مَلاَئِكَةٌ - islam.gov.k  · web viewتَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ...

463
كة لائ م1 - 3 ٌ ةَ ك ئَ لاَ م: ُ ف ي رْ عَ ّ ت ل ا1 - ُ ةَ ك ئَ لاَ مْ ل اُ عْ مَ # ج % كَ لَ مْ ل ا، ) نْ يَ تَ حْ تَ ف # بَ وُ هَ وُ د احَ و، ةَ ك ئَ لاَ مْ ل اٌ ف7 َ ّ فَ خُ م: َ ل 7 يِ قْ ) ن م، ٍ % ك7 َ الَ مَ ال7 َ قُ ةُ لْ 7 صَ : اُ ّ ي اَ 7 س كْ ل اٌ % ك7 َ لْ اَ م م ي د قَ ت # ب ةَ ز7 ْ مَ هْ ل اَ ) ن م % وك7 ُ لْ ُ لا اَ ي هَ و، ُ ةَ الَ 7 س ّ ر ل اَ ّ مُ _ يْ تَ # ب لُ ق تَ م ّ د7 ُ قَ وُ مَ ّ لا ل اُ ةُ لْ 7 صَ : اَ ل 7 يِ قَ وُ % ك7 ْ لَ مْ ل ا حْ تَ ف # بَ ّ مُ _ ي: ٍ ) ونُ كُ 7 سَ وُ هَ وُ دْ حْ َ لا ا، ٍ ةَ ّ وُ ف # بُ لْ صَ اَ و ة نْ زَ وٌ لَ عْ فَ م تَ ك رُ تَ فُ ةَ زْ مَ هْ ل ا7 ةَ رْ _ تَ ك ل الَ مْ ع تْ 7 س لا اْ تَ ر7 َ هَ x ظَ و ي ف، ع7 ْ مَ # جْ ل ا تَ د 7 ئ زَ وُ اء7 َ هْ ل ا اَ ّ م ا ةَ غَ الَ # يُ مْ ل ل اَ ّ م اَ و _ ت بِ بْ اَ ي ل عْ مَ # جْ ل ا( 1 ) . ي فَ وُ % كَ لَ مْ ل : ا حَ لا طْ ص لا اٌ مْ س # جٌ ف 7 ت طَ لٌ ّ ي اَ وز7 ُ نُ لَ ّ كَ _ 7 شَ تَ يٍ الَ كْ _ شَ ا # ئ، ٍ ةَ ف لَ تْ حُ م اَ هُ نَ كْ سَ مَ وُ اتَ اوَ مَ ّ س ل ا( 2 ) . 1 ( ? ) ان7 س ل) ، # رت7 لع ا) اح 7 وئروس،7 لع ا وس م ا 7 ق ل وا ط، 7 ي ح م ل ا ح ت ق و ازي# ي ل ا6 / 306 وما عدها.# ب2 ( ? ات 7 ق ب ر ع ت ل ا) ، ي ا# 7 رح# جل ل ح ت ق و ازي# 7 ي ل ا6 7/ 306 ط داز ة 7 رف مع ل ا7 ، روت “ت7 ن ض ي ق و ازي# 7 ي ل ا4 7/ 6 ط داز ة 7 رف مع ل ا7 ، روت ن“ ت رح_ ش و ة ف ف ل ا ر# ت7 ك لا ا ص20 ط داز# ت ب لك ا ة 7 ي ب ر لع ا7 . روت ن“ تُ x اطَ قْ لْ َ لا اُ اتَ د: ةَ ل ّ ص ل ا ا- : ُ سْ نْ لا ا2 - ُ سْ نْ لا ا ي فُ ة7 َ اعَ مَ # ج: ةَ غُ ّ ل ل ا، اسّ ي ل اُ د7 احَ وْ ل اَ وٌ ّ ي 7 سْ ن اٌ ّ ي سَ نَ اَ و، % ك ي رْ جَ ّ ت ل ا # ئْ مُ هَ و وُ نَ # ب، َ مَ ا” دُ ّ ي 7 سْ نْ لا اَ و ي 7 ضَ يْ فَ بَ ة7 َ فَ الَ خُ م، ّ ي _ سْ جَ وْ ل اُ اسَ ّ ي ل اَ وٌ ّ ي سْ ن : اَ ) ونُ ل وُ فَ بٌ ّ ي _ سْ جَ وَ و( 3 ) . َ لاَ وُ) حُ رْ جَ ي يَ نْ عَ مْ ل اُ ّ ي حَ لا طْ ص لا ا ) نَ ع يَ نْ عَ مْ ل ا7. ّ ي وَ غُ ّ ل ل اُ قْ ر7 َ فْ ل اَ وَ ) نْ ¯ يَ # ي ة7 َ ك ئَ لاَ مْ ل اَ ّ ) نَ : ا سْ نْ لا اَ وَ ة7 َ ك ئَ لاَ مْ ل ا وا7 ُ ف لُ حْ ) ن م، ٍ وز7 ُ نَ لاَ وَ ) ونُ لُ كْ ا7 َ ئَ لاَ و، َ ) ونُ # نَ رْ _ 7 شَ نَ ) ونُ د7 ُ # يْ عَ بَ وَ َ ّ اُ ةَ ونُ غ ت طُ يَ وَ الَ قُ َ ّ ا ي:َ ل اَ عَ ب ْ لَ # يٌ اد7 َ # ي عَ ) ون مَ رْ كُ م ( 4 ) َ سْ تَ لَ وَ % ك لَ دَ ك. ُ سْ نْ لا ا# ت- : ُ ّ ) ن # حْ ل ا3 - ُ ّ ) ن # حْ ل ا ي فُ فَ لا ح: ة7 َ غُ ّ ل ل ا، سْ نْ لا ا: ُ ّ ) ان7 َ # خْ ل اَ وُ ةَ د7 احَ وْ ل اَ ) ن م، ّ ) ن # حْ ل اَ ) ان7 َ كَ وُ ل7 ْ هَ ا ة7 َ ّ ي ل ه اَ # خْ ل اَ ) ونُ ّ مَ 7 سُ نَ ة7 َ ك ئَ لاَ مْ ل ا اً ّ ت # جْ م ه ازَ ت تْ 7 س لا ) نَ ع، ) ون7 ُ نُ عْ ل اَ ّ ) نَ # ج: ُ ال قُ ب اَ د : اُ لْ يَ ّ ل ل ا7. َ رَ تَ سَ لاَ وُ) حُ رْ جَ ي يَ نْ عَ مْ ل اُ ّ ي حَ لا طْ ص لا ا ) نَ ع يَ نْ عَ مْ ل ا7. ّ ي وَ غُ ّ ل ل ا3 ( ? ) ان7 س ل) ، # رت7 لع ا ات 7 ي كل ل وا1 7/ 316 ، اح# ي7 ص م ل وا ر، ت ن م ل ا روق لف وا ي ف ة غ ل ل ا ص227 . 4 ( ? اء / ي ت ي لا ا وزة س) 26 . 5

Upload: others

Post on 09-Aug-2020

1 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

مَلاَئِكَةٌ

ملائكة 1 - 3

مَلاَئِكَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْمَلاَئِكَةُ جَمْعُ الْمَلَكِ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ وَاحِدُ الْمَلاَئِكَةِ، قِيلَ: مُخَفَّفٌ مِنْ مَالَكٍ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَصْلُهُ مَأْلَكٌ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ مِنَ الأُْلُوكِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ، ثُمَّ قُلِبَتْ وَقُدِّمَتِ اللاَّمُ وَقِيلَ: أَصْلُهُ الْمَلْكُ بِفَتْحِ ثُمَّ سُكُونٍ: وَهُوَ الأَْخْذُ بِقُوَّةٍ، وَأَصْلُ وَزْنِهِ مَفْعَلٌ فَتُرِكَتِ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الاِسْتِعْمَالِ وَظَهَرَتْ فِي الْجَمْعِ، وَزِيدَتِ الْهَاءُ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ وَإِمَّا لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ().

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمَلَكُ جِسْمٌ لَطِيفٌ نُورَانِيٌّ يَتَشَكَّلُ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمَسْكَنُهَا السَّمَاوَاتُ().

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإِْنْسُ:

2 - الإِْنْسُ فِي اللُّغَةِ: جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَالْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ وَأَنَسِيٌّ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُمْ بَنُو آدَمَ، وَالإِْنْسِيُّ يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ الْوَحْشِيِّ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: إِنْسِيٌّ وَوَحْشِيٌّ().

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَلاَئِكَةِ وَالإِْنْسِ: أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ خُلِقُوا مِنْ نُورٍ، وَلاَ يَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْرَبُونَ، وَيَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُطِيعُونَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ(() وَلَيْسَ كَذَلِكَ الإِْنْسُ.

ب - الْجِنُّ:

3 - الْجِنُّ فِي اللُّغَةِ: خِلاَفُ الإِْنْسِ، وَالْجَانُّ: الْوَاحِدَةُ مِنَ الْجِنِّ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الْمَلاَئِكَةَ جِنًّا لاِسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْعُيُونِ، يُقَالُ: جَنَّ اللَّيْلُ: إِذَا سَتَرَ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَلاَئِكَةِ وَالْجِنِّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ قُوَّةُ التَّشَكُّلِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ().

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ لِلْمَلاَئِكَةِ:

وَرَدَتْ فِي الْمَلاَئِكَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

أَوَّلاً - الإِْيمَانُ بِالْمَلاَئِكَةِ

4 - مِنْ أَرْكَانِ الْعَقِيدَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ الإِْيمَانُ بِالْمَلاَئِكَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(() وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا(().

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ( عِنْدَمَا سَأَلَ جِبْرِيلٌ (( عَنِ الإِْيمَانِ، قَالَ (: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»(). فَوُجُودُ الْمَلاَئِكَةِ ثَابِتٌ بِالدَّلِيلِ

الْقَطْعِيِّ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَهُ شَكٌّ، وَمِنْ هُنَا كَانَ إِنْكَارُ وُجُودِهِمْ كُفْرًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ يَنُصُّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآْيَةُ السَّابِقَةُ().

ثَانِيًا - صِفَاتُهُمُ الْخِلْقِيَّةُ

5 - أَخْبَرَنَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ خُلِقُوا قَبْلَ آدَمَ ((، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(().

كَمَا أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ ( أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَلاَئِكَةَ مِنْ نُورٍ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( قَالَ: «خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ»().

فَتَدُلُّ النُّصُوصُ فِي مَجْمُوعِهَا عَلَى أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ مَخْلُوقَاتٌ نُورَانِيَّةٌ لَيْسَ لَهَا جِسْمٌ مَادِّيٌّ يُدْرَكُ بِالْحَوَّاسِ الإِْنْسَانِيَّةِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا

كَالْبَشَرِ فَلاَ يَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْرَبُونَ وَلاَ يَنَامُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، مُطَهَّرُونَ مِنَ الشَّهَوَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَمُنَزَّهُونَ عَنِ الآْثَامِ وَالْخَطَايَا، وَلاَ يَتَّصِفُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَادِّيَّةِ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا ابْنُ آدَمَ() غَيْرَ أَنَّ لَهُمُ الْقُدْرَةَ عَلَى أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِصُوَرِ الْبَشَرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى().

ثَالِثًا - عِبَادَةُ الْمَلاَئِكَةِ لِلَّهِ وَمَا وُكِّلَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْمَالٍ

6 - عَلاَقَةُ الْمَلاَئِكَةِ بِاللَّهِ هِيَ عَلاَقَةُ الْعُبُودِيَّةِ الْخَالِصَةِ وَالطَّاعَةِ وَالاِمْتِثَالِ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لأَِوَامِرِهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ تَعَالَى: (لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(() وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ(().

وَهُمْ مُنْقَطِعُونَ دَائِمًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ أَمْرِهِ() كَمَا وَرَدَ فِي الآْيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ.

وَعَنْ جَابِرٍ ( قَالَ: قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ (: «مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدَمٍ وَلاَ شِبْرٍ وَلاَ كَفٍّ إِلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ مَلَكٌ سَاجِدٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ إِلاَّ أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا»().

7 - قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَصْنَافِ الْمَلاَئِكَةِ، وَأَنَّهَا مُوَكَّلَةٌ بِأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَكَّلَ بِالْجِبَالِ مَلاَئِكَةً، وَوَكَّلَ بِالسَّحَابِ مَلاَئِكَةً، وَوَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلاَئِكَةً تُدَبِّرُ أَمْرَ النُّطْفَةِ حَتَّى يَتِمَّ خَلْقُهَا، ثُمَّ وَكَّلَ بِالْعَبْدِ مَلاَئِكَةً لِحِفْظِهِ، وَمَلاَئِكَةً لِحِفْظِ مَا يَعْمَلُهُ وَإِحْصَائِهِ وَكِتَابَتِهِ، وَوَكَّلَ بِالْمَوْتِ مَلاَئِكَةً، وَوَكَّلَ بِالسُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ مَلاَئِكَةً، وَوَكَّلَ بِالأَْفْلاَكِ مَلاَئِكَةً يُحَرِّكُونَهَا، وَوَكَّلَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَلاَئِكَةً، وَوَكَّلَ بِالنَّارِ وَإِيقَادِهَا وَتَعْذِيبِ أَهْلِهَا

وَعِمَارَتِهَا مَلاَئِكَةً، وَوَكَّلَ بِالْجَنَّةِ. وَعِمَارَتِهَا وَغِرَاسِهَا وَعَمَلِ الأَْنْهَارِ فِيهَا مَلاَئِكَةً، فَالْمَلاَئِكَةُ أَعْظَمُ جُنُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهُمْ: (وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا(() وَمِنْهُمْ: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا(() وَمِنْهُمْ: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا(().

وَمِنْهُمْ: مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ، وَمَلاَئِكَةٌ قَدْ وُكِّلُوا بِحَمْلِ الْعَرْشِ، وَمَلاَئِكَةٌ قَدْ وُكِّلُوا بِعِمَارَةِ السَّمَاوَاتِ بِالصَّلاَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَلاَئِكَةِ الَّتِي لاَ يُحْصِيهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَفْظُ الْمَلَكِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَسُولٌ مُنَفِّذٌ لأَِمْرِ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الأَْمْرِ شَيْءٌ، بَلِ الأَْمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، وَهُمْ يُنَفِّذُونَ أَمْرَهُ (لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ(() (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ

وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(() (لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(().

وَلاَ تَتَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ إِلاَّ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلاَ تَفْعَلُ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ.

وَرُؤَسَاؤُهُمُ الأَْمْلاَكُ الثَّلاَثُ: جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»().

فَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ لِهَؤُلاَءِ الأَْمْلاَكِ الثَّلاَثَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْحَيَاةِ.

فَجِبْرِيلُ مُوَكَّلٌ بِالْوَحْيِ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَالأَْرْوَاحِ، وَمِيكَائِيلُ وُكِّلَ بِالْقَطْرِ الَّذِي بَهْ حَيَاةُ الأَْرْضِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِسْرَافِيلُ مُوَكَّلٌ بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْخَلْقِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ().

رَابِعًا - تَفْضِيلُ الْمَلاَئِكَةِ

8 - قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ نَقْلاً عَنِ الزَّنْدُوسَتِيِّ: أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى أَنَّ الأَْنْبِيَاءَ أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ، وَأَنَّ نَبِيَّنَا ( أَفْضَلُهُمْ، وَأَنَّ أَفْضَلَ الْخَلاَئِقِ بَعْدَ الأَْنْبِيَاءِ الْمَلاَئِكَةُ الأَْرْبَعَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالرُّوحَانِيُّونَ وَرِضْوَانُ وَمَالِكٌ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلاَئِكَةِ.

وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ الإِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: سَائِرُ النَّاسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلاَئِكَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ: سَائِرُ الْمَلاَئِكَةِ أَفْضَلُ().

خَامِسًا - سَبُّ الْمَلاَئِكَةِ

9 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَلاَئِكَتَهُ - الْوَارِدَ ذِكْرُهُمْ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ - أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِمْ أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا أَتَوْا بِهِ أَوْ أَنْكَرَ وُجُودَهُمْ وَجَحَدَ نُزُولَهُمْ قُتِلَ كُفْرًا.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُسْتَتَابُ أَمْ لاَ؟

فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُسْتَتَابُ وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يُسْتَتَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ().

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ - أَيْ بِلاَ طَلَبٍ أَوْ بِلاَ قَبُولِ تَوْبَةٍ مِنْهُ - حَدًّا إِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ كُفْرًا، إِلاَّ أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ فَلاَ يُقْتَلُ لأَِنَّ الإِْسْلاَمَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ().

قَالَ الْمَوَّاقُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ كَجِبْرِيلَ وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَالزَّبَانِيَةِ وَرِضْوَانٍ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَثْبُتِ الأَْخْبَارُ بِتَعْيِينِهِ وَلاَ وَقَعَ الإِْجْمَاعُ عَلَى كَوْنِهِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ أَوِ الأَْنْبِيَاءِ، كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَرْيَمَ وَأَمْثَالِهِمْ فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهِمْ مَا ذَكَرْنَا إِذْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ، لَكِنْ يُؤَدَّبُ مَنْ تَنَقَّصَهُمْ.

وَأَمَّا إِنْكَارُ كَوْنِهِمْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ أَوِ النَّبِيِّينَ فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلاَ حَرَجَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ زُجِرَ عَنِ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلاَمَ فِي مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ().

(ر: رِدَّةٌ ف 16 - 17، 35).

مَلاَءَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْمَلاَءَةُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ الْفِعْلِ مَلُؤَ - بِضَمِّ اللاَّمِ - قَالَ الْفَيُّومِيُّ: مَلُؤَ - بِالضَّمِّ - مَلاَءَةً، وَهُوَ أَمْلأَُ الْقَوْمِ أَيْ: أَقْدَرُهُمْ وَأَغْنَاهُمْ، وَرَجُلٌ مَلِيءٌ - مَهْمُوزٌ - عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ: غَنِيٌّ مُقْتَدِرٌ().

وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: رَجُلٌ مَلِيءٌ: كَثِيرُ الْمَالِ بَيِّنُ الْمَلاَءِ، وَالْجَمْعُ مِلاَءٌ، وَقَدْ مَلُؤَ الرَّجُلُ يَمْلُؤُ مَلاَءَةً فَهُوَ مَلِيءٌ: صَارَ مَلِيئًا، أَيْ ثِقَةً، فَهُوَ غَنِيٌّ مَلِيءٌ: بَيِّنُ الْمِلاَءِ وَالْمَلاَءَةِ.

وَقَدْ أُولِعَ فِيهِ النَّاسُ بِتَرْكِ الْهَمْزِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ().

وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: الْمَلاَءَةُ: هِيَ الْغِنَى وَالْيَسَارُ().

وَقَدْ فَسَّرَ أَحْمَدُ الْمَلاَءَةَ فَقَالَ: تُعْتَبَرُ الْمَلاَءَةُ فِي الْمَالِ وَالْقَوْلِ وَالْبَدَنِ، فَالْمَلِيءُ هُوَ مَنْ كَانَ قَادِرًا بِمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَبَدَنِهِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ الْبُهُوتِيُّ: زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ: وَفِعْلُهُ، وَزَادَ فِي الْكُبْرَى عَلَيْهِمَا: وَتَمَكُّنُهُ مِنَ الأَْدَاءِ.

فَالْمَلاَءَةُ فِي الْمَالِ: الْقُدْرَةُ عَلَى الْوَفَاءِ، وَالْمَلاَءَةُ فِي الْقَوْلِ: أَنْ لاَ يَكُونَ مُمَاطِلاً.

وَالْمَلاَءَةُ فِي الْبَدَنِ: إِمْكَانُ حُضُورِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، قَالَ الْبُهُوتِيُّ: هَذَا مَعْنَى كَلاَمِ الزَّرْكَشِيِّ.

ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ: «فِعْلَهُ» يَرْجِعُ إِلَى عَدَمِ الْمَطْلِ إِذِ الْبَاذِلُ غَيْرُ مُمَاطِلٍ.

وَ: «تَمَكُّنُهُ مِنَ الأَْدَاءِ» يَرْجِعُ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ، إِذْ مَنْ مَالُهُ غَائِبٌ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَنَحْوُهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ، وَلِذَلِكَ أَسْقَطَهُمَا الأَْكْثَرُ وَلَمْ يُفَسِّرْهُمَا().

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الإِْعْسَارُ:

2 - الإِْعْسَارُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَعْسَرَ، وَهُوَ ضِدُّ الْيَسَارِ، وَالْعُسْرُ: الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ، وَالإِْعْسَارُ وَالْعُسْرَةُ: قِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ().

وَالإِْعْسَارُ فِي الاِصْطِلاَحِ: عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفَقَةِ أَوْ عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ بِمَالٍ وَلاَ كَسْبٍ، أَوْ هُوَ زِيَادَةُ خَرْجِهِ عَنْ دَخْلِهِ().

وَالإِْعْسَارُ ضِدُّ الْمَلاَءَةِ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَلاَءَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:

يَتَعَلَّقُ بِالْمَلاَءَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

أ - أَثَرُ الْمَلاَءَةِ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ

3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَكَاةِ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ عَلَى مَلِيءٍ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةٌ ف 20، 21).

ب - أَثَرُ الْمَلاَءَةِ فِي أَخْذِ الْمَشْفُوعِ

4 - مِنْ أَحْكَامِ الشُّفْعَةِ: أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ

الْعَقْدُ وَقْتَ لُزُومِهِ قَدْرًا وَجِنْسًا وَصِفَةً() لِحَدِيثِ جَابِرٍ (: «فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ»().

فَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ مُؤَجَّلاً إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ مُؤَجَّلاً إِلَى أَجَلِهِ، لأَِنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الأَْخْذَ بِقَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

لَكِنَّ الشَّفِيعَ لاَ يَسْتَحِقُّ الأَْخْذَ إِلاَّ بِشُرُوطٍ.

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ أَخْذَ الشِّقْصِ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِالثَّمَنِ يَوْمَ الأَْخْذِ، وَلاَ يُلْتَفَتُ لِيُسْرِهِ يَوْمَ حُلُولِ الأَْجَلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلاَ يَكْفِي تَحَقُّقُ يُسْرِهِ يَوْمَ حُلُولِ الأَْجَلِ بِنُزُولِ جَامَكِيَّةٍ أَوْ مَعْلُومِ وَظِيفَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا كَانَ يَوْمَ الأَْخْذِ مُعْسِرًا مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمُشْتَرِي، وَلاَ يُرَاعَى خَوْفُ طُرُوِّ عُسْرِهِ قَبْلَ حُلُولِ الأَْجَلِ إِلْغَاءً لِلطَّارِئِ، لِوُجُودِ مُصَحِّحِ الْعَقْدِ يَوْمَ الأَْخْذِ وَهُوَ الْيُسْرُ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الشَّفِيعُ مُوسِرًا يَوْمَ الأَْخْذِ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ بِضَامِنٍ مَلِيءٍ أَوْ بِرَهْنٍ ثِقَةٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الأَْخْذَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الشَّفِيعُ مُوسِرًا وَقْتَ الأَْخْذِ وَلَمْ يَأْتِ بِضَامِنٍ مَلِيءٍ أَوْ رَهْنٍ ثِقَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي وَلَوْ بِبَيْعِ الشِّقْصِ لأَِجْنَبِيٍّ، فَإِنْ لَمْ يُعَجِّلِ الثَّمَنَ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ.

لَكِنْ إِذَا تَسَاوَى الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْعَدَمِ فَلاَ يَلْزَمُ الشَّفِيعَ حِينَئِذٍ الإِْتْيَانُ بِضَامِنٍ مَلِيءٍ، وَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ بِالشُّفْعَةِ إِلَى ذَلِكَ الأَْجَلِ، وَهَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ.

وَمُقَابِلُ الْمُخْتَارِ: أَنَّهُ مَتَى كَانَ الشَّفِيعُ مُعْدَمًا فَلاَ يَأْخُذُهُ إِلاَّ بِضَامِنٍ مَلِيءٍ وَلَوْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْمُشْتَرِي فِي الْعَدَمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ أَشَدَّ عَدَمًا مِنَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلٍ مَلِيءٍ، فَإِنْ أَبَى أَسْقَطَ الْحَاكِمُ شُفْعَتَهُ().

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ ثَمَنُ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ مُؤَجَّلاً أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالأَْجَلِ إِنْ كَانَ الشَّفِيعُ مَلِيئًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَلِيئًا - بِأَنْ كَانَ مُعْسِرًا - أَقَامَ كَفِيلاً مَلِيئًا بِالثَّمَنِ وَأَخَذَ الشِّقْصَ

بِالثَّمَنِ مُؤَجَّلاً، لأَِنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الأَْخْذَ بِقَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَتِهِ، وَاعْتُبِرَتِ الْمَلاَءَةُ أَوِ الْكَفِيلُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي().

هَذَا إِذَا كَانَ ثَمَنُ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ مُؤَجَّلاً، فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَعَجَزَ الشَّفِيعُ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ، وَلَوْ أَتَى الشَّفِيعُ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُمَا وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ مُحْرَزًا وَالضَّمِينُ مَلِيئًا، لِمَا عَلَى الْمُشْتَرِي مِنَ الضَّرَرِ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَالشُّفْعَةُ شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَلاَ تَثْبُتُ مَعَهُ().

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ: إِنْ كَانَ ثَمَنُ الْمَشْفُوعِ مُؤَجَّلاً فَلِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ أَخَذَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الأَْجَلُ ثُمَّ يَأْخُذَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَلَيْسَ الرِّضَا بِالأَْجَلِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي رِضًا بِهِ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمَلاَءَةِ.

وَقَالَ زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ تَنْزِيلاً لَهُ

مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي، وَلأَِنَّ كَوْنَهُ مُؤَجَّلاً وَصْفٌ فِي الثَّمَنِ كَالزِّيَافَةِ، وَالأَْخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِالثَّمَنِ، فَيَأْخُذُهُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ كَمَا فِي الزُّيُوفِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَأْخُذُهُ بِسِلْعَةٍ لَوْ بِيعَتْ إِلَى ذَلِكَ الأَْجَلِ لَبِيعَتْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ().

ج - أَثَرُ الْمَلاَءَةِ فِي الضَّمَانِ

5 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ): أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ مَلاَءَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ يَصِحُّ ضَمَانُ كُلِّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَلِيئًا أَوْ مُفْلِسًا() وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ سَلَمَةُ بْنُ الأَْكْوَعِ ( قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ( إِذْ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا. فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. ثُمَّ أُتِيَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيْهَا. قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ. فَصَلَّى عَلَيْهَا. ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا:

صَلِّ عَلَيْهَا. قَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلاَثَةُ دَنَانِيرَ. قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ»() فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَدِينِ الَّذِي لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً().

وَعَلَّلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ بِأَنَّ الْمَوْتَ لاَ يُنَافِي بَقَاءَ الدَّيْنِ لأَِنَّهُ مَالٌ حُكْمِيٌّ، فَلاَ يَفْتَقِرُ بَقَاؤُهُ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ، وَلِهَذَا بَقِيَ إِذَا مَاتَ مَلِيئًا حَتَّى تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَكَذَا بَقِيَتِ الْكَفَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُفْلِسًا().

وَبَنَى الشَّافِعِيَّةُ قَوْلَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ - وَهُوَ الْمَدِينُ - لأَِنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ جَائِزٌ فَالْتِزَامُهُ أَوْلَى، كَمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنِ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً().

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ - إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَكْفُولِ لَهُ أَنْ يَكُونَ مَلِيئًا، حَتَّى يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِهِ إِمَّا

بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، وَلِذَلِكَ لاَ يَصِحُّ عِنْدَهُ الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ، لأَِنَّ الدَّيْنَ عِبَارَةٌ عَنِ الْفِعْلِ وَالْمَيِّتُ عَاجِزٌ عَنِ الْفِعْلِ، فَكَانَتْ هَذِهِ كَفَالَةً بِدَيْنٍ سَاقِطٍ كَمَا إِذَا كَفَلَ عَلَى إِنْسَانٍ بِدَيْنٍ وَلاَ دَيْنَ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَاتَ مَلِيئًا فَهُوَ قَادِرٌ بِنَائِبِهِ().

د - أَثَرُ الْمَلاَءَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ

6 - مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَكَانَ مَلِيئًا مُقِرًّا بِدَيْنِهِ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الدَّيْنِ حِينَ طَلَبِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ (: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»()،، وَبِالطَّلَبِ يَتَحَقَّقُ الْمَطْلُ، إِذْ لاَ يُقَالُ: مَطَلَهُ إِلاَّ إِذَا طَالَبَهُ فَدَافَعَهُ().

وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ لِلْقَادِرِ عَلَى الأَْدَاءِ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ.

جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْجَمْلِ: يَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ

أَدَاءُ الدَّيْنِ فَوْرًا إِنْ خَافَ فَوْتَ أَدَائِهِ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ إِمَّا بِمَوْتِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ بِذَهَابِ مَالِهِ، أَوْ خَافَ مَوْتَ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ طَالَبَهُ رَبُّ الدَّيْنِ، أَوْ عَلِمَ حَاجَتَهُ إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَارِزِيُّ().

7 - وَإِذَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِالأَْدَاءِ فَطَلَبَ إِمْهَالَهُ لِبَيْعِ عُرُوضِهِ لِيُوفِيَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهَا أُمْهِلَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، لَكِنْ لاَ يُؤَجَّلُ إِلاَّ إِذَا أَعْطَى حَمِيلاً بِالْمَالِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ().

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَانَ لِلْمَدِينِ الْقَادِرِ عَلَى الْوَفَاءِ سِلْعَةٌ، فَطَلَبَ مِنْ رَبِّ الْحَقِّ أَنْ يُمْهِلَهُ حَتَّى يَبِيعَهَا وَيُوفِيَهُ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهَا أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ، أَيْ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ بَيْعِهَا وَالْوَفَاءِ مِنْ ثَمَنِهَا.

وَكَذَا إِنْ طُولِبَ بِمَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ وَمَالُهُ بِدَارِهِ أَوْ مُودَعٌ أَوْ بِبَلَدٍ آخَرَ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يُحْضِرُهُ فِيهِ.

وَكَذَلِكَ إِنْ أَمْكَنَ الْمَدِينَ أَنْ يَحْتَالَ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ بِاقْتِرَاضِ وَنَحْوِهِ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلاَ يُحْبَسُ لِعَدَمِ امْتِنَاعِهِ مِنَ الأَْدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(().

وَإِنْ خَافَ رَبُّ الْحَقِّ هَرَبَهُ احْتَاطَ بِمُلاَزَمَتِهِ أَوْ بِكَفِيلٍ، وَلاَ يَجُوزُ مَنْعُهُ مِنَ الْوَفَاءِ بِحَبْسِهِ، لأَِنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ لاَ حَاجَةَ إِلَيْهَا().

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا: لَوْ مَاطَلَ الْمَدِينُ حَتَّى شَكَاهُ رَبُّ الْحَقِّ فَمَا غَرِمَهُ فِي شَكْوَاهُ فَعَلَى الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ إِذَا كَانَ رَبُّ الْحَقِّ قَدْ غَرِمَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، لأَِنَّهُ تَسَبَّبَ فِي غُرْمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ().

8 - وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَدِينُ الْمَلِيءُ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَبَعْدَ إِعْطَائِهِ الْمُهْلَةِ لِبَيْعِ عُرُوضِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِحَمِيلٍ بِالْمَالِ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْبِسُهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ (: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»()،، فَيُحْبَسُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِوَاسِطَةِ الْحَبْسِ، وَلِقَوْلِهِ (: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»(). وَالْحَبْسُ عُقُوبَةٌ كَمَا قَالَ

الْكَاسَانِيُّ وابْنُ قُدَامَةَ().

لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ الْحَبْسَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِطَلَبِ رَبِّ الدَّيْنِ مِنَ الْقَاضِي، فَمَا لَمْ يَطْلُبْ رَبُّ الدَّيْنِ حَبْسَ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ لاَ يُحْبَسُ لأَِنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ، وَالْحَبْسُ وَسِيلَةٌ إِلَى حَقِّهِ، وَوَسِيلَةُ حَقِّ الإِْنْسَانِ هِيَ حَقُّهُ، وَحَقُّ الْمَرْءِ إِنَّمَا يُطْلَبُ بِطَلَبِهِ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الطَّلَبِ لِلْحَبْسِ، فَإِذَا طَلَبَ رَبُّ الدَّيْنِ حَبْسَ الْمَدِينِ - وَثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي سَبَبُ وُجُوبِ الدَّيْنِ وَشَرَائِطُهُ بِالْحُجَّةِ - حَبَسَهُ لِتَحَقُّقِ الظُّلْمِ عِنْدَهُ بِتَأْخِيرِ حَقِّ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَالْقَاضِي نُصِبَ لِدَفْعِ الظُّلْمِ فَيَنْدَفِعُ الظُّلْمُ عَنْهُ().

9 - وَيُشْتَرَطُ لِحَبْسِ الْمَلِيءِ الْمُمَاطِلِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ سِوَى الْوَالِدَيْنِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَلاَ يُحْبَسُ الْوَالِدُونَ وَإِنْ عَلَوْا بِدَيْنِ الْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا(() وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا(() وَلَيْسَ مِنَ الْمُصَاحَبَةِ

بِالْمَعْرُوفِ وَالإِْحْسَانِ حَبْسُهُمَا بِالدَّيْنِ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ الْوَالِدُ مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْبِسُهُ، لَكِنْ تَعْزِيرًا لاَ حَبْسًا بِالدَّيْنِ.

وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيُحْبَسُ بِدَيْنِ الْوَالِدِ، لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْحَبْسِ حَقُّ الْوَالِدَيْنِ.

وَكَذَا سَائِرُ الأَْقَارِبِ، يُحْبَسُ الْمَدْيُونُ بِدَيْنِ قَرِيبِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ.

وَيَسْتَوِي فِي الْحَبْسِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، لأَِنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَبْسِ لاَ يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالأُْنُوثَةِ.

وَيُحْبَسُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دَيْنِهِ، لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ الظُّلْمُ بِسَبِيلٍ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ صَارَ بِالتَّأْخِيرِ ظَالِمًا، فَيُحْبَسُ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ فَيَنْدَفِعَ الظُّلْمُ.

لَكِنْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُحْبَسُ الْجَدُّ بِدَيْنِ وَلَدِ وَلَدِهِ، لأَِنَّ حَقَّهُ دُونَ حَقِّ الأَْبِ().

10 - وَإِذَا حَبَسَ الْحَاكِمُ الْمَدِينَ وَأَصَرَّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ عَنِ الْوَفَاءِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ بِهِ. قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى يَسَارِهِ

أَبَّدَ الْحَاكِمُ حَبْسَهُ لِظُلْمِهِ().

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُضْرَبُ مَعْلُومُ الْمِلاَءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي الْعَدَدِ بِمَجْلِسِ أَوْ مَجَالِسَ، وَلَوْ أَدَّى إِلَى إِتْلاَفِهِ لِظُلْمِهِ بِاللَّدَدِ دُونَ أَنْ يَقْصِدَ الْحَاكِمُ إِتْلاَفَهُ، أَمَّا لَوْ ضَرَبَهُ قَاصِدًا إِتْلاَفَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، قَالُوا: وَلاَ يَبِيعُ مَالَهُ().

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنِ امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الأَْدَاءِ وَكَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ - وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ - وَفَّى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَالَهُ - وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلاَيَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَمُولِيُّ - أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِالتَّعْزِيرِ بِحَبْسِ أَوْ غَيْرِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ( أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الأُْسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ أَنْ يُقَالَ: سَبَقَ الْحَاجَّ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ دَانَ مُعْرِضًا، فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ» ().

وَلَوِ الْتَمَسَ الْغَرِيمُ مِنَ الْحَاكِمِ الْحَجْرَ عَلَى

مَالِ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الأَْدَاءِ أُجِيبَ لِئَلاَّ يَتْلَفَ مَالُهُ.

وَإِنْ كَانَ لِلْمَدِينِ مَالٌ فَأَخْفَاهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَطَلَبَ غَرِيمُهُ حَبْسَهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ وَحَجَرَ عَلَيْهِ وَعَزَّرَهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَبْسِ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَرْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَلَوْ زَادَ مَجْمُوعُ الضَّرْبِ عَلَى الْحَدِّ.

وَلاَ يُعَزِّرُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَبْرَأَ مِنَ التَّعْزِيرِ الأَْوَّلِ().

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَصَرَّ الْمَدِينُ الْمَلِيءُ عَلَى الْحَبْسِ وَلَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَضَى دَيْنَهُ، لِمَا رَوَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ( عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ ( مَالَهُ وَبَاعَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ»().

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: إِذَا أَصَرَّ الْمَدِينُ عَلَى الْحَبْسِ وَصَبَرَ عَلَيْهِ ضَرَبَهُ الْحَاكِمُ، قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: يَحْبِسُهُ فَإِنْ أَبَى الْوَفَاءَ عَزَّرَهُ، وَيُكَرِّرُ حَبْسَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: نَصَّ عَلَيْهِ الأَْئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ

وَغَيْرِهِمْ وَلاَ أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا، لَكِنْ لاَ يُزَادُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَلَى أَكْثَرِ التَّعْزِيرِ إِنْ قِيلَ بِتَقْدِيرِهِ().

هـ - اخْتِلاَفُ الْمَدِينِ وَالْغَرِيمِ فِي الْمَلاَءَةِ

11 - لَوْ أَقَامَ الْغَرِيمُ بَيِّنَةً بِمَلاَءَةِ الْمَدِينِ، أَوِ ادَّعَى مَلاَءَتَهُ بِلاَ بَيِّنَةٍ، وَأَقَامَ الْمَدِينُ بَيِّنَةً بِإِعْسَارِهِ، أَوِ ادَّعَى الإِْعْسَارَ بِلاَ بَيِّنَةٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَفِيمَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوِ اخْتَلَفَ الْغَرِيمُ وَالْمَدِينُ فِي الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ، فَقَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُوسِرٌ، وَقَالَ الْمَطْلُوبُ: أَنَا مُعْسِرٌ، فَإِنْ قَامَتْ لأَِحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الطَّالِبِ، لأَِنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةً وَهِيَ الْيَسَارُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكَفَالَةِ وَالنِّكَاحِ وَالزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يُنْظَرُ: إِنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِمُعَاقَدَةٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْكَفَالَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالصُّلْحِ عَنِ الْمَالِ وَالْخُلْعِ، أَوْ ثَبَتَ تَبَعًا فِيمَا هُوَ مُعَاقَدَةٌ كَالنَّفَقَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَكَذَا فِي الْغَصْبِ وَالزَّكَاةِ، وَإِنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ أَوِ الْقَتْلِ الَّذِي لاَ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَيُوجِبُ الْمَالَ فِي مَالِ الْجَانِي وَفِي

الْخَطَأِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ.

وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي آدَابِ الْقَاضِي أَنَّهُ إِنْ وَجَبَ الدَّيْنُ عِوَضًا عَنْ مَالٍ سَالِمٍ لِلْمُشْتَرِي، نَحْوُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي سَلَّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَالْقَرْضَ وَالْغَصْبَ وَالسَّلَمَ الَّذِي أَخَذَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَكُلُّ دَيْنٍ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ أَصْلاً كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، أَوْ لَهُ عِوَضٌ لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْكَفَالَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ.

وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ:

قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلاَ يُحْبَسُ، لأَِنَّ الْفَقْرَ أَصْلٌ فِي بَنِي آدَمَ وَالْغِنَى عَارِضٌ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمَطْلُوبِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ (: «لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْيَدُ وَاللِّسَانُ»().

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحَكَّمُ زِيُّهُ: إِذَا كَانَ زِيُّهُ زِيَّ

الأَْغْنِيَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ، وَإِنْ كَانَ زِيُّهُ زِيَّ الْفُقَرَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ.

وَعَنْ أَبِي جَعْفَرَ الْهِنْدَوَانِيِّ أَنَّهُ يُحَكَّمُ زِيُّهُ فَيُؤْخَذُ بِحُكْمِهِ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، إِلاَّ إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَوِ الْعَلَوِيَّةِ أَوِ الأَْشْرَافِ، لأَِنَّ مِنْ عَادَاتِهِمُ التَّكَلُّفَ فِي اللِّبَاسِ وَالتَّجَمُّلَ بِدُونِ الْغِنَى، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ().

وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَوْلَ فِي الشَّرْعِ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، فَإِذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بَدَلاً عَنْ مَالٍ سُلِّمَ لَهُ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ، لأَِنَّهُ ثَبَتَتْ قُدْرَةُ الْمَطْلُوبِ بِسَلاَمَةِ الْمَالِ، وَكَذَا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لاَ تَجِبُ إِلاَّ عَلَى الْغَنِيِّ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلطَّالِبِ فِيمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الدَّلاَلَةِ، وَهُوَ إِقْدَامُهُ عَلَى الْمُعَاقَدَةِ، فَإِنَّ الإِْقْدَامَ عَلَى التَّزَوُّجِ دَلِيلُ الْقُدْرَةِ، إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ الإِْنْسَانَ لاَ يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ، وَلاَ يَتَزَوَّجُ أَيْضًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَهْرِ، وَكَذَا الإِْقْدَامُ عَلَى الْخُلْعِ لأَِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تُخَالِعُ عَادَةً حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهَا شَيْءٌ، وَكَذَا الصُّلْحُ لاَ يُقْدِمُ الإِْنْسَانُ عَلَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، فَكَانَ

الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ().

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمَلاَءَةِ الْمَدِينِ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعَدَمِ مَلاَءَتِهِ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْمَلاَءِ عَلَى بَيِّنَةِ الْعَدَمِ إِنْ بَيَّنَتْ بَيِّنَةُ الْمَلاَءِ سَبَبَهُ، بِأَنْ قَالَتْ: لَهُ مَالٌ يَفِي بِدَيْنِهِ وَقَدْ أَخْفَاهُ، لأَِنَّهَا بَيِّنَةٌ نَاقِلَةٌ وَمُثْبِتَةٌ وَشَاهِدَةٌ بِالْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَوْ قَالَتْ بَيِّنَةٌ: لَهُ مَالٌ بَاطِنٌ أَخْفَاهُ، قُدِّمَتِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ لَمْ تُبَيِّنْ بَيِّنَةُ الْمَلاَءِ سَبَبَ الْمَلاَءِ رُجِّحَتْ بَيِّنَةُ الْعَدَمِ، سَوَاءٌ بَيَّنَتْ سَبَبَ الْعَدَمِ أَمْ لاَ.

وَقَالَ عَلِيٌّ الأُْجْهُورِيُّ: وَالَّذِي جَرَى الْعَمَلُ بِهِ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْمَلاَءِ وَإِنْ لَمْ تُبَيِّنْ سَبَبَهُ.

وَإِنْ شَهِدَ شُهُودٌ بِعُسْرِ الْمَدِينِ، وَقَالُوا فِي شَهَادَتِهِمْ: إِنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ لِلْمَدِينِ مَالاً ظَاهِرًا وَلاَ بَاطِنًا، فَإِنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ، فَيَقُولُ: بِاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَمْ أَعْرِفْ لِي مَالاً ظَاهِرًا وَلاَ بَاطِنًا، وَيَزِيدُ: وَإِنْ وَجَدْتُ مَالاً لأََقْضِيَنَّ مَا عَلَيَّ().

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا إِعْسَارٍ وَمَلاَءَةٍ كُلَّمَا شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا جَاءَتِ الأُْخْرَى فَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ فِي الْحَالِ عَلَى خِلاَفِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الأُْولَى، فَهَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ أَبَدًا وَيُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ؟

أَفْتَى ابْنُ الصَّلاَحُ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ، إِذَا لَمْ يَنْشَأْ مِنْ تَكْرَارِهَا رِيبَةٌ، وَلاَ تَكَادُ بَيِّنَةُ الإِْعْسَارِ تَخْلُو عَنْ رِيبَةٍ إِذَا تَكَرَّرَتْ().

وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: إِنِ ادَّعَى الْمَدِينُ الإِْعْسَارَ نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، لأَِنَّ الأَْصْلَ عَدَمُ الْمَالِ، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: إِنَّهُ مُعْسِرٌ، إِلاَّ بِبَيِّنَةِ، لأَِنَّ الأَْصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ، فَإِنْ قَالَ: غَرِيمِي يَعْلَمُ أَنِّي مُعْسِرٌ، أَوْ أَنَّ مَالِي هَلَكَ فَحَلَّفُوهُ حَلِفَ الْغَرِيمُ، لأَِنَّ مَا يَدَّعِيهِ مُحْتَمَلٌ().

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنِ ادَّعَى الْمَدِينُ الإِْعْسَارَ وَكَذَّبَهُ غَرِيمُهُ، فَلاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ عُرِفَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ: فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ، كَكَوْنِ الدَّيْنِ ثَبَتَ عَنْ مُعَاوَضَةٍ كَالْقَرْضِ وَالْبَيْعِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ أَصْلُ مَالٍ سِوَى هَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ غَرِيمِهِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ الْغَرِيمُ أَنَّهُ ذُو مَالٍ حُبِسَ الْمَدِينُ حَتَّى تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِإِعْسَارِهِ، لأَِنَّ الظَّاهِرَ قَوْلُ الْغَرِيمِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى.

فَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ بِتَلَفِ مَالِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ

أَوْ لَمْ تَكُنْ، لأَِنَّ التَّلَفَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَإِنْ طَلَبَ الْغَرِيمُ إِحْلاَفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ لأَِنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ.

وَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ بِالإِْعْسَارِ مَعَ الشَّهَادَةِ بِالتَّلَفِ اكْتَفَى بِشَهَادَتِهَا وَثَبَتَتْ عُسْرَتُهُ.

وَإِنْ لَمْ تَشْهَدِ الْبَيِّنَةُ بِعُسْرَتِهِ وَإِنَّمَا شَهِدَتْ بِالتَّلَفِ لاَ غَيْرَ، وَطَلَبَ الْغَرِيمُ يَمِينَ الْمَدِينِ عَلَى عُسْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ آخَرُ، اسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ لأَِنَّهُ غَيْرُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ.

وَإِنْ لَمْ تَشْهَدِ الْبَيِّنَةُ بِالتَّلَفِ، وَإِنَّمَا شَهِدَتْ بِالإِْعْسَارِ فَقَطْ لَمْ تُقْبَلِ الشَّهَادَةُ إِلاَّ مِنْ ذِي خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ وَمَعْرِفَةٍ مُتَقَادِمَةٍ، لأَِنَّ هَذَا مِنَ الأُْمُورِ الْبَاطِنَةِ لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ إِلاَّ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ() وَذَلِكَ لِمَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ الْمُخَارِقِ ( أَنَّ النَّبِيَّ ( قَالَ لَهُ: «يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَِحَدِ ثَلاَثَةٍ... وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ، قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ»().

وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْمَدِينِ مَالٌ الْغَالِبُ بَقَاؤُهُ، كَكَوْنِ الْحَقِّ ثَبَتَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةِ مَالٍ أَخَذَهُ الْمَدِينُ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَمَهْرٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ إِنْ كَانَ امْرَأَةً، وَادَّعَى الإِْعْسَارَ وَلَمْ يُقِرَّ الْمَدِينُ أَنَّهُ مَلِيءٌ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ: أَنَّهُ لاَ مَالَ لَهُ وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ، لأَِنَّ الأَْصْلَ عَدَمُ الْمَالِ.

فَإِنْ أَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ إِعْسَارَ الْمَدِينِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِقُدْرَةِ الْمَدِينِ عَلَى الْوَفَاءِ، فَإِنَّ الْمَدِينَ يُحْبَسُ لِثُبُوتِ مَلاَءَتِهِ.

وَلَوْ حَلَفَ رَبُّ الدَّيْنِ: أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ عُسْرَةَ الْمَدِينِ، أَوْ حَلَفَ رَبُّ الدَّيْنِ: أَنَّ الْمَدِينَ مُوسِرٌ، أَوْ ذُو مَالٍ، أَوْ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ حُبِسَ الْمَدِينُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ عُسْرَتِهِ.

فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ رَبُّ الدَّيْنِ بَعْدَ سُؤَالِ الْمَدِينِ حَلَّفَهُ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ عُسْرَتَهُ، حَلَفَ الْمَدِينُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، لأَِنَّ الأَْصْلَ عَدَمُ الْمَالِ، إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ رَبُّ الدَّيْنِ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ يَسَارِهِ فَيُحْبَسُ الْمَدِينُ().

و - أَثَرُ الْمَلاَءَةِ فِي مَنْعِ الْمَدِينِ مِنَ السَّفَرِ

12 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَدِينَ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَكَانَ الْمَدِينُ مَلِيئًا كَانَ مِنْ حَقِّ الْغَرِيمِ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ حَتَّى يُؤَدِّيَ

إِلَيْهِ دَيْنَهُ، وَذَلِكَ - كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ - بِأَنْ يُشْغِلَهُ عَنِ السَّفَرِ بِرَفْعِهِ إِلَى الْحَاكِمِ وَمُطَالَبَتِهِ حَتَّى يُوفِيَهُ دَيْنَهُ، لأَِنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ بِخِلاَفِ السَّفَرِ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنِ اسْتَنَابَ مَنْ يُوفِيهِ عَنْهُ مِنْ مَالِ الْحَاضِرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ().

أَمَّا إِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلاً، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْغَرِيمِ مَنْعُ الْمَدِينِ مِنَ السَّفَرِ مَا دَامَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلاً.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لاَ يُمْنَعُ الْمَدِينُ مِنَ السَّفَرِ قَبْلَ حُلُولِ الأَْجَلِ، سَوَاءٌ بَعُدَ مَحِلُّهُ أَوْ قَرُبَ، لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ قَبْلَ حَلِّ الأَْجَلِ وَلاَ يُمْكِنُ مَنْعُهُ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا حَلَّ الأَْجَلُ مَنَعَهُ مِنَ الْمُضِيِّ فِي سَفَرِهِ إِلَى أَنْ يُوفِيَهُ دَيْنَهُ().

وَقَالَ الشَّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: أَمَّا الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ مَنْعُ الْمَدِينِ مِنَ السَّفَرِ وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا كَجِهَادٍ، أَوْ كَانَ الأَْجَلُ قَرِيبًا، إِذْ لاَ مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْحَالِّ، وَلاَ يُكَلِّفُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ رَهْنًا وَلاَ كَفِيلاً وَلاَ إِشْهَادًا، لأَِنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الْمُقَصِّرُ حَيْثُ رَضِيَ بِالتَّأْجِيلِ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ، وَلَكِنْ لَهُ

أَنْ يُصَاحِبَهُ فِي السَّفَرِ لِيُطَالِبَهُ عِنْدَ حُلُولِ الأَْجَلِ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُلاَزِمَهُ مُلاَزَمَةَ الرَّقِيبِ لأَِنَّ فِيهِ إِضْرَارًا بِهِ().

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ يَحِلُّ أَثْنَاءَ سَفَرِ الْمَدِينِ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ لاَ يَحِلُّ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ، فَقَالُوا: لِلْغَرِيمِ مَنْعُ الْمَدِينِ مِنَ السَّفَرِ إِنْ حَلَّ الدَّيْنُ بِغَيْبَتِهِ وَكَانَ مُوسِرًا وَلَمْ يُوَكِّلْ مَلِيئًا عَلَى الْقَضَاءِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ مُوسِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا أَوْ وَكَّلَ مَلِيئًا يَقْضِي الدَّيْنَ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ مَالِهِ أَوْ ضَمِنَهُ مَلِيءٌ فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ.

فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يَحِلُّ بِغَيْبَتِهِ فَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ.

قَالَ اللَّخْمِيُّ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ وَأَرَادَ السَّفَرَ قَبْلَ حُلُولِهِ فَلاَ يُمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ إِذَا بَقِيَ مِنْ أَجْلِهِ قَدْرُ سَيْرِهِ وَرُجُوعِهِ، وَكَانَ لاَ يُخْشَى لَدَدُهُ وَمَقَامُهُ، فَإِنْ خُشِيَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ عُرِفَ بِاللَّدَدِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِحَمِيلِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَهُ عَقَارٌ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُعْطَى حَمِيلاً بِالْقَضَاءِ أَوْ وَكِيلاً بِالْبَيْعِ().

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَرَادَ الْمَدِينُ سَفَرًا طَوِيلاً فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَيَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ قَبْلَ

فَرَاغِهِ مِنَ السَّفَرِ أَوْ يَحِلُّ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا أَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ، وَلَيْسَ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ يَفِي بِهِ وَلاَ كَفِيلٌ مَلِيءٌ بِالدَّيْنِ، فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ، لأَِنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْ مَحِلِّهِ، وَقُدُومُهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ وَلاَ ظَاهِرٌ فَمَلَكَ مَنْعَهُ، لَكِنْ إِذَا وَثَّقَ الْمَدِينُ الدَّيْنَ بِرَهْنٍ يُحْرِزُ الدَّيْنَ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ فَلاَ يُمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ لاِنْتِفَاءِ الضَّرَرِ.

وَلَوْ أَرَادَ الْمَدِينُ وَضَامِنُهُ مَعًا السَّفَرَ فَلِلْغَرِيمِ مَنْعُهُمَا إِلاَّ إِذَا تَوَثَّقَ الدَّيْنُ بِرَهْنٍ مُحْرَزٍ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ.

لَكِنْ إِذَا كَانَ سَفَرُ الْمَدِينِ لِجِهَادِ مُتَعَيَّنٍ فَلاَ يُمْنَعُ مِنْهُ بَلْ يُمَكَّنُ مِنَ السَّفَرِ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِذَا أَحْرَمَ الْمَدِينُ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلاً فَلاَ يُحَلِّلُهُ الْغَرِيمُ مِنْ إِحْرَامِهِ لِوُجُوبِ إِتْمَامِهِمَا بِالشُّرُوعِ().

ز - أَثَرُ الْمَلاَءَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ

13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا بِحَسَبِ يَسَارِهِ وَيَسَارِهَا، فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَنَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ إِذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَنَفَقَةُ الْوَسَطِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا.

وَالأَْصْلُ فِي ذَلِكَ ( (: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ(() وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ().

وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (نَفَقَةٌ).

ح - أَثَرُ الْمَلاَءَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الأَْقَارِبِ

14 - الأَْصْلُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الأَْقَارِبِ - كَالْوَالِدَيْنِ وَالأَْبْنَاءِ - الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ(() وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا(() وَمِنَ الإِْحْسَانِ الإِْنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا. وَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ ( لِهِنْدٍ (: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ»().

وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لاَ كَسْبَ لَهُمَا وَلاَ مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ. وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ يَسَارُ الْمُنْفِقِ، وَإِعْسَارُ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَاحْتِيَاجُهُ إِلَى النَّفَقَةِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ().

وَلِلْفُقَهَاءِ فِي أَصْنَافِ الَّذِينَ تَجِبُ لَهُمُ النَّفَقَةُ، وَهَلِ الأَْصْلُ الْمَلاَءَةُ فِيمَنْ طُولِبَ بِالنَّفَقَةِ فَإِذَا ادَّعَى الْعَدَمَ فَعَلَيْهِ الإِْثْبَاتُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ).

(

مُلاَزَمَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْمُلاَزَمَةُ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْفِعْلِ: لاَزَمَ، يُقَالُ: لاَزَمْتُ الْغَرِيمَ مُلاَزَمَةً: تَعَلَّقْتُ بِهِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ().

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْحَبْسُ:

2 - الْحَبْسُ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ وَالإِْمْسَاكُ().

وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ: تَعْوِيقُ الشَّخْصِ وَمَنْعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ وَالْخُرُوجُ إِلَى أَشْغَالِهِ وَمُهِمَّاتِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ().

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْمُلاَزَمَةِ وَالْحَبْسِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِجْرَاءٌ يُتَّخَذُ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى أَدَاءِ الْحُقُوقِ.

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُلاَزَمَةِ:

أ - حُكْمُ مُلاَزَمَةِ الْمَدِينِ

3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ أَصْلِ مُلاَزَمَةِ الْمَدِينِ، وَاخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِ جَوَازِهَا.

فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةُ وَصَاحِبَاهُ: إِلَى أَنَّ لِلدَّائِنِ مُلاَزَمَةَ الْمَدِينِ، وَإِنْ ثَبَتَ إِعْسَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي مَنْعُ الدَّائِنِ عَنْ مُلاَزَمَةِ مَدِينِهِ، وَقَالُوا: لأَِنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِالْمُلاَزَمَةِ مِنْ حَمْلِ الْمَدِينِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ() وَلِقَوْلِهِ (: «لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْيَدُ وَاللِّسَانُ»().

وَقَالُوا: أَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بِالْيَدِ: الْمُلاَزَمَةَ، وَبِاللِّسَانِ: التَّقَاضِي.

وَقَالُوا وَإِذَا كَانَ الْمَدِينُ امْرَأَةً لاَ يُلاَزِمُهَا مَنْعًا مِنَ الْخَلْوَةِ بِالأَْجْنَبِيَّةِ، وَيَسْتَأْجِرُ امْرَأَةً تُلاَزِمُهَا().

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُ

الْمَدِينِ عِنْدَ الْقَاضِي فَلَيْسَ لأَِحَدٍ مُطَالَبَتُهُ وَلاَ مُلاَزَمَتُهُ، بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ(().

وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ( قَالَ لِغُرَمَاءِ الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَتْ دُيُونُهُ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ»().

وَلأَِنَّ مَنْ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَتُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُلاَزَمَتُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، وَمَنْ وَجَبَ إِنْظَارُهُ بِالنَّصِّ حَرُمَتْ مُلاَزَمَتُهُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَيَجُوزُ مُلاَزَمَتُهُ().

هَذَا وَلَمْ نَقِفْ فِيمَا تَيَسَّرَ لَنَا اطِّلاَعُهُ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ ذِكْرًا لِلْمُلاَزَمَةِ.

ب - طَرِيقَةُ الْمُلاَزَمَةِ

4 - طَرِيقَةُ الْمُلاَزَمَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ: أَنْ يَتَتَبَّعَ الدَّائِنُ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ الْمَدِينَ، فَيَذْهَبُ حَيْثُمَا ذَهَبَ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ دَخَلَ مَعَهُ، وَإِلاَّ انْتَظَرَهُ عَلَى الْبَابِ لِيُلاَزِمَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْجِزَهُ فِي مَكَانٍ خَاصٍّ، لأَِنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ وَهُوَ أَمْرٌ

لاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي، بَلْ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا يَشَاءُ هُوَ، لأَِنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ حَمْلِ الْمَدِينِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلِلْحَدِيثِ السَّابِقِ: «لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْيَدُ وَاللِّسَانُ»().

وَتَكُونُ الْمُلاَزَمَةُ فِي النَّهَارِ لاَ لَيْلاً، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ الْكَسْبِ فَلاَ يُتَوَهَّمُ وُقُوعُ مَالٍ فِي يَدِهِ، فَالْمُلاَزَمَةُ لاَ تُفِيدُ().

وَكَذَا كُلُّ وَقْتٍ لاَ يُتَوَهَّمُ وُقُوعُ مَالٍ فِي يَدِهِ فِيهِ كَوَقْتِ مَرَضِهِ.

ج - حَقُّ مُلاَزَمَةِ الْمَكْفُولِ لَهُ الْكَفِيلَ

5 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا غَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَعَجَزَ الْكَفِيلُ عَنْ إِحْضَارِهِ وَقْتَ الْحَاجَةِ، فَلِلْمَكْفُولِ لَهُ مُلاَزَمَةُ الْكَفِيلِ، كَالدَّائِنِ مَعَ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ تَمَامًا().

د - حَقُّ الْمُحَالِ فِي مُلاَزَمَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ

6 - يَجُوزُ لِلْمُحَالِ مُلاَزَمَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ لَهُ هَذَا الْحَقُّ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَلِلْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يُلاَزِمَ الْمُحِيلَ، لِيَتَخَلَّصَ مِنْ مُلاَزَمَةِ الْمُحَالِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي (حَوَالَةٌ ف 112 وَمَا بَعْدَهَا).

(مُلاَعَنَةٌ

انْظُرْ: لِعَانٌ.

مُلاَمَسَةٌ

انْظُرْ: بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ.

مَلاَهِي

انْظُرْ: لَهْوٌ.

(

مُلْتَزَمٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْمُلْتَزَمُ بِفَتْحِ الزَّايِ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ فِعْلِ الْتَزَمَ، يُقَالُ: الْتَزَمْتُ الشَّيْءَ، أَيْ: اعْتَنَقْتُهُ فَهُوَ مُلْتَزَمٌ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِمَا بَيْنَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرِ الأَْسْوَدِ: الْمُلْتَزَمُ، لأَِنَّ النَّاسَ يَعْتَنِقُونَهُ، أَيْ: يَضُمُّونَهُ إِلَى صُدُورِهِمْ().

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي بِهِ الْحَجَرُ الأَْسْوَدُ إِلَى بَابِ الْكَعْبَةِ مِنْ حَائِطِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَعَرْضُهُ عُلُوُّ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ() وَقَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ: مِسَاحَتُهُ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْيَدِ().

وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لأَِنَّ النَّبِيَّ ( الْتَزَمَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ هُنَاكَ مَلَكًا يُؤَمِّنُ عَلَى الدُّعَاءِ().

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

2 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْتَزِمَ الطَّائِفُ الْمُلْتَزَمَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ اقْتِدَاءً بِالرَّسُولِ (، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «طُفْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ: فَلَمَّا جِئْنَا دُبُرَ الْكَعْبَةِ قُلْتُ: أَلاَ تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَأَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا، وَبَسَطَهُمَا بَسْطًا، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( يَفْعَلُهُ»().

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَيْضًا().

وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ اسْتِحْبَابَ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ بَعْدَ الطَّوَافِ مُطْلَقًا().

كَيْفِيَّةُ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ وَالدُّعَاءِ فِيهِ

3 - نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ أَنْ يُلْصِقَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ بِجِدَارِ الْبَيْتِ، وَيَضَعَ خَدَّهُ الأَْيْمَنَ عَلَيْهِ، وَيَبْسُطَ ذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ، بِحَيْثُ تَكُونُ يَدُهُ الْيُمْنَى إِلَى الْبَابِ وَالْيُسْرَى إِلَى الرُّكْنِ، وَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ كَمَا يَتَعَلَّقُ عَبْدٌ ذَلِيلٌ بِطَرْفِ ثَوْبٍ لِمَوْلَى جَلِيلٍ كَالْمُتَشَفِّعِ بِهَا، وَدَعَا حَالَ تَثَبُّتِهِ وَتَعَلُّقِهِ بِالأَْسْتَارِ مُجْتَهِدًا مُتَضَرِّعًا، مُتَخَشِّعًا، مُكَبِّرًا، مُهَلِّلاً، مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ ( وَيَبْكِي أَوْ يَتَبَاكَى، وَلَوْ لَمْ يَنَلِ الأَْسْتَارَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ مَب