· web view2015-05-03 · created date: 05/02/2015 04:04:00 keywords: کتابخانه قلم...

Download   · Web view2015-05-03 · Created Date: 05/02/2015 04:04:00 Keywords: کتابخانه قلم عقیده موحدين موحدین کتاب مكتبة القلم العقيدة

If you can't read please download the document

Upload: others

Post on 10-Mar-2020

2 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

(کسر الصنم)

عرض أخبار الأصول

على القرآن و العقول

دراسة نقدية شاملة لأحاديث أصول الكافي

الجزء الأول

(الإصدار الثاني)

مُنَقَّح وَ مَزِيد

تأليف:

آية الله العظمى العلامة

سيد أبو الفضل بن الرضا البُرقَعِيّ القُمِيّ

بطاقة الكتاب

عنوان الكتاب بالفارسية:

عرض اخبار اصول بر قرآن و عقول

عنوان ترجمة الكتاب إلى العربية:

عرض أخبار الأصول على القرآن والعقول

دراسة نقدية شاملة لأحاديث أصول الكافي

تأليف:

آية الله العظمى العلامة السيد أبو الفضل ابن الرضا البرقعي القُمّي (1330هـ - 1414هـ ) الموافق (1908م - 1992م)

www.borqei.com

ترجمة وتحقيق:

الدكتور سعد رستم

الناشر:

دار العقيدة للنشر و التوزيع

(www.aqideh.com)

سنة النشر:

1434 هـ . ق / 2013 م

الإشراف والإعداد:

مجموعة الموحدين

www.mowahedin.com

[email protected]

3

فهرس المحتويات

مقدمة المشروع1

مقدمة الناشر5

توطئة حول منهج آية الله البرقعي في نقد الحديث8

كلمةُ المؤلِّف إلى قُرَّاء الكتاب10

المُقدِّمَة19

التعرُّف على كتاب «الكافي»49

بعض خصائص "الكافي"54

الهدف من تأليف هذا الكتاب57

الحُجَّةُ وَالبَيِّنَةُ في الإسلام59

ما العمل إذَن؟62

تذكيرٌ مُهِمٌّ74

طريقة دراستنا لكتاب «الكافي»78

[نقد أحاديث أصول الكافي ورُوَاتِهِ]85

1- كتاب العقل والجهل85

[نماذج لروايات «سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ» التي تكشف عن ضعفه وعدم وثاقته]86

[عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي]96

[نماذج لروايات «مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى» التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته]97

[عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي]105

[نماذج لروايات «مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيّ البصْرِيّ» التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته]110

[عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي]112

[نماذج لروايات «عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته]112

[عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي]121

47 [نماذج لروايات «أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ» التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته]126

52عِلْمُ الغيب والمعجزات والكرامات في القرآن130

[عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي]149

[نماذج لرواياتِ «الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاء الكُوِفيِّ» التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته]151

[عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي]160

[نماذج لروايات «الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِي القُمِّيّ» التي تكشف عن ضعفه وعدم وثاقته]164

[عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي]168

[بيان حال «المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الجُعْفِيِّ» وذكر بعض رواياته التي تكشف عن ضعفه وعدم وثاقته]171

[عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي]173

87 [نماذج لروايات «الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ» التي تكشف عن ضعفه وعدم وثاقته]173

2- كِتَابُ فَضْلِ الْعِلْمِ179

2- بَابُ فَرْضِ الْعِلْمِ وَوُجُوبِ طَلَبِهِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ179

3- بَابُ صِفَةِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ الْعُلَمَاءِ179

4- بَابُ أَصْنَافِ النَّاسِ181

5- بَابُ ثَوَابِ الْعَالِمِ وَالْمُتَعَلِّمِ182

90نظرة إلى مسألة «فدك»182

6- بَابُ صِفَةِ الْعُلَمَاءِ187

7- بَابُ حَقِّ الْعَالِمِ187

8- بَابُ فَقْدِ الْعُلَمَاءِ187

9- بَابُ مُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ وَصُحْبَتِهِمْ188

10- بَابُ سُؤَالِ الْعَالِمِ وَتَذَاكُرِهِ188

11- بَابُ بَذْلِ الْعِلْمِ188

12- بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ189

13- بَابُ مَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ190

14- بَابُ اسْتِعْمَالِ الْعِلْمِ190

15- بَابُ الْمُسْتَأْكِلِ بِعِلْمِهِ وَالْمُبَاهِي بِهِ190

16- بَابُ لُزُومِ الْحُجَّةِ عَلَى الْعَالِمِ وَتَشْدِيدِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ190

17- بَابُ النَّوَادِرِ192

18- بَابُ رِوَايَةِ الْكُتُبِ وَالْحَدِيثِ وَفَضْلِ الْكِتَابَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْكُتُبِ195

19 - باب التقليد208

20- بَابُ الْبِدَعِ وَالرَّأْيِ وَالْمَقَايِيسِ211

21- بَابُ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ جَاءَ فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ218

22-بَابُ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ223

23- بَابُ الْأَخْذِ بِالسُّنَّةِ وَشَوَاهِدِ الْكِتَابِ265

(كِتَابُ التَّوْحِيدِ)269

24- بَابُ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الْمُحْدِثِ269

25- بَابُ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَيْءٌ272

26- بَابُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ273

27- بَابُ أَدْنَى الْمَعْرِفَةِ275

28- بَابُ الْمَعْبُودِ276

29- بَابُ الْكَوْنِ وَالْمَكَانِ276

30- بَابُ النِّسْبَةِ277

31- بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ فِي الْكَيْفِيَّةِ281

32- بَابٌ فِي إِبْطَالِ الرُّؤْيَةِ282

33- بَابُ النَّهْيِ عَنِ الصِّفَةِ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ تَعَالَى284

34- بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْجِسْمِ وَالصُّورَةِ287

35- بَابُ صِفَاتِ الذَّاتِ288

36- بَابٌ آخَرُ وَهُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّل288

37- بَابُ الْإِرَادَةِ أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الْفِعْلِ288

38- بَابُ حُدُوثِ الْأَسْمَاءِ289

39- بَابُ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَاشْتِقَاقِهَا290

40 - بَابٌ آخَرُ وَهُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً وَهُوَ الْفَرْقُ مَا بَيْنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَ أَسْمَاءِ اللهِ وَأَسْمَاءِ الْمَخْلُوقِينَ294

41 - بَابُ تَأْوِيلِ الصَّمَدِ294

42- بَابُ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ296

43 - بَابُ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ299

44 - بَابُ الرُّوحِ302

45 - بَابُ جَوَامِعِ التَّوْحِيدِ303

46 - بَابُ النَّوَادِرِ303

47 - بَابُ الْبَدَاءِ318

48 - بَابٌ فِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا بِسَبْعَةٍ339

49 - بَابُ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ339

50 - بَابُ الِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ341

51 - بَابُ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ341

52- بَابُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ356

53- بَابُ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ وَالْأَمْرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ359

54- بَابُ الِاسْتِطَاعَةِ360

55- بَابُ الْبَيَانِ وَالتَّعْرِيفِ وَلُزُومِ الْحُجَّةِ361

56- بَابُ اخْتِلَافِ الْحُجَّةِ عَلَى عِبَادِهِ361

57- بَابُ حُجَجِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ365

58- بَابُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ365

كِتَابُ الحُجَّة367

59- بَابُ الِاضْطِرَارِ إِلَى الْحُجَّةِ367

60- بَابُ طَبَقَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْأَئِمَّةِ380

61- بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ وَالْمُحَدَّثِ391

62- بَابُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِـلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ398

63- بَابُ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ400

64- بَابُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا رَجُلَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ402

65- بَابُ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ وَالرَّدِّ إِلَيْهِ403

66- بَابُ فَرْضِ طَاعَةِ الْأَئِمَّةِ408

67- بَابٌ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ شُهَدَاءُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْقِهِ423

68- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) هُمُ الْهُدَاةُ425

69- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) وُلَاةُ أَمْرِ اللهِ وَخَزَنَةُ عِلْمِهِ426

70- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) خُلَفَاءُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَرْضِهِ وَأَبْوَابُهُ الَّتِي مِنْهَا يُؤْتَى435

71- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) نُورُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ443

72- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) هُمْ أَرْكَانُ الْأَرْضِ450

73- بَابٌ نَادِرٌ جَامِعٌ فِي فَضْلِ الْإِمَامِ وَصِفَاتِهِ451

74- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) وُلَاةُ الْأَمْرِ وَهُمُ النَّاسُ الْمَحْسُودُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ453

75- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) هُمُ الْعَلَامَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ455

76- بَابُ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ (ع)456

77- بَابُ مَا فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ مِنَ الْكَوْنِ مَعَ الْأَئِمَّةِ (ع)460

78- بَابُ أَنَّ أَهْلَ الذِّكْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللهُ الْخَلْقَ بِسُؤَالِهِمْ هُمُ الْأَئِمَّةُ (ع)464

79- بَابُ أَنَّ مَنْ وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِالْعِلْمِ هُمُ الْأَئِمَّةُ (ع)479

80- بَابُ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الْأَئِمَّةُ (ع)481

81- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) قَدْ أُوتُوا الْعِلْمَ وَأُثْبِتَ فِي صُدُورِهِمْ492

82- بَابٌ فِي أَنَّ مَنِ اصْطَفَاهُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ وَأَوْرَثَهُمْ كِتَابَهُ هُمُ الْأَئِمَّةُ493

83- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ فِي كِتَابِ اللهِ إِمَامَانِ إِمَامٌ يَدْعُو إِلَى اللهِ وَإِمَامٌ يَدْعُو إِلَى النَّارِ495

84- بَابُ أَنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلْإِمَامِ495

85- بَابُ أَنَّ النِّعْمَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْأَئِمَّةُ (ع)497

86- بَابُ أَنَّ الْمُتَوَسِّمِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ وَالسَّبِيلُ فِيهِمْ مُقِيمٌ499

87- بَابُ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَى النَّبِيِّ وَالْأَئِمَّةِ (ع)503

88- بَابُ أَنَّ الطَّرِيقَةَ الَّتِي حُثَّ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهَا وَلَايَةُ عَلِيٍّ (ع)505

89- بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَشَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَمُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ506

الفهرس التفصيلي لمحتويات الجزء الأول507

أهم رواة الكافي الفاسدين الذين بيَّن المؤلِّفُ حالَهُم وحال أحاديثهم في هذا الجزء (مرتّبون حسب حروف الهجاء)521

10

11

f

مقدمة المشروع

الحمد لله الذي أنعم على عباده بنعمة الإسلام، واختار منهم أفضل عباده وأطهرهم لإبلاغ رسالة الحرية والتحرُّر من كل عبودية سوى عبودية الله، والصلاة والسلام على أهل بيتِ نبي المحبة والرحمة الكرام الأطهار، وعلى صحبه الأجلاء الأبرار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فإن الدينَ الذي نفخر به اليوم ثمرةٌ لجهاد رجال الله وتضحياتهم؛ أولئك الذين كانت قلوبهم مُتَيَّمةً بحب الله، وألسنتهم لَـهِجَةً بذكر الله، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل حفظ رسالات الله ونشرها، واضعين أرواحهم وأموالهم وأعراضهم على أكفهم ليقدِّموها رخيصةً في سبيل صون كلمة الله سبحانه و سنة نبيه الكريم، لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، ولا يخشون إلا الله.

أجل، هكذا قامت شجرةُ الإِسْلاَمُ العزيز واسْتَقَرَّت ضاربةً بجذورِها أعماق الأرض، بالغةً بفروعها وثمارها عنان السماء، مُعْليةً كلمة التوحيد والمساواة.

ولكن في أثناء ذلك، تطاولت على قامة الإسلام يد أعدائه الألدَّاء، وظلم علماء السوء وتحريف المتعبِّدين الجَهَلة، فَشَوَّهُوا صورة الإسلام الناصعة بشركهم وغلوهم وخرافاتهم وأكاذيبهم، إلى درجة أن تلك الأكاذيب التي كان ينشرها المتاجرون بالدين غطَّت وجه الإسلام الناصع. وقد اشتدَّ هذا المنحى من الابتعاد عن حقائق الدين وعن سنة رسول الله الحسنة، بمجيء الصفويين إلى حكم إيران في القرن التاسع الهجري ثم بقيام الجمهورية الإسلامية في العصر الحاضر، حتى أصبحت المساجد اليوم محلاً لِـلَطْمِ الصدور وإقامة المآتم ومجالس العزاء، وحلَّت الأحاديث الموضوعة المكذوبة محل سنة النبيص، وأصبح المدَّاحون الجهلاء الخدّاعون للعوام، هم الناطقون الرسميون باسم الدين؛ وأصبح التفسير بالرأي المذموم والروايات الموضوعة المختَلَقة مستمسكاً للتفرقة بين الشيعة والسنة، ولم يدروا للأسف من الذي سينتفع ويستفيد من هذه التفرقة المقيتة؟

إن دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تُرْفع اليوم في إيران، ليست سوى ضجَّة إعلامية ودعاية سياسية واسعة، القصد منها جذب الأنظار وإعطاء صورة جيدة عن حكومة إيران الشيعية في العالم. إن نظرةً إلى قادة الشيعة في إيران وزعماءهم الدينيين ومراجعهم تدل بوضوح على هذه الحقيقة وهي أن التقريب بين المذاهب الإسلامية والأخوَّة والمحبَّة الدينية بين المسلمين، على منهج حُكَّام إيران الحاليين، ليست سوى رؤيا وخيالٍ وشعارات برَّاقة لا حقيقة لها على أرض الواقع.

في هذا الخِضَمّ نهض أفراد مؤمنون موحِّدون من وسط مجتمع الشيعة الإمامية في إيران، دعوا إلى النقد الذاتي وإعادة النظر في العقائد والممارسات الشيعية الموروثة، ونبذ البدع الطارئة والخرافات الدخيلة، وإصلاح مذهب العترة النبوية بإزالة ما تراكم فوق وجهه الناصع منذ العصور القديمة من طبقات كثيفة من غبار العقائد الغالية والأعمال الشركية والبدعية، والأحاديث الخرافية والآثار والكتب الموضوعة، والعودة به إلى نقائه الأصلي الذي يتجلى في منابع الإسلام الأصيلة: القرآن الكريم وما وافقه من الصحيح المقطوع به من السنة المحمدية الشريفة على صاحبها آلاف التحية والسلام وما أيَّدهما من صحيح هدي أئمّة العترة الطاهرة وسيرتهم؛ وشمَّر هؤلاء عن ساعد الجِدّ وأطلقوا العِنان لأقلامهم وخطبهم و محاضراتهم لإزالة صدأ الشرك عن معدن التوحيد الخالص، ولسان حالهم يقول: «انهض أيها المسلم وامحُ هذه الخرافات والخزعبلات عن وجه الدين، واقضِ على هذا الشرك الذي يتظاهر باسم التقوى، وأعلن التوحيد وحطِّم الأصنام».

لقد اعتبر «حيدر علي قلمداران القمِّي» - وهو أحد أفراد تلك المجموعة من الموحِّدين المصلحين - في كتابه «طريق الاتحاد»، أن سبب هذه التفرقة هو جهل المسلمين بكتاب الله وسيرة نبيه، وسعى من خلال كشف الجذور الأخرى لتفرُّق الفرق الإسلامية، إلى التقدّم خطوات مؤثرة نحو التقريب الحقيقي بين المذاهب. ولا ريب أن جهود علماء الإسلام الآخرين مثل آية الله السيد أبو الفضل ابن الرضا البرقعي، و السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي، وآية الله شريعت سنكلجي، ويوسف شعار وكثيرين آخرين من أمثال هؤلاء المجاهدين في سبيل الحق، أسوة ونبراس لكل باحث عن الحق ومتطلِّعٍ إلى جوهر الدين، كي يخطوا هم بدورهم أيضاً خطوات مؤثرة في طريق البحث والتحقيق التوحيدي، مُتَّبِعين في ذلك أسلوب التحقيق الديني وتمحيص الادِّعاءات الدينية على ضوء التعاليم الأصيلة للقرآن والسنة، ليعينوا ويرشدوا من ضلوا الطريق وتقاذفتهم أمواج الشرك والخرافات والأباطيل، ليصلوا بهم إلى بر أمان التوحيد والدين الحق.

إن المساعي الحثيثة التي لم تعرف الكلل لِرُوَّاد التوحيد هؤلاء لَهِيَ رسالةٌ تقع مسؤوليتها على عاتق الآخرين أيضاً، الذين يشاهدون المشاكل الدينية لمجتمعنا، ويرون ابتعاد المسلمين عن تعاليم الإسلام الحيَّة، لاسيما في إيران.

هذا ولا يفوتنا أن نُذَكِّر هنا بأن هؤلاء المصلحين الذين نقوم بنشر كتبهم اليوم قد مرُّوا خلال تحوُّلهم عن مذهبهم الإمامي القديم بمراحل متعددة، واكتشفوا بطلان العقائد الشيعية الإمامية الخاصة - كالإمامة بمفهومها الشيعي والعصمة والرجعة والغيبة و... وكالموقف مما شجر بين الصحابة وغير ذلك - بشكل متدرِّج وعلى مراحل، لذا فلا عجب أن نجد في بعض كتبهم التي ألفوها في بداية تحولهم بعض الآثار والرسوبات من تلك العقائد القديمة لكن كتبهم التالية تخلَّصت بل نقدت بشدة كل تلك العقائد المغالية واقتربوا للغاية بل عانقوا العقيدة الإسلامية الصافية والتوحيدية الخالصة.

***

الأهداف:

تُمثِّلُ الكتبُ التي بين أيديكم اليوم سعياً لنشر معارف الدين وتقديراً لمجاهدات رجال الله التي لم تعرف الكَلَل. إن الهدف من نشر هذه المجموعة من الكتب هو:

1- إمكانية تنظيم ونشر آثار الموحِّدين بصورة إلكترونية على صفحات الإنترنت، وضمن أقراص مضغوطة، و بصورة كتب مطبوعة، لتهيئة الأرضية اللازمة لتعرُّف المجتمع على أفكارهم التوحيدية وآرائهم الإصلاحية، لتأمين نقل قِيَم الدين الأصيلة إلى الأجيال اللاحقة.

2- التعريف بآثار هؤلاء العلماء الموحِّدين وأفكارهم يشكِّل مشعلاً يهدي الأبحاث التوحيدية و ينير الدرب لطلاب الحقيقة ويقدِّم نموذجاً يُحْتَذَى لمجتمع علماء إيران.

3- هذه الكتب تحث المجتمع الديني في إيران الذي اعتاد التقليد المحض، وتصديق كل ما يقوله رجال الدين دون تفكير، والذي يتمحور حول المراجع ويحب المدَّاحين، إلى التفكير في أفكارهم الدينية، ويدعوهم إلى استبدال ثقافة التقليد بثقافة التوحيد، ويريهم كيف نهض من بطن الشيعة الغلاة الخرافيين ، رجال أدركوا نور التوحيد اعتماداً على كتاب الله وسنة رسوله.

4- إن نشر آثار هؤلاء الموحِّدين الأطهار وأفكارهم، ينقذ ثمرات أبحاثهم الخالصة من مقصِّ الرقيب ومن تغييب قادة الدين والثقافة في إيران لهذه الآثار القَيِّمة والتعتيم عليها، كما أن ترجمة هذه الآثار القَيِّمة لسائر اللغات يُعَرِّف الأمّة الإسلامية بآراء الموحدين المسلمين في إيران وبأفكارهم النيِّرة.

***

آفاق المستقبل

لا شك أنه لا يمكن الوصول إلى مجتمع خالٍ تماماً من الخرافات والبدع وإلى المدينة الفاضلة التي تتحقق فيها الطمأنينة في ظلِّ رضا الله سبحانه وتعالى، إلا باتِّباع التعاليم النقيَّة الأصيلة للقرآن الكريم وسنة نبي الرحمة والرأفة ص. إن هدف القائمين على نشر مجموعة آثار الموحِّدين هو التعريف بآثار هؤلاء المجاهدين العلميين الكبار، كي تكون معرفة الفضائل الدينية والعلمية لهؤلاء الأعزاء، أرضية مناسبةً لنموّ المجتمع التوحيدي والقرآني في إيران وقوّته، وذلك لنيل رضا الخالق وسعادة المخلوق.

نسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكلمات المختصرة وسيلة لعلوّ درجات أولئك الأعزاء، وأن يمنّ علينا بالعفو.

a

مقدمة الناشر

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة العبودية له، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وآخر رسل الله محمد المصطفى وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار.

وبعد، فقد كان المسلمون طول القرون المنصرمة سبَّاقين للآخرين في تحصيل العلم والمعرفة وتعلُّم العلوم المختلفة، وذلك ببركة تعاليم الإسلام العزيز واتِّباعاً منهم لكلام رسول الله ، حتى صار العلماء المسلمون في أواخر فترة الخلافة العباسية سادة العلوم في عصرهم، وتحول بيت الحكمة الذي تأسس في بغداد في النصف الثاني من القرن الهجري الثاني في عهد خلافة هارون الرشيد العباسي، إلى أكبر مؤسسة علمية وبحثية في العالم، ولا يزال بيت الحكمة يُعتَبر مظهراً من مظاهر الحضارة الإسلامية وذلك بفضل نشاطاته الثقافية والعلمية في المجالات المختلفة من تأليف وترجمة واستنساخ وأبحاث متنوعة في المجالات العملية المختلفة سواء الطب والهندسة أم العلوم الإنسانية.

ولا شك أن هذه القوة العلمية للمسلمين كانت بمثابة شوكة في أعين أعداء الإسلام، لذلك سعوا من خلال بثِّ أسباب الفرقة والاختلاف بين المسلمين إلى تحطيم عَظَمَة الإسلام هذه وسؤدده الذي يعود الفضل فيه إلى وحدة المسلمين وتماسكهم والأخوة السائدة بينهم، فأثار أعداء الإسلام عواصف النزاعات والتفرقة بين المسلمين كي يحجبوا جمال الحق عن أبصارهم، ويخفوا شمس الدين المشعة خلف غيوم البدع والخرافات. وكما يقول الشيخ سعدي الشيرازي:

الحقيقــة مكـان مزَينٌألا ترى أن كل مكان اعتلاه الغبار

لكن الهوى والرغبات أثارا الغبار فوقهلا يقع عليه النظر ولو كان الرجل بصيراً

إن المساعي المخطط لها وعلى المدى الطويل لأعداء الإسلام، لأجل إغلاق أعين المسلمين عن حقيقة الدين وإضعاف المسلمين عن تعلُّم معارف الدين ونشرها، وإبعادهم عن سنة النبي الأصيلة الهادية، أدت إلى حدوث فجوة عميقة واختلاف كبير في أمة الإسلام وأصبح أبناء الإسلام اليوم يعانون بشدَّة من تبعات هذه الفجوة وآثارها المشؤومة.

وبموازاة مساعي أعداء نبي الإسلام العِدائية الرامية إلى تحريف تعاليم الإسلام وتشويهها وإدخال البدع المختلفة في الدين، أدرك أشخاصٌ مؤمنون أطهار شفيقون هذا الخطر، ونهضوا مشمِّرين عن ساعد الجِد والجهاد المتواصل لإحياء معالم الإسلام والسنة النبوية الأصيلة، وتناولوا بأيديهم -بشجاعة منقطعة النظير- أقلامهم وأخذوا يكتبون ويؤلفون في نشر ثقافة الإسلام الأصيلة والعقائد الإسلامية الصحيحة النقية بين أوساط الشيعة عُبَّاد الخرافات، وصدحوا بينهم بنداء التوحيد بصوت عال أيقظ المتاجرين بالدين والبدع من نوم غفلتهم مذعورين! لقد ضحى هؤلاء الموحدون الطالبون للحق والحقيقة بمصالحهم الشخصية فداء للحقيقة، وقدموا أرواحهم في هذا السبيل هديةً رخيصةً للحق تعالى، وصاروا عن حق مصداقاً لقوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس/62].

إن ما جاء في هذه المجموعة ليس سوى غيضٍ من فيض المعارف الإلـهية، ومُنْتَخَبٍ من آثار الموحدين الطالبين لله تعالى الذين كانوا ينتمون في بداية أمرهم لطائفة الشيعة. لقد أشرق نور الله في صدورهم، وصار التوحيد نبراس حياتهم المباركة. لقد تم تحرك هؤلاء الأفراد الذين كانوا جميعاً في بداية أمرهم من الطراز الأول من علماء الشيعة في إيران، في مسيرتهم التحولية من مذهبهم القديم، خطوةً خطوةً؛ بمعنى أن نظرتهم إلى المسائل العقائدية لم تتحول بشكل فجائي مرةً واحدةً، بل حَصَل هذا التحول بمرور الزمان وعلى إثر المطالعة والدراسة المتأنية والتواصل مع من يوافقهم في أفكارهم، لذا من الطبيعي أن لا تنطبق بعض رؤى وأفكار هؤلاء الإصلاحيين في بعض مراحل حياتهم وكتاباتهم، مع عقائد أهل السنة والجماعة واتجاهاتهم الفكرية بشكل كامل؛ لكن رغم ذلك قمنا بنشر هذه المؤلفات كما هي نظراً لأهميتها في هداية شيعة إيران وغيرهم من الناطقين باللغة الفارسية. كما أنه من الجدير بالذكر أن الرؤى والمواقف الفكرية المطروحة في هذه الكتب، لا تنطبق بالضرورة مع رؤى الناشر والقائمين على نشر هذه المجموعة من الكتب، هذا على الرغم من أن هذه الكتب تمثل بلا ريب نفحةً من نفحات الحق و نوراً من جانب الله لهداية طالبي الحقيقة البعيدين عن العصبيات والظنون التاريخية الطائفية.

إن النقطة الجديرة بالتأمّل هي أنه للوقوف بشكل صحيح على رؤى وأفكار هؤلاء الأفراد، لا يمكن الاكتفاء بقراءة مجلد واحد من آثارهم؛ بل لا بد من قراءة حياتهم بشكل كامل، كي يتم التعرُّف بشكل كامل على كيفية تحولهم الفكري، ودوافعه وعوامله. فعلى سبيل المثال، ألف آية الله السيد أبو الفضل البرقعي في الفترة الأولى من بداية تحوله الفكري كتاباً بعنوان «درسى از ولايت» أي «درسٌ حول الولاية»، بحث فيه موضوع الأئمة وادعاء الشيعة حول ولايتهم وإمامتهم ورئاستهم المباشرة للمسلمين بعد نبي الله . واعتبر أن عدد الأئمة 12 إماماً، مصحِّحاً بذلك الاعتقاد بوجود محمد بن الحسن العسكري وحياته حتى الآن، بوصفه الإمام الثاني عشر. لكن المؤلِّف نفسه ألف بعد عدة سنوات كتاباً باسم «تحقيق جدي في أحاديث المهدي» ووضع تحت تصرف القراء نتائج بحثه التي توصل إليها في هذا المجال، وهي أن جميع الأخبار والروايات التاريخية المتعلِّقة بولادة ووجود المهدي إمام الزمان، روايات وأخبار موضوعة وكاذبة. من هذا المثال ومن أمثلة مشابهة أخرى يتبيَّن أن أفضل طريق لمعرفة المسيرة التحولية لأفكار هؤلاء الموحدين وآثارهم هي قراءة مجموعة كتاباتهم بشكل كامل، مع الأخذ بعين الاعتبار تقدم كل مؤلَّف من مؤلَّفاتهم أو تأخّره زمنياً.

نأمل أن تكون آثار هؤلاء المؤلّفين الكبار ومساعي القائمين على نشرها، سبباً للعودة إلى مسيرة الأمن الإلـهية وعبادة الحق سبحانه وتعالى الخالصة.

نسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكلمات المختصرة وسيلة لغفران ذنوبنا وأن يسامحنا إذا وقعنا في خطأ أو زلل، وأن يرحم أرواح أولئك المؤلفين الأعزَّاء ويجعلهم في جوار رحمته، إنه رؤوف رحيم، والحمد لله رب العالمين.

تنبيه: عند الاستدلال بآيات القرآن الكريم، يكتفي العلامة البرقعي بذكر إحدى الآيات، ثم یشیر إلى باقي الآيات بذكر اسم السورة ورقم الآية دون نص الآية.

توطئة حول منهج آية الله البرقعي في نقد الحديث

اعتمد آية الله البرقعي منهج العرض على القرآن والعقل في نقد مصادر الحديث، وهو يرى أننا لو استخدمنا منهج العرض على القرآن الكريم لما واجهنا اليوم مثل هذه المشكلات والخرافات، ويصرِّح بأنه وجد الكافي- أهم مصدر حديثي لدى الشيعة الإمامية- في كثير من مواضعه مغايراً للقرآن، مليئاً بالغلوّ والخرافات، غير موافق للعقل الإنساني.

وينقل البرقعي عن الأستاذ «حيدر علي قلمداران» - مؤيداً-: أنَّ علمي الدراية والرجال على ما فيهما من فائدة، لا ينفعان في أن يغدوا معياراً، بل المعيار هو العرض على الكتاب شريطة الاعتقاد بأن القرآن لا يحتاج إلى تفسير.

ومن فكرة العرض على الكتاب هذه ثم العقل -كما يفيده عنوان الكتاب - تعزَّزت بشكل قاطع عنده مقولة نقد المتن، حتى يمكننا القول: إن كتابه الحالي في نقد الكافي يُعَدّ من أبرز كتب نقد المتن الشيعية، بقطع النظر عن مدى نجاحه في خطوته هذه، وما يقوّي عند البرقعي معياريّة نقد المتن أن الرواة الكذَّابين كانوا يَدُسُّون الروايات دون حاجة إلى إدراج اسمهم في سلسلة الأسانيد، من هنا، يبقى السبيل الوحيد لوزن النصوص ومحاكمتها هو الجلوس مع متنها لنقده وتمحيصه.

من هنا، اتخذ البرقعي معياراً في تقويم النصوص الحديثيّة وهو نقد المتن أولاً ثم اللجوء بعد صحّة المتن - عقلاً وقرآناً- إلى السند، وما لم يصحّ المتن فلا حاجة للبحث في السند فصحّته وبطلانه سيّان، آخذاً على العلماء الاقتصار على نقد السند.

وقد طوّر البرقعي من تصوُّره لأولويّة نقد المتن أن جعله معياراً للحكم على الرواة، فذهب إلى أن معرفة الراوي إنما تكون بدراسة رواياته، لا بمراجعة كلمات علماء الجرح والتعديل فقط، فمن علامات ضعف الراوي روايته الخرافات والمنكرات، ولهذا ضعّف البرقعي «علي بن إبراهيم القمّيّ» الذي يُنسب إليه تفسير القمِّيّ المعروف والذي عُدّ من أكابر علماء الشيعة في عصر الحضور، وسبب تضعيفه له روايته - كما يرى- أحاديث تنص على وقوع تحريف في بعض ألفاظ القرآن فضلاً عن روايته للخرافات والغلوّ وما ينافي القرآن.

إن الأئمة ابتُلوا وظلموا - من وجهة نظر البرقعيّ - بأعدائهم وبالمحيطين بهم على السواء فقد كان هناك متربّصون من جهة وجهّال غلاة من جهة أخرى، فلا سبيل إلا نقد المتن وتعرية المضمون.

أما معايير نقد المتن فلم يضف البرقعي عليها شيئاً مما كان علماء الحديث والدراية الإمامية قد ذكروه من قبل، من مخالفة القرآن بصريحه أو مفهومه، أو مخالفة السنة القطعية أو حقائق التاريخ، أو مخالفة العقل الصريح، أو مخالفة قواعد الأخلاق وأصولها، أو مخالفة الأصول العلمية المسلّمة، أو عدم نقل إلا عدد قليل جداً للخبر مع توافر الدواعي إلى نقله، أو ذكر ثواب هائل و عقاب عظيم على فعل يسير حقير...

نعم الشيء الذي حصل فيه تغيّر مع البرقعي ليس المعايير لاكتشاف عيوب متن الحديث بل التطبيقات العملية لتلك المعايير، حيث شهدت معه اتساعاً، رفضه الناقدون([footnoteRef:1]). [1: () مستفاد بتلخيص وتصرف من: حيدر حبّ الله، «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي»، بيروت، دار الانتشار العربي، 2006م، ص 649 - 651. (المُتَرْجِمُ)]

كلمةُ المؤلِّف إلى قُرَّاء الكتاب

اعلم أن كاتب هذه الأوراق مُؤمِنٌ ومُعتَقِدٌ بالله تبارك وتعالى وبِرُسُلِ اللهِ وبيومِ الجزاءِ وبأئمةِ الهُدَى، وبريءٌ من أئمة الضلالة ورؤساء الكفر والشرك والخرافات والظُّلم.

كان هذا العبد الفقير، ولمدة أربعين سنةً تقريباً، من الطبقة الأولى من علماء الشيعة الإمامية ومراجعهم ومن مُجتهديهم في الدين وقد حصلتُ على إجازة الاجتهاد من الحوزة العلمية في قم والنجف، وأصبحتُ من المُجتهدين في العلوم الإسلامية والدينية بشهادة مراجع الشيعة الإمامية في تينك الحوزتين وبتوثيقهم لي وتعريفهم الناسَ عليَّ، وأمضيتُ سنين طويلة في تدريس العلوم الشرعية والكتب الحوزوية.

كان كاتب هذه السطور منذ شبابه يشعر بالحزن والألم لانحطاط المسلمين وذُلِّهِم وتفرُّقِهم وكنتُ أبحث دائماً عن حلٍّ لمشاكل المسلمين الفكرية والعقائدية وكنت أرى أن أكبر مانعٍ يمنع رُقيَّ المسلمين وتقدّمهم وسعادتهم هو وجود أصحاب الدكاكين المذهبية المُسترزقين بالدين وكنت غالباً ما أترنم بهذين البيتين:

دردا كـــه دواى درد پنهـــــانــى مـــاافسوس كه چارهی پريشانى ما

در دست كسانى است كه پنداشتهاند آبــادى خويش را به ويرانى مــا

أي:

وا ألماه، دواء دائنا الخفيّ وا أسفاه، حل مشكلة اضطرابنا

بِيَدِ أشخاصٍ قد ظَنُّــوا أن عمرانهم لا يكون إلا بخرابنا

إن هؤلاء المتظاهرين بالعلم وأصحاب الحوانيت المذهبية من طُلَّاب الجاه، حجر عثرة أمام البحث والتحقيق والتأمل ورشد الناس ووعيهم ويقظتهم. إنَّهُم يريدون أن يكون المجتمع المحيط بهم مثل حيّ العميان؛ كي يقبلوا ادِّعاءاتهم التي لا دليل عليها وعقائدهم الموروثة عن آبائهم وخرافاتهم قبولاً أعمى، ولكي لا تظهر عيوبهم ونقائصهم بل تبقى خفيةً على الناس لا ينتبه إليها أحد.

ومن الضروري هنا أن أُؤكد أنني بتأليفي لهذا الكتاب لا أقصد أبداً تأييد أي مذهب محدَّد من المذاهب الفقهية في العالَم الإسلامي والدفاع عنه، لأن سائر المذاهب أيضاً، على اختلاف في الدرجة بالطبع، لا تخلو من الخرافات والأخطاء أيضاً، وإنَّما قمت بتأليف هذا الكتاب خدمةً لإخواني الشيعة. وقمت في هذه الأوراق بالبحث والتدقيق من بين مذاهب المسلمين، بالمذهب الجعفري الاثني عشري الذي يرى أتباعُهُ أن مذهبهم أفضل مذهب من مذاهب المسلمين وأنهم أتباع أهل بيت رسول الله الكرام، وقد أمضيتُ سنوات عديدةً من عمري في دراسة هذا المذهب والتحقيق فيه واخترته للتأمل فيه وتمحيصه وانصرفت في هذا المجال إلى دراسة أهم كتب هذا المذهب يعني "أصول الكافي" الذي ألَّفه أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، وكما ستلاحظون، وجدنا هذا الكتاب يُناقض في كثير من موارده القرآن الكريم، ووجدناه مليئاً بالخرافات، كما وجدنا أن بعض ما فيه لا يتفق مع القواعد العقلية أيضاً. وإذا كان هذا حال هذا الكتاب، رغم كل المديح والثناء الذي يُغدقه عليه أتباعه، فحال كتب الأخبار الأخرى واضحٌ!

سنطرح في هذه الأوراق الأسئلة التي طرحناها في كتبنا الأخرى، كسؤالنا: لماذا لم يُبيِّن الله تعالى لمسلمي صدر الإسلام أصول الدين التي تعتقدون بها بشكل صريح ولم يقل مثلاً إن «العدل» من أصول الدين أو أصول المذهب، إلى أن جاء علماء الإمامية بعد عدّة قرون واعتبروا «العدل» من أصول الدين في مواجهة الأشاعرة؟

لماذا اعتبر صُنَّاع المذاهبِ الأئمةَ الكرام عليهم السلام الذين كانوا أنفسهم تابعين للدين، اعتبروهم من أصول الدين واعتبروا عدم الإيمان بالأئمة ضلالاً، في حين أن أبا الأئمة حضرة عليٍّ قال في دعائه: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيداً، أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَّ رَسُولَكَ مُحَمَّداً نَبِيِّي، وَأَنَّ الدِّينَ الَّذِي شَرَعْتَ لَهُ دِينِي، وَأَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ إِمَامِي"([footnoteRef:2]). [2: () الصحيفة العلوية، الدعاء 63.]

فلم يعتبر الإمام نفسه لا أصل الدين ولا فرعه بل لم يُشر أصلاً إلى أصل الإمامة.

هل كانت أصول دين حضرة عليّ وفروع دينه: الإيمان بنفسه والإيمان بأبنائه؟ وإن لم يكن كذلك فهل هناك فرق بين أصول دين الإمام والمأموم؟ لماذا إذن اخترع الذين يدّعون اتِّباع عليّ ومحبتهم له مذهباً خاصاً بأنفسهم؟

هل ادّعى الإمام الصادق حقيقةً أنه جاء بمذهب؟ أم أن المُسترزقين بالدين أوجدوا مذهباً باسم ذلك الإمام؟

هل دين الله دينٌ واحدٌ وطريقٌ واحدةٌ ومسلكٌ واحد أم مئة مذهبٍ ومسلك؟ لماذا لا يَدَعُ علماءُ المذاهب هذه الأسماءَ والمذاهبَ المُفرِّقةَ جانباً؟

علاوةً على ذلك، نحن نرى أن كتاب «الكافي» هذا ذاته رَوَى عن الإمام الصادق قوله: «مَا لَكُمْ وَلِلنَّاسِ كُفُّوا عَنِ النَّاسِ وَلَا تَدْعُوا أَحَداً إِلَى أَمْرِكُمْ..... كُفُّوا عَنِ النَّاسِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ عَمِّي وَأَخِي وَابْنُ عَمِّي وَجَارِي»([footnoteRef:3]). [3: () أصول الكافي، 1، 165، باب الهداية أنها من الله عز و جل، الحديث الأول. و 2، 213، باب ترك دعاء الناس، الحديث الثاني.]

لكن عدداً ممن يُسمَّون بمُروِّجي المذهب يدْعُونَ الناسَ إلى مذهب الشيعة [الإمامية]، ويسترزقون من هذا الباب وخاصةً بعد الثورة، إذْ أخذوا يصرفون أموالاً طائلةً في طريق دعوة المسلمين وغير المسلمين إلى مذهب التشيُّع!

لقد أردت في هذا الكتاب تحطيم الأصنام، لأن لِكُلِّ قومٍ صنمًا خاصًّا بهم. فأحياناً يكون هذا الصنم حجراً وأحياناً يكون حيواناً أو شجراً وأحياناً يكون إنساناً أو هوى نفس وَ......... وكل شيء يحرف الإنسان عن مسير العقل والتحقيق ويجعل الإنسان يتعصب له([footnoteRef:4]) يُمكن اعتباره صنماً. [4: () لدينا روايات عديدة في ذمّ التعصب منها: قول النبيّ : "مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ عَصَبِيَّةٍ بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَعْرَابِ الْجَاهِلِيَّة". (أصول الكافي، 2، 308، باب العصبية).وقال الإمام الصادق : "مَنْ تَعَصَّبَ أَوْ تُعُصِّبَ لَهُ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِيمَانِ مِنْ عُنُقِهِ". (أصول الكافي، 2، 307، باب العصبية). وقال أيضاً: "مَنْ تَعَصَّبَ عَصَبَهُ اللهُ بِعِصَابَةٍ مِنْ نَار". (أصول الكافي، 2، 308، باب العصبية).وقال أمير المؤمنين عليّ : "فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ وَمَحَامِدِ الْأَفْعَالِ وَمَحَاسِنِ الْأُمُورِ الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ وَ النُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَب..". [نهج البلاغة، الخطبة رقم 194 المعروفة بالخطبة القاصعة، ص 295]، و(سفينة البحار، للشيخ عباس القمي، 2، 199).]

وكتاب «أصول الكافي» الذي يُخالف كثيرٌ مما فيه العقلَ والقرآنَ أصبحَ صنماً وأصبح بعض الناس يعتبرون ما فيه وكأنه وحيٌ إلهيٌّ، بل يهتمُّون به عملياً أكثر من اهتمامهم بكتاب الله. وإن اعتبروا أن كتاب الوحي (القرآن) ليس كافياً، فإنهم يعتبرون كتاب «الكُلَيْنِيّ» كافياً للعمل ولنيل السعادة (!) ويتعصبون له ويُذعنون لما فيه من مطالب اتِّباعاً للذين يُعظّمون من شأن هذا الكتاب دون أن يقوموا هم أنفسهم بدراسة هذا الكتاب وتمحيص رواياته بتجرُّدٍ ودون تعصُّب!!

لقد قمنا بالتحقيق في كتاب «الكافي» وتمحيص أخباره ونعتبر أن من الواجب علينا أن نُعلن أن هذا الكتاب يتضمن أموراً متناقضةً يُناقض بعضها بعضاً كما يتضمن خرافاتٍ كثيرةً وأموراً مخالفةً للقرآن الكريم، لذا نُقدِّم هذا التأليف الحالي إلى القراء الكرام بهدف نقد «أصول الكافي».

نأمل أن يعود المُتدينون والمُنصفون من طُلَّاب الحق إلى أنفسهم ويُفكروا قليلاً دون تعصب وأحكام مسبقة ويُزيلوا العوائق التي تمنعهم من الوصول إلى العقيدة الصحيحة والتقدم والرُّقيّ.

ولا يخفى أنني قمت بتأليف عدد من الكتب بهدف توضيح حقائق الدين المبين وإزالة الخرافات منها: «درسى از ولايت» (أي درسٌ حول الولاية) و«خرافات وفور در زيارات قبور» (أي الخرافات الوافرة في زيارات القبور) و«تابشى از قرآن» (أي تفسير شعاعٌ من القرآن)، وَ«بررسى علمى در احاديث مهدى» (أي تحقيق علمي في أحاديث المهدي) وَ...... وألَّفْتُ هذا الكتاب الحاضر وليس لي من هدف سوى كسب رضا الحق وأداء واجبي الشرعي وخدمة إخوتي في الدين ونجاتهم، ولكن للأسف منع المسؤولون، الذين يدَّعون تمسكهم بالإسلام الأصيل ويُنادون بالحرية والتنوير والثقافة، طبع هذا الكتاب ونشره! إلى درجة أنني قمت بنفسي بمراجعة الموظفين المسؤولين وقلت لهم: إن وجدتم في هذا الكتاب أي إشكال أو أمر مخالف للواقع أو مخالف لأصول الإسلام فأخبروني عنه حتى أقوم بتصحيحه وإصلاحه لكنهم أجابوني قائلين: نحن لم نقم بالثورة حتى نُجيب أمثالك!! وتعاملوا معي بكل بغض وعداء وتعصب وجهل. بل حاول بعضهم اغتيالي بجرم تأليفي لمثل هذه الكُتُب وتعرضتُ أكثر من مرَّة للحبس والنفي وتمَّ توقيفي واستجوابي عدة مرَّات وتعرضت لكثير من الإهانة والسبّ والأذى وشعرتُ أن الخرافيين أحسُّوا أن في هذه الكتب خيراً وفائدةً حتى اضطربوا كل هذا الاضطراب وغضبوا من تأليفها كل هذا الغضب ووصل بهم الأمر إلى أنهم لم يستنكفوا عن محاولة قتلي، ولهذا السبب وبعد السجن للمرَّة الثالثة ومنعي وحرماني من إقامة صلاة الجمعة في بيتي ومنعي من الخطابة ومن أن أعقد حلقات تدريس تفسير القرآن للناس، وطبقاً للمثل القائل: "قد يكون العدو سبباً للخير إن أراد الله"([footnoteRef:5])، فقد وفر لي ذلك المنع وتلك الحدود الوقتَ اللازم كي أستخدم قلمي على الأقل ولا أدعه يسكت ويُمارس التقية خلال تلك المدة، فقمت بتنقيح بعض مؤلفاتي ومن جملتها هذا الكتاب الذي كنت قد ألفته في المرّة الأولى على عجل مع شعوري في ذلك الوقت باليأس من استيقاظ الناس فكانت هناك نواقص وعيوب كثيرة في نسخته الأولى، فقمت بقدر المستطاع بإصلاحات كثيرة فيه وأجريت تغييرات وأضفت تفاصيل وتوضيحات أكثر على ما فيه، فأضفت مثلاً تخريج أرقام آيات القرآن والترجمة الفارسية لما فيه من آيات قرآنية أو أحاديث كانت مدرجة باللغة العربية فقط، إضافةً إلى إصلاحي لبعض أخطائي فيه، كما أنني أوردتُ في بعض المواضع الحوارات التي جرت بيني وبين بعض الخرافيين دون ذكر لأسمائهم، وأشرتُ في مواضع أخرى أيضاً إلى ما يذكرونه من تأويلات باردة لا تصحّ بأي وجه من الوجوه، كي يعلم القارئ المحترم أي تعصب يمارسه من أرادوا الدفاع عن الأباطيل المذكورة في كتاب «الكافي»، وبتعبير آخر ما نسبه الرواة الكذَّابون في الواقع من اتهامات إلى الأئمة الكرام زوراً وبهتاناً. [5: ()يشابهه في كتاب الله: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم﴾، وعند العرب: رُبَّ ضارة نافعة. (المُتَرْجِم)]

وفي نظرنا إن تعصب هؤلاء المُتظاهرين بالعلم هو الذي سبَّب ضلال الناس البسطاء!

كما أنني نقلتُ بعض الموضوعات التي كنتُ قد دوَّنتُها في النسخة الأولى من كتابي «خرافات وفور در زيارات قبور» (أي الخرافات الوافرة في زيارات القبور) إلى هذا الكتاب لأنها أكثر تناسباً مع موضوعه. كما أنني ذكرتُ اسم المصادر التي استفدتُ منها والتي قصَّرْتُ في ذكرها والتعريف بها في النسخة الأولى من هذا الكتاب، لأن لِمُؤَلِّفيها - أيدهم الله تعالى- حقًّا على هذا العبد الفقير، خاصةً أن القسم الأعظم من المجلد الأول لكتاب «الكافي» أي «كتاب الحُجَّة»، يتعلَّق بمسألة «الولاية والإمامة»، لذلك استفدتُ كثيراً في نقد وتمحيص روايات هذا القسم من الكتاب القيّم الذي ألفه الأستاذ «قلمداران» رحمه الله بعنوان "شاهراه اتحاد يا بررسى نصوص امامت" (أي طريق الاتحاد أو تمحيص نصوص الإمامة)، إضافةً إلى أنني استفدت كثيراً، في هذا التنقيح الجديد لكتابي هذا، من كتاب «الموضوعات في الآثار والأخبار» الذي ألفه أحد علماء لبنان المشهورين([footnoteRef:6]). [6: ()هو العلامة الفقيه: القاضي الجعفري السيد هاشم معروف الحسني. ولد عام 1919م في جنوب لبنان، ودرس في الحوزة العلمية في النجف، وعاد إلى جبل عامل في لبنان ليمارس عمله كعالم دين، ثم عمل قاضياً في المحاكم الشـرعية الجعفرية في لبنان، وتوفي عام 1403هـ. ق.، وترك آثاراً عديدةً تتسم بالعلمية والتحقيق والنقد، منها كتابه «دراسات في الحديث والمحدِّثين»، ومنها الكتاب الذي أشار إليه المؤلف وعنوانه الكامل: «الموضوعات في الآثار والأخبار عرض و دراسة»، الذي طُبع أوَّلَ مرَّةٍ في بيروت، دار الكتاب اللبناني، عام 1973م، ثم أعيدت طباعته عدة مرات آخرها طبعة دار الملاك في بيروت بتحقيق أ. أسامة الساعدي وتقديم الباحث أ. حيدر حب الله. [ولمعرفة مساهمة السيد هاشم معروف الحسني ودوره في نقد الحديث الشيعي راجع ما كتبه الأستاذ حيدر حب الله في كتابه: "نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي التكوُّن والصيرورة" تحت عنوان: "المساهمة الشيعية العربية في نقد السنة، مشـروع هاشم معروف الحسني"، الصفحات من 549 إلى 563]. (المُتَرْجِمُ)]

ولا يفوتني أن أذكر أنني عندما قمت بإصلاح هذا الكتاب وتهذيبه عَلِمْتُ أن أحد العلماء واسمه الشيخ محمد باقر البهبودي([footnoteRef:7])، - وهو الذي كان قد قام بتحقيق الطبعة الجديدة من كتاب «بحار الأنوار» وكتابة التعليقات عليها، كما ألف كتاباً بعنوان «معرفة الحديث» - ألف أخيراً كتاباً بعنوان: «صحيح الكافي، من سلسلة صحاح الأحاديث عند الشيعة الإمامية» ونشره في لبنان (في ثلاثة مجلدات)، فأوردتُ آراءه أيضاً في كتابي هذا، ولكن لابدّ أن أذكر أن كتاب الشيخ البهبودي تعرّض إلى اعتراض المسترزقين بالخرافات وهجومهم العنيف عليه، حتى أنه لما أراد مؤلفه أن ينشر الترجمة الفارسية لكتابه في إيران أثار بعض المُعمَّمين (أي الشيوخ) ضجةً ضدَّ ذلك وأجبروه على تغيير عنوان كتابه إلى «گزيدهىِ كافى» أي (مُنْتَخَب الكافي) كي يظن العوام أن كتابه مُجرَّد انتخاب لبعض الروايات من كتاب الكافي ولا يعرفوا أنه اعتبر بقية أحاديث الكافي غير صحيحة! [7: ()هو المحقق الإيراني المعاصر الأستاذ الشيخ محمد باقر البهبودي، ولد عام 1329م، ودرس في الحوزة العلمية في مشهد، وأمضى عشر سنوات في دراسة العلوم الشرعية ثم انتقل إلى طهران، وعمل في تحقيق الكتب والمخطوطات، ثم زار مدينة "قُم" عام 1954م وتلقى قليلاً من الدروس على بعض علمائها ثم ذهب في العام ذاته إلى "النجف" وأمضى سنتين في الدراسة على أيدي كبار المراجع، وأخيراً استقر في طهران منذ عام 1958م لينصرف إلى تحقيق الكتب التراثية ونشر المؤلفات لاسيما تحقيق كتب الحديث الإمامية ونقدها، كما عمل أستاذاً جامعياً، ورغم كونه من خريجي الحوزات العلمية إلا أنه بقي يلبس البذلة العصرية ولم يتعمَّم بعمَّة علماء الدين. [ولمعرفة مساهمة أ. الشيخ محمد باقر البهبودي ودوره في نقد الحديث الشيعي راجع ما كتبه أ. حيدر حب الله في كتابه: "نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي التكوُّن والصيرورة" تحت عنوان : "مشـروع محمد باقر البهبودي وتهذيب الكتب الأربعة"، الصفحات 564 إلى 577]. (المُتَرْجِمُ)]

فإن كان الأستاذ البهبودي قد واجه إيذاء الخرافيين والمُتعصبين واعتراضهم ومخالفتهم، فمن البديهي أن الشيوخ المُستبدين لن يسمحوا بطبع ونشر هذا الكتاب الحاضر وسيمنعون بكل ثمن تعرُّف الناس على محتويات هذا الكتاب. ولكن كاتب هذه السطور لديه أملٌ كبيرٌ بفضل الله ورحمته الكبيرة، وإنِّي على يقين أنني لمَّا كتبتُ هذا الكتاب ابتغاء رضوان الله ويَقَظَة الأمة الإسلامية، فإن الحقَّ تعالى سوف يُهيئ وسائل نشره ويُزيل الموانع التي تمنع من ذلك.

وقبل الختام، من اللازم أن يعلم القارئ المحترم أن نسخة "الكافي" التي اعتمدنا عليها وقمنا بدراستها وتمحيص أخبارها هي النسخة المؤلفة من ثمانية مجلدات والتي نشرتها مؤسسة دار الكتب الإسلامية في طهران، بتصحيح واهتمام السيد علي أكبر غفاري والتي قدَّم لها السيد حسينعلي محفوظ. وتلك النسخة كما ذُكر في الصفحة الأولى منها، قوبلت على سبع نسخ موثوقة وقورنت بها وذُكرت في الحاشية الاختلافات التي وُجِدَتْ بين النسخ.

والأمر الآخر الذي أودّ ذكره هنا أنه لما كانت بعض أبواب «أصول الكافي» طويلةً جداً وكانت الإحالة إليها صعبة، وضعتُ في فهرس كتابي الحاضر أمام كل باب من أبواب المجلد الأول من "الكافي" رقماً متسلسلاً، ولذلك سأُحيلُ في متن هذا الكتاب إلى ذلك الرقم عند اللزوم بدلاً من ذكر عنوان الباب الطويل، وعلى القارئ أن يرجع إلى الفهرس الموجود في نهاية هذا الكتاب لكي يعرف الرقم الخاص بكل باب.

إن هدفنا من كتابة هذا الكتاب المختصر أن نُبيِّن أن عدداً من المنافقين المجاهيل، أي مجهولي المذهب أو مجهولي الدين، والمُنحرفين، نسبوا إلى الإسلام كل ما أرادوه، باسم الإسلام وبحُجَّة إظهار محبة أهل بيت النبيّ ، ووضعوا ما شاؤوا من أحاديث تتضمَّن الكفر والشرك والزندقة ومخالفة القرآن والعقل وتؤدي إلى هدم الإسلام وانحطاط المسلمين وتفرُّقهم، وقد سَرَتْ أحاديثهم الموضوعة والمُفتراة إلى كتب الحديث والرواية فشوَّهوا بهذا صورة الإسلام وعرَّفوا الإسلام العزيز بأنه عبارة عن مجموعة من الخرافات والأوهام والتملُّق والمدح والثناء لأئمة الإسلام العظام، وأبعدوا الناس عن أصل الدين وعن القرآن الكريم بحُجَّة ذكر الكرامات والمعجزات وفضائل أئمة الدين العظام، وأبقوا الناسَ جاهلين بمعارف الإسلام والقرآن وشغلوهم بتعظيم النبيّ والأئمة وتمجيدهم وأغفلوهم، ووضعوا لهم ثواباً عظيماً وأجراً لا حساب له على الذهاب إلى القبور وزيارة المزارات مما لا يقبله عقلٌ، ومما يتنافى مع تعاليم القرآن وسيرة النبيّ القطعية، فشغلوا الناس بأعمال لا فائدة منها وسرقوا منهم دينهم ودنياهم، وقدَّموا للناس الخرافات باسم الدين.

هذا ولمَّا كان المؤلفون من الشيعة القدماء مُحبين لآل محمد ، وكانوا يسعون إلى ترويج أخبارهم، كانوا يجمعون في كتبهم كل ما نُسب إلى الأئمة من أهل البيت من أخبار سواءً كان رواتها من الثقات أو غير الثقات، لاسيما الأخبار التي تنتَقِدُ الخلفاء، خاصةً تلك الأخبار المخالفة لأهل السنة، لأن أولئك المؤلفين كانوا يكرهون حكومة بني العباس ويُعارضونها فأرادوا الطعن بها بكل وسيلة ممكنة وصرف أنظار الناس عنها وأن يؤسِّسوا مذهباً كبيراً في مواجهتها. ثم جاء مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ المؤلفين فنقلوا أخبار السابقين اعتماداً على حسن ظنهم بهم واعتمدوا أحياناً على أصل «التسامح في أدلة السنن» فلم يُولُوا مُتُونَ تلك الأحاديث وأسانيدَها العنايةَ والدقَّةَ الكافيتين، وسكت بعض العلماء الواعين مع الأسف عن هذا الأمر أيضاً، ولم يكتفوا بعدم مخالفتهم واعتراضهم على تلك الأخبار بل أيدوا كثيراً من تلك الانحرافات بشكل ضمنيّ من خلال سكوتهم عليها!!

في الختام أطالب المشايخ وعلماء الدين: إما أن يردُّوا على ما كتَبْتُهُ بأجوبة منطقية مُستدَلَّةٍ، فإن لم يكن لديهم جوابٌ فلا يَحُولُوا بين الناس وبين التحقيق والتدبُّر ولا يلجَؤوا إلى المغالطة والسفسطة أو التفسيق والتكفير أو السبّ والافتراء.

نأمل أن يستيقظ الناس وأن يتمتعوا بالوعي وأن ينجوا بأنفسهم من التقليد والتعصب وأن يتعرَّفوا على حقائق الدين المبين وشريعة الإسلام المُنوَّرة بشكل صحيح: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا باللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ([footnoteRef:8])، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى. [8: ()هود، 88.]

خادم الشريعة المطهَّرة: سيد أبو الفضل بن الرضا (البرقعي)

المُقدِّمَة

اعلم أن الإسلام دينٌ إلهيٌّ يدعو الناس إلى الوحدة والاتحاد.

كان المسلمون في زمن النبيّ الأكرم وحتى مدّة من الزمن بعد رحيل ذلك النبيّ الحبيب، متَّحدين، ولم يكن لهم اسمٌ سوى اسم الإسلام والمسلمين، ولم يكونوا يعرفون كتابَ هدايةٍ سوى القرآن الكريم، ولم يكن بينهم اسمٌ من أسماء المذاهب الإسلامية المختلفة أو الكتب المذهبية، بل كان المؤمنون يعتبرون القرآن وحده حُجَّةً ومنبعاً للهداية، لأنهم قرؤوا في القرآن الكريم أن هذا الكتاب الإلهيّ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة/2]، وقرؤوا فيه: ﴿إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى﴾ [البقرة/120]، وكانوا يعلمون قول رسول الله : «مَنْ طَلَبَ الْهِدَايَةَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ أضَلَّه اللهُ»([footnoteRef:9]). [9: ()النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج 4، ص 240، نقلاً منه عن الشَّيْخِ أَبُي الْفُتُوحِ الرَّازِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ . والجملة جزء من حديث معروف في مصادر أهل السنة أخرجه الترمذي في السنن (2906) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ. وَفِي الْحَارِثِ مَقَالٌ".انتهى. قلتُ: وأخرجه أيضاً بسندهم عن علي بن أبي طالب كل من: ابن أبي شيبة في المصنَّف (6، 125، رقم 30007)، والدارمي في السنن (2، 526، رقم 3331) ، وأحمد في المسند، 1، 91، والدارقطني في الأفراد كما في أطراف ابن طاهر (1، 194، رقم 269) وقال المُناوي: إسناده حسن. وأخرجه البزار في مسنده (6، 125، رقم 834)، وأبو يعلى في مسنده (1، 302، رقم 367). (المُتَرْجِم)]

أجل، كان المسلمون متحدين بسبب دينهم الواحد وكتابهم الواحد فتقدموا وأصبحوا أقوياء وعرَّفوا الأمم العديدة بالإسلام.

ولكن للأسف بعد مرور قرنين وُجِدَت أخبارٌ باسم الدين، وظهر أشخاصٌ باسم المُحَدِّثين أو المُفسِّرين وأَتَوْا بأمور نقلوها عن قول النبيّ أو قول أئمة الدين وجذبوا اهتمام الناس نحوهم، وشيئاً فشيئاً بدأ يظهر علماء أو في الواقع أشباه علماء أوجدوا بما كتبوه من أخبار وأحاديث الاختلاف والتفرقة بين المسلمين.

وبحمد الله فإن القرآن الكريم قد بيَّن لنا هذه المشكلة من قبل وقال لنا في هذا الصدد: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [البقرة/213]، وقال أيضاً: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [آل عمران/19]، وقال كذلك: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [الجاثية/17].

يتبيَّن من هذه الآيات بشكلٍ واضحٍ وممتازٍ أنه بعد مجيء الكتب الإلهية التي دعت الناس إلى الوحدة، قام أشباه العلماء وأصحاب الأغراض والمصالح الشخصية بإيجاد الاختلاف بسبب الحسد والحقد والتعصب والظلم والاسترزاق بالدين والاستفادة من الآخرين وغير ذلك من الأغراض والمآرب التي لخصها القرآن بعبارة: «بَغْيًا بَيْنَهُمْ». لقد أوضح الحق تعالى إتماماً للحُجَّة وإرشاداً لطالبي الهداية وأهل الإنصاف، حال أمثال أشباه العلماء أولئك بشكل واضح كي لا ينخدع الناس بهم، ولذلك قال في شأنهم: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ [البقرة/176]. كما أن الله تعالى جعل القرآن الكريم حَكَماً ومرجعاً في حلّ الخلافات وقال: عليكم بالرجوع إلى الكتاب الإلهيّ لرفع الفساد والاختلاف، كما قال: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ﴾ [الشورى/10]، وقال أيضاً: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء/ 59].

قال حضرة أمير المؤمنين عليّ بشأن هذه الآية: «إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ، وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ............. فَرَدُّهُ إِلَى اللهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بسُنَّتِهِ»([footnoteRef:10]). وقال أيضاً: «فَالرَّدُّ إِلَى اللهِ اَلْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَاَلرَّدُّ إِلَى اَلرَّسُولِ اَلْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ اَلْجَامِعَةِ غَيْرِ اَلْمُفَرِّقَةِ»([footnoteRef:11]). لاحظوا أن الإمام لم يقل: ارجعوا إلى الحديث، لأنه لم يكن هناك وجودٌ في زمانه لكتب الحديث بل كان قصدُهُ من سُنَّةِ الرسول سُنَّةَ النبيِّ الأكرمِ القطعيةَ الجامعةَ المقبولةَ لدى المسلمين جميعاً. [10: ()نهج البلاغة، الخطبة 125.] [11: ()نهج البلاغة، الرسالة 53.]

وللأسف، فإن علماءنا الذين أوجدوا الاختلاف لا يرجعون في اختلافاتهم مع المذاهب الإسلامية الأخرى إلى القرآن بل يرجعون في الغالِب بشكل أكثر إلى الأحاديث المذهبية ويعتمدون عليها، الأمر الذي يزيد من الفجوة والاختلاف.

وفي كتاب "الكافي" ذاته، في باب «الردّ إلى الكتاب والسُنَّة» توجد أخبارٌ تقول: ردُّوا كلَّ شيء إلى كتاب الله، لكن العجيب أن مثل هذه الأخبار لا تحظى بالاهتمام الذي تستحقه مِنْ قِبَل العلماء بل لا يلتزمون بها في كثير من الموارد خلافاً لما يدَّعونه!!

لقد كتب راقم هذه السطور هذا الكتاب ابتغاء رضا الله وأداءً لواجبي الشرعي ورفعاً للاختلاف والنزاع بين المسلمين ودعوةً إلى الوحدة والاتحاد بين المسلمين وإزالةً لأسباب البغض والشقاق والنفاق وبياناً لطريق الاتحاد، ولكي أُبيِّن أن السبب الأساسي للاختلافات المذهبية هو الأحاديث الموضوعة التي شاعت في كتب الحديث المتداولة بين الأيدي والتي نظنها حُجَّةً دينيةً ونعتبرها كافيةً لأهل مذهبنا([footnoteRef:12]). وهذه الأخبار ذاتها هي السبب في الاختلاف وهي التي أوجدت الخرافات وأدت إلى ضلالنا، ولذلك فإن على علمائنا أن يشعروا بمسؤوليتهم ويسعوا لخير الناس ويُبيِّنوا لهم تعارض هذه الأخبار مع الحُجَّتين الإلهيتين: القرآن والعقل، ويُفهموا الناس أن أكثر الأخبار والأحاديث الموجودة في كتب حديثنا المعتمدة مضادّة للقرآن ومخالفة للعقل ومؤدية إلى خسران الدُّنْيَا والآخرة، وأن طريق النجاة الوحيد هو العودة إلى القرآن وقبوله حَكَمَاً في كل أمورنا، كما نصَّ على ذلك كتاب "الكافي" هذا ذاته فيما رواه عن رسول الله من قوله: [12: ()كان هذا العبد الفقير وحتى مدة طويلة بعد تخرجي من الدراسة في قم والنجف معتقداً بشدة بكتاب «الكافي» وحسن الظن به.]

«فَإِذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ وَمَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ وَهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيْرِ سَبِيلٍ»([footnoteRef:13]). [13: ()الأصول من الكافي، ج 2، ص 599، طبع دار الكتب الإسلامية. وأصل الحديث في مصادر أهل السنة مرويٌّ عن ابن مسعود - مرفوعاً وموقوفاً - وعن جابر وعن عائشة، أما حديث ابن مسعود فقد أخرجه الطبراني في الكبير (9، 132، رقم 8655)، قال الهيثمي في المجمع (7، 164): فيه الربيع بن بدر وهو متروك. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (4، 108)، وابن أبى شيبة في المصنَّف (6، 131، رقم 30054)، وابن عدى في الكامل (3 ، 127، ترجمة 651 ربيع بن بدر بن عمرو بن جراد السعدي) وقال: عامة حديثه ورواياته عمن يروي عنهم مما لا يتابعه أحد عليه.وأما حديث جابر: فأخرجه ابن حبان في صحيحه (1، 331، رقم 124)، والبيهقي في شعب الإيمان (2، 351، رقم 2010). قال الدارقطني في العلل (5، 102) يرويه ابن الأجلح عن الأعمش عن أبى سفيان عن جابر مرفوعًا والصحيح عن ابن مسعود موقوفًا. وأما حديث عائشة فأخرجه أبو نصر السجزي (ت 444هـ) في الإبانة عن أصول الديانة، وقال: "هذا من أحسن الحديث وأغربه وليس في إسناده إلا مقبول ثقة". انتهى. قلتُ وأخرجه أيضاً: الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (3 ، 260)، عن محمد بن علي مرسلاً. والحاكم النيسابوري في تاريخ نيسابور عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب موصولاً. (المُتَرْجِم)]

واعتبر أمير المؤمنين وسائر أئمة الإسلام الكرام عليهم السلام القرآن كافياً كما قال رسولالله. فقال أمير المؤمنين عليّ : «أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ»([footnoteRef:14]). وقال: «كَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً»([footnoteRef:15]). [14: ()نهج البلاغة، الخطبة 161. ] [15: ()نهج البلاغة، الخطبة 83. ]

والكلام الإلهي المبارك هو أهم من كل ذلك وهو يقول: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان/31]. وطبقاً لآيات القرآن فإن هداية الله الكافية هي هذا القرآن ذاته: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة/15، 16]، وقال تعالى أيضاً: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء/9]، وقال كذلك: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سبأ/6].

واعتبر اللهُ البشر عاجزين عن الإتيان بهدايةٍ أفضل وأهدى من القرآن: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى﴾ [القصص/49]، وقال تعالى حكايةً لقول الجِنّ: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ [الأحقاف/30]، وقال أيضاً حكايةً لقول الجِنّ: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن/1 - 2]، وقال كذلك: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران/103].

واعتبر اللهُ تعالى في آيات عديدة القرآن نوراً وهدايةً للمؤمنين فقال مثلاً: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل/89]. وفي آيات عديدة من القرآن، كما في الآية 120 من سورة البقرة التي ذكرناها آنفاً، حصر اللهُ الهداية بالقرآن واتِّباعه لا باتِّباع أي كتاب آخر، حتى أن الله تعالى يأمر رسوله أن يقول: ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ [سبأ/50].

وإذا كان الأمر كذلك، فهل يُمكننا أن نقول: إن مسلمي الصدر الأول وحتى زمن تأليف كتب مثل كتاب "الكافي" وأمثاله، لم يكن لديهم كتابٌ يكفي لمعرفة الدين إلى أن وُجد الكُلَيْنِيّ وأمثاله وألفوا كتب الحديث؟

ليس معنى كلامي بالطبع أنني –نعوذ بالله- أُنْكِرُ سنَّة رسول الله أو أعارضها، بل إنني أُؤمن بها وأقبل بها تماماً وألتزم بها من صميم قلبي، كل ما في الأمر أن هذا الإيمان والالتزام هو بسنَّة النبيّ الصحيحة القطعية التي لا اختلاف فيها بين المسلمين، وليس بتلك الأحاديث المليئة بالتناقض.

وإذا وصل الأمر إلى الكلام عن الحديث فلا بدّ أن أذكر للقراء المحترمين عدداً من المطالب الهامة حول الروايات والأحاديث الموجودة:

من الواضح أنه لو كان هناك حديثٌ صادرٌ حقيقةً عن النبيّ أو عن أمير المؤمنين عليّ فإن جميع المسلمين سيقبلون به ولن نجد في عالَم الإسلام من يخالفه. لكن القضية كلها هي: أن الحديث –خلافاً للقرآن الكريم- لم يُحفَظ من التحريف والوضع والاختلاط والاشتباه، ولذلك يجب على المسلم أن يحتاط كل الاحتياط ويُعمل الدقة الكاملة عند أخذه بالحديث. وقد كتب السيد «بهبودي» في هذا الموضوع مُقدِّمةً مفيدةً جداً على الطبعة الأولى لكتابه "صحيح الكافي" وليس من الميسور نقلها بتمامها هنا لكني سأنقل منها بعض الفقرات المُفيدة وأُوصي القراء الأعزاء بقراءة تلك المُقدِّمة كاملةً:

قال الأستاذ البهبودي:

"فكما نرى في تاريخ علم الحديث، وندرسها في رجال السنة والشيعة، إن الزنادقة والغلاة لم يألوا جهداً في إطفاء نور الإسلام وإفساد الشريعة والأحكام وإيقاع الشك في القلوب والتلاعب بالحقائق الدينية ومعارفها، وترويج الخرافات والتُّرَّهات والبِدع وإيجاد الفُرقة والاختلاف([footnoteRef:16]).... [16: ()يقول الأستاذ البهبودي في كتابه "معرفة الحديث": "... وأما في الدور الثاني فبعدما كثر أصحاب الحديث ورواد المذهب، وتوفرت الأصول والمؤلفات وتداولتها أيدي الوراقين والصحفيين، تلاعبت بمواريثهم أيدي الغلاة الخونة وعملاء الزنادقة، فزادوا ونقصوا وغيَّروا وبدَّلوا وأحلوا حرام الله وحرَّموا حلال الله، عند ذلك كثُر التضاد والتهافت بحيث لا يوجد في أبواب الفقه والمعارف حديثٌ إلا وبإزائه ما يخالفه ولا يسلم حديثٌ إلا وفي مقابله ما يُناقضه ويُضاده. وبذلك تطرقت المُضادة والاختلاف إلى العقائد والفتاوى والأحكام، وكثيراً ما نرى كتب الحديث مختلفةً بالزيادة والنقصان". (معرفة الحديث، مركز انتشارات �