بسم الله الرحمن الرحيماالختالف وموقفنا منه

( مواصلة الحديث في أسباب االختالف التي ترجع إلى أمور منهجية5)في التلقي والنظر واالستدالل

الشيخ/ خالد بن عثمان السبت

إن الحمد لله نحم��ده ونس��تعينه ونس��تغفره, ونع��وذ بالل��ه من ش��رور أنفس��نا وس��يئات أعمالنا, من يهده الله فال مضل له, ومن يضلل فال هادي ل��ه, وأش��هد أن ال إل��ه إال الل��ه وحده ال شريك له، وأشهد أن محمدا عب��ده ورس�وله، ص�لى الل��ه وس�لم وب�ارك علي�ه،

وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد: فسالم الله عليكم ورحمته وبركاته.

مرحبا بكم جميعا، وأسأل الل��ه -تب��ارك وتع��الى- أن يعينن��ا وإي��اكم على ذك��ره وش��كرهوحسن عبادته.

نواصل الحديث فيما كنا بصدده من الكالم على أسباب االختالف التي ترج��ع إلى أم��ورمنهجية في التلقي والنظر واالستدالل.

وعرفنا كيف صارت الفلسفة وترجمة كتب اليونان والهند وفارس والروم س��ببا لتوس��عاالختالف، وسببا لكثرة التفرق والتمزق.

ونواصل الحديث فيما وقفنا عنده, وذلك ما أشرت إليه من كون االختالف ق��د يب��دأ فيأول أمره يسيرا، ثم ما يلبث بعد ذلك أن يتسع، ويتحول إلى شيء آخر.

وهذا شيء مشاهد في القديم والحديث، وذكرت قول شيخ اإلس��الم -رحم��ه الل��ه-: إن .(1)البدع تكون في أولها شبرا، ثم تكثر في األتباع حتى تصير أذرعا وأمياال وفراسخ

في أول أمرهم وظهورهم -كما هو معلوم- ما كانوا يردون النص��وص باعتب��ارالخوارجأنها تخالف المعقول, وإنما كانوا يطعنون في النقلة.

لما كفروا أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صاروا يقبلون خبر من يرتض��ون، فهم ال يردون خبر اآلحاد الذي لم يبل��غ ح��د الت��واتر، ولكنهم يقبل��ون خ��بر اآلح��اد ال��ذي

يكون بالطريق التي يرتضونها . ال شك أن هذا أدى إلى رد السنة بعامتها، ولكن م��ا ك��انوا ي��ردون ذل��ك -كم��ا أس��لفت-

بسبب أنه يعارض المعقول كما فعلت المعتزلة، وطوائف من أهل الكالم . لم��ا ح��دثوا في أواخ��ر عه��د الص��حابة -رض��ي الل��ه عنهم- ك��انواالمرجئة والقدرية

ينتحلون النصوص، ويحتجون بها على قولهم, وما كانوا يدعون أن ل��ديهم من العقلي��اتما يعارض النصوص، هذا في البداية.

فهذه الفرق في بداياتها أخطأت في التعامل مع النصوص، وصاروا يأخذون بجزء منه��ا،ويتركون ما يقابله من النصوص، فحصل بسبب ذلك االنحراف، كما هو معروف .

لما حدثت في أواخر عهد التابعين، أي: في عه��د ص��غار الت��ابعين, ه��ؤالء هم الجهميةالذين عارضوا النصوص برأيهم, لكن كانوا في البداية مقموعين .

نحن عرفن��ا أن الجع��د بن درهم قت��ل، وأن الجهم بن ص��فوان قت��ل, فك��ان ه��ؤالء اليجرءون على اإلعالن بباطلهم وإظهاره كما اجترءوا بعد ذلك.

ومن هنا، انظر إلى حال هؤالء مع النصوص، وكيف كانت البدايات، أعني المعتزلة. واصل بن عطاء عرفنا أنه المؤس��س للمعتزل�ة, وأب��و اله��ذيل العالف, والنظ��ام، ه��ؤالء

مث��ل: عم�رو بن عبي��د ص�احب ثالث��ة رءوس من رءوس المعتزل�ة، ينض��اف إلى ه�ؤالء واصل بن عطاء .

(.8/425مجموع الفتاوى ))( انظر: 11

واصل بن عطاء سئلت عنه زوجت��ه، فق��الت: ك��ان واص��ل إذا جن��ه اللي��ل ص��ف قدمي��ه يصلي، ولوح ودواة موضوعان، فإذا مرت آية فيها حجة على مخ��الف جلس فكتبه��ا، ثم

. (1)عاد في صالته ب�ه م�رت هذا يهتم بموضوع تقرير البدعة، والرد على المخالفين، وهو يق�وم اللي�ل، إذا

رأى أنها تؤيد باطله، أو ترد على الخصوم أخذ الدواة واللوح وكتبها وه��و يص��لي، ثم آيةعاد إلى صالته .

عجائب وغرائب في التاريخ. يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، لو تقرءون في ترجمة أبي العالء المعري الذي رمي بالزندقة, ه�ذا ال�ذي ك�ان يع�ترض على قطع اليد بربع دين��ار، ه��ذا الرج��ل اع��تزل الن��اس تس��عا وأربعين س��نة في بيت��ه ال يخرج, ما خرج قط إال مرة أحاط الجيش بالبلدة لحدث وقع, فجاء الن��اس إلي��ه ليش��فع عن��د الس��لطان, فخ��رج تل��ك الم��رة فق��ط في تس��ع وأربعين س��نة، مع��تزل، وال يأك��ل

الحيوانات، ال اللحوم وال البيض. ويرى أن هذا من الظلم، ما ذنب وم�ا جناي�ة ه�ذه ح�تى يؤك�ل لحمه�ا أو بيض��ها, وك�ان يصوم الدهر، ويقوم الليل، يحيي الليل كله ط��ول الس��نة، والرج��ل رمي بالزندق��ة, ه��و

.(2)معتزل الناس تسعا وأربعين سنة وانظر إلى الضالل الذي كان ينغمس به.

النظ��ام المت��وفى س��نة م��ائتين وواح�د وثالثين، وقي��ل غ��ير ذل��ك, ه�ذا من أك�بر ش��يوخ المعتزلة, رمي بالزندقة, والذين رموه بالزندقة ليس��وا أه��ل الح��ديث، ب��ل كب��ار علم��اء

أهل الكالم مثل: الباقالني شيخ المتكلمين من األشعرية في زمانه.يطعن في الصحابة -أعني النظام- وينكر القياس واإلجماع.

يقول عنه الجويني وه��و من كب��ار علم��اء المتكلمين بع��د أن نق��ل طعن��ه في الص��حابة، وإنكار اإلجماع والقياس, يقول : "وما ذكره النظ��ام كف��ر وزندق��ة، ومحاول��ة استئص��ال

. (3)قاعدة الشرع" يقول عنه أديب أهل السنة والجماعة ابن قتيب��ة -رحم��ه الل��ه- وك��ان في مناكف��ات م��ع

ورءوس الضاللة.  النظام والجاحظ، الجاحظ األديب المع��روف، ص��احب كت��اب "الحي��وان", ه��ذا من رءوس المعتزل��ة، ول��ه

خاصة تنتسب إليه يقال لها: "الجاحظية".  طائفة وفرقةالنظام له طائفة تنتسب إليه أيضا من المعتزلة .

الشاطر غير ما نعهد(4 )يقول ابن قتيبة عن النظام: "وجدنا النظام شاطرا من الشطار"اآلن، ونستعمل هذا اللفظ, الشاطر: هو الذي أعيا أهله بخبثه.

يقول ابن قتيبة عن النظام: كان ش��اطرا من الش��طار, يغ��دو على س��كر، وي��روح علىاألدناس، ويرتكب الفواحش والشائنات.  في سكر, ويبيت على جرائرها ويدخل

وي��بيت على جرائره��ا, يغدو على س��كر، وي��روح على س��كر, شيخ لفرقة من المعتزلة،.وشيخ طريقة، هؤالء األتباع الذين يتبعون على ماذا؟! لكن لكل ناعق تبع

واصل بن عطاء ماذا فعل؟ ك��ان في البداي��ة بالنس��بة للتعام��ل م��ع النص��وص ق��د ق��ررقاعدة وأصال, وهو أن المقبول من النصوص هو ما ال يحتمل التواطؤ على الكذب.

تواطؤ ال��رواة، االحتم��ال العقلي، بص��رف النظ��ر عن ثق��ة ال��رواة، ول��و ك��ان بسلس��لةالذهب, بصرف النظر عن كون هذا الحديث من أصح األحاديث.

المهم عنده هذا المعيار العقلي إذا كان ذلك يحتمل عقال، أي: يحص��ل تواط��ؤ من قب��لالرواة على الكذب سواء كان متواترا، أو من قبيل اآلحاد ال فرق.

(4/31 ربيع األبرار ونصوص األخيار ))( انظر:1(.18/23(، وسير أعالم النبالء )1/295(، ومعجم األدباء )1/113 انظر: وفيات األعيان ))(2(.2/13البرهان في أصول الفقه للجويني ))( 3(.66تأويل مختلف الحديث، البن قتيبة )ص: )( انظر: 4

2

ك��ان ه��ذا أول مس��مار وض��عه واص��ل بن عط��اء, وك��ان في أواخ��ر الق��رن األولوبدايات القرن الثاني الهجري. الهجري،

تطورت هذه المقالة، يعني واص�ل بن عط��اء مول�ود س��نة ثم�انين ومت��وفى س��نة مائ�ةوواحد وخمسين، تطورت هذه المقالة بعد ذلك .

لكن هذا مؤشر إلى قضية مهمة، وهي أن العقل ب��دأ ي��دخل في الحكم على م��ا يقب��ل،وما يرد من النصوص، في هذا الوقت المبكر .

جاء بعده شيخ كبير من شيوخ المعتزلة، وهو: أبو الهذيل العالف، المتوفى سنة م��ائتين واثنتين وثالثين للهجرة.

أبو الهذيل العالف وجد بع��د ترجم��ة كتب اليون��ان، واص��ل بن عط��اء لم يمعن في كتب الفلسفة؛ ألنها لم تترجم بعد، لكن أبا الهذيل العالف نهل منها، وأكب عليها، ويمكن أن يقال: إنه أول من قام بالربط بين قضايا االعتقاد والتش��ريع وبين الفلس��فة, أوغ��ل في

هذا الباب، وخلط كالمه بالفلسفة، وكالم الفالسفة. أيد مقالة واصل بن عطاء، وبدأ ينظ�ر له�ا وطوره�ا؛ حيث جع�ل الرواي�ة لألخب�ار ريب�ة،

وجعل الحق في االتباع للمقاييس العقلية. يعني: جعل النقل ريبة، يعني: يبعث على الريبة -االرتياب-، وأن االطمئنان والثق��ة إنم��ا

 هي بالمقاييس العقلية. عش رجبا ترى عجبا، كما يقال في هذه الخالئق . أعطيكم من الطرائف فتعجبون كما كنت أنظر وأعجب في كتب التاريخ وكتب الف��رق،

خذ هذه الواقعة ألبي الهذيل العالف مع صالح بن عبد القدوس. صالح بن عبد القدوس هذا من الموغلين في الفلسفة، يعتبر من الفالس��فة، وعلى رأي الثنوية، فكان بينه وبين أبي الهذيل العالف مناظرات، الشاهد أنه م��ات ول��د لص��الح بن عبدالقدوس، فجاء أبو الهذيل العالف مع تلميذه النظام، وكان النظام في ذل��ك ال��وقت

فتى، ثم بعد ذلك صار من شيوخ المعتزلة. جاء إلى صالح بن عبدالقدوس يعزيه, فلما رآه حزينا قال له: ال أعرف لجزعك وجها إال

إذا كان اإلنسان عندك كالزرع. ماذا يقصد؟ يقصد مذهب الدهرية، يقولون: أرحام تدفع وأرض تبلع، ال خالق، وال مدبر، يقول أبو الهذيل العالف لهذا الفيلسوف صالح بن عبدالقدوس، ما وجه هذا الج��زع؟ إال

إذا كان اإلنسان عندك كالزرع، يعني: ينبت هكذا، ثم يحصد إذا استتم. فماذا قال صالح بن عبدالقدوس؟ قال: إنما أجزع ألنه لم يقرأ كتاب الشكوك.

قال له العالف: وما كتاب الشكوك؟ قال: كتاب وضعته -أي: ألفته-, من قرأ فيه شك فيما كان -يعني: فيما وق��ع, يش��ك في

كل شيء- حتى يتوهم أنه لم يكن, وفيما لم يكن حتى يظن أنه قد كان. يعني: يشك فيما وجد، ومالم يوجد.

فقال له أبو الهذيل العالف: فشك أنت في موت ابنك, واعم��ل على أن��ه لم يمت, وإنك أن��ه ق��د ق��رأ الكت��اب، وإن ك��ان لم  ك��ان يق��رأه, فتح��ير ص��الح بن ق��د م��ات، وش��

.(1)عبدالقدوس، ولم يرد عليه ببنت شفه ذكرت هذا المثال لتعرف طريقة هؤالء، والتفكير، والمستوى ال��ذي وص��لوا إلي��ه بع��دما درسوا هذه الفلسفة، وكيف تح��ولت العق��ول واألفه��ام، وتحم��د الل��ه -ع��ز وج��ل- على

العافية. مثل هذا هل تظنون أنه يعتقد أنه على باطل وأنه ض��ال؟ أب��دا, يم��وت وه��و ث��ابت على باطله، كما سيأتي أمثلة من التاريخ كيف يموتون في سبيل باطلهم وبدعهم، هو يعتق��د

أنه على الحق، ويتمسك به، ويسأل الله -عز وجل- الثبات عليه قائما وقاعدا .اإلنسان يعرف قدر الهداية، وال يفرط بنعمة الله عليه باتباع السنة, والله المستعان .

(.6/12الوافي بالوفيات ))( انظر: 13

��اد بن س��ليمان ��ا وخالف��ا، ، يقول��ون عن��همن المعتزلة رجل يق��ال ل��ه: عب مأل األرض كتب يؤلف, ليس له شغل إال في الت��أليف والج��دل، وال��رد على المخ��الفين, وخ��رج عن ح��د االعتزال, ق��الوا: إلى الكف��ر والزندق�ة -نس�أل الل��ه العافي��ة- الخط��وة األولى مع�تزلي,

المرحلة التي بعدها الزندقة. يقولون: لحدة نظره وكثرة تفتيشه, الذكاء أحيانا يكون نقم��ة على ص��احبه, ال يري��د أن يك��ون أس��وة العام��ة, ك��انوا يس��مون أه��ل العلم من أه��ل الح��ديث والعلم��اء والفقه��اء

يسمونهم الجمهور. ولذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه الله- لما ذكر طريقة الرد على المخالفين، وذك��ر أنه يرد بأقرب طريق, ذكر أن بعض النفوس مريضة, وأن ذل��ك ال يج��دي معه��ا؛ ألن��ه ال يريد أن يكون مثل الجمهور، أو العامة، فيحتاج إلى طريق��ة خاص��ة, م��ريض يحت��اج إلى دواء مر, يقول: فال بأس أن يسلك معه الوعر من الط��رق، يع��ني: يج��ادل بط��رق فيه��ا عب��ارات ومص��طلحات ص��عبة، وكالم ال يفهم��ه عام��ة الن��اس، ب��ل عام��ة طالب العلم والعلماء، اصطالحات منطقية، واصطالحات جديدة، وما إلى ذلك؛ ألن هذا ال��ذي ي��روق

ين�اقش يق�ال ل�ه: ق�ال الل��ه، وق�ال له, وهذا ال�ذي يج�د ص�دى في نفس�ه, ال يري�د أن رسوله، أخرج اإلمام البخاري في صحيحه؛ ألن هذا ال يعرف قدر الوحي, هذا يحتاج إلى

مصطلحات. مثل بعض المفتونين اليوم بالغرب، وبأفكار الغرب، وفلسفات الغرب المعاص�رة, مث�ل هذا قد يحتاج معه إلى أشياء من ه��ذا القبي��ل من كالم أولئ��ك من المفك��رين الغرب��يين

بش��رية، والل��هالذي يبينون به فساد وانحراف تلك النظريات واألفكار، وما جنت على الالمستعان .

أبو علي الجبائي،من هؤالء أبو علي الجبائي المشهور، وهذا له فرقة أيضا تنتسب إليه هذا هو الذي سهل الجدل على الناس، ثم جاء ابنه أبو هاشم الجبائي، يقول��ون: فوض��ع

مائة وستين كتابا في الجدل. ثم م�اذا ك�انت النتيج�ة؟ س��ترون، كيف قضى ه�ؤالء حي�اتهم؟،ماذا تحوي هذه الكتب؟

. كيف كانت النتائج، سترون كيف أدى ذلك إلى أحوال مرة, وحصاد مر تطورت هذه المقالة على يد تلميذ أبي الهذيل العالف، وهو النظام، وكان النظ��ام ه��ذا حفظ كتب أرسطو الفيلس�وف المع�روف في الفلس�فة، والمنط�ق، وك�ان من أعلمهم

بالكالم كما يشهد له أيضا تلميذه الجاحظ. هنا ازداد االرتباط بين فكر المعتزلة مع فكر الفالسفة على ي��د النظ��ام, وازداد إيغ��الهم في النظر العقلي المجرد البعي��د عن ال��وحي تمام��ا, فبق��در م��ا يق��تربون من الفلس��فة

يكون بعدهم عن مشكاة الوحي والنبوة. النظام هذا زاد على مقالة واصل وأبي الهذيل العالف فقال: "إن الحجة العقلية ق��ادرة

الحجة العقلية تنسخ النص! هل هذا يتص��ور؟ إلى ه��ذا الح��د؟ العق��ل على نسخ النقل"عندهم هو األصل وعليه المعول.

الح��ظ كي��ف تط��ورت مقال��ة المعتزل��ة على ثالث مراح��ل, وآل األم��ر عن��دهم إلى أن العمدة هو العقل، والمقاييس العقلية, وأم��ا ال�وحي فإن�ه ال يص��لح لالحتج��اج، هك�ذا آل

األمر. ك��انت القض��ية في البداي��ة في الفاس��ق الملي، ص��احب الكب��يرة في مجلس الحس��ن البصري، لما جاء سائل، وقال ما حكمه؟ فقال واصل بن عطاء: أرى أنه في منزلة بين

المنزلتين. ��ا بكلم��ة،،كان الخالف فقط في هذه, وانتهى أين فيما بع��د؟ هك��ذا البداي��ة تك��ون أحيان

تنتهي بهاوية قد تهوي بأصحابها في جهنم -نسأل الله العافية. ثمكثر بعد ذلك االختالف والتنازع بين المعتزلة أنفسهم فضال عن غيرهم.

4

الجبائي, وهذا له طائفة، وه��ذا ل��ه طائف��ة، تحم��د أبو علي الجبائي يكفر ابنه أبا هاشم الله -عز وجل- على العافية.

ه��ؤالء أص��حاب العق��ول اآلن، والمق��اييس العقلي��ة ال��تي تنس��خ النص, ترك��وا ال��وحي،واشتغلوا ببعضهم، وتخالفت عقولهم وتفاوتت غاية التفاوت.

أبو هاشم هذا االبن خالف أباه في تسع وعشرين مسألة، تسع وعشرين مس��ألة كافي��ة لرميه بالزندقة عندهم، هم يختلفون في مسألة واحدة، ومباش��رة التكف��ير، فكي��ف في

تسع وعشرين مسألة؟!. أبوه كان يخ�الف أب��ا اله�ذيل العالف في تس�ع عش�رة مس�ألة، ه�ؤالء يكف�رون ه��ؤالء،

وهؤالء يكفرون هؤالء. معتزلة بغداد، ومعتزلة البصرة بينهم خالف مشهور وكثير وفاحش, يكفر بعضهم بعضا, معتزلة بغداد ومعتزلة البصرة, ذكر بعضهم أن االختالف بين الفئتين ك��ان في أك��ثر من

ألف مسألة .اآلن هؤالء أصحاب قواعد عقلية، كيف اختلفوا في ألف مسألة؟!

وهكذا تكون الضاللة, في البداية شرارة، ثم بعد ذلك حريق يلتهمهم .يسي هذا من شيوخ المعتزلة وهو رج��ل ص�احب لغ��ط وش��غب، وذك�رت لكم بشر المر خبره مع الشافعي -رحمه الله- وكيف كان يشغب في مجالس أهل العلم, وكان مرجئا

.(1 )أيضا, كان يقول: "إن السجود للشمس والقمر ليس بكفر، ولكنه عالمة على الكفر" هؤالء في عصر جبال، هذا معاصر للشافعي، ويجلس مع الشافعي، وين��اظر الش��افعي، وليس بكفء، ولكن الشافعي كان يداريه من أج��ل أم��ه، ك��انت تتوس��ل إلى الش��افعي

لعل الله أن يهدي ابنها. بكفر لكنه عالمة على الكفر, لم��اذا؟ ألن��ه أوغ��ل فالسجود للشمس والقمر عنده ليس

ال يكفر أحدا, الحظ الذين يبالغون في التكفير هؤالء على انحراف وضالل،،في اإلرجاء وهؤالء يقابلونهم, فصار األمر عندهم إلى حال أنه ل��و س��جد للش��مس والقم��ر ال يكف��ر

يقابل مذهب المعتزلة والخوارج. ،بذلك، هذا يقال له: اإلرجاء المعتزلة والخوارج يقال لهم وعيدية؛ ألنهم يقولون بأن��ه خال��د في الن��ار, ه��ذه مس��ائل

األحكام يسمونها. وفي مسائل األسماء: المعتزلة يقولون هو بمنزلة -يعني فاعل الكب��يرة- بين المنزل��تين ال مؤمن وال كافر, والخوارج يقولون: كافر, والمرجئ��ة يقول��ون: كام��ل اإليم��ان؛ ألن��ه ال

انظ��ر التن��اقض، الض��الل الم��بين أين،يضر مع اإليمان ذنب كما ال ينفع مع الكفر طاعةوصل بهؤالء الناس؟.

ا، اإلمام أحمد -رحمه الله- لما سئل عنه قال: ما المريسي هذا يقولون: كان أبوه يهودي تراه يك��ون؟ أب��وه يه��ودي, فم��اذا عس��ى أن يك��ون؟ ك��ان يحض��ر مجلس أبي يوس��ف، صاحب أبي حنيفة ويصيح، ويرفع صوته، ويستغيث، ويشغب، يقولون: م��ا ك��ان ص��احب

كما يقول اإلمام أحمد -رحمه الله. حجج، بل كان صاحب خطب وهكذا استمرت الحال, بلغت البجاح��ة بالزمخش�ري ص�احب "الكش�اف" الملقب بج�ار الله؛ ألنه جاور في الحرم وألف الكشاف في نحو سنتين في مكة, ثم حينما أتم تفسير

الكشاف وضعه في الكعبة في مدة الحج. من أجل ماذا؟ أن يطالع��ه العلم��اء ال��ذين يحض��رون الموس��م، وق��ال: "من ب��دا ل��ه أن

، الكشاف يوضع في الكعبة!.(2 )يجادل في شيء فليفعل" كان أمير مكة معجبا بالزمخشري، معظما له, وهو الذي طلب منه أن يؤلف الكش��اف,

فأقام عنده هذه المدة وألف الكشاف ووضع في داخل الكعبة. انظر: نقض اإلمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله)(1

(.1/277(، ووفيات األعيان )1/59-عز وجل- من التوحيد، ألبي سعيد الدارمي السجستاني )(.2/235انظر: التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور ))( 2

5

الش��ر ق��ديم، والبالء ق��ديم، واالنح��راف ق��ديم، لكن ينبغي لإلنس��ان أن يطلب النج��اةلنفسه، ويسأل الله العافية .

يق��ول ه��ارون الرش��يد: "طلبت أربع��ة فوج��دتها في أربع��ة: طلبت الكف��ر فوجدت��ه في الجهمية, وطلبت الكالم فوجدته م�ع المعتزل�ة, وطلبت الك�ذب فوجدت�ه م�ع الرافض�ة,

والله المستعان.(1 )وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث"��ا كث��يرة تبل��غ أك��ثر من أبو علي بن عبدالوهاب, ه��ذا من المعتزل��ة، يقول��ون: وض��ع كتب

أربعين ألف ورقة في نصرة مذهب المعتزلة والرد على المخالفين .أعمار تقضى في الضاللة.

وغير المعتزلة من طوائف المتكلمين، وماذا كانت نهاياتهم؟ الجويني من كبار علماء األشاعرة من أئمة أهل الكالم يقول: "قرأت خمسين ألف��ا في خمسين ألفا" يعني: من الكتب, خمسين ألفا في خمسين ألفا، كم تبلغ؟ كم كتابا قرأ؟

هذا ما قرأ خمسين تغريدة، وال خمس مطويات، وال كتيبا مترجما. هذا يقول: "قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا، ثم خليت أهل اإلسالم بإسالمهم فيه�ا وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم, وغصت في الذي نهى أهل اإلسالم, كل ذلك في طلب الحق, وكنت أهرب في سالف الدهر من التقلي��د" الح��ظ ق��الوا ل��ه: ال ت��ؤجر

عقلك لهؤالء, انتبه. "كنت أهرب من التقليد، واآلن فقد رجعت لكلمة الحق, عليكم بدين العج��ائز, ف��إن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز, وتختم عاقبتي عن��د الرحي��ل على

.(2 )كلمة اإلخالص ال إله إال الله، وإال فالويل فالويل البن الجويني" العل��وم الشهرستاني من كبار أئم��ة المتكلمين, أق��ر على نفس��ه ب��الحيرة بع��دما درس

الكالمية، وأوغل فيها، وتقلب وتل��ون، ت��ارة م��ع الباطني��ة, اق��رءوا في ترجمت��ه, ويش��ك البعض أنه كان من الباطنية، وتارة مع األش��اعرة, وال��ذين يحس��نون الظن يقول��ون: لم يكن من الباطنية، لكن لمصالح دنيوية لربم��ا ص��انع بعض األم��راء من الباطني��ة, ال��ذين

يحسنون الظن ويدافعون عنه.الشاهد أنه من أئمة المتكلمين، كان يستشهد باألبيات المعروفة :

لقد طفت في تلك المعاهد كلها *** وسيرت طرفي بين تلك المعالم (3 )فلم أر إال واض����عا كف حائر *** ع�����لى ذقن أو قارعا سن نادم

وكالمهم في هذا كثير. واآلخر الذي يقول :

نهاية إقدام الع���قول عقال *** وغاي�ة سعي العالمين ضالل ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

(4) وكم من جبال ع�لت شرف�اتها *** رجال فزالوا والجبال جبال

اآلخر يقول :أضع الملحفة على وجهي حتى أص��ابح الص��بح، وأق��ارن بين أق��وال ه��ؤالء،.(5)وأقوال هؤالء فال أخرج بشيء

وآخر في مرض الموت دخل عليه أحد أصحابه يعوده, فقال له هذا المحتض��ر من كب��ار علماء هؤالء المتكلمين: يا فالن، ما تعتقد؟ فذكر ل��ه عقيدت��ه، فق��ال ل��ه: وأنت مطمئن

والل��ه م��ا أدري م��ا بهذا؟ قال: نعم, فبكى هذا المحتضر وقال: والله ما أدري ما أعتقد,والله ما أدري ما أعتقد.  أعتقد,

(.55أخرجه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث )ص: )( 1(.18/471(، وسير أعالم النبالء )5/185طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ))( انظر: 2(.1/173(، والملل والنحل )4/274 انظر: وفيات األعيان ))(3(.1/244شرح الطحاوية، البن أبي العز ))( انظر: 4(.1/247انظر: المصدر السابق ))( 5

6

��ا ب��أبي حام��د هؤالء ابتلعوا كتب الفلسفة, كما يقول ابن العربي نفسه الذي ك��ان معجب.. -نسأل الله العافية(1)الغزالي، يقول: إنه ابتلع الفلسفة وما استطاع أن يخرجها

هذا مثال لهؤالء من أهل الكالم من المعتزلة، وغيرهم كاألشاعرة .بداية التشيع:

التشيع كان في بدايته يعني المي��ل إلى علي -رض��ي الل��ه تع��الى عن��ه-، تفض��يل علي - رضي الله عنه- على عثم�ان، وليس على أبي بك��ر وعم��ر, من غ��ير انتق�اص، وال س��ب

لعثمان -رضي الله عنه- فضال عن الشيخين, هذه في بداية التشيع. حتى ظهر عبدالله بن سبأ اليهودي، وادعى اإلسالم، وانتحل محبة آل البيت, وغالى في علي -رضي الله عنه- فادعى في البداية أنه الوصي, أن النبي -صلى الله عليه وس��لم-

ا في الخالفة، وهذا يقتضي أن أبا بكر وعمر وعثمان قد اغتصبوا الخالفة. جعله وصي فادعى األلوهية لعلي -رض��ي الل��ه تع��الى ثم غالى لما وجد قبوال وإذعانا وآذانا صاغية,

عنه- وذكرت لكم في الليلة الماضية، م��اذا ح��دث حينم��ا حف��ر علي -رض��ي الل��ه عن��ه-الخندق، وقال :

لما رأيت األمر أمرا منكرا***أججت ناري ودعوت قنبرا وهو مولى لهم يقال له: قنبر, فكانوا يتهافتون في الن��ار، ويقول��ون: وعجلت إلي��ك ربي

. (2)لترضى, أنت هو، يقول لهم: من هو؟ يقولون: ال يعذب بالنار إال رب النار, أنت ربنا في ذل��ك ال��وقت في زمن الخليف��ة الراش��د علي بن أبي ط��الب -رض��ي الل��ه عن��ه-

والصحابة متوافرون، ويخرج مثل هؤالء!.الخوارج كيف كانت البدايات؟

في البداية كان هؤالء الخوارج بجيش علي -رضي الله تعالى عنه-، ثم دعا أه��ل الش��ام إلى التحكيم في القصة المعروفة, أبى ذلك علي -رضي الله عنه- فألح علي��ه الخ��وارج بقبول التحكيم والتحاكم إلى كتاب الل��ه -ع��ز وج��ل-، ثم بع��د ذل��ك لم��ا حص��ل التحكيم انقلبوا على علي -رضي الله تعالى عنه- ونابذوه وكفروه، وكفروا أه�ل الش�ام وكف�روا

وقالوا: رجعنا إلى اإلسالم، ف��إن أردت أن نتابع��ك فالب��د أن تق��ر على نفس��ك أنفسهم،بالكفر، ثم ترجع إلى اإلسالم .

رفض علي -رضي الله عنه- كيف يضيع سعيه وجهاده مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهجرت��ه من أج��ل ه��ؤالء, فناب��ذوه ف��اجتمعوا في م��نزل عبدالل��ه بن وهب الراس��بي,

في اآلخ��رة رغبهم في الجن��ة, حثهم فخطبهم خطبة بليغة, زهدهم في ال��دنيا، ورغبهم على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قال: فاخرجوا بنا إخواننا من ه��ذه القري��ة

الظالم أهلها, هجرة, هجرة من ماذا؟ من دار اإلسالم. كفروهم, قالوا إلى جانب ه��ذا الس��واد، إلى بعض ك��ور الجب��ال، أو بعض ه��ذه الم��دائن

. (3)منكرين لهذه األحكام الجائرة اجتمعوا أيضا في بيت رج��ل منهم، يق��ال ل��ه: زي��د بن حس��ين الط��ائي فخطبهم وحثهم على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتال عليهم اآليات من القرآن، كقول��ه تع��الى: }ياداوود إنا جعلناك خليفة في األرض فاحكم بين الناس ب==الحق وال تتب==ع

بيل الله... { لون عن س== بيل الله إن الذين يض== لك عن س== ]ص: الهوى فيض== }ومن لم يحكم بم==ا أن==زل الله فأولئك هم الك==افرون{ اآلي��ة, وهك��ذا [26

]المائ��دة: }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون{،== [44]المائدة: .[47]المائدة: }ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون{ ، [45

(.4/164 انظر: مجموع الفتاوى ))(1 المخلصيات، لمحمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا البغدادي)( انظر: 2

.(12/270(، وفتح الباري البن حجر )180(، رقم: )1/335المخلص، )(.7/316(، والبداية والنهاية )5/74تاريخ الطبري ))( انظر: 3

7

ثم قال: فأشهد على أهل دعوتنا -يقصد من؟، يقص��د المس��لمين- من أه��ل قبلتن��ا أنهم اتبعوا اله��وى, ونب��ذوا حكم الكت��اب, وج��اروا في الق��ول واألعم��ال -يع��ني ظلم��وا- وأن

جهادهم حق على المؤمنين، الحظ اآلن البداية: أن جهادهم حق على المؤمنين. كفروهم واآلن يريدون أن يقاتلوهم.

فبكى رجل منهم يقال له عبدالله السلمي، ثم حرض أولئك على الخروج على الن��اس، وقال في كالمه: "... اضربوا وجوههم وجباههم بالسيوف، حتى يطاع الرحمن ال��رحيم, فإن أنتم ظفرتم، وأطيع الله كما أردتم أثابكم الله ثواب المطيعين له العاملين ب��أمره,

.(1 )وإن قتلتم فأي شيء أفضل من الصبر والمصير إلى الله ورضوانه وجنته"الحظ هؤالء يعتقدون هذا، ما كانوا يمثلون، ولكنه عمى األبصار -نسأل الله العافية.

وهنا يقول ابن كثير - رحمه الله- بعدما ذكر هذا يقول: "وه��ذا الض��رب من الن��اس من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوع خلقه كم��ا أراد, وس��بق في ق��دره ذل��ك, وم��ا

}قل ه==لأحسن ما قال بعض السلف في الخوارج إنهم المذكورون في قوله تعالى: عيهم في الحي==اة ال==دنيا وهم ل س== رين أعم==اال * الذين ض== ننبئكم باألخس==نعا * أولئك الذين كف==روا بآي==ات ربهم ولقائه نون ص== بون أنهم يحس== يحس==

.(2 )[105 - 103]الكهف: فحبطت أعمالهم فال نقيم لهم يوم القيامة وزنا{ هذا كالم ابن كثير, يقول ابن كثير: "والمقصود أن هؤالء الجهلة الض��الل واألش��قياء في األقوال واألفعال اجتمع رأيهم على الخ��روج من بين أظه��ر المس��لمين، وتواطئ��وا على المسير إلى المدائن ليملكوها ويتحصنوا بها، ثم يبعثوا إلى إخوانهم وأض��رابهم ممن هم على ما هم عليه من أهل البص��رة وغيره��ا فيواف��وهم إليه��ا، ويك��ون اجتم��اعهم عليه��ا،ا ال تطيقون��ه، فقال لهم زيد بن الحص��ين: إن الم��دائن ال تق��درون عليه��ا؛ ألن به��ا جيش�� ولكن واعدوا إخوانكم إلى جسر نه��ر جوخ��ا, وال تخرج��وا من الكوف��ة جماع��ات -يق��ول

اخرجوا متسللين فرادى-؛ من أجل أن ال يشعر بكم أحد. ا إلى من هو على مذهبهم ومسلكهم من أهل البص��رة وغيره��ا، وبعث��وا فكتبوا كتابا عام

به إليهم ليوافوهم إلى النهر ليكونوا يدا واحدة على الناس. يقول: ثم خرجوا يتسللون وحدانا؛ لئال يعلم أحد بهم فيمنعهم من الخروج، فخرجوا من بين اآلباء واألمهات واألعمام والعمات، وفارقوا سائر القرابات، يعتقدون بجهلهم وقل��ة علمهم وعقلهم أن هذا األمر يرضي رب األرض والس��موات، ولم يعلم��وا أن��ه من أك��برهم الكبائر والذنوب الموبقات والعظائم والخطيئات وأن��ه مم��ا يزين��ه لهم إبليس وأنفس��

التي هي بالسوء أمارات" .تركوا األهل والقرابات. يقول: "وق��د ت��دارك جماع��ة منهم -يع��ني: من أه��ل البص��رة أو الكوف��ة- بعض أوالدهم وقراباتهم وإخوانهم, فردوهم ووبخوهم, فمنهم من استمر على االس��تقامة، ومنهم من

فر بعد ذلك فلحق بالخوارج، فخسر إلى يوم القيامة". وال وعظ الواعظين، وال زجر الزاج��رين, ف��أول م��ا وج��د نصح الناصحين، يعني: ما قبل

فرصة خرج إليهم. فذهب الب��اقون إلى ذل��ك الموض��ع ووافى إليهم من ك��اتبوه من أه��ل البص��رة وغيره��ا، واجتمع الجميع بالنهروان وصارت لهم شوكة ومنعة، ولهم ص�بر وثب�ات" إلى غ�ير ذل�ك

مما ذكر. يقول: "وعندهم أنهم متقربون بذلك إلى الله -عز وجل-, فهم قوم ال يصطلى لهم بنار،

.(3)وال يطمع أحد في أن يأخذ منهم بثأر، في غاية االستماتة على مبادئهممقتل عبدالله بن خباب:

(.7/316انظر: البداية والنهاية ))( 1 المصدر السابق. )(2(.7/317انظر: المصدر السابق ))( 3

8

لما أقبل هؤالء من البصرة ودن��وا من النه��روان رأى جماع��ة منهم رجال يس��وق ب��امرأة على حمار، وفي بعض الروايات أنهم رأوا رجال ينح��از عنهم، ويف��ر منهم, ف��أقبلوا علي��ه ودعوه وانتهروه، فأفزعوه، وقالوا: من أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب صاحب رس��ول الله -صلى الله عليه وس��لم-، فق��الوا ل��ه: أفزعن��اك؟، ق��ال: نعم, ق��الوا: ال روع علي��ك.

طبعا فهم اآلن أن هذا أمان. ال روع عليك حدثنا حديثا سمعته عن أبيك سمعه من الرسول -صلى الله علي��ه وس��لم-

تنفعنا به. فقال: حدثني أبي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه ق�ال: ذك�ر فتن�ة القاع�د فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماش��ي فيه��ا خ��ير من الس��اعي،

.(1)قال: "فإن أدركت ذاك، فكن عبد الله المقتول قالوا: لهذا الحديث سألناك, فما تقول في أبي بكر وعم��ر؟ اآلن ه��ذا الرج��ل م��ا عم��ل شيئا, ما بدا منه شيء، وال قاتلهم, رجل مع امرأته وحماره, م��ع أم ول��ده وحم��اره، م��ا عمل شيئا، ما تعرض لهم، لكن البد من البحث عن شيء، فقالوا له: ما تق��ول في أبي

بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرا. قالوا: ما تقول في عثمان في أول خالفته، وفي آخرها؟ قال: إن�ه ك�ان محقا في أوله�ا وآخرها, قالوا: ما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟، قال: إنه أعلم بالله منكم وأشد

توقيا على دينه، وأنفذ بصيرة. قالوا: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها، ال على أفعالها، والله لنقتلنك قتل��ة

ما قتلناها أحدا. ماذا عمل؟، فأخذوه وكتفوه, ربطوا يديه إلى الخلف، ثم أقبلوا به وبامرأت��ه وهي حبلى متم -يعني: في التاس�ع-, ح�تى نزل�وا تحت نخ��ل مواق�ير, يع�ني: على رءوس�ها التم�ر،

فسقطت منه رطبة فأخذها أحدهم فتركها في فيه. فقال آخر: أخذتها بغير حلها وبغير ثمن، فألقاها، ورع من تم��رة س��قطت مص��يرها إلى

التلف!. ثم مر بهم خنزير ألهل الذمة فض��ربه أح��دهم بس��يفه, فق��الوا: ه��ذا فس��اد في األرض,

فلقي صاحب الخنزير فأرضاه, اعتذر منه أو أعطاه ثمن الخنزير. فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى -يعني: ليست تمثيلي��ة-

فما علي منكم بأس. يقول: أنا مطمئن، خنزير وتمرة لرجل من أهل الكتاب! إني مسلم ما أحدثت في اإلسالم حدثا، ولقد أمنتموني قلتم: ال روع عليك.

��ذبح الش��اة, فس��ال دم��ه في الم��اء, ف��أقبلوا إلى فأضجعوه على النه��ر ف��ذبحوه كم��ا ت امرأته، فقالت: اتقوا الله إني امرأة، فبقروا بطنها، حامل في التاسع, م��اذا فعلت؟ م��ا

. (2)ذنبها؟! بقروا بطنها، وقتلوا ثالث نسوة من طيئ، وقتلوا أم سنان الصيداويةموقف أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- منهم:

ا -رضي الله تعالى عنه- قتلهم عبدالله بن خباب واعتراضهم الناس, يعني: فلما بلغ علي بدأوا يعترضون الطرق والمارة, فبعث إليهم الحارث بن مرة العبدي ليأتيهم وينظ��ر م��ا

بلغه عنهم ويكتب به إليهم. اآلن هذا رسول جاء ليستفهم, والرس��ل ال تقت��ل, فقتل��وه، ه�ذا المبع��وث اآلن للتف�اهم

ا -رضي الله عنه- الخبر والناس معه. والتثبت أخذوه وقتلوه، فجاء علي فقالوا: يا أمير المؤمنين، عالم ندع هؤالء وراءنا يخلفوننا في عيالن��ا وأموالن��ا؟ س��ر بن��ا

إلى القوم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدونا في الشام. كان علي -رضي الله عنه- يتجهز للمسير إلى الشام, فقالوا ل��ه: إن س��رنا إلى الش��ام،

فهؤالء معول هدم, سيخلفوننا في أهلينا, فلماذا نتركهم؟. (.21064)( أخرجه أحمد، رقم: )1(.82-5/81)( تاريخ الطبري )2

9

نبدأ بهؤالء ثم نذهب إلى الشام، فأرسل علي -رضي الله تعالى عنه- إلى ه��ؤالء ال��ذين اجتمعوا عند النهر أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم, أقتلهم بهم، ثم أن��ا ت��ارككم وك��اف

أهل الشام-، فلع��ل الل��ه يقب��ل بقل��وبكم وي��ردكم عنكم حتى ألقى أهل المغرب-يعني: إلى خير مما أنتم عليه من أمركم.

يقول: أنا ال شأن لي بقتالكم, ه��اتوا ال��ذين قتل��وا, فق��الوا: كلن��ا قتلهم، وكلن��ا مس��تحللدمائكم ودمائهم.

فخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة -رضي الله عن��ه- فق��ال لهم: عب��اد الل��ه, أخرج��وا إلينا طلبتنا منكم -يعني: هؤالء الذين طلبن��اهم-، وادخل��وا في ه��ذا األم��ر ال��ذي خ��رجتم منه، وعودوا بنا إلى قتال عدونا وعدوكم، فإنكم ركبتم من األمر عظيما, تشهدون علينا

بالشرك، وتسفكون دماء المسلمين. لمي -هذا الخارجي-: إن الحق ق��د أض��اء لن��ا فلس��نا مت��ابعيكم أو فقال لهم عبدالله الس

تأتونا بمثل عمر. ا -رض��ي الل��ه عن��ه-، فه��ل تعلمون��ه فيكم؟ فقال: ما نعلمه فينا غير ص��احبنا -يع��ني علي قالوا: ال, قال: نشدتكم الله في أنفسكم أن تهلكوها؛ فإني ال أرى الفتنة إال وق��د غلبت

عليكم. ثم خطبهم أبو أيوب األنصاري -رضي الله عنه- وقال: عباد الله, إنا وإي��اكم على الح��ال األولى ال��تي كن��ا عليه��ا, أليس��ت بينن��ا وبينكم فرق��ة؟ فعالم تقاتلونن��ا؟ فق��الوا: إن��ا ل��و

تابعناكم اليوم حكمتم غدا. تعودون إلى التحكيم, فقال: فإني أنشدكم الله أن تعجلوا فتن��ة الع��ام مخاف��ة م��ا ي��أتي

في القابل.يقول: أنتم تفترضون اآلن أمورا ما وقعت، وتقاتلون بناء على افتراضات واحتماالت.

أخرجه��ا ع��داوة الم��راء واللجاج��ة، وص��دها عن فأتاهم علي فقال: أيتها العص��ابة ال��تيزق، وأصبحت في الخطب العظيم, إني نذير لكم أن تصبحوا الحق الهوى، وطمع بها الن

تلعنكم األمة غدا صرعى بأثناء هذا الوادي... إلى آخر ما ذكر. منا فلما حكمنا أثمنا وكنا بذلك ك��افرين، وق��د وقال لهم: من أين أوتيتم؟ فقالوا: إنا حك

تبنا، فإن تبت فنحن معك ومنك، وإن أبيت فإنا منابذوك على سواء. وكان مما قاله علي -رضي الله تعالى عنه-: بينوا لنا بم��اذا تس��تحلون قتالن��ا، والخ��روج عن جماعتن��ا، وتض��عون أس��يافكم على ع��واتقكم، ثم تستعرض��ون الن��اس تض��ربون رقابهم؟, إن هذا لهو الخسران المبين, والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عن��د الل��ه

قتلها، فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام؟!. دا فج==زاؤهتقول لهم:  هؤالء حينما تورد عليهم النصوص }ومن يقتل مؤمنا متعم

.[93]النساء: جهنم خالدا فيها... { واألح��اديث ال�واردة في الب��اب وم��ا إلى ذل��ك كم��ا س��ترون في أص��ولهم ال�تي ي��ذكرها

}ومن يقتل مؤمن==اأن��ه  بعضهم -بعض الخوارج- هم عندهم أن ذل��ك مح��ل القب��ولدا فجزاؤه جهنم ...{ ويكفرونه, لكن يقولون: نحن نقتل الكفار, نحن ما قتلنا متعم

المسلمين, نحن ال نقتل المسلمين، هؤالء كفار, هؤالء الذين يخالفونهم كفار. دا...{ ولذلك إيراد ه��ذه اآلي��ات واألح��اديث ال��واردة في }ومن يقتل مؤمن==ا متعم

الباب ال يجدي مع هؤالء؛ ألنهم يقولون: نعم، نحن نقر به��ذا، لكن م��ا قتلن��ا المس��لمين،نحن نقتل الكفار -نسأل الله العافية .

الشاهد لما قال لهم علي -رضي الل��ه عن��ه- ذل��ك تن��ادوا: ال تخ��اطبوهم، وال تكلم��وهم،وتهيئوا للقاء الله, ثم صاروا بصوت واحد: الرواح الرواح إلى الجنة -نسأل الله العافية.انظر, أشربوا في قلوبهم العجل, أشربوا الضاللة والبدع��ة واله��وى, و يموت��ون دونه��ا - كما س�ترون- ف�أمر علي -رض�ي الل��ه عن�ه- أب�ا أي�وب األنص�اري أن يرف�ع راي�ة أم�ان للخ�وارج، ويق�ول لهم: من ج�اء إلى ه�ذه الراي�ة فه�و آمن, ومن انص��رف إلى الكوف�ة

10

والمدائن فهو آمن, إني ال حاج�ة لي في دم�ائكم إال فيمن قت��ل إخوانن��ا, انص�رف منهم طوائف كثير، كانوا في أربعة آالف، يقولون: لم يبق منهم إال ألف، أو أقل م��ع عبدالل��ه

بن وهب الراسبي. جال��ة - فزحفوا على علي, فقدم علي بين يدي��ه الخي��ل، وق��دم منهم الرم��اة وص��ف الر يعني: الذين على األقدام-, ورأى الخيالة، وق��ال ألص��حابه: كف��وا عنهم ح��تى يب��دءوكم,

وأقبلت الخوارج وهم يقولون: ال حكم إال لله, الرواح الرواح إلى الجنة. ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف، فأناموا الخوارج، فصاروا صرعى تحت س��نابك الخي��ول وقت��ل أم��راؤهم: عبدالل��ه بن وهب, حرق��وص بن زه��ير, ش��ريح بن أبي أوفى,

لمي, يقول المؤرخون كما يقول ابن كثير: قبحهم الله . عبدالله الس ما قتل من أصحاب علي -رضي الله عنه- إال نفر قليل نحو سبعة, وهؤالء ما نج��ا منهم إال نحو أيضا تسعة, وقد تفرقوا ذهب اثنان إلى اليمن, وذهب بعضهم إلى ناحية عم��ان,

تفرقوا. ثم بعد ذلك بدأوا ينش��طون من جدي��د، وأعادوه��ا جذع�ة، الجل��د والص��بر على الباط��ل،

وسيأتي من هذا أشياء في الجلد, جلد أهل الباطل في باطلهم.ا لكم, لق��د جع��ل علي -رض��ي الل��ه عن��ه- يمش��ي بين القتلى من ه��ؤالء، ويق��ول: بؤس�� ضركم من غركم، فق��ال من مع��ه: ي��ا أم��ير المؤم��نين, ومن غ��رهم؟ ق��ال: الش��يطان، وأنفس بالسوء أمارة, غرتهم باألماني وزينت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون, ثم أمر بالجرحى من بينهم فإذا هم أربعمائة, فسلمهم إلى قبائلهم ليداووهم.. إلى آخر م��ا

ذكر. وكما قلت: إن بعضهم قال: لم يبق منهم إال أقل من عشرة، والباقي قتل, وك��ان علي

.(1)-رضي الله عنه- قال ألصحابه: ال يقتل منكم عشرة، وال يبقى منهم عشرةمناظرة ابن عباس -رضي الله عنهما- للخوارج قبل النهروان:

ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- كان قد ناظرهم لما اجتمعوا على علي -رضي اللهتعالى عنه- ليخرجوا عليه.

فدخل عليهم ابن عباس في معسكرهم، يقول: وهم قائلون، فإذا هم مسهمة وج��وههم من السهر-قيام الليل- قد أثر السجود في جباههم، كأن أيديهم ثفن اإلبل، عليهم قمص مرحضة, فقالوا: ما جاء بك يا ابن عباس؟ وما هذه الحلة ال��تي علي��ك؟ -حل��ة جميل��ة-، فرد عليهم: أنه رأى على رسول الل��ه -ص�لى الل�ه علي�ه وس�لم- أحس�ن م�ا يك��ون من

الثياب اليمنية إلى آخر ما قال لهم . }بل هم ق==ومالشاهد أن بعضهم قال: ال تكلم��وه, الل��ه يق��ول -يع��ني عن ق��ريش-:

، فقال بعضهم: بلى, فلنكلمنه. [58]الزخرف: خصمون{ الخوارج إذا سبرت أحوالهم هي مجموعات فوض��وية، ول��ذلك من الخط��أ أن يظن أنهم كانوا على سنن واحد, يعني بعض الناس يقول: الخوارج في السابق ما كانوا يغ��درون،

وال يقتلون غيلة, هذا غير صحيح, فكما ترون أنهم أمنوا عبدالله بن خباب، ثم قتلوه.علي -رضي الله عنه- قتلوه غيلة.

لكن بعضهم ال يرى ذلك, ولذلك سيأتي أن بعضهم يتبرأ من عبدالرحمن بن ملجم الذيا -رضي الله عنه- يقولون: ألنه قتله غيلة. قتل علي

هي مجموع��ة فوض��وية م��ا الح لهم فعل��وه, ال عق��ول، وال بص��ائر يبص��رون به��ا الح��ق،مجموعة فوضوية -وسيأتي مزيد إيضاح لهذا- الشاهد هؤالء الذين قالوا: لنكلمنه.

يقول: كلمني منهم رجالن أو ثالثة, قلت: ماذا تنقمون عليه -أي على علي -رض��ي الل��هم الرجال في أم��ر الل��ه, والل��ه يق��ول: }إنعنه-؟، قالوا: ثالثا, قلت: ما هن؟ قال: حك

.[57]األنعام: الحكم إال لله{

(.3250(، رقم: )4/151انظر: سنن الدارقطني ))( 111

ولم يغنم, فإن كانوا مؤم��نين م��ا ح��ل قت��الهم, قال: وماذا أيضا؟ قالوا: قاتل فلم يسبوإن كانوا كافرين لقد حل قتالهم وسبيهم, قال: ماذا أيضا؟

قالوا: محا نفسه من أمير المؤمنين -يعني أثن��اء التحكيم- ف��إن لم يكن أم��ير المؤم��نينفهو أمير الكافرين.

الفهم والعقول والفقه، ما أنت أمير المؤمنين إذا أمير الكافرين! فقال لهم ابن عب��اس -رضي الله عنهما-: أرأيتم إن أتيتكم من كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الل��ه علي��ه

وآله وسلم- ما ينقض قولكم هذا, أترجعون؟ قالوا: وما لنا ال نرجع؟

}يا أيه==ا كتابه يقول: قلت: وأما قولكم حكم الرجال فإن الل��ه -ع��ز وج��ل- ق��ال في دا فج==زاء يد وأنتم ح==رم ومن قتل==ه منكم متعم الذين آمن==وا ال تقتل==وا الص==

[.95]المائدة: مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم{ }وإن خفتم شقاق بينهم==ا ف==ابعثوا حكم==ا من أهل==هوقال في المرأة وزوجها:

فصير الله تعالى ذلك إلى حكم الرجال.[،35]النساء: وحكما من أهلها{ فنشدتكم الله أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين، وفي إصالح ذات بينهم أفضل أو في دم أرنب -يعني الصيد- ثمن ربع درهم وفي بضع امرأة؟، قالوا: بلى هذا أفض��ل،

المسلمين. يعني: في دماء قال: أخرجت من هذا؟ يعني: اقتنعتم؟

قالوا: نعم, قال: وأما قولكم: قاتل فلم يسب ولم يغنم, أفتسبون أمكم عائشة؟ -ألنه��ا كانت مع أهل الشام في وقعة الجمل- فإن قلتم نسبيها فنستحل منها م��ا نس��تحل من

غيرها فقد كفرتم، يعني: يستحلون منها ما يستحلون من الجواري واإلماء. وإن قلتم: ليست بأمنا فقد كف��رتم، ف��أنتم ت��ترددون بين ض��اللتين, أخ��رجت من ه��ذه؟

قالوا: نعم.فأنا آتيكم بمن ترضون.  فقال: أما قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين

بن إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ي��وم الحديبي��ة حين ص��الح أب��ا س��فيان وس��هيل ))اكتب يا علي، ه==ذا م==ا ص==الحعمرو, قال رسول الله -صلى الله عليه وس��لم- :

, قال أبو سفيان وسهيل بن عم��رو: م��ا نعلم أن��ك رس��ول((عليه محمد رسول الله الله، و لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك. قال رسول الله -ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم-:

اللهم إنك تعلم أني رس=ولك, امح ي=ا علي, واكتب: ه=ذا م=ا ص=الح علي=ه)) محمد بن عبدالله وأبو سفيان وسهيل بن عمرو((.

 .(1)منهم ألفان وبقي بقيتهم، فخرجوا فقتلوا أجمعون قال: فرجع والح�ظ هذه من�اظرة م�ع ابن عب�اس قب�ل النه�روان, الح�ظ الط�رح، والفهم، والفق�ه،

القضايا ال��تي يتش��بثون به��ا ويكف��رون بن��اء عليه��ا, يكف��رون من؟ يكف��رون ه��ؤالء كب��ار الص��حابة, وبالمناس��بة م��ا معهم ص��حابي واح��د, وم��ا معهم ع��الم واح��د, ألنهم أنه��وا

وأمث��ال ابن حرق��وص, الصحابة، وأنهوا العلماء, فبقي يقودهم مثل هؤالء ابن حرقوص،علي عندهم ضال وكافر ورأس في الكفر, ابن عب��اس ك��ذلك، وهك��ذا بقي��ة الص��حابة -

رضي الله تعالى عنهم و أرضاهم- إذا من هو اإلمام المتبع؟ ابن حرقوص وأمثاله. إذا ك��ان ه��ذا األعمى يق��ودهم فم��ا ظنكم؟ وه��ذه مش��كلة كب��يرة ج��دا حينم��ا يس��قط

العلماء .ظاهرة إسقاط العلماء:

يا إخواني, إس��قاط ه��ؤالء العلم��اء ق��د ال يك��ون مقص��ودا ل��دى المتكلم، لكن ق��د يتكلم بدافع الغيرة, قد نتكلم نرسل رسالة فيها مقطع غير مناسب, عبارة أخطأ فيه��ا ع��الم،

(،2/164)( أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب قتال أهل البغي وهو آخر الجهاد )1 (، والنسائي في السنن الكبرى16740(، رقم: )8/309(، والبيهقي في السنن الكبرى )2656رقم: )

(.8522(، رقم: )7/480)12

في مق��ام, في مجلس, في غ��ير ذل��ك, أو نق��ول: أين الع��الم الفالني أو العلم��اء من القضية الفالنية، أو المنكر الفالني؟، ونتداول هذا, فما الذي يحصل؟

يحصل تغير في الصدور, فهذه رمية بسهم، ثم تأتي أخرى مثلها من داف��ع الغ��يرة على الدين, انظر فالن ماذا يقول, مقطع بصوته وصورة, انظر ماذا يق��ول, خط��أ, أخط��أ، ثم

ماذا؟ أين العلماء من كذا وكذا وكذا؟ أين العلماء من كذا وكذا؟. إذا سألناك حينما ترى منكرا على مائدتك, أحد الضيوف يأكل بيده يا أخي أين أنت اآلن

الشمال, سألت الكثيرين هل تنكرون عليه، وتقولون: لو سمحت كل بيدك اليمين؟ كل هؤالء الذين س��ألتهم فيم��ا يحض��رني اآلن م��ا أح��د منهم ق��ال: نعم، يجبن من أن يتكلم

بكلمة مثل هذه أمام إنسان في بيته ال يملك له نفعا وضرا. رأيت إنسانا على مائدة في زواج، أو في غ��يره وه��و يش��رب بالش��مال, يأك��ل ب��اليمين

ويشرب العصير، أو البيبسي أو غير ذلك بالشمال. ))فإن الش=يطان يأك=لب��اليمين،  تقول ل��ه: ل��و س��محت ب��ارك الل��ه في��ك، اش��رب

من منكم رأى أحدا يأكل بالشمال، ويشرب بالش��مال(1) بشماله ويشرب بشماله((في زواج، في مناسبة فليقل له: لو سمحت انتبه.

يأكل وهو متكئ, تقول: ارفع يدك لو سمحت ب��ارك الل��ه في��ك ال تتكئ، يجبن عن ه��ذا، يدخل إلى أي مكان يرى منكرات يرى امرأة متبرجة أو غير ذلك, ينزل رأسه ويمش��ي,

يجبن. طيب الع��الم بش��ر، ل��و حقن��اك علم��ا ح��تى خ��رج العلم من تحت أظ��افرك لن تتغ��ير الخصائص اإلنسانية الطبيعية التي فيك من الشجاعة والجبن، ما تتغير، هي تبقى، ه��ذه

الخصائص باقية. فلماذا تطالب اآلخرين بأمور لو نظرت إلى نفسك أمام من ال يملك ش��يئا، ت��دخل عن��د الحالق وهو يحلق لحية إنسان ال تقول له: لو سمحت هذا ما يج��وز, يجبن ويجلس على

رأسه، وال يتكلم. الكرسي اآلخر، ويحلق طيب هذا منكر اآلن, انصح بالتي هي أحسن، يجبن, تجبن من ماذا؟! ه��ذا ال يمل��ك ل��كا هذا الحالق، وال هذا المحلوق أصال هو مشغول يحلق ال يس��تطيع أن يق��وم نفعا وال ضر من كرس��يه، وم��ع ذل��ك يجبن، طيب كي��ف تط��الب اآلخ��رين، وتلم��ز اآلخ��رين، وتنتقص

اآلخرين، وتؤذيهم وتنسب إليهم أمورا عظيمة؟, ثم بعد ذلك تكون النهاية ما هي؟ أن هؤالء ال يقبل منهم شيء، فال يبقى عند الناس كب��ير، فتص��ير األم��ور فيم��ا بع��د إلى

فوضى يقودهم الجهال، هي هكذا تنتهي القضية. ولذلك ينبغي أن اإلنس��ان يلتفت لنفس��ه، وينظ��ر في ذنوب��ه وأخطائ��ه وتقص��يره قبلم��ا

لكن ه��ذه يتكلم على اآلخرين، أحيانا نتكلم بألسنة ح��داد وب��أقالم من ن��ار, نكتب فيه��ا،الكتابات تؤدي في النتيجة وفي النهاية إلى ماذا؟

هل تبصرت؟، فكرت فيها؟ ماهي آثارها؟ ما هي س��لبياتها؟ إلى أي ح�ال سنص�ير؟، م�ا عاد يقبل من أحد وال يحترم أحد وال يتأدب مع أح��د، الك��ل يش��تم، والك��ل يس��خر من��ه،

ومن كالمه، ومن قوله. ))من كان يؤمن بالل==ه والي==وم اآلخ==ر فليق==لالله -عز وجل-؟  هذا الذي يرضي

, إذا رأيت من أحد تقصيرا تنصح هذا اإلنسان إذا كنت تس��تطيع,(2)خيرا أو ليصمت((ما تستطيع فكف األذى صدقة.

(.2020(، رقم: )3/1598 أخرجه مسلم، كتاب األشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما ))(1 (، ومس��لم، كت��اب6475(، رقم: )8/100أخرجه البخ��اري، كت��اب الرق��اق، ب��اب حف��ظ اللس��ان ))(�� 2

اإليمان، باب الحث على إك��رام الج��ار والض��يف، ول��زوم الص��مت إال عن الخ��ير وك��ون ذل��ك كل��ه من(.47(، رقم: )1/68اإليمان )

13

لكن تداول هذا في واتس آب، وفي الغرف، وفي البيوت، هل غيرنا؟ أبدا إنما الص��دور والعلم والدين والخير والصالح، ثم بع��د ذل��ك تضطرم, و تمتلئ بالغل على أهل الفضل

الذي يقود الناس غراب .مناظرة عمر بن العزيز للخوارج:

ا في زمان�ه, وك�انوا يخرج�ون ط��ول تل��ك عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- ناظرهم أيض�� المدة، وخرجوا في زمن عمر بن عبد العزيز, فأرسل إليهم من يكلمهم ويعرض عليهم

المناظرة مع عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- فجاء إليه رجالن منهم. فقال لهم: ما أخرجكما هذا المخرج؟ وما الذي نقمتم؟ ق��الوا: م��ا نقمن��ا س��يرتك, إن��ك

لتتحرى العدل واإلحسان، لكن هنا البد من االمتحان . ما يكفي، أخبرنا عن قيامك بهذا األمر أعن رض��ا من الن��اس ،هذا أمامكم نموذج فذ، ال

ومشورة أم ابتزاز ألمرهم؟ وقالوا له أيضا: بيننا وبينك أمر واحد, ق��ال: م��ا ه��و؟ ق��ال: رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك -يعني الخلفاء قبلك من بني أمية- وسميتها مظالم فإن

كنت على هدى وهم على الضالل، فالعنهم وابرأ منهم.لم تخرجوا طلبا للدنيا.  فقال عمر: قد علمت أنكم

يقول: أنا عارف أن نيتكم والمقصد من خروجكم هو اآلخرة. يقول: أردتم اآلخرة فأخطأتم طريقها, إن الله -عز وجل- لم يبعث رسوله -ص��لى الل��ه

}فمن تبعني فإنه مني ومن وق��ال إب��راهيم -علي��ه الس��الم-: ،علي��ه س��لم- لعانا[.36]إبراهيم: عصاني فإنك غفور رحيم{

يقول: أن��ا أقت��دي [90]األنع��ام: }أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده{ وقال: بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبإبراهيم -عليه الصالة والسالم.

ا, وليس لعن أه��ل ال��ذنوب يقول: وقد سميت أعم��الهم ظلم��ا، وكفى ب��ذلك ذما ونقص��فريضة البد منها, فإن قلتم: إنها فريضة، فأخبرني أنت متى لعنت فرعون؟

فقال: هاه, ما أذكر متى لعنت��ه, ق��ال: أفيس��عك أن ال تلعن فرع��ون وه��و أخبث الخل��قوشرهم، وال يسعني أن ال ألعن أهل بيتي وهم مصلون صائمون؟

ق��ال: ال؛ ألن رس��ول الل��ه -ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم- دع�ا،قال: أما هم كفار بظلمهم؟ الناس إلى اإليمان فكان من أقر به وبشرائعه قب��ل من��ه, ف��إن أح��دث ح�دثا أقيم علي��ه

الحد. فقال الخارجي: إن رسول الله -صلى الل��ه علي��ه وس��لم- دع��ا الن��اس إلى توحي��د الل��ه

واإلقرار بما نزل من عنده. قال عمر: فليس أحد منهم يقول -يعني من أهل بي��تي من ب��ني أمي��ة-: ال أعم��ل بس��نة رسول الله، ولكن القوم أسرفوا على أنفسهم على علم منهم أنه مح��رم عليهم, ولكن

غلب عليهم الشقاء.فقال هذا الرجل: فابرأ مما خالف عملك، ورد أحكامهم.

فقال لهم عمر بن عبد العزيز: أخ��براني عن أبي بك��ر وعم��ر أليس��ا على الح��ق؟ ق��اال:بلى.

قال: أتعلمان أن أبا بكر حين قاتل أه�ل ال�ردة س��فك دم�اءهم وس��بى ال�ذراري، وأخ�ذاألموال؟

قالوا: نعم. قال: أتعلمان أن عمر رد السبايا بعد أبي بك��ر إلى عش��ائرهم بفدي��ة -يع��ني خ��الف أب��ا

بكر-؟. قالوا: نعم.

فقال: فهل عمر من أبي بكر؟ قالوا: ال.

قال: أفتبرءون أنتم من واحد منهما؟ 14

قالوا: ال. قال: فأخبراني عن أهل النهروان وهم أسالفكم, ه��ل تعلم��ان أن أه��ل الكوف��ة خرج��وا فلم يسفكوا دما ولم يأخذوا ماال وأن من خرج إليهم من أهل البصرة قتلوا عبدالل��ه بن خب��اب وجاريت��ه وهي حام��ل؟, ق��الوا: نعم, ق��ال: فه��ل ب��رئ من لم يقت��ل ممن قت��ل واستعرض؟ -يعني يقول: الخوارج من أهل البص��رة واآلخ��رين ه��ؤالء قتل��وا وه��ؤالء لم

يقتلوا فهل تبرأ أحد منهم؟ قالوا: ال, قال: فتبرءون أنتم من إحدى الطائفتين؟

قالوا: ال. قال : أفيس�عكم أن تتول�وا أب�ا بك�ر وعم�ر، وأه�ل البص�رة وأه�ل الكوف�ة، وق�د علمتم

اختالف أعمالهم، وال يسعني إال البراءة من أهل بيتي والدين واحد؟!. فاتقوا الله، فإنكم جهال تقبلون من الناس ما رد عليهم رسول الل��ه -ص��لى الل��ه علي��ه وسلم-، وتردون عليهم ما قبل، ويأمن عندكم من خاف عنده, ويخ��اف عن��دكم من أمن

عنده. يأمن عندكم من خاف عند الن��بي -ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم- يع��ني: الك��افر والمن��افق,

ويخاف عندكم من أمن عنده يعني: أهل اإليمان, يخافون عندكم. فإنه يخاف عندكم من يشهد أن ال إله إال الل��ه، وأن محم��دا عب��ده ورس��وله, وك��ان من فعل ذلك عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آمنا وحقن دمه وماله، وأنتم تقتلونه،

. هذه من��اظرة م��ع عم��ر(1)ويأمن عندكم سائر أهل األديان، فتحرمون دماءهم وأموالهم بن عبدالعزيز.

(.4/103 الكامل في التاريخ ))( انظر:115