يرتبك للصوت الذي يصدره الورق،

المقعد إلى يرتعب عندما يفاجأ بمن يقفز من الصف الخلفيالمالصق لمقعده، ويظل ينظر إليه نظرات طويلة سمجة،

: ويبتسم بليونة

Page 163: 4206

.»أال تريد واحدا يجلس بجوارك ؟«● ● ●

: كشف الناجحين بتقدير عام ممتاز.. الفرقة الرابعة(

)). ـ سوسن محمد عبد الرحيم ١ . ىخروليست ثمة أسماء أ

كعادتك لم تستطع طوال العام الذي يرحل اآلن أن تكلمها، نعم تخليت عن ركن المدرج، جلست خلفها مباشرة، ظللت لليالي سنة كاملة تتلو الكالم الكثير الذي ستسر إليها به في الصباح، تجمعه من األفالم، والكتب، ومن رأسك، ترتبه،

ما تراها، لترجع تنمقه، تشحنه بكل ما يحتلك، ثم تخرس أولأفلت منك العام، العام األخير، لن تراها ثانية، حتى فتحلم،

. ستموت نهائيا هذه المرة

استبدال الكتب الخمسة على تترك الشعر، تظل محافظاألن كل أسبوع، تبدأ في كتابة قصص قصيرة؛ىبأخر

الجاهليين لم يكتبوا قصصا قصيرة، وألن الخليل بن أحمد

Page 164: 4206

تسع وقته لضبط أوزانها، ببساطة لم تستطع مات قبل أن ي . التخلي عن فكرة أن تكتب

منع نفسك على الندوات وصعاليكها وال تقدر إلى تتعرفمن تلبس أفعالهم، تسير وراءهم في الشوارع، تقززك

بائع على سفاهاتهم، صخبهم، ويبهرك إلقاؤهم الشعر ربما . شاي عجوز

حتى صفر، تراقبهمتتعلم من سيرك المتخفي وراءهم األتعرف أماكن البارات في شارع شبرا، ووسط البلد، ثم تذهب بمفردك في وقت آخر مدمنا تلك الحالة العطرية التي

. يخضعك لها هذا السائل تكبر أختك، تستغبي، تتسلط، تأمرك وتنهيك

الجاهلة (بسبابتها، تمد يدها عليك تحت ضحك أبيك وبصاقه، يزوجها ألي عربجي لتعمل خادمة، في النهاية س)األمية . لبهائمه

ىيستقر الفضي في رأس أبيك مزيحا األسود، ويقو .الضعف في جسده الذي تباطأت حركته

Page 165: 4206

.ولم تكلمها الذي ستتعين معيدة بالكلية، وأنت ستطرد بمقبولك

.وهواجسك ال يعنيك، دائما تتأخر وتتركك غارقا في عرقك ها تمضي دون أن هذه المرة ستنتظرها، لن تترك

تكلمها، ستفضح لها حبك المسن، لن ترفضك، عندما تعلم بالتأكيد لن ترفضك، هل تملك هذا الرفض أساسا ؟ ال تملك من يقول لها ما ستقول، لتكن رثا، دميما، فيك كل

الفور، على العبر، ستقبلك، ستقبل عرضها الوحيد، ستحبكن ابتسامتها هذه األقل ستبتسم، ستكو على ستطير من الفرح،

المرة من أجلك، ستفرح فرحا شديدا، وتمسك بيدك، تجريان، تخرجان معا، الكورنيش، الحدائق، السينمات، مثل الجميع

………… .»ضرتك معنا في سنة رابعةح«

تلمحها قادمة من بعيد، تبدأ المطارق عملها في .فكاصدرك، تتزلزل، ترتعد أطر

.تسمةتقف لحظة أمام الكشف، تتراجع مب

Page 166: 4206

.»اهللا يبارك فيك«دون أن تقرر، تجد قدميك تسيران باتجاهها رأسا، وأنت

تصير . ىخائف، مغيب، تريد التوقف، الرجوع دون جدوأمامها مباشرة معترضا طريقها ببؤسك، كالجبناء يهرب منك الكالم تماما، تكاد هي أن تلتف من حولك لتمر وهي

ج صوتك وحده مستغربة، يرتفع صوتك مباركا لها، يخر :ممطوطا وبعيدا كشجاع هزيل، لكنها تسمعه، وترد عليك

.»اهللا يبارك فيك«تظل متسمرا في رعبك، وهي مندهشة تماما ومرتبكة،

: شجاعك الضعيفىترتبك أنت أيضا، يخرج وحده مرة أخر .»أنا أيضا نجحت« .»حضرتك معنا في الدفعة؟.. مبروك« .»حضرتك معنا في سنة رابعة؟«

اد الصخب من حولك يصمك، يعميك، يخدرك، فيما يزد .يظل صوتها يتداخل في رأسك، ومالمحها تتموج، وتنبعج

).حضرتك معنا؟(

Page 167: 4206

).حضرتك؟؟( ).الدفعة ؟؟(

.تبتعد ).معنا؟(

.تتضاءل، ويتداخل صوتها في الضجيج ).في سنة رابعة؟(

.رأسك، وجهك، قلبك على تهطل األمطار ).رابعة؟( .» ال ترد ؟ عن إذنكحضرتك لماذا«

● ● ●

أربعون عاما، شعر طويل مبعثر، قميص مفتوح العراوي الثالث العليا، سلسلة فضية مسودة، في آخرها

.خرزة زرقاء فوق الصدر الناعم الخالي من الشعرأقول لك أال تريد واحدا؟ أعني ليجلس معك؟ أقصد «

.»بجوارك

Page 168: 4206

بشرته تظلم الشاشة وتنير بين مشهد وآخر، تغمق وتفتح، أسنانه سليمة، متراصة، تصدر من فمه رائحة كعفونة

.الحذاء● ● ●

.»نعم أنا في سنة رابعة« .»معك« .»من أول سنة ثانية وأنا معك في سنة رابعة« ..لكنني كنت دائما أخاف.. نفسها.. في نفس الدفعة«

.»وال أستطيع أن أبوح ت صغيرامنذ كن.. طول عمري وأنا في سنة رابعة« .»جدا

أمي ..وأنا في سنة رابعة هذه حدثت لي أشياء كثيرة«مؤكد .. أختي حيوانة وجاهلة.. أبي الحقيقي ال أعرفه.. ماتت

سأعرفه له بشرة شهباء .. وأقتله.. سأقابل أبي الحقيقيمسلوقة مثلي وشعر أبيض كله وحاجبان وشارب وذقن

Page 169: 4206

نفس في.. وعانة كلها بيضاء ناصعة كريش الدجاجةتذكرين؟ .. هذه الدفعة نفسها منذ أيام المكتبة هي.. الدفعة

.. النظر وأنت فوق كرسيك ذي العجلتين الكبيرتين كنا نتبادلتذكرين ؟ لو علمت أن واحدا له بشرة شهباء مسلوقة وشعر أبيض كله وحاجبان وشارب وذقن وعانة بيضاء ناصعة

له أنت أبي أذهب إليه وأقول حتى الدجاجة أخبريني كريش.. وأقتل أيضا أبي المزيف هذا.. وأقتله.. وأبكي له.. الحقيقيثم أقتلك فأنا معك في نفس الدفعة وأنت غبية عمياء .. وزينب .»وال تشعرين ال ترين .»آ آ آ آ آ آ آ آ آ ه«

تختفي صورتها من سقف الحجرة األسود، وال تتوقف .عن صراخك وال هذيانك، ال تستطيع القيام ىوداء مرة أخرتداهمك كل أيامك الس

وأنت مستيقظ، تبكي، حتى نفسك على من السرير، تبولكوب الماء، إلى تصل حتى األرض على تتشنج، تزحف

تنهار في مكانك باأليام، يمران من فوقك دون اكتراث،

Page 170: 4206

يتضايقان عندما ال يجدان أكال وال شربا، والبيت في حاجة بالعمل وحده، تبصق أختك تنظيف وترتيب، يقوم أبوكإلى

.عن النظر إليها حتى رائحتك وأنت عاجزىعليك وعلتخاف من الصورة التي تبرق في سقف الغرفة المظلم

.متداخلة مموهة بشعة .»سالم عليكم«

من وسط الظالم تعرف صوتها، عمتك، كل هذه قرطها، :تفصح ذاكرتك عن صورتها الكاملة! األعوام

تها، مصاغها، الشامة البارزة في جلبابها األسود، طرحالتي سرقتها من ) أرخص ليالي(، ) أختكىكالتي لد(وجهها .وزوجها سكك حديد مصرعندها، .»سالم عليكم«

.بصوت أكثر ترددا، خوفا، خفوتابتسم لها، ترتمي في ترغبة قوية تجتاحك في أن تنهض،

ك أن يخبئ على حضنها الواسع الذي تفتقده والذي كان قادرا .من كل خوفك

Page 171: 4206

.»سالم عليكم«كحشرجة، أنت تعرف نظرة أبيك، البد أنها عرتها،

.مزقتهاألم أقل لك ال تدخلي .. اخرجي من هنا يا بنت الكلب«

..اخرجي يا بنت الكلب ..من عتبة هذا البيت مرة ثانية .»اخرجي

سريرك في الظالم والباب مغلق على برغم أنك مستلقتشعر كأن شيئا ضخما ) ل سقطت؟ه(تراها تنهار، تسقط .ال قرار إلى يهوي في فراغ نفسك

كل هذه السنين لم تدفن كلمتها العابرة عن أختك التي ! تشبهها ؟

، ثم )هل هكذا الموت؟(تصرخ، صرخة واحدة خافتة صوت بكائها متداخال مع صوت شبشبها يخفتان تدريجيا مع

.انحدار درجات السلم تدري هل أنت مستيقظ، أم نائم، تتخبط بين األسود، ال حتى يمتد بلل نصفك السفلي. أم فاقد الوعي، أم ميت

Page 172: 4206

صدرك، ولعابك وعرقك ودموعك تغرق الوسادة،. وال تستطيع رفع يديك إلبعاد الغطاء الذي يخنقك عن وجهك

تتخيل مجيء عمتك، الطرد، صوت الشبشب، ويا بنت ، لكن صرختها الكلب، وكل ما حدث مجرد كابوس، أو تهيؤ

.تظل وحدها قائمة كالطعنة في صدرك لك منه إال التبول ىشيئا فشيئا يفارقك المرض، ال يبق

فترات، والبكاء، وصورتها، على في الفراش، والتشنجأسابيع، إلى اآلن حتى تستعذب حالة االسترخاء التي امتدت

.ل مدعيا المرضظتظة بثوبها السقف األسود، فجأة تبرز الصورة، تثبت للح

الثياب، تتموه إلى ىالبني، بحجابها األبيض الكبير، ثم ال يتبقأمك، عمتك، ناهد، فتاة المكتبة، أختك، البنت التي .. المالمح

سبتك في المدرج، أمينة المكتبة، الست سعدية، ثم تخفت كل تحيد المالمح، وتبقي الثياب وابتسامتها، تكره تلك االبتسامة،

تعشقها، تكرهها، لكنك تستمسك بها، تود مشاعرك تجاهها،

Page 173: 4206

ال تمضي فتخلف وراءها الظالم األسود حتى احتضانها .الدامس

● ● ● .»أال أعجبك؟.. ماذا يا صاحبي«

النقود في جيبه، يود إخفاء الزجاجة التي على يخافآخره محاوال إلى تعلقت بها عينا الرجل، يذرع ذهنه من أوله

.إدراك ما ينبغي فعله .»ما هذه الزجاجة التي معك؟ خمرة؟«

لو يأخذها منه الرجل ىيومئ له برأسه في بطء، يتمن .ويرحل جثة.. أنا عندي واحدة.. اسمع واضح أنك دماغ«.. وقريبة من هنا.. أنا متأكد.. لم تر مثلها في حياتك. .تمام

لكن معك فلوس؟ هي .. يعني ربع ساعة.. في شارع الوحدةأوكازيون من .. أجعلها تعمل لك خصماس.. تأخذ عشرين

Page 174: 4206

الفلوس األول قبل ىلكن أر.. أجل المياه الطاهرة التي معك .»أن نتحرك

ها ئلم يمهله، يسحب الرجل منه الزجاجة، يخبفي سترته الصفراء، للحظة تعجبه تلك السترة، يقارنها بسواده، لكن يخاف من الرجل، ربما يستدرجه فيسرق منه

.، يقتلهالنقود، يغتصبه● ● ●

).مدرسة الخنساء اإلعدادية بنات(

تقف طويال أمام اللوحة السوداء فوق الباب الحديدي، أوراقك وجواب التعيين بيد عرقانة على تدخل، قابضا

.وباردةبعد عدة اضطرابات، توقيعات، أوراق، أختام، مشاوير

) دفتر تحضير دروس(بين المدرسة واإلدارة، أصبحت تحمل .دول حصص عليه خاتم المدرسة، وتوقيع الناظروج

Page 175: 4206

، تقف )١/٣(أبيض، متسخ، عليه لوحة صغيرة مستطيلة طويال أمام الباب، زعيق، صراخ، طبل، غناء يخرج إليك

أن ىمن الداخل كريح عاتية تزلزلك، وتهزك كريشة، تخشتدخل، أو أن يصعد أحد فيراك هكذا مرتجفا، خائفا، عرقان،

رقة الرفيعة أمام الباب تنوم شعرك، تسوي متسمرا في الطوال تتحرك، والفراش المحني الظهر يحوم حولك مالبسك،

بمقشته، يثير الغبار عليك في محاولة سمجة لتنحيتك دون :يئس حتى تعامل، .»لو سمحت يا أستاذ«

ببطء شديد تدفع الباب، يصنع الباب مع الحلق فرجةوة واحدة تسحب الداخل، خط إلى صغيرة، تزج بحذائك

.جسمك بعدها فتصير في الداخل، ملتصقا بالبابتشعر بنفسك مورطا، وغير مقنع، تجابه صمتهن بصمت، جمودهن بجمود، توترهن باضطراب، خوفهن برعب، واستفهامهن ببالدة، لحظة واحدة طويلة، ثم كالزوبعة

، كل األعين التي كانت معلقة بك ىيبدأ الضجيج مرة أخر

Page 176: 4206

بهمسة يبدأ الصخب، ثم بسرعة انفجار رأسك تنحرف عنك، دخولك، وأنت واقف كالباب، ىينخرطن فيما توقفن عنه لد

.ىجوار رجلك اليسر إلى التيكالمقعد، كسلة القمامة

مدة طويلة تمر، وقفتك كما هي، الضجيج يزداد، تبتل كأنما ىوتعجز عن رفع يدك لمسح عرق جبهتك، مرة أخر

صمت قويا وقادرا هذه المرة، تبرق في تذكرنك فجأة يرتفع ال إلى السبورة، فتهرب على ذهنك صورة المدرسين يكتبون

الحائط، يخذلك وأنت تدور حول نفسك على الطالء األسود، تبدو لهن مضطربا ىتبحث عن قطعة طباشير دون جدو

.وخائفا .»تفضل يا أستاذ«

ترتعد من الخضة وهي خلفك مباشرة تمد يدها بإصبع اشير، تضحكهن خضتك، تعلو الضحكة العالية لكل هذه الطب

األفواه مرة واحدة، تدفنك تحتها، تمد يدك تتناول منها اإلصبع األبيض وهي تهتز من الضحك ال تزال، تالمس

.أناملك ظهر يدها الممدودة، تشعر بانهيارات عنيفة داخلك

Page 177: 4206

).نحو( .بخط صغير، مهتز، غير مقروء

غطا بجسدك بقوة محاوال صنع المقعد ضا على ثم ترتمي .حفرة تنقذك من هذه الورطة الكبيرة

الدكك في ضيق، تتناول على ترص كتب اللغة العربية الفهرس، تفتح أول درس على أقرب كتاب منك تفتحه

.صاحبته إلى ، وترد الكتاب)إن وأخواتها(نحو .»يئاقر« .»خلصنا إن« .»ي الدرس الذي بعدهائاقر.. طيب«

تماما، تشعر بهبوط شديد، وبكل هذه األعين تستهلكوالنهود الصغيرة موجهة إليك، تقوم من مكانك وصوت

تصويرية رديئة ىالبنت وهي تقرأ يغلف المكان كموسيق .وسخيفة

تبدأ عيناك في ممارسة فعلها المعتاد، بنات في الثالث اإلعدادي وأجسادهن في الجامعة؟

Page 178: 4206

تماما ناسيا تستغرقك عملية تخطي المالبس هذهوجودهن، وصوت البنت المستمر يطمئنك، وعيناك تتقافزان

تتحرك . ركبة، يغلي دمك إلى ساق إلى نهد إلى من نهد .بشكل متوهج

السيقان، على تجدهن يتوارين بسرعة، يشددن الثياب على يرفعن الحقائب والكتب أمام صدورهن، ينحنين

بينهن عار تماما يكشفنك، وأنتىالمناضد، من الدقائق األولال تواجهك حتى مؤخرة الفصل إلى ومفضوح، تهرول

.األعين، بينما صوت البنت وحده يستمر في رتابة متعثرة .تهدأ قليال أول ما تدرك أنهن ال يرونك

وحدها ال تفعل مثلهن بمفردها تجلس في الدكة األخيرةجوارك تماما، تحمل كرتين مستديرتين، وعينين إلى

تواجه نظراتك المتحسسة بفهم غير رافض، صريحتين، .تطيل النظر فتطيل هي الالمباالة

.»خالص يا أستاذ« .»ي مرة ثانيةئاقر«

Page 179: 4206

جانبك إلى تالحظ لهاث صوتك وانفعاله، تترك يدكالحائط إلى جوارها مستند بظهرك إلى تصطدم بكتفها، وأنت كلها وهي ال تتحرك للمستك، تمتد يدك ىتنظر إليها من أعل

على ليونته الساخنة المتماسكة بقوة تثملك، تفيق منهاعلى أنفك ووجهك، وطعم التراب مختلط بالدم في على اللطمة

عينيك مرة، ومرة، على فمك، يرتفع الحذاء عاليا ليهويومرة، ومرة، والدم ينبثق، والصرخات تتدافع خارجة معهن

.من الباب الضيق الذي ال يتسع لذعرهن الكبير واحدة ست.. بص يا ابني أنا لو كان مكاني ناظرة«وهم .. لكن أنا سأعذرك ألنك شاب.. كانت حبستك.. يعني

يعينوا واحدا لم يكمل خمسا حتى أصال ال يفهمون شغلهم .))…………................وعشرين سنة في مدرسة بنات

المنطقة إلى في النهاية رفع قرار فصلك لسوء السلوك .تصديق عليهالتعليمية لل

● ● ●

Page 180: 4206

الرجل الذي أمسك بيده مشبكا أصابع ىلكن صمته أغر .يديهما بلزوجة وشبق واضح

ال يلمح رقم الميني باص، يدفعه الرجل بداخله بمجرد جوار النافذة، إلى أن عبر الطريق، يحشره في الكرسي الذي

. فخذهىأعل على يجلس بجواره واضعا يده .»ادفع«

. را من ظهور األوراق الكبيرةيخرج النقود محاذيفكر في طريقة للتخلص من . وهو يتسلم التذكرتين يفيق

.هذا األسر، من هذه اليد التي تتحسسه● ● ●

. سنين٥× ساعة ٢٤

حتى ستون مرة يتقافزها عقرب الثواني فوق رأسك .يصنع دقيقة واحدة

Page 181: 4206

السرير، تك، على في الليل األسود تسمعه وأنت ممدد ك، تك، واحد، اثنان، ثالثة، أربعة، مائة، ألف، تك،تك، ت

.تك، تك، والوقت سلحفاة ميتة تحبسك في صدفتها أن تنزل لتبحث عن عمل، على في البداية يجبرك

بنقود المواصالت التي يعطيها ىالمقه على تنزل، تجلسكوب شاي واحد، دون أن تفلح على لك، تبقي طوال اليوم

.بالكنس ورش المياه تحت قدميكحيل القهوجي لصرفك ● ● ●

.مطلع الكوبري. وكالة البلح رجل تافه .. في سرك ي علأعرف ماذا تقول«أخذتك ـ عدم .. أليس كذلك؟ لكن عندك حق.. وبقرنين

المؤاخذة ـ من الشارع لواحدة من غير ما أعرفك لحد .. لكن أنا أساسا متعلم.. أكيد عندك حق.. أو تعرفنيأن إلى وفي ثانيةىفي أول وق ولكن قعدت أسقطثانية حقولم يكن من الممكن أن .. أساسا لم أكن أذهب.. فصلت

Page 182: 4206

بعد أن حاولت مع أكثر ي علزمالئي كانوا يتكلمون.. أكملقل لي أنت ماذا .. يقولون إن هذا مرض.. من واحد منهم

.»أفعل ؟ ربنا يشفي كل مريضاربا كبيرا بمفرده طفال صغيرا يسير قىمن النافذة ير .وسط الماء المخضر

لماذا إذن .. مرض مثل القلب والسكر والروماتيزم«هل .. في الخارج ال يتعاملون هكذا.. تنظر لنا الناس باحتقار

حاولت وتزوجت ولكن من .. تعتقد أني لم أحاول أن أتوقفبصراحة .. ماذا تفعل أنت في المرض.. مرض.. فائدة غير

كنت أعرف لكن قل لي ماذا يمكن .. بأصبحت زوجتي تذه .»لها أن أقول

● ● ●

يرضخ أبوك لبقائك عاطال، مكتفيا بأن تقوم عنه وعنها .بكل أعمال البيت

Page 183: 4206

التي اعتدتها، تنزل في ىلكنك ال تنقطع عن جلسة المقهالليل بعد أن يناما، غالبا في حجرته؛ لعدم وجود نافذة في

.حجرتها على بدون منضدة متصنتاكرسي منفرد، على تجلس

على ألعابهم، كالمهم، حياواتهم، لم تعد تدفع، تعلمت أن تقعد .الحساب كما يفعلون

الغبشة بوجهك ىيقترب الفجر من البزوغ، تقوم لتتلق .الذي يكره النور

● ● ● ىأصبحت أحضر لها الزبائن ثم آخذ ما يتبق.. أقول لك«

تفرغت أنا .. ماغكد.. بعد ما تكفي نفسها وتكفي البيت .»لمرضي

ال يعرف ما عالقته هو بكل هذا، وإن طمأنته هذه .الثرثرة كثيرا

Page 184: 4206

..وأنا ال أجيد أي عمل.. هربت.. لم يعجبها الحال«كل الذين يأتون معي يطلبون .. ال توجد في يدي صنعة

هل تعرف أن أكثرهم يمشون معي ويجعلونني .. نقودان مني نقودا ثم يتركونني أشتري لهم أكال وسجائر ويأخذو

.»ويهربون الشرطة، مسرح ىينتهي الكوبري، العجوزة، مستشف

. البالونقل لي .. أعرف أن ما أفعله أكبر عيب لكني قلت لك«

نقود؟ أسرق، ليتني كنت على أنت إذن من أين أحصلاألقل أشرف من مهنة على ..كنت سرقت.. أعرف السرقة .»أليس كذلك؟.. التوصيل هذه

● ● ●

.كبرت أختكعند تلك األماكن، من يوما بعد يوم ترتفع مالبسها

فتحة طوق مالبسها عندما تنحني، على صارت تضع يدها .وتضم ركبتيها عند الجلوس جاذبة طرف الثوب عليهما

Page 185: 4206

أنت من(سوتيانات مقاس صغير، يكبر شيئا فشيئا برغم أنها (، أصابع أحمر شفاه، طالء أظفار )يغسل، أحيانا تنزل لتقف مع ناهد أمام باب )تجاوز باب الشقةال ت

.شقتها، لكنك ال تهتم .كبرتزال يدخل معها الحمام يحممها بنفسه، وتجلس ي لكنه ما

.معظم الوقت في حجره .كبرت

يأتي لها أبوك به ملفوفا في ورقة جريدة داخل كيس بالستيكي أسود، لكنك تراه في رف دوالبها بلونه التركوازي

إلى المميز، وفي صفيحة القمامة تري الفوط التي تحولت .األحمر القاتم المخجل

● ● ●

شارع السودان، المحكمة، يعرج من جانبها يمينا، يفقد ينزالن، ساحة واسعة غير مرصوفة، . األماكن بعد ذلك

Page 186: 4206

موقف ميكروباصات، محل عصير قصب وحيد، ومحل .تصليح أحذية مغلق

يدك.. تب لك المسائل ثم أترككسأصعد ألر.. بص(( .» مصلحتيىأذهب ألر حتى ..حق الدخانعلى

يجد نفسه منساقا ومزجوجا به دون إرادته، يتلفت حوله، كل الطرق ضيقة، معتمة، مسدودة، يخرج خمسة جنيهات، يعطيها له بطرف أصابعه محاذرا من لمسته التي

.تناله برغم ذلك● ● ●

جتها، ركبت سنا ذهبيا ومصاغا سمنت ناهد، واعتدلت لهفي ذراعيها، وصارت تدخن، وتزعق في الزبال والمكوجي

.واللبان، وتكلمهم بقرف رجاال غرباء يتسحبون خارجين ىفي عوداتك الليلية تر

.من البيت، وتلمح نور السلم ينطفئ من عندها● ● ●

Page 187: 4206

يحاول أن يطمئن نفسه، أن يخوفها، أن يفكر، رأسه إلى بالسائر حتى إال صوت خطواته، ال يعبأممسوحة، ليس

.جواره بطريقة راقصة مفتعلة سخيفةزقاق، والمياه القذرة إلى ممر إلى حارة إلى من حارة

.تستوطن النقر الكثيرة في األرض● ● ●

لم تستطع التخلص من لعنة الكتب، القراءة، الكتابة، نشرون لك،الجرائد برغم أنهم ال ي إلى الندوات، اإلرسال

بعد تلك العلقة التي أسقطت حتى وال من ممارسات الزحاما من أسنانك األمامية، وبعض الحروف، حين وقفت نس

و لم تعر تأففها أي اهتمام، زوجها الواقف خلفك ملتصقا بها .مالبس كل ركاب األتوبيس على فعل، ونثر دمك

Page 188: 4206

يخفي حتى كستار أشهب أمام فمك؛ىتركت شاربك يتدل .تك السفلي المقطوعةشف

آخر بيت في حارة سد، تنقبض بمجرد أن تنحني لتمر من الباب الواطئ، تنزالن عدة درجات، تسير خلفه في

السلم المتكسر وهو على الطرقة الطويلة المظلمة، تصعدان .تصطدم به حتى أمامك يتعمد التوقف كل عدة درجات

حين يطرق باب حجرة خشبية وحيدة في .. السطحصي جانبه يستبد بك خوف شديد، تتسمر في مكانك أول أق

.السطح باستسالم .»أنا زكي افتحي«

ينفتح الباب عن أجمل امرأة تراها في حياتك، جلباب نايلون أزرق بأكمام طويلة، ال يفلح في إخفاء تفاصيلها البضة، من فتحة الجلباب يصعد عنقها أبيض ناعما، وفوقه

عن الوجوه الجميلة، تنجذب وجهها أروع من كل أحالمك وال تستطيع رؤية األشياء التي بالداخل إال عندما تصعد

خلفه حجرة خشبية واسعة مطلية بالجير ىوتقف بالباب فتر

Page 189: 4206

المتساقط عن أكثرها مخلفا أفواها كبيرة بشعة تبدو من تحتها .قذارة الخشب

ن، صندوق كرتوني مملوء بالمالبس، جوزة اكنبة، سريرجاجي وغابة، إناء فخاري به فحم مطفأ فوقه علبة ببرطمان ز

معسل زغلول مفتوحة ومطوية باليد، نافذة وحيدة موصدة، وسجادة حمراء جديدة وفاقعة، ال تتسق رداءتها مع قذارة

.المكان .»ادخل يا عم«

يدفعك بيده متحسسا ظهرك بعد أن يهمس لها بشيء، ستدير المريح الوجه األبيض الم إلى ترفع عينيكىمرة أخر

، تتناول هي منه )األكثر على ثالثون عاما(كوجه راهبة :مؤخرته على الكنبة، تربت على الزجاجة، تضعها

."امش وخذ الباب في يدك" .يخرج، تدفع الباب بقدمها خلفه

. تفشل

Page 190: 4206

،عجل على األرض، ترتديها على تلملم مالبسك منوسادتي على ال تكلمك، إنما تجلس في استرخاء مستندة

السرير صامتة تراقبك وأنت تخفي حمرتك داخل الثياب السوداء، تخرج النقود من جيبك، تلقيها كلها بين فخذيها

.العاريتين، وتخرج قانعا بخزيك وبأنك خرجتشوارع، حوار، أزقة، نسوة بدينات متربعات أمام البيوت بشحمهن المتدلي، وبذاءتهن، أطفال مغطون بالذباب،

أين أنت، وال تسأل، تحس بأنك عاري المؤخرة، ال تعرف .تسح دموعك دون صوت ودون انفعال ظاهر

تتخلص من ماء عينيك لتجد عمود المحطة األحمر في :الرجل الجالس إلى مواجهتك، دون خوف تتوجه

.»أريد نقودا أركب بها« .يناولك خمسين قرشا في طيبة وعدم شك

.بيتكم إلى تركب متوجها

Page 191: 4206

حول البيت، والجالبيب البيضاء ممسكة تنزل، تحومبسجادات الصالة تتمشي من حولك، وصوت خطبة الجمعة

.من المسجد القريب يقتحمكتلمح شرفة الثاني، ناهد تنشر مالبس األمس السوداء الداخلية ومالءة السرير، تتذكر الحذاء الرجالي البني الذي

.كان خلفها وهي تصرخ فيكالعصر، تقف طويال حتى لجمعةتصعد، أبوك ينام في ا

أمام باب الشقة تتسمع، ترفع شراعة الباب الزجاجية بيدك ببطء ودون صوت، يرتفع لوح الزجاج ىأعل إلى من أسفل

من بين القضبان، ينفتح ىقليال، تسنده بيسراك، تمد يدك اليمن .المزالج، تدفع الباب ببطء وال تغلقه خلفكآخره على تك مفتوحباب غرفة أبيك موارب، وباب أخ

يكشف كل الحجرة التي ليست موجودة بداخلها، تتخطي أطراف األصابع، تخرج الحقيبة على حجرتك إلى الصالة

القديمة المتربة من أسفل السرير، ال تهتم بإزالة التراب، تجمع مالبسك القديمة، كتبك المخبأة، بعض الجرائد، تمر

Page 192: 4206

الخشبية بمواقف الدكك على بذهنك صورة أولئك النائميناألتوبيسات، تفكر لو رأيت الرجل المحترم في أن تسأله لماذا ينام هكذا ببدلته الكاملة ورباط عنقه واضعا حذاءه تحت

.رأسهتغلق الحقيبة، تخرج من الحجرة، تقف في وسط الصالة،

.تتأمل المكان بكره، بحب، بكره، بحيادية مفتعلة، بكره على الباب الموارب تراهما من ،حجرة أبيك إلى تلتفت

األرض، على السرير، متداخلين، مالبسهما مكومة بأكملهاكتفك، على عيونهما مثبتة عليك في ذعر، تعلق الحقيبة

.وتخرج دون أن تهتم بغلق الباب خلفك م٢٠٠١صيف

Page 193: 4206

. محمد صالح العزب- . القاهرة–م ١٩٨١ مواليد -

א :א –سعاد الصباح . مسابقة د–ي الرواية فى الجائزة األول-

.م٢٠٠٢ –الكويت – اإلمارات –في المجموعة القصصية " المبدعون" جائزة -

.م٢٠٠٣ .م٢٠٠٣ – للثقافة في الرواية ى جائزة المجلس األعل- – للثقافة في القصة القصيرة ى جائزة المجلس األعل-

.م٢٠٠٣ – ١٩٩٩:عاميور الثقافة في المجموعة الجائزة المركزية لهيئة قص-

.م٢٠٠١ – ٢٠٠٠ –القصصية .م٢٠٠٢ – جائزة نادي القصة في الرواية -

Page 194: 4206

: المجلس – قصص – لونه أزرق بطريقة محزنة -

.م٢٠٠٣ – للثقافة ىاألعل

:א . رواية– صالة العزلة -

Page 195: 4206
Page 196: 4206