أ.د . حمزة المزيني

التعليم رهان المستقبل

الرياض

م4002هـ/8241

بيروت: دار االنتشار العربي

4080

التعليم

2

التعليم

3

التعليم

4

التعليم

5

المحتويات

الصفحة الموضوع #

9 ...........................................................مدخل -1

13 ........................................................مقدمة -2

تعقيببببببببببببببببب ببببببببببببببببب تعقيببببببببببببببببب ببببببببببببببببب -3

...............................المعارف

22

الحبببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببل ال بببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببح -4

........................................الم تحيل

22

ثقافبببببببببببببببببببببببببببببة المببببببببببببببببببببببببببببب فببببببببببببببببببببببببببببب -5

..........................................مدارسنا

35

مببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب د بببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببا مع -6

................................................

42

أنبببببببببببببببببببببببببببببببا فببببببببببببببببببببببببببببببب بببببببببببببببببببببببببببببببح ة -7

................................................طي ة

45

حببببببببببب ار مببببببببببب البببببببببببد ت ر بببببببببببد الببببببببببب حم -2

........................الج

52

تعقيببببببببببببببببب مببببببببببببببببب ال ببببببببببببببببب العبببببببببببببببببا -9

........................................

56

قبببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب ا فبببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب رد د -12

.............................................الفعل

63

ببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب د ببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب -11

....................................................بد

72

إضببببببببببببببببببببببببببافة إلبببببببببببببببببببببببببب المنببببببببببببببببببببببببببا -12

...............................................

76

83بشببببببببببببببببار الت ييبببببببببببببببب فبببببببببببببببب ت بببببببببببببببب -13

التعليم

6

الصفحة الموضوع #

..................................األمي

90 ...........................................اختطاف التع يم -14

97 ...................................................أدب الخطاب -15

احتجبببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببا بببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببتقيم -16

.............................................

123

112 .............الشيخ س ما الع د : الشا د النا -17

تعقيببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب ببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب -12

.............................................تعقي ا

117

حببببببببببببببببب ار مببببببببببببببببب البببببببببببببببببد ت ر خ ببببببببببببببببب -19

..............................الشي ان

124

م الطبببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببا -22

..................................................أخ ى

131

ثقافببببببببببببببببببببببببببة المبببببببببببببببببببببببببب تبببببببببببببببببببببببببب ا -21

..........................................حية

139

رسببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببالة مبببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب -22

..................................................طال

146

ق يببببببببببببل مبببببببببببب ا تبببببببببببب اف يبببببببببببب مبببببببببببب -23

...........................!الت غ

153

162 .........................................لم د ب انا آخ -24

أم ببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببة -25

......................................................أخ ى

162

انح ببببب التنببببب م مبببببا اختفببببب ال بببببمة مببببب -26

................... ي

176

124 ........................................ أ لئك م أساتذت -27

التعليم

7

الصفحة الموضوع #

المبببنا الخفببب رقبببة مبببل بم تقببب أبابببا -22

.....................

191

ذ ببببببببب الح يببببببببب فببببببببب ال ي بببببببببا بببببببببا -29

.....................................

222

بب ثةثبببة 1425/1426ال ببنة الدراسببية الجد بببد -32

خطابا ...

227

235 ا ق ت م ا نتخاب -31

..................................................الق ر -32

......................................... ح ار م تعقي ا -33

ال ببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببب ا المنق بببببببببببببببببببببببببببببببببببببببببة -34

............................................

ت ببببببببببببببببببببببخم المنببببببببببببببببببببببا الدراسببببببببببببببببببببببية -35

........................................

ا الد نيببببببببببببببة حببببببببببببببد الي بببببببببببببب المنبببببببببببببب -36

...................................

............................................ليس ذا ذرا -37

شبببببببببببببيخ بببببببببببببال بببببببببببببذرا بببببببببببببا -32

...............................................

حببببببببببببببببب ار مببببببببببببببببب الشبببببببببببببببببيخ الفببببببببببببببببب ا -39

........................................

................................................. ح ار م رد -42

........................ ذا ما فقاا د دا ل جااد -41

التعليم

8

التعليم

9

التعليم

10

دخـلـم

في نشرت جريدة الوطن السعودية لي عددا من المقاالت

ضية. وكان أغلبها يهتم بثالثة سنوات الما الخمسل خال

والفكر اإلسالمي. هلةرئيسة هي: التعليم واأل اتعوضمو

لهذه المقاالت مع فترة ذهبية في تاريخ "الوطن"وتزامن نشر

المملكة العربية السعودية اتسمت باتساع هامش حرية التعبير

الصحف السعودية كلها تنشر مقاالت لم يكن كانتوالنشر. لذلك

من الممكن أن تنشرها قبل سنوات.

ك أن هناك عوامل كثيرة وراء هذا االنفتاح وال ش

. ومن أهمها الظروف الخارجية التي غير المسبوقاإلعالمي

ن لم يكبدأت في توجيه أصابع االتهام لبعض الممارسات التي

وجدت . كما في العقود الماضية من الممكن نقدها داخليا

كتشاف الأن النقاش الداخلي من أنجع السبل الحكومة السعودية

وجهات النظر المختلفة عن كثير من القضايا والمشكالت التي

الثقافة والتعليم مناحيتتطلب معالجة ناجحة ألوجه القصور في

من النقاشات الداخلية. اوالفكر اإلسالمي الذي يؤطر كثير

الوحيد الذي ناقش هذه القضايا؛ فقد شارك عدد ولم أكن

كل غير مسبوق في هذا كبير من الكتاب والمثقفين السعوديين بش

مور التي كانت خارج نطاق لنشاط النقدي العارم لكثير من األا

النقد والمساءلة.

سجل بعض من ت أن من األمانة التاريخية أن وقد وجدت

الساحة هذه الفترة الذهبية في نماذج الحوار التي ازدهرت في

ة. الثقافية والفكرية السعودية في خالل السنوات الخمس الماضي

التعليم

11

ومن هنا وجدت أن من أوجه هذه األمانة أن أنشر بعض تلك

المقاالت التي كتبتها إسهاما في ذلك الحوار من أجل أن تطلع

ويحوي هذا الكتاب بعض المقاالت .عليها األجيال التالية لجيلنا

التي اختصت بنقد التعليم من حيث المناهج والجو المدرسي

باإلضافة إلى سياسات التعليم والنشاطات التي تقام في المدارس

في المملكة التي توجه العملية التعليمية وترسم لها اإلطار الذي

تعمل فيه.

وأرجو أن تكون هذه المقاالت مصدر تسلية لألجيال

القادمة حين تجد أنها قطعت مسافة واسعة في مسار حرية

التفكير والتعليم، وأرجو أن تكون قد تجاوزت، حينذاك، كثيرا

ن المحاذير والعقبات والمشكالت التي وسمت جيلي واألجيال م

السابقة.

هذه المقاالت صدى واسع حين نشرت؛ فكان هناك وكان ل

الذين يتفقون معها، وهناك غيرهم ممن لم يكن راضيا عنها. وقد

نشرت "الوطن" كثيرا من المداخالت للفريقين، ونشرت

الفريقين. كما الصحف السعودية األخرى عنها لمشاركين من

ت بهذه القضايا؛ وكانت هتمت كثير من المواقع في اإلنترنا

مجاال لنقاش واسع لم يكن موضوعيا في أكثره. ذلك أن بعض

المواقع المتطرفة تخصصت في تسفيه هذه المقاالت وصاحبها

وشوهتها باإلضافة إلى تشويه سمعة كاتبها.

هد وكم يكون طريفا لو صرف أحد الباحثين بعض الج

لتقصي هذه النقاشات الواسعة واتخذها مجاال للبحث في التطور

لحراك لالفكري والثقافي السعودي في هذه الفترة غير المسبوقة

في هذين المجالين.

التعليم

12

ي أريد لهذه المقاالت أن تنقل صورة أمينة عن وألن

الحوار الذي ازدهر في الساحة الثقافية والفكرية السعودية في

اريخنا فقد تركت هذه المقاالت على الصورة هذه الفترة من ت

خل عليها أي تعديل.أ دالتي ن شرت بها من غير أن

ه فقد استعرته من عنوان مقال كتب أما عنوان هذا الكتاب

الزميل الدكتور معجب بن سعيد الزهراني، األستاذ بجامعة

الملك سعود، ونشرته صحيفة الوطن تعقيبا على أحد المقاالت

ة هنا.المنشور

أن تسهم هذه المقاالت في مزيد من ، أخيرا، وأرجو

الحوار ومزيد من النقد الصحي ألوضاعنا التعليمية والعلمية

والفكرية.

حم ب ق ة الم ن

م.81/88/4112/هـ81/81/8241 الرياض

التعليم

13

ةـدمـقـم

الوطن يسعنا جميعا

ميزة للدولة الحديثة أنها دولة يتنوع من المظاهر الم

مواطنوها في ألوانهم وأعراقهم ومناطقهم، باإلضافة إلى

تنوعهم في االنتماء الديني أو المذهبي. ويوجب ذلك أن تقوم

هذه الدولة على مراعاة هذه التنوعات واالنتماءات وأال يستأثر

طيف من هذه األطياف بشيء ال يتوفر لغيره من األطياف

فهي إذن دولة لمواطنيها جميعا بغض النظر عن األخرى؛

ألوانهم أو أعراقهم أو انتماءاتهم الدينية أو المذهبية. فالوطن

للجميع، وهو فوق الجميع، واالنتماء له يأتي أوال.

ومن الحقائق الواضحة عن وطننا، المملكة العربية

السعودية، أنه يتألف من طيف عريض يتوزع على متواصل

وع والتعقيد من الطوائف التي تنتمي جميعها إلى شديد التن

اإلسالم. وكان من المفروض والمتوقع أن يكون هذا التنوع

مصدرا ثريا نستمد منه عناصر القوة التي ال تأتي إال من تفاعل

العناصر المتنوعة.

لكن إحدى الحقائق الواضحة األخرى عن وطننا أن هذا

فرقة والتشرذم. ويوجب التنوع صار يمثل عامال من عوامل ال

هذا علينا جميعا العمل على دراسة العوامل التي تؤدي إلى

التنابذ والحد من خطرها والعوامل التي تؤدي إلى التالحم

وتنميتها ونشرها.

التعليم

14

وكشاهد على مدى الخطر المحيق بوحدتنا الوطنية أنه

على الرغم من وضوح هذا الطيف المتنوع لالنتماءات المذهبية

ه كثيرا ما يقلل من وجود الطوائف التي ال تنتسب إلى إال أن

التيار السلفي المهيمن. بل إن هذه الطوائف تعد، في مقياس هذا

التيار، غير موجودة وال شرعية لها، ويوصف بعضها

بأوصاف ربما ت خرجها عن دائرة اإلسالم الصحيح.

وقد ظل الحال على هذه الصورة منذ توحيد المملكة

السعودية. ويستمد التيار السلفي المهيمن قوته من حقيقة العربية

أنه كان يمثل إحدى دعائم الشرعية للدولة السعودية إبان

تأسيسها؛ ذلك أنها قامت من أجل نشره، وأمدها بعناصر القوة

البشرية واإليديولوجية التي أعانتها على بناء هذا الوطن.

كن الصحيح وال مشاحة في حقيقة هذه الشرعية آنذاك؛ ل

اآلخر هو أن هذا التيار لم يستطع في خالل الثالثمائة سنة

الماضية أن ي قنع كثيرا من المنتسبين إلى الطوائف اإلسالمية

األخرى بالدخول فيه. وربما كان سبب هذه الممانعة ما اتصف

به هذا التيار من التوسل بالقوة لفرض نفسه بدال من اللجوء إلى

عقيدة التوحيد الصافية التي ال يماري أحد الدعوة بالحسنى إلى

في مشروعية الدعوة إليها.

ومع التسليم بما أنجزه التيار السلفي في تأسيس المملكة إال

أن استمرار هيمنته على مناحي الحياة الدينية والتعليمية

والقضائية أدى، بعد االنتهاء من تأسيس الدولة، إلى ما يشبه

لى إقصائها وعدم االعتراف بها.عزل التيارات األخرى وإ

التعليم

15

ومن هنا يجب أن نميز بين فترة التأسيس التي يمكن أن

فترة استقرار الدولة كثير مما ال يمكن أن ي قبل و معفيها ي تسامح

التي توجب أن يتساوى فيها المواطنون جميعا مهما اختلفت

طوائفهم ومناطقهم.

ى هذا وقد تنبهت القيادة السعودية منذ وقت مبكر إل

االختالف بين فترة التأسيس وفترة االستقرار وعملت على نشر

المساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية.

لكن المالحظ أيضا أن هذ المساواة لم تبلغ الحد الذي يمكن أن

ي قنع المنتسبين إلى الطوائف التي تخالف التيار السلفي. كما ظل

وة على استمرار هيمنته على المستوى الذي هذا التيار يعمل بق

كانت عليه وكأننا الزلنا في مرحلة التأسيس.

وتتمثل هيمنة التيار السلفي في التعليم في قصر تعليم

الدين على ما يراه هذا التيار خاصة في مادة التوحيد. ونحن

نعلم جميعا أن االختالفات العقائدية التي فرقت بين المسلمين لم

الفقه، بل كانت في ما تسميه الطوائف اإلسالمية تكن في

المختلفة بـ"العقيدة اإلسالمية" وهو ما تعمل مادة التوحيد في

مراحل التعليم العام على بيان ما يجب على المسلم اعتناقه من

"عقيدة صحيحة". ومن المعلوم أن التيار السلفي ينظر من

لمين على أنهم خالل هذا الشكل "للعقيدة" إلى كثير من المس

ليسوا على هدى في اختياراتهم العقائدية ويصنفهم على أنهم

"مبتدعة" وهو وصف يمكن أن يصل إلى حد التكفير.

وهذا ما يجعل كثيرا من اآلباء السعوديين المسلمين

واألمهات السعوديات المسلمات يشتكون من أن أبناءهم وبناتهم

التعليم

16

ون تكفيرا لهم. ويزيد يتعلمون في المدارس الرسمية ما يكاد يك

األمر سوءا أن هؤالء المواطنين والمواطنات السعوديين

المسلمين ال تتاح لهم الفرصة لتوضيح ما يؤمنون به من

"عقيدة".

وقد سبق لألستاذين عبد العزيز القاسم وإبراهيم السكران

أن كتبا بحثا موسعا ألقياه في اللقاء الثاني للحوار الوطني

المكرمة. وأوردا فيه كثيرا من النصوص التي الفكري في مكة

يتضمنها منهج التوحيد في مختلف المراحل الدراسية من شطط

في وصف الذين ال ينتمون إلى التيار السلفي.

ومما يشير إلى بوادر انفراج هذه األزمة أن القيادة

خالل دورات الحوار الفكري الوطني السعودية عملت من

ع بين ممثلي الطوائف اإلسالمية من المتعاقبة على الجم

المواطنين السعوديين. ومن أشهر تلك الدورات الدورتان األولى

والثانية اللتان بشرتا بأن من الممكن للمواطنين السعوديين أن

يجتمعوا، على اختالف انتماءاتهم المذهبية، في مكان واحد وأن

التوافق يتناقشوا وأن يصلوا إلى الحد األدنى، في األقل، من

الوطني. وقد تضمنت توصيات اللقائين األول والثاني للحوار

الوطني الثاني ما يسمح بقدر عال من التفاؤل، خاصة أن هذين

اللقائين شهدا والدة عالقات شخصية تقرب من الحميمة بين

ممثلي الطوائف المختلفة.

وكان األمل أن ي بنى على تلك التوصيات وعلى تلك

صية من أجل إشاعة الحوار والنقاش بين ممثلي العالقات الشخ

التعليم

17

هذه الطوائف؛ إال أن هناك ما يشير، بكل أسف، إلى استمرار

التصنيف المذهبي في المستويات كلها.

ومن مظاهر هذا التصنيف والحشد الطائفي أن بعض

المناهج الدراسية ال تزال تتضمن تنقصا من بعض المذاهب،

ي التشنيع عليها، وهناك بعض وال تزال بعض الفتاوى تصدر ف

الكتاب يشككون في والء المنتسبين إلى هذه المذاهب للوطن. بل

وصل األمر إلى أن يكتب أحد المشاركين في اللقاء الثاني

للحوار الوطني في إحدى الصحف السعودية البارزة، مباهيا في

رأيه، ببراءة التيار السلفي من كثير من المآخذ التي توجد في

المذاهب اإلسالمية األخرى. وعلى الرغم من خطورة مثل كتب

هذه الظواهر إال أنها قلما ت ستنكر، بل إن بعض الصحف تجيز

نشرها من غير مراعاة ألثرها السيء على مواطنين سعوديين

يعيشون في هذا الوطن ويدينون له بالوالء.

ومن العدل القول إن التيار السلفي ليس الوحيد الذي ينتهج

صنيف المخالفين له وإقصاءهم والتشنيع عليهم. ذلك أن بعض ت

ممثلي الطوائف األخرى ال يتورعون عن تنقص هذا التيار

وعن التشنيع عليه ووصفه بأوصاف ال تليق. ومن ذلك تسمية

التيار السلفي بـ "الوهابية"، وهو وصف ال يقصد منه الوصف

اوز بعض البريء بل يقصد به التنقص والتشنيع. وربما تج

أولئك حدود المعقول في هذا السبيل.

لكن هناك ما يدل على وجود تيار معتدل عريض من

المواطنين السعوديين الذين ال تشغلهم هذه التصنيفات المذهبية،

بل يرون أنفسهم مواطنين سعوديين مسلمين في المقام األول،

التعليم

18

ويعمل هؤالء بوعي على كسر الحواجز المذهبية والتواصل مع

واطنيهم اآلخرين من غير اعتبار للتصنيفات الطوائفية.م

إن وطننا الذي يضمنا جميعا ونحمل له جميعا الوالء

واالنتماء يوجب علينا أن نضع حدا ألي عامل يمكن أن ينال من

وحدتنا الوطنية. بل إن من مظاهر التحضر التي بلغها اإلنسان

ب لونه المعاصر الحرص على عدم تنقص أي إنسان آخر بسب

أو جنسه أو انتماءاته الفكرية أو الدينية. وهذا ما توجبه ثقافة

حقوق اإلنسان التي أسس لها جمعية سعودية اآلن، وهو ما

يوجب نشر هذه الثقافة واحترام اآلخرين بغض النظر عن إن

كنا نتفق معهم أو نختلف في االختيارات المذهبية.

واحد منهم يرى أنه ولكي يرتاح الفرقاء الذين ال يزال كل

وحده على حق يجب تذكيرهم هنا أن هذه االختالفات المذهبية

نشأت منذ ألف وأربعمائة سنة، وأن مرور هذه األحقاب

المتطاولة لم يجعل المنتمين إلى أي واحد منها أقل انتماء لها ولم

يفلح مذهب في القضاء على المذاهب األخرى. أما الواقع فهو

ا عاشوا تلك الحقب المتطاولة على ما أن المسلمين جميع

ينشؤون عليه في أسرهم من مذاهب وقلما يغيرونها نتيجة

الكتشافهم أن غيرها أقرب منها إلى الحق.

لذلك كله فربما كان األولى أن يجعل كل منتم إلى واحد

من هذه المذاهب من نفسه مثاال حسنا يمكن أن يغري اآلخرين

طمع في القضاء على ما ال نراه نحن بقبول التعايش معه. أما ال

حقا فغير ممكن، بل يمكن أن ينتج عنه ما هو أسوأ من وجود

هذا التنوع واالختالف. وأسوأ ما يمكن أن يكون من هذا التنوع

في وطننا اآلن أن يكون هذا الحشد سببا في تنازعنا وتفرقنا

التعليم

19

نا وانفضاض وحدتنا ـ ال سمح هللا. وفي جيراننا عبرة لنا إن ك

نريد االعتبار.

م13/5/2225 /5/4/1426 د إ ةف ا لكت نية، *

التعليم

20

تعقيب على تعقيب وزير المعارف

الصادر 1178نشرت جريدة الشرق األوسط في عددها

م تعقيبا كتبه وزير المعارف 81/4/4111يوم الخميس

السعودي الدكتور محمد بن أحمد الرشيد على بعض

تي أوردها األستاذ عبد هللا باجبير في زاويته الملحوظات ال

اليومية على مناهج وزارة المعارف السعودية وعلى بعض

األمور األخرى المتصلة بالتعليم.

وقد رسم الدكتور الوزير في تعقيبه صورة زاهية لما تقوم

به وزارة المعارف، ولمستوى التعليم في المملكة ولمستوى

،والموجهين التربويين. وكنت أود المناهج ولمستوى المدرسين

أن لم يكن رده بهذا ،وقد رد الوزير على تلك الملحوظات

المستوى الدفاعي الذي وصل إلى حد إغفال المشكالت

العويصة التي يلحظها كل من له ابن في مراحل التعليم العام في

المملكة.

إن لغة رد الوزير تشي بالكثير عن تصور وزارة

م، وعما تقوم به هذه الوزارة على وجه اليقين في المعارف للتعلي

هذا الشأن؛ فهو يقول: "إن المعلم فارس وزارة المعارف األول،

فهو يوصد الباب وراءه على ثالثين أو أربعين طالبا، فيروض

فيهم وثبات الطفولة، وطيش المراهقة، ونزق الشباب. . . ورغم

رجاال على صغر ذلك فإن المعلم يجتهد أن يصنع من الجميع

أعمارهم".

التعليم

21

وهنا نلحظ كلمات: "فارس"، و"يوصد"، و"يروض"،

و"يصنع". ويمكن أن نعد هذه الكلمات من قبيل ما يسمى

بـ"السقطات الفرويدية" التي تعبر بصورة الشعورية عن

الواقع. والحق أن التصور الذي تعبر عنه هذه الكلمات هو

ه وزارة المعارف. فهدف المتحكم بصورة خفية فعلية بما تقوم ب

التعليم إنما هو "ترويض وثبات الطفولة"، ال مساعدة هؤالء

األطفال على استغالل تلك الوثبات في التعلم. والمعلم "يوصد

األبواب" على األطفال، بدال من جعل الفصل المدرسي مساحة

لالكتشاف والتعلم، وهو يحتفظ بهم أسرى ألربعين دقيقة يفعل

له، إذ إن المعلم "فارس يصنع"، وكأن الطالب بهم ما يحلو

مادة خام يتلعب بها على هواه. ثم كيف "يصنع منهم رجاال على

صغر أعمارهم"؟ إن التفسير الوحيد لهذا القول هو أنه يسلبهم

طفولتهم، ويلبسهم أثوابا مستعارة، لكي يتقمصوا شخصيات

وهم غير شخصياتهم الطبيعية التي تمليها عليهم مراحل نم

الطبيعية.

كان يحسن بالدكتور أما عن مناهج وزارة المعارف ف

الوزير أن يسأل اآلباء واألمهات عنها. ومعظم هؤالء اآلباء

واألمهات اآلن ممن أنهى الدراسة الثانوية في األقل؛ وبذلك فهم

يستطيعون تكوين وجهات نظر ناضجة عن تلك المناهج. أما أن

بتقارير الموجهين التربويين )الذين يثق الوزير، بدال من ذلك،

كرر ذكرهم في رده حتى خيل إلي أنهم هم الذين كتبوا هذا

الرد( ومديري المدارس وموظفي وزارة المعارف عموما،

فأمر مستغرب. ذلك أن شهادة هؤالء غالبا ما تكون من قبيل

شهادة المرء لنفسه؛ فهي مردودة. إن كثيرا من هؤالء لو سألته

التعليم

22

ا ألجابك إجابة حقيقية عن رأيه الحقيقي في وزارة بصفته أب

المعارف وفي مناهجها وطرائق التعليم غير السوية التي

تنتهجها.

وإذا أراد الدكتور الوزير أحكاما أكثر دقة على مستوى

مخرجات التعليم العام الذي يشرف عليه فليسأل أساتذة

والثقافية الجامعات والكليات السعودية عن المستويات اللغوية

والفكرية المتدنية جدا عند أغلب خريجي الثانويات الذين يزج

الجامعات التي تحاول أن تصلح شيئا من تلك بهم إلى

المستويات بعد فوات األوان.

وتعد المناهج الدراسية المصدر األول لعيوب التعليم كلها.

فهي مكتوبة عموما بلغة رثة ال يمكن لها أن تساعد الطالب

التي تتضمنها اتعوضلغوية سوية. أما المو كوين ملكاتعلى ت

فأكثرها ال عالقة له بتربية ملكة التخيل واالستنباط والتحليل.

فأغلبها ال يزيد عن كونه جرعات من التعبير الرديء، وهي

تنحو إلى تناول األمور بشكل زاه مفتعل خادع تغلب عليه

المبالغة.

إنها تحوي وهلل الحمد ولكي ال تتهم مناهجنا بالتجهم ف

بعض الطرائف. لكن هذه الطرائف باردة وال تضحك أحدا،

ويمكن أن تكون مصدرا لكثير من المشكالت التربوية. ومن

أمثلة تلك الطرائف ما نجده في منهج القراءة والمحفوظات

للسنة الخامسة االبتدائية، إذ يحوي درسا بعنوان "في ساعة

هذا الدرس على إيراد بعض ( ويقوم 63ـ62)ص ص النشاط"

الطرف في درس من دروس اللغة العربية. وقد وردت فيه

التعليم

23

طرفتان تسخران من النحو والنحاة. وال شك أن هاتين الطرفتين

تنتهيان بالكشف عن جهل من يسخر من النحو أو غفلته، لكن

هذه النهاية ال تمحو التنكيت على النحو واللغة العربية عموما

الب، بل ربما كان هذا هو البذرة األولى لما من أذهان الط

سيأتي في المراحل التالية من تأفف الطالب من اللغة العربية

وسخريتهم بها.

وليست مواد اللغة العربية بأحسن مما سواها؛ إذ يقوم

تدريسها على تعليم النحو بالطريقة التقليدية التي لم تنتج محبا

ور. وتقوم كذلك على تقديم للنحو أو متمكنا منه طوال العص

نماذج من اللغة ركيكة باردة ال يمكن أن تبعث خياال وال تربي

ملكة لغوية صالحة. واللغة بعد ذلك كله، أساس العملية التعليمية

كلها؛ فإذا لم يحسن تعليمها ولم يتمكن الطالب منها كانت

النتيجة فشال ذريعا في تعليم سائر المنهج.

مكانة عظيمة في نفوس أبنائها وفي وال شك أن لبالدنا

". . . وما نفوس المسلمين بعامة. لكن قول الدكتور الوزير:

طرأ عليها ]المناهج[ من التحسين والتنقيح والتطوير، وتوافقا

مع االنسجام التام والعمل وفق الشريعة اإلسالمية التي تنفرد بها

نا من إطالق بالدنا. . ." إنما يمثل نموذجا مما نجده في مناهج

الكالم على عواهنه بغض النظر عن إن كان حقا أم ال. ومثل

هذا القول، إلى جانب كونه غضا من شأن المسلمين اآلخرين،

فهو أساس لما يمكن أن ينشأ عليه أبناؤنا من النظر إلى

المسلمين اآلخرين نظرة دونية. فهو قول خاطئ تربويا. ولهذا

وزارة المعارف. القول أشباه كثيرة تحويها كتب

التعليم

24

وإذا أراد الدكتور الوزير برهانا على انعدام أثر مناهج

وزارة المعارف في غرس التربية الدينية بصورة فاعلة في

طالب التعليم العام فما عليه إال أن يذهب إلى مجمعات األسواق

وإلى بعض الشوارع ليرى عيانا نماذج من تصرفات الشباب

ارة المعارف لم تفلح في غرس أي التي تشهد على أن مناهج وز

قدر من السلوك الديني والخلقي القويم في أغلب الطالب.

ولكي ال أتهم بالتجني على وزارة المعارف فإنني أورد

ثالثة من إنجازاتها المهمة في السنوات القليلة الماضية.

ل هذه اإلنجازات تضمين المنهج مادة اسمها "التربية وأو

تحوي إال تكرارا لما يرد في المواد األخرى. الوطنية". وهي ال

وقد صارت أضحوكة عند الطالب حتى الصغار منهم؛ إذ إنهم

ينالون أعلى الدرجات من غير أن يبذلوا أي جهد فيها. يضاف

إلى ذلك أنها تكاد تكون نسخة حرفية مما يكتبه اإلعالميون بلغة

صدقوه.رديئة ويظنون أنه يصلح إلقناع الناس ويمكن أن ي

واإلنجاز الثاني أن وزارة المعارف بدأت في تكوين لجان

مهمتها البحث عن "الموهوبين" من الطالب. ويعرف الناس

جميعا أن العلماء البارزين والمخترعين والناجحين عموما لم

يصنفهم أحد في طفولتهم وشبابهم هذا التصنيف. بل إن ما تثبته

المعايير التي تقوم عليها مثل الدراسات العلمية لهذه المسألة أن

هذه التشخيصات ليس لها أي سند علمي. كما أن من شأن هذا

التصنيف أن يخلق طبقة ربما يصل بها األمر إلى حد التسلط

على عباد هللا اآلخرين الذين لم تخترهم تلك اللجان. ثم ما ذنب

نون الغالبية العظمى من الطالب؟ الطلبة اآلخرين الذين يكو

مكن أن يكون عدم اختيارهم خطوة إلعطائهم تعليما أقل أي

التعليم

25

مستوى؟ أيمكن أن يغرس في أذهانهم أنهم خلقوا ليكونوا تابعين

لتلك الطبقة المحظوظة ممن تطلق عليهم وزارة المعارف

"الموهوبين"؟ إن هذا المسار ليس له أساس علمي كما أسلفت،

ة واألخالقية.كما يمكن أن ينشأ عنه بعض المحاذير االجتماعي

أما اإلنجاز الثالث، وهو لم يعمل به إلى اآلن، فهو النية

في تدريس إحدى الرقصات الفلكلورية المحلية وتعميمها على

الطالب في مختلف أنحاء المملكة وذلك بحجة أنها رقصة

تحض على "الفروسية" كما ورد في كالم للدكتور الوزير في

ذه الرقصة الفلكلورية تحتاج مناسبة سابقة. ومن المؤكد أن ه

" يتغنى به فيها. وهو ما يتنافى بصورة إلى نص "عامي

جوهرية مع أول أهداف التعليم في بلد عربي.

لقد كان يحسن بالدكتور الوزير أن يهتم بتلك الملحوظات

وأن يعترف بالتقصير ويحاول، من مكتبه، أن يوصل تلك

أن يجعل من التعليم الملحوظات إلى كل مدرسة في المملكة و

قضية وطنية يستفاد في تسديد ما فيها من خلل بكل اآلراء

والملحوظات التي تؤرق المخلصين وبخاصة أولياء أمور

لية التعليمية كلها. مالطالب وهم المعنيون في المقام األول بالع

أما أن يتخذ الدكتور الوزير تلك الملحوظات فرصة ليستعرض

رته وأن يرسم تلك الصورة الزاهية لها ما يظنه إنجازات لوزا

في الوقت الذي يشكو فيه الناس جميعا من انحدار مستوى

التعليم فأمر غير مقبول.

، بعد م26/2/2222ال الش ق األ سط،*نش ف د

حذف بعض الع ارا مناا.

التعليم

26

المستحيلالسحري الحل

عضلة التخلف أن الحل السحري لم المخلصينبعض يرى

المبادرة إلى فيالعلمي الذي تعاني منه األمة العربية يكمن

تدريس اللغة اإلنجليزية في المرحلة االبتدائية وربما يحسن أن

منذ السنة األولى منها. ذلكيبدأ

ومنهافي العادة أسباب كثيرة لتسويغ هذه الدعوة وتساق

التقنية في العصر أن اللغة اإلنجليزية هي اللغة األولى للعلم و

في تعليم اللغة اإلنجليزية إلى المرحلة التأخرالحاضر. وأن

بالوسائل ،تعلمه إياها فيالمتوسطة يحرم الطفل من االستعانة،

التعليم

27

نه من اكتساب اللغة اكتسابا طبيعيا في الفطرية التي تمك

المبكرة الحرجة من عمره، وأن اللغة العربية في السنوات

للعلم بدور اللغة الناقلة تقوم يمكن أن وضعها الحاضر ال

ألسباب كثيرة، وغير ذلك.

ذلك أن اللغة اإلنجليزية ؛نظريااألسباب صحيحة وهذه

بين المشتركةفي هذا العصر هي اللغة التي تكاد تكون اللغة

الثقافات وتكتب بها وتترجم إليها منجزات العلم والتقنية كلها

كتساب اللغة، أية لغة، بصورة يستطيع الطفل ا كما، اتقريب

يبذل جهدا يذكر أما أنطبيعية قبل سن الثانية عشرة من غير

بعد هذه السن فيصبح تعلم اللغة تعلما واعيا مقصودا وال يمكن

الكتساب اللغوي يبلغ حد اآللية والكفاءة اللتين ينتهي إليهما ا أن

. االطبيعي دائم

هائل من حيث اللغة العربية الفصحى من قصور وتعاني

الدقيقة فهي ال تفتقر إلى العلميةالوفاء بمتطلبات الكتابة

إلى ذلك يشيرالمصطلحات العلمية والتقنية الدقيقة وحسب، كما

، وإنما تفتقر في المقام األول بعض المهتمين بهذه القضية أحيانا

األسلوبية التي تجعلها مالئمة لالستخدام في الطواعيةإلى

بصورة منضبطة وطبيعية الدقيقةجزات العلم الحديث عن من

يضاف إلى ذلك أن إجادتها تكاد تستعصي على األغلبية

من المتعلمين العرب. العظمى

معهماتفاقي مع هؤالء في ذلك كله، إال أنني أختلف ومع

في العالج الذي يقترحونه لحل هذه المعضلة وهو تعليم اللغة

يعود وال ن المرحلة االبتدائية.األولى م السنواتاإلنجليزية منذ

إلى أي عامل عاطفي نحو أساساعدم اتفاقي مع هؤالء الفضالء

التعليم

28

السحرياللغة العربية الفصحى؛ بل يعود إلى استحالة هذا الحل

ع ما في هذا القول من المفارقة. السهل من الناحية العملية، م

أن إجادة اللغة اإلنجليزية في سن مبكرة ال على وللتدليل

حال كثير من الدول إلىتمثل حال لهذه المعضلة يكفي أن ننظر

الحديثة في إفريقيا وآسيا. فقد كانت تلك الدول مستعمرات

أو فرنسية أو مناطق نفوذ أمريكية وهو ما جعل بريطانية

الرسميتين فيها وجعلهما، اللغتيناللغتين الفرنسية واإلنجليزية

األولى السنةلتعليم الحكومي منذ تبعا لذلك، اللغتين الرسميتين ل

االبتدائية، واللغتين الرئيستين في وسائل اإلعالم المقروءة

واللغتين الرسميتين لإلدارة. ويعني هذا والمرئية،والمسموعة

هذه الدول؛ إذ تكتسبان في فيأنهما صارتا بمنزلة اللغة األولى

يتعلمثم ، االبيت قبل دخول المدرسة اكتسابا يكاد يكون طبيعي

الطالب بهما كل ما يتعلمونه في مختلف مراحل التعليم.

تقدم علمي الفت للنظر في هذه أيهذا لم يسهم في لكن

الحال؛ هذهللتدليل على ا الدول. ولسنا بحاجة إلى الذهاب بعيد

فاللغة الفرنسية تكاد تكون اللغة األولى بكل المقاييس في أقطار

لمية يجعل لهذه األقطار ميزة ع لكن هذا لم العربي،المغرب

على الدول العربية األخرى.

أسااباب أخاارى توضااح أن تعلاايم طالبنااا وطالباتنااا وهناااك

يانجح فااي إكساابهم المعرفااة لاناللغاة اإلنجليزياة فااي سان مبكاارة

للغوية الضرورية والكافية فيها. ا

التعليم

29

أن تعليم اللغة، أية لغة، في األسبابأهم تلك ومن

هذه استعمالإلى تعزيز هذا التعليم عن طريق المدرسة يحتاج

اللغة في البيت والشارع ووسائل اإلعالم استعماال طبيعيا. ولن

التعزيز للغة اإلنجليزية أبدا في مجتمع يتكلم هذايتوفر مثل

وهو ما سيبقيها محصورة أولى،اللغة العربية، بلهجاتها، لغة

رات الدرس، كما هي حالها اليوم. في حج

في هذا الشأن بحال اللغة العربية نستأنسأن كنويم

منذ سن كلهاالفصحى؛ فهي تستعمل في مراحل التعليم العام

السادسة، إن لم يكن في الروضة قبل ذلك، لكن الطالب

الفصل الدراسي أنظمة لغوية خارجوالطالبات يستعملون

اللغة استعمالأخرى غيرها هي لهجاتهم المحلية. وهذا ما يجعل

العربية الفصحى محصورا في داخل المدرسة، ويحرمها من

عمال اليومي خارجها. من االست يأتيالتعزيز الذي

فيالرغم من قضاء أكثر الطالب ست عشرة سنة وعلى

الدراسة بها، ويعضهم يتخصص فيها، وعلى الرغم من كثافة

قنوات االتصال األخرى، وفيحضورها في وسائل اإلعالم

الموازنات الضخمة لهذه األغراض خصيصمن توعلى الرغم

لها في كل المستويات. في استعما عاما اشديد اضعف هناكفإن

بسبب غياب التعزيز، مع لغة الحال،كانت هذه هي فإذا

اكتسابا والطالباتليس بينها وبين اللغة التي يكتسبها الطالب

لغة فروق كبيرة، فما بالك ب ـأي لهجاتهم المحلية ـ طبيعيا

كليا عنها، وال تظفر بمستوى مماثل من اختالفاتختلف

التعليم

30

التي اللغة الطبيعية معالحضور وال بمستوى مماثل من األلفة

اكتسبها الطالب في صغرهم؟.

في المراحل المبكرة من اإلنجليزيةفإن تعليم اللغة لهذا

الشابةالدراسة ليس الحل السحري الذي سيضمن ألجيالنا

ة العلمية المعاصرة بصورة صحيحة. ذلك أنها اكتساب المعرف

محرومة من التعزيز خارج المدرسة، غريبةستظل لغة أجنبية

المنادون يأملوهو وضع لن يمكنها من القيام بالدور الذي

يعود فالل الدراسية المبكرة أن تقوم به. بتدريسها في المراح

ذن؛ باستحالة هذا الحل السحري إلى أسباب عاطفية إ القول

واقتصادية. ولغويةوإنما يعود إلى أسباب عملية

، في العالم العربي فكثيرة جداأسباب التخلف العلمي أما

أكثرها إلى مشكالت بنيوية عميقة، سياسية واجتماعية ويعود

فيه بقدر ال ينكره أحد. اللغةوثقافية وتربوية وتسهم

العامل اللغوي في إدامة هذا التخلف بصورة فيسهم

وغير مباشرة، فاللغة الوطنية جزء أساس في بنية مباشرة

تسب هذه اللغة اكتسابا جيدايك لمالشخصية السوية للفرد؛ فإذا

المبكرة الدراسةمؤديا في السنوات األولى من حياته، وفي سن

خصوصا، فإنه سيبقى مشوش الفكر، يالزمه الشعور الدائم

وبعدم سمعه أو يقرأه قدرته على فهم ما ي لعدمبالعجز والنقص

ذهنه، بل يكاد يشعر فيعما القدرة على التعبير تعبيرا مجديا

إجماال بأنه ال لغة له. ويؤدي هذا كله في نهاية األمر إلى

األساس المعرفي الذي يحاول اكتسابه، ويؤدي، من ثم، هشاشة

التعليم

31

مما حصله من معرفة مبتسرة في االستفادةإلى عدم استطاعته

البناء عليها. والة والعملية وال االستهداء بها حياته العلمي

شك أن أكثر المتعلمين العرب اآلن يعرفون قواعد وال

الفصحى كلها تقريبا، لكن هذه المعرفة ال تزيد عن العربيةاللغة

الواعية عنها. ويظهر عجزهم المعلوماتكونها حفظا لبعض

أو كتابة. حدثاتاللغوي مباشرة حين يحتاجون إلى استعمال اللغة

هنا فإن إسهام العامل اللغوي في التأخر العلمي يتمثل ومن

في أن الطالب والطالبات العرب ال يعرفون اللغة العربية أساسا

من معلومات مشتتة إلى لغة تحولهاالفصحى معرفة حقيقية

يعية تستعمل بشكل ال شعوري كفء. طب

ال تجدي نفعا يتلقون تعليمهم بلغة مشوشة أنهمهذا ويعني

وال في تثبيت نفوسهمفي صقل مواهبهم وال في غرس الثقة في

المعارف في أذهانهم وال تعينهم على استخدامها في التعبير

مجد. طبيعيبشكل

اإلصالح اللغوي في هجر األساليب العقيمة ويكمن

تعلم بها اللغة العربية الفصحى اآلن. أما التيالتقليدية المنفرة

عن طريق تعريض تعلمالصحيحة لتعليمها فهي أن الطريقة

المتعلم لنصوصها تعريضا مكثفا بصورة طبيعية في سن

ذلك على استبطان القوانين اللغوية التي يعينهمبكرة، وسوف

. وسيشعر فيما بعد شعوريةتحكم هذه اللغة بطريقة طبيعية ال

.التعبير بالثقة بالنفس وبالقدرة على التعلم والقدرة من ثم، على

التعليم

32

الساااابقة علاااى هاااذه أن توصاااف اللغاااة العربياااة والخطاااوة

يكشاااف عااان قواعااادها الصاااوتية حاااديثا فساااها وصااافاالفصاااحى ن

مااوالصرفية والنحوية األساسية بصاورة علمياة واضاحة؛ وهاو

ل تعليم هذه اللغة سهال ونافعا. سيجع

إساهاما يساهمالقول إن حل المشكل اللغوي الذي وخالصة

ة التخلف العلمي الذي نعاني منه ال يتأتى باساتيراد كبيرا في إدام

مان الخاارج وإنماا ياأتي باالهتماام باللغاة الوطنياة وبعاث الحلول

بطريقاة صاحيحة وترسايخ االنتمااء وتعليمهاالحياة فيها وتنميتها

لها.

م22/5/2221 /26/2/1422(، 233ال ط )العدد *

ثقافة الموت في مدارسنا

الماضي نشاط في مجمع مدارس الملك أقيم األسبوع

سعود التعليمي في الرياض أطلق عليه اسم "البداية والنهاية".

نها. ومن ويتبين سر هذه التسمية من بعض النشاطات التي تضم

هذه النشاطات إقامة معرض على هيئة خيمة كبيرة قسمت إلى

نصفين: يمثل أحدهما طريق الخير، بما فيه من التمسك بشعائر

الدين والصحبة الطيبة وغير ذلك، ويمثل اآلخر طريق الشر بما

فيه من اإلعراض عن الدين وتعاطي المخدرات وصحبة

األشرار. وإلى هنا فاألمر طبيعي: فهو ربما يحث الطالب

التعليم

33

)المقصودين من إقامة هذا النشاط( على انتهاج سبيل الخير

واالبتعاد عن طريق الشر.

ين الطريقين ال يتوقفان هنا: بل لكن األمر الغريب أن هذ

يبدو أنهما ليسا مقصودين لذاتهما. فهما يؤديان إلى خيمة أخرى

تحوي نموذجا لميت ملفوف بكفن، ثم حفرة تمثل القبر،

ويصحب ذلك كله بشريط تسجيلي لعملية غسل الميت وموعظة

باكية تبين أحوال القبر وأهواله.

ر من الطالب الذين وكان وقع هذه المشاهد قاسيا على كثي

أ خذوا لمشاهدتها. فقد ذكر لي بعضهم أنهم أصيبوا بهلع وخوف

شديدين وكانوا يتجنبون النظر إلى تلك المشاهد، وهو ما جعل

بعض المشرفين يطلبون منهم عدم صرف أنظارهم عنها. وذكر

هؤالء الطالب أيضا أنهم تعرضوا لرعب شديد قبل يناموا ليلة

يخافون أن يستسلموا للنوم خشية األحالم شاهدوها، وكانوا

المخيفة التي كانوا يتوقعون التعرض لها.

ويجب أال يغيب عن البال أن هذا النشاط أقيم في مبنى

المدرسة المتوسطة، وأخذ إليه الطالب، الذين ال تزيد أعمار

أكثرهم عن خمس عشرة سنة. وهم أكثر عرضة للوقوع فريسة

السن الغضة. للخوف والوساوس في هذه

وال شك أن هذا النوع من الوعظ يعرض هؤالء الطالب

الصغار إلى مشاهد مرعبة لم يتعودوا عليها، وهي تدخل

الرعب على الكبار، فما بالك بالصغار؟

التعليم

34

وشهد المعرض عددا من "المحاضرات" التي لم يبعد

مضمون أغلبها عن دعوة هؤالء الطالب إلى االنتماء إلى التيار

لقون عليه "تيار الصحوة اإلسالمية"، أو "تيار الذي يط

الدعوة"، وهو الذي كثيرا ما ينتهي إلى "تيار الجهاد".

وليست هذه هي المرة األولى التي يقام فيها مثل هذا

المعرض؛ بل صارت إقامة مثله شائعة في كثير من المدارس.

فقد أوردت بعض الصحف أخبارا عن "غزو" طالب إحدى

ة أخرى وهم يحملون نعشا، عرضوه أثناء المدارس مدرس

اصطفاف الطالب في الطابور الصباحي. كما أن كثيرا من

المدرسين يمارسون هذا النوع من الوعظ في الحصص التي

لتها يدرسونها. ومن ذلك أن إحدى المدرسات جاءت بدمية غس

أمام الطالبات وأشركتهن في الغسل والتكفين بصورة تفصيلية

د ذلك أنهن أصبن بالقدر نفسه من الهلع(.)وذكرن بع

ولست أدري حقيقة الهدف من هذه التصرفات المرعبة.

وربما أجاب بعض المتحمسين بأنها تذكر بالموت وهو ما يمثل

رادعا مبكرا لهؤالء الطالب الصغار عن انتهاج أنواع السلوك

السيئة مخافة أن يؤولوا بعد الموت إلى مصير سيئ.

ن مثل هذه العروض ليست إال مثاال لثقافة لكن يبدو أ

الموت التي انتشرت مؤخرا في مجتمعنا. فهناك إصرار عجيب

من بعض الوعاظ على المبالغة في تضمين مواعظهم التخويف

من عذاب القبر وأهواله. بل لقد تطور األمر إلى تضمين بعض

المواعظ كالما كثيرا عن أحوال الموتى اعتمادا على روايات

لذين يقومون بتجهيزهم للدفن. وكثيرا ما يروي هؤالء قصصا ا

التعليم

35

عجيبة عن ظهور إشارات العاقبة الحسنة أو السيئة على الموتى

الذين يغسلونهم، إلى غير ذلك )ويتسرب ذلك كله إلى الممارسة

داخل المدارس(.

ومن هنا فال غرابة أن يتعرض كثير من الناس لألمراض

لطرق لبث الرعب والقلق في نفوس فهذه ا النفسية والوساوس.

الناس من أهم المصادر ألكثر هذه األمراض، خاصة عند

الصغار.

وربما كان أحد أسباب شيوع هذه الممارسات المرعبة

شعور كثير من الوعاظ بأنهم فشلوا في جهودهم الوعظية،

خاصة في إصالح الشباب )على الصورة التي يريدونها،

(. ومن هنا لجأوا إلى هذه الطريقة ويظنونها هي الصحيحة فقط

ألنها تضمن بذر الخوف في نفوس الشباب مما يجعلهم أكثر

تقبال لما يوعظون به بعد ذلك.

وهناك سبب محتمل آخر وراء هذه الطريقة في الوعظ:

فهي تمثل بداية الطريق لتجنيد األتباع. فتشبع الشباب بفكرة

ر قبوال لالنخراط في الموت يزهدهم في الدنيا ويجعلهم أكث

النشاطات الدينية التي يمكن أن يديرها أناس لهم أغراض خفية.

والخطوة قصيرة جدا بين التشبع بفكرة الزهد في الحياة والتكيف

واقتناع الشاب بأنه مادام أنه ميت ال محالة مع فكرة الموت

فلتكن هذه الميتة "في سبيل هللا". وهذا ما يجعل كثيرا من

يقعون ضحية لبعض المتطرفين الذين يستخدمونهم في الشباب

تنفيذ بعض األعمال التي يزينونها لهم بأنها "جهادية".

والسؤال اآلن هو: هل تعرف وزارة المعارف حقا ما

ها؟ وهل سمحت يدور في مدارسها من هذه النشاطات؟ وهل تقر

التعليم

36

بها بعد أن استأنست بآراء علماء النفس واالجتماع عن فائدتها

أو عن اآلثار التي ربما تترتب عليها؟

إن وزارة المعارف مسؤولة مسؤولية مباشرة عن

استمرار مثل هذه الممارسات. ويجب عليها إن كانت ال تعلم بها

التحرك بسرعة إليقاف مثل هذه الممارسات التي ربما ينتج

عنها نتائج ليست بعيدة عن تلك التي جعلتنا اآلن وجعلت

لمين جميعا موضع شبهة في العالم كله. اإلسالم والمس

م.27/3/2223 /24/1/1424(، 929ال ط )العدد*

دعاة ال معلمون

يتساءل الناس دائما عن األسباب التي أدت إلى تدني

مستوى التعليم في بالدنا. وتتعدد اإلجابات عن ذلك. وتحاول

دوات بقصد وزارة المعارف أن تستقصي تلك األسباب فتعقد الن

الكشف عن أوجه القصور وطرق معالجتها؛ وكانت آخر

الندوات تلك التي كان عنوانها "ماذا يريد المجتمع من

التربويين؟"

التعليم

37

ومع تعدد اإلجابات عن سبب تدني مستوى التعليم، لم أر

أحدا أشار إلى أحد األسباب المهمة، في ما أرى. ويتصل هذا

عن كفاءة بعض هؤالء، أو بالمعلمين أنفسهم؛ ولن أتحدث هنا

تدريس كثير منهم مواد ليست من تخصصاتهم، أو عدم التزام

بعضهم بالحضور، أو استهتار بعضهم بتأدية العمل على وجهه

الصحيح، أو غير ذلك. لكني سأتحدث عن أمر يشتغل به كثير

منهم، وهو ما يصرفهم عن تدريس المواد التي يوكل إليهم

وفى.تدريسها على الوجه األ

ويعلم القارئ الكريم أن أحد األنشطة التي صارت في

مقدمة اهتمام كثير من المؤسسات واألفراد ما يسمى

بـ"الدعوة". فقد أصبحت نشاطا تمتلئ بأخباره الصحف؛ فهناك

مخيمات "دعوية"، ومعارض بمسمى "كن "داعيا"". وتوسع

األمر حتى وصل إلى أن يكتب على فاتورة الكهرباء شعار

يقول: "الدعوة إلى هللا علم وعمل ووسيلة". لهذا أصبحنا

محاطين بـ"الدعوة" و"الدعاة" من كل جانب.

ويكاد المالحظ يصل إلى نتيجة مفادها أن هذه النشاطات

تنظر إلينا كأننا لسنا مجتمعا مسلما بالفطرة، أو ترى أن اإلسالم

ا من هذه الذي نحن عليه ليس "إسالما كافيا". ذلك مع أن كثير

اتعوضعلى موالنشاطات ال يتضمن إال تكرارا: فهي تدور

محددة، أشهرها: الموت، والحجاب، وتفسير األحالم، والجهاد.

وهي تتجاوز ذلك أحيانا إلى ما يغلب عليه االدعاء والقول بغير

علم؛ ومن ذلك: "كيف تكون سعيدا"، و"خطر العشق".

التعليم

38

صطلحات رواجا، وأصبح مصطلح "داعية" من أكثر الم

وصار يطلق بكرم ال مثيل له، وال يجد بعض الناس حرجا في

أن يطلق عليه هذا الوصف ويرضى به، ويمكن أن يصف نفسه

به.

وقد تسرب هذا الجو العام إلى المدارس وهو ما جعل

كثيرا من المعلمين يتحولون إلى "دعاة". فلم يعد الحديث عن

الدينية، بل أصبح مدرسو الدين مقصورا على مدرسي المواد

المواد األخرى يشاركونهم فيه. إذ ينشغل كثير منهم عن تدريس

المواد التي يكلفون بتدريسها بـ"الدعوة إلى هللا". وأرجو من كل

أب وأم أن يسألوا أبناءهم وبناتهم عن صحة هذا األمر.

ولم يقتصر األمر على مدرسي المواد اإلنسانية واألدبية

مدرسي الرياضيات أو علوم الطبيعة أو الكيمياء. بل وصل إلى

فيصرف كثير من هؤالء جزءا من الدرس في الوعظ الديني.

وهذا إجحاف بالوظيفة التعليمية مما جعل الطالب ال يتلقون

تعليما صحيحا بقدر ما يتلقون فيضا من المواعظ.

لطالب تتعلق بالموت. وأغلب المواعظ التي تلقى على ا

أصبحت مفضلة لدى هؤالء المعلمين اتعوضلكن هناك مو

الوعاظ. فهناك كالم كثير عن الدجال والسحر وتعبير األحالم

والجهاد، وعند الطالبات: الحديث عن الحجاب.

ويأتي أغلب التحصيل الديني عند كثير من هؤالء

المعلمين من مصادر شفهية يغلب عليها، بسبب أن المقصود

ر إلى التوثيق وتتسم بالرأي الواحد.منها الوعظ، التشدد وتفتق

التعليم

39

وكثير من هؤالء المعلمين الدعاة ينقصهم الفقه. وال يتسع

المجال إليراد أمثلة كثيرة؛ لكن بعضها يكفي في الداللة. ومن

ذلك أن التركيز على موضوع الموت، في مدارس البنات

ومدارس األوالد في التعليم العام، يخالف الرأي الفقهي المعمول

ه في المملكة وهو الذي يرى تحريم زيارة النساء للقبور. ب

ويعلل النهي عن زيارة النساء للقبور بأنهن سريعات التأثر. لكن

هؤالء المدرسين والمدرسات زادوا على ذلك بأن أتوا بالقبور،

وما هو أعظم من القبور )كتغسيل الميت(، إلى مدارس البنات،

يزالون في سن مبكرة. وهذا وإلى مدارس األوالد الذين ال

مخالف للمقصود من النص على تحريم زيارة النساء للقبور.

وربما وصل األمر ببعض المدرسين والمدرسات إلى

تجاوز الصحيح من الدين إلى "الهلوسة". فهذه إحدى المدرسات

تقول لطالباتها إن عبارة "اشرحي ما تحته خط"، أو: "أعربي

التمارين واالمتحانات ال يجوز ما تحته خط" المعروفة في

استعمالها. أما سبب ذلك فهو أننا أمة أعزنا هللا باإلسالم، فنحن

"أمة فوقية"، لهذا يجب أن نضع الخط "فوق" العبارة المطلوب

شرحها أو إعرابها، ونقول" اشرحي ما فوقه خط"!!

ووصل هذا إلى دروس العلوم، فالعبارة العلمية التي تقول

ة ال تفنى وال ت ستحدث من العدم" أصبحت ". . . ال "إن الطاق

تفنى وال ت ستحدث من العدم إال بإذن هللا". وهي صياغة تدل

على نقص الفقه؛ ذلك أن من يؤمن بأن هللا هو خالق الكون ال

يجد تعارضا بين اإليمان وهذا القانون، ألن خالق الكون هو

الذي جعل هذا القانون على هذه الكيفية.

التعليم

40

ر بعض المعلمين مفتيا لطالبه، وأخذ يتصرف بما وصا

يخالف األنظمة المعمول بها في المدارس. ومن ذلك أن أحد

المعلمين ال يسمح لطالبه باالنتظام في طابور الصباح، ويعمد

إلى إخراجهم منه، ويمنعهم من ترديد النشيد الوطني. وكل ذلك

ألنه صار "داعية" ال معلما.

ها هؤالء على أن يكونوا "دعاة". فقد وتساعد المناهج نفس

اصطبغت الكتب الدراسية جميعها بصبغة دينية. فال تدرس مادة

اللغة اإلنجليزية، مثال، لذاتها، بل لتكون وسيلة "للدعوة إلى

هللا". وتمتلئ كتب هذه المادة بالحديث عن اإلسالم، وتكاد تكون

دارس ترجمة لمواد الدين. وقد عقدت ندوة في إحدى الم

موضوعها "اللغة اإلنجليزية وأهميتها في الدعوة إلى اإلسالم".

وكثيرا ما تقتطع بعض الساعات من البرنامج الدراسي

ومن هنا ليشغلها بعض الوعاظ القادمين من خارج المدارس.

فأحد أسباب تدهور التعليم أن المدارس لم تعد بيئة للتعليم كما

لتزهيد في الدنيا وتحويل نعرفه؛ بل أصبحت مكانا للوعظ وا

الطالب إلى أتباع لبعض التيارات التي ربما تقودهم إلى مآالت

غير مرضية.

م2/4/2223 / 6/2/1424( 921* ال ط )العدد

أنا في صحبة طيبة

التعليم

41

عقب عدد من القراء على المقال الذي كتبت ه بعنوان "ثقافة

، 909)الوطن، العدد الموت في مدارسنا"

م(. واعترض أكثرهم على ما 27/3/2003هـ/24/1/1424

كتبت ه؛ وزعم أحدهم أنه يكاد يخيل إليه أن من كتب ذلك المقال

أمريكي ال ينتسب إلى اإلسالم.

وال أريد هنا الدفاع عن نفسي، فقد كان ما كتبته صادرا

عن قناعة بأن تلك الممارسات والنشاطات التي تقام في

رت إليها ال تنتمي إلى الفهم السليم المدارس بالكيفية التي أش

للدين، وهي تمثل خطرا على أبنائنا وبناتنا في فترة التكوين

النفسي والمعرفي. وبعد ذلك كله فما كتبته وجهة نظر ال

أفرضها على أحد، ولآلخرين أن ينظروا إلى هذا األمر بما

تهديهم إليه عقولهم.

م عموما أن لكني أكتب هذا المقال ألوضح للقراء الكرا

هناك مسلمين أسوياء يشاركونني الرأي ويتفقون معي في ما

ذهبت إليه. وسوف أورد أمثلة قليلة لوجهات نظر صدرت عن

مسلمين ال يمكن ألحد أن يزايد عليهم من حيث االنتماء الصادق

لإلسالم، وهم ينكرون تلك الممارسات بالطريقة التي أنكرت ها

بها.

ته جريدة الشرق األوسط في عددها والمثال األول ما نشر

( تحت عنوان 11م )ص4/4/2003الصادر يوم الجمعة بتاريخ

"ثالثة نواب يستجوبون وزير التعليم المصري حول تدريس

كتب عن "عذاب القبر" في مدرسة خاصة". يقول الخبر:

التعليم

42

"أثار ثالثة من نواب البرلمان المصري قضية تدريس

ذاب القبر والمسيح الدجال كتب عن أهوال يوم القيامة وع

والعالمات السابقة على ظهوره في إحدى المدارس الخاصة

بالقاهرة الكبرى، أمام البرلمان وقدموا استجوابا لوزير التعليم.

ل النواب الثالثة، وهم نائبا اإلخوان المسلمين الدكتور وحم

إبراهيم حمدي حسن وحسين إبراهيم ونائب حزب الوفد

د عبد العليم داود، وزير التعليم مسؤولية تدريس المعارض محم

كتب بعيدة عن المناهج الدراسية في إحدى مدارس القاهرة

الكبرى.

وتدور وقائع المواجهة المتوقع لها األسبوع المقبل بين

النواب الثالثة والوزير حول ما تسرب إلى النواب من معلومات

تناول المسيح عن قيام إحدى المدارس الخاصة بتدريس كتب ت

الدجال والعالمات السابقة على ظهوره وأخرى تتعلق بعذاب

القبر وما يحدث بداخله وكتب أخرى خاصة بأهوال يوم القيامة

وتفسير األحالم.

ويكشف كتاب "عذاب القبر" عن العديد من الروايات

والقصص عن الثعبان األقرع، والحوارات التي تدور بينه وبين

فه لهذا الثعبان.الميت، ويواصل وص

وأكد النواب خطورة عرض مثل هذه الكتب التي تتحدث

عن تخاريف وتتجنب الحقائق وقالوا إن هذه الكتب قد تخلف

عند أطفال مصر أمراضا نفسية جسيمة وهو ما يتطلب

مواجهتها بكل قوة.

التعليم

43

وطالب نواب البرلمان بضرورة تشكيل لجان خاصة من

يم للقيام بحمالت تفتيشية مفاجئة قيادات وزارة التربية والتعل

على المدارس الخاصة في المناطق البعيدة العشوائية، والتي

تستغل التدريس وتربية النشء استغالال سيئا وتبث فيه روح

العداء واليأس وتبتعد به عن صلب العملية التعليمية ليكون نشء

مصر الجديد عرضة للضياع واالنصراف إلى جماعات

طرف".اإلرهاب والت

أرأيتم؟! إنها الحالة نفسها، وإن كانت على نطاق أضيق

مما هي عليه عندنا.ثم أال يلفت النظر األشخاص الذين تقدموا

بهذه المساءلة لوزير التربية والتعليم في البرلمان المصري؟ إن

اثنين منهم من نواب اإلخوان المسملين! ومن هنا ال يستطيع

هم هذا، بالعمالة ألمريكا، أو أحد أن يتهمهم، بسبب موقف

بالعلمانية، أو بالعصرنة، أو بمعاداة الدين وأهله.

ويمثل ما ورد في الخبر منسوبا إلى هؤالء النواب دعما

لوجهة نظري التي مفادها أن لهذه الممارسات أثارا سيئة على

نفسيات الطالب الصغار وأنها ربما تستخدم ألغراض أخرى

تباع في جماعات التطرف.غير دينية، كتجنيد األ

وقد تلقيت بعد نشر ذلك المقال عددا من ردود الفعل التي

تتفق مع موقفي الذي عبرت عنه. وكانت تلك الردود صادرة

عن أناس من مختلف التوجهات الفكرية والثقافية. ومن أمثلة

ردود الفعل المنشورة ما كتبه األستاذ فضل الفضل في "الوطن"

وما كتبه الدكتور على الموسى )الوطن، هـ(، 8/2/1424)

م(. ويتضمن ما كتباه رصدا لبعض الحاالت 9/2/2003، 922

الواقعية لآلثار السيئة الناجمة عن هذه الممارسات السادية.

التعليم

44

وهنا مثاالن آخران من ردود األفعال:فقد كتب لي أحدهم،

وهو من أكثر من عرفت التزاما بالدين منذ أن كان صغيرا:

سمع في الخطب وكلمات أم الأدري حقيقة ل أنا ال"

صرار على دري لم اإلأ ال. لعبده ووده، المساجد عن حب هللا

كم .نا نحو رحمات السماء بسياط الوعظ المسبب للرهابقو س

بأجنحة الحب والشفافية والود له تعالى ناأتمنى أن ننقاد لرب

لخطايا حين يتحدث خطيب عن النار وا؟؟!! الأدري لمه. وتقدس

لكنما لذلك ن طرق . .!! ق فكأنه سيقول دونكم الرجل فخذوهنطر

نزفر ، فإنا سلو تحدث عن هبات هللا ونعيمه الذي وعد به عباده

حباطنا ألن تلك الدرجات إس بعضا من تنف بآهات حرى ..

لإلسالم سيطر اجاف امتخشب اأشعر أن ثمة فهم. ليست لنا

كل من الذهنية الصحراوية ربما تعاون. الطرح لدينا على

البشر هنا فنشأت ية والخيارات الثنائية مع طباعالحد ةبصاح

".منظومة غريبة كل الغرابة من الفكر

والمثال الثاني أنه أتيح لي في األسبوع الماضي لقاء عدد

من األفاضل، وبعضهم مدرسون للمواد الدينية في مراحل

لشكوى من سيطرة هذا التيار التعليم العام، وكانوا يشكون مر ا

في المدارس، وهم ينكرونه أشد ما يكون اإلنكار.

وقد جعلني ذلك كله أطمئن إلى أني في صحبة طيبة؛ ومن

هنا فإذا أحل أحد لنفسه أن يشكك في انتمائي لإلسالم الصحيح

)وهذا بهتان عظيم(، فال يمكنه أن يشكك في انتماء هذه الصحبة

تفاقها معي في مجمل ما كتبته برهنا إلقناع الطيبة إليه. ويكفي ا

التعليم

45

بعض القراء المتشككين بأن ما قلت ه ال يمثل رأيا خاصا بي، بل

شعورا مشتركا بين كثير من المسلمين األسوياء.

.17/4/2223 /15/2/1424( 932)العدد ال ط *

حوار مع الدكتور عبد الرحمن الجبرين

الجبرين، األستاذ تفضل الدكتور عبد الرحمن بن عبد هللا

في كلية الشريعة بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية،

بالتعقيب على مقالي الذي نشرته الوطن بعنوان "دعاة ال

هـ(. وأبادر بالتعبير عن 14/2/1424معلمون" )الوطن

سروري البالغ باللغة التي استخدمها الدكتور الجبرين في تعقيبه

نه في أول تعقيبه وفي آخره. فقد وبحسن ظنه بي الذي عبر ع

ظن بي خيرا حين قال إنه ال يظن أني أقصد أن الدعوة "جريمة

ومرض اجتماعي"، وحين اتفق معي على بعض العموميات

عن مستوى التعليم غير الم رضي، وحين قال: ". . . وأجزم أنه

ال يريد أننا يجب أن نكون علمانيين في مناهجنا. . ."، وقوله:

خالفتي لبعض ما طرحه األخ الكريم إال أني أكرر "ومع م

شكري له على غيرته على الوطن وحرصه على مصلحة

المسملين وأسأل هللا لي وله التوفيق".

ويختلف هذا التعبير الراقي عن جميع التعقيبات التي

نشرتها الوطن اعتراضا على ما كتبته. ذلك أن تلك التعقيبات

أني منسلخ من ديني أو أن صدري تفترض أني عدو للدعوة أو

ضيق بكل ما يتصل باإلسالم. كما يختلف اختالفا جذريا عن

أكثر من خمسمائة اتصال هاتفي وأكثر من ثالثمائة رسالة

"جوالية"، إلى اآلن، تشترك كلها في اتهامي بالخروج عن

اإلسالم وتشتمني بأقذع العبارات وتدعي علي بأمور ال يمكن

التعليم

46

حتى على كافر. وسوف أخص تلك االتصاالت أن يدعى بها

والرسائل بمقال مستقل إن شاء هللا.

وتشجع اللغة التي استخدمها الدكتور عبد الرحمن والروح

التي كتب بها ذلك التعقيب على الحوار المثمر وعلى تبادل

وجهات النظر بصدور منشرحة تنطوي على حسن الظن

لحريصين على نقاء اإلسالم المتبادل بين اإلخوة من المواطنين ا

وحسن االلتزام به واالرتقاء بالتعليم.

ويمكنني اآلن تناول بعض النقاط التي اعترض بها علي

بحسب ما يتسع له المجال هنا.

ـ يقول الدكتور الجبرين: ". . .لكني أخالفه في ذكره 8

لموضوع الموت والحجاب، فهما موضوعان مهمان في

ي". ولم يبين الدكتور الجبرين سبب حياة مجتمعنا السعود

كونهما مهمين للمجتمع السعودي؟ أنفهم من هذا أننا وحدنا

في المملكة المعنيون بالموت والحجاب؟ هل يختلف إسالمنا

عن اإلسالم الذي ينتشر في أقطار األرض كلها؟ أنحن

أفضل إسالما من غيرنا من المسلمين؟

عميمات التي لم يدعمها بدليل. ـ أتى الدكتور الجبرين ببعض الت4

ومنها أن "استغالل المواد التعليمية حتى العلمية البحتة منها

في التوجيه مطلب من أبرز المطالب التربوية على مستوى

العالم"؛ و"أن المعلمين الدعاة هم في الغالب أبرز الطاقات

التربوية التي تفاخر بها وزارة المعارف"؛ و"أن الطالب

والمتفوقين في المدارس في الجملة هم الذين المتميزين

تأثروا بالدعوة وتشبعت بها نفوسهم"؛ و"أن موضوع الجهاد

التعليم

47

ليس من الموضوعات المطروقة بكثرة".وأنا أستطيع،

وغيري يستطيع، اإلتيان بما ينقض كل واحدة من هذه

صاغها الدكتور الجبرين بطريقة تمريضية التعميمات، وإن

إتقاء عبء البرهنة عليها. ربما أراد منها

ـ يقول إن تعليلي للنهي عن زيارة النساء للقبور ليس صحيحا. 6

ويورد تعليال آخر هو "أنهن يفتن األحياء ويؤذين األموات".

وفات الدكتور الجبرين أن هذا التعليل ليس من عندي بل هو

مناه في المدارس. ثم إن الدكتور الجبرين لم يورد ما تعل

ذا التعليل وهو ما يوحي بأنه الوحيد. لكن الشيخ عبد إال ه

في ذلك وهللا أعلم السبب العزيز بن باز رحمه هللا يرى أن "

أنهن في الغالب قليالت الصبر، فقد يحصل منهن من النياحة

ما ينافي الصبر الواجب وهن فتنة، فزيارتهن ونحوها

يفتتن بهن الرجال وقد يفتتنللقبور واتباعهن للجنائز قد

بالرجال، والشريعة اإلسالمية الكاملة جاءت بسد الذرائع

. . ." )موقع الشيخ ابن باز على إلى الفساد والفتن، المفضية

اإلنترنت(.

ويبدو أن التعليل األول كان التعليل السائد قبل ثالثين سنة

حين كنا في مراحل التعليم العام، ثم أضيف إليه التعليل الثاني

ورت النظرة إلى المرأة حتى كادت ت عد شيطانا يجب بعد أن تط

أن ي حبس في قمقم. ثم كيف يتصور أحد أنه يمكن أن يكون

الرجال في المقابر عرضة لمثل هذه الفتنة، مع أن المطلوب

منهم تذكر الموت واالتعاظ باألموات؟ إن هذا غير متصور إال

فإن كنت ومهما كان األمر، من رجال ال يتعظون بأي واعظ.

التعليم

48

مذنبا في اقتصاري على ذكر العلة المعهودة لهذا النهي

، عن جهل ربما، ذكر العلة التي ذكرها الدكتور وأغفلت

الجبرين، فإنه ليس معذورا مثلي لعدم ذكره التعليل األول. وهو

وأنا متساويان، إذن، في عدم ذكر العلتين كلتيهما معا.

بأس من صرف ـ كأن الدكتور عبد الرحمن يرى أن ال2

مدرسي الرياضيات واألحياء والكيمياء والعلوم الطبيعية

أجزاء من حصص هذه المواد في الدعوة. أما أنا فيبدو لي

أن هذا الفعل يمكن أن يعد خيانة لألمانة؛ ذلك أن األمانة

التي أوكلت إليهم هي تدريس هذه المواد ال غيرها. وربما

ا في حل أو حرمة استطاع الدكتور الجبرين أن يفتين

سون المواد الرواتب التي يتقاضاها المدرسون الذين ال يدر

التي يوكل إليهم تدريسها على الوجه المطلوب. ذلك أنهم

يتقاضونها بموجب عقد بينهم وبين وزارة المعارف يوجب

عليهم تدريسها هي ال غيرها وأن يصرفوا الوقت

فإنهم يتقاضون المخصص لها وحدها، وإذا لم يوفوا بالعقد

فنحن رواتب عن أعمال لم يقوموا بها على الوجه المطلوب.

بحاجة إلى أن ينصرف معلم الرياضيات إلى إكساب طالبه

المهارات الالزمة في هذا الميدان والتفوق فيه واإلبداع

األصيل في ما بعد. وينطبق هذا على مدرسي الكيمياء

أوضح وجوه واألحياء وعلوم الطبيعة وغيرها )وهذا من

النصح للمسلمين واالهتمام بهم(.

ـ نعلم جميعا أن سبب ما نراه من ضعف المسلمين لم يأت من 7

أنهم ال يخشون هللا والدار اآلخرة، فالغالب منهم كذلك. بل

التعليم

49

جاءهم نتيجة لضعفهم العلمي والعسكري واالقتصادي

والسياسي. ويعود هذا لعدم تعلمهم العلوم الحديثة بطريقة

يحة مجدية، وهي التي يمكن أن تعينهم في إرساء دعائم صح

القوة التي تحميهم من أعدائهم.

ـ أما اعتراضه على قولي بأن المناهج الدراسية صبغت 2

جميعها بصبغة دينية فالمعنى الذي أقصده واضح، في ما

أحسب؛ ذلك أن مناهج اللغة اإلنجليزية مثال ال تتحدث عن

ذه اللغة، بل تتحدث عن ما يمكن أن المجتمعات التي تتكلم ه

نقوله لهم عن ديننا في المقام األول. أما الواجب، في نظري،

فهو أن يكون الهدف من هذه اللغة أن نتعرف تلك

المجتمعات من خالل لغتها ونتعرف ثقافاتها حتى نفهمها

وأكتفي بهذه الملحوظات لكي نتعامل معها بصورة صحيحة.

جبرين، وأكرر شكري له على حسن على تعقيب الدكتور ال

ظنه بي.

م24/4/2223 /22/2/1424(، 937* ال ط )العدد

التعليم

50

تعقيب من البرج العاجي

تساءلت في نهاية مقال "ثقافة الموت في مدارسنا" عن إن

كانت وزارة )المعارف( تعرف عن الممارسات التي تحدث في

مسؤولة مسؤولية المدارس باسم "الدعوة"، وأشرت إلى أنها

مباشرة عن تلك الممارسات. والحظ األستاذ قينان الغامدي

تأخر الوزارة في إبداء رأيها في تلك القضية على الرغم من

مرور أسابيع على إثارتها؛ وأرجع ذلك إلى "الرهاب" الذي

(. 6/5/2003/7/5/2003تعاني منه )الوطن

ام وقد عقب الدكتور أحمد بن سعد مفرح )مدير ع

اإلشراف التربوي في الوزارة( على هذه القضية، أخيرا )"ال

ف فردي ألحد المعلمين على البقية واتهامهم يجوز تعميم تصر

م(. ولم يبين إن كان هذا رأيه الخاص 13/3/2003به"، الوطن

أم أنه رأي الوزارة؛ وسآخذه على أنه رأيها، بانتظار التوضيح.

الدكتور أحمد أنه أساء إلى والمالحظة األولى على تعقيب

الوزارة من حيث أراد أن يدافع عنها؛ فتعقيبه من أوله إلى آخره

غة، آية في قصور الفهم، وآية في االعتذاريات غير المسو

ويفتقر، في تفاصيله كلها، إلى االحتجاج الصحيح. وبدال من

االعتراف بالتقصير لجأ إلى أقصر الطرق ليلغي مشروعية

ن الممارسات غير التعليمية التي تحدث في ملحوظاتي ع

المدارس.

يبدأ الدكتور أحمد بإيراد آيات قرآنية كريمة تبين أهمية

الدعوة في اإلسالم، ثم أتى بنص من النظام األساسي للحكم

التعليم

51

يقضي بأن الدعوة إلى هللا إحدى واجبات الدولة. وينبني إيراده

ي ذلك بأني ضد لهذه النصوص على سوء فهم لما كتبته؛ إذ يوح

للدعوة. هذا مع أنه ال يمكن لقارئ حصيف أن يفهم من مقاالتي

كلها التي كتبتها عن هذا الموضوع، ومنها "دعاة ال معلمون"،

أنني ضد للدعوة على وجهها الصحيح.

ومن أعجب ما ورد في تعقيب الدكتور أحمد قوله: "وال

داعية إذا كان نعلم سبب انزعاج الكاتب من قيام المعلم بدور ال

يؤدي ما عليه من واجبات وظيفية؟" وبغض النظر عن إسناد

الفعل إلى ضمير الجمع الذي ربما قصد منه تأكيد السلطة التي

يمتلكها ومن أجل إضفاء شيء من المهابة على كالمه، وبغض

النظر عن اإليحاء بأن موقفي "انزعاج" من الدعوة والدعاة،

: هل يقوم المعلم "الداعية" بما وهذا غير صحيح، فالسؤال هو

عليه من "واجبات وظيفية"، حقيقة؟

وكالمه عن هذا األمر إنشائي يدل على أن "مدير

اإلشراف التربوي" ال يعي معنى "الواجبات الوظيفية".

فـ"الواجب الوظيفي" للمعلم، كما يجب أن ي فهم، أن يستغرق

يه تدريسها، وأال وقت الدرس كله في تدريس المادة التي أوكل إل

يقتطع منه جزءا يصرفه في شيء خارج عنها.

ويدعي الدكتور أحمد أن ما ذكرته من ممارسات حاالت

مت ها. وهذه حجة واهية؛ والدليل على عدم صحة قوله فردية عم

أنه اتصل بي عدد من اآلباء والموجهين التربويين والمعلمين

ا أغرب من والطالب من مدارس مختلفة يروون لي أمور

الخيال مما يحدث في المدارس من هذه الممارسات. كما كتب

التعليم

52

بعض المعلمين والموجهين التربويين واآلباء في "الوطن"

وغيرها عن حاالت كثيرة مماثلة، وأورد بعض المهتمين

واآلباء في بعض البرامج اإلذاعية أمثلة كثيرة منها، وتحدث

ك. ويشهد هذا كله بأن كثير من الناس في مجالسهم عن مثل ذل

ما يحدث في المدارس ليس تصرفات فردية، كما يدعي، بل

ظاهرة ال يمكن أن تخفى على مالحظ. ويعني عدم اعتراف

الدكتور أحمد بحدوث تلك الممارسات أن المسؤولين في

الوزارة إما أنهم يعلمون بها ويتغاضون عنها وينكرون وجودها

جرؤون على الحديث عنها طلبا ألنهم راضون بها، أو أنهم ال ي

للسالمة، أو أنهم قابعون في أبراجهم العاجية ال يعلمون شيئا

مما يحدث في الخارج.

( إن تمثيل تغسيل الميت 7ويقول الدكتور أحمد في الفقرة )

ودفنه أمام الطالب ". . . جزء من التدريب العملي المطلوب"!

ل غسل الميت ودفنه، ولم يفهم العالقة بين إشارتي إلى أن تمثي

في مدارس البنات خاصة، يتنافى مع النهي عن زيارة النساء

للقبور. وال يشذ ذلك كله عن عدم فهمه للقضايا األخرى التي

تناولت ها.

ومن أغرب تعليالته لهذه الممارسات قوله إنها ". . . تلفت

النظر أكثر من غيرها من مكونات النشاط أو المعرض؛ ألنها

قيقة قاسية وهي الموت الذي ال مفر منه فينزعج بعض تالمس ح

الناس وخاصة ضعاف اإليمان أما أقوياء اإليمان فإن ذلك ال

يزيدهم إال إيمانا وعمال واستعدادا لهذه المرحلة القادمة ال

محالة". وفات الدكتور أحمد أننا نتكلم عن طالب في سن

أثرها الضار التكوين النفسي، وأن هذه المناظر يمكن أن تترك

التعليم

53

على نفسياتهم. أما تصنيفه للناس إلى ضعاف اإليمان الذين

يخافون من الموت وأقوياء اإليمان الذين تزيدهم هذه

الممارسات إيمانا فحكم على كل األطفال والشباب الذين

ينزعجون منها بضعف اإليمان، وهو حكم خطير جدا؛ إذ ال

ن من وقعها على الطالب يعلم مثل هذه األمور إال هللا. ثم يهو

بأن نشرات األخبار واألفالم تتضمن مناظر للقتلى واألموات

وأنه لم يمتعض أحد من ذلك.

ومع أن هذا التسويغ مكرور فهو يدل على أن الدكتور

ن ر دائما من تضم أحمد ربما ال يعلم أن وسائل اإلعالم تحذ

مناظر بعض برامجها اإلخبارية وغير اإلخبارية مثل هذه ال

وتطلب عدم تعريض األطفال لمشاهدتها؟ حتى إن تضمنت تلك

الوسائل مناظر مثل هذه فإنها ليست قدوة ويجب أال يكون ذلك

غا لتلك الممارسات في مدارسنا. مسو

ومما يدل على عدم فهمه لما كتبته قوله: ". . . ما المشكلة

لقانون لدى الكاتب في إضافة )عبارة "إال بإذن هللا"(" بعد ا

الطبيعي: "إن المادة ال تفنى وال تستحدث من العدم". وكنت

أطمع أن يكون هذا المسؤول الكبير في وزارة التعليم على

معرفة علمية وفلسفية أعمق تمكنه من فهم المشكل هنا وفهم

قولي إن من يؤمن باهلل خالقا للكون ال يجد تناقضا بين هذا

ة هللا. وتذكر إضافة عبارة "إال القانون الطبيعي واإليمان بمشيئ

بإذن هللا" بالموقف الكالمي الذي اتخذه بعض المسلمين قديما

من مفهوم السببية. فقد نجم عن عدم رسوخ هذا المفهوم في

المجال المعرفي العربي اإلسالمي االعتقاد بأن تكرار حدوث

الظواهر الكونية يخضع للعادة، ال القوانين المنضبطة. وكان

التعليم

54

ا سببا في عدم اكتشاف المسلمين لكثير من القوانين الطبيعية هذ

التي لم يكن اكتشافها بعيدا عن متناولهم. ذلك مع أن آيات كثيرة

تتحدث عن هذه األسباب وثبوتها وعدم تخلفها، كقوله تعالى ". .

. ثم أوحى في كل سماء أمرها"، و: "ال الشمس ينبغي لها أن

ابق النهار"، و"كل شيء عنده بمقدار". تدرك القمر وال الليل س

فخطر إضافة عبارة "إال بإذن هللا"، إذن، أنها توحي للطالب بأن

هذا القانون ال يمكن أن يكون مستقرا، وال يمكن، من ثم،

االطمئنان إليه وال االستفادة منه في فهم الكون؛ وهو ما يؤدي

ظواهر إلى أن تكون صورة الكون في عقل الطالب خليطا من ال

التي ال تخضع ألسباب مفهومة.

وقد تفضل علينا الدكتور أحمد باالحتجاج بـ"وثيقة سياسة

ع، في رأيه، لتلك الممارسات. التعليم" في المملكة التي تشر

ويجب القول إن النصوص التي أوردها هو وغيره من هذه

الوثيقة تبين بجالء أنها أصل البالء كله. فهي تتضمن أفكار سيد

قطب، بل عباراته. ومن هنا فليست المشكلة في المدارس وال

ع في المعلمين حصرا، بل في وثيقة سياسة التعليم التي تشر

لكثير من الظواهر التي نشكو منها، وهي التي وضعها بعض

األيديولوجيين في غفلة من المواطنين الذين ينتمون إلى اإلسالم

يولوجي.بفطرتهم انتماء دينيا صحيحا غير أيد

فإذا أردنا إنقاذ مدارسنا من التطرف فأوجب الواجبات أن

نخلص نظامنا التعليمي من األفكار الحزبية المتطرفة في هذه

ال. الوثيقة أو

التعليم

55

وبالجملة فتعقيب الدكتور أحمد ليس إال محاولة يائسة

للتملص من تبعات الممارسات التي رأيت أنا وغيري أنها خطأ.

أمينة أبدا؛ فالهدف منها التشكيك بنية الكاتب وهذه طريقة غير

واإليحاء بأن كالمه "تجن" على هذه الجهاز الذي ال يأتيه

الباطل من بين يديه وال من خلفه.

وختاما ينبغي أن تكون وزارة التربية والتعليم في

المستقبل أكثر شجاعة في مناقشة مالحظات المواطنين على

االعتراف بالخطأ والتقصير. أما عملها، وأال تجد حرجا في

األسلوب اإلنشائي اللزج والتسويغات غير المقنعة والتشكيك في

فات تفتقر إلى الشفافية واألمانة. نوايا المواطنين فتصر

م.22/5/2223 /21/3/1424( 965*ال ط )العدد

قراءة في ردود الفعل

التعليم

56

ارسنا"، و"دعاة ال قوبل المقاالن )"ثقافة الموت في مد

ر عدد كبير من قد عب معلمون"( بردود فعل كثيرة متنوعة. ف

القراء، بوسائل متعددة، عن خطورة ما يحدث في مدارسنا من

إليها، ونشرت "الوطن" بعضا من الممارسات التي أشرت

هذا المنحى. فيالتعقيبات

وكانت هناك ردود فعل مضادة، نشرت "الوطن" بعضا

فلت بعض المواقع في اإلنترنت بنشر كثير من ردود منها، وتك

الفعل التي اتسم أكثرها بعدم الموضوعية ووصلت إلى حد

الكذب والبهتان واإلفك.

وأود هنا إبداء بعض الملحوظات على بعض هذه الردود،

ليس بقصد الشكوى )فأنا لست الوحيد؛ فقد تلقى عدد كبير من

ا تلقيت منها بسبب تناولهم الكتاب والمثقفين سيال من جنس م

بعض القضايا الوطنية والدينية والثقافية من منظور مختلف،

ونالت "الوطن" نصيبا وافرا منها، بل وصل مثلها إلى بعض

علمائنا األفاضل(؛ أما ما أريده فهو بيان أن هذه الردود تمثل

برهانا واضحا على أن الممارسات التي كتبت عنها سبب

الشحناء والجرأة على التكفير والتفسيق جوهري لمظاهر

والتبديع والعنف التي ابتلي بها مجتمعنا اآلن.

وجاءت أكثر الردود المضادة عبر مكالمات هاتفية بلغت

أكثر من ألف، ورسائل "جوالية" زادت عن األلف، إلى اآلن.

ولم يكن بإمكاني الرد على كل مكالمة، خاصة حين تبلغ هذا

وال على هذا العدد من الرسائل "الجوالية" الرقم "الهائل"،

للسبب نفسه. لذلك اخترت أال أرد على أكثرها، وكنت أغلق

التعليم

57

هاتفي لساعات طويلة. وسأقصر كالمي هنا على ردود الفعل

التي جاءت هاتين الوسيلتين.

ومن البين أن هؤالء المتصلين ينقصهم فقه التعامل؛ ذلك

ن غير معرفة سابقة بصاحبه. أنه ال يحق ألحد اقتحام هاتف م

كما أنهم يتصلون ويرسلون في أوقات ال أظن أنهم يقصدون

منها شيئا غير األذى: فقد كان بعضهم يتصل بعد الساعة الثانية

عشرة ليال، بل جاء عدد من االتصاالت والرسائل بعد الثالثة

صباحا!

وربما تساءل القارئ الكريم عن كيفية حصول هؤالء

رقم هاتفي. أما ما حدث فهو أن أحدهم وضعه في جميعا على

إحدى ساحات "الحوار" في اإلنترنت ودعا اآلخرين إلى

"االحتساب"! ومهاتفة "المفسد فالن" ومطالبته بالتوبة مما

اقترف قلمه من كبيرة، وكذلك تعميمه عن طريق الرسائل

"الجوالية" مشفوعا بالحث على االحتساب! )وهذه مصادرة

وتشويه له(.للمصطلح

وكنت أجيب بعض المتصلين أحيانا فأجد أكثرهم لم يقرأوا

المقال، بل اتصلوا "احتسابا" ليذكروني بالموت ووجوب التوبة

وللتحذير من التعبير عن رأيي هذا. وكان أغلبهم يصر على أني

علماني "جلد!" ومعاد للدعوة وأهل الخير، ويتجاوز بعضهم

م ينتهون إلى السب والشتم والتهديد ذلك إلى وصمي بالكفر ث

بالقتل.

ولم يفهم كثير منهم المقال فهما صحيحا. ولم يقرأ أكثرهم

التعقيبات التي ن شرت في "الوطن"، سواء كانت مؤيدة أم ناقدة،

التعليم

58

أو المقاالت التي كتبت ها بعد المقالين )ويذكر بعضهم أنه ال يقرأ

راءة المقال مرة "الوطن" إطالقا!(. وكنت أطلب من بعضهم ق

ثانية؛ لكن يبدو أنهم ال يريدون تغيير النتيجة التي توصلوا إليها.

ولو قرأ هؤالء ما كتبته بتمعن لوجدوا أني ميزت بين

الدعوة على وجهها الصحيح وتلك الممارسات التي أساءت

إليها. ومن أوضح أوجه التمييز أني وضعت كلمات )الدعوة

قواس تنصيص" حين كنت أقصد هذه والدعاة والداعية( بين "أ

دة من هذه األقواس حين أقصد الممارسات، وأذكرها مجر

الدعوة الصحيحة. وهذه طريقة علمية معروفة في الكتابة. لكن

د أكثرهم يبدو أن هؤالء لم يتدربوا على القراءة الواعية؛ إذ تعو

على قراءة المطويات والكتيبات المبسطة وحضور

لمواعظ واالستماع إلى األشرطة. وقد نقلت هذه المحاضرات وا

األنواع من الخطاب أكثر الناس من الثقافة الكتابية التي تقوم

على الدقة وتتطلب التأمل إلى الثقافة الشفهية التي تفتقر إلى

العمق وتتصف بالمباشرة.

أما الرسائل "الجوالية" فتستحق دراسة نصية موسعة

؛ وهو ما الستشفاف ثقافة مرسليها. وأوضح خصائصها التكرار

يبرهن على أن هؤالء يصدرون عن رأي واحد. كما تغلب

عليها األخطاء في اإلمالء واللغة والنحو والتعبير وفقر المعجم،

وكذلك األخطاء في كتابة اآليات الكريمة )ولهذا كله دالالته(.

اظ تشي ويتضمن عدد كبير منها "الدعاء" علي بألف

بمستوى من السادية غير معقول؛ ومن ذلك:

"هللا يريك في نفسك وفي من تحب ما ي حزن ك"

التعليم

59

"أسأل هللا جل وعال أن يجعلك تتمنى الموت من شدة

األوجاع"

"اللهم هد أركانه، وأخرس لسانه، وافجعه في ماله وولده"

"اللهم أخمد أنفاسه"

"شل هللا يدك"

بصره وشل يده" "اللهم أذهب عقله واعم

"أسأل هللا أن يشل يديك ويخرس لسانك ويعمي بصرك"

"أبشر بأن سهام الليل توجهت تدعو عليك أن يعذبك

بنفسك وجسدك ولسانك""يا رب إذا لم ترد له الهداية فاجعل

الموت أغلى أمانيه، سأدعو عليك في سجودي"

وتتضمن رسائل كثيرة الدعاء علي باألمراض الخبيثة،

السرطان أهم تلك األمراض، وكان بعضهم أكثر حداثة وكان

فدعا علي بمرض "السارس"! وهناك رسائل كثيرة تحذرني

من الموت الفجائي وعذاب القبر والحساب العسير الذي

ينتظرني يوم القيامة. وتكررت رسالة تقول: "أال تخشى أن

يأتيك الموت وأنت تكتب هذه المقالة"؟ وكان قليل جدا منهم

يدعو لي بالهداية.

ومن البين أن القصد من لجوء هؤالء إلى كثافة االتصال

والرسائل ليس "النصيحة"، كما يتذرع بعضهم، بل الضغط

والتخويف وغايته منع المخالف من الكالم. وال بد أنهم جربوا

هذه الوسائل مرارا ونجحوا.

وال شك أن أساليب االتصال هذه ولغتها العدوانية تدخل

في أذى المسلمين، وإخافتهم، وتهديدهم واستحالل دمائهم. وال

التعليم

60

أدري كيف غابت عن هؤالء اآليات الكريمة واألحاديث

الشريفة التي توجب التسامح والرفق وحرمة المسلم، كقوله

تعالى: "إنما المؤمنون إخوة"، و"جادلهم بالتي هي أحسن"،

سق وقتاله : "سباب المسلم فو"قولوا للناس حسنا"، وقوله

كفر"، و"من كفر مسلما فقد كفر"، و"المسلم من سلم الناس من

لسانه ويده"، و"كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله

وعرضه"، و"ليس المؤمن باللعان وال العطان وال الفاحش وال

البذيء"، وغيرها من النصوص الكريمة. أتراهم ال يعرفونها،

إخاء بين المؤمنين، وتقديم حسن أو ال يفقهون ما ت لزم به من

الظن بهم والحوار بالحسنى معهم؟

والسؤال هو: ما سبب هذه اللغة العدوانية والمواقف

ة للخطاب ر المتطرفة؟ وجواب ذلك أن هذا كله ثمرة طبيعية م

الذي تنتهجه بعض الممارسات "الدعوية" في المدارس

تى أصابت وغيرها. ذلك أنها تركز على موضوع الموت ح

كثيرا من الناس بـ "رهاب" الموت. وتشيع روحا تكاد تصل إلى

حد القنوط من رحمة هللا. وتركز على ب غض المخالفين

وتكفيرهم وتفسيقهم، واستباحة الطرق جميعها في التعامل

معهم، وتؤصل للرأي الواحد الذي يحتكر الحقيقة. والخطوة

اللفظي والجسدي؛ فهم قصيرة بين هذه الروح العدمية والعنف

واثقون من أنهم يمتلكون الحقيقة، وأن أذاهم لآلخرين سيكون

سببا في نيلهم الثواب.

والنتيجة المنطقية لهذا التيار العدواني أن ينتهي إلى أفعال

من جنس التفجيرات اإلجرامية التي حدثت في الرياض مؤخرا؛

ل إذ هي نتيجة حتمية لمسار طويل من التطرف في القو

التعليم

61

والممارسة. بل الغريب أال يحدث مثلها إذا أ خذ األمر إلى حدوده

القصوى. ومما يشهد بشيوع هذا التيار موجة التأييد في ساحات

الحوار على شبكة اإلنترنت لهذه الجريمة المنكرة، ومحاولة

إيجاد المسوغات لها.

ال. أما عالج هذه الظاهرة فيوجب معالجة أسبابها أو

في الوعظ، وهديه في ذلك االلتزام بهدي النبي وأوضح سبل

التعامل، وهديه في إشاعة المودة والتناصح بالحسنى، وهديه في

تعظيم شأن اإلنسان، والمسلم خصوصا، وهديه في النهي عن

الكذب وعن تجاوز الحدود المقبولة عند االختالف، وإبعاد

النزعات المتطرفة عن التعليم والوعظ.

بحاجة ماسة إلى الحوار من أجل مناقشة إن مجتمعنا

مشكالته، لكنه أحوج من ذلك إلى التحلي بآداب الحوار وتغليب

حسن الظن والتماس األعذار لمن يرون رأيا يخالف ما نراه

نحن.

وختاما أدعو هللا أن يطهر قلوبنا جميعا من الغل للذين

آمنوا، وأن يغفر لهؤالء اإلخوة تلك اإلساءات، وأن يقي

مجتمعنا شر التطرف في القول والعمل.

م.29/5/2223 /22/3/1424(، 972*ال ط )العدد

عود على بدء

التعليم

62

: "ثقافة الموت في رأى بعض القراء الكرام أن مقالي

مدارسنا" و"دعاة ال معلمون" تعرضا لكثير من سوء التأويل

ني بأن ألني لم أبين تبيينا كافيا ما قصدت ه فيهما. وهو ما ي لزم

أكتب توضيحا لبعض المسائل التي كانت سببا في ذلك. وكنت

أدفع ذلك بأن السبب في عدم تأويل بعض القراء لما كتبته تأويال

يقرب مما قصدته ال يعود إلى غموض المقالين بقدر ما يرجع

إلى تفاوت الناس في الفهم نتيجة لعوامل كثيرة. والذين يتوقعون

لناس في فهمه إنما يطلبون المستحيل. أن ي كتب نص ال يختلف ا

لكني قبلت هذه النصيحة حين وجدت أن بعض القراء

أبعدوا النجعة، ففهموا أشياء ال يمكن أن ت فهم مما كتبت. ولم

يكن ذلك لغموض ما كتبت، وال إلى تفاوت الناس في الفهم، وال

إلى األسباب األخرى التي ذكرتها في مقال سابق؛ بل ألن بعض

ل المشهود اآلن في الق راء يعانون من مشكلة لغوية سببها التحو

مجتمعنا من الثقافة الكتابية التي تتطلب العمق والتأمل والوعي

إلى الثقافة الشفهية التي تميل إلى السطحية والمباشرة نتيجة

لغلبة التلقي عن المصادر الشفهية أو الشبيهة بالشفهية،

ت والكتيبات المبسطة، التي كاألشرطة والمحاضرات والمطويا

أخذت الصدارة من بين وسائل الخطاب في الوقت الحاضر.

وأود هنا إيضاح بعض ما قصدته، وأرجو أن يتبين منه

أن ما قلته ال يستحق تلك العواصف الهوجاء من ردود الفعل

غير الموضوعية.

فقد فهم بعض القراء أني ضد للدعوة، وأني أطالب بأن

في المملكة من اإلسالم، وأنه يجب أال يذكر المعلم يتجرد التعليم

سها، ويجب قصر شيئا عن اإلسالم في تدريسه للمادة التي يدر

التعليم

63

ذلك على مدرسي الدين، وأال يقوم المعلم بتوجيه طالبه حين

يرى منهم تقصيرا أخالقيا أو دينيا، وغير ذلك.

وهذا ليس صحيحا! فمثل هذه المقوالت ال يمكن أن تصدر

هت لي، عن مسلم. وهناك من يتوقع مني، اتقاء للتهم التي وج

أن أصدر ما كتبته باإلعالن عن أني مسلم، وأني لست ضدا

للدعوة، وأني لست خصما للصالحين، وأني لست خصما

لشعيرة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك. لكن

لمسلم. ومن أبسط هذه كلها مسلمات تمثل جزءا الزما من وعي ا

ما يعرفه أهل العلم أن المسلمات ال ت ذكر. فال بد، إذن، أن

يفترض القارئ، من باب إحسان الظن، أنني أصدر عن هذه

المسلمات حقيقة وإن لم أذكرها صراحة. وعند ذاك سيجد أن ما

كتبته ال يعدو أن يكون اجتهادا مبعثه القصد الحسن والحرص

ا وبناتنا من الطالب والطالبات؛ وهو ما على مستقبل أبنائن

يوجب البحث عن تأويل معقول لما كتبته.

لوا ما كتبته تأويال بعيدا عن المقصود إنما وقعوا فالذين أو

ضحية لسوء الظن بي فجردوني من تلك المسلمات، وهو ما

يعني تجريدي من االنتساب إلى اإلسالم، والعياذ باهلل. ثم إنهم

حسن الظن ببعض الممارسات التي تدعي وقعوا ضحية ل

االنتساب إلى الدعوة، وغضوا الطرف عن خروجها على النهج

الصحيح، وعن اآلثار السيئة التي يمكن أن تتركها على الطالب

والطالبات، والصغار منهم خاصة.

ولو تأمل هؤالء اإلخوة ما قلته لوجدوا أني أدعو حقيقة

وة حقيقية لاللتزام بقيم اإلسالم إلى أن يكون عمل المعلم دع

التعليم

64

الصحيحة. وأظهر مثال على ذلك أن يفي المعلم بالعقد الذي

وقعه مع وزارة التربية والتعليم امتثاال لقوله هللا تعالى: "يا أيها

الذين آمنوا أوفوا بالعقود". وإذا لم يصرف المعلم وقت الدرس

هو لم يف بالعقد.كله في تدريس المادة التي أوكل إليه تدريسها ف

: "إن هللا والمثال الثاني أن "يحسن عمله"، امتثاال لقوله

يحب من أحدكم إذا عمل عمال أن ي حسنه". وأول شروط إحسان

العمل االلتزام الدقيق بأن يصرف المعلم كل دقيقة من وقت

الدرس في تعليم الطالب المادة التي يدرسها على أفضل وجه.

داء المعلم عمله على الصورة المطلوبة والمثال الثالث أن أ

من أظهر أوجه "النصح للمسلمين". فالحرص على إكساب

الطالب المهارات العلمية الالزمة من أجل أن يتميزوا

سها، نصح حقيقي ويصبحوا من المبدعين في المادة التي يدر

ألبناء المسلمين. وهذا ال يحصل إن صرف المعلم الوقت في

أشياء أخرى.

وسوف يرى الطالب، في هذه الحاالت الثالث، قيم

اإلسالم مطبقة فعال. وهو تطبيق أبلغ أثرا وأبقى. أما حين يرى

الطالب المعلم يشتغل بشيء ال صلة له بالدرس فسوف يسبق

إلى أذهانهم أن أداء العمل على وجهه الصحيح ليس الزما، وال

ين نفسه يمكن أن يكون وس يلة لنقض العقود قيمة له، وأن الد

وتضييع الوقت في أمور ال صلة لها بالعمل المطلوب إنجازه،

وأن العلوم الحديثة ال قيمة لها. وسوف يرسخ في أذهانهم أيضا

أن ال قيمة للتخصص، إذ يمكن لإلنسان أن يقول ما يشاء في أي

موضوع يشاء.

التعليم

65

أما التركيز على بعض الممارسات التي توصف بأنها

وت والتزهيد في الدنيا والمبالغة في االهتمام "دعوية" كالم

بالمظاهر الخارجية للتدين، بالصور التي تشيع في المدارس

اآلن، فيسهم ذلك كله في صرف الطالب والطالبات عن الوعي

بأن المسلمين اآلن يعيشون تخلفا علميا وضعفا متعدد األشكال.

لى جعلهم أكثر ويسهم في تنمية بذور التشدد الذي ربما يؤدي إ

قبوال لما يقوله الغالة خارج المدرسة، وهو ما سيقود في نهاية

األمر إلى وقوعهم ضحية للتيارات المتطرفة بمختلف أشكالها.

ومن أظهر ما التبس على القراء نقدي إللحاق عبارة "إال

بإذن هللا" بالقانون الطبيعي "الطاقة ال تفنى وال تستحدث من

عن أحد االعتراضات في مقال سابق. العدم". وقد أجبت

لكن بعض آخر استنكر قولي ذاك احتجاجا بأن هذا يخالف

قول هللا تعالى "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجالل

واإلكرام"، وقوله تعالى "كل شيء هالك إال وجهه". وكنت قلت

في إجابتي عن االعتراض األول إن إضافة هذه العبارة تدل

م الفقه في الدين وعدم المعرفة بالعلوم الطبيعية معا. على عد

وكذلك األمر هنا؛ ذلك أن هذا القانون الطبيعي مرتبط بالكون

كما نعرفه؛ فهو لم يكن موجودا قبل أن يخلق هللا الكون. وبعد

أن أوجد هللا الكون خلق معه سبحانه القوانين الطبيعية المسيرة

ذا أراد هللا فناء الكون، وهو ما له ومنها هذا القانون. أما إ

سيحدث في نهاية األمر، فسوف يختفي هذا القانون، والقوانين

الطبيعية األخرى، معه. فليس هناك تناقض بين البقاء األبدي هلل

تعالى وبين هذا القانون، ألنه يصح في الدنيا وال يصح حين

التعليم

66

تفنى مع قوانينها الطبيعية، و"يبقى وجه ربك ذي الجالل

اإلكرام".و

كما أن نقدي للمعلمين الذين يحولون الدروس إلى مواعظ

ينطلق مما ذكرته في مقال سابق عن هدي النبي صلى هللا عليه

وسلم في عدم اإلكثار من الوعظ خوفا من إدخال السأم والملل

على الناس، ومن الحرص على تجنيب طالبنا وطالباتنا الوقوع

غلون هذه الطرق لتجنيد الشباب في حبائل المتطرفين الذين يست

في التيارات المتطرفة التي رأينا عيانا ما يمكن أن تخلفه من

دمار وقتل وفتنة ومدى األذى الذي تلحقه بصورة اإلسالم

والمسلمين.

وبعد ذلك كله، فسيجد من ي رجع النظر في المقالين أني لم

أعم المعلمين جميعا، بل كررت مرارا كلمة "بعض" التي

تثني "كثيرا" منهم. لكن عدم مالحظة "بعض" القراء لذلك تس

يكشف عن وجود مشكلة لغوية تعترض القراءة المدققة، وعن

ية قاطعة، وذلك مشكلة معرفية ال ترى األشياء إال بصورة حد

ما يسد طريق التأويل الصحيح والحوار المثمر.

م12/6/2223 /12/4/1424(926*ال ط )العدد

إلى المناهجإضافة

يرى بعض المالحظين أن المناهج ليست مسؤولة عن

ظاهرة التطرف في مجتمعنا اآلن، فهو وافد من الخارج. لكن

حتى إن سلمنا بذلك فسوف يجد المتأمل في تاريخ هذه الظاهرة

التعليم

67

أن للمناهج، والمدارس عموما، دورا، وإن لم يكن مباشرا، في

نشأتها ونمائها وتعميمها.

ت المناهج، والدينية خاصة، موضوعا للشكوى في وقد كان

الصحافة وفي مجالس الناس الخاصة منذ زمن بعيد. ولم يكن

سبب تلك الشكوى أن هذه المناهج تتضمن نصوصا يمكن أن

تدفع إلى التشدد فقط، بل ألن كثيرا منها ال عالقة له بواقع

لغة المسلم اليوم، وألنها مصوغة بلغة قديمة ال تتناسب مع ال

المالئمة في مستوى التعليم العام.

وصحيح أنه قد درس هذه المناهج نفسها ويدرسها اآلن

ماليين الطالب والطالبات ولم يتحولوا إلى متطرفين. كما أن

هناك نسبة عالية من الشباب الذين يجوبون األسواق والشوارع

ويأتون بكثير من التصرفات التي تخرج على القيم اإلسالمية

ربية، وهو تطرف من نوع مختلف. لهذا ال يمكن أن تكون والع

المناهج وحدها السبب في هاتين الظاهرتين المتناقضتين.

يضاف إلى ذلك أن مئات اآلالف درسوا تلك المناهج

خالل أكثر من أربعين عاما، وأصبحوا بعد أن تخرجوا يعيشون

حياة معتدلة. وذهبت نسبة كبيرة منهم إلى الخارج، خاصة

لواليات المتحدة، إبان ازدهار البعثات، ولم يجدوا مشكلة في ا

التأقلم مع حضارة الغرب، ورجعوا وهم ال يزالون أوفياء

لثقافتهم المعتدلة التي يمثل اإلسالم محورها.

التعليم

68

وإذا أردنا استقصاء أسباب التطرف في مجتمعنا

فسنكتشف أن هناك ظروفا متعددة مهدت له وساعدت في نشأته

وكانت المناهج من بينها. ونمائه،

وأظهر تلك الظروف أن مجتمعنا تعرض لموجة عاتية

من األدلجة التي اتخذت طابعا إسالميا خالل األربعين سنة

الماضية. وكان من أسبابها العوامل التالية:

ـ وفود أعداد كبيرة من الحزبيين "اإلسالميين" من مختلف 8

حظوة سهلت لهم البالد العربية واإلسالمية؛ وكانت لهم

التمكن من توجيه التعليم. فقد تولوا رسم خطط التعليم العام

ووضعوا مناهجه، وتجاوزوا ذلك إلى الجامعات والكليات

فوضعوا كثيرا من مناهجها بحسب توجهاتهم الحركية ابتغاء

تخريج أفواج من المعلمين الذين ينتمون إلى التيار الحركي

المجتمع خارج التعليم، ونتج عن وامتد أثر هؤالء إلى نفسه.

ذلك انتشار كتب اإلخوان المسلمين ومجالتهم، وكادوا

يستحوذون، هم وتالميذهم، على وسائل اإلعالم المختلفة.

ف المجتمع بشخصيات مهمة من هذا التيار الحركي وع ر

م سيد قطب بشكل مثل أبي الحسن الندوي والمودودي. وقد

من غير عوائق. تبجيلي وأخذت كتبه تسوق

ـ ازدياد التركيز على المظاهر الخارجية للتدين؛ وكان من 4

أبرز القضايا التي استحوذت على االهتمام: قضية المرأة،

وتقصير الثياب والسواك ووضع اليدين في الصالة والمسح

على الخفين، وتحريم الغناء والموسيقى والتصوير،

الم عن الحسد والتطيب والتداوي بالعسل، والرقى والك

والسحر والعين واألحالم والرؤى. ونتج عن ذلك إصابة

التعليم

69

المجتمع بما يشبه "الوسوسة" عن كثير من هذا القضايا.

وصنف الناس باستخدام خطاب تحريضي إلى "ملتزم"

يظهر بهيئة خاصة، وغير ملتزم ال يظهر بتلك الهيئة.

قد استخدم ـ الهجمة الشرسة على ما كان يسمى بـ"الحداثة"؛ و6

في التشنيع على من صنفوا بـ "الحداثيين" خطابا "إسالميا"

يتسم بالقسوة ويمتلئ باالتهامات التي تكاد تخرج أولئك من

اإلسالم.

ـ التوسع المفرط في الحديث عن "أسلمة العلوم"، و"األدب 2

اإلسالمي"، و"اإلعجاز العلمي في القرآن"، وكان أكثره

ا.حديثا إيديولوجيا تعبوي

ـ سيادة الخطاب الجهادي، خاصة بعد الغزو السوفييتي 7

ألفغانستان. واتسم أغلب هذا الخطاب بالحديث عن الشهادة

في سبيل هللا ومجاهدة الكفار والمخالفين، وعن المعجزات

التي كانت تتحقق على أيدي المجاهدين والكرامات التي

كانت تظهر على أيديهم.

سالمي" الذي صار األداة األولى ـ ما يسمى بـ"الشريط اإل2

للتهييج واألدلجة.

ـ المراكز الصيفية التي تحولت إلى مخيمات "دعوية" 1

خالصة، بدل أن كانت أمكنة للترويح البريء عن الشباب

وإكسابهم بعض المهارات التي تنفعهم عمليا.

وقد أسهمت هذه العوامل وغيرها في أدلجة المجتمع

هذه األدلجة إلى المدارس. واستغلت بصفة عامة. ثم تسربت

المناهج في هذا السبيل، والمناهج الدينية خاصة. وسمح هذا

التعليم

70

للمعلمين اإليديولوجيين بتثويرها وإعطائها تأويالت ترتبط

بالواقع المؤدلج.

ومن هنا يتبين أن المناهج لم تكن السبب المباشر في

ذه التطرف، لكنها كانت من األدوات التي استخدمت في ه

وربما يقال إن أكثر المتطرفين والمفجرين لم األدلجة والتجييش.

ينهوا تعليمهم، وهو ما يدفع عن المدارس عموما والمناهج

بصورة خاصة هذه التهمة. لكن الواضح أن المدارس كانت

المكان الذي جند فيه هؤالء، ثم أخرجوا منها إلى أجواء خارجية

ولوجية.ليتلقوا مزيدا من التعبئة اإليدي

ولكي نفهم السبب الذي لم يجعل تلك المناهج نفسها تنتج

متطرفين في األجيال األولى ينبغي أن نقارن بين الجو التعليمي

الذي كان سائدا في القديم والجو التعليمي اآلن. فقد كانت

المناهج الدينية هي نفسها حينذاك. لكن الذي جعلها ال تكون أداة

و التعليمي الذي كان يسهم في تحييد ما في التطرف إنما هو الج

في المناهج من تشدد.

فلم يكن المعلمون في تلك الفترة مؤدلجين؛ وكانوا يعلمون

تلك المناهج تعليما معرفيا ال يقصد إلى تحويلها إلى برامج

عمل، كما هو اآلن. وكانت الكليات التي يتخرج منها أولئك

ة العربية في الرياض المعلمون، خصوصا كليتا الشريعة واللغ

وكليتا اللغة العربية والشريعة في مكة المكرمة أبعد ما تكون

عن األدلجة. وكانت تحوي نخبا من الطالب النابهين لهم اهتمام

باألدب والفكر، وأصبح كثير منهم من رواد التحديث الفكري

واألدبي في بالدنا.

التعليم

71

على وكان طالب التعليم العام يدرسون مواد كثيرة تعمل

نشر روح االعتدال والتفتح. فقد كان طالب الثانوية في فترة من

الفترات يدرسون في مادة اللغة اإلنجليزية كتابا عن حياة الزعيم

الهندي غاندي، وكانت هذه المادة تصور حياة المجتمعات

الغربية على حقيقتها، وكانوا يدرسون تاريخ العالم، ومنه تاريخ

األوروبي الحديث وتاريخ الثورات عصر النهضة والتاريخ

العلمية والسياسية والفكرية والدينية، ومنها الحركة اإلصالحية

التي قادها لوثر وكالفن وغيرهما. وكانوا يدرسون في األقسام

العلمية كثيرا من النظريات العلمية التي تتحدث عن الكون

وقوانينه وعن التاريخ األحيائي لإلنسان.ويدرسون في اللغة

العربية نماذج من الشعر والنثر ال تقيدها أية عوامل إيديولوجية.

وكان يقام في المدارس كثير من النشاطات األدبية والفنية

والرياضية )وقد أشار األستاذ فهد العريفي لشيء منها في مجلة

( 1760اليمامة، العدد

يجب علينا إن أردنا معالجة التطرف ترشيد ومن هنا

خارج المدارس وإصالح المناهج، والدينية الخطاب الديني

خاصة، وجعل المدارس مرة أخرى أماكن للبهجة والتعلم

الحقيقي بدل أن تكون أماكن للتجهم واألدلجة التي لم نجن منها

خيرا.

ويجب علينا أن نتأمل في ما يحصل في إيران اليوم؛ فقد

له تعرض اإليرانيون خالل الثالثين سنة الماضية لما تعرضنا

من التهييج الذي يتذرع بالدين، وحققت هذه اإليديولوجيا ما

كانت تطمح إليه هناك. لكن أغلب اإليرانيين اليوم اكتشفوا

انسداد األفق الذي يمكن أن يؤدي إليه هذا النهج. لذلك ظهرت

التعليم

72

حركات قوية مناوئة تسعى للتخلص من الحشد اإليديولوجي

لسنا بحاجة إلى المرور بما والعودة إلى الحياة الطبيعية. ونحن

مر به الشعب اإليراني، وبإمكاننا أن نستدرك الوضع قبل فوات

األوان، إن أردنا ذلك.

م19/6/2223 /19/4/1424(، 993* ال ط )العدد

بشائر التغيير في تصريح األمير

أجرت وكالة األنباء السعودية حوارا مع صاحب السمو

ير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس الملكي األم

نت حديثا مجلس الوزراء بصفته رئيسا للجنة التربية التي كو

التعليم

73

للنظر في سياسة التعليم، ونشرت الصحف هذا الحوار، ومنها

م(. 7/84/4116جريدة الوطن )

وقد أوجز سمو األمير سلطان في هذا الحوار الخطوط

ر التعليم في المملكة، وأشار إلى األساسية التي تهدف إلى تطوي

أن هذه اللجنة التي يرأسها تضم ثالثة عشر عضوا، ثمانية منهم

من المتخصصين في الدراسات الشرعية واآلخرون من

تخصصات أخرى؛ ويتمتع هؤالء جميعا بخبرات إدارية وقيادية

طويلة وغنية. وأكد سمو األمير أن الهدف من تكوين هذه اللجنة

مناهج وتعديلها وتطويرها. وبين أن ". . . الحياة تنقيح ال

المعاصرة المتجددة تتطلب منا أن نكون نموذجا للعالم اإلسالمي

وأن نعي رسالة ديننا المتمثلة بالتسامح والحوار واحترام الرأي

اآلخر ونبذ الغلو والتطرف والتأكيد على الوسطية واالعتدال".

ت استجابة لضغوط أجنبية، بل وأكد أن تكوين هذه اللجنة لم يأ

كان ". . . مبادرة واستجابة لمتطلبات العصر ولكثير من

المستجدات الراهنة".

ويحقق هذا المشروع ما يتوق إليه كثير من المواطنين

الذين ظلوا لسنين طويلة يالحظون الحالة المؤسفة التي وصل

له إليها التعليم في بالدنا من مختلف الجوانب. ومن أهمها تحو

من إكساب الطالب والطالبات مهارات وعلوما ضرورية

لتحقيق الطموحات الوطنية إلى ما يكاد يكون مأل ألوقاتهم بما

ل تعليم الدين خاصة من كونه يناقض هذه الطموحات؛ وتحو

غرسا للقيم اإلسالمية الصحيحة المعتدلة إلى ما يكاد يكون

عت ألحادية الرأي أدلجة أسهمت في إنتاج التعصب والغلو وشر

ويتمنى كل مخلص لهذه والتفرقة بين المواطنين والعداء لآلخر.

التعليم

74

اللجنة النجاح في هذه المهمة، وأن يكون اإلصالح الذي ت نجزه

جذريا، ال شكليا أو جزئيا.

ومن الالفت أن كثيرا منا تلبسهم ما يسمى بـ "حالة

ركوا في ارتكاب اإلنكار" حين تبين أن بعض السعوديين شا

األحداث الكبرى التي قلبت الموازين وهددت السالم العالمي

وأدت إلى شن حرب عدوانية ظالمة على المسلمين في السنوات

الثالث الماضية، وحين تبين قيام بعضهم بتنفيذ جرائم التفجير

المنكرة التي تعرضت لها بالدنا في األشهر األخيرة. وهذه حالة

نسان حين ي فجأ بما ال يتوقع، فيلجأ، من ثم، إلى نفسية تتلبس اإل

هذه الحيلة التسويغية التي يأمل بأن تحميه من مواجهة الحقيقة.

لهذا هب كثير من الرسميين والمحللين يدافعون عن التعليم

عندنا وي رددون بإصرار أنه ليس سببا في هذه األحداث، وأن

ع أن كثيرا من مناهجنا ال يمكن أن تكون وراءها. ذلك م

المالحظين ظلوا لسنوات طويلة يحاولون لفت االنتباه إلى

خطورة ما كان يجري من تجييش وأدلجة في مدارسنا على

وجه خاص.

ومن هنا فتكوين هذه اللجنة يمثل وعيا محمودا بهذه

المشكالت وهو ما يعني عدم السماح باالستمرار في التغاضي

ميقة التي تنبع منها.عن معالجتها وتتبع الجذور الع

ورغبة في اإلسهام في طرح بعض األفكار أمام هذه

اللجنة الموقرة فربما يكون من المالئم هنا اإلشارة إلى أنني

، كما كتب غيري، عن بعض المشكالت التي تعصف كنت كتبت

بالتعليم في بالدنا؛ ومما كتبته مقاالن نشرتهما لي "الوطن" هما

التعليم

75

سنا" و"دعاة ال معلمون". وكانت أكثر "ثقافة الموت في مدار

ردود الفعل ضراوة على هذين المقالين تستشهد بـ "وثيقة سياسة

التعليم" الحالية للتدليل على أن ما رأيت ه من مآخذ على بعض

الممارسات غير المعقولة في المدارس إنما هو من صلب ما

ع له هذه الوثيقة. ت شر

هم العوامل التي أدت إلى ويبين هذا أن هذه الوثيقة من أ

نشوء الظواهر التي نشكو منها اآلن، وأن المشكالت الخطيرة

التي نعاني منها ليست مستوردة، بل الغريب أال تحدث. فهذه

الوثيقة مألى بالنصوص المنسوخة من األدبيات الحزبية لبعض

الجماعات "اإلسالمية" التي وجدت في المملكة مالذا لها منذ

خمسين سنة.

وال أريد هنا التوسع في إيراد تلك النصوص التي قولبت

التعليم ورسمت له إطارا إيديولوجيا حزبيا. وتكفي اإلشارة إلى

أن كثيرا من الفقرات فيها تتضمن شحنات عالية من الخطابية

والحزبية واألدلجة والتكرار.

ع لتحويل مجتمعنا المسلم إلى ومن أبرز ما فيها أنها تشر

إسالمي" بما يعنيه هذا المصطلح من إيديولوجيا حزبية "مجتمع

معروفة، وتشرع للتمييز بين المواطنين إلى "إسالميين"

وغيرهم، وتشيع بعض المصطلحات المستحدثة مثل "الفكر

اإلسالمي".

وإذا كنا نعاني اآلن ممن يطلقون على أنفسهم مصطلح

ذا "الجهاديين" فإن تلك الوثيقة قد أسهمت في رواج ه

التعليم

76

المصطلح. فقد جعلت من أهداف التعليم في المملكة: "إيقاظ

روح الجهاد اإلسالمي لمقاومة أعدائنا، واسترداد حقوقنا،

(. 21واستعادة أمجادنا، والقيام بواجب رسالة اإلسالم" )الفقرة

وجعلت من أهداف المرحلة المتوسطة: "حفز ]همة

ينتمي إليها، الطالب[ الستعادة أمجاد أمته المسلمة التي

(. 13واستئناف السير في طريق العزة والمجد" )الفقرة

وخصصت سبعة من أهداف المرحلة الثانوية للجوانب

(: "إعداد الطالب للجهاد في 812"اإلسالمية"، ومنها )الفقرة

سبيل هللا روحيا وبدنيا". وجعلت من غايات التعليم: "تكوين

، ليصدروا عن تصور الفكر اإلسالمي المنهجي لدى األفراد

إسالمي موحد يتعلق بالكون واإلنسان والحياة، وما يتفرع عنها

(.61من تفصيالت" )الفقرة

أما الغاية من تدريس العلوم فقد د فنت في طيات كم هائل

من الخطابة التي تبين فضل المسلمين على العلوم وأن القصد

ان االنسجام من دراسة العلوم هو التأمل في عظيم خلق هللا و"بي

التام بين العلم والدين في شريعة اإلسالم".

وهناك كثير مما يمكن أن يضاف هنا عن الحشد والتجييش

في هذه الوثيقة. وأنا لست ضد هذه األهداف بذاتها، لكن الطريقة

التي صيغت بها ال يمكن أن تؤدي إال إلى تحويل هذه الوثيقة

إلى برنامج إيديولوجي حزبي.

ع للتعليم وتوجه عمل وخطورة هذه الوثيقة أنها تشر

المعلمين وتحكم تأليف المناهج. وهي بالحال التي هي عليها

التعليم

77

تفتح الباب واسعا ألن يقولبها ذوو الميول اإليديولوجية

ويؤولونها كما يشاؤون.

ومن العجيب أنننا نسمع اآلن من يصنف التفجيريين بأنهم

ه الوثيقة س مح بتدريس "خوارج". لكننا ننسى أنه في ظل هذ

نصوص شعرية ونثرية ت نسب إلى زعماء الخوارج القدماء

وتؤخذ، في المناخ الذي تشيعه، على أنها تمثل روح اإلسالم

وتبين المواقف المبدئية الشجاعة التي يقفها المسلم الحق في

سبيل نصرة اإلسالم ومن هنا يجب أن تتخذ قدوة ومنهجا. ومن

بيت المشهور:أهم تلك النصوص ال

إذا افتخ ا بقيس أ تميم أب اإلسةم أبا ل س اه

وقصيدة الزعيم الخارجي قطري بن الفجاءة التي منها:

ل م األبطا حك أق لاا قد طار شعا ا

ت ا

س ى األ ل الذ لك ل فإنك ل سأل حيا م

تطا

تدعو إلى القتال والنزال وغير ذلك من النصوص التي

واستعذاب الموت والتهوين من الدنيا.وحين نسمع "وصايا

االستشهاديين" التي تبثها الفضائيات اآلن نجدها تكاد تكون

نسخة من هذه النصوص الثورية.

لهذا ربما يكون تخليص التعليم من هذه الوثيقة إنجازا

متميزا لهذه اللجنة المحترمة.

تاريخ التعليم في المملكة أنه صدرت في ويذكر المهتمون ب

هـ وثيقة لسياسة التعليم كانت متميزة. ويؤكدون أنه 8626سنة

التعليم

78

لو استمر تطبيق ما تحويه من أهداف وسياسات لكان التعليم

اآلن مختلفا عما هو عليه. ومما يدعو إلى إحسان الظن بالوثيقة

نتيجة القديمة أنها لم تصدر نتيجة لضغوط خارجية، ولم تأت

لصراع بين ما يوصم بأنه تيارات "علمانية" وأخرى

"إسالمية" في مجتمعنا المسلم. ذلك أنها صدرت في تلك الفترة

ل الدين فيها إلى إيديولوجيا سياسية السعيدة التي لم يكن قد تحو

وأداة للصراع بين الفرقاء اإلقليميين والدوليين وال وسيلة

لمختلفة في المجتمع المسلم للمزايدات بين وجهات النظر ا

الواحد.

ومن هنا فربما كان من األفضل أن تنظر اللجنة في تلك

الوثيقة، وربما إعادة الحياة إليها؛ فذلك أولى من التشريعات

الجديدة التي لن تسلم من الوقوع فريسة لتشكيك المعارضين

واالدعاء بأنها جاءت استجابة لضغوط خارجية أو أن هدفها

لدين واالنتصار "للعلمانيين" والنكاية بـ "المتدينين".تمييع ا

م.11/12/2223 /16/12/1424(، 1162ال ط )العدد *

اختطاف التعليم

يصل عدد الطالب والطالبات في المملكة إلى أكثر من

أربعة ماليين في مختلف المراحل الدراسية بحسب بعض

ئنان إلى اإلحصاءات. وهذا رقم ضخم جدا؛ ويدعو إلى االطم

أن التعليم صار قيمة عليا في مجتمعنا. ومع هذا نشعر جميعا أن

هذا الكم ال يصحبه ما يكافئه من الكيف.

وأحد أسباب عدم التالؤم بين الكم والكيف في هذه الكثرة

أن التعليم، في المراحل الثالث األولى منه، تتنازعه جهات عدة

التعليم

79

ع األهداف ويكاد يص ل إلى حد التضاد من حيث مما جعله موز

النوع. وهذا ما أنتج آالفا من الخريجين تصل حدود االختالف

بينهم، من حيث التأهيل العلمي والثقافة والشخصية، إلى حدود

بعيدة. وربما جاز لنا أن نسمي هذا التعدد في اإلشراف على

التعليم اختطافا، ذلك أن كل جهة ت غير على هذا الرصيد من

طن وتحتجن جزءا منه في سنوات التعليم األساسي أبناء الو

وتصوغ منه قبيال مختلفا.

وسأعرض هنا لبعض الجهات التي تختطف هؤالء

الطالب والطالبات، بهذا المعنى.

ـ والطالبات أول ضحايا هذا االختطاف؛ فقد أ وكل تعليمهن، 8

منذ إنشائه، إلى جهة مختلفة عن الجهة التي تشرف على

ب. وتولد عن هذا االختالف في اإلشراف رسم تعليم الطال

سياسات وتقعيد قواعد وإرساء تقاليد وقيم في تعليم البنات

جعلته مختلفا، من جوانب عدة، عن تعليم البنين. وعلى

الرغم من ضم تعليم البنات إلى وزارة التربية والتعليم

مؤخرا إال أن تلك السياسات والتقاليد والقواعد ظلت على ما

كانت عليه من قبل، ومن الصعب أن ي نقض ما أبرم منها

خالل أربعين سنة أو تزيد. وقد نجم عن اختالف التعليم بين

الجنسين انصراف نسبة عالية من الطالبات إلى التخصصات

اإلنسانية مما أحدث فراغا كبيرا في تخصصات أخرى

ة يحتاجها مجتمعنا. وكان ذلك سببا في تحجيم وظيفة المرأ

وعزلها عن ممارسة كثير من الوظائف المهمة.

التعليم

80

ـ ويلحق عدد كبير من الطالب في سن الدراسة االبتدائية 4

بمدارس تحفيظ القرآن الكريم؛ وهي مدارس لها توجه

مختلف عن التوجه العام للتعليم.

ـ وت ختطف نسبة كبيرة من الطالب بعد المرحلة االبتدائية 6

ة" التابعة لجامعة اإلمام محمد بن لي لحقوا بـ"المعاهد العلمي

سعود اإلسالمية. ويتلقى هؤالء تعليما مختلفا في جوانب

كثيرة عن التعليم العام.

ـ وهناك نوع آخر من االختطاف يتعرض له أكثر من ثمانين 2

بالمائة من الطالب بعد السنة األولى الثانوية في التعليم العام

لشرعية واإلدارية. فيتوجهون إلى التخصصات األدبية وا

والواضح أن األنواع الثالثة األخيرة من "االختطاف"

تقضي فعال على أكثر من ثمانين بالمائة من الطالب بالخروج

من العصر الحاضر، والحرمان من التزود بالمعرفة العلمية

الضرورية. فليس غريبا، إذن، أن يواجه كثير من المتخرجين

دودا، وهو ما يجعلهم يمثلون النسبة والمتخرجات فيها طريقا مس

األعلى من العاطلين عن العمل.

وكانت هناك بعض األسباب المعقولة وراء هذه التوجهات

في العقود الماضية؛ فقد كانت الدولة بحاجة إلى سد الفراغ في

مجاالت التعليم والوظائف الكتابية وبعض الوظائف الدينية إلى

ابقين في هذه األنواع من التعليم غير ذلك. لكن المتخرجين الس

سدوا حاجة الوظائف الحكومية المتاحة في هذه التخصصات

وما يماثلها. وهو ما جعل الحاجة إلى مزيد من هؤالء تتضاءل

بمرور الزمن. ومن هنا فال يعقل أن تستمر هذه التوجهات التي

تزيد من تفاقم المشكالت التي نشهدها اآلن وتنتج مزيدا من

التعليم

81

صصين في "العلوم" اإلنسانية الذين ال يجدون عمال، وال المتخ

يستطيعون التعامل مع متطلبات العصر الحديث، ويأنفون من

العمل اليدوي، وتصعب إعادة تأهيلهم. كما أن انصراف أكثر

الطالب والطالبات إلى التخصصات اإلنسانية يحرم المجتمع

الذين لو من نسبة عالية من الطالب والطالبات المتميزين

التحقوا بالدراسة العلمية لكان ذلك أنفع لهم ولمجتمعهم.

وينصرف كثير من الطالب والطالبات إلى التخصصات

اإلنسانية بعد السنة األولى الثانوية لظنهم أن التخصصات

اإلنسانية أسهل، وال تتطلب من الجهد ما تتطلبه التخصصات

ة من الذين العلمية. وهذا غير صحيح؛ ذلك أن نسبة كبير

يلتحقون بالتخصصات اإلنسانية في مستوى التعليم الثانوي

يتعرضون للرسوب في هذه المرحلة، وهم، على اإلجمال، أقل

تحصيال ونجاحا وتميزا في المرحلة الجامعية. ويشير انصراف

هؤالء إلى التخصصات اإلنسانية إلى مشكلة ثقافية متجذرة

عداد لبذل الجهد في التحصيل. أساسها طلب السهولة وعدم االست

وهي مشكلة تعود جذورها إلى نقص كفاءة التعليم السابق على

الثانوية. فهو ال يهتم بالجوانب العلمية الصرفة، مثال، وتكثر فيه

المواد اإلنسانية، والطابع الغالب على طرق التدريس فيه التلقين

الذي ال يحث على التفكير والتبصر.

ول من االختطاف؛ وهو توزيع الطالب هذا هو النوع األ

في سن مبكرة على أنواع متباينة من التعليم، وعلى جهات

تختلف في األولويات والغايات وأنماط التفكير. ولمعالجة هذه

المشكلة فالواجب األول هو توحيد اإلشراف على التعليم العام.

إذ هو البوتقة التي ينصهر فيها الطالب والطالبات جميعا حين

التعليم

82

يتلقون تعليما موحدا. وهو ما ينتج عنه مجتمع يغلب عليه

التجانس لقيامه على مفاهيم موحدة تقريبا.

ع هم من أبناء الفقراء واألغلب أن أكثر ضحايا هذا التوز

أو أبناء القرى بسبب المكافآت التي تصرف لطالب مدارس

تحفيظ القرآن الكريم أو طالب المعاهد العلمية. كما أن معظم

طالب األقسام األدبية والشرعية واإلدارية في المرحلة الثانوية

العامة يأتون من أسر محدودة الدخل ال توفر ألبنائها التوجيه

الضروري ألخذ التعليم بجد؛ وذلك إما النخفاظ مستوى تعليم

األب أو األم أو النشغالهما بهموم توفير لقمة العيش أو غير ذلك

من األسباب.

كله إعادة النظر في توحيد اإلشراف على ويوجب هذا

التعليم األساسي، وإعطاء األولوية للتعليم الذي يؤهل الطالب

للتخصص في المجاالت العلمية التي يحتاجها سوق العمل

وتحتاجها بالدنا في األمد الطويل من أجل التقدم في الميادين

المعاصرة.

أن يضاف وهناك أنواع أخرى من اختطاف التعليم. فيمكن

إلى الجهات التي تختطفه بعد المرحلة الثانوية كليات المعلمين

التي تعد تطويرا لمعاهد المعلمين القديمة التي كان الغرض من

إنشائها سد حاجة التعليم من المدرسين في ظروف معينة. ومن

المعروف أن طالب كليات المعلمين ال يتلقون تعليما يماثل من

مه الجامعات لطالبها. وسبب ذلك أن حيث التحصيل ما تقد

معظم أعضاء هيئة التدريس فيها ليسوا من المؤهلين تأهيال

أكاديميا عاليا. ومع هذا تمارس وزارة التربية والتعليم تمييزا

التعليم

83

واضحا ضد خريجي الجامعات بإيثارها للمتخرجين في هذه

الكليات بوظائف التعليم. وينعكس هذا على مستوى التعليم

ويشهد الحال على أن من أكثر األسباب جوهرية في عموما.

ضعف التعليم في بالدنا أن معاهد المعلمين كانت، ومنذ أربعين

سنة، المصدر الرئيس الذي يأتي منه المعلمون.

وكانت هذه الكليات وال تزال مصدرا لكثير من األدلجة

الدينية؛ ذلك أن معظم "شيوخ الصحوة"، ومفسري األحالم

س ون فيها، وهو ما جعل كثيرا من خريجيها يتعرضون يدر

لمستويات عليا من الحشد اإليديولوجي الغالي.

وتسهم وزارة التربية والتعليم نفسها في اختطاف التعليم

باعتبارات أخرى. وقد سبق لي أن أشرت إلى أن من أهم

معوقات إرساء التعليم على أسس علمية متينة أن هذه الوزارة

ليم بمجمله توجيها إيديولوجيا خالل الخمسين سنة وجهت التع

الماضية.

كما أن كثيرا من النافذين الذين يرسمون سياسة التعليم في

الوزارة ينتمون إلى طبقة من اإليديولوجيين. وهو ما أدى إلى

صبغ التعليم عموما بصبغة إيديولوجية "جهادية" إعالمية.

ليم بعض المشرفين ويمكن أن يضم إلى قائمة مختطفي التع

هون المعلمين ويرسمون لهم معايير ما التربويين الذين يوج

يجب وما ال يجب. وغالبا ما يكون هذا التوجيه متلبسا

بإيديولوجيا خطابية غالية تهدف إلى رسم صورة نمطية للمعلم

المثالي ذات مؤهالت شكلية وسلوكية ليست بعيدة عن التطرف.

التعليم

84

ض المعلمين الذين يتخلون عن وظيفة وآخر المختطفين هم بع

التعليم ويتحولون إلى وعاظ، كما بينت في مقال سابق.

ومحصلة القول أنه ينبغي أن يراجع التعليم العام في بالدنا

مراجعة جذرية، ال من حيث المناهج وحدها التي كثر النقاش

بشأنها في اآلونة األخيرة، بل من حيث توحيد اإلشراف عليه

وتوجيهه نحو التخصصات التي تحتاجها البالد في كذلك،

المجاالت االقتصادية والطبية والصناعية والعلمية، وتوجيهه

في نهاية األمر نحو بناء شخصية مؤمنة جادة معتدلة تعلي من

قيم الجد والعمل وتؤمن بقيم المواطنة.

م.12/12/2223 /24/12/1424(، 1175* ال ط )

التعليم

85

حوار مع بيان

ائااة وساتة وخمسااون ماان العلمااء وأساااتذة الجامعااات وقاع م

بيانا بعنوان "بيان حول تغييار المنااهج فاي الساعودية"، ونشارته

أكثر المنتديات اإلنترنتياة. ويتضامن هاذا البياان معارضاة شاديدة

لاابعض اإلجااراءات التااي اتخااذتها الدولااة مااؤخرا، كاادمج تعلاايم

رات التاي أجرتهاا البنات بوزارة التربية والتعلايم، وبعاض التغييا

هذه الوزارة على المناهج الدينية.

ولهؤالء األفاضل الحق في أن يعلنوا ما يروناه وأن يادعوا

اآلخارين إلااى التعاضاد معهاام لتبنياه. وهااذا مان األساااليب المدنيااة

التي ينبغي أن يلجأ إليها من يريد الدفاع عن قضاية يهاتم بهاا فاي

ذه األساااليب ألنهااا المجتمعااات الحديثااة. ويجااب تشااجيع مثاال هاا

الباااديل األنساااب لألسااااليب األخااارى التاااي تتخاااذ العناااف وسااايلة

لإلعالن عن الرأي.

وفي مقابال هاذا يجاب أن يتمتاع اآلخارون باالحق نفساه فاي

التعبير عان آرائهام بالكيفياة نفساها فاي القضاية التاي يعارض لهاا

وليس باإلمكان تحليل كل ما في البيان؛ لذلك هذا البيان وغيرها.

سأكتفي باإلشارة إلى بعض ما فيه.

فتتصاال أولااى الملحوظااات عليااه بالمقدمااة التااي باادأ بهااا.

فهناااك تعااارض بااين بااين مااا يقولااه البيااان ومااا تهاادي إليااه بعااض

اآلياات الكريمااة التااي احااتج بهااا فاي المقدمااة. يقااول البيااان: "فااإن

أهاال الكتاااب ماان اليهااود والنصااارى، منااذ أن ظهاار دياان اإلسااالم

ليوم ـ وإلى أن يرث هللا األرض ومن عليها ـ حاالهم مساتمر إلى ا

التعليم

86

بالعداوة والمكر لإلسالم؛ إلخراج المسلمين من دينهم وإرجاعهم

كفارا بعد إيمانهم. . .".

وهذا قول حاسم يقضي بأن أهل الكتاب "جميعا" على هاذه

ين }ياا أيهاا الاذ الحال. لكن اآليات التاي احاتج بهاا تاوحي بغيار ذلاك:

م كاافرين وك م بعاد إيماانك د ن الذين أ وت وا الكتاب ير وا فريقا م ( 811)آمن وا إن ت طيع

م ، و: سورة آل عمران ان بعاد إيماانك ونك م م د ان أهال الكتااب لاو يار }ود كثيار م

ن عند فارا حسدا م وا حتاى ياأتي هللا ك ن بعد ما تبين له م الحق فاعف وا واصافح أنف سهم م

وماااان هناااااا ( سورة البقرة813) بأمره إن هللا على ك ل شيء قدير

فالااذين يعملااون علااى "إخااراج المساالمين ماان دياانهم وإرجاااعهم

أهل الكتاب "جميعا" بال "فرياق" مانهم كفارا بعد إيمانهم" ليسوا

أو "كثياار" ماانهم. ويعنااي هااذا أن أهاال الكتاااب ليسااوا سااواء فااي

عداوتهم للمسالمين. أماا قولاه تعاالى: "ولان ترضاى عناك اليهاود

وال النصااارى حتااى تتبااع ملااتهم" فااال ياادل علااى أنهاام "يعملااون"

علااى "إخااراج" المساالمين ماان دياانهم، باال علااى "رغبااة" غياار

معلنة.

مااا رد الفعاال الااذي أوصاات بااه اآليااات الكريمااة علااى هااذا أ

فيبينااه قولااه تعااالى "فاااعفوا واصاافحوا حتااى يااأتي هللا بااأمره".

ويعنااي هااذا أنااه ينبغااي للمساالمين أال ينساااقوا وراء الفتنااة التااي

يثيرهااا بعااض أهاال الكتاااب، باال يصاابروا ويتجاااوزوا عاان هااذه

التصرفات درءا لما هو أكبر من ذلك.

لمقدمااة اتهامااا واضااحا لاابعض المااواطنين بااأنهم وتتضاامن ا

طابور خامس يختاار ماواالة الكفاار علاى ماواالة المسالمين، وقاد

ل البياان بعاض اآلياات الكريماة علاى هاؤالء مان غيار تعياين. نز

التعليم

87

وهذا ماا يفاتح البااب واساعا التهاام كثيار مان الماواطنين الاذين ال

ويبدو أن هذا يشامل يتفقون مع موقعي البيان بأنهم من هذه الفئة.

الحكوماااة التاااي اتخاااذت بعاااض القااارارات التاااي أشااااروا إليهاااا

وموظفيهااا الااذين نفااذوا تلااك القاارارات، وكثياارا ماان المااواطنين

الااذين يخااالفون مااوقعي البيااان فااي مااا ياارون. وهااذه تهاام خطياارة

تخاارج ماان اإلسااالم، فهااي "تكفيريااة"، ويمكاان أن تكااون ذريعااة

لوها على من يؤياد اإلجاراءات الحكومياة لبعض المتحمسين لينز

ويخالف ما جاء في البيان.

ويرجع البياان مطالباة الوالياات المتحادة للمسالمين وحادهم

بتغيياار المناااهج إلااى سااببين أحاادهما "مااا فااي قلااوبهم ماان عااداء

لإلسااالم وأهلااه ألنااه الاادين الحااق". ويعنااي هااذا أن أمريكااا تااؤمن

ه من أجل ذلك. وهذا ال يخارج بأن اإلسالم هو الدين الحق فتعادي

عن كونه مغالطة، أو أنه تعبير غير مبين عن شيء آخر.

ومن المغالطات األخرى ما يقوله البيان مان أن "األعاداء"

لااان يرضاااوا باااالوقوف عناااد ماااا تحقاااق مااان مطاااالبهم إلاااى اآلن

وسيسااااتمرون فااااي المطالبااااة بااااالتغيير حتااااى تشااااتمل مناهجنااااا

الساالم إلاه وأن دولاة إسارائيل "صراحة" على أن المسايح علياه

مباركة وقيامها تحقيق لوعاد هللا إلباراهيم علياه الساالم. وال يبعاد

هذا عن كونه خطابا تهويليا قصده التجييش.

وماان أغاارب مااا فااي البيااان إرجاعااه العنااف فااي بالدنااا إلااى

"التاادخل الصااليبي" فيهااا أساسااا، ألن بالدنااا لاام تكاان تعاارف هااذه

"مع أن التربية الدينياة كانات أقاوى. . . ". الظاهرة. . . من قبل،

وهذا يخالف ما نعرفه من تاريخنا في الثمانين سنة الماضية.

التعليم

88

م للكاونجرس األمريكاي ويشير البيان إلى التقريار الاذي قاد

فاااي شاااعبان الماضاااي وقااارر "أن العاااداء ألمريكاااا وصااال إلاااى

مساااتويات مخيفااااة" ثاااام "وضااااع الحاااال: وهااااو تغيياااار السياسااااة

ياة تجااه العااالم والمسالمين خاصاة، والعماال لنازع أسااباب األمريك

الكراهيااة ماان نفااوس الشااعوب اإلسااالمية بانتهاااج سياسااة أكثاار

اعتداال!"، باإلضافة إلى "ما كتبه المفكرون والزعماء مانهم مان

نقد شديد لسياسة بالدهم المتغطرسة، وتحميلها مسؤولية ما تفااقم

وشعبا". في العالم كله من عداء ألمريكا حكومة

وهنا نتساءل: ألم يلفت هذا أنظار الموقعين إلى أن فاي هاذا

تصاديقا لقولاه تعاالى باأن أهال الكتااب ليساوا ساواء فاي عاداوتهم

للمساالمين. وأنااه يبااين أن بعااض المااواطنين األمااريكيين ينتقاادون

السياسة الخارجية لبالدهم ألنها تقوم على ظلم اآلخرين، ويرون

لعداء لها؟هذا سببا من أسباب ا

أال ياادعو هااذا الموقااف النبياال المااوقعين علااى البيااان إلااى

اكتشاااف أن العاادوان الااذي تمارسااه اإلدارة األمريكيااة الحاليااة ال

يمثل بطريقة آلية "كل" أهل الكتاب، وال األماريكيين جميعاا، بال

هااو ماان صاانع أصااحاب القاارار فااي الدولااة العظمااى الوحياادة فااي

العالم؟

المااوقعين إلااى العماال علااى مااد الجسااور بيننااا أال يادعو هااذا

وبااااين هااااذه األطياااااف األمريكيااااة المناوئااااة لغطرساااااة اإلدارة

األمريكية الحالية والتحالف معها لكبح جماح هذه اإلدارة سالميا،

بدال من وضع "أهل الكتاب" جميعا في سلة واحدة؟

التعليم

89

أال يدعوهم إلى أن يراجعوا العنف الذي يمارسه بعض منا

فااي كراهيااة العااالم لنااا؟ أال ياادعوهم إلااى اإلحساااس بمااا ويتساابب

يحس به اآلخرون الذين يقعون ضحية لما يمارسه بعضنا ؟

ومع شكوى البيان من الظلم الذي أوقعته الوالياات المتحادة

بالمسلمين إال أنه يقول: ". . . إن العاداوة باين الكفاار والمسالمين

ذا تحااريض واضااح ساانة كونيااة كمااا أنهااا فريضااة شاارعية". وهاا

لشبابنا لينخرطوا في معاداة العالم، ومان ذلاك الادول القوياة التاي

تسااتطيع إيقاااع األذى بنااا، وهااو اسااتجالب بااين لعااداوة اآلخاارين

ليبدأوا بنا قبل أن نبدأ بهم، وهو ما يشكو منه البيان.

لقااد كااان العاادل أولااى بااالموقعين علااى هااذا البيااان، وكااان

ا بمااا لاادينا ماان شااطط يتلاابس بالاادين القاايم األجاادر بهاام أن يعترفااو

وأول ضاحايا التوجاه وأن يعالجوا هذا الشطط كي نألف ونؤلف.

المتشدد الذي يعبر عنه هذا البيان ليس "الكفار" خاارج المملكاة،

باال بعااض المااواطنين السااعوديين الااذين ال يشاااركون المااوقعين

ههم. ويمثااال هاااؤالء األغلبياااة العظ ماااى مااان علاااى البياااان تاااوج

المواطنين السعوديين الذين ينتماون إلاى إماا إلاى طوائاف مسالمة

أخااارى، أو إلاااى تياااارات معتدلاااة، وذلاااك واضاااح مااان التميياااز

الصاااارخ فاااي البياااان باااين هاااذا التياااار واألطيااااف األخااارى فاااي

المجتمع السعودي.

ومااان األخطاااار التاااي يمكااان أن تااانجم عااان هاااذا البياااان،

الساعوديين ، دعوتاه إلاى عادم باإلضافة إلاى تصانيفه الماواطنين

طاعة ولي األمر، وذلك في قولاه: "نخاص المعلماين والمعلماات

بالتذكير بوجوب بيان العلم ونشره وعدم كتمانه وتبياان األصاول

التعليم

90

الثابتااة والعقائااد الراسااخة ماان مسااائل الااوالء والبااراء، وتكفياار

المشااااركين، والبااااراءة ماااانهم". ويعنااااي هااااذا دعااااوة المعلمااااين

لااى تاادريس مااا حذفتااه وزارة التربيااة والتعلاايم بااأمر والمعلمااات إ

ولي األمر. كذلك إشارته إلى "المحتسبين"، وهو ما يعناي حاض

األفراد على أخذ األمور بأيديهم.

ومااان األماااور الالفتاااة األخااارى اساااتعمال البياااان بعاااض

المصاااطلحات فاااي غيااار معناهاااا المعهاااود. ومااان ذلاااك مصاااطلح

حدة بمعناهاا الاذي يادل علاى األماة "األمة"؛ فقد استعملها مرة وا

اإلسااالمية بمجموعهااا. أمااا فااي المواضااع األخاارى، وهااي كثياارة

جدا، فينصرف معناها إلى مواطني المملكاة وحادهم، وربماا إلاى

الشريحة التي ينتمي إليها الموقعون فقط.

كما استعمل البيان مصاطلح "الكفار العاالمي" وهاي عباارة

طاباااات ابااان الدن. ومصاااطلح لااام أسااامعها مااان قبااال إال فاااي خ

"االستكبار" في وصاف أمريكاا، وهاو مان مصاطلحات الخميناي

المشهورة.

ويصااااف البيااااان بعااااض المااااواطنين بااااأنهم "مفساااادون"،

و"عاااااابثون"، وغيااااار ذلاااااك مااااان األوصااااااف. ويتحااااادث عااااان

"المجوس" و"الوثنيين"، وكاأن هنااك دوال يمكان تصانيفها بهاذا.

من في التشدد الذي ربما يؤصل وبالجملة فإن خطر هذا البيان يك

ع للممارساات التاي قاد تهادد األمان للتفرقة بين الماواطنين ويشار

الااوطني. وهااو يقااف بقااوة فااي وجااه اإلجااراءات الحكوميااة التااي

تسعى إلى إصالح التعليم.

التعليم

91

إننااا بحاجااة إلااى تكثيااف التعلاايم الااديني فااي مناهجنااا؛ لكاان

يااة مؤمنااة يجااب أن يكااون مقصاادنا ماان ذلااك بناااء شخصااية وطن

متسامحة ال شخصية مأزومة تمارس العناف وتصانيف اآلخارين

تمهيدا الحتقارهم والعدوان عليهم.

م2/1/2224 /16/11/1424( 1196* ال ط )العدد

التعليم

92

وقفة أخرى مع البيان

ومن أهم فقرات البيان الذي وقعه مائة وستة وخمسون مان

تغيياار المناااهج العلماااء وأساااتذة الجامعااات بعنااوان "بيااان حااول

اها:"أن حاذف وتشاويه ماا السعودية" الفقارة الثانياة عشارة، ونص

كتبه علماء اإلسالم وأئمة الدعوة، من كتب ظهرت بركتهاا وعام

نفعها ألجيال متعاقبة، يأتي عكس التوجه الذي تنادي إلياه الدولاة

وتحتاجاه أشااد الحاجااة، وهااو تثبيات الااوالء بمقتضااى العقياادة. باال

ة لألساااس الااذي قااام عليااه هااذا الكيااان، وتوحاادت ذلااك هاازة عنيفاا

عليااه أقاليمااه وقبائلااه، واعتااراف ضاامني بمااا يااردده الخرافيااون

والمستشرقون وغيرهم مان أعاداء الادعوة التجديدياة، مان كونهاا

حركة غلو مخالفة إلجمااع المسالمين. والنتيجاة المباشارة عنادهم

كال ماا قاام أن يكون هذا الكيان قد قام وتوحد على أساس باطال و

على باطل فهو باطل وال يصح االنتماء إليه وال الوالء لاه. وهاذا

ما يريده األعداء ويساعون إلاى تحقيقاه. وفقاد ذلاك ال يعوضاه ماا

تحاولااه المؤسسااات اإلعالميااة والتربويااة ماان باادائل وشااعارات،

مثل تنمياة الاروح الوطنياة، والساعودة، وإحيااء الاذكريات بطاابع

ين. فلم يرفع هذه البالد تراث وال تراب، سياسي مفصول عن الد

وتبدو هذه الفقرة كأنها تحذير وإنما علت باإلسالم واإليمان".

للدولااة ماان أن أي تغيياار، خاصااة فااي المناااهج، سينشااأ عنااه ناازع

الشرعية عنها.

وهاي تمثال أساوأ دفااع عان الادعوة التجديدياة؛ فهاي إقاارار

لهاا؛ كادعاائهم ضمني ببعض االتهامات التاي يوجههاا خصاومها

بأنهاااا تختااازل اإلساااالم فاااي قضاااايا معااادودة ثااام تصااانف النااااس

التعليم

93

بمقتضاااها، وأنهااا تعااد نفسااها "الاادين" الحااق ومااا عااداها خااروج

عليه.

كما تمثل إقرارا ضمنيا آخر باتهام خصوم الدعوة لها بأنها

تنتقي من هدي السلف ما يناسبها وتترك ما ال يعجبها منه.

لفقاااارة الدولاااة باالنحياااااز إلااااى الاااادعوة فتخاااالف مطالبااااة ا

ه التجديديااة مواقااف الساالف ماان مسااألة فاارض تفسااير واحااد وعااد

التفساااير الصاااحيح الوحياااد لإلساااالم. كماااا تكشاااف عااان افتقاااار

الموقعين على البيان إلى الحس التاريخي بماا نجام عان مثال هاذه

المحاوالت من مآس في الماضي.

فااة مااا تطالااب بااه الفقاارة وماان أهاام األمثلااة التااي تبااين مخال

لهدي السلف الموقف الذي اتخذه إمام دار الهجرة مالاك بان أناس

رحمااه هللا فاااي هاااذا الشاااأن؛ وال شاااك أن الماااوقعين علاااى البياااان

يعدونه من السلف الصالح الواجب اتباعهم واالقتداء بهم.

( أن أبا جعفار 468، ص5فقد أورد ابن سعد في طبقاته )ج

لازام النااس بموطاأ اإلماام مالاك وتارك ماا المنصور عازم علاى إ

ساواه، لكاان مالاك قااال لااه: "ياا أمياار المااؤمنين ال تفعال هااذا، فااإن

الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحادياث، ورووا رواياات،

وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعلموا به، وداناوا باه مان اخاتالف

، فاادع الناااس الناااس وغياارهم، وإن ردهاام عمااا قااد اعتقاادوه شااديد

وما هم عليه، واختار كل أهل بلد منهم ألنفسهم. فقال: لعمري لو

طاوعتني على ذلك ألمرت به".

التعليم

94

ويبين هذا الخبر أن هذا اإلمام العظيم لم يارض باأن يحمال

الخليفة المسلمين على مذهبه، بل رأى تركهم يختارون ألنفساهم.

هنااك تناقضاا باين وهنا نسأل: أال يلحظ الموقعون على البيان أن

إجالل السلف واالنتماء إليهم ومخالفة هديهم بإلزام الناس جميعاا

برأي واحد؟

ويزخااار التااااريخ اإلساااالمي بأخباااار الماااذابح والفاااتن التاااي

نجماات عاان تبنااي مااذهب معااين علااى حساااب المااذاهب األخاارى.

ومن األمثلة البارزة التي يعرفها الموقعون علاى البياان ماا حادث

ناااى الخليفاااة الماااأمون رأي المعتزلاااة فاااي مساااألة خلاااق نتيجاااة لتب

القرآن. فقاد ناتج عان ذلاك فتناة اساتمرت زمناا وراح ضاحية لهاا

كثير من المسلمين. وكان اإلماام أحماد بان حنبال رحماه هللا ممان

تعارض لااألذى والحاابس والتهدياد بالقتاال ألنااه لام يكاان ياارى رأي

حمال المسالمين وحين انقلبت الحال في عهد المتوكال و المعتزلة.

علااى رأي الحنابلااة فاااي هااذه المساااألة حاادثت فتناااة أخاارى كاااان

ضحيتها كثير من الذين ال يرون رأي الحنابلة.

ويشاااهد التااااريخ اإلساااالمي، خاصاااة فاااي القااارون الثالثاااة

األولى المفضلة، بأن حكاام المسالمين لام يفرضاوا عموماا ماذهبا

ررون مااا واحاادا علااى الناااس؛ باال تركااوا العلماااء يجتهاادون ويقاا

تهديه إليه اجتهاداتهم، وتركاوا المسالمين يتبعاون مان شااؤوا مان

أولئااك المجتهاادين، وهااو مااا أنااتج غنااى هااائال فااي االجتهااادات

الفقهية والفكرية.

وكانت الدعوة التجديدية نفساها ضاحية فاي بعاض الفتارات

لمثاال هااذا اإلقصاااء، ونااال علماءهااا بساابب ذلااك كثياار ماان األذى

التعليم

95

ومن ذلك قتل طوسون باشا لبعض علمائهاا ونفاي والقتل والنفي.

بعض منهم إلى مصر وتركيا بعاد قضاائه علاى الدولاة الساعودية

األولااى. وكااذلك صااد حكااام مكااة للنجااديين عاان الحااج فااي بعااض

الساانين، وكااان آخرهااا قباال دخااول الملااك عبااد العزيااز رحمااه هللا

الحجاز، وذلك بسبب تبني العثماانيين وأشاراف مكاة وجهاة نظار

تقصي االجتهادات النجدية وتراها مخالفة إلجماع المسلمين.

وقااد اشااتكى أتباااع الاادعوة التجديديااة بماارارة ماان مثاال هااذا

اإلقصاء؛ وهو ما يوجب عليهم أن يكوناوا أولاى النااس بالشاعور

بمرارة الظلم الذي يقع على اآلخارين بسابب إقصااء االجتهاادات

أولااى الناااس باالمتناااع اإلسااالمية األخاارى بسااببهم، وأن يكونااوا

عن ممارسة ما كانوا ضحاياه من قبل.

أما القاول باأن شارعية الدولاة الساعودية تتوقاف علاى تبناي

هذه الدعوة وإقصاء ما عداها فقول مردود. بل ربماا يكاون تبناي

الدولااة فااي الوقاات الحاضاار لتفسااير معااين لإلسااالم علااى حساااب

ح المجتمع السعودي التفسيرات األخرى التي تعتنقها بعض شرائ

سببا في عواقب ال نريدها لوطننا.

صااحيح أن الاادعوة التجديديااة كاناات الرسااالة التااي انتهجهااا

الملااك عبااد العزيااز لجمااع الناااس فااي كيااان واحااد أثناااء توحيااد

المملكاااة؛ لكااان اساااتمرار هاااذه الااادعوة بهاااذه الااادور بعاااد مرحلاااة

ت المجتماع التأسيس كان سببا في وضع العراقيل أمام اندماج فئاا

السااعودي المتنااوع مااذهبيا والمتعاادد إقليميااا. ولاام تسااتطع الجهااود

الكبيرة التي باذلتها الدولاة تحقياق هاذا االنادماج بشاكل كامال ألن

التعليم

96

كثيرا من المواطنين يارون أن هاذا االنادماج يعناي القضااء علاى

انتماءاتهم المذهبية.

يااة أمااا شاارعية الدولااة السااعودية فأساسااها الشاارعية التاريخ

التااي يتمتااع بهااا البياات السااعودي الكااريم طااوال القاارون الثالثااة

الماضية؛ فقد كان البيت الحاكم الوحيد في الجزيرة العربية الذي

كان يطمح إلى توحيد أوصال الجزيرة العربياة فاي دولاة واحادة.

ولاام يثنااه عاان هااذا الطمااوح العاادوان الخااارجي الااذي تساابب فااي

ذ اساتطاع اإلماام المؤساس الملاك عباد إخفاق هذا الحلم مارتين؛ إ

العزيز رحمه هللا تحقيق هذا الحلم مرة أخرى.

فتساااتمد الدولاااة الساااعودية شااارعيتها اآلن مااان هاااذا العماااق

التاريخي، ومن اعتاراف الماواطنين الساعوديين جميعاا باإلنجااز

غير المسبوق الذي حققه الملك عبد العزيز في لام شامل أطاراف

ئية المتناحرة وسبكها في كياان سياساي واحاد، هذه المناطق المتنا

ومن والئهم المطلق لهذا الكيان وقيادته الناظمة لوحدته. وتساتمد

شرعيتها الدينية مان وجاود الحارمين الشاريفين فيهاا. كماا تساتمد

شرعيتها مان اإلنجاازات اإلنمائياة الكبارى التاي حققتهاا وحولات

التعلااايم بهاااا الصاااحراء القاحلاااة إلاااى وطااان حاااديث نااااهض فاااي

واالقتصاد والعمران. ويعني هذا أن شارعية الدولاة الساعودية ال

تتوقف على تبنيها تفسايرا معيناا واحادا لإلساالم، كماا تازعم هاذه

الفقرة من البيان؛ بل إن تبني هذا التفساير المعاين ونفاي ماا عاداه

ومان أهام األساباب التاي ربما يمثل خطرا على الوحدة الوطنية.

ثار تياار واحاد بتمثيال اإلساالم فاي المملكاة اآلن توجب عدم استئ

أن الدولة الحديثة تتميز بأنها دولة لكال مواطنيهاا دون تميياز فاي

اللون أو العرق أو الدين.

التعليم

97

وال يفاااوتني هناااا تساااجيل ماااا لحظتاااه خاااالل اللقااااء الثااااني

للحوار الوطني الذي عقد قبل أيام في مكة المكرمة. فقد كان مان

وحدة متحققة فعال بين األطيااف المتعاددة التاي الواضح أن هناك

يتكاااون منهاااا المجتماااع الساااعودي. ومااان أهااام مظاهرهاااا علاااى

المسااااتوى الرماااازي أن المشاااااركين علااااى اخااااتالف انتماااااءاتهم

المذهبية والفكرياة كاانوا يرتادون "الازي" الساعودي المعاروف؛

ولاام يشااذ عاان هااذا التوحااد الرماازي إال الرمااوز الدينيااة للمااذاهب

تلفاااة: فقاااد كاااان زي الشااايخ الشااايعي يختلاااف عااان الشاااارات المخ

المميزة للشيخ السلفي وكاذلك الشايخ الصاوفي الاذي يختلاف عان

االثنين. ويعني هذا كله أن هنااك اآلن درجاة عالياة مان التجاانس

والوحدة بين األطياف التي يتكاون منهاا المجتماع الساعودي علاى

هاذا المجتماع مان الرغم من التنوع المذهبي والفكاري، وإذا سالم

محااوالت التياارات الدينياة المختلفااة لتقسايمه بحساب االنتماااءات

المذهبية فإنه شعب تحققت له درجة عالية من الوحدة واالنساجام

على مدى العقود التسعة الماضية.

وخالصة القول أن التحذير الاذي تنطاوي علياه هاذه الفقارة

ا لالقصااااء الاااذي للدولاااة مااان التغييااار ال يعااادو أن يكاااون تعزياااز

يتعااارض لاااه بعاااض الماااواطنين مااان حياااث االنتمااااء الماااذهبي

والفكري خصوصاا. كماا أن هاذه الفقارة ال تشاذ عان ماا اتسام باه

البيان كله من تهويل ومبالغات وتشدد.

م15/1/2224 /23/11/1424( 1223* ال ط )العدد

التعليم

98

أدب الخطاب

تور علي تفضل الزمالء: الدكتور عبد العزيز العمر والدك

العفنان والدكتور يوسف الجبر والدكتور محمد عبد هللا نور

بالتعقيب في جريدة "الوطن" على مقالي "اختطاف التعليم"

(. وتركزت 1175 الذي كانت هذه الجريدة قد نشرته ) العدد

تعقيبات هؤالء اإلخوة على ما عرض له المقال عن كليات

ت أبلغ تعبير عن ما المعلمين بخاصة. وعبرت تلك التعقيبا

يتحلى به هؤالء الزمالء من مهنية عالية وأخالق رفيعة

وحرص على االهتمام بالقضية موضع النقاش بدال من اغتنام

الفرصة لالنتقام أو اإلساءة إلى أحد.

وليس من قبيل تقارض الثناء أن أقول إن هؤالء الزمالء

الدفاع عن نجحوا إلى درجة عالية وبمهارة وقدرة وكفاءة في

المؤسسات التعليمية التي ينتمون إليها. وال أخفي أنني تعلمت

من تعقيباتهم أمورا كثيرة عن هذه المؤسسات. ومن أهم ما

تعلمته عنها أن القائمين عليها يلحظون بعض الملحوظات التي

أشرت إليها وأنهم يخططون ويعملون على عالج أوجه النقص

فيها.

هذه التعقيبات، باإلضافة إلى والقصد من اإلشارة إلى

التنويه بمستواها الراقي وإضافاتها المعرفية، التأكيد على أن

بإمكان المرء أن يدافع عن وجهة نظره بأقصى ما يستطيعه من

الصراحة والصرامة وأن يحافظ في الوقت نفسه على مستوى

الئق من القول يحفظ للمناظر كرامته.

التعليم

99

بات بما كتبه الشيخ خالد بن أقول هذا ألقارن هذه التعقي

عبد الرحمن الشايع بعنوان "تعقيبا على أفكار د. المزيني

وانتصارا للشيخ محمد بن إبراهيم"، وهو مقال نشره الشيخ

الشايع في أحد المنتديات اإلنترنتية وانتشر منه إلى عدد من

المنتديات األخرى، و"اإلسالمية" منها بخاصة، وذيل بتعقيبات

من مؤيديه.كثيرة

ومن أبرز ما اتصف به ذلك المقال قيامه على معجم غني

بالشتائم إلى حد غير مألوف. ذلك مع أنه لم يتناول أيا من

القضايا التي جاءت في مقال "اختطاف التعليم" بالنقاش

الموضوعي. فقد اكتفى بدال من ذلك بحشد كم كبير من

كبير من التهم الجارحة، المفردات والتعبيرات غير الالئقة، وكم

وكم كبير آخر من أمثلة عدم الفهم لما تضمنه المقال من أفكار.

وأصدق القارئ القول أني ال أجرؤ على إيراد أكثر الجمل

التي تضمنها مقال الشيخ الشايع تعففا عن أن تجري ألفاظه

وتعبيراته غير الالئقة على قلمي أو لساني وحرجا من أن تصدم

اء هذه الصحيفة المحترمة. وسأكتفي باإلشارة إلى ذائقة قر

بعض مواطن عدم فهمه لما كتبته وبعض التهم التي ألقاها

جزافا تأسيسا على فهمه غير الصحيح.

وأول ما أشير إليه قوله في عنوان مقاله إنه انتصار للشيخ

محمد بن إبراهيم رحمه هللا. وأنا لم أتكلم عن ذلك الشيخ الجليل

أو بعيد؛ لكن الشيخ الشايع أبعد النجعة لي لزمني بما ال من قريب

يلزم نتيجة لسوء ظنه بي، أو لعدم قدرته على التحاور مع

المقال. كما اتهمني بأني تطاولت على الشيوخ الفضالء الذين

تعاقبوا على إدارة الرئاسة العامة لتعليم البنات، وأنا لم أتعرض

التعليم

100

منصبا على بعض السياسات ألحد منهم باسمه، بل كان كالمي

التي اتخذت طوال العقود الماضية في ذلك المرفق.

وال يبعد هذا التلبيس عن كونه اتهاما يقصد منه استعداء

، وإيغارا لصدور القراء بغية تصنيفي في قائمة من الناس علي

ي تقرب إلى هللا تعالى بمعاداتهم، وربما تجاوز ذلك إلى المطالبة

االعتبار لمن تهجمت عليه، كما يزعم. بمحاكمتي لرد

وكم كان حريا بالشيخ الشايع أن يلتزم بما قاله هو نفسه

في ذلك المقال: "لقد آن األوان ألن تجعل األمور في نصابها

الصحيح، وأن يتعلم كل كاتب حقيقة حرية الكلمة، وأنها ال تعني

في بأي حال من األحوال التهجم على أحد من الناس واإلسفاف

حقه. . .".

ومن أوجه التلبيس في مقال الشيخ الشايع قوله: "ولم تخف

في المقال لهجة المتحامل على الصبغة الدينية للتعليم في

المملكة. . . "، وقوله: "فلم يكن خليقا به، وهو كاتب مسلم أن

يقف موقف المتهجم الساخر من مظاهر التعليم الديني في

مت على ". . . ذوي الهيئات المملكة"، وقوله إنني تهج

والوجهاء من المسؤولين وأولي األمر". وهي اتهامات ال يمكنه

التدليل عليها من مقالي أبدا.

كما اتهمني بأني ألمز مدارس القرآن والمعاهد العلمية

بجامعة اإلمام، وأني أحتقر الطالب فيها ألنهم من أبناء الفقراء

أو سكنى القرى عيب أو وأبناء القرى: "وكأن الفقر عند)ي(

عار"، وأنني أتضجر من مسلك الحشمة في تعليم البنات، وأنني

التعليم

101

أريدهن "راقصات أو مغنيات أو سالكات لمسالك اإلسفاف

واالنحراف".

وأمام هذه االتهامات المجانية المجانبة للصواب النابعة من

الفهم غير السليم أو الغرض المبيت ال يسعني إال أن أقول: ليت

شعري كيف يكون بمقدور الشيخ الشايع فهم النصوص القرآنية

الكريمة واألحاديث النبوية الشريفة وكتب العلماء، وهي

نصوص على قدر عال من اإلحكام األسلوبي، وهو لم يستطع

أن يفهم كالما عاديا في مقال صحفي؟

أما التعقيبات المؤيدة التي ظفر بها مقال الشيخ الشايع في

ات اإلنترنتية فال تختلف عنه في اللغة غير الالئقة المنتدي

واالتهامات الباطلة التي ال تستند إلى دليل، بل إن بعضها تجاوز

ذلك إلى التهديد والوعيد.

ومن المؤسف أن هذه اللغة التي تبعد عن آداب القول

صارت أمرا مألوفا وطبيعيا عند كثير من المشاركين في النقاش

نترنتية، و"اإلسالمية" منها خصوصا، أو عند في المنتديات اإل

الذين يستخدمون الهاتف في االتصال بمن ال يرضون عنه من

الكتاب "لإلنكار" عليهم. ولم تستخدم هذه اللغة ضد بعض

الكتاب الذين ال يروقون لرواد هذه المنتديات فحسب؛ بل إنها

ين تجاوزت هؤالء لتصيب بشررها كثيرا من العلماء المرموق

في بالدنا.

ومن الغرابة بمكان أن يجرؤ بعض المنتسبين إلى العلم

الشرعي الذين يجري على ألسنتهم كالم هللا تعالى وكالم نبيه

صلى هللا عليه وسلم صباح مساء على إطالق العنان أللسنتهم

التعليم

102

ليجري عليها بغير حق ما يؤذي إخوانهم من المسلمين كالكالم

عني. الذي صدر عن الشيخ الشايع

وكان األجدر بالشيخ الشايع، وأمثاله، أن يكونوا قدوة

لغيرهم في حسن القول وآداب الخطاب بدال من أن يكونوا سببا

في إشاعة هذه الطريقة البعيدة جدا عن موازين العدل

واإلنصاف والموضوعية.

واستعمال مثل هذا األسلوب الخارج عن اإلنصاف ليس

فهناك كثير من الكتاب الذين مقصورا على الشيخ الشايع؛

يجدون في بعض المنتديات مجاال رحبا لتوزيع االتهامات

الباطلة على عباد هللا يمينا وشماال، وهي اتهامات ال تصدر إال

عن خطل في القول وقصور في الفهم وإصرار مسبق على

سوء الظن والتجريم بغير بينة. وال يحسن هؤالء إال البحث عن

رة الزوابع، ويبدو أنهم تخصصوا في انتهاج الصراعات وإثا

مثل هذه األساليب التي تستثير العداوة وتوغر الصدور وال تفيد

القارئ؛ بل ربما كانت مصدرا لنشر ثقافة تقوم على االنتقام

واألذى بدال من التنوير والتثقيف الذي يقوم على الصراحة في

النقاش والعفة في اللغة.

ساليب مؤشر على العجز عن ضبط إن انتهاج مثل هذه األ

النفس وعدم القدرة على إحكام االحتجاج أو أنه دليل على

االنسياق وراء الهوى الذي يغري من يفتقر إلى الحجة في المقام

األول.

التعليم

103

وتجب اإلشارة هنا إلى أننا في المملكة العربية السعودية

. نمر اآلن بفترة شعارها الحوار بين وجهات النظر المختلفة

ويوجب هذا علينا جميعا لكي نرتقي بمستوى هذا الحوار أن

نطور بعض األساليب اللغوية التي يمكن أن تسهم في إثرائه.

ومن أهم ما يجب أن تتحلى به هذه األساليب قيامها على الحجاج

المحكم والقدرة على التعبير المؤدي مع البراعة في اختيار

ر الحوار وال تقف في التعبيرات التي تضيء وال ت حرق وت طو

وجهه، وتوخي الموضوعية قبل ذلك وبعده.

م29/1/2224 /7/12/1424( 1217*ال ط )العدد

احتجاج ال يستقيم

من أهم الحجج التي تساق ضد المطالبة بتطوير المناهج

الدينية في التعليم العام أن مناهج الكيمياء والفيزياء والعلوم

ه حجة صحيحة من حيث المبدأ ألن بعامة أحق بالتغيير. وهذ

هذه المناهج بوضعها الحالي تعاني من قصور متعدد األنواع.

لكن هذا االحتجاج نفسه يغفل عن حقيقة أخرى أكثر أهمية

، فعال، ووضوحا وهي أن المناهج الدينية بشكلها الحالي تصد

ع للعداء له، عن العلم الحديث وتشكك في منجزاته، وتشر

لهذا أن يضع أكبر العوائق في سبيل تطوير المناهج ويمكن

العلمية نفسها. وتكفي إطاللة عابرة على كتاب التوحيد للسنة

األولى الثانوية في التدليل على هذه الحقيقة.

ويجب القول بدءا أن المشكل ال يكمن في ما يتضمنه هذا

ي الكتاب عن مسألة إخالص التوحيد هلل تعالى ومقتضياته، وال ف

اآليات القرآنية الكريمة واألحاديث الشريفة التي يستدل بها على

التعليم

104

ذلك. بل يكمن في شرح المؤلف لتلك النصوص الكريمة، وفي

النقول التي يوردها من أقوال العلماء المتقدمين؛ وكالهما

يؤصالن للعداء للعلم الحديث بكيفيات مختلفة.

ف ال وتشهد هذه الشروح والنقول بمجموعها أن المؤل

يعرف ما يكفي عن التفسيرات العلمية الحديثة للظواهر الكونية

التي يوردها للتدليل على عظمة هللا ووحدانيته، بل يبدو أنه غير

مطلع حتى على الجهود في مجال ما يسمى بـ "اإلعجاز العلمي

في القرآن" التي تصرف عليها بعض المؤسسات السعودية

عاء بأن النظريات العلمية الحديثة أمواال طائلة، وتقوم على االد

كلها موجودة في القرآن الكريم.

ويمكن أن نكتشف بسهولة تلك الكيفيات التي تصد بها

شروح المؤلف والنقول التي يأتي بها في هذا المقرر عن العلم

الحديث، وتشكك فيه، وتعادي المنجزات العلمية الحديثة.

ه الطالب في هذه المرحلة فتصادم هذه الشروح والنقول ما يعرف

الدراسية من العلوم الحديثة ويمكن أن تمنعه من الوثوق بما

يدرسه في مقررات المواد الطبيعية والكيمايئية واألحيائية التي

تفسر كثيرا من الظواهر الكونية عن طريق تبيين القوانين

الطبيعية التي تحكمها، ويمكن أن توقعه في الحرج الديني.

لة على ذلك أن المؤلف يرى أن ربط الظواهر ومن األد

الكونية بأسبابها الطبيعية ال يجوز حتى على سبيل المجاز، مثل

". . .نسبة نزول األمطار إلى المناخات والمنخفضات الجوية. .

(: "النوع الثاني: أن ينسبها إلى غير هللا 44.". ويقول )ص

ال هللا وحده فهذا مجازا وتساهال في التعبير مع اعتقاده أنها أفع

التعليم

105

محرم وشرك أصغر، وكفر أصغر ال يخرج عن الملة، ألنه لم

يعتقد تأثير النوء بإنزال المطر فيكون من كفر النعم لعدم نسبتها

إلى الذي أنعم بها".

دا حقا، أن ويعني هذا أن على الطالب، لكي يكون موح

م في يرفض ربط نزول المطر، مثال، بالقوانين الطبيعية التي يعل

المواد العلمية األخرى أنها وراء انضباط هذه الظواهر الكونية.

فيجب عليه أن ينكرها وينكر صحتها، بل يجب عليه، حتى إن

لم ينكر صحتها، أن ينكر اطرادها، ذلك أن ربط هذه الظواهر

الكونية بأسباب علمية يمكن معرفتها إنما هو "كفر باهلل". هذا

يعتقد بأن هذه القوانين تحكم هذه مع أنه يمكن للمسلم أن

الظواهر بأمر هللا. وهو ما يعني أن معرفتنا بها معرفة علمية

دقيقة تعيننا على اكتشاف قدرة هللا وحكيم صنعه وتمكننا في

الوقت نفسه من تفسير هذه الظواهر تفسيرا علميا معقوال.

وال يجد المؤلف حرجا في االستشهاد بأقوال ابن القيم على

راهين الدالة على بديع صنع هللا؛ مع أن كالم ابن القيم الب

يتضمن أمورا تناقض معرفة الطالب العلمية في هذه السن. ومن

( إلى أن األرض "واقفة ساكنة"، أما 32ذلك إشارته )ص

الطالب فيعرف أنها ليست كذلك، وأنها تدور حول نفسها وحول

أن كالم الشمس. ويكمن الخطر في إمكان استخالص الطالب

ابن القيم في هذه المسألة هو الحق، وأن ما يقوله العلم الحديث

باطل.

وفي نقاش المؤلف للطبائعيين والقائلين بالصدفة ". .

.الذين ينكرون وجود الخالق وينسبون وجود األشياء إلى

التعليم

106

( يتحدث عن هذه القضايا مستخدما حجج 40الطبيعة. . .")ص

المنطقية، ويشمل ذلك المتكلمين القدماء ومصطلحاتهم

تصوراتهم عن تركيب المادة وخصائصها ". . . من حرارة

(. 42ـ41وبرودة ورطوبة ويبوسة ومالسة وخشونة" )ص ص

وهو ما يخالف ما يتعلمه الطالب في هذه السنة عن المكونات

الذرية للمادة وعن "الجدول الدوري" للعناصر الكيميائية

التي تحكم تفاعل هذه العناصر. والقوانين الطبيعية والكيميائية

وعند حديثه عن الدعوة إلى تأمل عظمة خلق هللا للسماء

( يتصور السماء بالمفاهيم القديمة، بل إن بنية السماء 33)ص

نفسها التي يصورها كالمه ال تتماثل مع بنية "السماء" كما

يعرفها الطالب في هذه السن. فيعرف الطالب أن ما نراه من

على هيئة قبة زرقاء ال يعدو أن يكون ظاهرة من "السماء"

ظواهر تشتت أشعة الشمس في الغالف الغازي لألرض، وهي

التي تخدع البصر فيظن أنها سقف يماثل سقف البيت الذي

يسكنه وأن النجوم تشبه المصابيح المعلقة في سقف هذا البيت.

أما الطالب فيعرف أن هذه النجوم وحدات كونية كبرى تسبح

ي مدارات محددة في الفضاء الكوني الفسيح وأن بعضها ف

"مات" منذ ماليين السنين ونحن ال نرى إال ضوءها فقط بعد

( إلى "السفن الفضائية 33فنائها. كما أن إشارة المؤلف )ص

والطائرات الفخمة. . . " التي تحلق في الفضاء ودعوته إلى

باب ظاهرة تأمل قدرة هللا على حفظها من السقوط من غير أس

تغفالن التفسير العلمي الذي يقول إنها تحلق بموجب قانون

الجاذبية، وهو قانون طبيعي يدرسه الطالب في مادة الطبيعة.

التعليم

107

وال يبين المؤلف للطالب الكيفية التي يجب أن يكون عليها

التعبير عن اإلعجاب ببديع صنع هللا، وكأنه يدعوه إلى أن يقلب

الكونية فاغرا فاه مرددا عبارات بصره في هذه الظواهر

اإلعجاب من غير أن يعرف األسباب التي تجعل هذه الظواهر

على الحال التي هي عليها من حيث بنيتها الطبيعية والقوانين

الطبيعية الدقيقة التي تعمل بموجبها وتجعلها على هذا النحو

الالفت األخاذ.

وص ،35، وص32ويورد المؤلف أقوال ابن القيم ) ص

( كأنها كالم مقنع في الداللة على انضباط الكون، مع أن 37

القارئ العادي في الوقت الحاضر ينظر إلى تلك األقوال على

أنها ملحوظات سطحية غير علمية، بل ساذجة، في تفسير هذه

الظواهر. وكان األجدر بالمؤلف أن يستشهد باالكتشفات العلمية

روس الفيزياء والكيمياء الهائلة التي يعرفها الطالب في د

واألحياء، وهي التي تدل جميعها على أن الكون يعمل بموجب

قوانين طبيعية منضبطة يمكن فهمها والتعبير عنها بدقة، ثم

يربط ذلك كله باهلل تعالى.

( عن خلق اإلنسان؛ مع 37ويكتفي بما يقوله ابن القيم )

لتي تحكم أن الطالب يعرف في هذه السن كثيرا من القوانين ا

عملية الخلق والتوالد، وهي تخالف بعض األفكار القديمة

الخاطئة التي يتضمنها نص ابن القيم.

ويذهب مؤلف الكتاب بعيدا في عدائه للعلم الحديث فيرى

أن بعض مظاهر هذا االنضباط الكوني ليست نتيجة للقوانين

الطبيعية بل من تدبير المالئكة، فيقول: ". . .ومنهم )أي

التعليم

108

لمالئكة( الموكلون بالرياح والسحاب والنبات. . .". وهو اعتقاد ا

رنا بالتصورات التي ينكر وجود القوانين الطبيعية. وهو ما يذك

كانت شائعة قبل الثورات العلمية الكبرى خالل القرون الثالثة

الماضية، ومضمونها أن سلوك الكائنات المالحظ، حتى الجامد

رواح فيها. مع أن تفسير هذه الظواهر منها، ناتج عن تحكم األ

بالقوانين الطبيعة ال يخرجها عن كونها محكومة بأمر هللا.

ومحصلة القول أن شروح المؤلف والنقول التي يأتي بها

في هذا المقرر ال تنتسب إلى المعرفة العلمية الحديثة، وال تعين

ات الطالب على الربط بين ما يدرسه فيه وما يتعلمه في المقرر

العلمية األخرى؛ بل يمكن أن تكون سببا في استهانته بالدراسة

العلمية والشك في نتائجها وعدائه لها خوفا من أن تكون سببا

إلى الشرك أو الكفر.

ويتبين من هذا أن الحجة التي تورد دائما في معارضة

تغيير المناهج الدينية وتصاغ على أنها بمثابة وعي جوهري

لتي يشكو منها التعليم العام وتتمثل في القول بالمشكالت ا

لية إلصالح المناهج العلمية ال تزيد عن بضرورة إيالء األو

كونها مغالطة يتوسل بها لصرف النظر عن إصالح المناهج

الدينية التي تحتاج إلى إصالحات جذرية ألسباب متعددة. ومن

اسة أهمها التخلص من التصورات القديمة التي تعادي الدر

العلمية للظواهر الكونية. باإلضافة إلى المآخذ التي بينها

األستاذان إبراهيم السكران وعبد العزيز القاسم في بحثهما

المشهور عن مقرر التوحيد في التعليم العام، وهي المآخذ التي

تؤصل لكثير من أوجه الشطط التي ربما كانت وراء الغلو الذي

م عالقاتنا باآلخرين. يتخلل نسيج ثقافتنا ويؤز

التعليم

109

م12/2/2224 /21/12/1424( 1232* ال ط )العدد

الشيخ سلمان العودة

الشاهد والناصح

والعلم اإلسالمكتب الشيخ سلمان العودة مقاال بعنوان "

24/12/1424 (،11462)العدد" في جريدة الجزيرة المادي

هـ. وبدأه بقوله:

والشابات في أكثر من حالة عن بعض الشباب سمعت"

وجامعتنا العلمية؛ كالطب والهندسة وغيرها تركوا كلياتنا،

عندهم أنها: علوم دنيوية، ال والسببدراستهم وزهدوا فيها!

أعنة صرفواتنفع في اآلخرة، وأنها وبال عليهم، وأنهم لو

مما أضاعوا الدراسة إلى العلوم الشرعية؛ لكان أجدى وأولى

إلخوة بنوا قناعاتهم على تصور هؤالء ا وكأن العمر فيه!!

مع الشرع في تتعارضمؤداه أن العلوم الدنيوية أو التقنية

دراستها، وأنها تتقاطع مع االلتزام والقرب من هللا عز وجل، أو

ليست مطلوبة شرعا، وال يلحق األمة ـ على أقل تقدير ـ أنها

."بتركها إثم وال مالمة

شيخ العودة بعد ثالثة ومن الصدف الحسنة أن يأتي مقال ال

أيام من نشر جريدة "الوطن" مقاال لي بعنوان "احتجاج ال

يستقيم"، عرضت فيه إلى ما تتضمنه بعض المقررات الدينية

في التعليم العام في المملكة مما يمكن أن يكون سببا في الصد

عن العلوم "المادية" المعاصرة.

التعليم

110

لها قيمتها وال شك أن ما كتبه الشيخ العودة يعد شهادة

على أن هناك خلال عميقا في ثقافتنا كان أحد أسبابه ما تبذره

المقررات الدراسية الدينية من بذور التهوين من شأن العلوم

الحديثة والتشكيك فيها والتخويف من أن تكون سببا للكفر أو

الشرك، أو وصفها بأنها، على أحسن تقدير، من فضول األعمال

أولى بأن يقضي اإلنسان حياته في التي ربما يكون غيرها

االنشغال به.

وال يقتصر األمر على بث تلك المقررات العداء للعلوم

"المادية" نفسها؛ بل يتجاوز ذلك إلى احتوائها قدرا من التطاول

على المشتغلين بالعلوم الحديثة والغض من شأنهم؛ فهي تبخل

"بهائم". عليهم بأن يوصفوا بأنهم "علماء"، بل تصفهم بأنهم

ومن ذلك ما ورد في كتاب التوحيد للسنة الثالثة الثانوية ـ بنات

( من أن المشتغلين بالعلوم 66هـ، ص 1425ـ 1424 )ط

"الدنيوية": ". . . وإن كانوا أهل خبرة في المخترعات

والصناعات فهم جهال ال يستحقون أن يوصفوا بالعلم ألن

يا. وهذا علم ناقص ال يستحق علمهم لم يتجاوز ظاهر الحياة الدن

أصحابه أن يطلق عليهم هذا الوصف الشريف فيقال العلماء،

وإنما يطلق هذا على أهل معرفة هللا وخشيته،. . . " )انظر عن

بعض األقوال المماثلة: إبرهيم السكران وعبد العزيز القاسم

21 "المقررات الدراسية الدينية: أين الخلل. . . "، )ص ص

((.27ـ

مما يلفت النظر أن هذا الموقف المعادي للعلوم الطبيعية و

يكاد يكون مقصورا على بعض علمائنا في المملكة من بين

العلماء في العالم اإلسالمي. وسبب ذلك، في األغلب، أن

التعليم

111

ن وعيهم عليها تتبنى المصادر األساسية التي تتلمذوا عليها وتكو

فة. ويزيد األمر مواقف تعادي العلم الطبيعي بصوره المختل

إشكاال أن هؤالء الفضالء تجاوزوا ذلك إلى الثقة المطلقة

بمؤلفي تلك الكتب والتسليم غير الناقد بما يقولونه وجعله حكما

نهائيا على اآلراء األخرى جميعها، القديم منها والحديث.

ومن النصوص الدالة التي تشهد على عداء تلك المصادر

ية وغيرها ما ورد في كتاب ابن القيم للعلوم الطبيعية والطب

"هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى" )"موقع

:( 130 الوراق"، ص

". . . الثاني قولكم إن المسلمين بنوا أساس دينهم على

رواية عوام الصحابة من أعظم البهت وأفحش الكذب، فإنهم

مهم الكتاب وإن كانوا أميين فمذ بعث هللا فيهم رسوله زكاهم وعل

لهم في العلم والعمل والهدى والمعارف اإللهية والحكمة وفض

والعلوم النافعة المكملة للنفوس على جميع األمم، فلم تبق أمة

من األمم تدانيهم في فضلهم وعلومهم وأعمالهم ومعارفهم، فلو

قيس ما عند جميع األمم من معرفة وعلم وهدى وبصيرة إلى ما

له نسبة إليه بوجه ما؛ وإن كان غيرهم من األمم عندهم لم يظهر

أعلم بالحساب والهندسة، والكم المتصل والكم المنفصل،

والنبض والقارورة والبول والقسطة، ووزن األنهار ونقوش

الحيطان، ووضع اآلالت العجيبة، وصناعة الكيميا، وعلم

األلحان، الفالحة، وعلم الهيئة وتسيير الكواكب، وعلم الموسيقا و

وغير ذلك من العلوم التي هي بين علم ال ينفع وبين ظنون

ه في العاجلة وليس من زاد المعاد. . . ". كاذبة، وبين علم نفع

التعليم

112

وهناك نصوص كثيرة في كتب ابن تيمية وابن القيم تتبنى

هذا الموقف وتشكك في من يشتغل بالعلوم الطبيعية وتصفه

ومن هنا فال غرابة أن تتسرب هذه بالكفر أو الزندقة أو النفاق.

األفكار والمواقف إلى المجال الديني العام، ومن ثم إلى المناهج

الدينية التي ألفها علماؤنا الفضالء الذين تتلمذوا على تلك

المصادر، ثم ت فعل وتتسرب إلى الثقافة العامة، وهو ما يجعل

ء العلماء. بعض الشباب والشابات يقتنعون بها لثقتهم بهؤال

والنتيجة الالزمة لذلك كله ما أشار إليه الشيخ العودة من النفور

عن التخصصات العلمية.

ومن األمثلة الواضحة على تبني علمائنا غير النقدي لما

تتضمنه تلك المصادر من عداء للعلوم الطبيعية أن مجلس

القضاء األعلى ال يزال على موقفه القديم من حيث عدم االعتماد

على الوسائل العلمية الحديثة في إثبات بداية الشهور القمرية.

وقد ك تب عدد كبير من المقاالت والدراسات عن هذه القضية

لتبيين أن إثبات والدة الهالل صار من المبتذالت العلمية اآلن

بسبب التقدم العلمي الهائل الذي مكن في األيام األخيرة من

مختبر علمي عليه لدراسته مع أنه الوصول إلى المريخ وإنزال

يبعد عن األرض مائة وأربعة وعشرين مليون ميل. بل لقد أعلن

، أي قبل ثالثة أيام، عن اكتشاف علماء 2004فبراير، 15في

بليون سنة ضوئية. 13فيزياء الفضاء مجرة تبعد عن األرض

فإذا كانت السنة الضوئية تساوي تسعة تريليونات ونصف

ن الكيلومترات فلك أن تتصور ب عد هذه المجرة عن تريليون م

األرض. هذا كله في مقابل المسافة بين القمر واألرض التي ال

تزيد عن ثالثمائة وأربعة وثمانين ألف كيل تقريبا.

التعليم

113

ويحتج مجلس القضاء األعلى بأن السبب وراء التزامه

بالرؤية البصرية للهالل إنما هو العمل بالسنة. لكن السبب

الحقيقي، كما يبدو، أن بعض الفضالء من أعضاء المجلس

يسيؤون الظن بالعلوم الطبيعية الكتفائهم باآلراء التي وردت في

المصادر التي تتلمذوا عليها، وهي التي تسخر من هذه العلوم

وتشكك في من يشتغلون بها، وهذا ما جعلهم ينفرون منها

قليل الذي يمكن أن ويمتنعون عن التعرف عليها وال يثقون بال

يتساقط إليهم منها.

وقد أورد الشيخ العودة ما يكفي من األدلة من القرآن

الكريم واألحاديث النبوية الشريفة في بيان عدم التعارض بين

اإلسالم وهذه العلوم الحديثة. كما أورد أقواال لبعض

المستشرقين )!!( تشهد بأن اإلسالم لم يقف يوما في وجه العلوم

طبيعية، وأن المسلمين حققوا، إبان ازدهار حضارتهم، ال

إنجازات رائدة في فروع العلوم الطبيعية كلها.

والمفروض أال نحتاج إلى شيء من هذه الشهادات لكي

نقنع الشباب والشابات بأن التخصص في هذه العلوم ال يصادم

اإليمان؛ لكن الشيخ العودة يشعر، كما يبدو، بوجود مقاومة قوية

للعلوم الطبيعية في ثقافتنا الدينية.

وال شك أن هناك أسبابا أخرى اجتماعية واقتصادية

وسياسية وثقافية وراء التخلف العلمي الذي يعاني منه المسلمون

في هذا العصر؛ وهي أسباب ال بد من دراستها. غير أن المؤكد

أن من أهم أسباب هذا التخلف أن المسلمين لم يستفيدوا مما أشار

إليه الشيخ العودة من حض القرآن الكريم على إعمال الفكر في

التعليم

114

الكون المادي وهو ما سيكون سببا إلى اكتشافهم للقوانين

الطبيعية التي بثها هللا فيه.

لكن واقع األمر يشهد بأنه بدال من أن تكون هذه

النصوص القرآنية الكريمة واألحاديث الشريفة حافزا على

لكونية صارت وسائل للصد عن إعمال النظر التفكر في اآليات ا

في الكون بسبب تفسيرها بكيفيات تسمح بـ "الالأدريات"

والخرافات واألوهام.

ومن هنا فكالم الشيخ سلمان العودة عن ظاهرة النفور من

العلوم "المادية" المعاصرة شهادة لها قيمتها من رجل موثوق

صل له، وهو على أعراض هذا النفور، واألسباب التي تؤ

نصيحة من عالم حريص على مستقبل األمة تنبهنا إلى خطر

محدق سببه تخلينا عن واجب التفكر في آيات هللا الكونية، مما

جعلنا تبعا لغيرنا، مستهلكين لمنجزات العلم التي يمكن أن

تستخدم ضدنا.

وربما كان أولى الناس باالستماع إلى شهادة الشيخ العودة

نصيحته علماءنا الفضالء الذين يتمتعون بمنزلة واإلصغاء إلى

رفيعة عند الشباب والشابات. وإذا ما اقتنعوا بهذه النصيحة

فسيكون لهم األثر الفعال في توجيه أولئك إلى "االحتساب" في

دراسة هذه العلوم. وال يخالجني شك أن هذه هي الخطوة األولى

والضرورية في هذا السبيل.

م12/2/2224 /22/12/1424(، 1237* ال ط )العدد

التعليم

115

تعقيب على تعقيبات

ليس من عادتي التعقيب على اإلخوة القراء الذين يختلفون

معي في الرأي حين يعقبون في صفحة "نقاشات" في "الوطن"

أو في غيرها على ما أكتبه؛ ذلك أني أؤمن بأن للقراء الحرية

هذا االختالف في أن يختلفوا معي في الرأي وأن يعبروا عن

بالطرق التي يرونها. إال أني أجد أحيانا أن من الضروري

التعقيب على آراء بعض هؤالء اإلخوة إما لتطوير فكرة معينة

أو لتصحيح معلومة أوردها المعقب كي ال يظن القارئ أن

سكوتي عن التعقيب تسليم بما قال المعقب.

)"احتجاج ال وكان المقاالن اللذان نشرتهما لي "الوطن"

، و"الشيخ سلمان العودة: الشاهد 12/2/2004 يستقيم"،

م( موضوعين لبعض التعقيبات. وأود 19/2/2004والناصح"،

أن أعرض ألربعة منها.

أما األول فهو تعقيب األستاذ إدريس البارقي

(: "ردا على المزيني: مارست انقائية 23/2/2004)الوطن

عن سياقها". ويشير لعبارات في كتاب التوحيد لتخرجها

العنوان إلى أن األخ البارقي يتهمني باجتزاء النصوص

وإخراجها من سياقاتها لكي تدعم ما عقدت عليه العزم من

تشويه سمعة كتاب التوحيد للسنة األولى الثانوية ومؤلفه.

والمثال األول الذي أورده األستاذ البارقي برهانا على

: "النوع الثاني 44لف، ص هذا الصنيع أني نقلت قول المؤ

التعليم

116

ينسبها إلى غير هللا مجازا وتساهال في التعبير مع أنه يعتقد أنها

أفعال هللا وحده، فهذا محرم وشرك أصغر. . ."، ثم يقول إني

حين عقبت على كالم المؤلف لم أكن دقيقا في النقل والنقد "ألن

المؤلف عندما ذكر عدم جواز نسبة المطر إلى المناخات كان

يتحدث قبلها مباشرة عن )نسبة بعض أفعال هللا تعالى إلى بعض

( ولم يذكر أبدا أو يتحدث عن "ربط 43المخلوقات، ص

الظواهر الكونية بأسبابها الطبيعية" وفرق بين العبارتين".

واعتراضه هنا محير؛ ذلك أن نقدي لتعبيرات المؤلف كان

بأسبابها منصبا أساسا على "عدم ربطه للظواهر الكونية

الطبيعية". ومن البين أن تحريم المؤلف كون الظواهر المناخية

من منخفضات جوية ورياح يمكن أن تكون أسبابا طبيعية في

نزول المطر إنما هو إنكار لعمل القوانين الطبيعية. وقد قلت في

المقال المشار إليه إن المسلم ربما يرى إرجاع الظواهر الكونية

عية ويظل مع ذلك مؤمنا بأن هذه األسباب ألسبابها الطبي

الطبيعية إنما هي من خلق هللا تعالى. فليس هناك تعارض في

نظري بين اإليمان بأن هللا هو مدبر الكون وخالقه وأن الكون

يسير وفق قوانين طبيعية يمكن فهمها.

ويقول األستاذ البارقي "ومن هنا نعلم أن القول بأن في

قوانين الطبيعية وإنكار صحتها قول في كالم المؤلف رفضا لل

غير محله. فالمؤلف لم يتعرض لها بنفي أو إثبات . . .". وهذا

قول غير دقيق، ألن مؤدى كالم المؤلف هو تحريم التعبير عن

هذه الظواهر بغير لفظ ينص صراحة على نسبتها هلل تعالى.

ويعني هذا أنه ال يجوز، في رأي المؤلف، أن تنسب هذه

اهر لبعض القوانين الطبيعية، حتى إن كنت تؤمن بأنها الظو

التعليم

117

تعمل بتدبير من هللا. وهذا هو موطن نقدي لكالم المؤلف: ويعني

االكتفاء بنسبتها إلى هللا تعالى صراحة أنه ال حاجة ألن نسأل

عن األسباب المباشرة التي تعمل هذه الظواهر بموجبها؛ وهذا

هذه الظواهر فهما علميا. ما يؤدي إلى تحريم السعي وراء فهم

ل األخ البارقي كالمي تأويال غير دقيق. ومن هنا فقد أو

أما المأخذ الثاني فكالمه عن أني لم أورد كالم ابن القيم

عن "األرض" بتمامه؛ ولو أوردته كذلك لف هم المقصود منه

بشكل يختلف عن فهمي. والواقع أن العبارة التي أوردها األخ

ن أني فهمت كالم ابن القيم فهما غير صحيح إنما البارقي ليبي

تؤكد فهمي. ذلك أن كون األرض "رجراجة متكفئة" في مقابلة

كونها "واقفة ساكنة" إنما يعني أن ابن القيم يرى أن األرض ال

تدور، ولو دارت لتعرضت للرجرجة والتكفوء.

ويقول إني أوردت كالم المؤلف عن تركيب المادة

نه كالمه هو مع أنها من كالم الطبائعيين وخصائصها على أ

الذين ينكرون الخلق وينسبون الخلق لنتاج الطبيعة. وأنا لم أقل

إن هذا من كالم المؤلف؛ لكني قلت إن إيراده لهذه التعبيرات

يعني إقرارا بأن هذه هي "صفات المادة وخصائصها"، كما

أولئك قرأها في كتب المتقدمين واكتفى بها. ومن المعلوم أن

الطبائعيين لم يعودوا موجودوين ولم يعد خطابهم موجودا كذلك.

لكن هناك اآلن من ينكرون الخلق ويستدلون بأدلة "علمية" في

ما يزعمون؛ لذلك ال بد أن نناقش خطابهم المعاصر وأدلتهم

المعاصرة. أما االكتفاء بما قاله األقدمون فتغييب للطالب عن

لجأ إليها منكرو الخلق."الحجج" المعاصرة التي ي

التعليم

118

وخالصة القول إنني لم أخرج أقوال مؤلف كتاب التوحيد

عن سياقاتها؛ بل أوردتها بنصها وبينت الصور التي يمكن بها

لهذه األقوال أن تصد عن العلوم الحديثة.

والتعقيب الثاني ما كتبه األستاذ أحمد جعفري )"علماؤنا

(. 2004مارس، 2، الوطنيعتبرون تعلم العلوم الدنيوية عبادة"

وأول ملحوظاته أني قمت "بنقل بعض النصوص التي ال تؤيد

في حقيقتها" قولي عند "ربطها بسياقاتها التي وردت فيها". ولم

يبين األستاذ جعفري كيف كان ذلك؛ بل انتقل إلى شيء أهم

وهو: أنني أحلت في مقالي األول "إلى كتاب التوحيد للصف

أنه حين رجع إلى "الكتاب في الصفحات التي األول الثانوي" و

)ذكرت ها لم يجد شيئا مما ذكرته(!" بل إن أحد النصوص التي

استشهدت بها "وتتحدث عن ربط نزول المطر بالمناخات

والمنخفضات الجوية إنما هو في منهج التوحيد للصف الثالث

الثانوي. . ."، و"يمكن لمن أراد أن يتأكد االطالع على كتاب

لتوحيد للصف األول قبل التعديل وبعده ليفاجأ أن مضمون كالم ا

المزيني بل والنصوص التي أوردها ليست موجودة!". وهذا

اكتشاف عظيم، لو صح. وهو خطأ منهجي ال يمكن أن ي تسامح

ب معه، خاصة إن صدر عن أستاذ في الجامعة واجبه أن يدر

هو: هل هذا طالبه على الدقة في نقل النصوص. لكن السؤال

االتهام صحيح؟

والجواب عن هذا السؤال موجود في تعقيب األستاذ

البارقي الذي أشرت إليه آنفا. فقد قال: "والحقيقة أنه بعد

مراجعتي لنص الكتاب وجدت أن )المزيني( لم يكن دقيقا في

نقله ونقده.. . ". ومعنى هذا أن األستاذ البارقي رجع إلى كتاب

التعليم

119

ولى الثانوية ووجد النصوص التي أوردتها في التوحيد للسنة األ

أماكنها، بغض النظر عن رأيه في ما إن كنت أحسنت في نقلها

ونقدها أم ال. فهذه شهادة من قارئ قرأ المقال نفسه ووجد تلك

النصوص في المواضع والصفحات التي أشرت إليها في الكتاب

( 37ص)والصفحة الوحيدة التي أخطأت في اإلشارة إليها هي )

((. 40أما الصحيح فهو )ص

لذلك يجب على األستاذ جعفري إما أن يبرهن على صحة

كالمه، وأكون أنا مستحقا للوم؛ أو أن يعتذر عن هذا الشطط

واالتهام غير المقبول. أما ما بقي من نقده فال يخرج عن ما

عهدناه في تعقيباته من آراء ال يمكن الدفاع عنها.

الدكتور عبد الرحمن الواصل والتعقيب الثالث كتبه

)"هناك من مسؤولي التعليم من يبيح لنفسه االجتهاد بالحذف

م(. ويقول 2004فبراير، 28واإلضافة في المناهج"، الوطن

الدكتور الواصل في تعقيبه "وإذ أؤكد على ما أورده )المزيني(

من ملحوظات وأؤيد ما طرحه من أفكار وأشاطره في تطلعاته

إلصالح الوطني . . . ". والدكتور الواصل أحد في عملية ا

المشتغلين بالتعليم العام؛ فهو قريب الصلة بالوضع الذي عليه

المناهج، خاصة الدينية منها، وهو شاهد على مشكالت كثيرة

في التعليم بمجمله أشار إلى بعضها في تعقيبه. ويعني هذا أن

ي على ملحوظاتي هناك من المشتغلين في التعليم العام من يوافقن

التي ال دافع لها إال الحرص على أن يكون تعليمنا أفضل مما

هو عليه اآلن.

التعليم

120

أما التعقيب الرابع فكتبه الزميل الدكتور خضر الشيباني

2)"مناهج الدين والتخلف العلمي"، جريدة المدينة المنورة،

م(. وتتلخص ملحوظات الدكتور الزميل في أن 2004مارس،

في المناهج الدينية، بل في كون العلوم الطبيعية المشكلة ليست

صعبة بذاتها، لذلك ال يميل أكثر الناس، في الثقافات كلها، إلى

دراستها. وأنا أوافقه في بعض ملحوظاته التي أوردها؛ لكن ما

تحدثت عنه شيء مختلف، كما أظن. ذلك أن الموضوع الذي

ناس ال يعرفون عن عالجته هو أن المناهج الدينية عندنا ألفها أ

العلوم الحديثة شيئا ذا بال. لذلك كانت شروحاتهم على

النصوص القرآنية الكريمة واألحاديث الشريفة التي ترد في

المناهج الدينية مصطبغة بما قرأوه من أفكار قديمة، كان بعضها

معاديا للعلوم الطبيعية. وينبغي أن أقول إن تعقيب الدكتور

أن أتناوله بشكل أكثر تفصيال في مقال الشيباني بحاجة إلى

آخر.

م4/3/2224 /13/1/1425(، 1252ال ط )العدد *

حوار مع الدكتور خضر الشيباني

التعليم

121

أشرت في مقال األسبوع الماضي إلى تعقيب الزميل

األستاذ الدكتور خضر بن محمد الشيباني، أستاذ الفيزياء في

اج ال يستقيم" )الوطن جامعة الملك سعود، على مقال "احتج

هـ(. وكان تعقيبه بعنوان "مناهج الدين والتخلف 21/12/1424

هـ(. واألستاذ 11/1/1425العلمي!!" )صحيفة المدينة المنورة،

الدكتور الشيباني أحد المهتمين بنشر الثقافة العلمية وإيصالها

إلى غير المتخصصين بشكل ال يستعصي فهمه؛ ومن أهم كتبه

هـ. 1416ال: "الفيزياء لألدباء"،في هذا المج

وقد فهم الدكتور الشيباني من مقالي أني أقول إن المناهج

الدينية في التعليم العام )بطبيعتها( "هي المسؤولة عن التخلف

العلمي وهروب الناشئة من دراسة العلوم الحديثة". ويرى أن ".

حياتنا . . إلقاء اللوم )على هذه المناهج( لكل أوجه القصور في

هو تبسيط مخل للقضايا، بل إنه يجعل الحلول سهلة متيسرة،

فغيروا المناهج الدينية وسوف تشع عليكم شمس التسامح ويشيع

األمن والوئام، وتتسنموا ذرى اإلنجازات العلمية والتقنية".

ويرى أن "المشكلة أن القضايا كلها بما فيها قضية "العلوم

ك البساطة، فالتعامل مع "العلوم الحديثة" أعقد بكثير من تل

الحديثة" قضية تصدت لها وعانت منها األمم بمختلف مناهجها

وأديانها ألن الطبيعة الصارمة لهذه العلوم ومنهجها المنضبط ال

ينسجمان مع الثقافات السائدة التي تأسست على "الثقافة األدبية"

ال تحظى المتأصلة في الفكر البشري، كما أن "العلوم الحديثة"

بتعاطف المفاهيم االجتماعية التي تجد في الشعر والنثر والفلسفة

الكالمية قمم العطاء واإلنجاز، والطريق المضمون إلى الوجاهة

االجتماعية".

التعليم

122

وال شك أن للتخلف العلمي الذي يعاني منه العالم العربي،

ومنه المملكة، أسبابا كثيرة؛ ومن هذه األسباب ما ذكره الدكتور

لشيباني من التصور الخاطئ الشائع في ثقافتنا الذي مؤداه أن ا

التخصص في العلوم الحديثة ال يؤدي إلى "الوجاهة

االجتماعية". ومما يبين خطأ هذا التصور أن الواقع يشهد بأن

المتميزين في أي حقل، سواء أكان "أدبيا" أم علميا، يحضون

بمقام رفيع في مجتمعاتهم.

بينه وبيني فهو أخذه كالمي على أنه أما نقطة الخالف

يعني أني أقول إن سبب التخلف العلمي هو "المناهج الدينية"

بطبيعتها. لكن هذا ال يمثل الرأي الذي عبرت عنه في مقالي

ذاك. أما ما قلته فهو أن الكتب المؤلفة اآلن لتدريس بعض

المقررات الدينية، ومنها مقرر التوحيد، تتضمن ما يصادم

معرفة العلمية المعاصرة، وتحوي من الشروح ما يؤكد عدم ال

مشروعية تفسير الظواهر الكونية بما كشفت عنه العلوم

المعاصرة من قوانين طبيعية، وترى أن تفسير هذه الظواهر

بالقوانين الطبيعية ربما يصل إلى أن يكون كفرا أوشركا أو عدم

الشروح أدب مع هللا سبحانه وتعالى. وأوردت بعض تلك

واآلراء من الكتاب المقرر في منهج التوحيد للسنة األولى

الثانوية خاصة.

ومن هنا يتبين أن هناك مآخذ واضحة على هذا الكتاب،

نه ما يمكن أن يصد عن المعرفة العلمية المعاصرة. لتضم

ويمكن أن تفعل هذه الشروح ببساطة حين يتصدى لتدريس هذه

معرفته مع هذه الشروح، وهو ما يؤدي المادة من يتوافق هواه و

إلى غرس االعتقاد بصحتها في نفوس الطالب.

التعليم

123

وقد استشهدت، في مقال آخر، على أن هذه النصوص

ربما تكون أسبابا للصد عن المعرفة العلمية المعاصرة وعن

التخصص في العلوم الحديثة بما قاله الشيخ سلمان العودة عن

ركون التخصص في العلوم بعض الشباب والشابات الذين يت

الطبيعية المعاصرة ويفضلون عليها العلوم الدينية ألن

التخصص في العلوم الدينية، كما يرون، تقربهم إلى هللا تعالى

أكثر من تلك.

ويلحظ الدكتور الشيباني أن هذا النفور من العلوم الحديثة

موجود حتى في الدول المتقدمة. وهذا صحيح؛ ذلك أننا نجد في

لواليات المتحدة، مثال، أن هناك أناسا ال يعرفون عن العلوم ا

الحديثة شيئا ذا بال، بل ينكرونها ويعادونها. فهناك، مثال، أناس

بون أن األرض كروية وأنها تدور حول كثيرون ال يزالون يكذ

نفسها وحول الشمس، وأن اإلنسان وصل إلى القمر أو إلى ما

ف يدور اآلن في الواليات هو أبعد منه. وهناك صراع عني

المتحدة بين الذين يرون صحة النظرية التطورية )ما يسمى

بنظرية داروين( والمنكرين لها. فقد منعت بعض المقاطعات في

بعض الواليات األمريكية تدريس هذه "النظرية العلمية" وألغتها

من مناهج علم األحياء في المدارس الثانوية، وأقرت بعض

ع لوصف هذه النظرية بأنها "نظرية لم المقاطعات قو انين تشر

س إلى جانبها ما يسمى بـ"نظرية تثبت"، وأوجبت أن يدر

الخلق"، المستمدة من التفسير الحرفي لقصة خلق آدم عليه

السالم كما وردت في اإلنجيل. وهناك من يسعى إلى سلوك

طريق جديد في معاداة هذه النظرية وذلك بتدريس ما يسمى

التصميم الذكي" وهو القول، على استحياء وبطريق مواربة، بـ"

التعليم

124

بصحة هذه النظرية لكنه يزعم أن إحكام التركيب العضوي

للكائنات الموجودة اآلن يدل على أنها لم تنشأ بالطريقة التي

تراها نظرية التطور، بل إن ذلك كان نتيجة لخطة دقيقة

قوة هي هللا(. مقصودة وضعتها قوة خفية ذكية )وترى أن تلك ال

وهناك بعض المقاطعات التي بقي السكان فيها على أنماط

الحياة التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر، مثل جماعة

"اآلمش" في والية بنسلفانيا الذين يمنعون مظاهر الحياة الحديثة

كلها من الدخول إلى مقاطعتهم. وهناك شكوى مرة من المستوى

م في المدارس ونقص المعرفة العلمية عند المتدني لتعليم العلو

الناس عموما.

لكن هذه المظاهر كلها لم تمنع أن يكون تدريس العلوم في

المدارس األمريكية على مستويات مقبولة كان من نتيجتها

تخريج أجيال من الشباب الذين يدفعون المعرفة العلمية إلى

العلمية والتقنية األمام ويسهمون في تقدم بالدهم على المستويات

جميعها مما جعلها ويجعلها اآلن القوة األولى في العالم، وفي كل

مجال تقريبا.

أما القول بأن ما يمنع الطالب من التخصص في العلوم

الحديثة أنها أكثر صرامة وأن الناس يميلون إلى التخصص في

اإلنسانيات ألنها أسهل فقول شائع لكنه خاطئ أيضا. ذلك أن ما

ى بـ "العلوم اإلنسانية" ال تقل صعوبة عن العلوم الطبيعية. يسم

ولو كانت هذه العلوم سهلة كما يصورها هذا القول الشائع

لوجدنا كثيرا من الطالب والطالبات يتميزون في دراستهم لها.

لكن المشاهد أن األغلبية العظمى من الطالب في هذه

التعليم

125

و حتى جيدة التخصصات يخفقون في تحقيق مستويات ممتازة أ

في دراساتهم لها. وإنك لتجد آالفا من المتخرجين الجامعيين فيها

ال تتجاوز تقديراتهم مستوى "جيد"، بل إن األغلب األعم منهم

ال يتجاوز مستوى "مقبول".

ومن هنا فـ"العلوم" اإلنسانية ليست سهلة بطبيعتها؛ بل

ير ألنها إنني أزعم أن دراسة "العلوم الحديثة" أسهل منها بكث

على مستوى من الدقة والوضوح والتماسك والمعقولية ال يتحقق

حتى الحد األدنى منه في "العلوم" اإلنسانية. فما يجعل دراسة

"العلوم" اإلنسانية أصعب أنها ال تقوم على أسس "علمية"

ن والتأسيس. وهي ال تعدو قوية، وهي ال تزال في طور التكو

لملحوظات والتخرصات والتهويمات اليوم أن تكون خليطا من ا

واالدعاءات التي ال يمكن اختبارها وال التحقق منها وال البناء

عليها، وقلما ينشأ عنها معرفة مفيدة لإلنسان في حياته. أما

انصراف كثير من الطالب عن دراسة "العلوم الحديثة" فنتيجة

الزمة لوقوعهم ضحايا للخدعة التي تقول بصعوبة هذه العلوم

وسهولة "العلوم" اإلنسانية.

وأعود هنا إلى الدور الذي يجب أن تقوم به العلوم الدينية

في التعليم العام، وهو أنها يجب أن تكون حافزا للتخصص في

دراسة العلوم الحديثة، وذلك حين تتبنى نظرة موجبة لهذه العلوم

وتبث روح االطمئنان في نفوس الناشئة إلى أن دراسة هذه

مشروعة وأن نتائجها ال تتصادم مع الدين، بل إنها يمكن العلوم

أن تكشف لنا بصورة منضبطة عن اإلحكام الذي ينتظم

الظواهر الكونية التي خلقها هللا تعالى على هذا المستوى

التعليم

126

المتماسك، وأن التخصص فيها يمكن أن يخدم المسلمين بطريقة

عليها. ال تقل عن التخصص في العلوم الدينية، إن لم تتفوق

ه الطالب توجيها صريحا وربما كان من األفضل أن يوج

مقصودا للتخصص في العلوم الطبيعية المعاصرة وأن يحد من

الهروب الكبير الذي نشهده بعد السنة األولى الثانوية نحو

الدراسات الشرعية واإلدارية واألدبية. فبالدنا بحاجة إلى

حاجتها إلى تلك التخصصات العلمية والمهنية بقدر يفوق

"العلوم اإلنسانية". ويجب أن يخضع التعليم للتوجيه في هذه

الفترة حتى تحقق بالدنا درجة معقولة من االكتفاء الذاتي في

التخصصات العلمية.

م11/3/2224 /22/1/1425( 1259) *ال ط

أخرى مغالطات

التعليم

127

م العام، دأب بعض المدافعين عن المناهج الحالية في التعلي

ومنها المناهج الدينية خاصة، على تكرار بعض الحجج التي

يرونها وجيهة في الدفاع عن مواقفهم. لكن هذه الحجج ال تصمد

عند التمحيص الدقيق وتظهر على حقيقتها بوصفها مغالطات

غايتها صرف االنتباه عن المشكالت التي يعاني منها التعليم في

المطالبين بإصالحه ووصمهم ببعض بالدنا والتشكيك في نوايا

التهم بغية نزع الثقة بهم. وكنت عرضت في مقال سابق إلحدى

هذه الحجج وهي االدعاء بأن اإلصالح الحقيقي للتعليم يجب أن

يبدأ بمناهج المواد العلمية كالفيزياء والكيمياء واألحياء

والرياضيات وغيرها، وبينت أن تلك الحجة ليست إال مغالطة.

وسأعرض هنا عددا من الحجج األخرى التي يوردها

هؤالء للغرض نفسه، وسأبين أنها من أضعف ما يمكن أن يحتج

به ضد إصالح المناهج الدينية في التعليم العام.

فمن هذه المغالطات القول بأن الذين يدعون إلى تطوير

ة المناهج الدينية إنما يأتمرون بأمر أمريكا التي بدأت بالمطالب

بهذه اإلصالحات نفسها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر

رغبة منها في تخفيف حدة العداء لها؛ وهو عداء تعمل المناهج

الدينية على تعميقه ويتمثل في كره المسلمين لها ألنها قوة

معتدية تخطط للقضاء على اإلسالم وإذالل المسلمين. لكن هذه

ب وإساءة ظن غير الدعوى ال تعدو أن تكون رجما بالغي

مسوغة ببعض المواطنين الذين ال يقلون التزاما دينيا ووطنية

عن المنافحين عن المناهج بشكلها الحالي.

التعليم

128

وال أريد هنا أن أنصب نفسي محاميا عن الكتاب الذين

ي تهمون بهذه التهم فهم أقدر مني على الدفاع عن أنفسهم. لكني

، ال ألدافع عن نفسي، بل أريد التحدث عن ما يتعلق بي شخصيا

للتدليل على تهافت هذه التهم وأنها ليست إال تلبيسا على الناس

واتهامات جريئة ال يمكن البرهنة عليه.

ومن األدلة على بطالن هذه الحجة أني بدأت الكتابة في

نقد التعليم قبل وقت طويل من أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛

التعليم قبل أكثر من ثمان سنوات فقد كتبت إلى وزير التربية و

خطابا شخصيا طويال بينت فيه أوجه القصور )كما أراها( في

تعليم اللغة العربية خاصة، وعرضت فيه لبعض األفكار التي

يمكن أن تسهم في إصالح تعليمها، وعرضت استعدادي للعمل

نها الوزارة لهذا الغرض. وقد تسلمت ردا على في أية لجنة تكو

خطاب من أحد وكالء الوزارة يبلغني فيه أنه سيحال إلى ذلك ال

اللجنة المكلفة باإلشراف على مناهج اللغة العربية، ولم أسمع

ما حدث لذلك الخطاب. كما كتبت في جريدة إلى اآلن شيئا ع

"الوطن" معارضا تدريس اللغة اإلنجليزية في المرحلة

ية.االبتدائية انطالقا من أسباب علمية ال إيديولوج

وكتبت تعقيبا شديد اللهجة في جريدة الشرق األوسط

م، أي قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 42/4/4111بتاريخ

بسنة وسبعة أشهر تقريبا، على مقال كان وزير التربية والتعليم

قد كتبه في الجريدة نفسها معقبا على بعض من ينتقدون التعليم

ش الحاد وكان سببا في في المملكة. وأثار تعقيبي بعض النقا

التشنيع علي واتهامي بكثير من التهم.

التعليم

129

ويشهد هذا بأن نقدي ألداء وزارة التربية والتعليم ليس

جديدا، وال يرتبط بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وال

بالنقاش الذي أثارته تلك األحداث وال بالمواقف المعلنة ألقطاب

عليم في العالم العربي اإلدارة األمريكية الحالية عن قضية الت

واإلسالمي. ومن هنا فاالدعاء بأن من ينتقدون التعليم والمناهج

الدينية خاصة إنما يأتمرون بأمر األمريكيين ليس صحيحا عني،

في األقل.

ويشهد نشاطي الكتابي كذلك بأني لست من "حزب

أمريكا"؛ فمع إعجابي بكثير من مظاهر الحياة العلمية والثقافية

ياسية واالجتماعية األمريكية، وعرفاني بما تلقيته من علم والس

في جامعاتها وما استفدته وال زلت أستفيد منه من األبحاث التي

تصدر عن جامعاتها ومراكز البحث فيها، إال أني أرى ما يراه

كثير من المالحظين األمريكيين وغير األمريكيين من أوجه

رات األمريكية المتعاقبة ضد الشطط والعدوان التي ترتكبها اإلدا

األمتين العربية واإلسالمية والشعوب األخرى، ومن االنسياق

وراء السياسات اإلسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني

واألمة العربية. ويشهد على موقفي هذا أنني ترجمت كثيرا من

المقاالت والمحاضرات التي كتبها أو ألقاها عالم اللسانيات

نعوم تشومسكي في نقده للسياسات األمريكية الخارجية الشهير

خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر. كما ترجمت عددا من

البيانات التي كتبها بعض الكتاب والسياسيين والمثقفين

األمريكيين واألوروبيين من المناوئين للسياسة الخارجية

األمريكية الحالية، وقد نشرت جريدة الوطن بعضا منها.

التعليم

130

م 4116نشرت لي مكتبة مدبولي المصرية كتابا في سنة و

يتضمن ترجمتي لكثير من المقاالت الناقدة للسياسة الخارجية

األمريكية. وينفي هذا النشاط كله تلك التهمة التي تصنفني في

خانة الوالء للسياسات التي تتخذها اإلدارات األمريكية.

تفرخ إرهابيين، ومن تلك المغالطات القول بأن مناهجنا لم

ولو كان ذلك صحيحا ألصبح مئات اآلالف الذين درسوا هذه

المناهج في عداد اإلرهابيين.

وتفتقر هذه المغالطة إلى الدليل اإلحصائي الذي يجعلنا

نثق بها. ويمكن كشف زيفها من غير عناء؛ فال تصعب البرهنة

على أن مناهجنا تسهم بنصيب وافر في إنتاج المتطرفين.

ضمن المناهج، والدينية منها على األخص، من الشطط في فتت

القول واألحكام ما يمثل سندا قانونيا يجعل مدرسي هذه المواد

يتجاوزون حدود التعليم الموكل إليهم إلى التصرفات التي تؤدي

إلى التطرف والتشدد، كإدخال األشرطة التحريضية إلى

واالستماع إليها المدارس وحث الطالب والطالبات على اقتنائها

والتعليق عليها وإقامة الندوات والمواعظ والمعارض التي

تزرع التطرف وتجند األتباع.

أما أن طالبنا لم يصبحوا جميعا متطرفين فسببه لطف هللا

بنا: فبعض الناس سهل االنقياد يتأثر بالدعوات المتطرفة

وبعضهم يعصى على ذلك. ومما يدل على أن هذه الدعوى

إال مغالطة أن المدافعين عن المناهج يقصرون مفهوم ليست

التطرف على األعمال اإلرهابية التفجيرية ومظاهر العنف

التعليم

131

األخرى. والزعم بأن الذين يرتكبون هذه األعمال اكتسبوا

مظاهر هذا التطرف من خارج المملكة.

أما المالحظ للشأن الداخلي فال بد أن يكتشف أن منبع هذا

داخلي أساسا. ومن الشواهد على هذا أن كثيرا التطرف الشائع

من الشيوخ المتطرفين الذين يصدرون فتاوى العنف المتشددة لم

يغادروا المملكة، ولهم مساجدهم وتالميذهم ومواقعهم على

شبكة اإلنترنت. كما أن هناك كثيرا من المواقع على اإلنترنت

خطابا يديرها ويكتب فيها كثير من السعوديين، وهي تشيع

متشددا متطرفا يطفح بالعداوة، ال للكفار فقط، بل للمسلمين،

ومنهم كثير من السعوديين.

ه إلى بعض ومن مظاهر هذا العنف الداخلي ما يوج

الكتاب السعوديين من تهم الزندقة والنفاق والعلمانية والعمالة

ألمريكا، واألذى الذي يصل إلى بعض الكتاب والشيوخ

ن طريق الهاتف والبريد اإللكتروني، وحض المعتدلين ع

الشباب المتحمس على عداوتهم، بل وتهديدهم بالقتل. يضاف

إلى ذلك ما يظهر في بعض مالحق الصحف السعودية

األسبوعية من خطاب يتسم بالعنف والتطرف، ويضرب فيه

المنتسبون إلى التعليم بسهم وافر. ويبين هذا كله أن الجو العام

ل بكم هائل غير معقول من الكراهية والعنف الداخلي مجل

اللفظي.

والسؤال المهم هو: من أين أتى الفكر الذي تربى عليه

هؤالء المتطرفون؟ وأين يتلقونه؟ وال يخفى على المالحظ أن

المحضن األول لهذا كله هو المدارس بمناهجها وبكثير من

مدرسيها الذين يعتنقون الفكر المتطرف ويشيعونه.

التعليم

132

ن المغالطات األخرى أن التطرف ليس مقصورا على وم

المملكة، فهو موجود في غيرها، مثل مصر والجزائر

والمغرب. وتتعامى هذه المغالطة عن الحقيقة الواضحة التي

تشهد بأن كثيرا من الحركات المتطرفة خارج المملكة إنما

تستمد مرجعيتها من بعض "الشيوخ" في المملكة. وسيجد

ب زعماء تلك الحركات الخارجية المتطرفة الدارس لخط

وأفكارهم أنها تقوم أساسا على الخطاب الديني المتطرف الشائع

في المملكة: ومن أهم معالمه المفاصلة بين الكفار والمسلمين

وتكفير الحكومات وأفراد المسلمين الذين ال يرون ما تراه هذه

لمنتمين الفئات. وقد تلقى بعض زعماء هذه الحركات وبعض ا

إليها تعليمهم في بعض جامعات المملكة أو تتلمذوا على بعض

شيوخها. وتؤكد السير الشخصية لبعضهم أنهم اعتنقوا تلك

األفكار المتطرفة في هذه البالد بطرق شتى.

ومحصلة القول أن هذه المغالطات ال يمكن أن تعيننا على

راحة معالجة مشكالتنا، فيجب أن نواجه هذه المشكالت بالص

والوضوح الالزمين. ويوجب هذا االعتراف بأن المناهج الدينية

بشكلها الحالي يمكن أن تؤصل للفكر المتطرف، وهو ما ال

يخفى على أي مالحظ منصف محايد، ثم معالجة هذا الخلل.

وأخيرا فحتى لو برأنا هذه المناهج من التطرف فإننا ال

الب والطالبات من يمكن أن نبرئها من التقصير في تحصين الط

الوقوع في براثن الجماعات المتطرفة التي تستغل الخطاب

له. الموجود في هذه المناهج وتفع

م12/3/2224 /27/1/1425(، 1266* ال ط )العدد

التعليم

133

التعليم

134

تزال حيةالثقافة الموت"

نشرت صحيفة الوطن قبل سنة تقريبا مقاال لي بعنوان

". وكان تعليقا على ما يشيع في "ثقافة الموت في مدارسنا

المدارس من استخدام موضوع "الموت" في النشاطات غير

الصفية، ومنها معرض أقيم حينذاك في إحدى المدارس في

مدينة الرياض. وكان المعرض يحوي بعض النشاطات

والمشاهد التي تتعلق بالموت، كتغسيل الميت وتكفينه والقبر

حوي مشاهد تغسيل الميت وبعض األشرطة المرئية التي ت

ودفنه، وغير ذلك. وقوبل المقال بردود فعل متنوعة دافع

بعضها دفاعا حارا عن مشروعية هذه النشاطات. وزعم بعضها

أنها يمكن أن تساعد في توجيه الطالب وتعديل سلوكهم

بتذكيرهم بالموت واآلخرة. كما أنها يمكن أن تقوي قلوبهم فال

جاال أشداء في مواجهة المواقف يهابون الموت ويصيرون ر

الصعبة.

وكان األمل أن تبادر وزارة التربية والتعليم لتكوين لجنة

تستقصي هذه الظاهرة ثم تعلن ما تتوصل إليه ليعرف

المواطنون الموقف الرسمي منها. لكن شيئا لم يحدث وظلت

الوزارة على صمتها إلى اآلن.

قصورة على وسرعان ما اتضح أن هذه النشاطات ليست م

تلك المدرسة وال على النشاطات غير الصفية المؤقتة

كالمعارض؛ بل تكاد تكون يومية في المدارس في طول البالد

وعرضها. فقد نشرت صحيفة "الوطن" آنذاك رسائل لقراء من

مناطق مختلفة تشهد بذلك ويتضمن بعضها الشكوى من هذه

التعليم

135

مدارس البنات النشاطات. ومما نشرته الوطن ما وقع في إحدى

في منطقة جازان؛ حيث أغمي على إحدى الطالبات بسبب

تعرضها لمثل هذه المشاهد وقضت جراء ذلك أسبوعين في

المستشفى.

وكنت أظن أن وزارة التربية والتعليم لم تكن تعلم بهذه

النشاطات؛ لكن بعض المدافعين عنها أوردوا في رسائلهم ما

نوا على علم بها وأنهم رعوا يشهد بأن مسؤولين في الوزارة كا

تلك المعارض، أو زاروها ولم يعترضوا عليها.

وكنت أظن كذلك أن ما كتبته وكتبه غيري سينبه الوزارة

إلى خطورة تلك النشاطات التي يقوم عليها أناس ربما يكون

بعضهم حسن النية لكنها يمكن أن تستخدم في إعداد الطالب عن

به وبلوازمه إعدادا يجعلهم أسهل طريق تمجيد الموت واأللفة

انقيادا لمن يريد تجنيدهم في النشاطات "الجهادية" التي ظللنا

نتجرع مرارتها طوال السنة الماضية.

وظلت الحال على ما كانت عليه؛ ويشهد بذلك شكاوى

بعض المواطنين الذين تعرض أبناؤهم أو بناتهم ألزمات نفسية

د. فقد أرسل األستاذ عبد بسبب مشاهدتهم لمثل هذه المشاه

العزيز الغثيان من مدينة الجوف رسالة إلى مجلة اليمامة

( بعنوان "هكذا أرعبوا 16، ص 1789نشرتها في عددها )

ابنتي" يقول فيها إن إحدى المعلمات كانت تعرض على

الطالبات شريطا بالفيديو "ليشاهدن كيفية غسل الميت وتكفينه

ر إخافة". ويروي على لسان بصور مخيفة وخلفية صوت أكث

ابنته أنه "سبق لهذه المعلمة أن عرضت هذا الفلم علينا عدة

التعليم

136

مرات وكنت أتعمد أن أشيح وجهي بنظري ألي اتجاه تحاشيا

لرؤية ما يعرض. أما اليوم فقد اختارت المعلمة أكثر الطالبات

خوفا ووضعتهن في المقدمة وأنا من ضمنهن وكانت تجبرنا

شة بشتى الطرق وتقول انظري يا. . . اعتبري للنظر إلى الشا

فإن هذه نهايتك نعم هذه نهايتك أنت وزميالتك". ويقول األستاذ

الغثيان إن ابنته "أصبحت ال تنام إال وأنوار البيت مضاءة

جميعها إلى الفجر وال تنام إال فترة قصيرة جدا مليئة باألحالم

ا الرغبة في المزعجة تقوم بعدها خائفة مرعوبة وليس لديه

الدراسة وشاردة الذهن طوال الوقت".

والمعهود أن تتجاهل الوزارة مثل هذه الشكوى أو تبادر

إلى نفيها؛ لكنها هذه المرة، وربما يكون هذا من شواهد الشفافية

التي بدأت في انتهاجها، بادرت على لسان رئيسة اإلعالم

بعنوان "تم التربوي في المنطقة بـ"تعقيب عاجل" نشرته المجلة

(. ويقول هذا 16، ص 1802سحب الشريط!" )اليمامة

التعقيب: ". . . نفيدكم بأنه تم التحقق مما نشر وقد قمنا بسحب

الشريط المشار إليه حيث إنه مخالف لتعاميم الوزارة، وأن

عرضه تم باجتهاد شخصي في غير محله من المعلمة التي

تنبيه مديرة المدرسة هدفها تذكير الطالبات ووعظهن، وقد تم

والمعلمة خطيا بعدم تكرار ذلك والتقيد بتعليمات الوزارة بهذا

الشأن. . . ." )وال أدري سر غرام بعض الناس باستخدام "تم"،

واإلكثار من استعمالها أحيانا؛ مع أن استخدام الفعل المبني

للمجهول في هذا السياق هو األولى وهو االستعمال المستقيم!(.

فعل المسؤولون في هذه الحالة؛ لكن االنطباع الذي وحسنا

يخرج به القارئ أن هذا التعقيب يمثل ما نعهده من تهرب

التعليم

137

المسؤولين من تحمل المسؤولية وإلقائها على فرد بعينه والتماس

العذر له وتسويغ عمله بأنه نابع من بعض الدوافع الحسنة.

جيه من الوزارة وليس من الواضح إن كان هذا التعقيب جاء بتو

أم ال. ويلفت النظر كذلك أن التعقيب يصور هذه الحادثة كأنها

فردية ونابعة من اجتهاد شخصي لمعلمة في منطقة معينة.

وربما كان هذا هو السبب في عدم تدخل الوزارة، أي أن المراد

إعطاء االنطباع بأن هذه حالة شاذة.

بأن "ثقافة أما الواقع فيشهد بخالف ذلك. فهناك ما يشهد

الموت" ما تزال حية بل إنها تعيش بكامل عنفوانها في مدارس

الطالب والطالبات وفي مختلف المناطق.

ومن األدلة على ذلك ما كتبه الدكتور عبد العزيز العمر،

عميد كلية المعلمين في الرياض، في صحيفة الجزيرة

هـ( بعنوان "تعليم الموت". ويروي في ذلك 13/3/1425)

مقال أن ابنه اتصل به من مكتب مدير مدرسته ليخبره بأن ال

فصله قرر أن يزور في صباح ذلك اليوم مغسلة أموات، وأنهم

كانوا في األسبوع الذي قبله في زيارة لمركز النقاهة.

ويشهد هذا بأن األمر ليس تصرفا فرديا من معلم متحمس

لمعلمين أو معلمة متحمسة، بل هو ثقافة شائعة بين كثير من ا

والمعلمات وفي كثير من المدارس في مختلف المناطق. والدليل

الثاني أن ندوة تقام اآلن في قاعة الملك عبد العزيز للمحاضرات

في الرياض عن القراءة، ويصحبها ما يسمى بـ"معرض"

للكتب. أقول هذا ألن كثيرا من الكتب المعروضة يغلب عليها

ض الكتب عن الموت والقبر المطويات والكتيبات الدعوية وبع

والجن والسحر والعين والحسد.

التعليم

138

وإلى جانب هذه الكتب هناك عرض كثيف لألشرطة

السمعية والبصرية "اإلسالمية" التي ربما يكون غريبا عرضها

في سياق ندوة عن القراءة. ذلك أنها تمثل ثقافة شفهية تصرف

. فمن عن القراءة وتدعو لالستغناء عنها أو االعتماد عليها

الغريب، إذن، أن تسمح وزارة تعمل على تعميم الثقافة الكتابية

بأن تتضمن معارضها ونشاطاتها ما يشيع الثقافة الشفهية التي

تسعى إلى الحد منها.

وأول ما يستقبل الداخل إلى المعرض جهاز عرض

يعرض شريطا لتغسيل الميت! وهو شريط مخيف حقا لما

ممد على سرير ت عرض أطرافه يحويه من لقطات مطولة لرجل

المختلفة بالتناوب. ويتضمن صورا لقبور بعضها مفتوح، وربما

قصد به تخويف من ينظر إلى الشريط بأن هذا القبر ينتظرك.

ويصاحب عرض غسل الميت في هذا الشريط خليط "مدبلج"

وأناشيد "إسالمية" ومؤثرات يتضمن قراءة من القرآن الكريم

. صوتية مخيفة حقا

وقد ذكر لي أحد المدرسين أن هذا الفلم وأشباهه موجودة

في كثير من المدارس وأنها تعرض على الطالب. وما دام أن

هذا الشريط يعرض عالنية في معرض رسمي تتبناه الوزارة

ويؤتى بطالب المدارس من مختلف األعمار لزيارته فال يمكن

حالة فردية أو لها، إذن، أن تعتذر بأن عرض مثل هذا الشريط

اجتهاد من متحمسين يرغبون في الخير.

وليس االهتمام المفرط بموضوع الموت هو ما يدعو

وحده إلى القلق؛ إذ الواقع أن كثيرا من المدارس وصلت اآلن

التعليم

139

إلى وضع خطير نتيجة لسيطرة بعض المدرسين والمدرسات

ممن تظهر عليهم مظاهر الغلو الديني وال يتورع كثير منهم عن

اإلفتاء والتحليل والتحريم وإشاعة التجهم والغلو في المدارس

ووأد الفرح فيها.

ومن ذلك أن إحدى مدارس البنات أرادت إقامة حفل

تخرج لطالبات السنة الثالثة الثانوية وطلبت منهن خياطة

عباءات على شكل معين ليلبسنها في "مسيرة التخرج". وكانت

تفال الذي سيتذكرنه طويال. الطالبات فرحات جدا بهذا االح

لكنهن فوجئن بمديرة المدرسة تقول لهن إن هناك من يقول بأن

هذه "المسيرة" والعباءة بذلك الشكل المعين تشبه بالكفار وأن

االحتفال نفسه حرام.وهذا ما أدى إلى خسارتهن قيمة تلك

العباءات وتفويت االستمتاع بهذه المناسبة الجميلة على الوجه

كن يحلمن به. الذي

ويؤكد شيوع هذه الظواهر والنشاطات مرة أخرى أن

مدارسنا تسمح بقصد أو من غير قصد بشيوع الغلو والتطرف

وهو قد يمهد السبيل إلنتاج شخصيات قلقة متحمسة يسهل

تجنيدها في صفوف جماعات التطرف والعنف ويمكن أن

بالدنا يقودهم ذلك في نهاية المطاف إلى ارتكاب ما تشكو منه

من جرائم القتل والتفجير.

م.6/4/2224 / 17/3/1425(، 1315*ال ط )العدد

رسالة من طالب

التعليم

140

نها بعث لي أحد طالبي رسالة لم يذكر اسمه فيها ضم

بعض الملحوظات على أدائي في التدريس. وهذا نصها بعد

إصالح بعض األخطاء اإلمالئية والنحوية:

النصيحة" ومن هذا المنطلق "الدين ". . . قال النبي

أحببت أن أرسل لك هذه الرسالة لكي أبين لك األخطاء التي

( دعوتك 1واجهتها معك أثناء دراستي معكم حفظكم هللا وهي: )

أحيانا ألن تقود المرأة السيارة وتعلم وفقكم هللا أن هذا محرم وقد

أفتت هيئة كبار العلماء بتحريم ذلك وأنت رجل من قبيلة عريقة

من مزينة، أترضى بأن تقود امرأتك السيارة أمام الناس؟ إذا

ذهب الشرع فأين الغيرة العروبية؟

( الثناء واإلطراء على بعض المستشرقين الكفرة 2)

واإلكثار من ذلك مع علمكم حرسكم هللا أن هذا البد أن يكون

تحت الوالء للمؤمنين والبراء من الكفار وخاصة عندما أطريت

شومسكي مع أنه البد من بغض هذا الرجل وكراهيته، اليهودي ت

نعم نستفيد من بعض آرائه الموافقة للشرع لكن البد من

تبغيضك له أمام التالميذ ال سيما أنك مربي أجيال. وفقكم هللا

وسدد خطاكم وجعل ما تقومون به خدمة لإلسالم والمسلمين.

أن أخيرا أسأل المولى أن أكون قد أبرأت ذمتي أمامه و

يكون القصد قد بلغ وانتفع به. . .".

وأول ملحوظة على الرسالة عدم ذكر الطالب السمه؛

وربما كان هذا ناتج عن الطريقة التي نربي بها أبناءنا، وهي

تربية تقوم على الخوف من الصراحة في إبداء الرأي واللجوء

بدال من ذلك إلى الطرق السرية وهو ما يعني أن ثقافتنا تقوم

التعليم

141

قمع الرأي، وتغيب فيها قنوات االتصال بين الناس التي على

تضمن لهم المباشرة في إبداء الرأي والسالمة حين يبدونه. كما

أنها تبين أمورا كثيرة عن الخطاب الديني الذي يشكل وعي

أبنائنا فيتبنون لغته ويحددون مواقفهم انطالقا منه.

اآلخر فهو خطاب يقوم على "النصيحة" التي تفترض أن

مخطئ ضال في أية حال، وهذا ما يوجب تبيين خطئه والدعاء

له بالهداية إلى طريق الصواب. فال مجال الحتمال أن يكون

اآلخر قد تصرف انطالقا من أدلة يستند إليها أو صدر عن

اجتهاد يتوسل ببعض العوامل التي غابت عن الناصح. فاألمور

لى باطل.واضحة كالشمس؛ فأنا على حق واآلخر ع

وهو خطاب يقوم على الحماس للرأي والوثوق به دائما؛

م بها والقائل به ليس بحاجة إلى التثبت من المعلومات التي يقو

شخصا آخر. فالطالب يأخذ علي اني أدعو في الفصل إلى قيادة

المرأة للسيارة. وال يخفف من األمر شيئا أن يقول إنني أقوم

ال هو: هل حدث ذلك مني؟ وإذا حدث، بذلك "أحيانا". لكن السؤ

فكم مرة؟ وفي أي سياق؟ وما الحجج التي احتججت بها، إن

فعلت؟ إن ذلك كله غير مهم؛ فالتهمة جاهزة. وأتوقع أن الطالب

أورد هذه الدعوى لغرض تكثير المآخذ علي؛ إذ ربما ال يستحق

مأخذ واحد عناء تقديم "النصيحة"!

ر؛ وهو أن خطابنا الديني يبدو ويالحظ في الرسالة أمر آخ

أحيانا غير واثق من قوة الحجج التي يستند إليها. لذلك ت دعم

اآلراء الدينية المختارة ال باألدلة من الكتاب والسنة وحدها، بل

تدعم كذلك باللجوء إلى العادات والتقاليد و"ما عليه أهل هذه

التعليم

142

ه الرسالة. البالد"، أو االستنجاد بالحمية القبلية، كما في هذ

وربما يدل اللجوء إلى العادات والتقاليد والنخوة القبلية في

االحتجاج على ما يكمن في الالشعور، وهو أن القائل بهذه

اآلراء يعرف يقينا أن األدلة التي يعتمد عليها يمكن أن تعارض

بأدلة أخرى لها نصيب من القوة ربما يساوي أو يفوق أدلته.

شعور غير الواعي بضعف الحجة، ي لجأ إلى وانسياقا مع هذا ال

تعضيدها بأمور أخرى يحتفي بها مجتمعنا بقدر يفوق احتفاءه

باألدلة أحيانا.

ومن الغريب أن يلجأ الخطاب الديني إلى االحتجاج

بالعادات والتقاليد مع أنه يعلن دائما أن الفيصل في األمور

وء إلى النخوة الدينية هو الدليل الشرعي وحده. كما يخرج اللج

القبلية لتدعيم الرأي على ما نعرفه من نفور التيار الديني عندنا ـ

ألسباب عديدة ـ من االحتفاء بهذا العامل.

ويأخذ علي الطالب حديثي عن تشومسكي في تدريسي؛

مع أن أي حديث عن علم اللغة المعاصر، وهي المادة التي

سها، ال بد أن يتضمن اإلشارة إلى ن ظريات هذا اللساني الفذ. أدر

وال يمكن أن ي فهم الحديث عن نظريته على أنه إطراء لمجرد

اإلطراء.

وتبين الرسالة عدم وضوح مبدأ الوالء والبراء في

خطابنا الديني. فيقال لنا إن إعالن الوالء للمؤمنين والبراءة من

المشركين من مبادئ اإلسالم الكبرى. وبعد هذا اإلعالن

تبذل محاوالت جادة لتخفيف الحدة التي يمكن أن ي فهم الصارم

التعليم

143

بها. ومن ذلك التمييز بين المعاملة اليومية والموقف المبدئي من

"الكافر"، مثال.

ومثال تشومسكي مهم في تبيين الصعوبة التي يواجهها

تطبيق "البراء" بهذه الصورة في كثير من الحاالت. فتشومسكي

فل بهذا االنتماء وال يمارس التعاليم يهودي األصل؛ لكنه ال يح

اليهودية. فهل نبرأ منه في هذه الحالة مع أنه ال يمثل اليهودية؟

وهل يمكننا، إذا تعذر علينا البراءة منه ألنه ال يمثل اليهودية،

أن نبرأ منه بالتبعية لبراءتنا من إسرائيل اليهودية التي تحتل

بالد المسلمين وتقتلهم وتضطهدهم؟

أن تشومسكي، ومنذ خمسين عاما، من أبرز نقاد هذا غير

الكيان الغاصب ومن أبرز المنافحين عن حقوق الفلسطينيين.

فهل يمكن، إذن، أن نبرأ منه ونحتفي به في الوقت نفسه نظرا

لمواقفه المشرفة في الدفاع عن القضايا العربية؟

وربما يوجب هؤالء "البراءة" منه ألنه أمريكي ألن

ا تحارب المسلمين اآلن وتحتل بعض بلدانهم. لكن أمريك

تشومسكي، وهو أمريكي، معروف بخصومته المبدئية الصارمة

للسياسة الخارجية األمريكية في العالم، منذ أكثر من خمسة

وأربعين عاما. وهو يوجه قسطا كبيرا من نشاطه نحو فضح

بية إلى التدخالت األمريكية الظالمة في العالم، من أمريكا الجنو

جنوب شرق آسيا مرورا بالعالم العربي واإلسالمي. وقد القى

في سبيل ذلك أنواعا من العداء الشديد من بعض اليهود الذين

يصمونه بأنه "كاره لنفسه"، ومن جماعات الضغط المختلفة

التي تساند اإلدارات األمريكية، ومن إسرائيل، ومن الشركات

التعليم

144

ارساتها االستغاللية وتحالفها الكبرى التي يعمل على فضح مم

الوثيق مع القوى المتنفذة في العاصمة األمريكية.

فهل تجب البراءة من غير المسلمين مثل تشومسكي

ون بكثير من المزايا وآالف الكتاب والناشطين الذين يضح

وراحة البال من أجل الدفاع عن القضايا العربية ومعارضة

ومن يدور في فلكها؟ وهل يجب السياسات الخارجية األمريكية

أن نعلن البراءة من الماليين من غير المسلمين، خاصة في

أوروبا وأمريكا، الذين يخرجون في المظاهرات العارمة ضد

السياسة األمريكية واإلسرائيلية؟ وهل تجب البراءة من ماليين

العلماء والباحثين والمدرسين الذين يشغلون أنفسهم طوال

تاج العلوم وتوسيع أفق المعرفة اإلنسانية؟ وهل حياتهم في إن

تجب البراءة من الباليين من غير المسلمين في العالم الذين لم

ومن أعجب ما في هذه الرسالة أن يقول يضرونا بشيء؟

الطالب إنه "البد من بغض وكراهيته" مع إمكان االستفادة من

آرائه "الموافقة للشرع".

ذا الموقف ليس ممكنا وليس وال بد أن نلحظ هنا أن ه

إنسانيا أبدا؛ إذ كيف نستفيد من آرائه ونبغضه في الوقت نفسه؟

إن هذا من أوضح األمثلة لنكران الجميل، بل ربما يدل على

انفصام الشخصية والنفاق. ثم كيف نقيس آراء تشومسكي

بـ"الشرع"، مع أن آراءه ال عالقة لها بشيء يتعلق بالدين

القول إن آراءه السياسية واللغوية ال تتعارض مباشرة؟ بل يمكن

مع ما يدعو إليه الدين. فهو ينادي بالعدل ورفع الظلم عن

الشعوب المقهورة وإعادة الحقوق إلى أصحابها، ويقف في وجه

الظالمين والمتسلطين ومتسخدمي القوة العسكرية في ممارسة

التعليم

145

مسار يزيل هذا الظلم وهذا التسلط. كما تسير آراؤه اللغوية في

من طريق اإلنسانية واحدة من أصعب المعوقات في سبيل

"التعارف" بين البشر الذي هو من آيات هللا تعالى. فقد نتج عن

تنظيراته للغة البرهنة على أن اللغات جميعها متماثلة في

أنظمتها اللغوية، وهو ما يقطع السبيل على أن يفخر أهل لغة

على واحد من أكبر أسباب على أهل لغة أخرى. ويقضي هذا

المشكالت الناتجة عن االدعاء بالتفوق الثقافي والعرقي واللغوي

واتخاذ ذلك ذريعة الحتقار اآلخرين والفخر عليهم.

ومحصلة القول أن هذه الرسالة تكشف الستار عن بعض

مشكالتنا التربوية وبعض مشكالت الخطاب الديني لدينا، وهي

وإعادة التفكير فيها وفي مقتضياتها مشكالت البد من مساءلتها

ومن ثم محاولة فقه اإلسالم فقها يتناسب مع ظروف العصر

الحاضر لنخرج من مثل هذا التخبط واألزمات المتتابعة مع

اآلخرين.

م.13/4/2224 /24/3/1425( 1322)العدد ال ط *

قليل من االعتراف ـ كثير من التسويغ!

ل السنة الماضية، كثيرا من نشرت الصحف المحلية، خال

المقاالت والتعقيبات التي يشكو فيها كتابها من الممارسات التي

التعليم

146

تتلبس بالتعليم، كشيوع الوعظ واإلرشاد بين المعلمين وصرف

بعض الوقت المخصص لتدريس المقررات لهذا الغرض.

وقد قابل بعض المسؤولين في وزارة التربية والتعليم

وبعض المعلمين تلك الملحوظات بإنكار وجودها أو بالدفاع

عنها، مبينين أن "الدعوة" جزء أساس في نظامنا التعليمي،

ع لمثل هذه واستشهد كثير منهم بوثيقة سياسة التعليم التي تشر

الممارسات.

اآلونة األخيرة يعترفون لكن بعض المسؤولين بدأوا في

ون بأنها خروج فعلي عن بوجود هذه الممارسات، بل أخذوا يقر

أهداف التعليم. غير أن هذا االعتراف يأتي دائما مغلفا بطبقات

كثيفة من التمريض والتسويغ والتقليل من خطأ هذه الممارسات.

وبدأ معالي وزير التربية والتعليم هذا المنحى في مقابلة

هـ. 21/1/1425ها جريدة عكاظ في عددها الصادر في نشرت

فقد أجاب عن سؤال عن مدى ثقته بالمعلمين بأن هناك ". . .

ألف معلم ومعلمة، وأن يخرج فرد أو أفراد 400أكثر من

معدودون )عن سياسة الوزارة( فهذه طبيعة البشر. . .".

مين وفي إجابته عن إن كان قد أ قصي أحد ". . . من المعل

والمعلمات لوجود شبهات حولهم فيما يتعلق بتكريس التطرف

والخروج عن المناهج"، قال: "لدينا أناس تثبت عليهم قضايا

نسميها قضايا سلوكية وأخالقية وإذا ثبتت استبعدناهم. نعم لدينا

حاالت ولكن ليست باآلالف. مر علي في حياتي الوظيفية منذ

العشرات، وهي قضايا سلوكية أن تسلمت الوزارة عدة حاالت ب

وأخالقية". وعند سؤاله عن إن كان لهذه القضايا عالقة

التعليم

147

بالتطرف والتحريض على العنف، أجاب بأن "التطرف جزء

من االنحراف السلوكي. . .".

وفي إجابته عن إن كان هناك معلمون أو معلمات

يخرجون عن المقررات أو المناهج الدراسية قال إنه "ال سبيل

ألف 30على اإلطالق، لكن عليك أن تقدر إذا كان لدينا لهذا

مدرسة بمعدل ال يقل عن مائتي ألف فصل للبنين والبنات فهل

تتوقع أن تقف على كل فصل حارسا. . .".

وتحمل اإلجابات األولى بعض االعتراف بوجود المشكلة،

لكن هناك تناقضا في اإلجابة األخيرة بين اإلنكار الحاسم لوجود

لمين أو معلمات يخرجون عن المقررات أو المناهج الدراسية مع

وبين التعلل باستحالة اإلحاطة بما يحدث في الفصول الدراسية

التي تعد بعشرات اآلالف. ويعني هذا أن الوزارة تحس بوجود

ممارسات غير طبيعية مثل هذه لكنها تسعى إلى تبرئة نفسها من

المسؤولية عن ذلك.

عتراف المشوب باإلنكار والتسويغ صار ويبدو أن هذا اال

سياسة متبعة للوزارة في محاولتها مواجهة شكوى كثير من

المواطنين من خروج التعليم في مدارسنا من "التعليم" إلى

"الدعوة".

م رجال وتؤخر أخرى في ومما يشهد بهذه السياسة التي تقد

التعامل مع هذه المشكلة ما نشرته جريدة الوطن

عن اللقاء األول لمعلمي التربية اإلسالمية في هـ(21/3/1425)

رجال ألمع بعنوان "الفرج: استقطاع وقت من زمن الحصص

التعليم

148

للوعظ واإلرشاد يخل بأهداف المناهج المقررة أصال". وربما

يوحي هذا العنوان بأن هناك سياسة جديدة ستتبعها الوزارة في

أن هذه البشارة معالجة هذا األمر؛ لكن الخبر بتمامه يوضح

دفنت تحت ركام من التسويغ لهذه الممارسة نفسها.

فقد تضمن الخبر أن مما ط رح في اللقاء ". . . أن بعض

المعلمين في المدارس يستقطعون بعض الزمن من الحصة

األساسية ويسخرونه للوعظ واإلرشاد، )مثلما( يفعل معلم اللغة

ى الزمن المتبقي من اإلنجليزية بحجة أنه لم يعد بحاجة إل

الحصة. وقد رد الفرج بقوله: لقد تردد بين الفترة واألخرى

شكاوى بعض أولياء أمور الطالب حول اقتطاع بعض معلمي

المواد المختلفة مثل اللغة اإلنجليزية أو الرياضيات أو العلوم أو

غيرها جزءا من زمنها للوعظ واإلرشاد . . ." )ويشهد هذا بأن

ال تأتي، غالبا، من معلمي المواد الدينية، بل من هذه المشكلة

معلمين غير مؤهلين أصال لهذا النشاط(. ويشبه هذا أن يكون

إقرارا بوجود المشكلة وبشكوى "بعض" أولياء األمور منها.

وكان مثل هذا مستحيال في الماضي.

لكن هذا المسؤول عاد، بدال من معالجة هذه القضية،

مبطنا، فيقول: "وإذا كان هذا يحدث فعال لينكر وجودها إنكارا

فال بد من إيضاح عدد من النقاط وهي، أوال: إن من يفعل ذلك

من المعلمين فإنما يفعله من باب اإلخالص والنصح ألبناء

المسلمين. ثانيا: إن هذا ال يمثل ظاهرة لدى المعلمين، فالسواد

ظيفية، األعظم من المعلمين وهلل الحمد يدركون واجباتهم الو

ويقومون بها على أكمل وجه. ثالثا: الزمن المحدد لكل مقرر

وضع ليكون كافيا لتحقيق أهداف وغايات المنهج، واقتطاع

التعليم

149

جزء منه للوعظ واإلرشاد يخل بتحقيق أهداف المنهج الذي

اقتطع منه هذا الزمن".

وأنا أدعو القارئ الكريم إلى تأمل هذه األقوال المتناقضة

أن نستخلص منها إال أن سياسة المراوغة صارت التي ال يمكن

سياسة مرسومة، أو أن منسوبي الوزارة ال يعرفون كيف

يعبرون عن ما يريدون.

إذ إن قوله "إن كان هذا يحدث فعال" إنكار مبطن أن هذا

يحدث؛ أو أنه سعي للتقليل من شأنه. وكان األجدر به أن يتحقق

علومات صحيحة. من صحة الشكوى وأن يبني موقفه على م

لكنه اختار، بدال عن ذلك، االعتذار عن "من يفعل ذلك" من

المعلمين بأنه من "باب النصح ألبناء المسلمين"، ثم يبين أنهم

أقلية. ومع ذلك يشير إلى أن هذا االستقطاع "يخل بتحقيق

أهداف المنهج". فإذا كان يعرف أن هذا االستقطاع يخل بأهداف

األعذار لمن يقع في هذه المخالفة القانونية؟المنهج فكيف يتلمس

وال يمكن لمثل هذه االعتذارات والتسويغات المنقوصة

التي يقصد منها تقليل حجم المشكلة والتهرب من المسؤولية أن

تسهم في تدعيم الثقة بالوزارة وال بالمسؤولين فيها. ومن هنا،

جد: فإما أن فليس أمام الوزارة إال أخذ هذه القضية على محمل ال

تكون هناك مشكلة فتعترف بها وتعمل على عالجها، وإما أن

تبين للناس أن هذه اتهامات باطلة فتدافع عن نفسها دفاعا علميا

مقبوال. أما أنصاف الحقائق وأشباه التسويغات ومحاولة التملص

من المسؤولية فال تزيد األمر إال إشكاال.

شارة إلى "ضعف ومن الالفت للنظر في هذا الخبر اإل

الطالب في القرآن الكريم"! وهذا أمر غريب جدا في مدارس

التعليم

150

ينتشر فيها "الوعظ واإلرشاد". فكيف يحدث هذا؟ ويبدو أن

سبب هذه المشكلة أن هذه المدارس مشغولة بـ"الوعظ

واإلرشاد" عن تعليم القرآن الكريم تعليما جيدا، أو أنه أمر

على تدريس الكتاب الكريم ثانوي. أو ربما يعني أن القائمين

يريدون من الطالب مستوى ال يتحقق إال للمتخصصين في حفظ

القرآن الكريم وتجويده. وهذا أمر ال يجوز السكوت عليه.

ومما يالحظ في الخبر كذلك أن اللقاء انتهى بتوزيع

"كتيب" بعنوان "تحفة المعلم". ولم يورد الخبر شيئا عن محتواه

أحد "الدعاة" كتب مقدمته. ويبعث هذا على إال اإلشارة إلى أن

التساؤول عن إن كان هذا "الكتيب" يماثل تلك الكتيبات التي

ترشد المعلمين والمعلمات إلى بعض الطرق الناجحة في

"الوعظ واإلرشاد".

غ لهذا السؤال أن هناك "كتيبات" أخرى تنتشر في والمسو

الدكتور عبد المدارس هدفها "الوعظ واإلرشاد". وقد كتب

( عن واحد 25/11/2003الرحمن الواصل في جريدة الجزيرة )

منها بعنوان "خمس وخمسون طريقة لنشر الخير في

المدارس". وهو يتضمن تعليمات مفصلة للنشاطات التي ي حث

المعلم على القيام بها من أجل هداية الطالب إلى الخير.

قصية لبرمجة والمتأمل في هذه الطرق يجد أنها محاولة مست

الطالب على كثير من الممارسات التي تشغلهم عن الدراسة

النظامية بملء أوقاتهم بما يصرفهم عنها من المستحبات. وربما

يفسر إشغال الطالب بمثل هذه النشاطات انقطاع بعض الطالب

عن الدراسة النظامية والتحاقهم بدال عن ذلك بطرق موازية

التعليم

151

كن أن يؤدي بهم إلى االلتحاق أخرى للتعليم وهو ما يم

بالجماعات التي تمارس العنف الذي نشكو منه اآلن.

وكما قدمت ال بد أن تبين الوزارة ألولياء األمور سياستها

تجاه بعض الممارسات التي تشيع اآلن في المدارس. ويجب

عليها كذلك أن تكون قدوة لنا جميعا في االستخدام اللغوي

ن نضع ثقتنا فيها لتعلم أبناءنا اإلبانة المبين؛ كيف ال ونح

واستخدام اللغة استخداما كفئا.

وأرجو أال يقفز أحد إلى اتهامي بمعاداة الخير؛ فأنا لست

ضد تعليم الدين، بل إني أدعو إلى التوسع فيه بشرط أن يكون

ما نعلمه منه سبيال للوعي الحقيقي بالدين نفسه، وأن يكون

ئنا ضد االنخراط في سلك المفرطين أو عامال لتحصين أبنا

الغالة.

م.22/5/2224 /1/4/1425(، 1329)العدد * ال ط

لمن يريد برهانا آخر

تكررت الشكوى من سيطرة األدلجة على التعليم في

بالدنا. وقد أورد عدد من الكتاب كثيرا من األدلة الواضحة التي

ات الدراسية وعلى تبرهن على خطورة هذه المشكلة في المقرر

التعليم

152

مدى انتشارها في المدارس بسبب انتماء كثير من المعلمين لما

يسمى بـ"الصحوة" مما جعل كثيرا منهم يستنفد جهده في سبيل

"الدعوة" بدال من استنفاد ذلك الجهد في التعليم. ومع ذلك فما

يزال هناك من ينكر وجود هذه األدلجة، وهناك من يرى أن

بل أمرا طبيعيا يعبر عن الهوية اإلسالمية وجودها ليس مأخذا

لهذه البالد وعن مهمة التعليم في إبراز هذه الهوية.

وإسهاما في إيراد مزيد من األدلة على وجود هذه الظاهرة

ومن أجل التدليل على تجذرها ومدى خطرها على التعليم ولغة

صرف التعليم أورد هنا مثاال قريبا هو ورقة امتحان النحو وال

في "اختبار شهادة الثانوية العامة ـ القسم العلمي ـ بنات" الذي

هـ.11/4/1425عقد يوم األحد

فقد تضمنت هذه الورقة أربعة أسئلة بفقرات متعددة

تصطبغ النصوص النثرية والشعرية كلها فيها بصبغة

إيديولوجية غير ضرورية. يضاف إلى ذلك أنها نصوص

رمت من أية مسحة من الجم ال اللغوي. والواضح أنها ح

اختيرت، أو أنشئت، من أجل ما تحمله من المعاني الدينية أو

"الوطنية" التي ل بست لباسا دينيا، وكان ثمن ذلك التضحية

بالجانب اللغوي الذي كان يجب أن يكون المقصد األول. ويجب

أن نلحظ هنا أن هذه الورقة لم تتضمن آية قرآنية كريمة واحدة

حديثا نبويا شريفا واحدا وال مثاال عربيا جميال من النثر أو وال

الشعر.ويتكون السؤال األول من النص التالي وبعض األسئلة

الصرفية عليه:

التعليم

153

"تعد الحوادث اإلرهابية واإلجرامية التي حدثت في بالدنا

سرطانا نبت في رحم هذا الوطن، هدف ه زعزعة األمن،

وتقويض أبنية المجتمع.

الرغم من مرارة الحدث، ودهشة الصدمة في وعلى

ظهور عدد من الشباب بثوب جديد لم نألفه منهم، بعدما خالفوا

مقاصد اإلسالم، وخلعوا عباءة الطيبة واالعتدال، وارتدوا عباءة

مغايرة، وجه ها مليء بالتخريب والعنف األعمى واستباحة

دنا بما رأيناه من عزيمة ر جال األمن األنفس ـ إال أننا سع

وتضحياتهم، وجهود الدولة وعلمائها القتالع هذه البذرة الشاذة

المؤذية.

وستبقى هذه البالد ـ بإذن هللا ـ متماسكة ومعتزة بتاريخها

ها الرياح الهائجة، وال تلدغها السموم القاتلة، الديني، ال تهز

وستزداد عطاء ونماء، وستظل بين جوانحها قلوب آمنة

للهم احفظ هذا الوطن حرما ومسجدا وإنسانا وسهال مطمئنة. ا

وجبال".

وركاكة هذا النص واضحة، وهو نص متحذلق ويتضمن

استعماالت غريبة. ومن هذه االستعماالت: ". . . نبت في رحم

هذا الوطن" )والوطن مذكر؛ فكيف يكون له رحم؟(، و"ظهور

ح أولئك عدد من الشباب بثوب جديد. . ."، وهو تعبير كأنه يمد

الخارجين على األمة بالوصف المحبب "شباب"، كما يتعارض

وصف ما يرتدونه بأنه "ثوب جديد" مع الرغبة في التنفير منهم

ومن أفعالهم، و"ارتدوا عباءة مغايرة، وجهها مليء بالتخريب

والعنف األعمى واستباحة األنفس"، فهل للعباءة وجه؟ وكيف

و"معتزة بتاريخها الديني"، فهل يكون مآلنا باألشياء المذكورة؟

التعليم

154

هو تاريخ مختلف عن أنواع أخرى من التواريخ؟ و"ال تلدغها

السموم القاتلة"، فهل السموم هي التي تلدغ، أم أنها الحيات

مت عين الفعل "سعدنا" مع أنه من والعقارب؟ وأخيرا فقد ض

باب "فرح".

عن أما السؤال الثاني فيتكون من فقرتين. وي سأل فيهما

قضايا صرفية ونحوية باستخدام كلمات دينية. فتطلب الفقرة

األولى اختيار الكلمة التي تصلح تمييزا في جملة: "حفظت من

سورة البقرة مائة. . . )آية(. وتسأل الفقرة الثانية عن "النسب"

إلى كلمة "هجرة". وتتكون الفقرة الثانية من السؤال عن األعداد

ن فتح مكة. ويطلب فيها اإلتيان بكلمة والتمييز في جملة ع

"مجاهد" تمييزا لعدد الجيش الذي اشترك في فتح مكة.

ومن المعلوم أن هذه الكلمة لم ترد في المصادر تمييزا

لعدد الصحابة الكرام الذين اشتركوا في تلك الغزوة. وربما دل

إيراد كاتب هذا االختبار لها هنا على تجذر هذه الكلمة في ال

مما جعلها تنزلق على لسانه في سياق لم تستعملها وعيه

المصادر فيه.

ويتضمن السؤال الثالث خمسة أبيات. ولست أدري إن

كانت هذه األبيات مأخوذة من قصائد موجودة فعال، أم أنها من

"إبداع" واضع األسئلة. ويبدو أن البيت األول منها جيئ به

فس اإليديولوجي الظ اهر في األبيات للتغطية على الن

األربعة األخرى. والبيت األول هو:

تميل ل ق اا أ نار فادنا م غي ح

ال .

التعليم

155

وهو بيت ركيك جدا، وفيه مبالغة ال أظن الممدوح

يرضاها حتى لو كان البيت جميل الصياغة. ويلحظ أن هناك

ضعفا في صياغة البيت ربما يؤدي به إلى أن يكون قدحا ال

دحا. ذلك أن "أعلى" الغصون في الشجرة رقيقة وضعيفة م

ويمكن أن يميلها الهواء واألشياء الخفيفة. وبذلك فإن هذه

"الصنائع" ست ميل هذه الغصون حتما، وإن كانت قليلة. كما أن

في البيت ضرورة شعرية تتمثل في تسكين "القاف"، وهناك

ي "ثقلها" "فتحة" على "النون" في "فهدنا" وعلى "الهاء" ف

المتبوعتين باأللف، وهو تزيد في الضبط، إن أحسنا الظن.

أما البيت الثاني فهو :

ل ذ تا تك تنطق إ الدم ع أخيت

أف

وت ستعمل كلمة "أخيتي" اآلن بكثرة في الخطاب

ه إلى المرأة. وهي حذلقة إيديولوجية "الصحوي" الموج

بيت ركيك الصياغة ومآلن بالدموع واالغتيال واضحة. وال

والفضائح!

والبيت الثالث هو:

لقد م الق آ بي ق بنا ما ا تمع ف ال احتي

األ اب

وهذا عبث ببيت جميل للشاعر العذري قيس بن ذريح،

وهو:

لقد ث ت ف الق منك مح ة ما ث ت ف

ال احتي األ اب

التعليم

156

ومن المالحظ أن العابث ببيت ابن ذريح لم يوفق ألن

ب صيغة الفعلين في بيت ابن ذريح واحدة، وهو مما يقر

التشبيه، أما في البيت المسروق فهما صيغتان مختلفتان: "فعل"

و"افتعل"، مما يجعل التشبيه بعيدا.

وال يبعد أن يكون هذا العبث واحدا من مظاهر "األسلمة"

عنها، حين تبلغ مداها المنطقي، تحريف الشعر التي سينشأ

العربي الذي ال يتوافق مع أذواق اإليديولوجيين الذين ينظرون

لـ "األدب اإلسالمي" وأهوائهم.

التعليم

157

والبيت الرابع هو:

أرتل آ ة م بعد أخ ى أن ف الخمارل ندلي

وهو دليل بين على المدى البعيد الذي يمكن أن يصل إليه

االفتقار إلى الذوق اللغوي. بل ربما يصل األمر بهذا البيت أن

يكون تشبيها لتالوة القرآن الكريم بغناء العصافير، أو بالغناء!

وهي صياغة ساذجة في أية حال، وال يمكن أن يتذوقها ويعجب

بها إال من حرم موهبة التذوق اللغوي والجمالي للشعر. كما أنه

جيا خانقة.فج لما فيه من إيديولو

والبيت الرابع هو:

أ اه ا أبت أمجادنا ختا ف ق رفاتاا الجةد

وهو نموذج للتحريض الذي أنتج لنا شبابا غاضبا ال يجد

ه أسلحته إلى متنفسا لغضبه وشعوره باإلحباط إال أن يوج

صدورنا بعد أن س دت في وجهه السبل األخرى لالنتقام من

لحقيقيين والمتخيلين."األعداء" ا

ويتضمن السؤال الرابع البيت التالي:

احفظ ل انك، احت م لفظه فالم م بال ا

عط

وهو من أبيات "الحكمة" التقليدية الممجوجة التي تحض

على الصمت وعدم إبداء الرأي خوفا من العواقب الوخيمة التي

وزارة التربية تنجم عن ذلك. وهذا غريب في وقت تسعى

والتعليم إلى تشجيع الطالب والطالبات على الحوار وعدم

ل مسؤولية ذلك. الخوف من إبداء الرأي وتحم

التعليم

158

ومحصلة القول أن هذه الورقة برهان واضح على

السيطرة اإليديولوجية على مفاصل مهمة في وزارة التربية

ة كانت والتعليم في بالدنا. ومما يدعو إلى القلق أن هذه الورق

نتيجة لعمل فريق من المسؤولين عن تدريس اللغة العربية في

الوزارة. ويعني ظهورها بهذه الصبغة اإليديولوجية والضعف

والخطأ اللغويين أنها ربما تعبر عن مستوى هذا الفريق الذي لم

يجد فيها بأسا، أو ربما عن مستوى القائمين على تدريس اللغة

أجازوها بهذه الصورة. العربية في الوزارة الذين

ويجب أن أوضح هنا أنني لست ضدا ألن تتضمن

المقررات الدراسية القيم اإلسالمية والقيم األخرى السامية. لكن

نقل هذه القيم والمث ل إلى الطالب والطالبات يجب أن يكون من

خالل نصوص عربية جميلة تتصف بالبناء اللغوي المتين

الخيال، وأن تحترم عقول الطالب والتصوير الفني الذي يثري

والطالبات بخلوها من التهافت والسذاجة والتحذلق واألدلجة.

إن المهمة التي يجب أن تقوم بها وزارة التربية والتعليم

هي تمكين الطالب والطالبات من التمرس بلغة عربية سليمة

مؤدية ت سهم في االرتقاء بأذواقهم وتكسبهم الرصانة اللغوية

سبيال الطالعهم على النصوص الجميلة التي كتبت وتكون

بصورة طبيعية وتزخر بها المصادر العربية بدال من االكتفاء

بنصوص إنشائية يصوغها بعض البيروقراطيين اإليديولوجيين

للتعبير عن إيديولوجياتهم وفرضها من ثم على المقررات

واالختبارات.

م.3/6/2224 /15/4/1425(، 1343*ال ط )العدد

التعليم

159

وأمثلة أخرى

أشرت في مقالي السابق إلى ما ظهر في ورقة اختبار مادة

النحو والصرف للسنة الثالثة الثانوية ـ بنات من ضعف لغوي

بين وتحويل للدين إلى شعارات إيديولوجية. لكن هذا الضعف

اللغوي واألدلجة ليسا مقصورين على هذه المادة، بل هي

ظاهرة عامة.

ا أن ما يمنع إصالح هذا القصور أن القائمين ويبدو جلي

على التعليم العام بحاجة، هم أنفسهم، إلى من يصلح لغتهم

ويبصرهم بأن من الخير للدين أال يتحول إلى شعارات على

ذر هذين حساب الجوهر. وسأورد هنا مزيدا من األمثلة على تج

المشكلين في التعليم العام في بالدنا.

ده في ورقة اختبار مادة الكيمياء الختبار فمن ذلك ما نج

الثانوية العامة )القسم العلمي( ـ بنات، الذي عقد يوم األربعاء

هـ، مثال. 14/4/1425

( ". . . لذا فأنه" 2ـ ففي السؤال األول )الفقرة أـ1

)والصحيح: فإنه(.

ـ وفي السؤال الثاني )الفقرة أ(: "أشتهر استخدام 2

"اشتهر"(. األسبرين"، )والصحيح:

(: "بظهور راسب 1ـ وفي السؤال الثالث )الفقرة ب ـ 3

لون أسود"(. ذو لون أسود"، )والصحيح: "ذي

ـ وفي السؤال الثالث )الفقرة جـ(: "وماألسم"، )وفيها 4

خطآن: غياب األلف في أداة التعريف، ووضع الهمزة

على األلف في "اسم".

التعليم

160

اإلسالمية" فقد أما في اختبار مادة "الحديث والثقافة

وردت ثالثة أخطاء في كتابة الهمزة: فاألول أن كلمة

"اإلسالمية" كتبت خالية منها. أما الخطآن اآلخران فهما وضع

الهمزة في مواضع ليست فيها، إذ وضعت تحت األلف في

كلمتي "االنحراف" و"االستئذان".

وتوحي مشكلة الهمزة في االختبارين كليهما أن واضع

ال يقيم وزنا لقواعد كتابتها، أو أنه ال يعرفها، مع أنها األسئلة

تعلم منذ المرحلة االبتدائية. وعدم االلتزام بتلك القواعد سبب

لشيوع األخطاء اآلن في كثير مما يكتبه الطالب والطالبات في

الجامعات أو ما يكتبه الناس عموما. ورب قائل إن هذه مسألة

ك فلتعلن الوزارة أن هذا األمر تافه تافهة؛ وإذا كان األمر كذل

وتريح الناس من تعلم قواعد كتابة الهمزة.

( من اختبار 2وهناك خطأ في السؤال األول )الفقرة أ ـ

"الحديث والثقافة اإلسالمية"؛ فقد كان السؤال عن "مفاسد"

السفور، وكان المفروض أن يطلب شرح "اثنتين" منها، لكن

.السؤال يطلب شرح "اثنين"

ويظهر خطأ ثالث في كتابة الفعل "نغدو"، فقد كتب:

الخطأ الرابع في حديث المرأة "سفعاء" الخدين "نغدوا".

المشهور. فقد وردت هذه الكلمة في السؤال هكذا: "سعفاء"

و"سعف خدها".

وقد لفت نظري هذان الخطآن؛ إذ كيف يجوز أن يمرا

ارة. لكني على مالحظة المسؤولين عن االختبارات في الوز

التعليم

161

وجدت تفسير ذلك حين رجعت إلى الكتاب المقرر فوجدت أن

، أما 119كلمة "نغدوا" وردت بهذه الصورة في الصفحة

.104"سعفاء" فوردت بهذا الشكل في الصفحة

فالخطآن موجودان إذن في الكتاب المقرر الذي لم يعتن

بتصحيحه، فصارا صحيحين في ع رف واضع األسئلة، بل ربما

مدرسي المادة وتالميذهم ومدرساتها وتلميذاتهن. ويفسر عند

الخطأ األول ذلك الخطأ الشائع في كتابة ألف في األفعال التي

تنتهي بواو مثل "أرجوا"، وغيره.

وقد استغرب بعض القراء استنكاري في إحدى مقاالتي

لـ"إدخال الدين في كل شيء". ويشهد اختبار الكيمياء هذا

قد كان السؤال الثاني )الفقرة أ( عن التركيب بصحة قولي. ف

الكيميائي لإلسبرين الذي و صف بأنه مسكن وخافض للحرارة. .

}وإذا مرضت فه و . إلخ. لكن هذا السؤال بدأ بإيراد قوله تعالى:

. ويبدو إيراد اآلية الكريمة في هذا ( سورة الشعراء11) يشفين

البات يؤمن أن هللا هو الذي يشفي من الموضع تزيدا ألن الط

األمراض وأن األدوية ليست إال أسبابا، وال حاجة لتذكيرهن في

هذا المقام، وليس لآلية الكريمة صلة مباشرة بالتركيب

الكيميائي لهذه المادة. لكن واضع األسئلة ال يرضى باإليمان

أ عن الذي يستقر في القلوب؛ فهو يريد أن يعلن عنه. وربما نش

إيراد هذه اآلية شيئا من االضطراب في فهم السؤال يمكن أن

يستغرق من الطالبة وقتا لتتبين أن اآلية ليست جزءا من

من أمثلة إدخال الدين في كل شيء أن النبات المعروف السؤال.

بـ"عباد الشمس" س مي في االختبار بـ "تباع الشمس".

التعليم

162

بار. وليس هناك من ومنها الدعاء الذي ورد في أول االخت

ضرورة لمثل هذا الدعاء؛ لكنها محاولة "الصحويين" اإلعالن

عن حضورهم في كل شيء حتى في الدعاء الذي ال يرضون

أن يكون بين العبد وربه، بل يجب أن يكون علنيا وبتوجيه منهم.

وقد تضمن اختبار الحديث والثقافة اإلسالمية من حيث

الحجاب. فقد ورد في ثالث الموضوع تكرارا لألسئلة عن

فقرات من السؤال األول، وفقرة من السؤال الثاني وفقرة من

السؤال الثالث. صحيح أن معظم المقرر عن هذه القضية، لكن

األولى أن تأتي هذه األسئلة في سؤال واحد، بدال من توزيعها

على األسئلة الثالثة مما يمكن أن يربك الطالبات. ثم إن تناول

لهذه القضية، واالختبار تبعا لذلك، كان متحيزا لوجهة المقرر

نظر واحدة، ولم تذكر اآلراء األخرى إال لردها وتسفيه من

يقول بها. وهذا أحد األسباب الرئيسة لنشوء طالبنا على الرأي

الواحد والضيق بما عداه، بل العداء له.

والموضوع اآلخر الذي تضمنته هذه األسئلة ويلفت النظر

رد في الفقرة )ب( من السؤال األول عن حكم السالم على ما و

الكفار وكيف يرد عليهم إن سلموا، وكيف يسلم إن كان في

المجلس كفار ومسلمون.

وقد كان هذا الموضوع مجاال لنقاش مستفيض في اآلونة

األخيرة. ومن ذلك أن معالي وزير التربية والتعليم نفى في

إليها في مقال سابق( أن مناهجنا مقابلة مع جريدة عكاظ )أشرت

تدعو إلى كراهية الغير. والواضح من األدلة الواردة في هذا

الشأن أن قضية السالم هذه كانت مثارة في مجتمع المدينة حين

التعليم

163

صحابه. فهي إذن مقيدة وأ كان اليهود يؤذون الرسول

بمعاملتهم في مثل هذا المقام. أما حين ال يكون هؤالء محاربين

مسالمين يخالطون المسلمين فربما ال ينطبق عليهم، خاصة بل

في بالدنا اآلن التي يوجد فيها أعداد كبيرة من غير المسلمين،

وهم مسالمون لنا )أال يمكن أن تكون تحية المسالمين من غير

ه المسلمين وسيلة لتألفهم ودعوتهم لإلسالم؟ أم أن الدعوة ال توج

إال للمسلمين؟(.

ار "التوحيد" فمصيبة لغوية. فقد ورد فيه ثمانية أما اختب

عشر خطأ نحويا وإمالئيا. وأكثر األخطاء اإلمالئية في كتابة

"الشدة"؛ إذ يبدو أن واضع األسئلة لم تكتحل بها عيناه قط. فهو

". و"األمة": ": "كل ": "سب"، و"كل يكتب الفعل "سب

كتابة "الشدة" في آية "األمة"، وقس على ذلك. بل لقد أخطأ في

كريمة؛ فبدال من "ت حبون هللا"، كتبها "تحب ون". وإذا كان

واضع األسئلة في مادة "الحديث والثقافة اإلسالمية" زاد ألفا بعد

الفعل "نغدو"، فقد نقص واضع أسئلة "التوحيد" ألفا في الفعل

المسند إلى واو الجماعة "غلوا"، فكتبه "غلو". وهناك خطآن

نحويان: إذ كتب نائب الفاعل "أخطاؤهم": "أخطائهم". ون صب

الفاعل في عبارة "ما يعظم أصحاب محمد محمدا".

وكما غلبت "األدلجة " واضع أسئلة الكيمياء غلبت واضع

أسئلة التوحيد. فقد صدر ورقة األسئلة بقول لشيخ اإلسالم ابن

ر اإلجا بات )وفيها خطأ تيمية عن فائدة االستغفار في تذك

إمالئي(، وصدرت الفقرة األولى من السؤال األول بجملة طويلة

ركيكة تثير الشجن عن الوقفة التي يجب أن نقفها لنصرة القدس

التعليم

164

والعراق )وفيها خطأ إمالئي، أما عبارة "وهالت العراق آالما"

فال أدري ماذا تعني، وما إعراب "آالما" هنا؟(.

زم بين الضعف اللغوي الواضح ويلفت النظر هذا التال

والشحن اإليديولوجي. وربما كان سبب ذلك أن الخطاب

"الصحوي" الصاخب نقل الناس من الثقافة الكتابية التي تقوم

على التروي والتفكر من خالل التمرس بالنصوص المقروءة

إلى الثقافة الشفهية التي تعمم عن طريق المحاضرات

ا حول اللغة إلى شيء مسموع ال واألشرطة الصوتية. وهذا م

ل هذا الخطاب اإلسالم إلى نعرف شكله حقيقة. هذا بعد أن حو

شعارات ت عمم عن طريق الوعظ وما يسمى بـ "الدعوة" التي

تتسم بالحدة والمفاصلة. وهو ما أنتج كثيرا من السلوكيات

الحادة.

ل التعليم الذي ت شرف أرأيتم هذا التالزم؟ أرأيتم كيف يؤص

عليه وزارة التربية والتعليم للضعف اللغوي والشحن

اإليديولوجي الذي نعاني من نتائجه اآلن؟

ومن عجب أن هذه الوزارة التي لم تستطع تعليم أبنائنا

اللغة العربية بشكل كفء، بل تجتهد في تعميم الضعف اللغوي

وتأصيله، تطمح اآلن إلى تعليمهم اللغة اإلنجليزية في المرحلة

االبتدائية. وأقرب ما يصدق على حالها المثل الشعبي الذي

يقول: "ما أفلحت في نياق أبوي"، أي إنني لم أنجح في رعاية

إبل والدي، فكيف أنجح في رعاية إبل اآلخرين. ويعني هذا أن

من يضيع اللغة العربية فهو لما سواها أضيع.

التعليم

165

م.12/6/2224 /22/4/1425(، 1352)العدد * ال ط

التعليم

166

انحسر التنوير مثلما اختفت البسمة من عسير

كتب الزميل الدكتور على الموسى مقاال أثار كثيرا من

األشجان بعنوان"التنوير:جامعة الملك سعود أنموذجا")الوطن

م(، بدأه بالسؤال: "هل تخلت جامعة الملك 23/5/2004 ،1332

ؤال وجهه سعود عن دورها االجتماعي التنويري؟"، وهو س

محرر مجلة "بيادر" التي يصدرها النادي األدبي في أبها

لألستاذ الدكتور منصور الحازمي، أحد أعمدة التنوير الثقافي

في جامعة الملك سعود. وذكر الدكتور الموسى أن إجابة أستاذنا

الحازمي كانت "باإليجاب"، لكن إجابته المفصلة ستنشر في

.عدد المجلة الذي سيصدر قريبا

وأشار الدكتور الموسى إلى بعض معالم تخلي جامعة

الملك سعود عن الدور التنويري الذي ش هرت به، وإلى بعض

األسباب وراء هذا التخلي الطوعي أو المفروض. وال أريد

استباق إجابة الدكتور الحازمي لكني أود اإلشارة باختصار إلى

بل أن بعض المظاهر التي كانت تميز جامعة الملك سعود ق

تتخلى عن دورها التنويري القيادي، وإلى بعض األسباب التي

كانت وراء ذلك وألمح إليها الدكتور الموسى.

وكان إنشاء جامعة الملك سعود حدثا تنويريا بنفسه. ذلك

أنها أدخلت أنواعا من العلوم الطبيعية واإلنسانية في سياق ثقافة

تماعية الشديدة. كما محلية كانت تتسم بالمحافظة الدينية واالج

قامت بدور تنويري نشط من خالل النشاطات االجتماعية

والثقافية العامة فيها. ولم يكن ذلك االنفتاح منفلتا من التقيد

بالحدود الشرعية، لكنه كان يمثل خروجا على النمط االجتماعي

التعليم

167

والثقافي التقليدي الذي كان سائدا. وكانت مظاهر التنوير

في ما تقدمه كليات الجامعة كلها؛ لكني المختلفة واضحة

سأقتصر هنا على دور كلية اآلداب.

فمن مظاهر ذلك االنفتاح إدخال أساتذة الجامعة، ومنهم

األساتذة السعوديون الذي عادوا إلى الوطن حديثا في تلك

الفترة، كثيرا من المناهج وطرق النظر الحديثة في دراسة اللغة

لتاريخ. كما أنشئ في الكلية في تلك العربية واألدب العربي وا

الفترة تخصص لم يكن لي رضى عن إنشائه في السياق الديني

السائد، وهو تخصص اآلثار. وقد صمدت الجامعة في توجهها

التحديثي أمام المحاوالت التي كانت تبذل لتحجيم تلك

اإلنجازات.

واهتم أولئك الرواد بإنشاء متحفين أحدهما لآلثار واآلخر

مقتنيات الشعبية كالمالبس ومختلف األدوات التي كان لل

يستعملها الناس في الزمن السابق.

وأنشئت في تلك الفترة كثير من الجمعيات العلمية التي

ترعى النشاطات البحثية في مختلف التخصصات؛ وكان منها ـ

وهو ما صار مستغربا في الفترات الالحقة ـ جمعية للهجات

العربية.

اطات الثقافية والفكرية فقد كانت تقام بانتظام أما النش

أمسيات لشعراء من داخل المملكة وخارجها، وكان لبعضها

أصداء بقيت زمنا. وأذكر منها أمسية للشاعر السوري

المعروف عمر أبي ريشة، وأمسية مشهورة للشاعر األديب عبد

م وكانت المحاضرات العلمية والثقافية العامة تقا هللا بن خميس.

التعليم

168

بانتظام كذلك، وكان يسهم في إلقائها عدد من العلماء والمثقفين

السعوديين وغيرهم.

ومن النشاطات التي ربما ال يصدق القارئ اآلن أنه كان

مسموحا بها أنه كان ي عرض في مدرج كلية اآلداب في الملز

بعض األفالم العربية واألجنبية في أمسيات الخميس.

اعية تقام باستمرار؛ وكانت تتميز وكانت المناسبات االجتم

بجوها المرح والفرح؛ ومما ال يصدقه القارئ اآلن كذلك، أنه

كان يتخلل تلك المناسبات االجتماعية عزف وغناء ومسرحيات

وفقرات كثيرة تشيع البهجة وتروح عن النفس.

وكان قسم اللغة العربية وآدابها، الحارس األمين للتراث

أ ما ع رف في ما بعد بمهرجان الجنادرية. العربي، هو الذي بد

وكان الهدف منه توثيق الرقصات واألغاني واألهازيج الشعبية

التي تتميز بها مناطق المملكة المختلفة، باإلضافة إلى توثيق

فنون الشعر الشعبي ولغته. وكانت تلك الليالي المشهودة موضعا

ترويح في لحفاوة المواطنين وفرصا يتسابقون إلى حضورها لل

المقام األول.

ومن أهم ما كانت تتميز به جامعة الملك سعود أن أساتذتها

سون طالبات الدراسات العليا مباشرة. وكان رؤساء كانوا يدر

األقسام يجتمعون مباشرة مع عضوات هيئة التدريس.

لكن أكثر هذه المظاهر اختفى، وذلك بعد أن غشتنا

ومن العوامل التي أسهمت في الغاشية التي سميت بـ"الصحوة".

التعليم

169

تغييرها ما أشار إليه الدكتور الموسى، وأهمها خضوع الجامعة

للتوجه "األسلم" في نظرها، وهو "ما يطلبه الجمهور".

لقد كان تخلي جامعة الملك سعود عن دورها التنويري

حصيلة الزمة للجو الفكري واالجتماعي الذي فرض نفسه

لسياسية التي هربت من بلدانها بتأثير الحركات اإلسالمية ا

ووجدت ملجأ لها في المملكة في الستينيات والسبعينيات من

القرن الميالدي العشرين، وهي التي أخذت تنفذ مخططاتها في

المملكة لما أتيح لها من فرص التمكين في مجال التعليم العام

والتعليم الجامعي خاصة. ومما زاد في أثرها تالقيها مع التيار

الديني المحافظ مما أنتج مزيجا استطاع في نهاية األمر أن

يكتسح تلك الموجة التنويرية المتفتحة.

لقد بدأت مرحلة انحسار التنوير بالتزامن مع إدخال بعض

المواد الدراسية اإللزامية لطالب الجامعة. ومن أهمها ما يسمى

ات بـ"الثقافة اإلسالمية" التي تستحوذ اآلن على ثمان ساع

دراسية. والناظر في مسميات هذه المواد األربع يجد أنها، فعال،

مأخوذة بشكل مباشر من برامج الحركات اإلسالمية السياسية

ومخططاتها، ومنها مخططات اإلخوان المسلمين. وهي:

"مدخل إلى الثقافة اإلسالمية"، "النظام السياسي في اإلسالم"،

إلسالم وبناء المجتمع". "النظام االقتصادي في اإلسالم"، "ا

أما محتوى هذه المواد فغائم جدا: ذلك أن هناك خطوطا

عامة يلتزم بها مدرسو هذه المواد أحيانا، وهي كما قلت مأخوذة

سها من من برامج اإلخوان المسلمين أساسا، وكان أكثر من يدر

المتعاقدين ينتمي إلى التيارات الحركية. لكن ازدياد عدد الطالب

التعليم

170

لسنوات األخيرة اضطر قسم الثقافة اإلسالمية إلى االستعانة في ا

ببعض المدرسين المتعاونين من خارج الجامعة. وينتمي كثير

من هؤالء إلى التيار التقليدي المتشدد. لذلك نجد بعض هؤالء ال

س ما يدرسه المنتمون إلى التيار الحركي بل يدرسون يدر

المحلية المتشددة. ومن مواضيع تنبع من االختيارات الدينية

أشهرها موضوعان: الحجاب، والموقف المعادي لبعض

الطوائف األخرى.

ومن أعجب المظاهر التي سادت أن بعض أعضاء هيئة

التدريس المتميزين في تخصصاتهم العلمية كالفيزياء والعلوم

األخرى صاروا يتعاونون مع قسم الثقافة اإلسالمية، ال لتوعية

تخصصاتهم لنهضة البالد، بل ليدرسوهم برامج الطالب بأهمية

الحركات اإلسالمية السياسية التي تسعى إلى تغيير األوضاع

في البدان اإلسالمية ومنها المملكة.

أما النشاط الثقافي فقد انحسر إلى أبعد الحدود: ومن أهم

أسبابه استحواذ بعض "الصحويين" المؤدلجين من أعضاء

بية خاصة على إدارة النشاطات الطالبية التدريس في كلية التر

وتوجيهها. ونتج عن هذا أنه قلما يسمح بمحاضرة ثقافية أو

فكرية. إذ اقتصرت النشاطات الثقافية بشكل يكاد يكون كامال

في السنين األخيرة على بعض المحاضرات الدينية. ومن أهم

الشخصيات التي حاضرت في الجامعة آنذاك الغنوشي وحسن

ي وغيرهما. وتلبست اإليديولوجية النشاطات المسرحية التراب

والمسابقات الشعرية واألدبية األخرى كالخطابة وغيرها.

وال أدل على ذلك مما أشار إليه الزميل الدكتور عبد هللا

الفوزان في سلسلة من المقاالت عن النشاط الثقافي الذي

التعليم

171

ذ لم صاحب معرض الكتاب الذي أقامته الجامعة قبل سنتين. إ

تشرك الجامعة أحدا من أعضاء التدريس فيها في أي نوع من

ذلك النشاط. وربما كان ذلك اعترافا أخيرا منها بانتهاء دورها

التنويري، أو أنها صارت ال تعرف ما "التنوير"، أو أنها ال

تعرف أعضاء التدريس فيها، وكثير منهم له من النشاط الفكري

ه للمشاركة في ذلك النشاط. أو والثقافي واالجتماعي ما يؤهل

ربما أنها صارت اآلن مشاركا فاعال في وأد التنوير، وكان ما

فعلته إثباتا لـ"حسن نيتها وتصميمها على ذلك".

ومن أهم العوامل التي عجلت بوأد التنوير في الجامعة

تعرضها وتعرض أعضاء التدريس فيها إلى فيض من

على أعضاء التدريس فيها االتهامات الباطلة التي كانت تشنع

وتصفهم بالعلمانية والليبرالية أو بما هو أسوأ. بل لقد تجاوز

األمر إلى قذف طالبات الجامعة وعضوات التدريس في

أعراضهن من على بعض منابر الجمعة.

ومن شواهد هذا التغيير أن تدريس طالبات الدرسات العليا

ا كثيرا من صار عن طريق الشبكة التلفزيونية وهو ما دع

أعضاء التدريس إلى االعتذار عن تدريسهن؛ ذلك أن هذه

الطريقة توحي بأن عضو هيئة التدريس مجنون يكلم أشباحا في

غرفة صغيرة مغلقة، وعيون الرقباء تترصده لتحصي عليه

كلماته.

نعم لقد تخلت جامعة الملك سعود عن دورها التنويري

ت إلى بيئة طاردة للفكر الذي عرفت به لفترة طويلة. لقد تحول

والثقافة والنشاطات الترويحية.وقد تزامن انحسار التنوير في

التعليم

172

جامعة الملك سعود مع اختفاء البسمة من عسير، الذي الحظه

وكتب عنه األمير خالد الفيصل في هذه الصحيفة. بل ربما كان

اختفاء هذه البسمة، من المملكة كلها ال من عسير وحدها، نتيجة

نحسار دور هذه الجامعة التنويري الذي كانت ت شعه من الزمة ال

خالل طالبها الذين كانوا يفدون إليها من مدن المملكة وقراها

المترامية ليتلقوا ثقافة وطنية علمية وسطية متجانسة يصحبها

كثير مما يدعو إلى الفرح واالبتسام.

م.24/6/2224 /6/5/1425(، 1364ال ط )العدد *

هم أساتذتي أولئك

ليس من غرضي هنا الحديث عن نفسي بل أود الحديث

عن بعض أساتذتي في المراحل الدراسية المختلفة، وذلك من

أجل التاريخ لفترة مضت من حياة التعليم في المملكة كان

المدرسون فيها أكثر تمكنا في المواد التي يدرسون وكان الجو

ر والسماحة واالهتمام الدراسي فيها يتميز بالتفاؤل والتنوي

بغرس قيم التعلم والتفوق. وهو ما يبين الفارق الكبير بين أولئك

األساتذة وما نشهده اليوم من تدني مستوى كثير من المدرسين،

وبين الجو التعليمي الصحي الذي كان سائدا آنذاك وما نشهده

التعليم

173

اآلن من مظاهر تتلبس بالتعليم وهي أقرب ما تكون إلى

الشعارات.

لم يكن لمدرسة ذي الحليفة االبتدائية في آبار علي بالمدينة

المنورة حين أسست مبنى خاص بها فكان الطالب يدرسون في

أروقة مسجد ذي الحليفة، ميقات أهل المدينة. ولم يكن فيها في

أول األمر إال مدرسان، إضافة إلى مديرها. لكن أحد المدرسين

تلفا. فهو لم يحصل على وهو األستاذ أحمد الوصابي كان مخ

شهادة تؤهله للتعليم، لكنه كان معلما بالفطرة. وكان أفضل ما

استفدته منه تجويد الخط وصحة الكتابة. ذلك أنه لم يعلمنا

تقنيات الخط نظريا؛ بل كان يكلفنا بنسخ جزء عم بأكمله. لذلك

صار أحد األشياء القليلة التي أفتخر بها صحة خطي وجماله!

نى الشيخ محمد سرور الصبان رحمه هللا مبنى جميال ثم ب

دت بعدد من األساتذة. وال بد واسعا للمدرسة، فانتقلنا إليها وزو

أن أذكر من تلك الفترة أستاذين أزهريين كان أحدهما يعلمنا

اللغة العربية واآلخر العلوم الدينية. وكانا توأما يشبه أحدهما

يلبسان اللباس األزهري الجميل. اآلخر إلى أدق التفاصيل. وكانا

وتعلمنا منهما كثيرا من األشياء الجميلة، ليس أقلها التهذيب

وحسن التعامل.

وبعد أن انتقلت إلى المرحلة المتوسطة كان مدرسونا في

السنة األولى من المصريين المتميزين؛ لكن ذلك لم يدم طويال

ملكة ومصر فقد ألغيت عقودهم نتيجة لسوء العالقات بين الم

آنذاك. وابتلينا بعدها بمدرسين من بعض البالد العربية األخرى

كان المستوى العلمي لكثير منهم متواضعا وكان أكثرهم

التعليم

174

أيديولوجيين إما حركيين إسالمين أو قوميين. وقد عانينا كثيرا

منهم.

ومما أنقذ الموقف وصول عدد من المدرسين السعوديين

الملك سعود. لكن قبل هذا أشير إلى المتخرجين توا من جامعة

مدرس المواد الدينية الذي كان متشددا في ملبسه وخشنا في

تعامله وحادا في لغته التي يغلب عليها إطالق عبارات الشرك

والكفر يمينا وشماال، وكان ال يتورع أن يوبخ الطالب ألتفه

ه األسباب. لكنه لم يكن يدري مع من كان يتعامل! فقد تسلط علي

الطالب حتى ترك المدرسة بعد مدة قصيرة. وأبدلنا هللا به خيرا

منه، وهو األستاذ فالح بن حمدان الجهني. وكان أنيق الملبس

سنا المواد الدينية حسن المظهر لطيف المعشر والتعامل. وقد در

التي كان يدرسنا إياها األستاذ السابق لكنه لم يكن مؤدلجا،

ببنا في المواد التي كان يدرسها، بل فاستفدنا منه كثيرا، وح

صار صديقا لي ولغيري من الطالب إلى اآلن.

أما اللغة العربية فكان يدرسها األستاذ عبد الرحيم أبو بكر

رحمه هللا، الذي توفي شابا في حادث سيارة. وكان أديبا وناقدا

يكتب في مجلة المنهل والصحف السعودية األخرى. وقد حببنا

غة العربية كثيرا.في دروس الل

ولما انتقلت إلى المرحلة الثانوية في مدرسة طيبة الثانوية

بالمدينة المنورة انتقل إليها كذلك األستاذان الجهني وأبو بكر،

وظال على ما كانا عليه من تميز في التدريس وضرب المثل في

المعاملة الحسنة والتفتح. وكان هناك أستاذان ال يقالن عن هذين

ث األثر الذي تركاه علي. أولهما األديب السوري من حي

التعليم

175

المعروف عبد المعين الملوحي. وكان يتميز بلغة فريدة من

حيث سالمة النطق وجماله والقدرة الفائقة على الكشف عن

مواطن الجمال اللغوي في النصوص التي كان يدرسنا إياها.

مثابة على لغتي، تشجيعا منه، بكالم كان ب وما زلت أذكر ثناءه

البذرة األولى التي جعلتني أتخصص في اللغة العربية.

أما األستاذ اآلخر فهو الدكتور محمد العيد الخطراوي.

وهو شاعر مجيد وفنان مطبوع ومدرس متمرس. لكن أهم ما

كان يتميز به هو روحه المرحة التي تطرد السأم حتى إنا كنا

للغة التي نشتاق لدروسه وننتظرها. ولم يكن محافظا في ا

يستعملها؛ إذ كان يستعمل اللغة في التنكيت كثيرا، وذلك ما

كشف لنا أنه يمكن للغة العربية أن تستعمل في األمور المبتذلة

كما تستعمل في األمور الجادة، ألنها لغة طبيعية. ومن األمثلة

على روحه المرحة أنه كان يدرسنا "العروض"، ولم يكن يكتفي

للقواعد العروضية. بل كان يستخدم اإلنشاد بالتدريس النظري

والغناء ليحدد التفعيالت في البيت ليرسخ في أذهاننا اإليقاع

الشعري عامة ونغمات البحور المختلفة، وكانت تلك الطريقة

مبعثا للسرور والمرح. ذلك أنه كثيرا ما كان ينتج عن تقطيع

و ما بيت ما خلق كلمات ربما تكون مبتذلة أو طريفة، وه

يجعلها محال للتعليق و"القفشات".

ومن المواقف الطريفة أنه سألنا في أحد األيام عن ما تعنيه

كلمة "مردوا"، فأجبته بأنها تعني "اعتادوا"، ثم استشهدت

باآلية الكريمة: "ومن أهل المدينة مردوا على النفاق". فتدخل

الى بسرعة بعد فراغي من اإلجابة ليقول: اسمع، قال هللا تع

فرا ونفاقا :أيضا ". وكان يمازحني ( سورة التوبة31)}األعراب أشد ك

التعليم

176

بهذه الطريقة السريعة اللماحة مما جعلنا نضحك طويال على

هذا الحوار المقتضب الذي يعني الكثير!! وصار ذلك بداية

لصداقة استمرت إلى اآلن.

ة لي. فقد ومثل االلتحاق بجامعة الملك سعود نقلة هائل

كانت الجامعة، كما أوضحت في مقالي السابق، منارة للعلم

والثقافة والبشاشة. ودرست في السنة األولى كثيرا من المواد

الجديدة مثل تاريخ الجزيرة العربية القديم الذي كان يدرسه

األستاذ الدكتور عبد الرحمن األنصاري الذي كان ال يتوقف عند

ذلك إلى كثير من المقارنات واإلبحار حدود المادة بل يتجاوز

في فلسفة التاريخ واألشياء. ومن األساتذة المؤثرين في تلك

السنة األستاذ الدكتور أحمد خالد البدلي الذي كان يأسر قلوبنا

بمرحه الذي ال يعرف حدودا. ومما أذكره له أن علق مرة على

ه إن ما أكتبه ما كتبت ه في أحد الواجبات التي كان يكلفنا بها بقول

يتميز ببراعة االستهالل. وأرجو أن يصدقني أستاذي البدلي أنه

كان لتلك العبارة الكريمة وقع السحر علي، وهي تمث ل أمامي

كلما كتبت إلى اآلن.

ثم التحقت بقسم اللغة العربية وآدابها. ومما يتفرد به هذا

لف القسم أنه ضم عبر تاريخه الطويل أساتذة بارزين من مخت

األقطار العربية. وكان أكثرهم من األعالم المتميزين في

تخصصاتهم وممن تركوا أثرا واضحا في الثقافة العربية

المعاصرة، مثل مصطفى السقا وأحمد الحوفي وشكري عياد

والنعمان القاضي وحسن ظاظا، وغيرهم.

التعليم

177

ومن أبرز األساتذة الذين أوصلوا قسم اللغة العربية إلى

كان عليها في تلك الفترة األساتذة السعوديون المنزلة التي

األوائل كالدكتور أحمد الضبيب والدكتور محمد الشامخ

والدكتور منصور الحازمي. وقد استفدت من كل واحد منهم

بطريقة معينة: فيتميز الدكتور الضبيب بصرامته ودقته التي

تكاد تصل حد التطرف. وقد اكتشفت على يديه أن الصورة التي

حتفظ بها الثقافة العربية عن اللغة العربية في العصر الجاهلي ت

ليست دقيقة؛ ذلك أن العرب كانوا يتكلمون، مثل متكلمي اللغات

األخرى، بأشكال لغوية مختلفة ربما يصل االختالف بينها إلى

درجات قصوى. وكذلك الدكتور الشامخ الذي كان دقيقا في

تدريس الشعر الحديث.

الذي ترك أبلغ األثر علي فهو الدكتور منصور أما األستاذ

الحازمي. فباإلضافة إلى كونه شاعرا رقيقا ومتحدثا لبقا ويتميز

بحس للدعابة والمرح ال يجارى، فهو دارس متعمق لألدب

استطاع أن يكشف لنا عن أن الجانب اللغوي الفيلولوجي في

لى تحليل النصوص، مع أهميته، ربما يقل عن أهمية الغوص ع

نفسية منتج النص أو من يصورهم النص. وكان يدرسنا كتاب

البخالء ويكشف لنا ببراعة ال مثيل لها عن دقة تصوير الجاحظ

لنوازع النفس اإلنسانية ويقارن ذلك ببعض القصص القصيرة

في اللغات األوروبية التي يقرأها علينا. لقد ترك الدكتور

؛ ولو أردت التأريخ الحازمي علي، بطرق شتى، أثرا ال يمحى

لحياتي لما كنت مبالغا إن جعلت السنة الثالثة في قسم اللغة

العربية حدا فاصال بين حياتين مختلفتين تماما.

التعليم

178

وخالصة القول أنني كنت محظوظا بأن فترة تعليمي العام

والجامعي كانت تتسم بالتفاؤل والفرح والتطلع إلى التعامل مع

ة بعيدا عن الضغائن، وأنني وفقت اآلخر المختلف بروح متفتح

للتتلمذ على أساتذة جمعوا بين التمكن في تخصصاتهم وكثير من

الخصال اإلنسانية الحميدة. ويشهد تميز هؤالء األساتذة من

االبتدائية إلى الجامعة على أن تلك الفترة كانت ذهبية بحق، وأن

من هذا، طبيعتنا األساسية متفتحة أساسا. ويمكن القول، انطالقا

بأن المدرسين المتميزين يتركون أثرا باقيا على طالبهم. وهذا

ما يدعوني إلى دعوة المدرسين جميعا، وأنا منهم، ألن نكون

جميعا معينا عذبا لذكريات طالبنا عنا. والطريق إلى ذلك سهل

جدا وهو أن نعود إلى طبيعتنا التي كنا عليها في ذلك الزمن

السعيد.

م.1/7/2224 /13/5/1425(، 1371 ال ط )العدد*

المنهج الخفي ق دمت إلى ورقة عمل

حوار ملتقى أبها

التعليم

179

بتاريخ هـ81/7/8247

مقدمة

يجب أن أشير في البداية إلى أنني لست متخصصا في

التعليم وال في التربية. ومن هنا فال يعدو ما سأقوله هنا أن يكون

فيه من الخطأ على ما فيه من اجتهادا شخصيا ربما يزيد ما

الصواب.

كما يجب أن أشير إلى أنني استقيت األدلة والشواهد التي

سأوردها في هذه الورقة على ما يمارس في المدارس من

النشاطات من مصادر مباشرة في المدارس نفسها. ومن هذه

المصادر:

ـ التعقيبات التي كتبها بعض المعلمين والموجهين التربويين 8

لى ما كنت كتبته وكتبه غيري عن بعض هذه النشاطات ع

ونشرتها جريدة الوطن خاصة.

ـ ما أمدني به بعض المعلمين من ملحوظات كانوا شهودا 4

عليها في المدارس التي يعملون فيها أو يزورونها أو ترد

عليهم من زمالئهم، أو من بعض الموجهين التربويين الذين

التعليم

180

ون فيها بعضا من تلك يزورون مدارس كثيرة ويالحظ

النشاطات.

ـ ما كتبه بعض اآلباء في الصحف ويتضمن الشكوى من 6

بعض الممارسات التي يرون أنها ال تتماشى مع ما

ينتظرون أن تقوم به المدارس من تعليم وتربية ألبنائهم.

المنا الخف

د مظاهره ف المنهج الخفي وتعد هناك دراسات كثيرة تعر

اره. ولست أرى حاجة هنا للخوض في تعريفاته التي وتبين آث

يوردها الباحثون المتخصصون )انظر، مثال، د. عبد هللا بن

عبد العزيز الموسى، "المنهج الخفي: نشأته، مفهومه، مكوناته،

تطبيقاته، مخاطره"، مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية

تعريفه القول هـ(؛ إذ يكفي في8241 واالجتماعية واإلنسانية،

ز في النشاطات والممارسات بأنه تلك القيم والتوجهات التي ترم

وبعض مظاهر السلوك التي يتعرض لها الطالب داخل المدرسة

مما ال تتضمنه المقررات الدراسية. وهي التي يتأثرون بها

ويكتسبونها بصورة غير واعية تقريبا.

جيهات وتتمثل هذه النشاطات والممارسات في التو

المباشرة وغير المباشرة التي يتلقاها الطالب )ذكورا وإناثا( عن

طريق المعلمـ )ـة( أو المدير)ة( أو عن طريق االقتداء بهؤالء.

كما تشمل بعض النشاطات المباشرة األخرى غير الصفية

كاألشرطة السمعية والبصرية، أو المحاضرات التوجيهية

الزائرين، أو ما يحدث خارج العامة التي يلقيها بعض الوعاظ

التعليم

181

المدرسة من نشاطات يكون المعلمون طرفا فيها والطالب هدفا

لها.

وال بد من اإلشارة هنا إلى األهمية البالغة للمنهج الخفي.

إذ ربما يكون أبعد أثرا في صوغ توجهات الطالب والطالبات

من المناهج الدراسية األكاديمية نفسها. وسبب ذلك المكانة التي

يتمتع بها المدرس في نفس الطالب مما يجعله يثق به فيتلقى عنه

هذه القيم والتوجهات من غير مساءلة في كثير من األحيان،

خاصة حين يكون المعلم منتميا عضويا إلى توجه معين يرى أن

الدعوة إليه وتكثير أتباعه فرضا دينيا يؤجر عليه، وهذا ما

يجعله داعية نشيطا لما يعتقده.

المنهج الخفي صورة للقيم الشائعة في المجتمع؛ وهو ما و

يعني أن المدرسة ليست مكانا للتعليم األكاديمي المحض، بل

مكان لنقل القيم التي يرى المدرسون بوصفهم أعضاء في

المجتمع نقلها إلى الطالب. ومن هنا فال بد في معالجة هذه

ع المنهج الخفي القضية أن نبدأ فحص تلك القيم التي تؤثر في نو

الذي يمارس في المدارس بفحص تلك القيم والتوجهات في

المجتمع خارج المدرسة والمؤثرات التي تتسبب في نشأتها.

وإذا تأملنا ما يجري في مدارسنا اليوم وقارناه بالجو الذي

كان سائدا في المدارس قبل ثالثين سنة فسنجد أن المنهج الخفي

خفي الذي كان سائدا في تلك الفترة، يختلف اآلن عن المنهج ال

وسبب هذا االختالف بعض التغيرات الجذرية التي حدثت في

المجتمع السعودي منذئذ.

وكثيرا ما يقال إن المناهج الدراسية هي السبب الذي ينشأ

عنه التطرف والغلو اآلن في المدارس السعودية خاصة. لكن

التعليم

182

الواضح بين القيم الذي يبدو أن السبب يكمن أساسا في الفرق

والتوجهات والممارسات التي كانت سائدة في المجتمع آنذاك

والقيم والممارسات التي تسود اآلن في المجتمع نفسه.

وسيجد المتتبع لهذه المسألة أن هذه المناهج ال تقوم بهذا

الدور بنفسها. والدليل على ذلك أن الوضع قبل ثالثين سنة كان

الطالب درست، في تلك الفترة، مختلفا، وأن أجياال من

المقررات نفسها ولم يظهر عليهم هذا الغلو والتطرف بالشكل

الذي نلحظه اآلن.

ومن األسباب التي يبدو أنها وراء عدم ظهور الغلو

والتطرف في القديم بالدرجة التي نشهدها اآلن أن المعلمين في

ة التي تلك السنين لم يكونوا متشبعين بالتوجهات اإليديولوجي

طرأت علينا منذ ستينيات القرن العشرين، ومنذ حرب أفغانستان

خاصة.

وكان يغلب على التدين حينذاك أنه تدين حقيقي مقصده

إخالص العبادة هلل. وكان المعلمون يعلمون المواد الدينية

ليعرفها الطالب من أجل التعبد بها. كما أن المعلمين لم يكونوا

ين، بل كانوا مهنيين. وكان الجو العام يكاد في تلك الفترة مؤدلج

يكون خاليا من النشاطات الدينية التي تتسمى اآلن باسم

"الدعوة"، وكان متفتحا يسمح بكثير من النشاطات والممارسات

العلنية غير الدينية.

لذلك كان الطالب يتخرجون وهم يعرفون التوحيد وما

كام الفقهية يناقضه من أنواع الشرك، وكثيرا من األح

التعليم

183

الضرورية في العبادات والمعامالت. بل كان القول الشائع

حينذاك إن الطالب السعودي يعرف عن الدين وأحكامه أكثر مما

يعرفه كثير من الحاصلين على شهادات عليا في بعض البالد

اإلسالمية والعربية. وكانوا مع ذلك أكثر انفتاحا وأقل حدة في

ثة أو مع غير المواطنين، خاصة من تعاملهم مع األمور الحاد

غير المسلمين. فقد ابتعث منهم آالف إلكمال دراستهم العليا في

الواليات المتحدة وبريطانيا وغيرهما ولم يجدوا حرجا في

التعامل مع هذه الثقافات الجديدة عليهم. ورجع أغلب هم وهم على

رف ما كانوا عليه من دين واعتدال. بل إن كثيرا منهم لم يع

اإليديولوجيا الدينية إال بعد اختالطه في الخارج ببعض

التنظيمات اإلسالمية في الغرب.

ومن هنا يمكن القول بأن المنهج الخفي في تلك الفترة كان

خ قيم االعتدال م قيم التدين البعيد عن األدلجة ويرس يعم

واالنفتاح والبحث عن التميز الدراسي الذي يعد طريقا للحصول

ى عمل بعد التخرج. عل

ت في وجود ظاهرة الغلو بشكل عامبعض الظروف التي أسهم

ويقتضي البحث في تأثير المنهج الخفي البحث في

المؤثرات التي نشأت عنها بعض التوجهات في المجتمع بصفة

عامة. إذ إن تغير هذه التوجهات هو الذي أحدث تغيرا في

القول. ويمكن اإلشارة إلى المنهج الخفي بين الفترتين، كما سبق

العوامل التالية التي أسهمت بشكل واضح في تغير تلك

التوجهات أو حدوثها:

التعليم

184

الج ال ياس ف المنطقة ف ستينيا الق الميةد ـ8

:الماض

كانت المنطقة العربية مسرحا لصراع سياسي وفكري

محتدم بين المملكة وبعض الحكومات العربية التي انتهجت

يديولوجيا القومية وحاولت فرض بعض القيم المستوردة من اإل

تجارب خارجية بالقوة داخل بلدانها ونشرها في الدول العربية

األخرى. وكانت المملكة تمثل في هذه المعركة التوجه الذي

يغلب عليه التوجه اإلسالمي لكونها قبلة المسلمين ولظروف

الحية. نشأتها وارتباطها بالدعوة السلفية اإلص

ونتيجة للسياسات الفظة التي اتبعتها حكومات تلك البلدان

خالل تلك الفترة نشأ صراع داخلي محتدم بين تلك الحكومات

والتيارات اإلسالمية الحركية. وأدى قمع تلك الحكومات

لمعارضي سياساتها، خاصة التيارات اإلسالمية الحركية، إلى

حركات من اضطهاد فرار كثير من المنتمين إلى هذه ال

حكوماتهم إلى الخارج. وقد آوت المملكة نسبة كبيرة جدا من

المنتمين إلى هذه الحركات.

وكان أكثر أولئك من حملة الشهادات العليا، في زمن كان

عدد المتعلمين في المملكة متواضعا. وذلك ما أتاح لهم العمل

يئة السعودية في التعليم العام والتعليم الجامعي. وقد وجدوا الب

مالئمة جدا لبذر أفكارهم وتنفيذ مخططاتهم التي لم يستطيعوا

تنفيذها في بلدانهم بسبب ضغوط الحكومات أو بسبب التيارات

المنافسة التي لم تتح لهم التفرد بالهيمنة على منافذ التعليم

واإلعالم.

التعليم

185

أما في المملكة فقد كان الجو أكثر من مالئم لهم؛ إذ

األساس المتين للتدين المتشدد الغالب في بعض استفادوا من

مناطق المملكة. وهذا ما جعل لهم حظوة لدى الهيئات الدينية

الرسمية، مما نتج عنه توليت هم مراكز مؤثرة في سلك التعليم

العام والجامعات مما أتاح لهم االستفادة من هذه المكانة في رسم

ليم العام وفي سياسة التعليم ووضع خطط التدريس في التع

الجامعات من غير معارض لهم تقريبا.

وبعد أن بدأ هذا التمكن يؤتي ثماره التي كانت تتمثل في

تخرج بعض السعوديين من الجامعات المتأثرة بهذا الفكر، وفي

اعتناق بعض السعوديين القياديين في مجال التعليم واإلعالم

ان بعضهم ال للمنطلقات الفكرية الحركية لهذه الجماعات، وك

ز نفوذ التوجهات يقل انتماء لذلك الفكر الحركي عن أساتذته تعز

التنظيمية الحركية اإلسالمية وسيطرت على التعليم واإلعالم،

بل أخذت في تجاوز التوجه المتشدد التقليدي من حيث التأثير

واالستئثار بهذه المنافذ.

:"ال ح اإلسةمية"ـ 4

ة اإلسالمية" في تغير الحال التي أسهم ما يسمى بـ"الصحو

كان عليها مجتمعنا في الماضي. وكانت المظاهر األولى لهذه

الصحوة تتمثل في التشدد الذي كان من مظاهره االهتمام المبالغ

فيه بمظاهر التدين الخارجية كتقصير الثياب واستخدام السواك

وما وإعفاء اللحية وتحريم االستماع إلى الغناء والموسيقى،

أشبه ذلك؛ وكان يطلق على ذلك "مظاهر االلتزام"، وكانت هذه

المظاهر ت تخذ معايير في تقويم الناس.

التعليم

186

ومن المظاهر األخرى التي كانت أساسا للصحوة

اإلسالمية شيوع كثير من المظاهر التي ال تدخل في االلتزام

مباشرة لكنها أصبحت كأنها مالزمة له كالتطيب واالهتمام

وعالج السحر والحديث المفرط عنه والحديث عن الجن بالرقية

وشيوع تفسير األحالم وظهور كثير من الرقاة والمفسرين

وتهافت الناس عليهم وشد الرحال إليهم في أنحاء مختلفة من

المملكة. وقد أسهم هذا في وضع البنية األولى لمظاهر االلتزام

في أي تيار ذي الديني القلقة التي يمكن استغاللها وتجنيدها

شعار ديني.

وكان هذا السياق األساس الذي استفادت منه التيارات

الحركية اإلسالمية، إذ وجدت في الملتزمين أتباعا جاهزين

لالنتماء إليها.

الج ال ياس ف العالم:ـ 6

ومما أسهم في قوة هذه التيارات الحركية غزو االتحاد

المسلمون في بالد المسلمين السوفييتي ألفغانستان. فقد تنادى

كلها للجهاد في أفغانستان. وقد وقعوا بذلك في الشرك الذي

نصبته لهم الواليات المتحدة التي سبق أن نصبت الشرك

لالتحاد السوفييتي ليقع فيه فيرسل الجيش السوفييتي عبر الحدود

إلى أفغانستان )انظر ما يقوله بيرجينسكي، مستشار مجلس

قومي خالل رئاسة كارتر(.األمن ال

وصحب تلك الحرب التي استمرت عشر سنوات تقريبا

تجييشا هائال للمسلمين وشيوعا غير مسبوق لخطاب الجهاد،

وكثرة مفرطة من الكتب واألشرطة السمعية التي تتضمن فيضا

التعليم

187

من القصص التي تحكي عن الكرامات التي تحدث للمجاهدين

ر مما لم يحدث مثله حتى للصحابة ر ضي هللا عنهم. وصو

"المجاهد" األفغاني كأنه بقية للسلف الصالح.

وبعد أن انسحب الجيش السوفييتي استخدمت الواليات

المتحدة، مرة أخرى، المسلمين في حربها في البلقان وأسهمت

في إشاعة خطاب الجهاد بالكيفية نفسها مما جعل كثيرا من

لبوسنة والهرسك. الشباب يلتحقون بركب "المجاهدين" في ا

وبعد ذلك توجهوا إلى الشيشان والجمهوريات اإلسالمية

األخرى التي استقلت عن االتحاد السوفييتي القديم.وكان لهذه

الحروب صداها الذي يتردد في جنبات المساجد وحلقات تحفيظ

القرآن وفي المدارس كذلك.

ومن المظاهر األخرى لهذه النفرة اإليديولوجية ما يسمى

ألدب اإلسالمي واإلعجاز العلمي في القرآن والسنة وأسلمة با

العلوم التي تعمل على فرض المنظور اإلسالمي على العلوم،

حتى الطبيعية منها.

وتبدأ األمور، كما هي العادة، صغيرة ثم تتنامى لتصبح

أشد عودا وأرسخ بناء. ثم ي نظر إليها بعد ذلك كأنها هي الشكل

تكون عليه الحال. ومن هنا ينظر كثير من الطبيعي لما يجب أن

الناس إلى الملحوظات على التعليم المتأثر بهذا الجو كأنها

غريبة بل تكاد توصف بأنها خروج على الدين نفسه.

هذا إذن هو اإلطار العام الذي يقع التعليم في سياقه خالل

الثالثين سنة الماضية، وهو اإلطار العام الذي يسمح بكثير من

ممارسات التي يمكن أن تصنف تحت مسمى "المنهج الخفي". ال

التعليم

188

تأثي ذه الع امل الج الدراس :

أدى هذا الجو العام إلى شيوع إيديولوجيا حركية تصطبغ

ل بالطابع اإلسالمي وتؤثر على المعلمين والطالب وتحو

المدارس من أماكن للتعلم إلى ساحات للوعظ والدعوة وتأصيل

د.فكر الجها

وكانت المدارس الميدان األبرز الذي شاعت فيه هذه

المظاهر وهذا الخطاب. فقد كانت ميدانا للحض على التبرع

للمجاهدين وإشاعة روح الجهاد وطلب الشهادة وصار من

المألوف أن يعرض على الطالب فيها أفالما تصور بطوالت

"المجاهدين" واالنتصارات التي حققوها والمصارع المهينة

للغزاة السوفييت وأنصارهم. وبعد ذلك بطوالت خطاب وأبي

الوليد الغامدي. وهذا ما جعل كثيرا من الطالب يتركون مقاعد

الدراسة ويتوجهون ألفغانستان ليتلقوا تدريبا مكثفا في

إيديولوجيا الجهاد وعلى السالح. وكانوا يتلقون كثيرا من

التسهيالت التي تمكنهم من السفر.

التعليم

189

ةح:ط ق اإل

يجب القول هنا أن العودة إلى الحالة الطبيعية التي كنا

عليها عن طريق إصالح اإلطار العام للتعليم ال تعني أن يستبدل

به إطار آخر مجرد من الدين، أو عدم تعليم المواد الدينية؛ فذلك

لم يرد في ذهني، وهو غير ممكن في بالد هي قبلة المسلمين

تدون ويهتدون.وهي النموذج الذي به يق

أما ما نحن بحاجة إليه، كما أظن، فهو أن نعود بالدين إلى

صورته األصلية الطبيعية غير اإليديولوجية. وأن نعلم من الدين

ما يبني األخالق ويغرس التقوى بدال من زرع القلق والغلو

الذي ستكون محصلته العنف اللفظي في البداية ثم العنف البدني

.في نهاية األمر

وال يفوت المالحظ أن بعض المناهج الدينية لدينا يمكن

أن تكون أساسا يبنى عليه كثير من الممارسات التي ربما تسهم

في زرع الغلو والعنف. ويأتي ذلك ال من النصوص نفسها في

هذه المقررات، بل من التأويل المغرض الذي يمكن أن يأتي به

لون به النصوص من نص وص دينية محض إلى المعلمون فيحو

إيديولوجيا تدعو إلى اتخاذ مواقف عملية من المظاهر التي ربما

ال تكون على الدرجة المتخيلة من الخطر.

التعليم

190

بعض مظا المنا الخف :

كانت جريدة الوطن قد نشرت لي مقالين هما "ثقافة

الموت في مدارسنا" و"دعاة ال معلمون". وتضمن المقال األول

ى بعض الممارسات التي تحدث في المدارس، لفت النظر إل

ومنها االهتمام المبالغ فيه وغير الطبيعي بموضوع الموت.

فهناك اهتمام مفرط بالكالم عنه يتمثل في أخذ الطالب إلى

زيارة المرضى في المستشفيات وإلى المقابر وإلى مغاسل

األموات. وتجاوز هذا األمر إلى تضمين معارض النشاط التي

ا المدارس بعض النشاطات التي تدور حول موضوع تقيمه

الموت ومنها عرض بعض األشرطة المرئية التي تتضمن

تغسيل األموات، أو بعض األشرطة التي تتضمن مناظر

لمعارك المجاهدين في أفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان

حيث تشتمل على مناظر ألناس ي قتلون ويقتلون.

اإلشارة إلى أن كثيرا من المعلمين وتضمن المقال الثاني

لم يعودوا يهتمون بالتعليم بقدر ما يهتمون باالشتغال بما يسمونه

"الدعوة". فقد تجاوز األمر توجيه الطالب نحو بعض

األخالقيات الحسنة ونهيهم عن بعض التصرفات التي تخالف

الدين إلى أن يتحول بعض المعلمين إلى وعاظ على حساب

سونها. ومن تلك المظاهر أن بعض معلمي المادة الت ي يدر

المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والعلوم يشغلون وقت هذه

المواد بتدريس القرآن الكريم أو الوعظ.

وكانت المالحظات التي تضمنها هذان المقاالن أمثلة

للمنهج الخفي الذي يمارس كأنه أمر طبيعي في المدارس. وهذا

من المعلمين والمسؤولين في وزارة التربية ما جعل كثيرا

التعليم

191

والتعليم و"الدعاة" يقابلون هذين المقالين بموجة عارمة من

ردود الفعل؛ وقد نشرت جريدة الوطن كثيرا من التعقيبات

الحارة عليهما.

لكن بعض المعلمين الذين لم يكونوا راضين عن تلك

ثلة لما يحدث الممارسات هبوا من جانبهم ليوردوا كثيرا من األم

في المدارس من ممارسات تدعو إلى القلق. وقد بين بعض

هؤالء أن ما يحدث في المدارس يفوق في أنواعه وخطورته

الملحوظات التي أوردتها في المقالين.

شااد بعض المع مي الم اي الت ب ي بعض

أم ة المنا الخف :

مدارس من ومن الشهادات المهمة على ما يمارس في ال

ممارسات تدخل في باب المنهج الخفي الذي يصطبغ

بإيديولوجيا دينية ما كتبه األستاذ ياسر محمد اليوسف )الوطن

وقد بدأ األستاذ اليوسف تعقيبه هـ(.83/6/8242( 326)العدد

واقع المدارس أسوأ بكثير مما ذكره المزيني خاصة بالقول إن "

. . . ". أكثر من أن تحصىالمجال, واألمثلة على ذلك في هذا

وهنا أورد ما كتبه عن بعض تلك الممارسات؛ ومنها:

باااللتزام الشاكلي إشاعار المعلماين للطاالب بأهمياة التقياد"

للاادين ماان تقصااير للثااوب وإطالااة للحيااة والتأكيااد علاايهم بااأن هااذا

ذو أهميااة وأنااه يراعااى عنااد تقااويم الطالااب فااي كاال مااادة جانااب

إبااالغ الطااالب بهااذا الجانااب، لمااون فاايدراسااية، ويتفاااوت المع

فبعضهم يشعر الطالب بأسلوب غير مباشار مان خاالل معاملتاه

لهاام، فيعاماال الطااالب المتقياادين بهااذا الشااكل معاملااة خاصااة، إذ

تشاعر غيارهم بأناه يجاب علايهم إن يمنحهم بعض الميازات التاي

التعليم

192

الملتزماون أرادوا تلك الميزات أن يتقيادوا بماا تقياد باه زمالؤهام

كليا، في حين يصرح بعض المعلمين بهذا المطلب ويؤكد علاى ش

مظهر الطالب على هذه الصورة المرضاي عنهاا أهمية أن يكون

فاي حاين معلمياه، وبها يحقق أعلاى الادرجات ويناال حظاوة عناد

على النقيض من هذا نجد الطالب الذين اليرون في هاذا الجاناب

يعاانون ضاغوطا أهمياة تادل علاى مادى التازامهم بالادين الشكلي

أسااااليب القماااع مااان قبااال بعاااض المعلماااين وتماااارس علااايهم

.واالضطهاد

األمثلااة علااى ممارسااة أساالوب الاادعوة عنااد بعااض وماان

الربط باين الماادة العلمياة والادعوة إلاى بعضهم محاولة المعلمين

المااواد الدراسااية سااواء مختلااف هللا بااأي شااكل ماان األشااكال فااي

الطاالب ية أم طبيعياة, وفاي الغالاب يباديتلك المواد إنسان أكانت

المثاال إن سابيلامتعاضا من قبل بعاض المعلماين فيقولاون علاى

إلى مادة توحيد أو تحولات ماادة الكيميااء تحولت مادة الفيزياء قد

وذلك ألن ماا تفسير، مادة النحو إلى مادةإلى مادة فقه أو تحولت

هاو لف تماما عمايقدمه المعلمون في هذه المواد وفي غيرها يخت

فمعلم الفيزياء يحااول الاربط للمادة،موجود في المقرر األساسي

الحديثاة وباين اإليماان بااهلل سابحانه الفيزيائياة بين كل النظرياات

المالحاظ أن المعلام لكان ،, وهاذا فاي حاد ذاتاه هادف جيادوتعالى

الجوانااب العلميااة فااي المقاارر وعرضااها تلااكيتحااول ماان شاارح

ومعناه وكياف باهللبه إلى الحديث عن اإليمان لطال شيق بأسلوب

لابعض الصاور مان الواقاع يعارض نحققه على الوجه األكمل ثام

يساتطرد بعيدون عن اإليمان باهلل ثم أنناالمعاش ليستدل بها على

في الحديث عن هذه الجوانب ويترك المادة العلمية

التعليم

193

ين لماا وهاو اساتثمار المعلما أخيار أخيرا إلى مثال أشيرو

الحاديث في داخل المجتمع وخارجه من حوادث لتكون مادار يقع

عان تلاك للحديثوالتعليق، وربما أمضى بعضهم حصصا كاملة

أهاام بكثياار ماان المااادة العلميااة بأنهااا األحااداث ويعتااذر للطااالب

تلك ومن واقعهم، لمعرفة ماسةالموجودة في كتبهم وأنهم بحاجة

ثال أو الحرب على العراق أواألحداث الحرب على أفغانستان م

وكأن هذه الموضاوعات الرياض،األخيرة في مدينة االنفجارات

المعلمااون مثاال هااذه ويسااتغل ب، أساسااية ومقااررة علااى الطااال

أفكاارهم تجااه تلاك القضاايا ماع اساتثارة عارضالمناسابات فاي

موضوعات ال عالقة لهام ونقاشالطالب وتشتيت أفكارهم انتباه

.التي ال لزوم لها الفتن ت بعضبها وربما أثار

مجرد أمثلة على بعض الممارسات التي يؤديها بعض ذهه

من بااب الادعوة إلاى هللا متناساين مهماتهم المدارسفي المعلمين

أحاد المزينايوهاذا كماا ذكار الادكتور لهام األساسية التي أوكلات

وتغيار التحصايلي األسباب األساساية فاي تادني مساتوى الطاالب

الخاطئااة الممارساااتم وتأثرهااا بشااكل واضااح باابعض ساالوكياته

."واقعنا المعاش في التي نرى أثرها

ومن الشواهد األخرى على المنهج الخفي الذي يماارس فاي

المدارس ما كتبه الدكتور عبد الرحمن الواصل )جريادة الاوطن،

ن الجانب األكبر من المشكلة هو المعلم في "(، إذ يقول: "إ العدد

كغيااره بتعليمااه العااام والجااامعي ماان وتأهيلااه حيااث أعااد إعااداده

ونقوالتهاا، ومان خاالل المقاررات القائماة بأفكارهاا وشاروحاتها

خااالل مصااادر أخاارى فااي بعااض حلقااات تعلاايم المساااجد، وماان

عاماة نشارتها أشارطة ومطوياات، ومان خاالل خالل ثقافة دينياة

التعليم

194

بيااة أنشااطة طال أهااداف قااائمين علااى التربيااة والتعلاايم ترجمتهااا

سنوها مجتهدين مخترقين نظامنا الترباوي والتعليماي، فجااء مان

فااي مدارساانا المتوساطة حفااظ متااون لكتاب علماااء ماان مساابقتهم

ذاكارة المجتماع ماا روج السلف باجتهاد خاص، وليس ببعيد عان

77"لمثاال تلااك األنشااطة واالجتهااادات بكتيبااات عنااون أحاادها بااـ

لقاااد أضاااافت تلاااك ، إذا"لنشااار الخيااار فاااي المااادارس طريقاااة

يفااوق مااا تسااببت بااه االجتهااادات إلااى مشااكالت التعلاايم العااام مااا

."مناهجه

وكان الدكتور عباد الارحمن الواصال نفساه كتاب مقااال فاي

هااـ( مقاااال 47/81/8242( فااي 88611جرياادة الجزياارة ))العاادد

طريقاة لنشار الخيار فاي 77مطوال عرض فياه لكتياب عنواناه "

التوصاايات للمعلمااين تبااين لهاام الماادارس". وهااو يحااوي بعااض

كثيرا من النشاطات والممارسات التي يمكن القيام بهاا لاـ"الدعوة

إلى الخير في المدارس". والواضاح أن هاذه النشااطات يمكان أن

تشااغل وقتااا كبياارا ماان أوقااات الطااالب ويمكاان أن تشااغلهم عاان

االهتمام بالتحصيل الدراسي النظامي.

لاي أحاد المعلماين فاي إحادى ومن األمثلة األخرى ماا كتباه

الثانويات المرموقاة فاي الريااض يرصاد فياه رصادا دقيقاا كثيارا

من جوانب النشاط غير الصفي الذي ال يملك المرء حيالاه إال أن

يساااتغرب مااان احتماااال أن يساااتطيع الطالاااب الوفااااء بالدراساااة

النظاميااة مااع هااذا العاابء الثقياال ماان النشاااطات غياار الصاافية.

الكثيرة بكاملها. يقول هذا المعلم:وسأورد ملحوظاته

التعليم

195

"تتعدد العوامل المؤثرة سلبا في سلوك الطالب فاي التعلايم

العام في جمياع المراحال التعليمياة، وهاي تختلاف مان حياث الكام

والكيف من عامل إلى آخر. ومن تلك العوامل:

ية مان ـ عادم التازام المعلماين بماا يارد فاي المقاررات الدراساأ

الماواد الشارعية، ولهاذا ، خاصة معلماي معلومات واضحة

العامل عدة مظاهر، منها:

أ ـ تفسير ما يرد من معلومات تخاص بعاض الموضاوعات وفاق

مااه ماان خااالل وجهااة نظااره تصااور المعلاام الخاااص، ويقد

الخاصة، والتي غالبا ما تكون مخالفة لما هو مجمع عليه.

الب ب ـ ربط الموضوعات بالواقع المعاش بهدف إشعار الط

بسوء هذا الواقع، وكثرة المنكرات فيه حتى يصل المعلم

إلى مطالبة الطالب بممارسة دورهم تجاه هذا الواقع من

خالل:

ـ عدم ممارسة تلك األخطاء على المستوى الفردي.8

ـ اعتزال ذلك الواقع والبعد عنه، حتى وإن كان ذلك الواقع هو 4

محيط أسرة الطالب نفسه.

األمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلزالة تلك ـ ممارسة مبدأ 6

المنكرات من واقعنا.

ج ـ إضافة موضوعات جديدة لم ترد في المقرر الدراسي،

والتي يرى المعلم ضرورة تدريسها من وجهة نظره

الخاصة، أو استكمال بعض المعارف الخاصة ببعض

الموضوعات الواردة في المقرر، ومطالبة الطالب بتدوين

إلمالءات ألنها ستكون ضمن الموضوعات التي تلك ا

سترد في االمتحانات. وتصاغ تلك الموضوعات بوحي

من أفكار المعلم ونتيجة لتصوره الخاص لها.

التعليم

196

د ـ استغالل بعض المواد العلمية مثل الرياضيات والفيزياء

والكيمياء لإلشارة إلى موضوعات دينية تثير عاطفة

ها صلة بالمادة أساسا، مثل الطالب الدينية دون أن تكون ل

أن يرد مثال في مادة الرياضيات ويرى المعلم بان مضمونه

ال صلة له بالدين اإلسالمي، ولهذا يلجأ إلى تغييره.

ثانيا ـ ممارسة األنشطة الصفية وغير الصفية لخدمة أهداف

محددة مسبقا ال صلة لها بالجانب التعليمي أو الجانب

ظيفا جيدا لخدمة غايات القائمين التربوي، إنما توظف تو

عليها. ومن تلك األنشطة:

أـ إقامة جماعات لألنشطة الصفية من خالل تحديد "حصة" في

األسبوع تسمى "حصة النشاط المدرسي" يكون كل فصل

له معلم أو "رائد نشاط" يشرف على األنشطة التي

تمارس داخل الفصل كل أسبوع، ومن مظاهر األنشطة

فيها:

ستضافة داعية إللقاء محاضرة عن موضوع معين.ـ ا8

ـ تقديم نشرات توعية عن موضوعات خاصة.4

ـ أحاديث الوعظ واإلرشاد بين المعلم وطالبه.6

ب ـ إقامة جماعات لألنشطة غير الصفية لتمارس دورها يوميا

من خالل الفترة التي تعطى للطالب للراحة "الفسحة".

كلها جماعات دينية يشرف وأغلب تلك الجماعات إن لم تكن

عليها معلمو التربية اإلسالمية، وتتخذ أسماء محددة مثل

"الجماعة اإلسالمية"، أو "جماعة المنتدى اإلسالمي"، أو

"جماعة الرحالت اإلسالمية". وفي هذه الجماعات تمارس

ه أفكار الطالب وسلوكياتهم نحو توجه أخطاء كثيرة وتوج

من سماتها:معين، والغالب عليها أو

التعليم

197

ـ غياب أهدافها، وإن وجدت فهي غير واضحة.8

ـ المشرفون عليها من أصحاب التوجهات المتشددة.4

ـ ال يوجد برامج واضحة أو مكتوبة لها، بل هي خاضعة 6

الجتهادات المشرف.

ـ غياب الرقابة عن تلك الجماعات من قبل إدارة المدرسة 2

وإدارة التعليم والوزارة.

رفون عليها من يوم األربعاء يوما للراحة ـ يتخذ المش7

واالستجمام، ولذا فهو مخصص للرحالت الداخلية )داخل

المدينة( أو الخارجية.ـ أ لحقت ببعض المساجد مكتبات يدعى لها الشباب، خاصة ال اث

طالب المدارس ليتلقوا فيها المواعظ والدروس. ويشرف ة في المدارس، على تلك المكتبات معلمو التربية اإلسالمي

وتمارس فيها أخطاء كثيرة من حيث:

أ ـ ال تدرس حقيقة األمر كتب ودروس نافعة، بل ال يزيد ما يعطى فيها عن مواعظ وإرشادات تقدم للطالب بغرض

التزامهم بأفكار الجماعة.

ب ـ توجيه الطالب وفق منهج المعلم ورؤيته الخاصة، وعدم

السماح بالخروج عنها.

ة أنشطة ال صلة لها بالدروس، مثل القيام بزيارات ج ـ ممارس

شخصية لما يسمونه بطالب العلم أو الدعاة لالستفادة منهم

حسب تعبيرهم.

ـ انتشار األشرطة اإلسالمية التي تتضمن محاضرات رابعا

وندوات لبعض الدعاة غير المعروفين، والذين يقدمون

لى موضوعات مثيرة لعواطف الطالب وربما تحفزهم ع

التعليم

198

العنف. إضافة إلى أشرطة األناشيد اإلسالمية المثيرة

للحماس والدعوة للجهاد اإلسالمي.

ـ إقامة المخيمات الدعوية، وهي عبارة عن اجتهادات خام ا

فردية تقدم فيها أنشطة قريبة مما يمارس في الجماعات

المدرسية أو في مكتبات المساجد. ويسعى القائمون عليها

لى الشباب في أماكن إقامتهم كما في إلى الوصول إ

المتنزهات العامة.

إقامة مراكز صيفية في أغلب المدارس ي جمع فيها سادسا

الطالب خالل العطلة الصيفية لتقدم لهم برامج مشابهة لما

ذكرناه سابقا".

والمشكل أن هذه الممارسات التي يتكون منها ما نسميه

يا حقيقة؛ بل صارت منهاجا بـ"المنهج الخفي" لم تعد منهجا خف

موازيا وعلنيا وتتمتع برعاية رسمية من القائمين على التعليم.

وإذا تأملنا في هذه األنشطة المنظمة الكثيفة فإن القيام بها يتطلب

وقتا طويال ال بد أن يكون مقتطعا من وقت الطالب الذي يمكن

مية. أن يصرفه في الترفيه عن نفسه أو في مذاكرة دروسه النظا

ومن هنا فليس غريبا أن ينقطع عدد ال بأس به من الطالب عن

الدراسة ألن انشغالهم بهذه النشاطات ال يترك لهم متسعا من

الوقت لالهتمام بدراستهم.

ونتائج هذا الحشد اإليديولوجي القوي والكثيف هو ما نراه

من جرأة كثير من صغار السن على القيام بـ "الوعظ

ل والتكفير والتفسيق والتبديع )انظر ما كتبه واإلرشاد"، ب

الغنامي "محاكم التفتيش في مدارسنا"، عن الطالب الذي قام

التعليم

199

(، 8648يكفر الشاعر نزار قباني، الوطن )العدد

م((.84/7/4112

بل ربما يكون هذا هو السبب في أن كثيرا من الشباب

يمهم الذين انخرطوا في نشاط العنف في بالدنا لم يكملوا تعل

العام، وهو السبب من ثم الذي جعلهم يلتحقون بسلك "الدعوة"

وهيئات األمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الخروج من

بالدهم ليلتحقوا بـ"المجاهدين" تحت كل سماء. وهو ما جعل

كثيرا منهم لقمة سائغة للفتاوى التي تحرض على الخروج على

أعمال العنف التي نتجرع النظام العام في المملكة والقيام ب

مرارتها منذ سنين.

وال شك أن انخراط هؤالء الشباب في هذه النشاطات

خسارة لهم وآلبائهم وألمهاتهم وألمتهم التي هي في أمس

الحاجة لالستفادة من شبابها في التنمية والتقدم العلمي

والصناعي والفكري.

ين ويشير ما قدمت كله إلى أن مدارسنا أخذت في السن

األخيرة تتخلى عن وظيفتها التي تتمثل في التعليم النظامي

المنضبط وتحولت إلى أماكن تمارس فيها كثير من النشاطات

التي تؤثر على تحصيل الطالب وتصرفهم عن الدراسة الجادة.

لذلك ال بد لنا من وقفة نراجع فيها أنفسنا ونحاول معالجة

ا من براثن أولي الخطط هذه المشكالت العويصة ال ستنقاذ شبابن

الخفية الذين يريدون تحقيقها على حساب هذه الثروة التي ال

يمكن تعويضها.

التعليم

200

ملحوظات عامة

من أهم مصادر هذا المنهج الخفي المتحيز أن كثيرا من

المعلمين يتخرجون في كليات المعليمن. وهي التي

يغلب على أعضاء التدريس فيها ما يسمى بااللتزام،

ر منهم يشتغل بالوعظ والدعوة ولهم حضور طاغ وكثي

يضاف إلى ذلك ضعف المستوى في النشاط الوعظي.

العلمي لهذه الكليات الذي يجعل المدرس المتخرج فيها

يعوض ما يشعر به من نقص علمي باالشتغال بالدعوة

والوعظ.

إن المعلمين الذين يشتغلون بالدعوة والوعظ هم أنفسهم

ـ"الصحوة". لذلك ينبغي إعادة ضحايا لما يسمى ب

تأهيلهم ليعدوا إلى الوسطية. وقد سبق أن اقترحت في

إحدى مقاالتي أن تقوم وزارة التربية والتعليم بعقد

لقاءات في اإلجازة الصيفية بين المدرسين في مختلف

المناطق التعليمية وبعض العلماء من أجل إزالة كثير من

ير من المعلمين من األفكار الخطرة التي استقاها كث

مصادر غير موثوقة. وحبذا لو استغلت "المراكز

الصيفية" لهذا الغرض.

التعليم

201

ولكي نستطيع معالجة الوضع العام الذي تغلب عليه

النشاطات الدعوية اآلن يجب أن نصحح كثيرا من المفاهيم عن

الوعظ وتوعية الناس عن المشكالت التي تنجم عن الوعظ

الذي يتمثل في األشرطة.العشوائي خاصة في شكله

وقد سبق أن أشرت في أحد مقاالتي إلى أن النشاطات

الدعوية بالصورة التي هي عليها اآلن تخالف الهدي النبوي

الشريف في الوعظ. وهو الذي يتمثل في أن الرسول صلى هللا

عليه وسلم كان "يتخول" الصحابة بالوعظ. وهو ما تخالفه

حيث كثرتها. النشاطات الدعوية اليوم من

ثم إن الوعظ يقوم على اللغة الشفهية وهي التي تسهم في

"تسطيح" الفكر وتحول الخطاب الديني إلى مجموعة من الصيغ

الجاهزة التي يستنجد بها الواعظ في مقام الوعظ من غير إعمال

للفكر في توليد األفكار.

كما أن الخطاب الوعظي خطاب "وجداني" كما يقول

م(. فهو 43/2/4112مد المحمود )الشرق األوسط األستاذ مح

يقول: "هناك جانبان سلبيان في هذه القضية، األول: ان تبني

الخطاب الديني لتقديم الخطاب الثقافي بمختلف علومه اإلنسانية

مثل علم االجتماع والنفس والسياسة، يؤسس لقراءة وجانية لكل

أكبر من حجمه. ما هو أمامها، فيبدأ الخطاب في إعطاء نفسه

والجانب الثاني أن هذا يؤدي إلى قراءة العالم المعاصر

بمقوالت قديمة لرموز وشخصيات في عصور سابقة غير

معاصرة، وهذا ما يحدث التأزم، فيؤثر على الشباب في رؤيتهم

لواقعهم في ضوء ثقافة قديمة".

التعليم

202

أما مشكلة األشرطة فيقول عنها األستاذ يوسف الديني

ي العلوم اإلسالمية )الشرق األوسط، نفسه(: "مشكلة الباحث ف

هذه األشرطة في محتوى خطاباتها التي تسوقها والتي تقوم على

تضخيم قضايا فقهية مختلف عليها. وبعض الشاذ منها يجد

طريقه للفسح بحسن نية من قبل المسؤولين، والبعض اآلخر

ال شك يفسح ألنه يتماهى مع الخطاب الديني المحلي، وهذا ب

يؤثر على الشاب بشكل سلبي يجعل مفرداته الفقهية متشددة

ونظرته للعالم مبنية على أحكام هذه األشرطة التي تتدخل حتى

في عالقته بأسرته ومحيطه المدرسي والمجتمع واآلخر البعيد.

وعندما ت عد شابا على مستوى التطرف الذهني ال تبقى إال خطوة

طرف السلوكي الذي يتمثل في واحدة لينتقل بعدها إلى الت

العنف".

وفي نقده لنظرة هذه األشرطة "غير المتسامحة" مع الفن

واإلعالم واآلخر يقول: "يميل خطباء هذه األشرطة إلى تقسيم

المجتمع إلى قسمين أحدهما متدين واآلخر غير متدين".

لماذا ا تمام بالتع يم؟

الذي يمكن، حين الواقع أن التعليم هو خط الدفاع األول

ي خترق، أن يتعرض المجتمع إلى كثير من الكوارث

والمشكالت. ويمكن القول إن دروس الدين هي أهم مكونات خط

الدفاع هذا: إذ يمكن أن تقف في وجه كثير من مظاهر االنحالل

والتمرد على القيم، لكنها يمكن، إذا ما استغلها أصحاب

على المجتمع.المشروعات السياسية، أن تكون وباال

التعليم

203

التعليم

204

"وفي الغيبات يا ذكر الحبيب"

هذا شطر بيت من الشعر الشعبي أحفظ ه منذ الصغر، وهو

وحي. . . وفي الغيبات يا بت ر بتمامه: "في الحضرات ما جر

ذكر الحبيب". وي تمثل به في وصف من يحاول تسويغ الخور

الشجاعة: فهو شجاع الذي يتلبسه في المواقف التي تتطلب

بطبعه!! إال أنه لم يفعل قط ما يشهد على هذه الشجاعة؛ ذاك أنه

لم يمر قط بالمواقف التي تتطلب إظهارها، بل ربما يهرب من

التعرض لها ابتداء!! أما وهو خال بعيد عن المواقف التي

تتطلبها أو بعد انتفاء الحاجة إلى إظهارها )فاللهم صل على

نه "شجاع"، كما يشهد لنفسه!! النبي(، إ

ويناسب هذا البيت الدكتور عبد اللطيف الدايل الذي كتب

( عن 15087 مقاال حادا في ملحق "الرسالة" )المدينة، العدد

حضوره ندوة "ملتقى أبها" واستماعه إلى الورقة التي ألقيت ها

هـ(، واستماعه إلى 18/5/1425عن "المنهج الخفي" )

ها. لكنه لم يشارك في التعليق أو النقاش، بل اختار التعليقات علي

أن يصمت؛ ثم أتى بعد أكثر من شهر ليعلق على الورقة والجو

الذي ألقيت فيه بشكل أبعد ما يكون عن الموضوعية.

والسؤال هو: لم لم يتقدم الدكتور الدايل ويعلن عن رأيه

بق عليه البيت في الورقة على المأل؟ ما الذي عقد لسانه؟ أال ينط

اآلنف الذكر؟ أخارت قواه، وعجزت قدماه عن حمله ليقوم

ويعترض ويصدع برأيه، وهو ما سيكون، لو كان، دليال على

الشجاعة؟ أم أنه يفتقر إلى حضور البديهة فأرتج عليه وتشتت

فكره، ولم يث ب إليه رشده إال بعد شهر؟

التعليم

205

كبيرا من وما كتبه الدكتور الدايل يتطلب، حقيقة، قدرا

الشجاعة ليعلنه في تلك المناسبة. ذاك أنه مآلن باالتهامات

الباطلة عن الورقة ومقدمها والذين حضروها.

وكان ينبغي على الدكتور الدايل أن يكون شاهدا عدال،

في األقل، فيقول الحقيقة كاملة عن مضمون الورقة وعن ردود

ل الغيبة ليعطي الفعل عليها. أما صمت ه عن التعليق ثم استغال

القارئ صورة باطلة عما حدث فهو من قبيل شهادة الزور.

وليت الدكتور الدايل اقتصر على التعبير عن عدم اتفاقه

مع معالجة الورقة للقضية التي تناولتها واآلراء التي تضمنتها

والنتائج التي توصلت إليها. لكنه تجاوز ذلك إلى ما يصل إلى

م الورقة. فهو يقول: "حين ينفصل ضمير الكاتب أو تكفير مقد

المتحدث عن المنهج الشرعي يتقلب صاحبه في أودية الهالك

فال يدري ما يقول وال ما يكتب وهللا أعلم في أي هذه األودية

تنزل به عقوبة هللا".

كيف يجرؤ على أن يحكم على مسلم بأنه "انفصل عن

ي يعني عدم المنهج الشرعي"؟ إن االنفصال عن المنهج الشرع

اإليمان بهذا المنهج. وهذا حكم يصل إلى حد التكفير. ثم انظر

إلى وصفه للكاتب بأنه يتقلب في أودية الهالك، وأن "عقوبة

هللا" تنتظره ال محالة.

ويقول: ". . . وبدأت أتفرس في وجوه القوم أتساءل هل

نحن في المملكة العربية السعودية أم نحن في بلد بعيد عن

الم". وهذا اتهام خطير للحاضرين جميعا بأنهم أشبه ما اإلس

يكونون بالخارجين عن اإلسالم.

التعليم

206

ثم يصف منهج الورقة بأنه من قبيل "الهمز واللمز" وأن

صاحب هذا المنهج غالبا ما يكون ". . . ذا رؤية سوداوية يعيش

أزمة نفسية يتنفس من خاللها ذلك المنهج الفاسد فال المجتمع

ينه سلم. . .".ومثل هذا الكالم اإلنشائي االتهامي ال أصلح وال د

يجدي نفعا إن لم يعزز بأدلة تدعمه، وهو ما لم يأت به الدكتور

الدايل.

ومن التهم المجانية األخرى قوله إن هذا "الهمز واللمز"

موجه إلى "ورثة األنبياء" وهم عنده "الدعاة وطلبة العلم

وأوالهم بهذه المنزلة والمصلحون" الذين "هم أحق الناس

العظيمة". وهذا مخالف للحديث الذي يحدد "ورثة األنبياء"

بأنهم "العلماء"؛ أما هذه المصطلحات المستحدثة فمن عنده.

وهو يستنكر التعرض لهؤالء قائال: "فكيف يجرؤ مسلم

على جعلهم نصبا يرميه بسهامه خبط عشواء بعيدا عن مراقبة

جأ إلى اإلنكار ليجحد أن هناك مشكلة فيما ثم يل هللا وخوفه. . .".

يمارس في مدارسنا فيقول إن ". . . المقصود )بتلك الورقة

أساسا( هو مهاجمة الجانب التربوي الذي تتميز به مدارسنا في

المملكة ومحاولة اتهام المنهج التربوي المطبق في مدارسنا

وأن ما وجامعاتنا بأنه من أهم أسباب ظاهرة الغلو واإلرهاب".

ذكرته الورقة أو ذكره بعض المعلقين عليها ليس إال حوادث

فردية ". . . وبدون سند إذ قد تكون ردة فعل لموقف ما أو لحالة

نفسية وربما كانت من أحالم الليل. . .".

أما ما كتبت ه في تلك الورقة، وفي غيرها، عن قضايا

لم يتضمن نيال من التعليم وتلبسه بما يسمى ظلما بـ "الدعوة" ف

أحد؛ ولم تكن األدلة التي اعتمدت عليها حوادث فردية. فقد كان

التعليم

207

ماكتبته منصبا على نقد بعض الممارسات التي وضح اآلن لكل

ذي عينين أنها بحاجة إلى عالج، وأتيت بأدلة كثيرة، استقيتها

من معلمين وموجهين تربويين ومن بعض أولياء األمور،

منها، وأوردت قنوات اإلعالم األخرى ونشرت الصحف كثيرا

نماذج منها وشواهد كثيرة عليها.

وقد جاء أبلغ رد وأوضحه على الدكتور الدايل، وغيره،

ممن يدافعون عن الوضع القائم في مدارسنا، ويهونون من

خطورة ما يمارس فيها في خطاب صاحب السمو الملكي ولي

نشرته الصحف يوم العهد إلى كبار المسؤولين عن التعليم و

هـ. فقد كان ذلك الخطاب حديثا صريحا 21/7/1425االثنين

عن المشكالت الخطيرة التي تكتنف العملية التعليمية في بالدنا،

وهي مشكالت تنبع أساسا من الممارسات الخاطئة لبعض

المعلمين مما ظل المواطنون، منذ زمن طويل، يشكون من

التعليم، ومنها ما ذكرت ه في استفحاله وخروجه عن المألوف من

ورقة "المنهج الخفي" وفي مقاالت أخرى، وما كتبه غيري من

الكتاب الوطنيين الغيورين على جودة التعليم في بالدنا. وكانت

عبارات سموه عن بعض المآخذ على التعليم شديدة اإليجاز

لكنها عميقة الداللة.

ا وأنتم أعلم اجتهادات أنتم تعرفونه وهناكفيقول سموه: "

، لكني ما أسمع عن ". . . و: "،ماذا فعلت تلك االجتهادات

أبنائكم التالميذ وهذه أهم فيشيء آخر وهو غرس حب الوطن

أنايا إخوان ": و. . ."، جميعا، م شيء، وهذه لم أسمعها منك

أن تنتبهوا لهذا الشيء وأتمنى. . . أحب أن أقول لكم شيئا

منطقة،ن أنتم مسؤولون عنهم في كل خاصة من المعلمين الذي

التعليم

208

هذا الشيء ال أحب أن أخبئه ألنه سيكبر ويتضخم ولكن أحب أن

ال تبهج الخاطر أبدا، وأعتقد أن بعضكم أشياءأشرحه لكم وهو

. أن يغطي قليال، يحبيمكن أو مؤكد أن لديه علما بأشياء لكنه

ر ويكبر خاطري ليكب فيال أحب أن أكتم شيئا . . .أنا . ."، و"

، وما جئت به اآلن إال . . .حتى يصبح شيئا ال تحمد عقباه،

وهذا ."أو أنكم كلكم لديكم خبر خبرموثقا ويمكن بعضكم لديه

كالم صريح و"موثق" من المسؤول الثاني في الدولة يشهد بأن

هناك مآخذ على التعليم مما أشرت أنا، وغيري، إلى أطراف

منه.

البيان الشافي من سموه، أن يجحد فال يمكن ألحد، بعد هذا

وجود تلك المشكالت، أو يتلمس األعذار ألوجه التقصير التي

ظلت وزارة التربية والتعليم تحاول التقليل منها، وتجمجم أحيانا

باالعتراف ببعضها. كما يوجب هذا البيان أن يقلع بعض

المسؤولين في الوزارة وبعض الكتاب، كالدكتور الدايل، عن

م الكتاب الوطنيين الذين لفتوا النظر إلى بعض أوجه الخلل اتها

في العملية التعليمية وطالبوا بإصالحها بأنهم مبالغون في

نقدهم، وأنهم ال يكنون والء لوطنهم ودينهم وثقافتهم، وأنهم

مدفوعون بالعداء لـ"أهل الخير" من المدرسين المجتهدين، بل

مالة لجهات خارجية تناصب ربما وصل األمر إلى وصمهم بالع

الدين والوطن والدولة العداء.

ويجب، من هنا، أن يكون حديث سمو ولي العهد بداية

لوقفة شجاعة في وجه من حولوا بيئة التعليم إلى بيئة أبعد ما

تكون عن البيئة المالئمة للتعلم، بعد أن تحولت إلى بيئة تولد

التعليم

209

ع للتصنيف و العداء لمن يوضعون التشدد وتنشر التجهم وتشر

في "الخانة" الخطأ.

وأعود هنا إلى الدكتور الدايل فأتساءل: أال يكفي حديث

هه المواطنون سمو ولي العهد شاهدا على صدق النقد الذي يوج

إلى بعض ما يشيع من ممارسات في التعليم؟ أال يكفي إلقناع

على ما الذين ما يزالون يخادعون أنفسهم بأن التعليم في بالدنا

يرام؟ أال يكفي في رد االتهامات الباطلة التي وجهها الدكتور

الدايل إلى ورقة "المنهج الخفي" وكاتبها، في األقل؟

ثم، وبعد هذا كله، أيمكن للدكتور الدايل أن يتراجع عن

أحكامه التي تشبه التكفير لمواطنيه انطالقا من مواقفه

اإليديولوجية المسبقة؟

م.12/9/2224 /25/7/1425(، 1442د ال ط )العد*

السنة الدراسية الجديدة وثالثة خطابات

هـ بثالثة 8247/8242بدأت السنة الدراسية الجديدة

خطابات من جهات ثالث. ويكشف اثنان منها أن نظامنا

التعليمي على أبواب مرحلة تصحيحة واعدة، أما الثالث فيشهد

ات في طريقها، ويتخوف بأن هناك من يسعى إلى وضع المعوق

ف من اإلصالح. والجهة األولى القيادة السعودية ممثلة ويخو

بخادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، والثانية وزارة

التعليم

210

التربية والتعليم ممثلة بوزيرها، ويمثل الجهة الثالثة خطيب

الجمعة الماضية في المسجد الحرام.

ه خادم الحرمين الشريفي ن وزير التربية والتعليم فقد وج

وكبار المسؤولين فيها بما يسير التعليم في الطريق الصحيح.

ووجه سمو ولي العهد كلمة صريحة إلى كبار المسؤولين في

وزارة التربية والتعليم تضمنت كثيرا من الملحوظات

الجوهرية. وكنت أوردت فقرات من كلمة سموه في مقال

األسبوع الماضي.

زت كلمة سمو ولي العهد على بعض ما يمارسه فقد رك

بعض المعلمين والمعلمات في المدارس. وهي ممارسات كتب

عنها بعض المهتمين بالعملية التعليمية في الصحف المحلية على

مدى العامين الماضيين. وأكد سموه أن ما يعلمه عن هذه

ة". الممارسات ليس كالما يلقى على عواهنه بل أحداثا "موثق

ل التلميح ويشي كالمه عنها بقدر كبير من اإلنكار لها، لكنه فض

بدل اإلفصاح لمعرفته بأن المخاطبين يعرفونها.

أما كلمة الدكتور وزير التربية والتعليم فقد كشفت عن

وعيه بشيوع بعض االجتهادات التي يمارسها بعض المعلمين.

قبل، لكن قراءتها وقد صاغ تلك الكلمة على صورة أمنيات للمست

توحي بطموحه أن تحل هذه األمنيات في المستقبل مكان ما

يمارس اآلن.

ويحسن إيراد الفقرة التالية، على طولها، من كلمة معالي

الوزير التي يبين فيها مسؤولية المعلمين والمعلمات. فهو

التعليم

211

يتساءل: "هل كسبوا عقول الناشئين وقلوبهم بالثقة واالحترام

ل علموهم األدب والخلق الفاضل والسلوك الحسن والمحبة؟ ه

إلى جانب ما في الكتب من علم؟ هل أوقدوا فيهم جذوة الشوق

إلى العلم، وعلموهم كيف يتعلمون باستمرار في عصر فتحت

فيه التقنية الحديثة ووسائل االتصال أبواب المعرفة على

مصاريعها؟ هل دربوهم على مهارات التفكير الصحيح وأصول

الحوار ومبادئ االئتالف وآداب االختالف وسعة الصدر

والتسامح وسماع الرأي اآلخر وتفهمه وعدم الشعور باحتكار

نوهم ضد الصواب؟ هل غرسوا فيهم بذور األمل والتفاؤل وحص

التخاذل والتشاؤم؟ هل دربوهم على اإلتقان في كل عمل

الحسنة يقومون به؟ وبعد هذا كله، وسواه، هل كانوا القدوة

فعلموهم بالمثال المحسوس ال بالكالم المجرد؟"

وتمثل هذه الخصال والفضائل التي حددتها كلمة الوزير

أهم الواجبات التي يجب أن ينفذها المعلمون والمعلمات. لكن

الحرارة التي س ردت بها والتدفق اللغوي العاصف الذي صيغت

علمات كثر ال به يشيان بمعرفة الوزير بأن هناك معلمين وم

يقومون بها. لذلك اضطر إلى التذكير بها بهذا األسلوب القريب

من التعنيف.

ثم يحدد بعض الممارسات التي يود أن يقلع عنها

المعلمون والمعلمات. ومنها: "إن من واجب المعلمين

والمعلمات أن يدركوا الفرق الكبير بين المعلم والمفتي، فيعلموا

ثل ما ورد في المقررات من مادة علمية، طالبهم بالشكل األم

دون أن يتصدروا للفتيا، ويشطوا عن المنهج، ويقحموا الطالب

في مسائل ال عالقة لهم بها".

التعليم

212

وكثيرا ما لوحظ هذا على بعض المعلمين والمعلمات الذين

يحولون الزمن المحدد لمادة معينة إلى مناسبة للوعظ واإلفتاء،

المواد العلمية كالفيزياء والكيمياء ومن ذلك الخروج عن تعليم

واألحياء وتحويلها إلى بحث في اإلعجاز العلمي للقرآن الكريم

أو حلقة لـ"الدعوة".

ويؤكد الدكتور الوزير على المعلمين والمعلمات بأن

يشيعوا ". . .روح التفاؤل بين طالبكم وطالباتكم، وعلموهم

الخير في الناس صناعة الحياة. . . وأن يركزوا على جوانب

والحياة. . .".

ويشير هذا إلى ما يمارس في المدارس من التزهيد في

الحياة وتعميم "ثقافة الموت" عن طريق النشاطات التي يكون

تغسيل الموتى وصور القبور أجزاء الزمة فيها. يضاف إلى

ذلك ما يشيع من تشجيع بعض المظاهر التي يركز عليها لكي

سخ في ذهن ا لطالب صورة نمطية للمسلم النموذجي )فمما تر

يشيع في بعض المدارس اإلعالن عن بعض الخياطين الذين

يتبرعون لتقصير ثياب الطالب، أو يتخصصون في خياطة

الثياب التي تتماشى مع الصورة النمطية للثوب

"اإلسالمي"(.وتشير تمنيات معالي الوزير إلى وعيه شخصيا

مشكالت ونيته ونيتها في عالجها. ووعي الوزارة بهذه ال

ويوجب وعي القيادة السياسية بهذه المشكالت التي تحد

من نجاعة التعليم ووعي الوزارة المعنية بها أن نشارك نحن

المواطنين في هذا الوعي ونبذل الجهد لمعالجة تلك المشكالت.

وينبغي أن نضع أيدينا في يدي معالي الوزير لتحقيق أمله في ".

. أن المدرسة العربية السعودية المسلمة لن ت هزم ـ إن شاء هللا .

التعليم

213

ـ أمام الفتنة والضالل واالنحراف الذي يهدد أمن هذا المجتمع

واستقراره".

إن أملنا جميعا أن تعود مدارسنا إلى بيئة صالحة لغرس

القيم واألخالق اإلسالمية السمحة وأن تصبح بيئة صالحة يتلقى

ناتنا تعليما تكون ثمرته االنتقال من التقليد فيها أبناؤنا وب

واالستهالك إلى اإلبداع واإلنتاج، ومن االنغالق والتجهم إلى

التفتح والبهجة، ومن االنعزالية والشعور بالفوقية إلى التحلي

بالقيم اإلنسانية التي تقضي على تصنيف الناس من أجل التمايز

ير الحر والصراحة عنهم، وأن تكون مكانا إلعالء قيم التفك

والجرأة على التعبير عن الرأي بدال من النميمة واالزدواجية

والغمغمة التي أورثتنا كثيرا من الطباع السيئة والخصال

المنفرة.

أما خطيب الجمعة الماضية في المسجد الحرام فتكاد

خطبته تكون نقيضا لكلمة خادم الحرمين الشريفين وكلمة سمو

معالي وزير التربية والتعليم المتفائلة. فهي ولي العهد وكلمة

ر بذلك الخطاب التحذيري المتشائم الذي يزرع الخوف تذك

والتوجس ويوزع االتهامات يمينا ويسارا.

فيبدأ الخطيب بالقول إن "الحضارة اإلسالمية التي باركها

هللا على أهل األرض جميعا ما ضعفت إال حينما كانت

في تنكر للدين أو تحد ال يتحمله المنطلقات غير شرعية

را اإلسالم". ويوحي هذا بالتخويف من شيء قادم يبينه قول ه محذ

إن "استيراد التربية والتعليم من أمة أخرى بكل أشكالها خطيئة

كبيرة وتبعية خطيرة فهي تعني نشأة جيل جديد مغيب عن تراثه

التعليم

214

يسهل وتاريخه مقطوع الصلة بعقيدته ومبادئه وبال هوية و

انقياده واستعباده، . . . ".

والسؤال هو: ما مناسبة هذا الكالم اآلن في المملكة

العربية السعودية؟ أتراه يحذر من بعض التغييرات التي عبرت

عنها كلمة وزير التربية والتعليم؟ أم أنه الخطاب التعبوي نفسه

الذي أوردنا كثيرا من المشكالت التي نعاني منها اآلن؟

قائال إن ". . . من الخلط والتضليل فرض العلمنة ويضيف

بحجة التطوير وإقصاء الدين لمواكبة العلم كما بليت بذلك بعض

بالد المسلمين؟"

ولنا أن نسأل: هل فرض أحد "العلمنة" على مناهج

بالدنا؟ ومن الذي فرضها؟ وهل هناك من ينادي بفرضها؟ وهل

هناك أحد ينادي بإقصاء الدين؟

واقع أنه لم يدع أحد في المملكة العربية السعودية إلى وال

فرض العلمنة أو إقصاء الدين. أما ورود هذه الكلمة "المخيفة"

على لسان الخطيب وإردافها بالكالم عن "إقصاء الدين" فال

يعدو أن يكون من آثار الخطاب "الصحوي" الذي يقوم على

المعهودة عن تميز التهويل والتشكيك. ومثل ذلك تكرار النغمة

بالدنا عن سائر بالد المسلمين، وهو ما يعني تميزنا عنهم. وكم

نا الزائف ت هذه النغمة علينا من مصائب ليس أقلها شعور جر

بالفوقية واحتقار من عدانا من عباد هللا، واستجالب عداوة

إخواننا المسلمين، واالعتقاد بأن اجتهاداتنا الدينية هي

ادات الصحيحة أما اجتهادات المسملين اآلخرين فهي االجته

الضالل واالنحراف.

التعليم

215

ثم يوجه كالمه إلى مناهجنا فيقول "إنه من العدل أن نفخر

أن المناهج الدراسية في بالد الحرمين الشريفين من أفضل

المناهج في عالمنا اإلسالمي رغم وجهات النظر الغريبة التي

من. . . ".تطرح أحيانا لتغيير المسار اآل

وهذا من قبيل التفاخر الذي أشرت إليه آنفا والتظاهر

بالتميز على اآلخرين من غير دليل. كما تتمثل في كالمه النغمة

المعهودة للتشكيك في نيات من يبدون بعض الملحوظات على

مناهجنا عموما، والدينية خصوصا.

ومن الغريب أن يستخدم الخطيب لفظ "بالد الحرمين" في

شارة إلى "بالدنا". صحيح أننا نفخر بأن بالدنا هي "بالد اإل

الحرمين"؛ لكن هذه اللفظ ال يستخدمه اآلن إال أولئك الذين ال

يرون شرعية السم "المملكة العربية السعودية".

ومما يشير إلى انتماء تلك الخطبة إلى الخطاب المناهض

ترنت إلصالح التعليم أنها قوبلت في بعض منتديات اإلن

المتطرفة بكثير من اإلشادة وتحت عناوين تشي بقدر كبير من

الضغينة على وزير التربية والتعليم في بالدنا، وعلى جهوده

وجهود المخلصين من أبناء الوطن إلصالح مشكالت التعليم.

وهذا هو المشكل في الخطبة؛ فهي أقرب ما تكون إلى التهييج

ظر التي تشكك في نيات والتجييش من أجل تعزيز وجهات الن

من يسعون إلى تطوير التعليم وإصالحه.

م16/9/2224 /2/2/1425(، 1442* ال ط )العدد

التعليم

216

التعليم

217

قصتي مع االنتخابات

في أجواء االنتخابات البلدية التي تظللنا أفياؤها في هذه

األيام بعد انقطاع طويل لعملية االنتخابات وثقافتها وأجوائها

تذكار واحدة من التجارب االنتخابية التي مررت يطيب لي اس

بها قبل سنوات.

فقد كان تولي المناصب اإلدارية األكاديمية في الجامعات

يجيء نتيجة لعملية طويلة من الترشيحات واالنتخابات. وكانت

الكليات واألقسام تعيش أجواء انتخابية ساخنة ألشهر حتى

تبدأ بترشيح واحد أو أكثر من تنتهي هذه العملية: وكانت العملية

أعضاء هيئة التدريس ألحد هذه المناصب ثم يأخذ كل واحد من

المرشحين، هو ومناصروه، في تسويقه والكشف عن مواهبه

وكفاءته ووعوده بتطوير القسم أو الكلية. وفي اليوم المحدد يلتئم

الجمع وينتخب الناخبون بصورة سرية ويعلن الفائز من

يعود الهدوء المعهود إلى القسم أو الكلية وكأن المرشحين، ثم

شيئا لم يكن. وبعد ذلك يرفع اسم الفائز إلى مدير الجامعة الذي

يصدر قراره )بالموافقة في غالب األحوال( بتولي الفائز

المنصب المعين.

هـ ثم ألغي وصار 1413وظل هذا التقليد متبعا حتى

من يراه لتوليهما الوسيلة التعيين الذي يصدره مدير الجامعة ل

البديلة؛ ويحدث هذا التعيين بطريقة سرية ال يعلم أعضاء هيئة

التدريس عنها شيئا حتى يفاجؤوا بإعالن اسم المعين.

التعليم

218

وقد ظل أستاذنا الدكتور منصور الحازمي رئيسا لقسم

اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود ألربع فترات، ولم

ه لمكانته العلمية وخبراته األكاديمية واإلدارية يكن أحد ينافس

الطويلة ، وألن معظم أعضاء التدريس السعوديين كانوا من

طالبه يوما ما، وهو ما جعلهم يؤثرونه بهذا المنصب

ويتحرجون من مزاحمته عليه.

إال أن الدكتور الحازمي أعلن قبل نهاية الفترة الرابعة من

ح لهذا العمل، وطلب رئاسته للقسم عن عزمه على عدم الترش

من القسم أن يختار بديال عنه. وكان القسم في تلك الفترة، إبان

صعود ما يسمى بـ "الصحوة اإلسالمية"، يكاد يكون منقسما إلى

تيارين محددي المعالم؛ يغلب على أحدهما الميل إلى التيار

ل الصحوي )إن صح التعبير( ويميل اآلخر إلى التيار المعتد

الذي تتميز به جامعة الملك سعود على مدى تاريخها.

وقد رشح التيار "الصحوي" والذين يتماهون معه أحد

الزمالء ليكون رئيسا للقسم، أما التيار "المعتدل" فرشحني.

وكان الزميل المنافس معتدال، وإن انتمى إلى التيار الصحوي،

ى عالقة ويتمتع بخبرات طويلة في العمل اإلداري، وكان عل

ممتازة بالزمالء جميعا، وكان كفؤا ألن يشغل ذلك المنصب. إال

أن التيار الذي رشحني كان يريد شخصا ال ينتمي للتيار الذي

يمثله ذلك الزميل تخوفا من عواقب ذلك على العملية التعليمية

في القسم والجو العام فيه.

وبعد إعالن الترشيح هبت على القسم رياح المنافسة

شديدة وبدأت المؤتمرات المصغرة )أو هي "المؤامرات"؟!( ال

التعليم

219

قان مرشحيهما بقوة ويجمعان األصوات لهما. وبدأ التياران يسو

واستمر األمر ألكثر من ثالثة أسابيع، وكنت تحس بهذا التنافس

ماثال في كل لحظة.

وفي اجتماع القسم الذي سبق اإلعالن بوقت كاف أنه

رئيس للقسم جرت عملية االنتخاب سيكون موعدا النتخاب

بطريقة سرية، وأعلنت النتيجة مباشرة. وكانت محصلتها أنني

فزت على الزميل المنافس بصوتين اثنين. وبعد ذلك مباشرة

انهالت على الفائز التبريكات وانطلقت التعليقات الخفيفة

المتفائلة والمتخوفة. وكان من أول المباركين الزميل المنافس.

انتهت العملية وانقشع غبار المعركة االنتخابية الذي كان يلبد ثم

جو القسم وكأن شيئا لم يحدث.

وبعد أن صدر قرار مدير الجامعة بإمضاء نتيجة

االنتخاب بدأت عملي رئيسا للقسم؛ وكان الزميل المنافس من

أول المتعاونين، بل كان أكثر الناصحين ومن أقرب من ألجأ

رة. ومضت السنتان سريعا، وساد جو من إليهم لطلب المشو

الوئام بين الزمالء وازدهر النشاط العلمي والثقافي، ومنه

استضافة القسم لبعض األساتذة الزائرين من خارج المملكة،

وبدئه بمراجعة الخطط الدراسية، وغير ذلك من مظاهر

الحيوية.

وكنت أجتهد في عملي كثيرا وأخطئ كثيرا؛ لكني كنت

توى عال من الثقة بالنفس نتيجة لما كنت أحسه من أحس بمس

تعاون الزمالء وغضهم النظر عن كثير من األخطاء التي

أرتكبها نتيجة لبعض االجتهادات الجريئة.

التعليم

220

ولما انقضت السنتان جمعت أوراقي وذهبت إلى مكتبي

ولم أدخل مكتب رئيس القسم أليام. ووافق ذلك تغير األنظمة من

قسام وعمداء الكليات إلى النظام الحالي الذي انتخاب رؤساء األ

يعين بموجبه من يختارهم مدير الجامعة لهذين المنصبين. لذلك

كنت آخر الرؤساء المنتخبين لقسم اللغة العربية وآدابها في

جامعة الملك سعود، ومن آخر رؤساء األقسام في الجامعة الذين

جاؤوا عن طريق انتخاب زمالئهم لهم.

بعد أيام بخطاب من مدير الجامعة يكلفني بالقيام وفوجئت

بعمل رئيس القسم، ثم جاء خطاب آخر ينص على تعييني رئيسا

له لفترة ثانية.

وبعد انقضاء أيام العسل األولى من الفترة التعيينية أخذ جو

القسم في التغير قليال قليال: فقد بدأ بعض الزمالء في التعبير

بعض ما أعمل، وأخذت الشكاوى العلني عن عدم رضاهم عن

تتزايد كما وكيفا حتى وصلت في األشهر الستة األخيرة إلى

مستوى لم يكن مقبوال أبدا. ثم بدأت التحزبات ووصل األمر إلى

تقديم بعض الزمالء شكاوى إلى مدير الجامعة تتضمن بعض

االعتراضات على عملي، وكان بعضهم يمتنع عن دخول مكتب

قيع نتائج االمتحانات كما تنص اللوائح. وكنت رئيس القسم لتو

في تلك الفترة أعد األيام يوما يوما وأحلم باليوم الذي أخرج فيه

من مكتب رئيس القسم ألتمتع بالحرية التي كنت أتمتع بها قبل

تسلمي ذلك العمل، كما كنت أحلم باستعادة صداقة بعض

شهر األخيرة زمالئي التي فقدتها في هاتين السنتين. ومضت األ

ثقيلة ال تكاد تتزحزح حتى ف رجت أخيرا بنهاية الفترة المعهودة،

التعليم

221

وكنت لعدد من األيام بعدها ال أكاد أصدق أنني انعتقت من تلك

الرئاسة!

ومن المطمئن أنني استعدت سريعا، بعد انتهاء فترة رئاسة

القسم التعيينية، صداقة أولئك الزمالء وعدنا جميعا إلى جو

والمودة الذي كنا عليه. وأعتقد اعتقادا جازما أن هؤالء الصفاء

الزمالء نسوا ما كان يحدث كما أنني أؤكد أنني نسيته ولم يبق

منه إال بعض الذكريات الباهتة.وليس المقصود من استذكار تلك

األحداث التلذذ بسردها والتبسم عند تذكر مستوى الحماس الذي

في تلك الفترة. أما المقصود كنت وزمالئي نعمل به ونتعامل

فهو التفكر في المقارنة بين تولي منصب معين نتيجة لعملية

اختيارية كاالنتخابات وتوليها بصورة مفروضة نتيجة للتعيين.

لقد كنت أشعر في فترة الرئاسة األولى بأنني وإن أخطأت

فإن زمالئي سيبادرون إلى التماس العذر لي ألنهم شركاء في

تبعية: أي أنهم لو لم يختاروني لما وقع ذلك الخطأ. خطأي بال

وكنت لذلك أشعر بمستوى من الحماس للعمل من غير تلفت

لعيون الرقباء والمترصدين. وكان الزمالء يعملون بجد إلنجاح

عملي ألنهم يرون أني أنوب عنهم وأرجع إليهم.

وا أما في الفترة الثانية فال بد أن كثيرا من الزمالء لم يكون

يشعرون بالتعاطف معي ألنهم ربما كانوا يحسون بأني مغتصب

لذلك المنصب بصورة ما، وأني لو لم أكن ذا حظوة عند مدير

الجامعة لما عينت، وأني ال أعير ما يهتمون به أي عناية ألنني

وتفتح هذه غني عن دعمهم وال أدين لهم بشيء في توليه.

ي عمل ما نتيجة النتخابات التجربة باب التأمل في طبيعة تول

التعليم

222

تعبر عن درجة ما من رضا الذين يعملون تحت إدارة المنتخب

لتولي العمل وبين توليه بطريقة مفروضة ال يستأمرون فيها وال

يملكون حق تغييره أو اإلدالل عليه بشيء.

ومصدر الرضا التقريبي للناس بمن يأتي باختيارهم أنهم

را سيئا فإنه لن يدوم لفترة أطول يشعرون بأنه وإن كان اختيا

من فترة محددة يعرفونها مسبقا؛ فباب األمل بالخالص منه

لوا مشرع بل متحقق. وهو تحت رقابتهم الدائمة ويمكن أن يعد

من تصرفاته وأن يشعروه بأنه إنما جاء برغبتهم ومصيره

مربوط برضاهم عنه. أما المعين فال أحد يعرف متى ينزاح عن

م، وليس ألحد دالة عليه؛ وهو ما يؤدي إلى فقدهم حتى كواهله

األمل، وتظل صدورهم تنطوي على درجة من الضيق به وربما

وال أشك أن المعين ـ وربما كنت يتمادون إلى التنغيص عليه.

كذلك في الفترة الثانية! ـ ليس بريئا من شكل من أشكال

ليس عرضة الدكتاتورية التي تترعرع في قلبه. فما دام أنه

لمحاسبة من يرأسهم فسيكون أكثر جرأة على أن يتخذ بعض

اإلجراءات التي يعرف أنها ال تحظى بموافقتهم.

والدرس الذي يمكن أن يستفاد من مثل هاتين التجربتين أن

االنتخابات من أنجح الوسائل لتقليل حجم غضب الناس وعدم

سيلة رضاهم عمن يتولى تصريف مصالحهم اليومية. وهي و

إلغناء الخبرات عن طريق التجديد الدائم لمن يديرون تلك

اإلدارات، وهي طريقة حكيمة مثلى لغرس فضيلة التواضع في

القيادات، وتنمية حس المسؤولية والمحاسبة لدى الجميع.

م.2/12/2224 /19/12/1425(، 1525*ال ط )العدد

التعليم

223

القبوريون

طيع أن نتعلم من من المؤسف حقا أنه يبدو أننا ال نست

أخطائنا وال أن نقلع عن بعض الممارسات حتى بعد أن يتبين لنا

عوارها وتتضح لنا عيانا أخطارها. أقول هذا بعد أن الحظت ـ

كما الحظ كثير من المالحظين اآلخرين ـ أن مدارسنا ال تزال

تتبنى وتعمم ما أسميته في مقال سابق بـ "ثقافة الموت".

المقال ـ وفي مقال آخر الحظت فيه وكنت أشرت في ذلك

استمرار الحال على ما كانت عليه ـ إلى أن واحدا من النشاطات

المعهودة في المدارس اآلن يتمثل في تعريض الطالب

والطالبات إلى بعض النشاطات "الدعوية" التي تقوم على

اإلفراط في ذكر الموت بوسائل أقل ما يقال فيها أنها "سادية"؛

تقصد إلى إيقاع األلم على المستهدف بشكل بالغ ذلك أنها

القسوة.

وكانت إحدى النتائج الجيدة للمقال األول الذي كتبته

نع االستمرار في إقامة بعنوان "ثقافة الموت في مدارسنا" أن م

المعرض المسمى بـ"بداية ونهاية" الذي يقوم أساسا على

في أثناء تعريض الطالب إلى مناظر القبور وأحوال الموتى

تغسيلهم وإدخالهم لقبورهم. وكنت أتوقع ـ كما كان كثير غيري

يتوقع ـ أن يكون ذلك المنع نهائيا وأن تختفي هذه الممارسات

إلى غير رجعة من مدارس التعليم العام. وقد كتب عدد من

أولياء األمور في الصحف عن تلك النشاطات في المدارس التي

، في مختلف مناطق المملكة، وكانوا يدرس فيها أبناؤهم وبناتهم

يعبرون عن عدم رضاهم عنها. لكن ما حدث أن هذا المنع لم

التعليم

224

يدم طويال؛ فقد أخذ صورا مختلفة بالمحتوى نفسه، وظلت

بعض المدارس تحافظ على إبقاء ثقافة الموت حية.

ومن الشواهد التي تدل على استمرار هذه النشاطات ما

األسبوع الماضي من قيام بعض حدثني به أحد األصدقاء في

المدرسات الالتي يدرسن بناته في إحدى المدارس في الرياض

من جمع الطالبات وعرض دمية عليهن وهي ت غسل وتكفن.

عن على الطالبات بعض المطويات يضاف إلى ذلك أنهن وز

والكتيبات التي تتحدث عن الموت وعن تغسيل الميت وعن

لي هذا الصديق مدى الخوف الذي كان القبر وأحواله. كما روى

ينتاب بناته في الليل كلما تذكرن تلك المناظر التي رأينها في

المدرسة أو في الكتيبات والمطويات التي أحضرنها إلى البيت.

وليست هذه حالة فردية؛ فقد روى لي صديق آخر في هذا

األسبوع أن أبناءه وبناته تعرضوا لما تعرض له أبناء الصديق

ألول وبناته، وفي مدارس مختلفة. كما أخبرني بعض ا

الموجهين التربويين أن الحالة اآلن ربما عادت إلى المستوى

الذي كانت عليه قبل أربع سنوات. وهذا دليل واضح على أن

هذه الممارسات ليست فردية وال تحدث في مدرسة واحدة؛ بل

ى في هي نشاط مألوف تختار مدارس كثيرة القيام به وال تر

ذلك أية مشكلة تربوية أو نفسية.

ولكي ال يظن أحد أني أتجنى على المدارس أورد فيما يلي

مسرحية بعنوان "فرشي التراب" ي خطط لها أن تعرض في

إحدى المدارس المرموقة في الرياض. والغريب أن الطالب

التعليم

225

الذين سيشاركون في أداء هذه المسرحية من طالب المرحلة

االبتدائية!

وقد وزعت المسرحية إلى أدوار متعددة يتناوب على

نشد" و"مجموعة"، ويتخلل أبيات المسرحية اإلنشاد فيها "م

تأوهات متعددة يتناوب على إطالقها المنشد والمجموعة وهو ما

سيضفي عليها جوا إضافيا من الكآبة والحزن.

تقول أبيات المسرحية:

ن غطار ف ش الت اب م

ت فن بل م رار ل ال ما ح

ال حد حك ظ مة فياا ابتةر

الن ر خاط تابه أن لقار

األ ل أ حنانام با ا فار

ال ح أ م ام ت ا إخار

الما أ ناؤه ار رار

ا سم أ ب قه بي ال نار

ذ ناا ة حال

ف ش الت اب

دع ش قه بكار رثار الح

الدم ف م ي ه بعد ال كار

الك ضاق ب سعه ضاق ف ار

فال حد ار بج ت أرض سمار

الخ ف مأل غ بت الح دار

التعليم

226

أر ال ا إنه ق ما د ار

ال ب أد مخ ا أن ر ار

أب إلا نة فياا نار

خطاء النحوية واإلمالئية واضحة والركاكة اللغوية واأل

في هذه المسرحية مما يدل على أنها من نظم بعض المدرسين

المؤدلجين الذين لم تكتمل لديهم موهبة الشعر، بل لم يتمكنوا من

اللغة العربية الفصحى.

والسؤال هو: كيف يسمح بأن ي شارك في مثل هذه

ض على المسرحية أطفال في سن مبكرة؟ وكيف ي سمح بأن تعر

طالب ربما ال تزيد أعمارهم عن العاشرة؟

وهناك أناشيد كثيرة غير هذه تشيع في المدارس وتوزع

على الطالب والطالبات وال يتعدى مضمونها ذكر الموت

والتزهيد في الحياة.أما أثر مثل هذه النشاطات فال يمكن أن

يخفى على من يهتم بمالحظته على المستويات جميعها. ومن

نه يكفي أن تالحظ اآلن في أمكنة كثيرة شبابا صغارا يبدو ذلك أ

عليهم االنكسار الذي يتمثل بلبسهم مالبس تحاكي مالبس

"الملتزمين" من الكبار. إذ تجدهم يلبسون ثيابا قصيرة جدا

وش م غا "مكوية" بطريقة معينة يسدلونها لتغطي مساحة كبيرة

لحزن. من وجوههم، مع ما يظهر على وجوههم من ا

على أن خطر مثل هذه النشاطات يتجاوز هذه المظاهر

الشكلية. فقد عرض أحد الذين كانوا ينتمون إلى التيارات

المتطرفة في فترة سابقة من حياته إلى السبب الذي أدى به إلى

التحول من إنسان عادي ليصير أميرا ومرشدا لعدد كبير من

التعليم

227

رة إلى "شباب الشباب "الملتزمين" الذين تحولوا بعد فت

متطرف" وصل بعضهم إلى االنتماء إلى الفئات الخارجة على

الوطن، بل إلى االشتراك في حوادث التفجير اإلرهابية التي

تعرض لها وطننا في السنوات الثالث الماضية، وكان عرضه

لتجربته تلك في مجلس عام. فقد ذكر أنه يتذكر بجالء السبب

لعشرين من عمره، بصورة الذي جعله يتحول، وقد تجاوز ا

مفاجئة وسريعة إلى التيار الغالي. وكان ذلك السبب أن زميال له

من الناشطين حذره من أنه ربما يموت الساعة فإما يكون

مصيره إلى الجنة أو إلى النار. ويقول إنه داخله خوف شديد

مفاجئ وحكم على نفسه أنه سيذهب إلى النار ال محالة إن لم

رشادات ذلك الصديق.يتبع فورا إ

فإذا كان هذا هو أثر مثل هذه الممارسات على شاب

مميز، فما بالك بوقعها على شباب صغار تنقصهم التجربة التي

تعينهم على الحكم على ما يسمعونه من مواعظ تأتي على هذه

الصور من القسوة؟

وليس ببعيد أن نظن أن اإللحاح على تعميم ثقافة الموت

وسيلة إلشاعة األلفة مع الموت مما يؤدي إلى زوال ربما يكون

هيبته من النفوس وربما يؤدي إلى استعذاب بعض تلك النفوس

له بل وطلبها له. وربما يكون هذا هو الخطوة األولى لتجنيد

الشباب في تيارات العنف ليضحوا بأنفسهم في سبيل أهداف

يرسمها غيرهم من ذوي المخططات البعيدة.

ر إلى انتشار هذه الثقافة العدمية ما نشرته قبل ومما يشي

أيام بعض الصحف عن أحد المترشحين لالنتخابات البلدية في

التعليم

228

حائل من أن أحد النشاطات التي أقامها في موقعه االنتخابي أنه

كان يعرض على الحاضرين أفالما لتغسيل الموتى وتكفينهم

ح بأنه فعل ذلك ألن هذه النشاطات م ما يجعل ودفنهم وصر

الناس تقبل على موقعه االنتخابي!

ومن الواضح أن وزارة التربية والتعليم مسؤولة مسؤولية

مباشرة عن استمرار هذه النشاطات في المدارس. وربما كانت

هذه الفترة أفضل فترة للقضاء عليها. ذلك أن معالي وزير

ية ، التربية والتعليم الحالي ينتمي إلى المشتغلين بالعلوم الشرع

ومن هنا فال يمكن أن يزايد عليه بعض المؤدلجين المتشددين،

في المدارس وإدارت التعليم، وفي الوزارة على وجه أخص،

من مؤيدي ومعممي هذه النشاطات وهو ما كانوا يمارسونه من

قبل. وأنا واثق من أن معاليه سيقف موقفا حازما للحد من هذه

الظواهر الخطيرة.

المقال فهو نقل لمصطلح معروف إلى داللة أما عنوان هذا

جديدة ربما تكون أكثر مالءمة في وصف هذه الظاهرة التي

تقدس القبور بطريقة خاصة أخرى!

م5/5/2225 /26/3/1426(، 1679* ال ط )العدد

حوار مع تعقيبات

ظفاار مقااال "القبوريااون" الااذي نشاارته الااوطن قباال أسااابيع

بعضا منهاا وظهار بعضاها فاي الوطنبعدد من التعقيبات نشرت

التعليم

229

بعض المواقع على اإلنترنت وتلقيت بعضا منها مباشرة بالبريادااللكتروني. والالفت للنظر أن المقاالت الثالثاة التاي كتبتهاا عان

في مدارسنا كانت من أكثر المقاالت التي "مظاهر "ثقافة الموت

ر هاذه جاالء علاى ت كتبتها استجالبا للتعقيبات. ويدل هاذا بكال جاذ

الثقافة في مجتمعنا بصورة عامة وفي المدارس بصورة خاصة،

.المعلمين كانوا يمثلون نسبة كبيرة من المعقبين ذلك أن

هاو الفاارق الباين باين والملحاظ األول علاى تلاك التعقيباات

التعقيباات المنشاورة فاي الصاحيفة والتعقيباات التاي نشارت فايعقبااين إلااى الكاتااب مباشاارة اإلنترناات أو التااي أرساالها بعااض الم

التعقيبااات التااي نشاارتها الصااحيفة بالبريااد اإللكترونااي. فتتصااف

باالطريقين بقدر مقبول من التهاذيب والموضاوعية؛ أماا ماا ظهار

اآلخاارين فقااد اتساام بقاادر عااال ماان العدوانيااة والبااذاءة والجاارأة

انتهاك أبسط المبادئ األخالقية. ولم يكن هاذا الفاارق الفائقة على

كتبت ااه باال هااذا مااا تتساام بااه ورا علااى التعقيبااات علااى مااامقصاا

لهاذا التعقيبات كلها على كل من يأتي برأي مخالف. وآخار مثاال

.ما حدث للزميل الدكتور محمد آل زلفةتربية تتصف بانفصاام وتبرهن هذه الظاهرة على أننا نتاج

في الشخصية حيث نتلبس شخصية علنياة تبادو معقولاة لكنناا فاي

نتلابس شخصاية أخارى أبارز صافاتها العدوانياة والجارأة الخفااء

.واألخالقية على القيم الدينية

ولقااد تعرضاانا خااالل الثالثااين الساانة الماضااية إلااى ماليااين

أطناناااا مااان المطوياااات وحضااارنا آالفاااا مااان الماااواعظ وقرأناااا

الوعظياااة المحاضااارات الدينياااة واساااتمعنا لمالياااين األشااارطة

المختلفااة، إلااى جرعااات عاليااة وتعرضاانا، خااالل مراحاال التعلاايم

التعليم

230

لكن هذا كله لم ينجح في زرع الورع فينا عان .من التعليم الديني

م فياه الرساول األكارم صالى هللا مخالفاة حاديث نباوي واحاد حار

عليه وسلم عرض المسلم. وفي مقابل هذا الفشل الواضح نجحت

النشاطات المتنوعاة إلاى حاد بعياد فاي خلاق شخصايات قلقاة هذه

تجاد حرجااا مان "أبلسااته" تتاوجس الشاار فاي غيرهاا وال شاكاكة

ضاااربة عاارض الحااائط بااذلك التوجيااه النبااوي الشااريف الااذي

.بحماية عرض المسلم يقضي

ولك أيها القاارئ الكاريم أن تطلاع علاى بعاض المواقاع فاي

لتارى برهاناا جلياا علاى المساتوى غيار المعقاول الاذي اإلنترنت

تناولهم لمن يختلفون معاه فاي فيوصل إليه كثير من السعوديين

.الرأي، مهما كان ذلك الرأيالطبيعاي بمشاكلة أخالقياة كبارى ويوحي هذا الوضاع غيار

الرقياب تتمثل فاي أن ثقافتناا ت سابغ قادرا كبيارا مان األهمياة علاى

العلنااي وتعطيااه األوليااة، لكنهااا ال تنمااي فينااا تلااك الرقابااة الذاتيااة

االخااتالف خوفااا ماان هللا أو ماان تجاااوز الحااد عنااد التااي تمنعنااا

التصرف بطريقة واحادة التزاما ببعض المبادئ التي توجهنا إلى

.مطردة في السر والعلن

علاى مقاال "القبورياون" أما التعليقات التي نشرتها الاوطن

فيشااهد بعضااها بااأن بعااض المعقبااين يتفقااون معااي فااي خطااورةل أحادهم: الممارسات التي تشيع ثقافة الماوت فاي المادارس. يقاو

الكاتاب فاي عادم اإلفاراط الاذي يانغص علاى ". . . نعم أنا اوافق

أتفاق معاه الحي الحركة والعمل الادؤوب ويعطال قدراتاه وأيضاا

أن لكاال مرحلااة عمريااة كيفيتهااا وخصوصاايتها فااي مسااألة البناااء

، ويقاول آخار: ". . . مان الواضاح أن " . . .والتوجياه والتلقاين

التعليم

231

الماااوت اط فاااي الحاااديث عااانالكاتاااب يااادرك تماماااا أن اإلفااار

وتصويره واإلفراط في ذكر ما بعده يؤدي إلى العنف واإلرهاب

في ذلك البتة، ونوافقه علاى مالحظتاه تماماا والتفجير، وال جدال

يعتريهاا مان نقاص. . كما هي الشمس في وضاح النهاار رغام ماا

.". ويقول آخار: "إن التاذكير باالموت والتخوياف باه يخارج عان

بية إذا كاان ينطاوي علاى التخوياف مان ظلماة القبار اإليجا أهدافه

على الميت، وفاراق األهال فاي وأكل الدود للجسد وإهالة التراب

هااذه الحالااة يكااون الااوعظ والتااذكير بااالموت خارجااا عاان هدفااهويقول آخار: ". الصحيح ويكون مجرد تذكرة تجلب الهم والحزن

ن ما المادارس تصادر عنهاا أخطااء. . ، "ونتفاق علاى أن بعاض

من الخطأ، ذلك أن كثرة ذكر الموت عند صغار السن فيها شيء

. . . لكاان ذكااره عنااد الصااغير يمكاان أن يااؤثر عليااه فااي حياتااه

." . .. ونومه

والساؤال هنااا: مااا دام أن هااؤالء اإلخاوة يتفقااون معااي علااى

الممارساات فاي المادارس فكياف ينكارون علاي عدم مالءمة هذه

والتعلايم بالحاد منهاا، بال لتربياةاستنكاري لها ومطالبتي وزارة ا

القضاء عليها؟

العناوان، فبادا يقول أحدهم: "لام يوفاق المزيناي فاي اختياار

كأنه ضد كل من يحفر قبرا، كأنما قصاد المزيناي أن تعلام وضاع

القبر مسألة ملفوظة اجتماعيا يجب حذفها مان قااموس الميت في

وتااوا وال فلناادع الناااس يم الحياااة، وإيااداعها فااي قاااموس المااوت،

يجاادوا ماان يقباارهم، فيرمااوا فااي الخااالء". ويقااول آخاار: "أرى.". ويقول الكاتب مستاء جدا من ذكر الموت وتذكير الناس به.

األنشطة التي تعاظ باذكر الماوت وماا يتعلاق آخر: "يلزم من منع

التعليم

232

جمياع األنشاطة باه أن نمناع كاذلك فاي اإلذاعاات المدرساية وفاي

موت وتكثر من الوعظ به وبيان كوناه تالوة اآليات التي تذكر بال

.". . .على المؤمن أن يستعد لها حقيقة ثاام يااوردون اآليااات الكريمااة التااي تؤكااد أن المااوت حااق

وكااذلك األحاديااث النبويااة الشااريفة التااي تااذكر بااالموت وتاادعو

والواقع أن القارئ المدقق يعرف أناي ال .الستحضار ذكره دائما

لاااذلك فمااان .وال الاااوعظ باااه أدعاااو إلاااى عااادم التاااذكير باااالموت

المستغرب أن يفهام هاؤالء اإلخاوة خاالف ماا يمكان أن ي فهام مان

.المقاالت هذه

ومن األساباب التاي تكمان وراء انزعااج هاؤالء مماا كتبتاه

الفهاام مااا قصاادته بلفااظ "ثقافااة"، فااي عبااارة أنهام لاام يفهمااوا حااق

تلاك أعناي بهاذه الكلماة "ثقافة الموت". وال بأس هنا أن أبين أني

الممارسات النمطية التي تشيع في مجتماع ماا. فالتاذكير باالموت

لاايس ثقافااة إذا جاااء بالصااورة التااي نعهاادها عااادة. لكنااه يكااون

محاددة وأصابح نشااطا مألوفاا فاي "ثقافاة" إذا جااء عبار طقاوس

الكلماة كلماة غير مجاله المعهود وشائعا. ويمكن أن يستبدل بهاذه

ذلاك أن هاذا الناوع مان النشااط ال "إيديولوجيا" فاي هاذا الساياق.

التاذكير باالموت وحساب؛ بال هاو ناوع مان النشااطات يقصاد باه

.معين من إنماط الحياة التي تسعى إلى تربية الطالب على نوع

والالفت للنظر، كما قدمت، أن إقامة مثل هذه النشاطات ال

تزال مألوفة في المدارس، وال ياري كثيار مان ماديري المادارس

فيهاااا بأساااا بإقامتهاااا. وقاااد أشاااارت ورواد النشااااط والمدرساااين

إلااى األسااتاذة مهااا الحجاايالن فااي مقااال شااامل عاان هااذه القضااية

بعااض مااا نشاارته بعااض الصااحف فااي األسااابيع الماضااية عاان

التعليم

233

يتعرض لها الطالب والطالبات فاي استمرار هذه النشاطات التي

.المرحلة االبتدائية

ديولجيا المااوت" تعماايم "إياا وماان الالفاات أن القااائمين علااى

يخالفون، كماا أشارت فاي مقاال ساابق، مادلول بعاض األحادياث

النبوية الشريفة التي نصات علاى مناع النسااء مان زياارة القباور.

شاراح الحاديث لهاذا المناع أن النسااء فمن األسباب التاي ياذكرها

أن ياؤدي سريعات التأثر فاي مثال هاذه المواقاف، وهاو ماا يمكان

فاي أحادياث نبوياة ورد النهاي عنهااإلاى بعاض التصارفات التاي

فإن القاائمين علاى هاذه النشااطات ياأتون شريفة أخرى. ومع هذا

وتمثيلياااات باااالقبور إلاااى المااادارس علاااى صاااورة مسااارحيات

وأشرطة مصورة. وال يماري أحد أن هذه الوسائل الحديثاة أكثار

.مشاهديها ال ستعانتها ببعض التقنيات التأثيرية وقعا على

التربيااة والتعلاايم فااي أحااد المسااؤولين عاان وقااد اتصاال بااي

منطقة الرياض التعليمية في ساعة مبكرة من الياوم الاذي نشارت

الاوطن فياه مقاال "القبورياون"، وأباادى اتفاقاه معاي فاي خطااورة

ات واضااحة تمنااع يمااصاادرت تعل هااذه الممارسااات، وأبلغنااي أنااه

اب كتا إقامتها في المدارس التابعة إلدارته، وأنه أ رسال للمادارس

يحاااوي أناشااايد بديلاااة لألناشااايد التاااي تنشااار إياااديولوجيا الماااوت،

إلاااى ترسااايخ قااايم الوطنياااة والتساااامح وتساااعى هاااذه األناشااايد

ال والوسطية. لكان يبادو أن بعاض المدرساين وماديري المادارس

يلقااون باااال لهااذه التعليمااات، ويااديرون مدارسااهم كااأنهم مسااتقلون

وأرجااو أن .والتعلاايم التعلاايم ووزارة التربيااة ذاتيااا عاان إدارات

عان هاذا الموضاوع أن يعرف اإلخوة الذين عقباوا علاى مقااالتي

هدفي منها تخليص التعليم من هذه الممارسات التي ربماا تاؤدي،

التعليم

234

ماان كونهااا وساايلة مقبولااة للتااذكير بااالموت واالسااتعداد لمااا باادال

العدمياة التاي تجعال الماوت قيماة بعده، إلى أن تكاون وسايلة إلاى

بااازدراء، إلاى االساتقالة مان الحيااة والنظار إليهاا بنفساه وتاؤدي

ووسيلة مريحة للتخلص من مكابدة الحياة والقيام بواجب الخالفة

خاصة أن هذه التربية العدمية ربما تقود إلى التشدد في األرض،

ساالك الخااارجين علااى والتطاارف وماان ثاام إلااى االنخااراط فااي

الوطن.

ة والتعلاايم مسااؤولةوأخاتم بتكاارار القااول إن وزارة التربياا

مسااؤولية مباشاارة عاان القضاااء علااى هااذه الظاااهرة وعاان إنقاااذ

هااا أبنائنااا وبناتنااا ماان مثاال هااذه االجتهااادات التااي تفااوق نتائج

المدرساين الخطيرة المتحققة النتائج المحتملة التي يرغاب بعاض

.والمدرسات تحقيقها

.م9/6/2225 /2/5/1426 (،1714ال ط )العدد *

اءة المنقوصةالبر

هـ( رد "العالقات 4/7/8242نشرت جريدة الوطن )

العامة واإلعالم التربوي باإلدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة

الرياض" على مقال "القبوريون" الذي نشرته الوطن قبل أكثر

من ستة أسابيع، وجاء الرد بعنوان "األدلة الحقيقية ال تبنى على

القيل والقال".

ر ما يتضمنه هذا الرد اتهام هذه اإلدارة لي بأن وأخط

الشواهد التي أوردتها في مقالي ذاك: ". . . ال يوجد عليها دليل

التعليم

235

مادي. . . "، وأن ما رويته عن أحد األصدقاء "مجرد حديث

)عددت ه( دليال إلدانة المدارس والمعلمين"، وأنني اعتمدت على

ا بالنص( "محاولة "الشواهد الشفهية"، وأني أوردت )وجاءو

)مني( لذكر دليل مادي"، ثم تقرر هذه اإلدارة في ردها: ". . .

أن من أدبيات الحوار والنقد البناء عدم التجني والبهتان على

مؤسسات التربية والتعليم بهذا الشكل السطحي. ووصم مناشطها

باالتطرف واإلرهاب بهذه الصورة )الكاريكاتيرية)!(( الساخرة

المنطق والدالئل المادية الواقعية، والتوثيق الصحيح بمنأى عن

للمعلومات والمفترض في الكاتب وهو أستاذ جامعي أال تفوته

تلك األصول واألدبيات في النقد والحوار".

" األدلة التي أوردت ها. وتعني هذه االتهامات أني "اختلقت

لينزع ويكفي أن يثبت أن دليال واحدا مما أوردت ه كان "مختلقا"

"الثقة" عما أكتبته كله، ال هذا الموضوع وحسب. ويبدو أنه

يغيب عن هذه اإلدارة أن المقاالت الصحفية ليست أبحاثا علمية

تتطلب أن يورد فيها التوثيق على صورته في تلك األبحاث.

فالمعول فيها أوال وأخيرا على "مصداقية" الكاتب فيما يعتمد

ح دائما بمصادره التي عليه من أدلة وهو ليس ملزما بأن يصر

اعتمد عليها. فالخالف بيني وبين هذه اإلدارة في هذه النقطة

ه قصور ثقافة من كتب ذلك الرد في هذه خالف منهجي مرد

لكنني أعود إلى هذا التوثيق هنا؛ فهل ما قلت ه صحيح أم المجال.

ال؟ وألدلل على صدقي فيما كتبته عن هذه الظاهرة أود أن

شهد بمدير التربية والتعليم بالرياض، وأرجو أن ت رضي أست

شهادت ه هذه اإلدارة.

التعليم

236

فقد اتصل بي الدكتور مدير التربية والتعليم في الرياض

بعد أن نشرت الوطن مقالي "ثقافة الموت ال تزال حية"، وأثنى

على وطنيتي وأبلغني بأنه يقرأ ما أكتبه وأشاد بما تتضمنه

مثالية التعليم وعلى التزام المدارس مقاالتي من حرص على

والمدرسين بأقصى ما توجبه األنظمة المرعية عليهم. واعترف

بوجود هذه الممارسات في المدارس التي تتبع إدارته، وأبلغني

أن إدارة التعليم تصدر دائما كثيرا من التعميمات للتحذير من

إلى هذه الممارسات غير المقبولة، وفي ختام مكالمته دعاني

مكتبه إلطالعي على جهود إدارته في الحد منها. فوافقت

وتركت له تحديد موعد تلك الزيارة. لكنه لم يتصل بي بعدها إال

في اليوم الذي نشرت فيه الوطن مقال "القبوريون".

وقد كرر في تلك المكالمة الثناء على وطنيتي وعلى

سمي المدرسة المقاالت التي أكتبها عن التعليم. وطلب مني أن أ

التي أشرت في المقال إلى أنها ستعرض مسرحية "فرشي

التراب"، فاعتذرت إليه بأني ال أصرح بمصادري، فوعدني

بأنه سيرسل لي كتابا يحوي بعض األناشيد التي تقصد إلى تربية

الطالب على الوسطية والتسامح وحب الوطن. ثم اتصل بي يوم

تشف المدرسة التي أشرت السبت في وقت مبكر ليخبرني بأنه اك

اها. فأبلغت ه بأن المدرسة التي ذكرها ليست تلك التي إليها، وسم

أشرت إليها، وأوضحت له بأن هذا يدل على شيوع هذه

المسرحية وما يشبهها في المدارس. ثم كرر وعده بأن يرسل لي

الكتاب الذي وعدني به. ولم أسمع بشيء منه منذ ذلك اليوم، ولم

ذلك الكتاب أو غيره. أتسلم منه

التعليم

237

ويعني هذا أن مدير التعليم في الرياض يعلم بصورة

مباشرة بوجود هذه الممارسات وهو ما ينفي اتهام هذه اإلدارة

لي بأني "اختلق" الحقائق. وأنا أتوقع أنه ال بد يكون هذا الرد قد

عرض قبل إرساله للوطن عليه؛ فكيف ي فسر لي سعادته

وجود هذه الممارسات في المكالمة الهاتفية التناقض بين إقراره ب

واتهام إدارته لي بأني أختلق الحقائق وأبني كالمي "على القيل

والقال"؟فإقرار مدير التعليم في الرياض بمضمون ما كتبته سيد

األدلة إن كانت اإلدارة طويلة االسم تريد برهانا.

وهناك أدلة أخرى على وجود هذه الممارسات. وأولها ما

صرح به كبار المسؤولين طوال األعوام القليلة الماضية عن

مثل هذه المشكالت ونقلته الصحف في حينه، ومنها أن معرض

"بداية ونهاية" الذي حملني على كتابة أول مقال من هذه

المقاالت أقيم في مجمع الملك سعود التابع إلدارة التربية

دا ساخنا نشرته والتعليم في الرياض. وقد كتب مدير المجمع ر

الوطن في حينه يدافع فيه دفاعا مجيدا عن المعرض. ومنها أن

معرض الكتاب الذي حملني على كتابة مقال "ثقافة الموت ال

تزال حية" أقيم في الرياض وكان بإشراف إدارة التربية

والتعليم في الرياض أو أنها تعرف عنه في األقل. ومنها أن

االت الثالثة عن "ثقافة الموت" في كثيرا من الردود على المق

مدارسنا كتبها مدرسون، ومن منطقة الرياض التعليمية خاصة.

وتبرهن هذه الردود على أن كتابها ال يرون بأسا في إقامة هذه

النشاطات. ومنها أن كثيرا من المواطنين، ومنهم مدرسون،

كتبوا في صحيفة الوطن وفي غيرها من الصحف السعودية، في

التعليم

238

نوات األربع الماضية، عن انتشار هذه الممارسات في الس

مدارس المملكة، ومنها مدارس في الرياض.

فكيف يسوغ لإلدارة طويلة االسم أن تجرؤ، بعد هذه

األدلة الكثيرة، على اتهامي بأن ما كتبته مبني "على القيل

والقال" ؟

وقد أخذت علي اإلدارة طويلة االسم أني كتبت أن

رشي التراب" من تأليف معلمين لم يتمكنوا من اللغة مسرحية "ف

العربية الفصحى لركاكتها، وأوضحت أن هذه المسرحية ليست

من تأليف معليمن يعملون في مدارس الرياض، بل جاءت في

شريط أنتجته إحدى الشركات وهو متداول في األسواق.

وأنا أعترف بأني كنت أجهل هذه المعلومة في حينه،

هذا الجهل بها مدير التربية والتعليم في الرياض ويشاركني

الذي لم يكن يعرف هذه المعلومة حين اتصل بي في اليوم الذي

نشر فيه مقالي. لكن هذا ال يغير من األمر شيئا؛ فالعرب تقول:

"اختيار الرجل قطعة من عقله". ويعني هذا أن الذي أعجب بها

تواه باللغة ورأى عرضها في مدرسته يشابه في تواضع مس

العربية الفصحى وجمالياتها مؤلف تلك المسرحية.

ويتجاوز رد هذه اإلدارة مقال "القبوريون" ليشير إلى أن

". . . العديد من المقاالت المشابهة لهذا المقال البعيدة عن

الحقيقة وعن النقد البناء والحوار الهادف أخذت في الظهور

غير منطقي". على الصعيد اإلعالمي بشكل الفت و

غون وكما هي عادة البيروقراطيين النموذجيين الذين يسو

أعمالهم بطرق ال تبدو مستقيمة إال لهم تقول اإلدارة: "لذا فمن

التعليم

239

المنتظر من حملة القلم في بالدنا التحلي بالمسؤولية الوطنية

والفكرية فيما تسطره أناملهم )!(. بما يضمن لمؤسساتنا

حصانتها االعتبارية كمؤسسات راعية للعلم التربوية والتعليمية

في بالدنا ـ حرسها هللا ـ والنأي بها عن االتهامات والتعريضات

ـ من لدن بعض الكتاب ـ المحاولين وضعها في دائرة منابع

التطرف واإلرهاب، والذي سينعكس بدوره على إثارة التشكيك

ع مما حولها وزعزعة مكانتها في نفوس الناشئة وأبناء المجتم

سيكون له بالتالي أخطاره الظاهرة على ثوابت الوطن".

وغريب أن تطلب هذه اإلدارة "الحصانة االعتبارية".

ويشبه هذا ما كتبه مدير مجمع الملك سعود التعليمي ردا على

وال أتصور كيف مقال "ثقافة الموت في مدارسنا"، إذ يقول: "

لى مؤسسة صحيفة رسمية بالتهجم ع يجرؤ كاتب سعودي وفي

قبل حكومية رسمية قد أقامت برنامجا مفسوحا ومأذونا من

إدارة التعليم وضمن أهداف النشاط المدرسي وبما يتوافق مع

. . .".البالد سياسة التعليم في هذه

ويوحي هذا بثقافة بيروقراطية واحدة ترغب في أن يكف

ت. المواطنون عن توجيه أي نقد ألي عمل تقوم به هذه المؤسسا

وربما كان مثل هذا الخطاب صالحا قبل سنين معدودة، لكنه ال

يصلح اآلن ألن وطننا صار يتمتع بمستوى عال من الشفافية

يشجع الرقابة الشعبية على عمل المؤسسات الحكومية، وال

يمكن أن نرجع إلى الوراء.

والبد من بعض الملحوظات اللغوية على هذا الرد! فهو

تعاني من مشكالت لغوية كثيرة. فلم يكن رد لغة بيروقراطية

التعليم

240

هذا الرد دقيقا في إيراد كالمي؛ إذ أورد ما قلته بغير الصورة

التي كتت ها، ومنها ارتكاب خطأين نحويين في نقل نصين مما

كتبته.

ومنها أكثار اإلدارة طويلة االسم في ردها من استعمال

سمعوا به "حيث" بمعنى "بما أن"، وهو خطأ شائع ال أظنهم قد

من قبل!

وختاما، كنت أود أن تكون هذه اإلدارة أكثر تواضعا

وأكثر تسامحا وتقبال للنقد مما ظهرت به في ردها. وأرجو أن

تعلم أنني ال أتسقط األخطاء وال أفرح بوقوعها من أحد، وأن

باعثي على كتابة ملحوظاتي على التعليم إنما هو مساعدة

طاء ومعالجتها. مسؤوليه على اكتشاف األخ

م.16/6/2225 /9/5/1426(، 1721* ال ط )العدد

الدراسية تضخم المناهج

يعد تضخم المناهج الدراساية فاي التعلايم العاام مان المآخاذ

األساسية التي يشار إليها دائما وينظر إليهاا علاى أنهاا تمثال عبئاا

كونهاا ضارورية لنجاعاة التعلايم. ويعناي علاى الطالاب أكثار مان

تفصايالت ال ضاخم المنااهج أن عاددها كبيار، وأنهاا تغارق فايت

ومااان هاااذه المنااااهج .لااازوم لهاااا فاااي بعاااض الماااواد الدراساااية

ومحتواهاا المقاررات الدينياة. وينبغاي أن المتضاخمة فاي عاددها

ار هناا أن عادد هاذه المنااهج، قبال ثالثاين سانة، كاان أقال مان أذك

التعليم

241

يالت التي تمتلئ عددها اآلن، كما كانت تخلو من كثير من التفص

.اليوم بها

فمماااا ياااذكره الاااذين درساااوا فاااي المااادارس الساااعودية قبااال

الهجاري الماضاي أن القارآن الكاريم كاان التساعينيات مان القارن

المرحلااة ياادرس فااي المرحلااة االبتدائيااة فقااط، فااال ياادرس فااي

المتوسااطة وال فااي المرحلااة الثانويااة، ال نظاارا وال غيبااا. وكاناات

لمتوساطة ماادة التفساير التاي كانات تحاوي المرحلاة ا تادرس فاي

ل، باإلضافة إلى مقرري الفقه تفسيرا مبسطا لبعض سور المفص

صاغير والتوحيد. أما في المرحلة الثانوية فكان هناك كتاب واحد

الحجاام يحااوي بعااض النظاارات الفكريااة عاان اإلسااالم إلااى جانااب

.مادة الفقه

نجاد أن عادد نقارن ذلك الوضع بما عليه األمر اآلن وحين

كما أنهاا تساتمر كلهاا ماع الطالاب المواد الدينية يفوق ذلك العدد،

القارآن طوال دراسته في مراحل التعليم العام. فقد أصبحت ماادة

الكااريم تاادرس ماان االبتدائيااة إلااى الثالثااة الثانويااة، باإلضااافة إلااى

وقاد ناتج عان .والتوحياد والفقاه والحاديث والتجوياد ماواد التفساير

والطالباة طاوال اثنتاي عشارة المواد ومرافقتها للطالب كثرة هذه

سنة اضطرار مؤلفي كتب هذه المقررات إلى التطويل والتكرار

.والتفصيل لكي يمألوا فراغ هذه الساعات الطويلة

يااادرس الطاااالب ومااان أمثلاااة ذلاااك مقااارر التوحياااد: إذ

هااوالطالبات مادة التوحيد منذ السانة االبتدائياة التاي تقادم لهام في

أصاااول توحياااد هللا تعاااالى إلاااى جاناااب بعاااض التوجيهاااات التاااي

التعليم

242

اتخاااذ مواقااف تكاااد تكااون تتضاامن تااوجيههم، مااع األسااف، إلااى

.معادية لمن ال يعتنق هذه األصول بصورتها المقدمة

يخفاى علاى أي مطلاع أناه يمكان تعلايم أصاول التوحياد وال

الخطاة الدراساية التاي بصورة مختصرة في سنة أو سنتين؛ لكان

ت لزم بمصاحبة هذه المادة للطالب والطالبة طوال االثنتي عشارة

سنة توجب أن يكرر المؤلف ما قاله في مقرر السانة الساابقة فاي

إدخااال بعااض التفصاايالت التااي ال مقاارر الساانوات الالحقااة مااع

ألنهاا يحتاجها الطالب والطالبات إماا ألنهاا تحصايل حاصال، أو

موجاودا فاي العصار الحاضار، تتعلق بسياق تاريخي قديم لم يعد

لتصانيف المسالمين بحساب قاربهم أو بعادهم أو توجيه هذه المادة

.عما يرى مؤلف المقرر أنه الحق

تكارار الكاالم عان أناواع الشارك وعان ناواقض لاذلك نجاد

بعاض المسالمين اإلسالم وعان تعاداد الممارساات التاي يمارساها

تكاارار إمااا بساابب تااأويلهم لاابعض النصااوص أو بساابب الجهاال، و

الكفر أو الشرك ألدنى مخالفة لألصول التاي يارى إصدار أحكام

.للتوحيد المؤلف أنها هي األصول الصحيحة

ويكفي النظر إلاى أي كتااب مان كتاب التوحياد فاي مراحال

الكتشاف أن هذا المقرر يكاد يتفرغ لغرس المواقاف التعليم العام

ه مؤلاف هاذا يارون ماا يارا السلبية تجاه بعض المسلمين الاذين ال

وليس خافيا على أحد أن هذا المقارر يجاب تدريساه فاي .الكتاب

مدارس المملكة كلهاا؛ وسابب ذلاك مركزياة التعلايم وتعميماه مان

االختيارات الدينياة التاي يتبعهاا المسالمون. غير التفات الختالف

بصايغتها الحالياة شايئا وال يخفى أن البعض يرون في هذه المادة

.كفير أو الحط من المعتقداتمن الجرأة على الت

التعليم

243

باالمنتمين إلاى التوجاه الاذي ينتماي إلياه مؤلاف هاذا ويجدر

حااين يصاانفهم اآلخاارون المقاارر أن يأخااذوا العباارة ماان حااالهم

ويلمزونهم بإطالق بعض المصطلحات غير السائغة عليهم. ذلاك

ينزعجاون مان هاذا التصانيف واللماز ويارون فيهماا اعتاداء أنهام

.دارهمعليهم وحطا من أق

ويوجب هذا أن نعامل المسلمين الذين يخالفوننا فيما نعتقاده

الحساسااية وأن نبتعااد عاان تصاانيفهم نحاان بأقصااى مااا يمكاان ماان

أزعم أنناا لاو حتى ال يبادلونا بالنوع نفسه من التصنيف. بل إنني

ابتعدنا عن التنقص من المسلمين الذين يرون خالف ما ناراه فاي

الممكان اكتشااف أرضاية مشاتركة لوجادنا أن مان بعض األماور

بعضااهم يتعاااطف بكاال بيننااا وبياانهم، وربمااا اسااتطعنا أن نجعاال

.أريحية مع بعض ما نعتقده

السابب فاي التوساع فاي ومن الواضح، كما سبق القاول، أن

التصاانيف والتكفياار واالتهااام بالشاارك لاام يكاان ممكنااا لااو لاام يجااد

عات الدراساية مقرر التوحيد أن لديه عددا وافارا مان الساا مؤلف

يجاب ملؤهاا بتاأليف كتاب لهاذه المخصصة لمقارر التوحياد التاي

السااااعات الطويلاااة. وال يخفاااى علاااى المالحاااظ أن مااالء هاااذه

السااااعات الكثيااارة أتااااح لمؤلاااف هاااذا المقااارر إدخاااال كثيااار مااان

المهمااة فااي نطاااق التوحيااد. الصااغائر ومواضااع االخااتالف غياار

التوسااااع فااااي ومااان األخطااااار التااااي يمكاااان أن تاااانجم عاااان هااااذا

أنه ربماا يثيار شاهية بعاض الماؤدلجين مان المعلماين التفصيالت

التصاانيف وإثااارة والمعلمااات فينخرطااون فااي غاارس مزيااد ماان

.بعض العداوات غير المسوغة في عقول الطالب والطالبات

التعليم

244

ماااادة التوحياااد نفساااها، لاااو خلااات مااان هاااذه وال تحتااااج

الطويلاة لاو التصنيفات واألحكام، في تدريسها إلى تلك السااعات

سعت وزارة التربية والتعليم إلى توجيه هذه المادة إلى االقتصار

األصول المشتركة بين طوائف المسلمين فيما يخص توحيد على

.هللا

مااادة التوحيااد فااي زيااادة عاادد المااواد وماان هنااا فااإن إسااهام

المساالمين عاان الدينيااة يمكاان أن يعااالج باالهتمااام بالمشااترك بااين

الص العبااادة لااه واإليمااان بالمشااترك ماان أركااان توحيااد هللا وإخاا

األخاارى دون الاادخول فااي التفاصاايل التااي تسااهم، كمااا اإليمااان

.المادة رأينا، في تطويل هذه

وتساااهم ماااادة الفقاااه كاااذلك فاااي هاااذا التضاااخم عااان طرياااق

ربماا ال يحتاجهاا الطالاب والطالباة التطويل والتفصيل فاي أماور

ماادة رت الشاكوى مناه فايفي هاذه المرحلاة المبكارة. ومماا تكار

الفقااه أنهااا تتضاامن بعااض األمااور التااي لاام يعااد المساالم المعاصاار

أمااور النظافاة وزكااة بعااض األماوال التااي ال بحاجاة إليهاا: مثاال

.فيما بعد يتوقع أن يمتلكها أهل الطفل ولن يمتلكها هو

والساابب الاارئيس فااي تطوياال مااادة الفقااه هااو تااوفر ساااعات

بإدخاال هاذه التفصايالت التاي يساتمدها حشاوها طويلة ال باد مان

االلتاازام بترتيااب مؤلااف كتاااب الفقااه ماان كتااب الفقااه القديمااة مااع

أما ما يحتاجه المسالم المعاصار.األبواب الفقهية كما وردت فيها

فيكاد يخلو منه هاذا المقارر مماا يجعلاه ال يساهم فاي إثاراء وعاي

شااكالت الفقهيااة التااي تعااالج بعااض الم الطالااب والطالبااة باااآلراء

ومان خاالل التي يتعرض لها من خالل وساائل اإلعاالم المختلفاة

التعليم

245

وربمااا ينااتج عاان كثاارة هااذه المااواد .الحياااة المعاصاارة بمجملهااا

النتاائج العكساية؛ إذ يمكان أن تاؤدي بالطالاب إلاى الدينياة بعاض

والتنادر عليهاا، باإلضاافة إلاى الملل والنفور منها واالستهانة بها

تااائج خطياارة كااالجرأة علااى تصاانيفمااا يمكاان أن تحدثااه ماان ن

.المسلمين وتكفيرهم واتهامهم بالشرك، كما تقدم

هااذه المااواد ماان ويمكاان معالجااة هااذا الوضااع بتخلاايص

التطويااال والتفصااايل اللاااذين أشااارت إليهماااا، واالقتصاااار علاااى

.المسلمين المشترك بين

ويمكن أن يستعاض عن هذه التفصيالت بالتركيز علاى ماا

يملياه اإلساالم علاى المسالم فاي تعاملاه ماع ذييتعلاق بالسالوك الا

الصاادق اآلخاارين، مساالمين وغياار مساالمين، والحااث علااى قاايم

والعماااااال واإلخااااااالص وغياااااار ذلااااااك ماااااان القاااااايم اإلنسااااااانية

التغيار فاي النظار إلاى الماواد الدينياة وسوف يؤدي هذا.األساسية

لكنااه إلااى تقلاايص عاادد الساااعات المخصصااة لهااا فااي الماانهج،

أكيد، في زيادة فاعليتها والقضاء على نزعاات سوف يسهم بكل ت

.اآلخرين تصنيف

كمااا يمكاان لهااذا التقلاايص أن يااوفر بعااض الساااعات لتعلاايم

مهارات يحتاجونها في حياتهم والترفيه عانهم الطالب والطالبات

!المغلقة ساعات طويلة للقضاء على ملل الحبس وراء األبواب

م.15/12/2225 / 13/11/1426(، 1923* ال ط )العدد

ليست المناهج الدينية وحدها

التعليم

246

ك تب كثير من األبحاث والمقااالت عان المنااهج الدينياة فاي

العااام فااي المملكااة؛ وقااد كشاافت تلااك األبحاااث والمقاااالت التعلاايم

عبااارات التصاانيف ورمااي كثياارا ممااا تحويااه تلااك المناااهج ماان

اآلخرين بأوصاف الكفر والبدعة والفساق والشارك وغيرهاا مان

لصاات تلااك .التااي تاادعو إلااى التشاادد واإلقصاااء أللفاااظا وقااد خ

الماادقق، مان بعااض تلاك المآخااذ، المنااهج، نتيجاة لااذلك الفحاص

.وإن كان بعضها ال يزال موجودا

المآخاذ التاي أ خاذت علاى المنااهج لكان ماا يلفات النظار أن

الدينية. إذ يناتظم الدينية موجودة بأشكال مختلفة في المناهج غير

ناااهج كلهااا، كمااا قلاات فاي مقااال سااابق، إطااار ال يقاال عاان تلاك الم

الدينية من حيث التصنيف والعبارات التاي تادل علاى أن المناهج

بااروح أيديولوجيااة تعبويااة مااؤلفي كتااب تلااك المناااهج صاااغوها

وسوف أقصر حديثي هنا علاى مقاررات اللغاة العربياة .واضحة

المرحلاااة المتوساااطة، وأستشاااهد علاااى ذلاااك بطبعاااة تلاااك فاااي

.هـ8242/8241المقررات لسنة

تلاك المقاررات جميعهاا بأنهاا صايغت لتمريار كثيار فتشاهد

أمثلاااة ذلاااك أن مااان الرساااائل األيديولوجياااة المبرمجاااة. ومااان

النصوص جميعها، إال ما نادر، تتضامن توجيهاات دينياة وعظياة

بعنصار الجماال اللغاوي الاذي يعاد أهام مقصاد فاي لام يعاتن فيهاا

.نصوصها ذوقتعليم اللغة العربية وت

وللتاادليل علااى ذلااك فااإن كتااب مااادة "النصااوص" تتضاامن

تنحصاار فااي التوجيهااات والمااواعظ جميعهااا موضااوعات تكاااد

تكاون أغلاب الدينية. وليس هذا عيبا بذاته؛ لكنه يكاون عيباا حاين

التعليم

247

النصوص باردة غثة تخلو مان أي جماال لفظاي. ولكايال يغضاب

ا منهاا؛ لكناه الشاعراء" فلان أذكار أيا" منشائو تلاك النصاوص مان

القاادماء ـ أظنااه ربمااا كااان أدق وصااف لهاام مااا قالااه أحااد النقاااد

الجاحظ ـ في نفيه الموهبة عن بعض "الشعراء" )وأنا أعتمد هناا

ذاكرتاي التاي ال أثاق بهاا دائماا، وربماا ال يكاون بهاذا اللفاظ على

أن أكااون متأليااا علااى هللا لقلاات إن حرفيااا!(: "لااوال أنااي أخشااى

القيامة"! ويمكن ألي لد من أصالبهم شاعر إلى يومهؤالء لن يو

قارئ، حباه هللا ذوقاا لغوياا، أن يراجاع تلاك المنظوماات البااردة

.ليجد صدق ما أقول

ومااان الالفااات أن تلاااك المقاااررات ال تحاااوي أي نصاااوص

المشاهورين فاي العصار الحاضار، ومان أخصاهم لكتاب العربياة

أنهااا تحااوي مااع طااه حسااين وعباااس محمااود العقاااد وأمثالهمااا،

نصوصا للمنفلوطي وغيره مان الكتااب ذوي التوجهاات الحزبياة

وأسااوأ ماان ذلااك كلااه أنهااا تحااوي نصوصااا .أو األيديولوجيااة

بعياادا ماان صاااغها مؤلفااو تلااك الكتااب أنفسااهم، وهااي تبلااغ حاادا

.الركاكة، وتخلو من التشويق بسبب الموضوعات التي تتناولها

ي منه طالبناا وطالباتناا مان السبب، يقينا، لما يعان وهذا هو

ال تلفات أنظاارهم عجاز لغاوي واضاح؛ ذلاك أن هاذه النصاوص

ن وال تغااريهم بقراءتهااا وتااذوقها وحفظهااا وهااو مااا يمكاان أن يكااو

أماااا .لغويااة ينساااجون علااى مثالهاااا فااي مساااتقبل أيااامهم ذخياارة

التصنيف واألدلجة فكثيارة فاي هاذه العبارات التي تدخل في باب

.ي بذكر نماذج منهاالمقررات. وسأكتف

التعليم

248

نجده في كتاب "قواعاد اللغاة العربياة" للصاف فمن ذلك ما

(: 1المثااال ،81األول المتوسااط، الفصاال الدراسااي األول )ص

(: "المسااالمون قاااادة 4، المثاااال 84"الكاااافر هاااو الشاااقي". )ص

، 71(: "جهاانم مثااوى الكااافر". )ص7المثااال ،62العااالم". )ص

."جهادال (: "أجاب المسلم داعي1المثال

كتاااب "قواعااد اللغااة العربيااة"، للصااف الثاااني المتوسااط،

((: "الكااااافرات يعاااااقبن 7)48ص ) الفصاااال الدراسااااي األول

اإلسااالم". (: "لاان يتقاادم المساالمون إال بتطبيااق21بالنااار". )ص

((: "انتقلت الصناعات من المسالمين إلاى الغارب". 6، )11)ص

ربي المتقدم". المسلمون بدؤوا في التصنيع الح" :((( 11،6)ص

."للمجاهااادين ((: "رقياااة وزميالتهاااا يتبااارعن1، )814)ص

قواعد اللغة العربية" للصف الثاني المتوسط، الفصال الدراساي "

((: "طاااف أحمااد العااالم ياادعو إلااى هللا". 6، )23ص) :الثاااني

."إال المريض ((: "لن يتخلف عن الجهاد6، )71)ص

توسااط، الفصاال قواعااد اللغااة العربيااة، للصااف الثاااني الم"

(: "األعااداء يعملااون علااى 1، المثااال 88ص: )الدراسااي الثاااني

وحادتهم". تفريق المسلمين لكن المسالمين مصارون علاى تحقياق

."(: "جعل اإلسالم المسلمين سادة العالم1، المثال 41)ص

الثااااني المتوساااط، الفصااال الدراساااي اإلماااالء" للصاااف"

اإلساالمية ات( عن زيارة موسى إلى الجمهوريا48األول: )ص

( عاان عاازم أحااد الاادعاة إلااى هللا علااى 47فااي وسااط آساايا. )ص

.إفريقيا زيارة غرب

التعليم

249

اإلماااالء" للصاااف الثااااني المتوساااط، الفصااال الدراساااي "

بعناااوان: "ال غرناااي مخاااادع". وتبااادأ ( قطعاااة82الثااااني: )ص

ا..."، ماع أن العباارة يمكان أن تكاون: بعبارة: "نصب يهودي فخ

ب رجل"، إذ ليس هناك صالة باين ذلاك "نصب صياد"، أو "نص

يهودياا إال إن كاان المقصاود وصاف جانس النص وكون الصاياد

.اليهود بالخداع، وهذا ظلم واضح

للصاااف الثالاااث المتوساااط، الفصااال الدراساااي "اإلماااالء"

أن ( وفيهااا نااص يرساام نموذجااا لشاااب يصاالح81الثاااني: )ص

. ". )ص يكون قدوة ماع أناه "... لايس لاه آماال وماآرب دنيوياة..

عربي في أوروبا التقى صدفة برجل (: وفيها نص عن سائح47

وهاو ."يقرأ القرآن فاي القطاار ويصاف نفساه باـ"مسلم جزائاري

(: وفيهاا ناص عان 66نص ال يتضمن أية قيمة إال األدلجاة. )ص

(: 71العماال الاذي ساأله عان اإلساالم. )ص التقااء الكاتاب بأحاد

."المكرماة ب إلاى مكاةعن رحلة قامت بها "مجموعاة مان الشابا

(: "العجماي 42كتاب "النصوص"، للصف األول المتوسط )ص

(: 43ـا41بالعربياة أم لام ينطاق". )ص ص خاالف العرباي نطاق

ه نصيحة إلى كل من:... ) أمار هللا باه باسام ( "يخاالف ماا4"أوج

(: قصيدة )منظومة( الشايخ 61ـ 62التطور والمدنية". )ص ص

.كل شيء إال الشعر القرضاوي التي فيها يوسف

ج(: 862ص) :كتاب "النصوص" للصف الثالث المتوساط

(: رؤياة إحادى أخواتاك 8"كيف التصرف في المواقاف التالياة: )

لباسااهن باساام الحضااارة والمدنيااة". )ص تحاااكي الكااافرات فااي

التاليااة: ج(: "مااا التصاارف المناسااب لكاال ماان المواقااف 824

المناازل ساامعت ذهباات لمعاياادة بعااض األقااارب، وحااال دخااول

التعليم

250

(: "فاي أول 826احتفاال بالعياد". )ص أصوات الموسيقى تتعالى

جدياادة يااوم ماان الساانة الميالديااة ساامعت ماان يهنئااك بقولااه )ساانة

( "النشاط المصاحب" الاذي يتضامن بعاض 821سعيدة(". )ص

م بعض .الممارسات الفتاوى التي تحر

القاااراءة العربياااة ومهاراتهاااا" للصاااف األول المتوساااط: "

الحقااة: عقياادة وجهاااد فااي ساابيل هللا حتااى (: "الحياااة817)ص

اإلشااارة إلااى ، سااابعا(: يطلااب ماان الطالااب878المااوت". )ص

التصاااارف الموافااااق للشااااريعة اإلسااااالمية ماااان بااااين عاااادد ماااان

إنكار المجاهاد فاي سابيل هللا معرفاة مواقاع " :االختيارات، ومنها

!ماااااااا؟ إخواناااااااه وأسااااااالحتهم". أال ياااااااذكرنا هاااااااذا باااااااأمر

(: 42اءة العربية ومهاراتها" للصف الثااني المتوساط: )صالقر"

الرساول صالى هللا علياه وسالم خاصاة، ولكنهاا "تخاطاب اآلياات

آتي مان اآلياات )شافهيا( .صالحة ألن ينفذ المسلمون ما جاء فيها

( يتحساار ألن بااالد المساالمين أقاال ثااروة 6بنصاايحة لكاال ماان:... )

ا لااي معجبااا باابالد (: "وجاادت قريباا41بااالد الكفااار". )ص ماان

وعاداتهم. فماذا أقول لاه؟ أجاري الغرب الكافر وحضارته وأهله

المساالمة" حااوارا مكتوبااا بيننااا...". موضااوع "شخصااية الماارأة

(، ويتضمن بعض العبارات الحادة التي نجادها 11ـ22)ص ص

(: 878الصااحوة" الخاااص بااالمرأة. )ص " كثياارا فااي خطاااب

القااوي"، باب ساايف األمااة"الشااباب درع األمااة المتااين"، "الشاا

(: 821(: "شاااباب الاااوطن... الااادرع الحصاااين". )ص876)ص

األمانة العلمية في النقل، وضاعف ذلاك عناد "... التزام المسلمين

."بعض علماء الغرب

التعليم

251

ومهاراتهااا" للصااف الثالااث المتوسااط: القااراءة العربيااة"

عالميااة (: "حضااارة المساالمين األولااى ربانيااة المنشااأ،11)ص

إنسااااانية النزعااااة"، "حضااااارة الغاااارب الحديثااااة... األهااااداف،

األهداف،...النزعاااة". والماااراد إكماااال الفراغاااات ...المنشاااأ،

حضاارة المسالمين بأوصاف مضادة لألوصاف التي وصفت بها

(: "ماااذا يقااال لكاال ماان: فتاااة شااعرت بالضاايق 818األولااى. )ص

فراحات تبحاث عان الجماال فاي أصاوات المعاازف وكآبة الحيااة

تحاااافظ علاااى (: "ليااات أماااة اإلساااالم848ن؟...". )صوالمغناااي

(: "أصااوغ علااى غاارار العبااارة التاليااة: 1، 862عليائهااا". )ص

رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم، والناااس "مااا لنااا نبطاائ عاان

((: 4، )826ص) ." ...يسرعون؟!" ما لنا نحرص علاى الحيااة،

، 827"مااا الااذي ياارد الماارء عاان اتخاااذ الكااافرين أولياااء؟". )ص

المبااادئ اإلسااالمية األصاايلة الااوالء والبااراء". سادسااا(: "ماان

والنهي عن المنكر ومنه ( التدرج في األمر بالمعروف821)ص

استعمال ".. عبارات التأنيب والتعنيف واإلغالظ في القول، فإن

لم ينفع ذلك غير المنكر بيده، فإن عجز استظهر علياه بالحكوماة

ج قصاة غاالم مسالم أساره أعاداء (: "أنس418ص" )أو باإلخوان

عليااه -تعااالى - المساالمين فااي غااارة ماان غاااراتهم، ثاام ماان هللا

."بالخالص. أبرز معاناته في األسر، وحنينه إلى األهل والوطن

وبعد، فتشهد النصاوص التاي أوردتهاا هناا علاى أن منااهج

المتوسااطة تتضاامن جمااال وعبااارات اللغااة العربيااة فااي المرحلااة

أن تسااتخدم وسااائل لاازرع التشاادد والتصاانيف وأفكااارا يمكاان

والشعور باالساتعالء علاى األمام األخارى، واإليحااء باأن العاداء

التعليم

252

األمام هاو الوضاع الطبيعاي الاذي يجاب أن بيننا وبين بعاض هاذه

.نستنفر قوانا ومواردنا لخوضه

األولااى لمناااهج اللغااة العربيااة يجااب أن تكااون إن المهمااة

والتعرف على نماذج راقية لعربيةإكساب الطالب التعلق باللغة ا

منهاا تسااعدهم علاى صاقل ماواهبهم اللغوياة وتازرع الثقاة فايهم

السااتعمالها اسااتعماال فعاااال مجااديا، ال أن تكااون أداة فااي أدلجااة

المواقااف الساالبية فاايهم تجاااه الحياااة الطااالب والطالبااات وزرع

.وتجاه اآلخرين

م.22/12/2225 /22/11/1962(، 1912ال ط )العدد *

التعليم

253

ليس هذا عذرا

م( ترجمة لتقرير "بيت 6،2،7/2/4112نشرت الوطن )

الحرية" األمريكي الذي يورد بعض المآخذ التي يرى أنها

تؤسس للعداء لآلخرين في المناهج المدرسية السعودية. كما

وكيل وزارة التربية والتعليم م( تصريحا ل7/2/4112نشرت )

تربوية الدكتور علي صالحالمساعد للدراسات والبحوث ال

المناهج الدينية السعودية، الذي هاجم" هذا التقرير عنالخبتي

ووصفها بالتعصب والتحريض على كراهية الديانات األخرى

"، وكذلك ملخص دراسة أنجزتها يهودية ومسيحية وغيرهما من

لجنة في وزارة التربية والتعليم السعودية عما تحويه المناهج

من عداء للعرب والمسلمين. اإلسرائيلية

"على من انتقدوا المناهج ومما قاله الدكتور الخبتي:

وينصفوا ويوجهوا النقد إلسرائيل الدينية السعودية أن يعدلوا

أعدوا التي تزخر مناهجها بذلك التعصب، فالحقيقة أن من

التقرير ليسوا على دراية بها، فمناهجنا في السعودية تكرس

واإلنسانية العليا من سالم ومحبة وتعايش، القيم العالمية

فنرى في إسرائيل هي من تربي أجيالها على عكس ذلك،

المناهج اإلسرائيلية تشويها كبيرا للصورة العربية واإلسالمية،

التعايش والتسامح فيجب أن تخلو مناهج إسرائيل من فإذا أردنا

ما هو ال فاستمرار الوضع ك لغة العداء تجاه العرب والمسلمين،

يؤدي إال إلى عدم التسامح والتعايش والسالم، أما مناهج

السعودية فإن النماذج التي أوردت بها مغالطات كبيرة، عبارة

ال تحتمل، فمناهجنا في مجملها ألشخاص حملت ما عن آراء

التعليم

254

إلى خالية من لغة العداء، فيجب أن يوجه الخطاب والتقرير

علمية فإن الدراسة تبين الخلل إسرائيل، فإذا ما تحدثنا بطريقة

والدعوة والتربية على العداء وعدم التعايش، في مناهج إسرائيل

من االقتتال والخالف فال يمكن في ظل هذا إال أن نشاهد المزيد

.والكراهية"

وال يجادل أحد أن من حقنا أن نوثق ما نرى أنه يؤسس

دراسية لعداء العرب واإلسالم والمسلمين في المناهج ال

اإلسرائيلية، وأن نطالب بإصالح تلك المناهج حتى تربي

"إسرائيل" طالبها وطالباتها على معلومات صحيحة عن

العرب والمسلمين إن كانت "تأمل" أن تعيش بين ظهرانيهم

بسالم. وهذه الخطوة ضرورية لـ"إسرائيل" قبل أن تكون

عنها ضرورية للعرب والمسلمين؛ ذلك أن األكاذيب التي كشف

تقرير وزارة التربية والتعليم السعودية لن تزيد أي قارئ عربي

أو مسلم إال عداوة لهذه الدولة التي أقيمت على أنقاض شعب

عربي كان يتطلع لالستقالل أسوة بالشعوب الحية األخرى.

لكن يجب القول بدءا إنه ما دام أننا سمحنا ألنفسنا بتفتيش

مقبوال أن نحتج على اآلخرين إذا المناهج اإلسرائيلية فال يعود

ما فتشوا عن عيوب في مناهجنا.

يضاف إلى هذا أن ما تتضمنه المناهج اإلسرائيلية من

معلومات عنصرية مقصودة وأكاذيب ال تتفق مع أبسط

المعطيات التاريخية تستخدم لغرس العداوة للعرب والمسلمين

شأوا جنودا في وتنقصهم في ضمائر الطالب اإلسرائيلين لكي ين

المؤسسة العسكرية اإلسرائيلية يستبيحون قتل الفلسطينيين

واالستمرار في اغتصاب أراضيهم ومعاملتهم بطريقة غير

التعليم

255

غا ألن تتضمن إنسانية عموما، ال يمكن أن يكون ذلك مسو

نا ما تتضمنه من شحن لنفوس الطالب والطالبات مناهج

أ عنه تحقير اآلخرين السعوديين والسعوديات بما يمكن أن ينش

واالنتقاص من أديانهم ومذاهبهم.

لقد مللنا القول بأن مناهجنا ال تحوي أيا من المآخذ التي

الحظها "بيت الحرية" وغيره. كما مللنا الزعم بأن الكتاب

السعوديين الذين يكتبون عن المناهج ليسوا إال أفاكين كذبة

اض في نفوسهم؛ بل يزيد يختلقون هذه المآخذ في مناهجنا ألغر

بعض من استمرأ إطالق االتهامات أن هؤالء إنما يأتمرون بأمر

بعض الجهات األجنبية المعادية للمملكة خصوصا وللعرب

والمسلمين عموما.

وأود هنا أن أذكر بأن المآخذ على بعض ما تتضمنه

المناهج السعودية ـ الدينية منها خاصة ـ كانت موضوعا كتب

الكتاب السعوديين قبل سنين من إثارة الهيئات عنه بعض

األمريكية واإلسرائيلية له. ويكفي أن أذكر هنا المقاالت الموثقة

التي كتبها حسن المالكي ونشرتها الصحف السعودية سنة

هـ وما بعدها. وقد تناولت تلك المقاالت كثيرا من المآخذ 8284

زة للعداء لبعض الفرق اإلسالمية في مناهج التاريخ المعز

والدين خاصة.

ومن ذلك، مثال، أنني كتبت تعقيبا على وزير المعارف في

م، عرضت 42/4/4111حينه نشرته جريدة الشرق األوسط في

فيه لبعض المآخذ على العملية التعليمية بمجملها.

التعليم

256

ه للمناهج الدينية ويمكن أن يجد المتتبع لتاريخ النقد الموج

الت في الصحف السعودية طوال خاصة كثيرا من المقا

األربعين سنة الماضية، باإلضافة إلى الحديث المتصل في

المجالس الخاصة عن االنتقادات المتنوعة لها.

وال يفوتني هنا أن أشير إلى االعتراف الموارب ببعض

المشكالت في المناهج الذي تسرب إلى إجابة الدكتور الخبتي

إن النماذج التي أوردت بها السعودية ف أما مناهجفي قوله: "

، تحتمل آرا ألشخاص حم مامغالطات كبيرة، عبارة

". ففي هذا القول خالية من لغة العداء مجم اافمناهجنا في

اعتراف بأن هناك آراء لبعض األشخاص في المناهج، مع أنه

يجب أن تصوغها مجموعة تعبر عن الرأي الوسطي الذي

طني بين التيارات كلها في وطننا الذي يقرب من اإلجماع الو

نشترك في االنتماء إليه. وكذلك قوله إن مناهجنا "في مجملها"

خالية من لغة العداء. وهذا اعتراف بأنها ال تخلو من لغة العداء.

وأكرر هنا أنه ال يصلح أن يكون ما نجده من مآخذ على

اهجنا. مناهج اآلخرين وسيلة للدفاع عما يوجد من مآخذ في من

ذلك أننا ال نستطيع، أخالقيا، أن نجادل اآلخرين ونجبههم

بعيوبهم إال أن نبرأ نحن من العيوب المشابهة. وهذا مبدأ

إسالمي أصيل يمثله الجدل بالحسنى، وعدم سب آلهة المشركين

حتى ال يجدوا ذلك مسوغا لسب هللا تعالى، كما يمثله قوله صلى

كم حتى يحب ألخيه ما يحب هللا عليه وسلم: "ال يؤمن أحد

لنفسه"، ووجوب أن يكون المسلم قدوة حسنة لغيره، وما تمليه

المبادئ اإلنسانية من المعاملة بالمثل مما ينشأ عنه التعايش

واالحترام المتبادل.

التعليم

257

بل إن من واجب الكتاب السعوديين أن يتشددوا في

ملحوظاتهم كي تتخلص المناهج السعودية مما يمكن أن يكون

مثيرا لآلخرين. وهذا مبدأ أخالقي رفيع يتطلب قدرا عاليا من

النزاهة واإلخالص والشجاعة.

ويوضح المفكر األمريكي نعوم تشومسكي، الذي يعد مثاال

بارزا لهذا المستوى األخالقي الذي ال يأبه له المتصارعون

المنتمون إلى ثقافات وكيانات سياسية متعادية ـ وذلك ما جعله

قد ظالم شديد ألكثر من خمسين سنة بسبب نقده المبدئي هدفا لن

للسياسة الخارجية األمريكية واإلسرائيلية ـ هذا المبدأ بقوله:

"ي ظهر المثقفون ـ في المجتمعات التي أعرفها كافة، في روسيا

الستالينية والغرب خاصة ـ سخطا شديدا تجاه جرائم األعداء

غالب ـ لكنهم يصابون الرسميين ـ وهي جرائم حقيقية في ال

بالخرس تجاه الجرائم التي ترتكبها دولهم هم، أو ينزعون إلى

التهوين من شأنها و/أو تسويغها؛ مع أنهم يتحملون قدرا من

المسؤولية عن تلك الجرائم من جهة، وهم يستطيعون من جهة

ة من أخرى التخفيف منها، بل منعها، لو كانوا يتحلون بذر

يخفي عليهم أن الشرف يكلفهم هيبتهم الشرف )وال

وامتيازاتهم(. ويقتضي المبدأ األخالقي البدهي أن "ي بالغ" المرء

في وزن الجرائم التي تقترفها الجماعة التي ينتمي إليها، مقارنة

بجرائم األعداء الرسميين، أي أن "يبالغ" في وزن الجرائم التي

هذا المبدأ األخالقي يستطيع هو أن يفعل شيئا تجاهها. لكن

األولي غريب جدا على الثقافة الوسائطية )ويعني بهم المثقفين

غون السياسات التي يتخذها أصحاب النفوذ(، إلى حد الذين يسو

أن كل من يعبر عن )هذا المبدأ( يجلب على نفسه اإلدانة

الفورية بوصفه مدافعا عن جرائم العدو. وهذا هو الرد الفوري

التعليم

258

الوسائطية سواء في روسيا الستالينية أو الواليات المتحدة للثقافة

أو إنجلترا أو غيرها. ولهذه الممارسة أسبابها المؤسساتية

الراسخة".

وتأسيسا على هذا فالموقف األخالقي الصحيح ألي مهتم

بهذه القضية من السعوديين ال يتمثل في الدفاع عن المناهج

ة النقدية لها بغية تخليصها من السعودية؛ بل يتمثل حقا في النظر

أية ملحوظة يمكن أن تسيء إلى اآلخرين، ليس خوفا من ردة

فعل أولئك بل انطالقا من المبدأ األخالقي الذي أشار إليه

تشومسكي ويتمثل في تشديد الرقابة على ما نفعله نحن تجاه

اآلخرين ألننا جميعا مسؤولون مسؤولية مباشرة عن ذلك.

ناقد لمناهجنا يجعلنا في مستوى أخالقي أرفع إن الموقف ال

من اآلخرين حين ننتقد مناهجهم، وهو ما يجعلنا أقوى حجة

وأقدر على التأثير.

ويجب القول إن المناهج السعودية ال تمثل مؤلفيها وال

تمثل الوزارة التي أقرتها بل تمثل السعوديين كافة، ويعني هذا

لى أال يمثله أي قول أنه يجب أن يحرص كل مواطن سعودي ع

ن من الثقافات األخرى واألديان والمذاهب التي ال ندين فيها يهو

بها أو نتمذهب.

لذلك كله فإني أبرأ بوصفي مواطنا سعوديا من أية مقولة

أو أي رأي في هذه المناهج ال يحترم خيارات اآلخرين الدينية

والثقافية والمذهبية.

التعليم

259

إن لم تكن مثاال يقتدى به وال تتحدث هذه المناهج باسمي

في التسامح والتعبير عن الوسطية الجامعة التي يجب أن تتصف

وال تتحدث بها المملكة بوصفها قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم.

باسمي إن استمرت تصاغ باللغة السجالية التي ال تزال تفعل

فعلها فتزيد من الخصوم وتقلل من األصدقاء.

سية السعودية لتخليصها مما يشوبها إن نقد المناهج المدر

من ملحوظات ليس دليل ضعف بل دليل ثقة بالنفس، وبالدين

الذي ندعو إليه، وباالختيارين العقدي والفقهي اللذين نود أن

ننشئ أبناءنا عليهما ونحببهما لآلخرين.

م.2/6/2226 /12/5/1427(، 2272* ال ط )العدد

عذرا يا شيخ صالح

يلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان عضو هيئة شارك فض

كبار العلماء برأيه في الحوار عن المناهج الدراسية السعودية

الذي نشرته الوطن على مدى أيام. وكانت مشاركة الشيخ

الفوزان دفاعا خالصا عن المناهج السعودية وتبرئة لها من أي

مأخذ أخذه عليها ناقدوها.

التعليم

260

ة فضيلته أنها تقوم على والملحوظة األولى على مشارك

مسلمة تتلخص في أن الكتاب السعوديين الذين انتقدوا المناهج

إصالح المناهج الدراسية ألنها" بدعوة "الكفار" لـ"انخدعوا"

". ويقرر الشيخ الفوزان أنه تفرز اإلرهاب في تصورهم والغلو

كأن هؤالء الكتاب لم يقرؤوا تلك المقررات الدراسية " يبدو

قبل أن يكتبوا ما كتبوا مع أنهم يدعون الموضوعية وهاويتفهم

هؤالء اإلخوة الكتاب " ويختم مشاركته بأن يرجو ".والمصداقية

أن يتأملوا قبل أن يكتبوا حتى تكون كتاباتهم موضوعية

".صادقة

وكنت أطمع أن يكون فضيلة الشيخ الفوزان مثاال لنا

ذار لمواطنيه جميعا في حسن الظن باآلخرين وأن يلتمس األع

الذين كتبوا عن أوجه القصور في المناهج منذ سنين ـ قبل أن

يتطفل "بيت الحرية" فيدس أنفه في قضيانا الخاصة. وال ريب

أن كثيرا من المتطرفين سيتخذون كالم الشيخ الفوزان ذريعة

لتصفية معاركهم المتوهمة مع مواطنين سعوديين يدفعهم

ساعات الطوال في التفتيش الحرص على الوطن أن يقضوا ال

عن المآخذ في المناهج التي يستغلها ذوو النيات السيئة في

اإلساءة إلى الوطن والتشنيع عليه من أجل تداركها وإصالحها.

وأود هنا أن أطمئن فضيلة الشيخ الفوزان أن أكثر الكتاب

السعوديين ـ وأنا أحدهم )وأعوذ باهلل من تزكية النفس( لم

بما يقوله "بيت الحرية" األمريكي، بل لقد سبق "ينخدعوا"

هؤالء في ملحوظاتهم على المناهج السعودية هذه المؤسسة

األمريكية التي تمثل أبغض األفكار اليمينية في الواليات المتحدة

ـ كما أشرت إلى ذلك في مقالي في األسبوع الماضي. كما أود

التعليم

261

عالية من طمأنة فضيلته بأن كتابات هؤالء كانت على درجة

الموضوعية والصدق وأنهم لم يكتبوا انطالقا من أوهام بل من

تأمل ودرس شاملين مستقصيين.

وكان يمكن لفضيلة الشيخ الفوزان أن ي بين لهؤالء الكتاب

بطريقة دقيقة واضحة ما يراه من خطأ في تفسيراتهم للنصوص

تزيد التي يكتبون عنها في المناهج. أما االتهامات التعميمية فال

األمر بيانا بل يخشى أن تكون وسيلة يستغلها المغرضون للزعم

بأن الشيخ الفاضل إنما يسعى إليقاف النقاش بما له من سلطة

علمية ووظيفية.

ويشير ما ورد في مشاركة فضيلة الشيخ الفوزان نفسها

بوضوح إلى األساس الذي يجعل المناهج محل شكوى.

كفار"، واستشهد بقوله فقد استخدام فضيلته مصطلح "

تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود وال النصارى حتى تتبع

ملتهم"؛ وذلك ما يشير إلى أن العالم ال يزال عند الشيخ الفاضل

مقسوما إلى "كفار" و"مسلمين" يمثالن كيانين متعازلين

متظاهرين بشكل واضح. وأن العالقة بينهما عالقة حرب

في نظره أن تصوره المناهج وتنافس وقطيعة، وهو ما يوجب

الدراسية ومنها الدينية.

وربما كان هذا الوصف صحيحا عموما في القديم؛ لكنه ال

يصح إطالقه في الوقت الحاضر؛ ذلك أن المجتمعات البشرية

اآلن مختلطة بشكل كبير: ففي الواليات المتحدة أكثر من سبعة

يين، وفي ماليين مسلم، وفي بريطانيا ما يزيد عن أربعة مال

التعليم

262

فرنسا أكثر من خمسة ماليين. وكذلك األمر في روسيا والهند

وغير ذلك من بالد هللا الواسعة. وهناك مسيحيون يمثلون

عشرين في المائة من سكان مصر، ونسبة كبرى أخرى في بالد

الشام عموما وفي غيرها من الدول اإلسالمية.

إن فكرة وجود حدود واضحة بين الحضارات كما

رها فكرة صاموئيل هنتنجتون عن "صراع الحضارات" تصو

صارت موضوعا لنقد شديد في الغرب قبل أن تكون موضوعا

للنقد في العالم كله. واست نكرت استنكارا شديدا في العالم

اإلسالمي نفسه. وكانت أساسا للتوجهات العدوانية للمحافظين

وات الجدد الذين استولوا على اإلدارة األمريكية في السن

األخيرة.

وقد بين الفيلسوف أمارتيا سين، الهندي األصل، األستاذ

في جامعة هارفارد األمريكية، الحائز على جائزة نوبل في

االقتصاد، الناقد األشرس لنظرية هنتنجتون، أن اإلنسان ال

يمكن تعيين هويته بب عد أحادي؛ ذلك أن لكل إنسان انتماءات

ن جميعها هويت ه ذات األبعاد المختلفة التي ربما متعددة تكو

تصل إلى عدم التناهي )انظر كتابه األخير: "الهوية والعنف:

Identity and Violence: The Illusionوهم المصير"

of Destiny والمقابلة معه في الواشنطن بوست ،

(..م 84/2/4112

ومن الالفت للنظر في مناهجنا أنه لم يرد التمييز بين

ر" المحارب و"الكافر" غير المحارب إال في مقرر واحد "الكاف

من المقررات الكثيرة في مختلف المراحل )كتاب التفسير،

التعليم

263

(. أما في المواضع األخرى من 11السنة الثالثة المتوسطة، ص

الكتب الدراسية التي تبلغ العشرات، فال نجد إال نصوصا تخلو

21اب نفسه: )ص من هذا التمييز يمثلها النص التالي من الكت

"الفوائد واالستنباطات"(:

ـ "تحريم مواالة الكفار أو مناصرتهم أو معاونتهم أو مودتهم 8

بأي وجه من الوجوه، ومن واالهم فقد حاد عن طريق

الحق".

ـ "حذر هللا من مواالة الكافرين ومودتهم . . .". 4

(: "الكفر 88وفي كتاب التوحيد للسنة الثانية الثانوية )ص

غيض إلى هللا تعالى، ويجب أن يكرهه المؤمن كما يكره أن ب

يقذف في النار، والكافر بغيض عند هللا تعالى، ويجب أن يكرهه

المؤمن لما اتصف به من هذه الصفة الذميمة التي تؤدي

بصاحبها إلى النار، وعليه فمواالة الكفار سبب لسخط هللا تعالى

اهنتهم ومصاحبتهم وغضبه، ومن صور المواالة: محبتهم ومد

واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين".

وتبين هذه النصوص أن سبب كره "الكفار" وبغضهم هو

"كفرهم" ال كونهم محاربين للمسلمين، مع أن اآليات الكريمة

التي استشهد المؤلف بها هناك تدل داللة واضحة على أن هذه

المعاملة مخصوصة بكون هؤالء الكفار محاربين.

الغرابة بمكان أن يأتي بعد النص األخير مباشرة ومن

قول المؤلف: "وال يعني هذا عدم التعامل معهم أو معاملتهم

باألخالق الحسنة )هكذا( فالتعامل يجب بالحسنى )هكذا!(. .

.".ويبدو أن هذه اإلضافة جاءت بعد التعديالت األخيرة، وهي

أن يعامل تطالب الطالب بالمستحيل! إذ كيف يريد المؤلف

التعليم

264

الطالب "الكفار" بأخالق حسنة وهو يبغضهم؟ إن هذا منتهى

التناقض وجمع المتضادات.

(:861كما جاء في هذا الكتاب قول المؤلف )ص

ـ "جهاد الكفار إلعالء كلمة هللا شعيرة من شعائر هذا الدين، 6

وهو باق إلى يوم القيامة".

مين، بل أليس هذا حضا على الجهاد، ال دفاعا عن المسل

إلعالء كلمة هللا، مما يعني أن يطلب من الطالب أن يحارب

الناس إلدخالهم في اإلسالم وتجاوز الحدود الدولية في العصر

الحاضر ليشترك في المعارك التي تصنف، في كثير من

األحيان، تحت عناوين إسالمية بدال من أن ينتهج السبل السلمية

ن قضايا المسلمين؟إن هذا في الدعوة إلى اإلسالم والدفاع ع

الحكم المطلق الذي لم توضح حدوده وشروطه هو األساس الذي

يستغله المفجرون والمخربون ليجندوا أبناءنا اآلن فيما يسمونه

"جهادا".

وتستمد هذه التصورات عن "الكفار" وعن العالقة بهم من

تراث ينتمي إلى عصور تختلف سياسيا عن العصر الحاضر ـ

في مقال سابق عن فقه الجهاد. وهو ما يوجب النظر كما بينت

فيها من جديد وتخليص الطالب من الوقوع في التناقض بين

الدعوة إلى التعامل بالحسنى مع "الكفار" أحيانا وبين بغضهم،

و"الجهاد" ضدهم أحيانا أخرى.ومن الواضح أن العداوة اآلن

دارة األمريكية ليست بين المسلمين و"الكفار"؛ بل بينهم وبين اإل

التي ال تمثل الشعب األمريكي الذي يقاومها ويحاول كبح

عدوانها على الشعوب األخرى.

التعليم

265

ومن أوضح األدلة على أن أسباب العدوان األمريكي

ليست ضد اإلسالم بوصفه دينا وال المسلمين بوصفهم مسلمين

أن هذا العدوان تعاني منه شعوب العالم كلها. بل إن شعوب

الالتينية المسيحية عانت طوال القرنين الماضيين وال أمريكا

تزال من هذا العدوان إلى درجة ربما تفوق أي عدوان وجهته

اإلدارات األمريكية ضد أية حضارة أخرى.

لذلك أرجو أن يعذرني فضيلة الشيخ الفوزان إن اختلفت

معه في النظر إلى هذه النصوص وأمثالها التي ال يرى بأسا في

في المناهج السعودية، بل يرى أنها تدعو إلى السلم وجودها

والمحبة والتعامل بالحسنى مع من يصفهم بـ"الكفار".

والملحوظة العجيبة التي ال تخطئها عين الفاحص أن

المقررات الدراسية كلها تأتي وقد كتب على أغلفتها أسماء الذين

أو أسماء ألفوها إال كتب المواد الدينية؛ فهي تأتي غفال من اسم/

من ألفها. أال يشير هذا إلى شيء ما؟ أيعني عدم ذكر أسماء

المؤلفين هنا التهرب من مسؤولية ما تتضمنه من رسائل ربما ال

تروق لآلخرين؟

ومما ال تخطئه العين كذلك أن مناهجنا تصور الطالب

كأنه محاصر بأعداء ال نهاية لعددهم، ومن هؤالء األعداء: أهل

ية، والجهمية، والمعتزلة، واألشاعرة، والكفار، البدع، والسبئ

واليهود، والنصارى، والمنافقون، والشيوعيون، واالشتراكيون،

والليبراليون، والعلمانيون، والصليبيون، والمشركون،

والماسونيون، والعصاة، والمتحللون، والمستغربون، ودعاة

ه التغريب، ودعاة تغريب المرأة، وغيرهم.ومن البين أن هذ

التعليم

266

المناهج ترسم للطالب مواقف سلبية تجاه هؤالء جميعا وتطلب

منه أن ينظر إليهم نظرة عدائية.

فال يبدو معقوال أن نقول بعد هذا كله إن مناهجنا بريئة من

المآخذ. ومن األفضل لنا أن نراجعها ونستدرك ما فيها من هذه

ون المآخذ، وأن نحسن الظن بالكتاب السعوديين الذين ال يقل

انتماء لهذا الوطن ولإلسالم عن غيرهم من مواطنيهم.

م.15/6/2226 ،19/5/1427(، 2225* ال ط )العدد

التعليم

267

حوار مع الشيخ الفوزان

( تعقيبا كتبه الشيخ الدكتور 42/7/8241نشرت الوطن )

صالح الفوزان على مقالي الذي نشرته الوطن )

دو أن الشيخ هـ( بعنوان "عذرا ياشيخ صالح". ويب83/7/8241

الفوزان كتب تعقيبه مستعجال فقولني ما لم أقل وفهم عني ما لم

أقصد. وكنت أود أن يكون رد فضيلته بعيدا عن التشكيك في

النوايا وعن التجهيل وادعاء المعرفة واحتكارها.

وما كان ينبغي للشيخ الفاضل أن يستخدم اللغة الحادة لتي

تسهم في تطوير النقاش، بل استخدمها في تعقيبه؛ ذلك أنها ال

يمكن أن توقفه إذا لم يرد المحاور أن يصل إلى مستوى الحدة

التي استخدمها الشيخ. إن كثيرا من الناس ينظرون إلى الشيخ

الفاضل على أنه قدوة لهم في علمه وخلقه وإخالصه؛ ومن

لوازم هذه المكانة أن تكون لغته قدوة في النقاش، ال أن تكون

قسوة التي ربما احتذاها بعض المتطرفين ليستخدموها مثاال لل

في مهاجمة من يصنفونهم بأنهم أعداء احتجاجا باستخدام الشيخ.

وأنت لم ومن أمثلة اتهامات فضيلته للضمائر قوله: ". . .

وتقارن تحط بمقررات جميع المراحل من البداية إلى النهاية

ليها ـ ألجل بينها وإنما اختطفت عبارة من بعضها وركزت ع

."التضليل والمغالطة

فمااا دلياال الشاايخ أنااي لاام أحااط بمقااررات جميااع المراحاال"؟

وما دليله أني "اختطفت عبارة من بعضها وركزت عليها"؟ وماا

دليله أني فعلت ذلك "ألجل التضليل والمغالطة"؟ومن ذلاك قولاه

التعليم

268

الكفااار فتكااون فاحااذر أن تحاابالااذي يصاال حااد التبكياات: ". . .

".القيامة في النار معهم يوم

وقولااه الااذي ربمااا يااؤول إلااى اتهااام لااي بضااعف اإليمااان

والجهاااد ماااض إلاى أن يقاتاال آخاار هااذه األمااة والنفااق والجاابن: "

وإن كرهااه ماان كرهااه ماان ضااعاف الاادجال كمااا فااي الحااديث،

يغشاى اإليماان والمناافقين الاذين تادور أعيانهم عناد ذكاره كالاذي

".عليه من الموت

نا أن أتتبع النقاط كلها التاي أثارهاا الشايخ، وإن وال أريد ه

كان تعقيبه يصلح أن يكون مثاال للخطاب الذي نجده في المنااهج

الدراسية. وسأكتفي باإلشارة إلى بعض النقاط المهمة.

لاام ياارد فااي مناهجنااا التمييااز بااين الكااافر ": فقااد أورد قااولي

وقاال "، والكافر غير المحارب فاي مختلاف المراحال والمحارب

مااع الطااالب مراحاال الدراسااة تختلااف ويتاادرج فيهااا". . . عنااه:

بحسب مداركهم من االبتدائية إلى الدراسات العليا فما أجمال فاي

".في المراحل التي بعدها مرحلة فصل

وي اارد عليااه بااأن الاانص الااذي أشاارت إلااى أنااه الوحيااد الااذي

ي يميز بين "الكافر المحارب" و"الكاافر غيار المحاارب" ورد فا

كتاب التفسير للسنة الثالثة المتوسطة. لكننا نجد نصوصا، ومنهاا

الاانص الااذي أوردتااه فااي مقااالي عاان بغااض الكفااار والنهااي عاان

مواالتهم في كتاب التفسير نفسه الاذي أشارت إلياه، كماا ورد فاي

كتاب التوحيد للسنة الثانياة الثانوياة الانص الاذي يوصاي بمعاملاة

لتوحيااد للساانة الثانيااة الثانويااة إلااى "الكفااار" بالحساانى فااي كتاااب ا

التعليم

269

جانااب الاانص الااذي يوجااب بغضااهم وعاادم مااواالتهم. فااأي تاادرج

هذا؟

ووصااف قااولي: "وربمااا كااان هااذا الوصااف )أي كااافر(

صااحيحا عمومااا فااي القااديم؛ لكنااه ال يصااح إطالقااه فااي الوقاات

الحاضاار" بأنااه "كااالم خطياار" وهااو "مخااالف لصااريح القاارآن

والساانة وملااغ لحكاام شاارعي وهااو وجااوب وصااف الكااافر بااالكفر

حتى يتميز".

ولااو تأماال مااا جاااء بعااد العبااارة التااي أوردهااا الكتشااف أن

فهمااه هااذا لاايس دقيقااا؛ فتوضااح العبااارة التااي وردت بعااد كالمااي

السابق، وهي: "ذلك أن المجتمعات البشرية اآلن مختلطاة بشاكل

كافر" كما فهم الشايخ؛ أماا كبير"، أنني ال أقصد إلغاء مصطلح "

ما أعنيه فهو عدم مالءمة تقسايم العاالم إلاى معساكرين متعاازلين

"كفار" و"مسلمين" ألن المجتمعات البشرية اآلن مختلطة بشكل

كبير ومتنوعة االنتماءات الدينية، وهو ما أوضحته حاين تحادثت

عن وجود مسلمين فيما ي طلق عليه، بلغة الشايخ، "باالد الكفاار"،

"كفار"، بلغة الشيخ أيضا، في "بالد المسلمين". و

أما تسمية غير المسلمين باـ"الكفار" باإطالق فتنفياه اآلياات

الكثياارة التااي وردت اإلشااارة فيهااا إلااى "أهاال الكتاااب"، وتلاااك

اآليااات التااي تثنااي علااى بعضااهم وتلااك التااي تشااهد بااأنهم "ليسااوا

سواء".

التوحياد مان وكذلك قوله عن استغرابي لماا ورد فاي كتااب

شاعائر هاذا الادين جهاد الكفاار إلعاالء كلماة هللا شاعيرة مانأن "

التعليم

270

هذا هو الذي شرع الجهااد مان أجلاه " ":وهو باق إلى يوم القيامة

القرآن والسنة وإجمااع أهال العلام ونقاول لاه: الجهااد علاى بنص

المسالمين إذا هااجمهم العادو فاي قسامين: القسام األول للادفع عان

عاين علاى كال قاادر وهاو ماا يسامى بجهاادبالدهام وهاو فارض

الدفاع والقسم الثاني جهاد الطلب وهو غزو المسلمين للكفار فاي

هللا ـ إذا كاان فاي المسالمين قاوة علياه ـ بالدهام بعاد دعاوتهم إلاى

النبااي صاالى هللا وهااو فاارض كفايااة إلعااالء كلمااة هللا كمااا جاهااد

نتشاار عليااه وساالم الجهااادين وجاهاادهما أصااحابه ماان بعااده حتااى ا

. . .".األرض وانقمع الكفر دين هللا في

ومن الواضح أن الشيخ لام يكتشاف علاة اساتغرابي للانص

المطلق عن الجهاد الذي أوردته؛ والذي يرجع إلاى مقاالي سايجد

أن اسااتغرابي كااان منصاابا علااى عاادم توضاايح هااذا الحكاام الااذي

يوجاااب الجهااااد مااان غيااار تبياااين لحااادوده وشاااروطه وعااادم أخاااذ

السياساااية الدولياااة بالحسااابان. فقاااولي لااام يكااان إلغااااء المتغيااارات

للجهاد بل مطالبة بأن ت فقه شروطه وحدوده فاي الوقات الحاضار

بعياادا عاان الشااروط والحاادود التااي وضااعها الفقهاااء والمفساارون

القدماء الذين كانوا يعيشون في عالم تختلف فيه العالقات الدولياة

عن العصر الحاضر.

الء ما نشكو منه حاين يتحادث بعاض أما قوله هنا فيمثل بج

"الاادعاة" عاان الجهاااد. ذلااك أن الشاايخ يوجااب جهاااد الطلااب علااى

فاي لغازو الكفاار: ". . . القادر من المسلمين في الوقت الحاضار

هللا ـ إذا كاان فاي المسالمين قاوة علياه ـ بالدهام بعاد دعاوتهم إلاى

".وهو فرض كفاية إلعالء كلمة هللا

التعليم

271

لمساالمين، وماانهم طالبنااا اآلن، وبهااذا يوجااب الشاايخ علااى ا

شيئا لم يفعله المسلمون مناذ قارون وهاو أن يساتأنفوا "الفتوحاات

اإلساالمية" التاي تحققات فاي القارن األول للهجارة، لكناه يشاترط

لذلك أن يكون "في المسلمين قوة عليه".

ألايس فاي هاذا إعطااء مسااوغ لاـ"الكفار" ليساتغلوا ماا نحاان

شأفتنا قبل أن يكون لدينا "قاوة" عليه من ضعف اآلن ليستأصلوا

وهو ما يمثل خطرا مستقبليا عليهم؟ أين الحكماة فاي هاذا القاول؟

أال يمثل انقطاعا عن الواقاع وعادم التفاات للخاوف علاى مساتقبل

المسلمين؟

يضاااف إلااى ذلااك أن هااذا القااول مخااالف لمااا يااراه معظاام

العلمااااء المسااالمين اآلن مااان أن الجهاااااد مقصاااور علاااى جهاااااد

ع". لكاان الشاايخ ال يقاايم لهااذا الاارأي المخااالف وزنااا ذلااك أن "الاادف

الكتااااب والسااانة آراءه هاااو وحاااده هاااي التاااي تنطلاااق مااان: ". . .

ماانهج الكتاااب والساانة وتقااوم علااى ". . . "،والعقياادة الصااحيحة

".السلف ومنهج

ويصااف الشاايخ بااـ"التهويل" إشااارتي إلااى األعااداء الااذين

محااط بهام وتطلاب مناه أن توحي المناهج الدراسية للطالاب بأناه

نعام يتخذ العدة للحذر منهم ومقاومتهم، ويجيب عان ذلاك قاائال: "

األعاداء الاذين حاذره هللا مانهم فيجاب عليناا المسلم محاط بهاؤالء

بالكتااب والسانة أن نسالحه ضادهم مان خاالل المنااهج الدراساية

والعقياادة الصااحيحة التااي يميااز بهااا بااين الحااق والباطاال والهاادى

". والضالل

التعليم

272

لكاان المشااكلة هااي أن الشاايخ الفااوزان ال ياارى أن هااؤالء

األعداء هم غالبا من صانع الخطااب الاذي ينتماي إلياه وهاو تياار

يرى أنه هو وحده الذي يمثال الحاق وأن مان خالفاه أدناى مخالفاة

إنما يمثل الباطل. ثم إن كثيرا من هاؤالء األعاداء انتهاوا تاريخياا

أن يجده في الواقع.وبعضهم ال يمكن للطالب السعودي

إن تكثيااار األعاااداء يلقاااي علاااى كاهااال الطالاااب الساااعودي

مسؤولية ضخمة ليس بمقدوره أن يتحملهاا وهاي أن يجعال نفساه

رقيبا على الناس جميعا، وأن يعاد نفساه لمقارعاة العاالم كلاه؛ بال

إن هذا ربما يجعل الطالاب الساعودي هادفا للمخاالفين جميعاا ألن

هم وتحذيرا من هذا الطالب الذي ي عاد ليكاون المنهج يمثل إنذارا ل

عدوا لهم.

ويجب القول إن المخالفين من المسلمين جميعاا ال يخاالفون

اآلراء التي يتبناها الشيخ الفوزان عناادا وجهاال بال يحتجاون فاي

مخاااالفتهم لاااه بفهمهااام الاااذي يروناااه معتبااارا لنصاااوص "الكتااااب

والسنة وأقوال السلف".

اه للباراءة والمشكلة الرئ يسة في خطاب الشيخ الفوزان فهم

المساالمين ماانهم وماان دياانهم ال وبااراءةماان الكفااار. فهااو يقااول: "

تاازال مسااتمرة مااا اسااتمر الكفاار واإليمااان. واخااتالط الكفااار

بالمسلمين ال يمناع وصاف الكفاار باالكفر كماا وصافهم هللا باه بال

م وصاافهم باذلك ألجاال أخااذ الحااذر ماانه إناه يؤكااد علااى المساالمين

يخاتلط ماع وعادم المداهناة والتمياع والتسااهل معهام. والمسالم ال

الكفار إال بقدر الضرورة ماع تمساكه بديناه واالعتازاز باه وعادم

فقاد حارم هللا علاى المسالمين التشابه بالكفاار فاي المسااومة علياه

التعليم

273

".ويوحي هااذا بأنااه يجااب علااى دياانهم ومااا هااو ماان خصائصااهم

بإعالنااه "البااراءة ماانهم" المساالم أن يجبااه "الكفااار" كلمااا لقاايهم

وإعالن بغضه لهم ولما يعتقدون.

وقااد كاناات هااذه األفكااار مجاااال لألخااذ والاارد بااين الشاايخ

الفوزان وبعض الكتااب علاى صافحات الاوطن. ومماا أشاار إلياه

بعااض أولئااك الكتاااب، ماان بعااض أوجااه اسااتحالة هااذا الساالوك،

فكياف وضع يكاون فياه المسالم متزوجاا مان مسايحية أو يهودياة.

يمكن لهذا الرجل أن يتعامل مع زوجته صاباح مسااء وهاو يعلان

البااراءة منهااا وممااا هااي عليااه ماان دياان. إن إباحااة التاازوج ماان

الكتابيااة يعناااي مشاااروعية بقااااء الماارأة علاااى دينهاااا. ولاااو كانااات

البراءة من دينها واجبة فاي مثال هاذه الحالاة لوجاب علاى الازوج

أن الشيخ يجيز البراءة باللساان أن يطلقها تحقيقا فعليا للبراءة؛ أم

وإن لم يصدقها القلب؟

لقااد كااان بإمكااان الشاايخ أن ينااافح عاان المناااهج المدرسااية

السااعودية بطريقااة موضااوعية مجديااة؛ أمااا كياال االتهامااات لماان

يخالفونه الرأي وتنقصهم فال يفيدان إال فاي تثبيات المخااوف مان

سيطرة التوجه الذي يمثله على التعليم.

(، 2292)العدد ال ط

م.22/6/2226 /26/5/1427

التعليم

274

حوار مع "رد"

يواصااال فضااايلة الشااايخ صاااالح الفاااوزان توجياااه أسااالحته

اللغوياة الثقيلاة ضاد بعاض الكتااب الساعوديين، وأناا واحاد مانهم.

وكنت أشرت إلى الحدة التي تميز "ردود" الشيخ الفاضل مارات

كاان أن تصاال عاادة؛ ويشااهد "رده" األخياار علااي بالماادى الااذي يم

هـ(.7/2/8241إليه )الوطن

وأول أوجه هاذه الحادة تسامية ماا يكتباه "ردودا"؛ وهاو ماا

يااااوحي بااااروح سااااجالية ال تاااارى فااااي مااااا يكتبااااه اآلخاااارون إال

"أخطاااء"، وأن "ردوده" تاااأتي لتصاااحيحها. وهااذه السااامة دليااال

علاااى أن فضااايلة الشااايخ ال يااارى األماااور إال بلاااونين: أبااايض أو

أنااه ال ياارى شاارعية لالخااتالف فااي الاارأي أسااود. ونتيجااة هااذا

واحتمااال أن يكااون مااا يقولااه اآلخاارون صااوابا إذا ن ظاار إليااه ماان

زاوية غير الزاوية التي ينظر هو منها.

وماان أمثلاااة هااذه الحااادة قولااه عناااي إن موضااوع المنااااهج

الدراسية "شغلت باله وأشغل بها غيره". وهذا انتقاص لحقي في

ج الدراساية، ويعناي أناه ال شاأن لاي التعبير عن رأياي فاي المنااه

بها، وأني لست مؤهال لذلك.

وحكام الشايخ باأني أعيااب ". . . تلاك الفناون العظيماة بغياار

علم". وهذه وسيلة أخرى لالنتقاص من المحااور مان غيار بيناة،

وذلك بتجهيله ووصمه بالتطاول والنزق والفضول.

ات اللساان ويقول إن ما أكتبه عن المناهج هو ". . . من فلت

وسيئ األقوال خصوصا مثل مضامين المناهج الدراسية من فقاه

التعليم

275

وتوحياااد وحاااديث وتفساااير ووالء وباااراء". وهاااو بهاااذا يصااارف

كالمااي ماان كونااه يتعلااق بقضااايا تتصاال بالمناااهج بوصاافها نتاجااا

بشريا إلاى كوناه اعتراضاا علاى "مضاميناـ" ـها، وهاو ماا يمكان

ا هو أكثر خطورة.أن يتخذ ذريعة ال لتخطئتي وحسب، بل لم

ا بعيادا حتاى إناه ال يارى لاي عاذرا إن وتصل به الحادة حاد

"أخطااأت" وإن كااان قصاادي حساانا! فهااو يقااول: ". . . وال ينفااع

حسن النية والقصد مع الخطأ في القول والعمل". أال يرى الشايخ

فاع عان أمتاي أن هذا ال يتوافق مع قوله صلى هللا عليه وسلم: "ر

ا اساااتكرهوا علياااه"، وقولاااه: "مااان اجتهاااد الخطاااأ والنسااايان ومااا

فأصاب فله أجران ومان اجتهاد فأخطاأ فلاه أجار"؟، أو كماا قاال،

بأبي هو وأمي؛ أال يرى الشايخ الفاضال أن هاذا ربماا يصال إلاى

حد التضييق لرحمة هللا؟ أو التألي عليه سبحانه؟

وادعى فضيلته أنني ال أملك "ردا" عليه وأنني عااجز عان

إلى كيل االتهامات له. وهاذه مان الوساائل غيار ذلك، لذلك لجأت

المجدياة التاي يلجااأ إليهاا بعااض المحااورين باادال مان استصااحاب

األدلة حين يدفعون عن أنفسهم ما يوجه إليهم من نقد.

ويكرر الشايخ الفاضال التهماة التاي اتهمناي بهاا فاي "رده"

السااابق وهااي أنااي أكتااب عاان المناااهج ماان غياار أن أطلااع عليهااا،

في وصفه لما كتبه عني بأنه". . . تشخيص لسبب وقوعاك وذلك

فاااي الخطاااأ إذ لاااو أحطااات بجمياااع مقاااررات المراحااال الدراساااية

ألدركت أنها متكاملة يكمل بعضها بعضا".

التعليم

276

وكان األجدى من هذا التبكيت أن يتفضل فياورد أمثلاة لماا

وربمااا كاناات ياارى أننااي لاام أحااط بااه، وهااو كاااف لاارد مااا أقولااه.

ل" هنااا شاابيهة بصاافة "التاادرج" التااي وصااف بهااا صاافة "التكاماا

المناهج في "رده" السابق وهو ما برهنت في مقالي السابق على

عدم وجوده في المناهج.

ويدفع عان نفساه ماا اتهمتاه باه مان حادة فاي "ردوده" بهاذا

السؤال التوبيخي: ". . . فهل يتوقع مني أن أثناي علياه فاي عملاه

حااادا؟" ويشااهد هااذا بااأن الشاايخ وأتاارك مناقشااته حتااى ال أكااون

حفظاااه هللا ال يااارى أن مااان الممكااان أن يوجاااد خطااااب ال يكاااون

"ثناااااء" أو "توبيخااااا"، مااااع أن هناااااك أساااااليب عدياااادة للنقاااااش

يستخدمها الناس جميعا، علماء وغير علماء، ال تنتمي إلى الثنااء

أو التوبيخ.

ولاام تقتصاار هااذه الحديااة الثنائيااة علااى مااا يقولااه عنااي، باال

بهااا العلماااء الااذين أشاارت إلااى أنهاام ال ياارون رأيااه فااي مااا شاامل

يخااص "جهاااد الطلااب". فيقااول: ". . . إن كااان هااؤالء العلمااااء

الذين نسبت هذا القول إليهم ال يرون جهاد الطلب أصاال وأناه لام

يشاارع فهااذا جحااود لمااا دل عليااه الكتاااب والساانة ماان مشااروعية

ولااون إن المساالمين جهاااد الطلااب عنااد القاادرة عليااه. وإن كااانوا يق

اآلن ال يطالبون بالقيام به مؤقتا لضعفهم فهذا صاحيح وأناا أقاول

به. . .".

وهو في هذا ال يرى أن هناك احتماالت أخارى غيار ثنائياة

"القااول بجهاااد الطلااب" أو "جحااوده". ويبنااي علااى هااذا مااا دأب

عليه من تخطئة "المخالفين" له. لكن العلماء الذين ناقشوا "جهاد

لب" نظروا إلى "الجهاد" في اإلسالم من زواياا غيار الزواياا الط

التعليم

277

التي ينظر منها الشيخ الفاضل. ومن هنا فال وجاه لتخطئتاه إيااهم

بالمقاييس التي يراها هو.

وكناات أشاارت فااي حااواري السااابق إلااى أن الشاايخ الفااوزان

لني مااا لاام أقاال وفهاام عنااي مااا لاام أقصااد. لكنااه أنكاار ذلااك فااي قااو

عااوه هنااا ماارة أخاارى ألن يعيااد التأماال فيمااا كتبتااه "رده". وأنااا أد

ويقارنه بروايته وفهمه له، وسيجد حتما أن كالمي صحيح.

وقد وقع الشيخ الفوزان في المشكلة نفسها فاي "رده" هاذا؛

فقد قولني ما لم أقل وفهم عني ما لم أقصد. وسأكتفي بثالثة أمثلة

على ذلك:

المزيناي )والحماد فاألول قول ه، بعد كاالم طويال: "اعتارف

هلل( بأن المقررات الدراسية فيها بياان شاروط الجهااد وضاوابطه

حساابما جاااء فااي الكتاااب والساانة وأجمااع عليااه العلماااء، لكنااه ال

يرضى هذه الشروط والضوابط ألنها من وضع القدامى. . . ".

وأنا لم أقل هذا أبدا! لقد كان نقدي لهذه المسألة في المناهج

ضامنها هاذه الشاروط والضاوابط، أماا كالماي ينصب على عدم ت

الذي نقله فكان موجها للفقهاء المعاصرين لياأتوا باـ"فقه للجهااد"

ياتالءم مااع الظاروف الدوليااة المعاصارة. ويشااهد هاذا بااأن الشاايخ

الفاضل فهم كالمي كأنه اعتراف مني بأن المناهج الدراسية خلو

ماي بالشاكل من المآخاذ التاي لحظتهاا، أناا وغياري. ولاو كاان كال

الذي نقله لترتب عليه أني واقع في تناقض.

ه أني أخطئ الفقهاء القدماء فاي نظارتهم والمثال الثاني فهم

للجهاد. وهذا فهم غيار صاحيح لماا كتبت اه. ذلاك أن مطاالبتي بفقاه

التعليم

278

جديد للجهاد ال تعني أن فقه الجهاد القديم خطأ؛ بل تعني أنه غير

هناك فرق واضاح باين القاولين. مالئم للوقت الحاضر وحسب؛ و

وقولي هذا يتماشى مع القاعادة األصاولية التاي تانص علاى تغيار

الفتوى بتغير الظروف.

والمثااال الثالااث هااو المثااال الصااارخ التااالي الااذي تضاامنه

قولااه: "ومثاال هااذا قولااه إن الشاايخ الفااوزان ال ياارى أن هااؤالء

يه. . . ".األعداء هم غالبا من صنع الخطاب الذي ينتمي إل

والمشااكل فااي نقاال الشاايخ لكالمااي هنااا أنااه "شااكل" كلمتااي

"من صنع" على النحو الذي أورده. ويعني هاذا اتهاماه لاي باأني

أقول إن األعداء صنعوا التيار الذي ينتمي إليه. وأناا لام "أشاكل"

هاتين الكلمتين في مقالي؛ أما المعنى الاذي قصادته فواضاح جادا

وردتا فيه، وما عنيت ه هاو أن التياار الاذي ينتماي من السياق الذي

إليه هو الذي صنع أكثر أولئك األعداء.

وي رتب الشيخ الفاضل على هذه القراءة المعكوساة لكالماي

اتهاما خطيرا يتمثل في قوله: "وأنا والحمد هلل ال أنتمي إلاى تياار

ارا األعااداء. وإنمااا أحااذر منااه ألن تيااار األعااداء هااو النااداء جهاا

بأفكااارهم والتماااس إرضااائهم ولااو علااى حساااب الاادين وأن تغياار

ويصاال هااذا إلااى مااا يشاابه التكفياار بمقاااييس مناهجنااا ألجلهاام".

الشيخ وذلك باتهامه لي بمواالة تيار األعداء )الكفاار( وماداهنتهم

وخدمتهم "على حساب الدين"!

أال تباارهن هااذه األمثلااة الثالثااة علااى أن الشاايخ لاام يتأماال

أماا لي، وأنه استعجل "الرد" فكانت النتيجة تشاويها لكالماي؟مقا

حجته األقوى في الدفاع عن المناهج فهي أنه "قد وضعها علمااء

التعليم

279

أجااالء لهاام سااابقة فااي التعلاايم والتربيااة. . . ". ويشاابه هااذا ادعاااء

العصمة لهؤالء من النقص الذي يعتري البشر جميعا. والباد مان

ااه، ماان عاادم الغلااو فااي تااذكير الشاايخ هنااا بمااا ينااادي باا ه، هااو نفس

األشاااخاص ولاااو كاااانوا أنبيااااء. ويتناااافى تنزيهاااه واضاااعي هاااذه

المناهج عن النقاد بهاذه الصاورة المطلقاة ماع عادم الغلاو؛ إه غلاو

واضح فيهم وادعاء بأنهم فوق النقد.

ويعاود فضايلة الشاايخ إلاى الحجاة المسااتهلكة التاي تقااول إن

عليها ". . . قد أنتجات . . . المناهج السعودية بالصورة التي هي

رجاال أكفاء )لم لم يضف فضيلت ه: "ونساء"؟( قاموا بمهام جليلاة

من األعماال فاي الدولاة. فهام لام ينشاأوا مان فاراغ ولام يتخرجاوا

علاااى منااااهج قاصااارة أو مختلاااة. . . ". وكنااات أجبااات عااان هاااذه

الحجة مرارا، وأجاب عنها كتااب ساعوديون آخارون؛ لكناه يبادو

نكرر الحجج نفسها في كال مارة نتحادث عان المنااهج، وهاذا أننا

دليل على أننا ندور في حلقة مفرغة.

وأخاااتم باااالقول إناااه ال يمكااان للحاااوار أن يتقااادم فاااي غيااااب

اسااتعداد كاال طاارف ألن يحتاارم مااا يقولااه الطاارف اآلخاار، وأال

يخطئه مان حياث المبادأ، وأال يصاادر حقاه فاي التعبيار. وأوجاب

م حججه فهما دقيقا وإيرادها إيرادا صحيحا.من ذلك كله فه

م.13/7/2226 /17/6/1427(، 2113*ال ط )العدد

هذا ما يوجب فقها جديدا للجهاد

التعليم

280

نشرت "الوطن" تعقيبا كتبه فضايلة الشايخ صاالح الفاوزان

"ردا" على األستاذ صالح العريني بعناوان: "الجهااد لنشار العلام

هـ(. 82/2/8241ل واإلحسان" )وإعالء كلمة هللا هو منطق العد

وقد استخدم فضيلة الشيخ الفوزان في هذا "الارد" لغاة أقال

حاادة ماان اللغااة التااي تعودنااا علااى قراءتهااا فااي "ردوده" السااابقة.

اااب باااه ويرجاااى مااان الشااايخ الفاضااال وهاااذا ماااا يجاااب أن ي رح

االستمرار في انتهاجه درءا لشيوع الشقاق والتهاتر اللذين يمكان

ع الحدة في األسلوب عليهما. أن تشج

وقبل الخوض في موضوع "رد" الشيخ الفوزان هذا أشاير

إلى ما بدأ به ذلك "الرد"؛ وهو قوله: "إنناي أقصاد بكالماي الارد

علااى قااوم يعيبااون مناهجنااا الدراسااية باشااتمالها علااى بيااان أحكااام

الجهاد ويريدون إخالءها من ذكره لكيال نغضب العدو. . .".

ـ وهو ماا سابق لاي تبييناه ـ فهاو أن أكثار الكتااب أما الواقع

الاااذين عرضاااوا لهاااذا الموضاااوع لااام يعيباااوا مناهجناااا الدراساااية

الشااتمالها علاااى بياااان أحكااام الجهااااد، ولااام يرياادوا حاااذفها منهاااا

إلرضاء األعداء أو ألي غرض آخار. أماا النقطاة األسااس ـ فاي

تبين بوضوح ما كتبته أنا في األقل ـ فهو أن مناهجنا الدراسية ال

وتفصيل "أحكام الجهااد"، بال تكتفاي بالعمومياات التاي يمكان أن

يسااتخدمها ماان يريااد اسااتخدامها لتجنيااد طالبنااا ليحاااربوا تحاات

رايات كثيرة ال عالقة لنا بها.

وكناااات طالباااات فااااي مقاااااالت سااااابقة الفقهاااااء المساااالمين

المعاصاارين بااأن يااأتوا بفقااه جديااد للجهاااد يااتالءم مااع الظااروف

التعليم

281

يااة المعاصاارة. ويشااهد "رد" الشاايخ الفااوزان علااى ضاارورة الدول

المبادرة إلى إيجاد مثل هذا الفقه الجديد للجهاد.

فقد صيغت الشروط التي بينها الشيخ الفاضل بلغاة تتصاف

بعموميااات غياار منضاابطة، وبمصااطلحات قديمااة ال تااتالءم مااع

المصطلحات السياسية الدولية المعاصرة، وال تصاور األوضااع

لية؛ بال إناي أرى أن هاذه الصاياغة التقليدياة الغائماة هاي ماا الدو

يجعل كثيرا من الشباب السعوديين ينخادعون بمان يادعونهم إلاى

"الجهاد".

ومن أوجه عدم مالءمة المصطلحات التاي جااء بهاا الشايخ

الجليال للوضااع الاادولي المعاصاار مااا جاااء فااي الشاارط األول ماان

ذا الشارط عان "المسالمين" شروط الجهاد التي بينهاا. فيتحادث ها

كااأنهم دولااة واحاادة يحكمهااا حاااكم واحااد. لكاان هااذا ال يأخااذ فااي

ناون دولاة واحادة، بال أربعاا الحسبان أن "المسلمين" اآلن ال يكو

وخمساااين دولاااة لكااال منهاااا حااادودها وعالقاتهاااا التاااي تنباااع مااان

مصالحها.

ويخلااق الوضااع السياسااي المعاصاار مشااكلة لتنفيااذ الجهاااد

لشارط؛ فهال يجاب علاى الماواطن الساعودي، أو أي بحسب هذا ا

ماااواطن لبلاااد مسااالم آخااار، أن ينخااارط فاااي سااالك المجاهااادين إذا

هوجماات دولااة إسااالمية أخاارى؟ لقااد حاادث هااذا فااي الثمانينيااات

الميالديااة حااين اساات نفر الشااباب السااعوديون إلااى االشااتراك فااي

"الجهاااد" األفغاااني، إال أنااه نااتج عاان ذلااك االنخااراط كثياار ماان

مشكالت التي ال زلنا نعاني من نتائجها.ال

والشرط الثاني "أال يكون بيننا وبين الكفار عهاد". وياوحي

هذا الشرط بأن مفهوم "العهد" هنا يشابه تلاك العهاود التاي كانات

التعليم

282

ت عقد بين األطراف لمادة معيناة ثام تنتهاي، ومان أكثرهاا وضاوحا

"صلح الحديبية".

ن ميثاااق األماام لكاان "العهااود" المعاصاارة تختلااف؛ ذلااك أ

م، وهااو ميثاااق دولااي يااراد لااه 8327المتحاادة الااذي أ قاار فااي ساانة

م الحااارب تحااات أي مساااوغ. وقاااد وقعااات الااادول الااادوام، ي حااار

اإلسااااالمية كلهااااا هااااذا الميثاااااق اعترافااااا بشاااارعيته وخضااااوعا

ألحكامه. وهو عهد ال يمكن الخروج منه. ويعناي هاذا أن "جهااد

الطلب" لم يعد موجودا.

جميعا أن كثيرا من التيارات اإلساالمية األصاولية ال ونعلم

تعترف باألمم المتحدة ألنها ترى أن ميثاقها يدخل في باب الحكم

بغياار ماااا أنااازل هللا؛ ذلاااك أناااه ي قاار انقساااام المسااالمين إلاااى أرباااع

وخمسين دولة ويمنع "جهاد الطلب" الذي ترى هذه التيارات أنه

ك ناارى هااذه التيااارات واجااب علااى المساالمين فااي كاال حال.لااذل

تطالااب الاادول اإلسااالمية، ومنهااا المملكااة، باالنسااحاب ماان هااذه

المنظمة الدولية.

أما الشرط الثالث فهو أنه "ال بد أن يكون الجهاد بأمر ولي

أمااار المسااالمين". ويتعلاااق هاااذا بالملحوظاااة الساااابقة عااان انقساااام

المسالمين إلاى أربااع وخمساين دولااة. والساؤال اآلن هااو: مان هااو

ولااي أماار المساالمين" الااذي يتعلااق بااه هااذا الشاارط فااي العصاار "

الحاضر؟

ومن المؤكد أن ملك المملكة العربية السعودية ال يدعي أناه

"ولي أمر المسلمين"، وليس هاذا مان األلقااب التاي تطلاق علياه.

التعليم

283

كماااا أن لكااال دولاااة "مسااالمة" ملكهاااا أو رئيساااها أو أميرهاااا أو

زعيمها.

" مسلمين ي سبغ أتباع كال واحاد إال أن هناك ثالثة "زعماء

منهم عليه ما يوحي بأنه "ولي أمار المسالمين" فاي هاذا العصار.

وأولهاام ملااك المغاارب الااذي ي لقااب بااـ"أمير المااؤمنين"، لكاان هااذا

اللقب تشريفي أكثر من كوناه لقباا حقيقياا يعناي شايئا فاي المملكاة

المغربية.

الغالبيااة والثاااني مرشااد الثااورة اإلسااالمية فااي إيااران. لكاان

ون هاذه الادعوى وال العظمى مان المسالمين خاارج إياران ال يقار

يحملونها على محمل الجد.

أما الثالث فهو "أمير المؤمنين المال عمر"!

فهل يريد لنا الشايخ الفاضال بوصافنا ساعوديين أن نتباع أياا

من هؤالء المدعين لوالية أمر األمة اإلسالمية وأن نتخاذه "ولاي

أمر" لنا؟

إن مصااطلح "ولااي األماار" نفسااه مصااطلح قااديم غياار ثاام

مستساااغ فااي هااذا العصاار؛ ذلااك أنااه يااوحي بقصااور المااواطنين

وأنهم "رعية" تحتاج إلى من يرعاها وتولي األمر بالنيابة عنهاا.

أمااا النااااس الياااوم فاااي كااال أقطاااار األرض فمواطناااون راشااادون

يساااعون إلاااى المشااااركة فاااي إدارة الدولاااة التاااي ينتماااون إليهاااا،

يستطيعون ذلك من غير أن يشاعروا باأنهم قاصارون يحتااجون و

إلى من يرعاهم.

التعليم

284

وماان دالئاال هااذا الرشااد اختفاااء مصااطلح "الرعيااة" ماان

الخطاااب السااائد فااي المملكااة العربيااة السااعودية، إذ اسااتبدل بااه

مصطلح "المواطنين".

والشاارط الرابااع الااذي أورده الشاايخ الفااوزان أن "الغاارض

إعاااالء كلماااة هللا وإخاااراج النااااس مااان مااان الجهااااد فاااي اإلساااالم

الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة هللا".

والساااؤال هناااا: ماااا معناااى: "إعاااالء كلماااة هللا"؟ أتعناااي أن

يستطيع المسالم أن ياؤدي فارائض اإلساالم مان غيار خاوف، فاي

أي بالد يكون فيها؟ فإذا كان هذا هاو المعناى فاإن المتحقاق الياوم

ستطيع أن يمارس شعائره الدينية فاي كال مكاان علاى أن المسلم ي

وجاه األرض ماان غيار إشااكال، ويساتطيع أن ياادعو إلاى اإلسااالم

جهارا وأن يقيم المساجد والمراكز اإلساالمية. فاإذا كاان هاذا هاو

المعنااى فااال داعااي للجهاااد إذن. أمااا إن كااان معنااى "إعااالء كلمااة

" فهذا يوجاب أن هللا" أن ت خضع البلدان كلها لحكومات "إسالمية

نحارب الدنيا كلها.

ويعلم الشيخ الفاضل أن معظم الحروب كان وراءهاا نياات

خيرة؛ ومن آخرهاا هاذه الحاروب التاي تشان علاى المسالمين فاي

الوقت الحاضر. فالغرض منها كماا يادعي مؤججوهاا أن يتحاول

العرب والمسلمون إلاى الديموقراطياة، وهاو هادف نبيال. كماا أن

ألوروبااااي كااااان يسااااعى إلااااى "تحضااااير" األماااام االسااااتعمار ا

المتوحشة، بل كان يسمي هاذا الهادف "عابء الرجال األبايض".

أما النتاائج التاي ترتبات علاى تلاك "النياة الخيارة" فكانات مادمرة

بكل المقاييس.

التعليم

285

يبقى ما احتج به الشايخ الفاوزان وهاو أن الادول "الكاافرة"

رطاة ضادهم، لم تتورع عن غازو المسالمين واساتخدام القاوة المف

ولاام يثنهااا عاان ذلااك ميثاااق األماام المتحاادة وال الشاارعية الدوليااة.

لكننا نقول للشيخ الفاضل إن البديل المالئام ال يمكان أن يكاون ماا

يااوحي بااه الشاايخ وهااو أن نلجااأ نحاان إلااى الحاارب والغاازو تشاابها

بأولئااك. إن األماال الوحيااد الااذي يسااعى إليااه مواطنااو تلااك الاادول

بسااالم. وتشاهد االحتجاجاات والمظاااهرات نفساها هاو أن يعيشاوا

العارماااة فاااي تلاااك البلااادان ضاااد الغااازو األمريكاااي ألفغانساااتان

والعراق بأن مواطني تلاك الادول ال يقارون زعامااتهم علاى تلاك

األعمال اإلجرامية.

فأملنا الذي يجب أن نسعى إلى تحقيقاه هاو أن ننجاز تحالفاا

ة التااي تريااد حقيقيااا مااع الشااعوب كلهااا ضااد الزعامااات الشاارير

فرض رؤاها االستعمارية االستغاللية على الشاعوب األقال قادرة

دفاعية.

وال يمكن أن نسهم في هذا األمل إن كنا نضمر أننا سانغزو

العالم إذا توفرت لناا القاوة والقادرة علاى ذلاك، وأناه ال يمنعناا أن

نقوم بحروب تشبه حروب التهور األمريكي الغرباي وأتباعاه إال

ء في الوقت الحاضر.أننا ضعفا

إن إضااامار مثااال هاااذه النياااة غيااار أخالقاااي وال يمثااال روح

اإلسالم التي توجب على األمم كلها الساعي نحاو التعاارف، وهاو

الذي وضع مقاييس للخيرية ليس استخدام القوة من بينها.

التعليم

286

ويجب أن نعي كذلك أن ما جعلنا هدفا لهاذه الحاروب يعاود

اصااارة العلمياااة والسياساااية إلاااى عااادم أخاااذنا بأساااباب القاااوة المع

واالقتصادية والعسكرية.

وأختم بما بدأت به وهاو أنناا بحاجاة إلاى فقاه للجهااد يكاون

بااديال صااالحا للشااروط والضااوابط التااي وضااعها القاادماء بحسااب

ظااروفهم السياسااية ولخصااها فضاايلة الشاايخ الفااوزان هنااا. كمااا

روط ينبغي أال تتضمن مناهجنا مثل هذه اللغة التي تصااغ بهاا شا

الجهاااد وضااوابطه وتتصااف بالعموميااة وعاادم الدقااة واستحضااار

ظروف لم تعد موجودة في عالمنا المعاصر.

م.22/7/2226 ، 24/6/1427(، 2122* ال ط )العدد