oloom magazine march april-2014

ناتيوازن ا عندماتي دينار كوي1.500 السعر: ـ312/ 311 دان العد4/3 دان ـــ العد30 جلد ا2014 س/ إبريل مارMarch / April 2014 لسرطانز اة من ألغاطويلة السلسل الير گوگل دماغكف يغ كي عن1986 نذ عاملة الكويت مر في دو تصد دون طيارئرات منلطام اق نظا اختراتشال حطام سفينة ان

Upload: -

Post on 10-Jul-2015

571 views

Category:

Education


16 download

TRANSCRIPT

Page 1: Oloom Magazine march april-2014

عندما حتزن احليواناتتي

وير ك

ينا1 د

.500 :

عرلس

ــــ ا31

2/ 3

11ان

عددال

املجلد 30 ـــ العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

March / April 2014

كيف يغير گوگل دماغكالسلسلة الطويلة من ألغاز السرطان

تصدر في دولة الكويت منذ عام 1986 عن

اختراق نظام الطائرات من دون طيار

انتشال حطام سفينة

ل لم يفض

الدماغ القراءة

من الورق

Page 2: Oloom Magazine march april-2014
Page 3: Oloom Magazine march april-2014

املجلد 30 ـــ العددان 4/3 (2014) 312/311

الهيئة االستشارية

شارك في هذا العدد

خضر األحمد

علي األمير

عدنان جرجس

عدنان احلموي

وسمية احلوطي

محمد دبس

بشر دعبول

عبدالقادر رحمو

نزار الريس

قاسم سارة

أبوبكر سعدالله

موفق شخاشيرو

نضال شمعون

ميالد صليبا

حامت النجدي

شادن يافي

مراسالت التحرير توجه إلى: رئيس حتريرمؤسسة الكويت للتقدم العلمي

شارع أحمد اجلابر، الشرق - الكويتص.ب : 20856 الصفاة، الكويت 13069

www.oloommagazine.com :موقع الوب - [email protected] :عنوان البريد اإللكترونيهاتف: 22428186(965+) - فاكس : 22403895(965+)

اإلعالنات في الوطن العربي يتفق عليها مع قسم اإلعالنات باملجلة.Advertising correspondence from outside the Arab World should be addressed toSCIENTIFIC AMERICAN 415, Madison Avenue, New York, NY 10017 - 1111Or to MAJALLAT AL-OLOOM, P.O.Box 20856 Safat, Kuwait 13069 - Fax. (+965) 22403895

بزيارة موقع املجلة www.oloommagazine.com ميكن االطالع على مقاالت اإلصدارات املختلفة اعتبارا من العدد 1995/1. كما ميكن االطالع على قاموس مصطلحات باتباع التعليمات الواردة على الصفحة الرئيسية للموقع.

ميكـن تزويــد املشـتركني في بنسـخة مجـانية من قرص CD يتضمن خالصات مقاالت هذه املجلة منذ نشأتها عام 1986 والكلمات الدالة عليها. ولتشغيل هذا القرص في جهاز مدعم بالعربية، يرجى اتباع اخلطوات التالية:

Control Panel ثم اختر start من Settings 1- اخترRegional and Language Options 2- اختر

OK ثم اضغط Standards and Formats من قائمة Arabic 3- اختر

األردناإلماراتالبحرين

تونساجلزائرجيبوتي

السعودية

� للطلبة وللعاملني في سلكالتدريس و/أو البحث العلمي

� لألفراد� للمؤسسات

12

1632

45

56112

السودانسوريا

الصومالالعراقعمان

فلسطنيقطر

الكويتلبنانليبيا

مصراملغرب

موريتانيااليمن

BritainCyprusFranceGreeceItalyU.S.A.Germany

ديناردرهمدينارديناردينارفرنكريال

جنيهليرةشلندينارريال

U.S $ريال

دينارليرة

دينارجنيهدرهمأوقيةريال

₤CI€

$€

1.80020

1.8002.5

105206

20

5.4100

14971964

21.25

20

1.5002765

1.77

30889250

42.5

66666

سعر العدد

االشتراكاتترسل الطلبات إلى قسم االشتراكات باملجلة.

< مراكز توزيع في األقطار العربية )انظر الصفحة 74(.

مالحظة: حتول قيمة االشتراك بشيك مسحوب على أحد البنوك في دولة الكويت.

بالدوالر األمريكيبالدينار الكويتي

حقوق الطبع والنشر محفوظة ملؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ويسمح باستعمال ما يرد في شريطة اإلشارة إلى مصدره في هذه املجلة.

عدنان اأحمد �شهاب الدين

رئــيـس الهيـئــــة

عبداللطيف البدر

نائب رئيس الهيئة

عدنان احلموي

عضو الهيئة ــ رئيس التحرير

Page 4: Oloom Magazine march april-2014

كيمياءتصدعات في اجلدول الدوري للعناصر

<E. سري>

أدى اكتشاف العنصر 117 إلى ملء الفجوة املتبقية في اجلدول الدوري للعناصر كما نعرفه. ومتاما لدى اكتمال هذا اجلدول، فإنه قد يفقد قدرته التفسيرية.

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

علم النفسكيف يغير گوگل دماغك

<M .D. وگنر> - <F .A. وورد>

تغير اإلنترنت املتاحة على الدوام كيف ندرك ونتذكر العالم من حولنا.

فيزياء كموميةما هو احلقيقي ؟

<M. كوملان>

وفقا للفيزيائيني، يتألف العالم من جسيمات وحقول قوى. فهل نعرف حقيقة ما هي هذه اجلسيمات وهذه احلقول؟ إننا ال نعرف.

هندسةانتشال حطام سفينة

<L .B. نيدو>

إن أقل خطأ يرتكب في محاولة إعادة تعومي السفينة السياحية اجلانحة »كوستا كونكورديا« قد يؤدي إلى كارثة بيئية.

طبالسلسلة الطويلة من ألغاز السرطان

<G. جونسون>

د تعقيدا مريعا. أظهرت عقود من األبحاث أن هذا املرض املخيف معق

األمن اجلوياختراق نظام الطائرات من دون طيار

<K. ويسون> - <T. همفريز>

ليس من الصعب على اإلطالق السيطرة على الطائرات املدنية من دون طيار وحتويلها إلى أسلحة لإلرهاب.

عدنان جرجس

محمد دبس

ميالد صليبا

حامت النجدي

ــ

ــ16

4

20

8

26

30

ــ عدنان احلمويحامت النجدي

التحرير&

نزار الريسموفق شخاشيرو ــ

قاسم سارةبشر دعبول ــ

خضر األحمد ــنضال شمعونالتحرير&

Page 5: Oloom Magazine march april-2014

فيزياءالكم الالكمومي

<D. تونگ>

خالفا للحكمة املتداولة في ميكانيك الكم، ميكن في نهاية املطاف أن يكون العالم الفيزيائي متصال، فيكون بذلك متاثليا أكثر منه رقميا.

كيمياءلقاء حائزي جوائز نوبل في الكيمياء

حترير: <فراس جبر> تقدمي: <S. كانتريل>

يقوم حائزو جوائز نوبل واجلدد منهم في الكيمياء بتشكيل روابط جديدة لهم، بينما نحتفل بإجنازاتهم، السابقة والالحقة.

تطورملك الضواري

<L. فرديلني>

ماذا حل بأنواع اللواحم الكبيرة التي مألت إفريقيا بتنوعها؟ رمبا تكون قد فشلت أمام منافسها، آكل اللحوم: اإلنسان البدائي.

أبوبكر سعداللهــنضال شمعون

العقلل الدماغ الورق لم يفض

<فراس جبر>

لعل الكتب واملجالت الورقية باتت طرازا قدميا، لكنها ما زالت تتميز عن تلك التي تعرضها الوسائط الرقمية بناحية بالغة األهمية: فالعقل قادر بسهولة أكبر

على إدراك املفاهيم التي تنقلها إلينا الكتب واملجالت الورقية.

سلوك احليوان عندما تتفجع احليوانات

<J .B. كنگ>

ليس اإلنسان هو الكائن احلي الوحيد الذي يحزن لفقدان عزيز عليه، فاحليوانات كالقطط والدالفني تشعر باحلزن أيضا لفقدان أعزاء عليها.

موفق شخاشيرو ــنزار الريس

التحرير

علي األمير

وسمية احلوطي

ــ

ــ

64

70

36

44

48

شادن يافيــعبدالقادر رحمو

»مجـلـة العـلوم« تصــدر شهريا فــي الكـويـت مـنذ عـام 1986 عـن »مؤسسـة الكـويـت للتقـدم العلمـي« وهـي مؤسسـة أهليـة ذات نفـع عـام، يـرأس مجلـس إدارتهـا صاحـب السمـو أمــير دولــة الكـويــت، وقـد أنشــئت عــام 1976 بهـدف املعاونـة فـي التطــور العلمـي واحلضـاري فـي دولـة الكويـت والوطـن العـربـي، وذلـك مــن خـالل دعــم األنشطــة العلمــية واالجتماعـيـة والثقـافيـة. و»مجلة العلوم« هـي فـي ثلثي محتوياتهــا ترجمـة لـ»ساينتفيك أمريكان« التـي تعتبر مـن أهـم املجـالت العلمـيـة فــي عالـم اليــوم. وتسعـى هـذه املجــلـة مـنذ نشأتهـا عــام 1845 إلـى متكـني القـارىء غــير املتخصــص مــن متـابعـة تطــورات معـارف عصـره العلميــة والتقانيــة، وتوفير معـرفـة

شموليـة للقــارىء املتخصص حول موضوع تخصصه. تصدر »ساينتفيك أمريكان« بثماني عشرة لغة عاملية، وتتميز بعرضها الشيق للمواد العلمية املتقدمة وباستخدامها القيم للصور والرسوم امللونــة واجلداول.

التحرير&

التحرير&

التحرير&

تقدمات74< إلقاء اللوم على الشتاء.

عدنان احلموي

Page 6: Oloom Magazine march april-2014

4(2014) 4/3

كيفر گوگل يغي

دماغك)�(<M .D. وگنر> - <F .A. وورد>

ــــــالد. ومن خالل يتلقــــــى زوجان دعــــــوة إلى حفلة عيد ميخبرتيهما الطويلتني، يعرف كل منهما بحدسه ما يجب فعله ــــــذ. فأحدهما يحدد منط اللباس، رســــــميا أو ال؛ ويقوم بعدئاآلخر بتســــــجيل مالحظــــــة ذهنية عن وقــــــت التجمع ومكانه

بحيث ال ينسيانهما.ــــــى حد ما، كل منا يحيل املهام الذهنية إلى اآلخرين. وإلوحينما تقــــــدم إلينا معلومات جديدة، نقــــــوم تلقائيا بتوزيع ــــــى أعضاء ــــــق واملفاهيم عل املســــــؤولية عــــــن تذكــــــر احلقائمجموعتنا االجتماعية، متذكرين بعض األشــــــياء بأنفســــــنا، ومعتمدين على اآلخرين في تذكر الباقي. وحينما ال نستطيع تذكر االسم الصحيح لشخص أو طريقة إصالح آلة معطلة، نلجأ ببســــــاطة إلى شــــــخص آخر على معرفــــــة بذلك. وإذا كانت ســــــيارتك تصدر ضجيج قرقعــــــة، اتصلت بـ<رميون>، صديقك الشــــــغوف باألشــــــياء التقنية. أال تستطيع تذكر من كان النجــــــم في الدار البيضاء؟ إن <مارســــــي>، الشــــــغوف ــــــع أنواع املعرفة، باألفالم الســــــينمائية يعرف ذلك. إن جميمن تلك العادية اخلاصة باحلياة اليومية، حتى تلك العصية

ــــــى الفهم، توزع فيما بني أعضاء املجموعة، ســــــواء كانت علهذه الوحدة االجتماعية زوجني أو قسم محاسبة في شركة متعددة اجلنسيات. وفي كل حالة، نحن ال نعرف املعلومات املخزنة في عقولنا فقط، بل »نعرف« أيضا أنواع املعلومات

التي على أعضاء مجموعتنا اآلخرين تذكرها.إن هذا التوزيع واملشــــــاركة يدرأ التكرار غير الضروري

How Google Is Changing Your Brain )�(

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

باختصارمما هو مأثور، أن التذكر عادة هو سمة اجتماعية. فأحد األشخاص يتذكر كيف يطبخ الديك الرومي ويتذكر شريكا له يعرف كيف يصلح

التسريب من املغسلة.لكن اإلنترنت تقوم بتغيير كل شيء. فبالنفاذ إليها من كل مكان تقريبا، ميكن لكثير من الناس أن يقوموا أوال بالبحث عن املعلومة بواسطة

هاتف ذكي بدال من االتصال بصديق.واالتصال الدائم باإلنترنت في كل األوقات يغير اإلحســــــاس الشخصي بالذات، ألن احلدود بني الذواكر الشخصية واملعلومات املنتشرة

عبر اإلنترنت تصبح ضبابية.

طوال آالف السنني، اعتمد الناس على

بعضهم لتذكر تفاصيل أحداثهم

اليومية.

أما اآلن، فنعتمد the »على »السحابةcloud التي تقوم

بتغيير طريقة إدراكنا وتذكرنا للعالم من

حولنا.

Page 7: Oloom Magazine march april-2014

5 (2014) 4/3

للجهود، ويعمل على زيادة سعة ذاكرة املجموعة كلها. وحينما نحيل املسؤولية عن أنواع محددة من املعلومات إلى آخرين، ــــــا نحرر موارد إدراكية كان عليها لوال ذلك تذكرها. وفي فإننمقابل ذلك، نســــــتعمل بعض تلك املوارد لزيادة عمق معرفتنا ــــــا. وحينما فــــــي املجــــــاالت التي تقع مســــــؤوليتها على عاتقنيتشــــــارك أعضاء املجموعة في املســــــؤولية عــــــن املعلومات، يتمتع كل عضو بإمكان الوصول إلى املعرفة على نحو أوسع وأعمق مما ميكن له احلصول عليه مبفرده. والذاكرة املوزعة تربط املجموعة معا، وأي شــــــخص مبفرده ال يكون كامال من دون أن يكون قادرا على الوصول إلى املعرفة اجلماعية لدى ــــــذان تلقيا دعوة عيد ســــــائر املجموعة. فلو كان الزوجان اللــــــالد منفصلني، ملا عرفا ماذا يفعالن: فقد يتجول أحدهما امليتائها في الشــــــوارع بقبعــــــة عالية ورداء ذي ذيل، في حني أن اآلخــــــر ميكن أن يصل إلى احلفل فــــــي الوقت احملدد مرتديا

قميصا فضفاضا.لقد نشــــــأ هذا امليل إلى توزيع املعلومات عبر ما نســــــميه »منظومـــة الذاكرة التبادلية)1(« فــــــي عالم التأثيرات املتبادلة ــــــك العالم الذي مثل فيه العقل البشــــــري قمة وجهــــــا لوجه، ذلالنجاح في خزن املعلومات. إال أن هذا العالم لم يعد موجودا. فمع تطور اإلنترنت، اختزل العقل البشــــــري من كينونة مفعمة

باملقدرة والطاقة إلى خاسر كبير.إن إدخال التطبيق ســـيري)Siri )2 اخلــــــاص باآليفون إلى املجموعة االجتماعية يغير كل شيء. وعملنا يوحي أن نتعامل مع اإلنترنت وكأنها شــــــريك بشــــــري ذو ذاكرة تبادلية. فنحن نرسل الذكريات إلى اإلنترنت بسهولة متاما كما نرسلها إلى عضو في أسرة أو صديق أو حبيب. ولكن اإلنترنت، من ناحية أخرى، ليســــــت كالشريك البشري ذي الذاكرة التبادلية. فهي تعرف أكثر، وتستطيع إنتاج هذه املعلومات على نحو أسرع. وجميع املعلومات متاحة اليوم بسهولة من خالل بحث سريع في اإلنترنت. وقد يكون األمر أن اإلنترنت ال تأخذ مكان الناس اآلخرين بوصفهم مصادر ذاكرة خارجية فحســــــب، بل أيضا مكان مقدراتنا اإلدراكية أيضا. وهي قد ال تلغي احلاجة إلى شريك نتشــــــارك معه في املعلومات فحسب، بل ميكنها أيضا أن تقوض الدافع إلى ضمــــــان أن بعض احلقائق املهمة التي عرفت للتو قد نقشــــــت في بنوك ذاكرتنا احليوية ونسمي هذا

.Google effect مفعول گوگل

شريك جديد)�(لقد استعرضنا في جتربة حديثة أجرتها مجموعتنا مدى بدء ــــــت باحللول محل صديق أو عضو في العائلة بوصفه اإلنترن

قرينا نتشارك معه مهام التذكر اليومية. فقد طلب <B. سبارو> ــــــو> ]وكانت حينئذ في جامعة ]مــــــن جامعة كولومبيا[ و<J. ليوسكنسن-ماديســــــون[ وواحد منا )<وگنر>( إلى املشاركني في التجربة إدخال 40 قطعة معلومات شــــــائعة مختصرة إلى حاسوب )مثال: »عني النعامة أكبر من مخها«(. وأخبر نصف املشــــــاركني بأن عملهم ســــــوف يخزن في احلاسوب، وأخبر النصف اآلخر بأن عملهم سوف ميحى. يضاف إلى ذلك بأنه طلب إلى نصف كل مجموعة تذكر املعلومات، بصرف النظر

عن كونها سوف تخزن في احلاسوب أم ال.لقد وجدنا أن أولئك الذين اعتقدوا أن احلاسوب قد احتفظ بقائمة احلقائق كانوا أسوأ تذكرا. فقد بدا أن الناس يعاملون احلاســــــوب كما يعاملون الشــــــركاء من ذوي الذاكرة التبادلية التي شــــــرعنا في دراستها قبل عقود، فهم يرسلون املعلومات

A NEW PARTNER )�(ــــــة طورها أحد مؤلفي هذه املقالة )<وگنر>( في )transactive memory system )1: فرضيعام 1985، تتمثل بآلية تقوم بها املجموعات البشــــــرية جماعيا، وذلك بتكويد وخزن

املعرفة واسترجاعها. )Siri )2: هــــــو تطبيق برمجي يعمــــــل بالصوت في بعض الهواتف الذكية iPhone وميكن مستخدميه من التحكم في اجلهاز بواسطة الكالم. ويستطيع فهم تعليمات وعبارات شــــــائعة في الكالم العادي، وميكنه التحدث إلى املستخدم، وكتابة كلماته بتحويله الصوت إلى نص. )التحرير(

Page 8: Oloom Magazine march april-2014

6(2014) 4/3

إلى هذا العقل املتمثل باإلنترنت بدال من خزنها في رؤوسهم. ومــــــن املدهش أن هذه النزعة اســــــتمرت حتى عندما طلب إلى األشخاص صراحة االحتفاظ باملعلومات في رؤوسهم. ويبدو أن امليل إلى إرســــــال املعلومات إلى مصادر رقمية قوي جدا، إلى درجة أن الناس هم غالبا غير قادرين على تثبيت تفاصيل ضمن أفكارهم الذاتية بوجود أصدقاء ال يتواصلون معهم إال

عبر اإلنترنت.كما درســــــنا في جتارب أخرى أجريناها على مجموعتنا ســــــرعة اللجوء إلى اإلنترنت عند محاولة اإلجابة عن ســــــؤال. ــــــار هذه الفكرة، طبقنا ما يســــــميه علماء النفس مهمة والختبســـترووب Stroop task، حيث يفحص املشاركون سلسلة من ــــــوان مختلفة، وعليهم حتديد لون كل كلمة الكلمات مكتوبة بألمع إهمال معنى الكلمة نفســــــها. وبقياس ســــــرعة تســــــميتهم للون كل كلمة، ميكننا االســــــتدالل على مدى استحواذ الكلمة على انتباههم. فإذا كانوا بطيئني نســــــبيا في تســــــمية اللون، افترضنا أن معنى الكلمة له صلة بشــــــيء يفكرون فيه. فمثال، إن األشــــــخاص الذين افتقدوا الطعام مدة 24 ســــــاعة، كانوا أبطأ في تســــــمية لون كلمة تدل على طعام معني، وذلك مقارنة ــــــوا طعامهم جيدا. فنظــــــرا إلى أن باألشــــــخاص الذين تناولالكلمات ذات الصلة بالطعام مهمة لألشــــــخاص ذوي احلاجة القائمة إليه، فإن من املســــــتحيل جتاهل هــــــذه الكلمات، ولذا

يؤدي ذلك إلى مدة استجابة أبطأ.وفي جتربتنا، أكمل املشاركون مهمتني من مهام سترووب: واحدة بعد االســــــتجابة ألسئلة سخيفة ســــــهلة، وأخرى بعد ــــــت الكلمات في هذه محاولة اإلجابة عن أســــــئلة صعبة. وكاناملهــــــام على صلة إما باإلنترنت - گوگل بحروف حمراء مثال، وياهــــــو بحروف زرقاء - أو بأســــــماء عالمات جتارية عامة - Nike باألصفر وTarget باألخضر، إضافة إلى أسماء أخرى.

صديق عارف بكل شيء)�(لقــــــد وجدنا مفعوال الفتا حقــــــا بعد طرح أســــــئلة تافهة صعبة، أي أســــــئلة لم يستطع املشــــــاركون اإلجابة عنها وحدهم )مثال، ــــــان على األقل في أعالم جميع الدول؟«( لقد تلكأ »هل يوجد لونــــــوان الكلمات ذات املشــــــاركون على نحــــــو ملحوظ في حتديد ألــــــة باإلنترنت، ولم يحصل ذلك مع األســــــماء ذات الصالت الصلبعالمــــــات جتارية عامة، وهذا ما يوحــــــي أن اإلنترنت تأتي إلى الذهن سريعا عندما ال يعرف الشخص جواب السؤال. وعلى ما يبدو، عندما نواجه بطلبات عن معلومات ال نعرفها، فإن ردة فعلنا األولى هي التفكير في اإلنترنت، »صديقنا« العارف بكل شــــــيء الذي يســــــتطيع تقدمي هذه املعلومات إلينا بعد نقرة بســــــيطة من إصبعنا، أو بعد أمر صوتي ال عناء فيه. وعندما نحيل املسؤولية عن أنواع كثيرة من املعلومات إلى اإلنترنت، رمبا نكون قد قمنا باالستعاضة عن شركاء آخرين محتملني ذوي ذاكرة تبادلية، أي أصدقاء وأفراد أسرة وخبراء بشريون آخرون، بوصلتنا الدائمة

مع سحابة رقمية)digital cloud )1 تبدو عليمة بكل شيء.مــــــن نواح عدة، ثمة مغزى لهذا التحول من توزيع املعلومات على أعضاء مجموعة اجتماعية تبادلية من األصدقاء واملعارف، إلى الســــــحابة الرقمية. فــــــألول وهلة، تنطــــــوي البتابايتات)2( املنتشــــــرة عبر اإلنترنت على بعض الشــــــبه مبا هو موجود في رأس صديق. فاإلنترنت تخزن املعلومات، وتقدمها إلينا استجابة ألسئلتنا، وحتى إنها تتعامل معنا بطرق بشرية مدهشة بتذكرها

عيد ميالدنا، وحتى باستجابتها ألوامرنا الصوتية.ومن نواح أخرى، ليســــــت اإلنترنت كأي شخص التقينا به من قبل، فهي موجودة دائما، وتعمل دائما، وتعرف عمليا كل شيء. واملعلومات التي نستطيع الوصول إليها بواسطة هاتف ذكــــــي أكبر كثيرا من حيث مقدارها مما ميكن خزنه في رأس أي شــــــخص، وأكبر بالعديد من املــــــرات مما ميكن أن تخزنه مجموعات بشرية كاملة. وهي دائما محدثة، وباستثناء حاالت انقطاع الكهرباء، فإنها ليســــــت عرضة للتشــــــويه والنســــــيان

اللذين يصيبان الذاكرة القابعة في رؤوسنا.ــــــن كفاءة اإلنترنت املذهلة بشــــــدة مع طرائق البحث وتتبايالقدمية. فطلب معلومات إلى األصدقاء غالبا ما يتطلب البحث عنهم، مــــــع األمل بأنهم يعرفون احلقيقــــــة املطلوبة، واالنتظار وســــــط آه وإيه وسعلة مصطنعة أو اثنتني في أثناء بحثهم )في رؤوســــــهم( عن اجلواب. وعلى نحو مشابه، قد يتطلب البحث

AN ALL-KNOWING FRIEND )�()1( الســــــحابة هــــــي مجموعة كبيرة من احلواســــــيب والنظم الرقمية، مــــــع برمجياتها،

املتصلة معا في الزمن احلقيقي بواسطة شبكة رقمية من قبيل اإلنترنت. )2( peta bytes. تساوي البتا بايت 1015 بايت. )التحرير(

Daniel M. Wegner<وگنر> أستاذ علم نفس في جامعة هارڤارد. وقد درس الذاكرة التبادلية وكبت التفكير، إضافة إلى أشــــــياء أخرى. وتوفي في الشــــــهر 2013/7 بعد مرض دام طويال. وذكرت جمعية علم النفس األمريكية أن »ذكراه ســــــوف تبقى حية، ليس في إبداعاته واتســــــاع إســــــهاماته في علم النفس فقط، بل أيضا في ســــــعادته اجللية التي اســــــتمدها من بحثه الذي نقله إلى طالبه،

وفي كتاباته.«Adrian F. Ward

<وورد> حصل على الدكتوراه في علم النفس من جامعة هارڤارد بإشراف <وگنر>. وقــــــد تركزت أطروحته على الطرق التي يلطخ بها الناس احلدود ــــــة بني اإلنترنت وذواتهم. وهو اآلن باحث رئيســــــي مشــــــارك لدى الفاصل

جامعة كولورادو في بولدر.

املؤلفان

Page 9: Oloom Magazine march april-2014

7 (2014) 4/3

عن معلومات في كتاب، الذهاب إلى مكتبة عامة وتقليب فهرس بطاقاتهــــــا بارتباك، والتجوال بني رفوفهــــــا إلى أن يتم حتديد موقع املادة املطلوبة. وعملية السعي ذاتها إلى حقيقة أو رأي من أحــــــد املعارف أو من كتاب مرجعي تؤكــــــد اعتمادنا على

مصادر خارجية للمعلومات. لكن گوگل وويكيبيديا غيرا جميع ذلك. فالتمييز بني الداخلي واخلارجي، أي بني ما هو قابع في أذهاننا في مقابل ما يعرفه ــــــى املعلومات ــــــق، يتغير جذريا عندمــــــا يكون املؤمتن عل صديهو اإلنترنت. فاملعلومات املســــــتجرة مــــــن اإلنترنت تصل إلينا أحيانا بسرعة أكبر كثيرا مما ميكننا استخراجه من ذواكرنا. والفورية التي تقفز بها نتيجة بحث إلى شاشة هاتف ذكي ميكن أن جتعــــــل احلدود الفاصلة بني ذواكرنا الشــــــخصية من جهة واخلزائن الرقمية الهائلة املنتشرة عبر اإلنترنت من جهة أخرى ضبابية. وحديثا أجرينا فــــــي جامعة هارڤارد جتارب الختبار مدى تضمني الناس لإلنترنت في إحســــــاس شخصي بالذات. وفي هذه الدراســــــة، حاولنا مرة أخرى التيقن من الكيفية التي تلجأ فيها أفكارنا بسهولة إلى محركات البحث حينما يواجهها سؤال بسيط. وقبل البدء بالدراسة، وضعنا سلما لقياس كيفية تقدير الناس إلمكانات ذواكرهم الشــــــخصية. فالشخص الذي يوافق على العبارتني: »أنا ذكي« و »أنا جيد في تذكر األشياء«

ميكن أن يعتبر أنه ميتلك ثقة ذاتية إدراكية عالية.وبعدئذ طلبنا إلى األشــــــخاص اإلجابة عن أســــــئلة بســــــيطة مبســــــاعدة گوگل أو من دونها، ثم طلبنا إليهــــــم تقييم أجوبتهم باستعمال هذا السلم. وكانت الثقة اإلدراكية بالذات أعلى كثيرا لدى أولئك الذين استعملوا اإلنترنت بحثا عن اجلواب. واملدهش هــــــو أنه على الرغم من أن اإلجابات كانت حرفية كما وردت في اإلنترنت، فقد تخيل األشــــــخاص املنغمســــــون في الدراسة أن إمكاناتهم الذهنية الذاتية هي التي أنتجت املعلومات، ال گوگل.

وبغية التيقن من أن األشخاص لم يشعروا بأنهم أكثر ذكاء ــــــوا قادرين على اإلجابة عن عدد أكبر من األســــــئلة ألنهم كانمبســــــاعدة گوگل، أجرينا دراسة مشــــــابهة قدمت فيها ألولئك الذين لم يســــــتعملوا محرك البحث إشارات زائفة بأنهم أعطوا إجابات صحيحة عن معظم األســــــئلة البســــــيطة. وحتى عندما اعتقد املشاركون في كلتا املجموعتني أن أداءهم كان جيدا في احلالتني، قال أولئك الذين اســــــتعملوا اإلنترنت إنهم يشعرون

بأنهم أكثر ذكاء. وتشــــــير هذه النتائج إلى أن الزيادات فــــــي الثقة اإلدراكية بالذات بعد استعمال گوگل ليست ناجمة عن استجابته الفورية ــــــل إن گــــــوگل يعطي املرء ــــــة الصحيحة، ب فــــــي توفيره لألجوباإلحســــــاس بأن اإلنترنت أصبحت جزءا مــــــن مجموعة أدواته

اإلدراكية الشــــــخصية. فتذكر نتيجة بحــــــث ال يحصل ملجرد أنهــــــا موعد أو اســــــم أخذ من صفحــــــة وب، بل ألنه نتيجة ملا اســــــتقر في ذواكر املشاركني وهذا أنفســــــهم، الدراسة في ما أتاح لهــــــم باحملصلة ادعاء معرفة أشــــــياء كانت من نواجت ــــــي الت البحــــــث ــــــات خوارزمييســــــتعملها گــــــوگل. واملفعول ــــــت ومادة ــــــة الذواكر بالتســــــاوي بني اإلنترن النفســــــي لتجزئالدماغ الرمادية)1( يشــــــير إلى مفارقة ساخرة. فحلول »عصر املعلومات)2(« يبدو أنه قد أوجد جيال من الناس الذين يشعرون بأنهم يعرفون متاما أكثر مــــــن ذي قبل، في حني أن اعتمادهم

على اإلنترنت يعني معرفة بالعالم احمليط بهم أقل بكثير.ومــــــع ذلك، رمبا بعد أن نصبح جزءا من العقل اإلنترنتي ــــــس متعلقا Intermind، ســــــوف نطــــــور أيضــــــا ذكاء جديدا لي

بالذواكــــــر احمللية التي تشــــــغل أدمغتنا فقط. ومع حتررنا من ــــــن، بوصفنا أفرادا، ضــــــرورة تذكر احلقائق، قد نكون قادريعلى اســــــتعمال مواردنا الذهنية ملهــــــام طموحة بعد أن غدت اآلن حرة. ورمبا يســــــتطيع العقل اإلنترنتي الناشئ أن يجمع فيما بني إبداع عقل الفرد من البشــــــر وسعة معرفة اإلنترنت ــــــة تكوين عالم أفضل - وإصالح بعض من الفوضى التي بغي

أحدثناها حتى اآلن. ومــــــع انطماس اخلطوط الفاصلة بني العقل واآللة بفضل التقدمات في احلوســــــبة ونقل البيانات، ميكننا جتاوز بعض القيود التي تفرضها مثالب اإلدراك البشــــــري على الذاكرة والتفكير. ولكن هذا التحــــــول ال يعني أننا معرضون خلطر فقدان هويتنا. فنحن ببســــــاطة ندمج ذاتنا في شيء أعظم، مكونني شراكة تبادلية، ليس مع اآلخرين من البشر فحسب، ــــــل مع مصدر معلومات أقوى من أي شــــــيء آخر شــــــهده ب

العالم من قبل. <)brain’s gray matter )1: النســــــيج الغامق في الدماغ الذي يتكون بشــــــكل رئيسي من

أجسام خلوية عصبية وتغصنات متفرعة. information age )2(

أحيانا، تصل إلينا املعلومات التي

نحصل عليها من اإلنترنت بسرعة

أكبر كثيرا مما ميكننا استخراجه

من ذواكرنا.

Scientific American, December 2013

مراجع لالستزادة Transactive Memory: A Contemporary Analysis of the Group Mind. Daniel M. Weg ner in Theories of Group Behavior. Edited by Brian Mullen and George R. Goethals. Springer, 1986. Google Effects on Memory: Cognitive Consequences of Having Information at Our Fingertips. Betsy Sparrow et al. in Science, Vol. 333, pages 776–778; August 5, 2011.

Page 10: Oloom Magazine march april-2014

8(2014) 4/3

ــــــه مكون من ــــــى وصف الكون بأن يعكــــــف الفيزيائيون علجســــــيمات دون ذرية غاية في الصغر يدفع ويسحب بعضها بعضا بواســــــطة حقول قــــــوى. ويدعــــــو الفيزيائيون موضوع دراســــــتهم هذا »فيزياء اجلســـيمات األولية«)5( حيث تشــــــكل »مســـرعات اجلســـيمات«)6( األدوات التي يســــــتخدمونها في ــــــة العالم وفق منوذج بحوثهــــــم التي يقدمــــــون فيها نظريا بنيشـــبيه بلعبة الليگو Lego-like model. لكن وجهة النظر هذه تخفي في طياتها حقيقة اليعرفها إال قليلون من الناس، مفادها أن التفســــــير اجلســــــيمي لفيزياء الكم - إضافة إلى التفسير احلقلي - يوسع مفاهيمنا التقليدية عن »اجلسيم« و »احلقل« ــــــاس تعتقد أن العالم قد ــــــى مدى يجعل فئة متزايدة من الن إل

يكون مكونا من شيء آخر مختلف متاما.ــــــني إلى نظرية صاحلة وال تكمن املشــــــكلة في افتقار الفيزيائيللعالم دون الذري، فمثل هذه النظرية موجود وتدعى نظرية احلقل الكمومـــي)7(. وقــــــد طورها املنظرون بني أواخر عشــــــرينات القرن املنصرم وأوائل خمسيناته، وذلك بدمج النظرية املبكرة للميكانيك الكمومي في نظرية <أينشتاين> في النسبية اخلاصة. وتزودنا نظرية احلقل الكمومــــــي بالدعائم املفاهيمية للنموذج املعياري)8( لفيزياء اجلســــــيمات، الذي يصف لبنات البناء األساسية للمادة وتآثراتها ضمــــــن إطار واحد عام، يعتبر - من ناحية الدقة التجريبية - أكثر

ــــــات جناحا في تاريخ العلم. ويســــــتخدم الفيزيائيون نظرية النظريالنمــــــوذج املعياري كل يوم حلســــــاب عقابيـــل aftermaths تصادم the big اجلســــــيمات وحتديد تركيب املادة عند االنفجـــار األعظمbang والشروط املتطرفة داخل النوى الذرية، وأمور أخرى كثيرة.

لذا، قد يبدو األمر مفاجئا إذا علمت أن الفيزيائيني ليسوا ــــــه النظرية، أي من “أنطولوجيتها”)9( متوثقني حتى مما تقولits ontology أو صورتها الفيزيائية األساســــــية. وهذا اللبس

منفصــــــل عن األســــــرار التي كثيرا ما نوقشــــــت في امليكانيك الكمومــــــي، من مثل إمكانية كون قطــــــة موضوعة في صندوق محكم اإلغالق حية وميتة في الوقت نفسه. والتفسير الذي لم يتفق عليه بعد لنظرية احلقل الكمومي يحرز تقدما نحو ســــــبر ــــــاء يعقدها النموذج املعياري مثل نظريـــة األوتار)10( أي فيزيstring theory. فمن اخلطورة مبكان صياغة نظرية جديدة في

وقت ال نزال فيه ال نفهم جيدا النظرية التي بني أيدينا اآلن.WHAT IS REAL? )�(

force fields )2( particles )1( properties )4( quantum realm )3(

particle accelerators )6( particle physics )5(standard model )8( quantum field )7(

)9( األنطولوجيا فرع من ما وراء الطبيعة )الميتافيزياء( metaphysics يدرس طبيعة الوجود.

)string theory )10؛ انظـر: »الكـون الـذكي«، ، الـعــددان 8/7 (2007)، ص 74: كتابان جديدان يقوالن إن الوقت قد حان إلسقاط نظرية األوتار!

وانظـر أيضا: »نظرية كـل شيء الالمدركـة«، العـددان 2/1 (2011)، ص 36.

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

باختصاراإلطــــــالق بل اهتزازات في حقل كمومي ميثل اخللف احلديث للحقول

كاحلقل املغنطيسي. ولكن احلقول أيضا تثير مفارقات.وإذا لم تكن اجلسيمات وال احلقول أساسية، إذن فما هو األساسي؟ يظن بعض الباحثني أن العالم، أساســــــا، غير مكون من أشياء مادية، بل من .spin )عالقات أو من خاصيات، مثل الكتلة والشحنة والسبني )التدومي

من املنطقي القول إن موضوع فيزياء اجلسيمات هو اجلسيمات، ــــــك أغلب الناس صورة ذهنية لكــــــرات بلياردو صغيرة يصادم وميتلبعضها بعضا في الفضاء. ومع ذلك، يتصدع مفهوم »اجلسيم« هذا

عند تفحص املوضوع بدقة أعلى.يفكر العديد من الفيزيائيني أن اجلسيمات ليست أشياء على

يتكلم الفيزيائيون عن العالم بصفته مكونا من جسيمات)1( وحقول قوى)2(، لكن من غير الواضح إطالقا ماهية اجلسيمات وحقول القوى املوجودة فعال في العالم الكمومي)3(.

فبدال عن ذلك، يكون العالم مؤلفا من حزم من خاصيات)4(، مثل اللون والشكل.

ما هو احلقيقي؟)�(

<M. كوملان>

Page 11: Oloom Magazine march april-2014

9 (2014) 4/3

ــــــى، يبدو محتوى النموذج املعياري واضحا، وللوهلة األولفهو يحتوي، أوال، على زمر جلســــــيمات أولية مثل الكواركات واإللكترونات، وثانيا، يضم، أربعة أنواع من حقول قوى متثل التآثرات بني اجلســــــيمات. وتبرز هــــــذه الصورة على جدران صفوف الدراسة وفي مقاالت مجلة ساينتفيك أمريكان، لكنها

حتى ولو بدت مقنعة، فهي ليست مرضية على اإلطالق.وبالنسبة إلى املبتدئني، متتزج الفئتان معا. فنظرية احلقل الكمومي تقرن حقال بكل نوع من اجلسيمات األولية، لذا فمن املؤكــــــد وجود حقــــــل إلكتروني عندما يتأكد وجــــــود إلكترون. وفي الوقت نفســــــه، إن حقول القوى مكممة quantized ليست مســــــتمرة، وهذا يقتضي وجود جســــــيمات مثل الفوتون. ومن ثم يبدو الفرق بني اجلســــــيمات واحلقول مصطنعا، وما يحدث ــــــا كما لو كان أحد املظهرين هــــــو أن الفيزيائيني يتحدثون غالبأساســــــيا أكثر من اآلخــــــر. وكانت تدور املناقشــــــة حول هذه النقطة - أي حول ما إذا كانت نظرية احلقل الكمومي في نهاية األمر تعنى باجلسيمات أو باحلقول. فقد بدأت املناقشة كما لو كانت صراعا بني اجلبابرة، حيث كنت جتد فيزيائيني وفالسفة مرموقني في كال اجلانبني. وال يزال كال املفهومني مســــــتعمال حتى اآلن ألغراض توضيحية، مع أن غالبية الفيزيائيني يقبلون ــــــالءم مع ما تقوله هذه النظرية. بأن املفاهيم الكالســــــيكية ال تتــــــم تتوافق الصور الذهنية التي يتم اســــــتحضارها عبر وإذا لالكلمتني »جســــــيم« و »حقل« مع ما تقوله النظرية، فإنه ينبغي

على الفيزيائيني والفالسفة فهم وحتديد ما يحل محلهما.ــــــني في حالة ــــــني املعياري ومــــــع وجــــــود اخليارين التقليدياســــــتعصاء ال مخرج منها، فقد متكن بعض فالسفة الفيزياء من صياغــــــة بدائل جذرية أكثر، فاقترحــــــوا أن أهم املكونات األساسية للعالم املادي كينونات entities غير محسوسة، كأن ــــــات. وتذهب إحدى األفكار التقدمية تكون عالقات أو خاصيــــــه إلى كيانات وحيدة املتميزة إلى أن كل شــــــيء ميكن اختزالغير محسوســــــة، من دون أي إشارة إلى أشياء منفردة. إنها ــــــة مضادة للحدس، ولكن البعض يقدم احلجة على فكرة ثوري

أن الفيزياء تفرضها علينا.

املشكلة مع اجلسيمات)�(ــــــراء، بالتفكير في ــــــب الناس، مبن فيهم اخلب عندما يقوم أغلاحلقيقــــــة دون الذرية، فإنهــــــم يتخيلون جســــــيمات تتصرف ــــــد بعضها عن بعض. ككــــــرات بلياردو صغيرة تتصادم ويرتولكن هذا املفهوم عن اجلســــــيمات هو الذي كان ســــــائدا لدى فالســــــفة الذرة فــــــي اليونان القدمية، علمــــــا بأنه وصل ذروته فــــــي نظريات <إســــــحاق نيوتن>، بيد أن ثمة مســــــارات فكرية

عديدة ومتراكبة توضح أن الوحدات اجلوهرية لنظرية احلقل الكمومي ال تسلك مسلك كرات البلياردو على اإلطالق، وذلك

لألسباب اآلتية:أوال، إن املفهوم التقليدي جلسيم يقتضي أن هذا اجلسيم شــــــيء موجود في موضع معني. ولكن جسيمات نظرية احلقل الكمومي ليســــــت لها مواضع محددة بشــــــكل جيد: فجســــــيم داخل جسمك ال يكون متاما داخله. إن احتمال جناح محاولة راصد قياس موضع هذا اجلســــــيم في أكثر األماكن بعدا في الكون ضئيل، لكنه غير صفري nonzero. وكان هذا التناقض ــــــى للميكانيك الكمومي، واضحــــــا عند تقدمي الصياغات األوللكنه غدا أسوأ عندما وحد املنظرون هذا امليكانيك مع النظرية النسبية. فاجلسيمات الكموميـــة النســـبوية)1( مراوغة جدا؛

إذ إنها ال تقع أبدا في أي منطقة محددة من الكون.ثانيا، لنفترض أن لديك جسيما متموضعا داخل مطبخك. ــــــى منزلك من ســــــيارة عابرة، يرى فصديقــــــك، الذي ينظر إلاجلسيم منتشرا في أرجاء الكون. وما هو متموضع بالنسبة ــــــى صديقك. وال يعتمد موضع إليك ال يكون كذلك بالنســــــبة إلاجلســــــيم على نقطة رصدك له فحسب، إذ إن وجود موقع له يعتمد كذلك على نقطة املراقبة، ومن ثم فال معنى الفتراض أن

اجلسيمات املتموضعة هي الكينونات األساسية.ــــــني مواقع ــــــت عــــــن محاولتك تعي ــــــى ولو تخلي ــــــا، حت ثالثاجلسيمات واســــــتعضت عن ذلك بإحصائها فقط، فستواجه ــــــد معرفة عدد ــــــرض أنك تري بعض املشــــــكالت أيضــــــا. لنفتاجلسيمات في منزلك. عنذئذ تتجول فيه لتجد ثالثة جسيمات في غرفة الطعام، وخمســــــة حتت الســــــرير، وثمانية في خزانة ــــــخ، وهكذا. فــــــإذا جمعت هذه األعداد، فإنك ســــــتصاب املطبــــــة من الذهول حني جتد أن املجموع ال ميثل العدد الكلي بحالللجســــــيمات. فهذا العدد في نظرية احلقل الكمومي خاصية ــــــزل ككل متكامل، ولتحديده فال بد من القيام بأمر محال: للمن

The Trouble with Particles )�(relativistic quantum particles )1(

Meinard Kuhlmann<كوملان> أســــــتاذ الفلسفة بجامعة بيليفيلد في أملانيا، حصل على شهادات في مجالي

الفيزياء والفلســــــفة، وعمل في جامعات أوكسفورد وشــــــيكاگو وبيتسبرگ. وقد اكتسب خالل حياته كطالب، سمعة شخص فضولي دائم التساؤل وهو يقول: »كنت أطرح الكثير

من األسئلة ملجرد الدعابة وبسبب االلتباس واإلرباك املسليني الناجمني عنها.«

املؤلف

Page 12: Oloom Magazine march april-2014

10(2014) 4/3

ــــــزل كله دفعة واحدة، أال وهو قياس عدد اجلســــــيمات في املنبدال من تعيني هذا العدد في كل غرفة على حدة.

ــــــد مواقع ــــــل اخلــــــالء حالة متطرفــــــة لعدم إمــــــكان حتدي ميثــــــات متناقضة ظاهريا في نظرية اجلســــــيمات، إذ تكون له خاصياحلقل الكمومي. وميكنك مالحظة خالء إجمالي - يتمثل تعريفا بحالة عددها صفري من اجلسيمات - في حني ترصد في الوقت نفسه شيئا مختلفا البتة عن اخلالء ضمن أي منطقة غير معدومة احلجم. وبكلمــــــة أخرى، ميكن ملنزلك أن يكــــــون خاليا متاما مع ــــــه. تخيل أنك أجبت بالنفي أنك جتد جســــــيمات في جميع أرجائعن ســــــؤال لرجال اإلطفاء عن وجود أناس ضمن منزل تشب فيه النيران. وسيســــــاور هؤالء الرجال الشك في سالمة عقلك عندما

يكتشفون وجود أناس محتجزين في كل غرفة من املنزل.ــــــل ســــــمة أخرى للخــــــالء تلفت النظر فــــــي نظرية احلقل تتمثالكمومــــــي مبفعـــول أنـــرو Unruh effect. إذ ميكــــــن لرائد فضاء ســــــاكن أن يظن أنه ضمن خالء، في حني ميكن لرائد فضاء آخر ــــــه مغمور في مغطس في مركبة فضاء متســــــارعة أن يشــــــعر بأنحراري مليء بجسيمات المتناهية العدد. ويحدث هذا االختالف ــــــني وجهتي النظر هــــــذه أيضا عند محيط الثقوب الســـوداء)1(، بويقود إلى نتائج متناقضة ظاهريا عن مصير املادة الساقطة في داخل الثقب ]انظر: »الثقوب السوداء ومفارقة املعلومات«، ، العــــــددان 9/8 (1998)، ص 44[. وإذا أحسســــــت بأن فكرة اخلالء ــــــى أن املفهوم ــــــة للعقل، فهذا يعود إل اململوء باجلســــــيمات منافيــــــة يجب أن يكون التقليدي للجســــــيم يضللنا، وما تصفه النظريشيئا آخر. وإذا كان عدد اجلسيمات معتمدا على الراصد، فإن افتراض اجلســــــيمات كينونات أساسية يبدو غير مالئم، إذ إننا نســــــتطيع أن نقبل أن تكون سمات عديدة معتمدة على الراصد، ولكننا ال نســــــتطيع قبول ذلك عندما يكون املطلوب حتديد مقدار

لبنات البناء األساسية املوجودة.ــــــرا، يترتب على النظرية أن يكون بإمكان اجلســــــيمات وأخي quantum أن تفقد شخصيتها، ففي ظاهرة التشابك الكموميentanglement احمليرة، ميكن للجســــــيمات االندماج في منظومة

أكبر، وتتخلى عــــــن اخلاصيات التي متيز إحداها عن األخرى، فاجلســــــيمات املفترضة ال تشترك في ســــــمات جوهرية كالكتلة والشحنة فحسب، بل إنها تشترك في خاصيات مكانية وزمانية مثل مدى املواضع التي ميكن العثور عليها فيها. وعندما تتشابك اجلسيمات، يفقد الراصد أي وسيلة تسمح له بتمييز جسيم من

آخر. فهل يكون عندك في هذه املرحلة كائنان اثنان فعال؟ر احلكم ببســــــاطة بأن ما كان سيؤلف جسيمني وميكن ملنظاثنني هو في احلقيقة كائنان منفردان منفصالن، ويدعو الفالسفة primitive »هذا اإلمالء »احلالة البدائية الســـم اإلشـــارة هـــذا

thisness. بالتعريف، فــــــإن حالة هذا البدائية غير قابلة للرصد،

وأغلب الفيزيائيني والفالســــــفة تراودهم شكوك كثيرة في مثل هذه احلركات الظرفية )املوجودة وفقا ملا متليه الظروف(. ويبدو أن البديل هو عدم وجود جســــــيمني اثنني، فاملنظومة املتشابكة تســــــلك مســــــلك كائن واحد متكامل غير قابل لالنقسام، ويفقد

مفهوم جزء معناه هنا، فما بالك مبفهوم جسيم.إن هــــــذه املشــــــكالت النظرية املتعلقة باجلســــــيمات تواجه particle التجربة. ترى، ما الذي تكتشفه كواشف اجلسيماتــــــم تكن جســــــيمات؟ وتكمــــــن اإلجابة عن هذا detectors إذا ل

inference )2(السؤال في أن اجلســــــيمات هي دوما اســـتداللوجل ما يسجله الكاشف هو عدد كبير من استثارات منفصلة ملادة احملـــس sensor. وثمة مشــــــكالت تواجهنا عندما نصل النقاط بعضها ببعض لنستنتج وجود جسيمات لها مسارات ــــــه: ثمة قلة من تفســــــيرات ميكــــــن حتديدها فــــــي وقتها. )تنبيم بداللة مســــــارات معرفة جيدا، لكنها ــــــاء الكمومية تقد الفيزيتعاني صعوبات خاصة بها، وســــــأتقيد في هذه املقالة بوجهة النظر القياسية ]انظر: »بديل نظرية بوم حول تفسير امليكانيك

الكمومي«، ، العددان 7/6 (1995)، ص 54[.(إذن، دعنا جنرد ما توصلنا إليه. إننا نتخيل اجلســــــيمات كما لو كانت كرات بلياردو صغيرة، لكن ما يدعوه الفيزيائيون املعاصــــــرون »جســــــيمات« مختلف متاما عن هــــــذه الصورة ــــــة. فوفقا لنظرية احلقل الكمومي، الميكن حتديد موقع املتخيلاألشــــــياء في أي منطقة محدودة من املكان، بصرف النظر عن مدى كبرها أو غموض شــــــكلها. إضافة إلى ذلك، يتوقف عدد اجلســــــيمات املفترضة على حالة املراقب احلركية. ويبدو أن هــــــذه النتائج - عندما تؤخذ مبجملها - تشــــــكل إعالنا ملوت ــــــي تذهب إلى أن الطبيعة مكونة من أشــــــياء متاثل الفكرة الت

جسيمات شبيهة بالكرات.واعتمادا على هذه األفكار اخلالقة وغيرها، البد أن يعتقد املرء أن تســــــمية »فيزياء اجلسيمات« مغلوطة: فعلى الرغم من استمرار حديث الفيزيائيني عن جسيمات فال وجود ملثل هذه األشياء. وميكن للمرء أن يعتمد »اجلسيم الكمومي،«)3( ولكن ما الذي يســــــوغ استخدام كلمة »جسيم« إذا لم يبق أي شيء تقريبا من املفهوم التقليدي للجسيم؟ إنه من األفضل أن نهجر ــــــك مؤملا. ويعتبر البعض هــــــذا املفهوم برمته حتى وإن كان ذلهذه الصعوبات دالئل غير مباشرة على تفسير حقلي صرف لنظرية احلقل الكمومي. فاجلسيمات وفق حجج التفكير هذه ليســــــت إال متوجات ripples في حقل ميأل املكان كله كما لو

black holes )1()2( أو: استنتاج

quantum particle )3(

Page 13: Oloom Magazine march april-2014

11 (2014) 4/3

مفارقات اجلسيمات

NOT JUST TINY BILLIARD BALLS )�(

إنها ليست مجرد كرات بلياردو صغيرة)�(ســـوف تســـامح العتقـــادك أن فيزياء اجلســـيمات فـــرع معرفـــي يعنى باجلســـيمات، إذ تبني في النهاية - على الرغم من التســـمية - أن »اجلســـيمات« التي تدرســـها النظرية الكموميـــة ال تتوافـــق مع املعنـــى املألوف للمصطلح الذي يعبر عنها، والذي يشـــير إلى لبنات بناء للمادة متموضعة ومنفصل بعضها عن بعض، وهي تفتقد على سبيل املثال،

إلى السمات التقليدية األربع الواردة أدناه.

اجلسيمات متموضعةاجلسيم، تعريفا، شيء يشغل موقعا محددا يتغير مبرور الزمن مع حركة

اجلسيم. لكن النظرية الكمومية - وفق فهمنا املألوف لها - التسمح

ألي شيء بامتالك مثل هذا املسار. ومع أن وجود أجهزة - مثل حجرات

الفقاعات - تظهر آثارا ملسارات، فمن اخلطأ االستنتاج بوجود أشياء

تتحرك في الفضاء مثل الكرات. إن هذه اآلثار ليست إال سلسلة من

األحداث.

ال شيء ميكن حدوثه في غياب اجلسيمات

ن املادة، إذا كانت اجلسيمات تكوفعندها ينبغي للخالء - احلالة التي

ال حتوي أي جسيمات - أال يظهر أي نوع من النشاط. لكن النظرية الكمومية تتنبأ بأننا إذا وضعنا

عداد گايگر - أو جهازا مماثال - في مكان ما ضمن اخلالء، فإنه سيستمر بتسجيل وجود مادة. لذلك، ال ميكن

للمادة أن تتألف من األشياء التي تستحضرها منطيا كلمة »اجلسيم«.

يكون اجلسيم إما موجودا أو غائبا

يجري الفيزيائيون اختبارا بسيطا لتحديد ما إذا كان شيء ما حقيقيا أو ال: ينبغي على جميع الراصدين أم يكونوا قادرين على االتفاق على

وجوده أو غيابه. وتفشل »اجلسيمات« التي يكشفها الفيزيائيون في الطبيعة

في هذا االختبار. فإذا رأى راصد ساكن خالء باردا، فإن راصدا متسارع احلركة يرى غازا دافئا من اجلسيمات، وهذا يوحي أن اجلسيمات هي نوع ما

من السراب.

للجسيمات خاصيات محددة

من املفروض أن يكون للجسيمات طاقة، زخم momentum، اندفاع وهلم

جرا. لكن امليكانيك الكمومي يسمح للكائنات بأن تغدو متشابكة، بحيث

تعمل كوحدة من دون أي وصالت مادية واضحة بينها. وفي هذه احلالة،

تتوقف اجلسيمات املفترضة عن امتالك خاصيات محددة، واملنظومة اإلجمالية

وحدها هي التي تكون لها خاصيات.

ما نراه/ نحسبه/ نفعلهما نستنتجهما سبب خطأ استنتاجا

جل ما نراه حقيقة هو تتال فقاعات - ومن اخلطأ وصل

بعضها ببعض

سوف يصدر عدادگايگر Geiger صوتا

يرى راصد متسارع احلركةغازا دافئا من اجلسيمات

متتلك املنظومة اإلجماليةوحدها سبينا )تدوميا( محددا

جسيمات تطير في احلجرة مخلفة آثار مساراتها

لن يكشف مسبار قياس - مثل عداد گايگر - أي شيء

سوف يرى راصدآخر خالء باردا أيضا

لكل جسيم سبني)تدومي( خاص به

آثار مسارات في حجرة فقاعات

حقل في حالته اخلالئية

يرى راصد خالء باردا

أنتج زوجا مناجلسيمات املتشابكة

Page 14: Oloom Magazine march april-2014

12(2014) 4/3

كان مائعا خفيا. ومع ذلك وكما سنرى، ال ميكن لنظرية احلقل ر ببساطة بداللة حقول. الكمومي أن تفس

املشكلة مع احلقول)��(تشير تسمية »نظرية احلقل الكمومي« ضمنا وبطريقة طبيعية إلى نظرية تعنى بالنسخ الكمومية للحقول التقليدية، مثل احلقلني الكهربائي واملغنطيسي. ولكن ماذا نعني بالنسخة الكمومية quantum version؟ تستحضر كلمة »احلقل« حقوال مغنطيسية

جتعل برادة احلديد تتراصف حول قضيب مغنطيس، وحقوال كهربائية جتعل الشــــــعرة تقف على أحد طرفيها، ولكن احلقل الكمومي مختلف جدا عن احلقل التقليدي لدرجة جتعل حتى

الفيزيائيني النظريني، يقرون بعجزهم عن رؤيتها إال بالكاد.تقليديا، يرفق كل حقل بكمية فيزيائية - كدرجة احلرارة أو شدة احلقل الكهربائي - بكل نقطة في الزمكان spacetime. أما

احلقل الكمومي فهــــــو يقرن، بدال من الكمية الفيزيائية، كينونات رياضياتية ــــــوع القياســــــات التي مجــــــردة متثل نميكنك القيام بها، وليس النتيجة التي سوف حتصل عليها. ومتثل بعض هذه اإلنشــــــاءات الرياضياتية فعال مقادير ــــــة، ولكن ال ميكن أن تقرن هذه فيزيائيــــــم بنقاط في الزمــــــكان، بل تعزى القي

فقط إلى مناطق مشذبة مغشاة.بتطوير الفيزيائيون قام تاريخيا، ــــــة احلقل الكمومي عبر »تكميم« نظريالتقليدية. نظرية احلقــــــل quantizing

وفي هذه اإلجرائية يأخذ الفيزيائيون ــــــم ــــــة ويســــــتبدلون فيهــــــا بالقي معادلالفيزيائية مؤثـــرات operators متثل كاملفاضلة ــــــة الرياضياتي ــــــات العمليأو اســــــتخراج جذر تربيعي، وميكن ــــــرات أن توافق إجرائيات لبعض املؤثفيزيائية محددة، كإصدار الضوء أو ــــــرات طبقة امتصاصــــــه. وتضع املؤثــــــة والواقع ــــــني النظري مــــــن التجريد باحلقيقــــــي. فاحلقل التقليدي يشــــــبه خريطة طقس تبني درجة احلرارة في مدن متنوعة، في حني تشــــــبه النسخة الكمومية خريطة طقس ال تريك العبارة »40 درجة« بل اإلشــــــارة »√«. وعليك إذا أردت احلصول على قيمــــــة درجة احلرارة الفعلية أن تقوم بخطــــــوة إضافية عبر تطبيق املؤثر على كائن رياضياتي آخر - يعرف باســــــم متجه احلالة state vector، الذي ميثل تشــــــكيل

املنظومة قيد الدراسة.ومن وجهة النظر العامة، ال تبدو هذه اخلصوصية للحقول ــــــك الكمومي - النظرية التي بنيت الكمومية مفاجئة، فامليكانيعلى أساســــــها نظرية احلقل الكمومي - ال يتعامل بدوره مع ــــــم محددة بل مع قيم احتمالية فقط. ومع ذلك، فإن الوضع، قيأنطولوجيا)1(، يبدو أكثر غرابة في نظرية احلقل الكمومي ألن الكينونات األساسية املفترضة - احلقول الكمومية - ال تقوم ــــــد أي قيم احتمالية؛ بل ينبغي، بغية احلصول على هذه بتحدي

القيم، دمجها في متجه احلالة.NO FIELD OF DREAMS )�(

THE TROUBLE WITH FIELDS )��(ontologically )1(

فشل احلقولال حقل أحالم)�(

فــــي الرئيســــية نظريتهــــم الفيزيائيــــون يدعــــو املــــادة »نظرية احلقــــل الكمومي«. ويبدو من هذه التسمية أنها نظرية حقول. ومع ذلك، فاحلقول التــــي تفترضهــــا النظريــــة ليســــت مــــا يفهمه

الفيزيائيون تقليديا من كلمة »حقل«.

حقل تقليديتعريفا، احلقل مادة شبيهة باملائع تقريبا متأل املكان، وكل نقطة فيه لها حالة قابلة

للقياس. إننا نورد احلقل الكهربائي كمثال، حيث يكون مدى amplitude احلقل

أكبر حول األسالك واألشياء املشحونة كهربائيا، وهكذا. وإذا وضعت جسيما مشحونا في مكان ما من الفضاء، فإن

املدى يحدد مقدار القوة التي سوف يشعر ف بها اجلسيم ومعدل تسريع حركته. ويعر

احلقل أيضا االجتاه الذي سوف يتسارع وفقه اجلسيم )غير ظاهر في الشكل(.

حقل كموميال تالئم احلقول التي تصفها النظرية

الكمومية هذا التعريف التقليدي. فالنقطة في الفضاء ال تأخذ كمية فيزيائية

محددة، بل طيفا من الكميات املمكنة. وتعتمد القيمة التي اختيرت فعال على

بناء رياضياتي منفصل يعرف باسم متجه احلالة state vector، وهو شيء

ال يخصص له أي موضع محدد، بل إنه يشمل الفضاء كله.

تعرف العملية الرياضياتية قيمة احلقل

لكل موضع قيمة متقطعة

Page 15: Oloom Magazine march april-2014

13 (2014) 4/3

ــــــى متجه احلالة ــــــى تطبيق احلقل الكمومي عل واحلاجة إلجتعل النظرية مســــــتعصية على التفسير، وعلى الترجمة إلى شــــــيء فيزيائي ميكنك تخيله والتعامــــــل معه في ذهنك. فمتجه احلالة شــــــمولي، إذ إنه يصف املنظومة كاملة وال يشــــــير إلى أي موقع خاص. فدور متجه احلالة يقوض الســــــمات احملددة للحقول واملتمثلة في أنها ممتدة ومنتشرة عبر الزمكان. ويسمح لك حقل تقليدي بتصور ظاهرة - كالضوء - بصفتها انتشارا ــــــزع احلقل الكمومي هــــــذه الصورة ملوجــــــات عبر املكان. وين

ويجعلنا ضائعني ومرتبكني في شرح كيف يعمل العالم.ومن الواضح إذن، أن الصورة املعيارية للجسيمات األولية وحلقول القوى الوسيطة بينها ال متثل أنطولوجيا مرضية للعالم الفيزيائي. ومــــــن غير الواضح على اإلطالق ماهية جســــــيم أو حقل. وهناك إجابة مألوفة تكمن في القول إنه ينبغي النظر إلى نوعي اجلسيمات واحلقول كليهما على أنهما مظهران متكامالن للحقيقة، لكن هذا التشــــــخيص ال يســــــاعدنا، ألن كال املفهومني ــــــح حتى في تلك احلاالت التي يفترض أن نشــــــاهد فيها اليصلبوضــــــوح تام هذا املظهر أو ذاك. وحلســــــن احلظ، ال تســــــتنفد ontologies ــــــع األنطولوجيـــات صورتا اجلســــــيم واحلقل جمي

املمكنة لنظرية احلقل الكمومي.

بنى تنقذنا؟)�(يعتقــــــد عدد متزايد مــــــن الناس أن ما يهم حقيقــــــة ال يكمن في األشــــــياء بل فــــــي العالقات بينها. وتتعــــــارض وجهة النظر هذه ــــــة للعالم املادي بدرجة ــــــة أو النقطية التقليدي مع املفاهيم الذريأعلى مما تستطيع فعله أي تغييرات - مهما بلغت شدتها - في

أنطولوجيات احلقول واجلسيمات.فــــــي البدء، جاء هــــــذا الوضع - املعروف باســــــم الواقعية البنيويـــة structural realism - ضمن نســــــخة معتدلة نســــــبيا epistemic structural تعرف باســــــم الواقعية البنيوية املعرفيةrealism. وهــــــي تنص على ما يلي: من املمكن أال نصل أبدا إلى

معرفة الطبيعة احلقيقية لألشــــــياء، وجل مــــــا ميكن معرفته هو العالقات التي تربط هذه األشــــــياء بعضها ببعض. لنأخذ الكتلة ــــــا ال نرى إال ما ــــــك رؤية الكتلة فعال؟ ال، إنن مثال، فهل ســــــبق لتعنيه الكتلة بالنسبة إلى كينونات أخرى، أو - بشكل محسوس أكثر - إننا نرى كيف يتآثر جســــــم ثقيل بجسم ثقيل آخر بفعل احلقـــل التثاقلي املوضعـــي)1(. فبنية العالم، التي تعكس كيفية االرتباط بني األشياء، هي اجلزء األكثر ثباتا وقوة في النظريات الفيزيائية. ومع أنه ميكن لنظريات جديدة أن تقلب مفاهيمنا عن لبنات بناء العالم األساسية، لكنها تنحو إلى اإلبقاء على البنى.

وهكذا ميكن للعلماء حتقيق تقدم في هذا املضمار.

واآلن، يبزغ السؤال التالي: ما هو السبب الكامن وراء إمكاننا رؤية العالقات بني األشياء من دون رؤية األشياء نفسها؟ واإلجابة املباشــــــرة هي أن العالقات هي كل ما هو موجود. وهذه القفزة جتعــــــل الواقعية البنيوية اقتراحا جذريا أكثر يســــــمى الواقعية

.ontic structural realism البنيوية احلقيقية الوجودإن العدد الضخم من التناظرات في الفيزياء املعاصرة يدعم واقعية بنيوية حقيقية الوجود. وهناك في امليكانيك الكمومي - كما في نظرية <أينشــــــتاين> في التثاقــــــل - تغيرات معينة في تشكيل العالم تسمى حتويالت تناظرية)2( - ليست لها نتائج ــــــادل هذه التحويالت مع األشــــــياء املنفردة التي جتريبية. وتتبتشــــــكل العالم، لكنها تبقي على العالقــــــات فيما بينها. وباملثل، لنأخذ وجها متناظرا مرأويا، حيث تستبدل املرآة العني اليسرى بالعني اليمنى، وثقب األنف األيسر بثقب األنف األمين، وهكذا. ومع ذلك تبقى املواضع النسبية لسمات الوجه نفسها من دون تغيير. إن هذه العالقات هي ما يعرف فعال الوجه، أما وســــــمنا لها بأنها »يســــــرى« أو »مينى« فيعتمد على موقع نقطة رصدنا لهــــــا. ومتتلك األشــــــياء التي دعوناها »جســــــيمات« أو »حقوال«

تناظرات أكثر جتريدا، لكن الفكرة هي نفسها.يفضــــــل الفيزيائيون والفالســــــفة، وفقا ملبدأ شـــفرة أوكامOccam's razor، األفكار التي تفسر الظواهر نفسها عبر فرضيات

أقــــــل. وفي هذه احلالة، ميكنك أن تنشــــــئ نظرية صاحلة متاما بافتراضــــــك وجود عالقات محددة مــــــن دون افتراض إضافي بوجود أشــــــياء منفردة. وهكذا يقول أنصــــــار الواقعية البنيوية احلقيقية الوجود إنه ميكن التخلي أيضا عن األشياء وافتراض

أن العالم مكون من بنى أو من شبكات من العالقات فقط.وفي حياتنا اليومية، نقابل أوضاعا كثيرة حيث العالقات وحدهــــــا هي املهمة، وحيث وصف األشــــــياء التي توجد بينها عالقــــــات يصرف انتباهنا عن املهم. وعلى ســــــبيل املثال، من ــــــرو األنفاق أن تعــــــرف كيفية ترتبط املهم جدا في شــــــبكة متــــــدن، ترتبط محطة احملطــــــات املختلفة بعضها ببعض. ففي لنالقديس بولس مباشــــــرة مبحطة Holborn في حني يجب عليك ــــــر اخلطوط إذا مــــــا انطلقت من محطــــــة Blackfriars مرة تغييــــــى األقل، مع أن كون محطــــــة Blackfriars أقرب إلى محطة علHolborn من محطــــــة القديس بولس. وما يهم في املقام األول

ــــــة الوصالت والروابط، في حني أن جتديد محطة مترو هو بنيBlackfriars حديثا لتغدو محطة عصرية جميلة اليعني شــــــيئا

ملسافر يحاول التنقل بواسطة شبكة املترو.ــــــة من حتقيقها ثمــــــة أمثلة أخرى عــــــن بنى تعد أكثر أهمي

STRUCTURES TO THE RESCUE? )�(the local gravitational field )1(symmetry transformations )2(

Page 16: Oloom Magazine march april-2014

14(2014) 4/3

املادي هــــــي الشــــــبكة العنكبوتية العاملية )الوب Web(، والشبكة العصبية للدماغ، واجلينوم)genome )1. وهذه البنى تستمر بالعمل حتى عندما ميوت بشــــــكل منفرد ــــــا والذرات كل من احلواســــــيب واخلاليــــــاس. وتقدم هذه األمثلة تشــــــابهات والنجزئية غير قوية مــــــع أنها قريبة جوهريا

من احلجج التقنية التي تصلح في نظرية احلقل الكمومي.وهناك أسلوب تفكير يســــــتخدم التشابك الكمومي ليدعم فكرة كون البنى أساس الواقع احلقيقي. إن تشابك جسيمني ــــــع اخلاصيات الذاتية كموميني له أثر شــــــمولي. فمعرفة جميالداخلية املنشأ intrinsic، كالشحنة الكهربائية، واخلاصيات العرضية اخلارجية املنشـــأ extrinsic، كاملوضع جلســــــمني، مازالت ال تسمح بتحديد حالة منظومتهما؛ ألن الكل أكبر من مجرد مجموع أجزائه. فالصــــــورة الذرية للعالم، التي يتحدد ــــــات لبنات البناء األكثر أولية كل شــــــيء فيها من خالل خاصيــــــة ترابط بعضها ببعض في الزمــــــكان، تنهار. وبدال من وكيفياعتبار اجلسيمات رئيسية والتشابك ثانويا، ينبغي علينا رمبا

أن نفكر في هذا األمر بطريقة معاكسة.وقد يبدو لك األمر غريبا في أن توجد عالقات من دون وجود أشياء ترتبط بهذه العالقات، فاألمر يبدو كإجراء زواج من دون زوجني. فلســــــت وحيدا في أن جتد ذلك األمر غريبا. وكثير من الفيزيائيني والفالسفة يجدون األمر غريبا أيضا، ويعتقدون أنه من احملال احلصول على أشــــــياء انطالقا من عالقات. ويحاول بعض أنصار الواقعية البنيوية احلقيقية الوجود أن يجدوا تسوية تعتبر حال وسطا، فهم ال ينكرون وجود األشياء، بل إنهم يدعون ontologically فقط أن العالقات أو البنى هي بدائية أنطولوجياprimary. وبعبارة أخرى، ال متتلك الكائنات واألشياء خاصيات

ــــــة، بل مجرد خاصيات تنجم عن عالقاتها بأشــــــياء أخرى. ذاتيلكن هذه التســــــوية تبدو ضعيفة، فاجلميع سوف يوافق على أن العالقات أشياء ترتبط بهذه العالقات، فالوضع الوحيد اجلديد والالفت للنظر هو أن كل شيء ينشأ بناء على عالقات حصرا. وعمومــــــا، فإن الواقعية البنيوية فكرة مثيرة واســــــتفزازية لكنها ــــــل أن نعرف ما إذا كانت قادرة على حتتاج إلى تطوير أكثر قب

إنقاذنا من مشكلة التفسير التي نعانيها.

حزم من اخلاصيات)�(ــــــق بديل ثان ملعنى نظرية احلقل الكمومي من فكرة عميقة ينطلبسيطة. فمع أن التفسيرين اجلسيمي واحلقلي يعتبران تقليديا مختلفني جذريا أحدهما عن اآلخر، فإنهما يشتركان في شيء

واحد حاسم، وهو أن كليهما يفترض كون اللبنات األساسية ــــــم املادي كينونات منفردة دائمــــــة ميكن عزو اخلاصيات للعالإليها. وهــــــذه الكينونات إما جســــــيمات أو - في حالة نظرية احلقــــــل - نقاط في الزمكان. ويعتقد العديد من الفالســــــفة - وأنا من ضمنهم - أن هذا التقســــــيم إلى أشــــــياء وخاصيات ــــــد وراء تعرض كل من املقاربتني ميكن أن ميثل الســــــبب البعياجلسيمية واحلقلية لصعوبات. ونعتقد أنه من األفضل النظر

إلى اخلاصيات على أنها وحدها تشكل الفئة األساسية.ــــــاس أن اخلاصيات هــــــي عبارة عن ــــــا، يعتقد الن وتقليديشـــموليات universals، أو بعبارة أخرى، أنها تنتمي إلى فئة عامة مجردة. وهذه اخلاصيات متتلكها أشياء وكائنات خاصة؛ فهي ال تستطيع الوجود مستقلة عن غيرها. )على نحو ال ريب فيه، كان أفالطون يعتقد بوجود اخلاصيات مبعزل عن غيرها، لكــــــن فقط في عالم أعلى مختلف عن العالم املوجود في املكان والزمان(. وعلى ســــــبيل املثال، عندما تفكر في اللون األحمر، فإنك تفكر عادة في أشــــــياء محددة حمراء اللون، وليس ببند عائم بحرية يســــــمى »احمرارا« أو »حمرة«. لكن من املمكن أن تفكر في األمر بطريقة معكوســــــة، وهي اعتبار أن للخاصيات وجودا قائما بذاته بشكل مستقل عن الكائنات التي تتمتع بها. وميكن للخاصيات أن تكون ما يدعوه الفالسفة خصوصيات particulars - وهــــــي كينونات منفردة واقعية. وما ندعوه عادة

شــــــيئا قد ال يكون إال حزمة من اخلاصيات: اللون والشــــــكل واالتساق، وما إلى ذلك.

ــــــات - باعتبارها وملــــــا كان هــــــذا املفهــــــوم عــــــن اخلاصيخصوصيات بدال من أن تكون شموليات - مختلفا عن النظرة التقليدية لها، فقد أدخل الفالسفة تعبيرا جديدا لوصفها هو: ــــــدو األمر طريفا إلى حد ما، ولســــــوء املجازيـــات tropes. ويبــــــر دالالت غير مناســــــبة، لكن احلــــــظ، يســــــتحضر هذا التعبي

استخدامه صار اآلن راسخا وشائعا.إن تخيل األشــــــياء بصفتها حزما من اخلاصيات يختلف عن الكيفية التي نتصور بها العالم عادة، ولكنه يغدو أمرا أقل غموضا إذا ما حاولنا هجر ما تعلمناه عن طريقة تفكيرنا عادة في العالم، وعدنا بأنفســــــنا إلى الســــــنوات األولى من حياتنا. ــــــا أطفاال نرى ونتلمس كرة للمــــــرة األولى، فإننا في فحني كنالواقع لم نكن ندرك أن ما لدينا كرة - على وجه التدقيق - بل إن ما كنا نعيه هو شكل دائري بظالل حمراء اللون مع ملمس مرن معني. وال نربط إال الحقا بني هذه احلزمة من املالحظات وكائن متماسك من نوع معني، وأعني بذلك الكرة. فعندما نرى

BUNDLES OF PROPERTIES )�()1( مجموع جينات اإلنسان

Page 17: Oloom Magazine march april-2014

15 (2014) 4/3

كــــــرة في املرة التالية، فإن جوهر مــــــا نقوله هو: »انظر، كرة«، ساهني عن مدى غنى األدوات املفهوماتية التي يتضمنها هذا

اإلدراك املباشر ظاهريا.ــــــى اإلدراكات ــــــا مجازية، نعــــــود ثانية إل وفــــــي أنطولوجيواملشاعر املباشرة للطفولة، فاألشياء في العالم خارجا ليست إال حزما من اخلاصيات. وليس املوضوع هو وجود كرة أوال ــــــل هو وجود خاصيات ندعوها كرة. ثم قرن خاصيات بها، ب

وال شيء متتلكه الكرة سوى خاصياتها.ــــــق هذه األفكار على نظرية احلقل الكمومي، ميكننا وبتطبيالقول إن ما ندعوه إلكترونا هو في احلقيقة حزمة من اخلاصيات أو املجازيات املتنوعة: ثالث خاصيات ثابتة وأساســــــية وهي الكتلة والشحنة والسبني)spin )1، إضافة إلى خاصيات عديدة متغيرة وغير أساسية املوضع والسرعة. ويساعد هذا املفهوم املجازي على إعطاء معنى معقول للنظرية. وعلى سبيل املثال، elementary particles تتنبأ النظرية بقدرة اجلســـيمات األوليةعلى أن تأتي إلى الوجود وتخرج منه بســــــرعة، ويكون سلوك اخلالء في نظرية احلقل الكمومي مذهال وعجيبا بوجه خاص: فمع أن القيمة املتوسطة لعدد اجلسيمات تساوي الصفر، فإن اخلالء يعج بالنشــــــاط وهناك عمليات )إجرائيات( حتدث في األزمنة واألوقات جميعها، مبا في ذلك عمليات اخللق واإلفناء

التالي جلميع أنواع اجلسيمات.تنطوي هذه الفعالية في أنطولوجيا جسيمية على مفارقات. فإذا كانت اجلســــــيمات أساســــــية، فكيف تأتى لها أن تخلق ــــــذي كونها؟ ويكون الوضــــــع طبيعيا في وتغــــــدو مادة؟ فما الأنطولوجيا مجازية، فاخلالء - ومع أنه خال من اجلسيمات - ع م له خاصيات، واجلســــــيم هو الذي حتصــــــل عليه عندما جت

هذه اخلاصيات نفسها في حزمة بطريقة معينة.

الفيزياء وما وراء الطبيعة)�(ــــــف ميكن ملثل هــــــذا القــــــدر الكبير من اجلــــــدل واخلالف كياألساســــــيني أن يحتدم حول نظرية ناجحــــــة جتريبيا كنظرية احلقل الكمومي؟ إن اإلجابة عن هذا الســــــؤال مباشرة. فمع أن النظرية تعلمنا مبا ميكننا قياســــــه، فهي ال تتكلم إال بألغاز ــــــات - مهما كانت - التي عندمــــــا يتعلق األمر بطبيعة الكينونتؤدي إلى بروز مالحظاتنا. وتقوم النظرية بتفسير مالحظاتنا ــــــات وفوتونات وحقول كمومية متعددة، بداللة كواركات وميونلكنها ال تخبرنا شــــــيئا عن حقيقة ماهية الفوتون - أو احلقل الكمومــــــي. إنها ال حتتاج إلى ذلك ألنه ميكن لنظريات الفيزياء أن تكــــــون صاحلــــــة جتريبيا إلى حد بعيد مــــــن دون حل هذه

.metaphysical األسئلة الواقعة في مجال ما وراء الطبيعة

ــــــد مــــــن الفيزيائيني. فهم ــــــر هذا األمــــــر كافيا للعدي ويعتب ،instrumentalist attitude يعتمدون ما يسمى موقفا ذرائعياــــــك برفضهم أن هدف نظريات العلمية هو، في املقام األول وذلــــــل العالم، ألنها - بالنســــــبه إليهم - مجــــــرد أدوات تقوم متثيــــــدى أغلب العلماء حدس قوي بتنبؤات جتريبية. ومع ذلك، فلبأن نظرياتهم تقوم، على األقل، بوصف وتصوير بعض مظاهر الطبيعة كما هي فعال، وذلك قبل القيام بأي قياس. وفي نهاية

األمر، ما الذي يفعله العلم إذا لم يكن فهم العالم؟إن احلصول على صورة شــــــاملة للعالم الفيزيائي يتطلب توحيد الفيزياء والفلســــــفة. وهذان الفرعــــــان املعرفيان يكمل أحدهما اآلخر. ويزودنا ما وراء الطبيعة بأطر متنوعة متنافسة ــــــا العالم املــــــادي، مع أنه ال يســــــتطيع - فيما خال ألنطولوجيمسائل تتعلق باالتساق الداخلي - الفصل بينها. هذا وتفتقر الفيزياء، من ناحيتها، إلى وصف متسق لشؤون أساسية، من مثل تعريف األشياء ودور الفردية وحالة اخلاصيات والعالقة

بني األشياء واخلاصيات ومعنى املكان وكذلك الزمان.ــــــن مهما بوجه خاص ــــــني فرعي املعرفة هذي واالجتماع بعندما يجد الفيزيائيون أنفســــــهم يراجعون األســــــس نفسها ملوضوع دراســــــاتهم. لقد وجه تفكيــــر مــــا وراء الطبيعة)2( ــــــن> و <A. أينشــــــتاين>، وهــــــو يؤثر فــــــي الكثير ممن <I. نيوت

يحاولون توحيد نظرية احلقل الكمومي ونظرية <أينشــــــتاين> فــــــي التثاقل. فقد ألف الفالســــــفة كتبا ونشــــــروا بحوثا متأل ــــــة الثقالة، في حني ال ــــــات عن امليكانيك الكمومي ونظري مكتبنزال فــــــي بداية الطريق نحو استكشــــــاف احلقيقة املتضمنة في نظرية احلقل الكمومي. وميكن للبدائل عن وجهتي النظر املعتمدتني: اجلســــــيمية واحلقلية، اللتني نقوم بتطويرهما، أن تلهم فيزيائيني في ســــــعيهم وكفاحهــــــم نحو حتقيق التوحيد

> .the grand unification العظيمPHYSICS AND METAPHYSICS )�(

)1( أو: التدويمmetaphysical thinking )2(

Scientific American, August 2013

مراجع لالستزادةAn Interpretive Introduction to Quantum Field Theory. Paul Teller. Princeton University Press, 1995. No Place for Particles in Relativistic Quantum Theories? Hans Halvorson and Rob Clifton in Philosophy of Science, Vol. 69, No. 1, pages 1–28; March 2002. Available online at http://arxiv.org/abs/quantph/0103041Ontological Aspects of Quantum FieldTheory. Edited by Meinard Kuhlmann, Holger Lyre and Andrew Wayne. World Scientific, 2002. Against Field Interpretations of Quantum Field Theory. David John Baker in British Journal for thePhilosophy of Science, Vol. 60, No. 3, pages 585–609; September 2009. http://philsci-archive.pitt.edu/4132/1/AgainstFields.pdf The Ultimate Constituents of the Material World: In Search of an Ontology for FundamentalPhysics. Meinard Kuhlmann. Ontos Verlag, 2010. Quantum Field Theory. Meinard Kuhlmann in Stanford Encyclopedia of Philosophy, Winter 2012. http://plato.stanford.edu/archives/win2012/entries/quantum-field-theory

Page 18: Oloom Magazine march april-2014

16(2014) 4/3

انتشال حطام سفينة)�( إن أصغر خطأ يرتكب أثناء إعادة تعومي السفينة السياحية املنكوبة

»كوستا كونكورديا« سوف يؤدي إلى إغراقها، ومن ثم إلى كارثة بيئية.<L .B. نيدو>

قبل ثمانية عشــــــر شهرا، اصطدمت الســــــفينة السياحية Giglio ــــــو ــــــا« بجزيرة جيگلي الضخمــــــة »كوســــــتا كونكورديــــــرة، على بعد 12 ميال من الســــــاحل الغربي إليطاليا. الصغيوفي غضون دقائق، جنحت الســــــفينة البالغ طولها 950 قدما ابها إلى البحر؛ فلقي 32 شخصا منهم على جانبها قاذفة برك

مصرعهم، فيما أصيب 64 آخرون بإصابات خطرة.في القريب العاجل، سوف يحاول املهندسون املختصون رفع الســــــفينة اجلانحة إلى أعلى حتى تطفو فوق ســــــطح البحر. فقد ــــــق هيكلها بنتوءات صخرية مســــــننة على عمق 60 قدما حتت علاملاء، فأخــــــذ بالصرير والتأرجح على نحــــــو خطر مع كل موجة واردة تصطدم بحافة املنحدر الشــــــديد امليل الذي ميتد مســــــافة 200 قدم إلى قاع البحر. فإذا سارت العملية على النحو املتوخى،

فإنها ســــــتكون أعظم إجناز في تاريخ إنقاذ السفن وانتشالها. وإذا حدث خطأ واحد فقط، فإن الســــــفينة سوف تتمزق إربا أو ــــــر حملمية بيالگوس اخلاصة تغــــــرق كليا، مؤدية إلى تلوث خطيــــــرة جيگليو، وهي ــــــات البحر املتوســــــط والتي حتيط بجزي بثديي

ــــــر محمية من نوعها في أوروبا. فاملياه هنا أكبمتثل مالذا للدالفني وخنازير البحر وصغار

احليتان والعشرات من املخلوقات البحرية األخــــــرى. أمــــــا الشــــــعاب املرجانية

البحر قــــــاع فتبطــــــن ــــــة، اخلالبمباشرة حتت السفينة اجلانحة

التي بدأ الصدأ يأكلها.

ومع أن زوارق الشفط قد قامت بسحب الوقود من خزانات كونكورديا، فإن احملركات الستة العمالقة من طراز وارتسيال، ــــــك غرفة احملركات، ال تزال حتتجــــــز كميات ضخمة من وكذلوقود الديزل ومواد التزليق الزيتية التي سوف تنسكب جميعا في مياه البحر الصافية إذا غرقت السفينة. وسوف تطلق كل حاوية موجودة على ظهر السفينة إلى البحر بتأثير ضغط املاء أيضا آالف الگالونات من املواد الكيميائية، من مواد التنظيف والطالءات. وحينما غادرت السفينة امليناء كانت قد زودت قبل ثالث ساعات من جنوحها مبواد غذائية إلطعام 4229 شخصا مدة 10 أيام، ووضع معظم تلك األطعمة في مجمدات ميكن أن تتحطم. وســــــوف تصدأ وتتآكل corrode أطنان ال حتصى من

معادن السفينة في مياه البحر. عادة، يجري تفجير حطام السفن التي من هذا احلجم، أو

يغرق في البحر. ولكن وزارة البيئة اإليطالية ساندت سكان جزيرة جيگليو في الضغط على مجموعة سفن كوستا

الســــــياحية لرفع الســــــفينة وتعوميها وجرها إلى RAISING THE WRECK )�(

باختصارــــــت أي هفوة، فإنها بحــــــري على اإلطــــــالق. بيد أنه إذا حصلســــــتؤدي إلى حتطم السفينة الضخمة أو غرقها، ومن ثم إلى حتطيم الشــــــعاب املرجانية وسكب محتويات السفينة السامة ــــــؤوي ثدييات فــــــي محمية بيالگــــــس احمليطة باجلزيرة التي ت

البحر املتوسط.

من املفترض تخليص سفينة »كوستا كونكورديا« السياحية اإليطالية اجلانحة من صخور جزيرة جيگليو الصغيرة وجرها ــــــدا بعد تعوميها، وذلك في إطار إجراء مكثف يتمثل بتطويق بعي

هيكل السفينة بسالسل مزدوجة لتجليسها.فإذا جنحت العملية، فإنها سوف تكون أعظم عملية إنقاذ

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

Page 19: Oloom Magazine march april-2014

17 (2014) 4/3

اليابسة، وذلك حفاظا على شاطئ اجلزيرة الصافية ومياهها. وحاملا تستعاد السفينة، سوف تباشر الشرطة أيضا بالتحقيق في حالة أجزاء السفينة الداخلية املائية، وهي مسرح جلرمية قد ينطوي على دليل يدين <F. ســــــكتينو> ربان الســــــفينة الذي اتهم بالقتل غير العمد والتخلي عن السفينة. وجتدر اإلشارة ــــــى أن اثنني مــــــن الضحايا ال يزاالن في عــــــداد املفقودين، إل

ويتوقع تفكيك هيكل السفينة عقب انتهاء التحقيق. ويقوم بعملية اســــــتعادة السفينة <N. سلون> ]خبير اإلنقاذ اجلنوب إفريقي الوسيم املستقل[ وهو يبلغ من العمر 51 عاما، ويشــــــتهر بتنفيذ عمليات اإلنقــــــاذ دون مهابة املخاطر. لقد كان <سلون>، الذي استأجرته الشركتان اللتان أبرمتا عقد استعادة

Micoperi في فلوريدا وشــــــركة Titan Salvage الســــــفينة، وهمااإليطالية، قد مارس عمليات إنقاذ في عدد من أضخم احلوادث البحرية فــــــي العالم. ويوجد لديه ملف صور على هاتفه الـنقال

جلميع السفن التي فجرها خالل فترة عمله الطويلة.أما في هذه احلالة، فلن تستعمل مواد متفجرة. بل سوف يســــــتعمل <ســــــلون> وفريقه إجرائية تطويق هيكل الســــــفينة بسالســــــل مزدوجة لرفعها، وجتــــــر كبال وبكرات الســــــفينة الضخمة ببطء من بني الصخور وجتعلها جتلس لتتخذ وضعا قائمــــــا ]انظر الصور اإليضاحية فــــــي الصفحتني 18 و 19[. وحينما تتخذ الســــــفينة الوضع القائم، سوف ترسو على ست منصــــــات ضخمة حتت املاء مصنوعــــــة من كميات من الفوالذ تفوق تلك التي اســــــتعملت في بناء برج إيڤل. ويقدر <سلون> أن عملية السحب سوف تستغرق ثماني ساعات يتمكن فريقه أثناءها من السيطرة على الوضع إلى حد ما. ويضيف قائال: ــــــم تتولى الثقالة املهمة. وإذا جنحنا في ذلك، فإن الســــــفينة »ث

سوف جتلس نفسها وتستقر على املنصات.« ولكن إذا أخفقوا في تنفيذ العمل على الوجه الصحيح، فقد تتحطم املنصات وتشق السفينة طريقها منزلقة على املنحدر إلى القاع لتمزق الشعاب املرجانية واألعشاب واحلشائش البحرية وتسحقها. ويتمثل اخلطر اآلخر في أن السفينة التي يبلغ وزنها 000 114 طن ســــــوف تتفكك من جراء ثقلها في أثناء جتليسها،

مؤدية إلى انســــــكاب محتوياتها الســــــامة في املنظومة احليوية املائية املرهفة التي تكون قد عانت كثيرا ضجيج عمليات اإلنقاذ والتلوث الناجم عنها. يقول <ســــــلون>: »لم تنب أجزاء الســــــفينة ــــــة لترفع بهذه الطريقة. فحينما ترفع، ســــــوف تســــــمع اخلارجيالطقطقــــــة الناجمة عــــــن التواء وتفكك أجزائهــــــا الداخلية، لكننا نأمــــــل بأن يبقى الغالف اخلارجي ســــــليما«. لقد أمضى طاقمه شــــــهورا في تقوية ذلك الغالف اخلارجــــــي. وأثناء جولة خاصة حــــــول احلطام ومعدات اإلنقاذ قال <ســــــلون> ملجلة ســــــاينتفيك أمريكان: »لم يســــــبق لي أن أجريت قــــــط محاولة كهذه من قبل، ــــــت أكثر حظا في ــــــت في التخطيط واإلعداد، كن لكن كلما أمعن

جناح مهمتي.« ــــــه، فلن يكون العمل قد وحتى لو جنح <ســــــلون> في مهمتــــــة إلى وضعها ــــــص على إعادة البيئ اكتمــــــل. فعقد اإلنقاذ ينــــــة الكبيرة وردم ــــــد من إزالة املنصات الفوالذي األصلي. وال بــــــع الثقوب التي حفرت في األرضية الرملية بغية إرســــــاء جميالركائز التي حتمل املنصات. وقد أراد <سلون> ترك املنصات في أماكنها لتكون موقعا ملدرســــــة لتعليم اإلنقاذ. ولكن سكان جزيرة جيگليو ال يريدون بقاء أي أثر من ذلك احلادث يذكرهم

ر فيه صفو جزيرتهم الوادعة. < باليوم الذي تعك

قوارب اإلنقاذ تشفط وقود الديزل من اخلزانات املغمورة جزئيا باملاء واملوجودة على السفينة املنكوبة »كوستا

كونكورديا«، وذلك بعد اصطدامها بجزيرة جيگليو اإليطالية.

17

Page 20: Oloom Magazine march april-2014

18(2014) 4/3

خطة اإلنقاذ

اصطدمت السفينة كوستا كونكورديا، البالغ طولها 950 قدما، باثنني من النتـــوءات الصخرية الضخمة حتـــت املاء. وبغية إبعاد الســـفينة عنهما وهي على شكل قطعة واحدة، ال بد من حتريرها من النتوأين وجتليسها. لـــذا قامـــت فـــرق اإلنقـــاذ أوال بغرز دعامـــات في الشـــاطئ ولف الســـفينة بسالســـل ملنـــع انزالقهـــا باجتاه قـــاع البحر املنحـــدر وغرقهـــا . ومن ثـــم ثبت العمال ســـت منصات فوالذية ضخمة في قـــاع البحر الگرانيتي لتوفير مكان حتط عليه الســـفينة، وفرشـــوا قـــاع البحر الصخري الوعر بآالف األكياس املمتلئة باإلســـمنت لتســـويته. وعملوا أيضا على تدعيم جســـم الســـفينة الظاهر كي ال يتكسر، وربطوه بعوامات، وهي صناديق جوفاء ممتلئة باملاء والهواء، ويساوي ارتفاع كل منها 100 قدم، لتساعد

اقلب السفينة واجعلها تطفو بغية سحبها بعيدا)�(علـــى تعومي الســـفينة بعد جتليســـها ببطء فـــي إجراء اســـتغرق ثماني ساعات يعرف بالتطويق بسالسل مزدوجة . ولقلب السفينة، تسحب ــــــاال cables تربط أعلـــى العوامـــات باملنصات، رافعـــات هيدروليكيـــة كبويضيف الشـــد احلاصل في السالســـل شيئا من التحكم. وتساعد رافعة عمالقة حتتوي على مركز التحكم الرئيســـي فـــي عملية اإلنقاذ على رفع الســـفينة واحلفاظ على اســـتقرارها حني اللزوم. وتكشـــف ميكروفونات وكاميـــرات ڤيديـــو مثبتة داخل الهيـــكل الصدئ تصدع أجزاء الســـفينة الداخليـــة وكيفية حصوله. ويقـــوم عمال اللحام بتدعيم اجلانب املهترئ وبتثبيـــت العوامـــات هناك . ومن ثم يضخ املـــاء من العوامات ببطء،

. فترتفع السفينة إلى أن تطفو، بحيث ميكن قطرها بعيدا

ما اخلطأ الذي ميكن أن يحدث؟ جتثـــم الســـفينة اجلانحة - على نحو خطر - فوق منحدر شـــديد امليل فـــي قاع البحر ميثل موطنا للشعاب املرجانية املرهفة واحلشائش البحرية ومواضع التفريخ. وميكن ألي هفوة حتصل أثناء تطويـــق هيـــكل الســـفينة بالسالســـل املزدوجة بغية جتليســـها أن تـــؤدي إلى كارثة. وإذا ســـحبت السفينة بشدة بالغة، فإنها ميكن أن تنقلب على املنصة وتقع من على متنها )a(. وإذا ما تقوضت املنصات بســـبب الثقل، انزلقت الســـفينة باجتاه األســـفل )b(. وفي كلتا احلالتني، تنسحق وتتمزق مساحات كبيرة من الشعاب املرجانية واألعشاب البحرية. وميكن للهيكل املتصدع أن يتفكك بتأثير ثقلـــه فـــي أثناء رفعـــه )c(، فينزلـــق متناثرا علـــى املنحدر وتنســـكب محتوياتـــه الســـامة في مياه الشـــاطئ. وفي احلـــاالت الثالث، ســـوف تصدأ الســـفينة الغارقة مع محتوياتهـــا وتهتـــرئ، ملوثـــة املنظومـــة احليويـــة

املائية املرهفة سنوات عديدة.

تعومي وقطر

تفريغ املاء املوجود داخل العوامات لتعومي السفينة

جر السفينة بعيدا

تدعيم

a انقالب

تضاف عوامات إلى اجلانب املتضرر

محمية بيالگوس

سردينيا

سفينة كوستا كونكورديا

إيطاليا

Flip the Ship and Float It Away )�(

Page 21: Oloom Magazine march april-2014

19 (2014) 4/3

Scientific American, August 2013

مراجع لالستزادة Parbuckling Project (official salvage Web site): www.theparbucklingproject.comGiglio News (port Web cam): http://bit.ly/nzjyqKPelagos Sanctuary: www.tethys.org/sanctuary.htm

Barbie Latza Nadeau<نيدو> صحفية أمريكية ورئيسة مكتب مجلة نيوزويك والديلي بيست في روما، وهي

تعمل حاليا على كتابة رواية عن كارثة السفينة السياحية »كوستا كونكورديا.«

املؤلفة

تثبيتتطويق الهيكل بسالسل مزدوجة

دعامات

عوامات

سالسل تثبت احلطام

أكياس إسمنت

منصات رئيسية

رافعات هيدروليكية

تسحب الكبال لتجليس السفينة

كبل مركز التحكم والرافعة

c تكسرb انزالق

19

Page 22: Oloom Magazine march april-2014

20(2014) 4/3

عات في اجلدول الدوري للعناصر)�( تصد إن اكتشاف العنصر 117 قد مأل الفجوة األخيرة املتبقية في

اجلدول الدوري للعناصر كما نعرفه. لكن هذا اجلدول، حتى كمامت تكميله، رمبا يكون قد بدأ يفقد قدرته اإليضاحية والتنبئية.

<E. سري>

في عام 2010 أعلن الباحثون في روســــــيا أنهم اصطنعوا ــــــوى العنصــــــر 117. وال يوجد لهذا ــــــل من ن وألول مــــــرة القليالعنصر اسم حتى اآلن، ألن املجتمع العلمي ينتظر في العادة بعض الوقت كي يتوفر له تأكيد مستقل، قبل تبني هذا القادم اجلديد. وإذا اســــــتبعدنا أية مفاجــــــأة، فإن العنصر 117 أخذ

اآلن مكانه الدائم في اجلدول الدوري للعناصر. لقد مت سابقا تعرف جميع العناصر الكيميائية حتى العنصر 116 وكذلك العنصر 118. ويأتي اآلن العنصر 117 مللء آخر فجوة

متبقية في أســــــفل الصـــف row اخلاص به. ويعتبر هذا اإلجناز عالمــــــة فارقة في تاريخ الكيمياء. فقد ابتدع <D. مندلييف>، وهو روسي أيضا، وغيره اجلدول الدوري للعناصر في الستينات من القرن التاسع عشر، وكانت تلك أول خطوة عظيمة لترتيب جميع العناصر الكيميائية املعروفــــــة في ذلك الوقت. وترك <مندلييف> ــــــذكاء خارق بأن عــــــدة أمكنة فارغة فــــــي جدوله الدوري متنبئا بــــــك الفراغات. عناصر جديدة ستكتشــــــف في املســــــتقبل مللء تلــــــدوري ولكنها جميعا، ــــــك عدة مراجعــــــات للجدول ال وتبعت ذلحتى اآلن، حتتوي على ثغرات. وباصطناع العنصر 117 يكتمل

اجلدول الدوري ألول مرة في تاريخ الكيمياء.وميكــــــن أن تنعم روح <مندلييف> برؤيته الثاقبة، ولو لفترة

ــــــون والفيزيائيون ــــــى أن يتمكن الكيميائي ــــــى أقل تقدير، إل علالنوويون من اصطناع عدد إضافي قليل من عناصر جديدة، ــــــدة إلى اجلدول واألمر الذي ســــــيتطلب إضافة صفوف جدي

الدوري تاركني فيها أيضا فجوات جديدة. ــــــى الرغم من أن آخر األجزاء القليلة لهذه األحجية قد وعلحلت، كمــــــا يبدو، إال أن أمرا أساســــــيا خاطئا بدأ بالظهور. وميكن لهذا األمر أن يقوض املبدأ األساســــــي الذي يقوم عليه اجلدول، أال وهو األمناط املتكررة بانتظام التي تعطي اجلدول

الدوري اسمه. لم يكتف <مندلييف> بالتنبؤ بأن املســــــتقبل سيكشف عن العناصر التي متــــــأل األمكنة التي تركهــــــا فارغة في جدوله، بل تنبأ أيضا بشــــــكل صحيح، بخواصهــــــا الكيميائية، وذلك ــــــة املتكررة في اجلــــــدول الدوري. ولكن اعتمــــــادا على النمطيالذي حصل هو أن ارتفاع العدد الذري )عدد البروتونات في ــــــى أن بعض العناصر املضافة إلى اجلدول لم النواة( أدى إلتعد تســــــلك السلوك الذي يتالءم مع موقعها في هذا اجلدول. فصفاتها وتفاعالتها الكيميائية وأنواع الروابط التي تشكلها مع غيرها لم تعد مشابهة للعناصر األخرى التي تشاركها في

CRACKS IN THE PERIODIC TABLE )�(

باختصاروهذا السلوك املفاجئ ميكن أن يكون ناجتا من النظرية النسبية اخلاصة، التي جتعل بعض املدارات orbits أكثر ارتصاصا، إضافة

إلى آثار أخرى.ويتابـــع الفيزيائيون النوويـــون جهودهم الصطناع عناصر أخرى ذات أنواع جديدة من املدارات اإللكترونية، وكذلك فهم كيمياء هذه العناصر، وذلك من خالل قدرتهم على دراســــــة عدد صغير من

الذرات القصيرة العمر.

في عام 2010 أدى اكتشـــاف العنصر 117 إلى اكتمال اجلدول الدوري ألول مرة، بالشــــــكل الذي نعرفه اآلن على األقل. ولكن أي اكتشــــــاف جديد

سيجبر الكيميائيني على متديد اجلدول وإضافة صف جديد إليه.وعلـــى أية حال، فإن بعض العناصر املضافة احلديثة ميكن أن ــــــف في كيميائها عن العناصر املوجودة في العمود نفســــــه من تختلاجلدول، األمر الذي يؤدي إلى كسر القانون الدوري الذي يقوم عليه

اجلدول منذ قرن ونصف.

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

Page 23: Oloom Magazine march april-2014

21 (2014) 4/3

العمود نفسه من اجلدول الدوري. والسبب في ذلك أن بعض اإللكترونات املوجودة حول النوى األكثر ثقال تدور بســــــرعات بلغــــــت قدرا كبيرا من ســــــرعة الضوء. وبهذا الشــــــكل، فإنها ،relativistic وفق املفهوم الفيزيائي صارت ذات صفة نســـبيةاألمر الذي يجعل ســــــلوك هذه الذرات الثقيلة مختلفا عما هو متوقع من موقعها في اجلدول الدوري. وإضافة إلى ذلك، فإن التنبؤ بدقة عن مدى صحة البنية املدارية إللكترونات مثل هذه ــــــذرات صار حتديا هائال. وهكذا، جنــــــد أنه على الرغم من الالنجاح الرائع الذي حققه <مندلييف> في جدوله الشهير، فإن

هذا اجلدول بدأ يفقد قدرته اإليضاحية والتنبئية.

جناح كامل)�( the ومع أن أكثر مــــــن 1000 نوع ومنط من اجلداول الدوريةperiodic table قــــــد نشــــــر، وهي تختلف عــــــن بعضها البعض

ــــــب العناصر احملتواة في كل منهــــــا، فإن جميع هذه في ترتياجلداول تشــــــترك في صفة أساسية. فعندما ترتب العناصر ــــــة )احملاوالت األولى بصورة متسلســــــلة وفقا ألعدادها الذريلترتيب العناصر كانت وفق تسلســــــل أوزانهــــــا الذرية(، فإن الصفات الكيميائية تتكرر وفــــــق ترتيب خاص. مثال ذلك أنه

ــــــوم وتابعنا الترتيب التسلســــــلي بالعناصر ــــــا بالليثي إذا بدأنــــــي تليه فإننا نصل إلى عنصــــــر الصوديوم الذي الثمانية التيشبه الليثيوم بكثير من الصفات. فكالهما معدن طري ميكن قطعه بالســــــكني، كما يتفاعل كل منهما بشراهة مع املاء. وإذا تابعنا التسلسل بثمانية عناصر أخرى، فإننا نصل إلى عنصر البوتاســــــيوم الذي هو أيضا معدن طري ويتفاعل بشراهة مع

املاء. وباملتابعة تستمر األمور على هذا املنوال.وفــــــي األمناط األولى من اجلــــــداول الدورية، ومن ضمنها جداول <مندلييف> وغيره، كان طول كل دور period، وبالتالي طــــــول كل صف من العناصر، هو دائما ثمانية عناصر. ولكنه ــــــن الرابع واخلامس، ســــــرعان ما اتضــــــح بعد ذلك أن الدوريصارا يتكرران، ليس بعد ثمانية عناصر وإمنا بعد 18 عنصرا. ونتيجة لذلك، فإن الصفني الرابع واخلامس صارا أعرض من الصفوف الســــــابقة وذلك الســــــتيعاب املجموعة اإلضافية من العناصر )وهي املعادن االنتقالية التي تتموضع في املنتصف وفق املبدأ الذي يقوم عليه اجلدول(. أما الدور الســــــادس فقد ازداد طوله أكثر وذلك الحتوائه على 32 عنصرا، بسبب وجود lanthanides 14 عنصرا إضافيا وهي ما تســــــمى الالنثانات

A COMPLETE SUCCESS )�(

Page 24: Oloom Magazine march april-2014

22(2014) 4/3

)أطلق عليها حديثا اســــــم أشـــباه الالنثـــان lanthanoids( أو عناصر األتربة النادرة.

في عام 1937 بدأ الفيزيائيون النوويون باصطناع عناصر جديدة، وكان أولها عنصر التكنيتيوم technetium. وقد أدى ــــــك إلى ملء أحد الفراغات األربعة في اجلدول املعروف في ذلذلك الوقت والذي كان يضم 92 عنصرا )بدءا من الهدروجني ــــــوم ذي الرقم 92(. أما الفراغات ذي الرقــــــم 1 وحتى اليورانيــــــة الباقية، فقد ملئت بعد ذلك بفترة قصيرة: اثنان منها الثالث )promethium والبروميثيوم astatine اصطناعيان )األستاتنيــــــذي وجد في الطبيعة. والثالث هو الفرانســـيوم francium اللكن حتى مع ملء هذه الفراغات، فإن عناصر مكتشفة جديدة قد أضيفت إلى اجلــــــدول الدوري بعد اليورانيوم، األمر الذي

أدى إلى ترك فراغات جديدة.ــــــي األمريكــــــي[ أن لقــــــد أدرك <G. ســــــيبورگ> ]الكيميائاألكتينيوم والثوريوم والبروتكتينيوم مع اليورانيوم والعناصر العشــــــرة التالية كانت جميعها جزءا من سلسلة جديدة، وهي مثل أشــــــباه الالنثان تضم 14 عنصرا، وصارت تعرف باسم األكتينـــات actinides أو أشـــباه األكتـــني actinoids. ومبا أن العناصر اإلضافية في هاتني السلســــــلتني ســــــتجعل اجلدول الدوري أكثر اتســــــاعا، فإن اجلــــــداول الدورية النظامية تضع هاتني السلســــــلتني )كل منهما 14 عنصرا( في قوالب خاصة

في أسفل اجلدول.وفي النصف األول من القرن العشــــــرين أدرك العلماء أن ــــــة للعناصر في اجلدول تعود في جذورها إلى الصفة الدوريالفيزيــــاء الكموميــــة quantum physics، وبخاصة، في فيزياء ــــــات حول النواة. وتتشــــــكل مدارات ــــــة دوران اإللكترون كيفياإللكترونــــات orbits of electrons بأشــــــكال وحجوم متميزة. ــــــا تكون للذرات ذات األعــــــداد الذرية الكبيرة نفس أنواع وهناملــــــدارات اخلاصة بالذرات ذات األعــــــداد الذرية الصغيرة، ــــــدة. فللدور األول ولكــــــن لها أيضا مــــــدارات ذات نوعية جديفي اجلدول مدار إلكتروني وحيد من نوع s ميكن أن يشــــــغله إلكترون واحد أو إلكترونان )واحد في الهدروجني واثنان في ــــــي والثالث، فيضيف كل منهما ــــــوم(. أما الدوران الثان الهيليمدار s آخر وثالثة مدارات من نوع جديد هو p. وهنا أيضا،

فإن كال من هذه املدارات األربعة ميكن أن يشــــــغل بإلكترون واحــــــد أو إلكترونني، بحيث إن العــــــدد األعظمي لإللكترونات التي ميكن أن توجد فيها هو ثمانية. وهذا األمر هو سبب تكرر الصفة الدورية بعد كل ثمانية عناصر في األمناط األولى من اجلــــــدول الدوري. أما الدوران الرابع واخلامس في اجلدول؛ ــــــوع ثالث من املدارات فلهمــــــا، إضافــــــة إلى مدارات s و p، نــــــوع d، الذي يضيف عشــــــرة أمكنة جديدة وهــــــو املدار من نــــــات، األمر الذي يؤدي بدوره إلى أن يتســــــع الدور لإللكترونإلى 18 عنصرا. وأخيرا، فإن للدورتني cycles األخيرتني من اجلــــــدول مدارات من النوع s و p و d و f، وحتتويان على 32

عنصرا )18 + 14(.عندمــــــا أعلن <Y. أوگانيســــــيان> ومســــــاعدوه في املعهد ــــــووي بالقرب مــــــن موســــــكو أنهم قد املشــــــترك للبحــــــث الناصطنعــــــوا العنصر املراوغ 117 صارت جميع العناصر في الصف األخير مــــــن اجلدول الدوري في مكانها املناســــــب. ــــــة الذرات تعني أن والعالقــــــة احلميمة بني بنية اجلدول وبنيإمتام اجلــــــدول لم يكن مجرد عملية جتميلية أو عملية ترتيب للمعلومات على الورق. والعنصر 118 هو الوحيد الذي متتلئ

فيه املدارات s و p و d وf باإللكترونات.وإذا مــــــا اصطنعت في املســــــتقبل عناصــــــر أخرى، فإنها ســــــتأخذ أمكنتها في صف جديد متاما من اجلدول الدوري. وأن العنصر 119 هو العنصر التالي الذي يحتمل أن يظهر في املســــــتقبل ]انظر اإلطار في الصفحة املقابلة[. وبهذا العنصر .s ســــــتبدأ دورة جديدة بأبسط أنواع املدارات الذي هو املداروســــــيحتل العنصر 119 والعنصر 120 الذي يليه أول مكانني ــــــدور الثامن. ومع العنصر 121 فــــــي الدور اجلديد الذي هو الــــــى أقل تقدير، ــــــدة وذلك من حيث املبدأ عل ســــــتبدأ زمرة جديوســــــيعني ذلك ظهور مــــــدارات جديدة لم تعرف من قبل، وهي املدارات من نوع g. وكما حدث من قبل، فإن األنواع اجلديدة من املدارات ســــــتضيف احتماالت جديدة لإللكترونات، األمر الذي ســــــيؤدي بدوره إلى تطويل دوريـــة periodicity اجلدول وزيادة عدد األعمدة. وستســــــبب هــــــذه الزمرة اجلديدة زيادة عــــــرض اجلدول بحيث يحتوي على ما ميكن أن يصل إلى 50 عمودا. وعلى الرغم من ذلك، فقد وجد الكيميائيون - سلفا -

ة. طرقا مختصرة جديدة لترتيب مثل هذه اجلداول املمتد ويبدو أن جدوال دوريا مكتمال في كافة صفوفه وأعمدته املمتلئة ــــــم <مندلييف>، إال أن األمر ليس كذلك. هو التحقيق النهائي حلل

والسبب يكمن في النظرية النسبية اخلاصة لـ<أينشتاين>.A Tale of Seven Elements (Oxford University Press. 2013) )1(

Eric Scerri<ســـري> هو مؤرخ وفيلسوف في مجال الكيمياء بجامعة كاليفورنيا ــــــوس أجنلوس. وهو يحمل الدكتوراه مــــــن كلية كنگ في جامعة في للندن. وهو عازف غيتار قدير. وآخر كتبه: »قصة الســــــبعة عناصر«،

)الصادر عن مطبعة جامعة أوكسفورد عام 2013.( )1(

املؤلف

Page 25: Oloom Magazine march april-2014

23 (2014) 4/3

H1

He2

Li3

Be4

Na11

Mg12

K19

Ca20

Rb37

Sr38

Cs55

Ba56

Fr87

Ra88

119 120

Ne10Ar18Kr36Xe54Rn86

Uuo118

F9Cl17Br35I

53At85

O8S16Se34Te52Po84Lv116

N7P15As33Sb51Bi83

Uup115

C6Si14Ge32Sn50Pb82Fl

114

B5Al13Ga31In49Tl81

Uut113

Zn30Cd48Hg80Cn112

Cu29Ag47Au79Rg111

Ni28Pd46Pt78Ds110

Co27Rh45Ir77Mt109

Fe26Ru44Os76Hs108

Mn25Tc43Re75Bh107

Cr24Mo42W74Sg106

V23Nb41Ta73Db105

Ti22Zr40Hf72Rf

104

Sc21Y39Lu71Lr

103

Yb70No102

Tm69Md101

Er68Fm100

Ho67Es99

Dy66Cf98

Tb65Bk97

Gd64Cm96

Eu63

Am95

Sm62Pu94

Pm61Np93

Nd60U92

Pr59Pa91

Ce58Th90

La57Ac89

2

2

121 122

Uus117

انكسار سيئ؟)��(ــــــة منخفضة إلى أخرى مرتفعة عندمــــــا ننتقل من أعداد ذريتزداد الشــــــحنة النووية بســــــبب ازدياد عــــــدد البروتونات. وعندما تزداد الشــــــحنة النووية تزداد ســــــرعة اإللكترونات ــــــدأ فيها النظرية في املــــــدارات الداخلية إلى النقطة التي تبالنســــــبية اخلاصة بتأدية دور أكبر في تفســــــير سلوك هذه ــــــات. ويؤدي هذا التأثير إلى تقلص حجم املدارات اإللكترونالداخلية وجعلها أكثر استقرارا. ويؤدي هذا التقلص بدوره ــــــر ارتصاصا، ومثلها إلى جعل مــــــدارات s و p األخرى أكثمـــدارات التكافـــؤ valence orbitals، وهي املدارات اخلارجية

التي حتدد اخلواص الكيميائية للعنصر.وتندرج جميع هذه الظواهر حتت مســــــمى األثر النســــــبي املباشر، الذي يزداد عموما بزيادة شحنة نواة كل ذرة. ولكن بعض التأثيرات املنافســــــة جتعل األمــــــور أكثر تعقيدا. فبينما يؤدي األثر النسبي املباشر إلى استقرار بعض املدارات، فإن األثــر النسبي غيـر املباشر يـــؤدي إلى عدم استقرار املدارات electrostatic )1(وهــــــو نوع مــــــن احلجـــب الكهراكـــدي .f و d

screening الذي تقوم به إلكترونات s و p التي تعادل شحناتها

الســــــالبة البعيدة اجلذب الذي تقوم به شحنة النواة. وهكذا، فإنه بالنسبة إلى اإللكترونات البعيدة يبدو أن قوة جذب النواة

الكهراكدية تقل وال تزيد.إن بعــــــض آثار النظرية النســــــبية فــــــي العناصر واضحة في احلياة اليومية. مثال ذلك أنها تفسر لون معدن الذهب، وهو أمر d يفرقه عن العناصر العدمية اللون احمليطة به في مجموعة املدارمن اجلدول الدوري، مثل الفضة التي تقع فوق الذهب مباشرة.

وعندما يضرب فوتون ذو طول موجة مناسب ذرة من معدن من مجموعة املدار d، فــــــإن هذه الذرة تخضع لعملية انتقال. ــــــى قفز إلكترون ــــــون، الذي تؤدي طاقته إل فهــــــي متتص الفوتمباشــــــرة من مدار d إلى مدار s الذي يقع فوقه مباشرة. وفي الفضة، فإن الفرق في الطاقة بني املدارين كبير بحيث يتطلب األمر فوتونا من الطيف فوق البنفسجي لتحقيق هذا االنتقال.

اجلدول الدوري املقبل

An Ever Growing Cabinet of Chemical Wonders )�( BREAKING BAD? )��(

)1( أو: الكهرستاتي، الكهرساكن

)Li( عينة من البنى: لعنصر الليثيوممداران من النوع s يحتويان على ثالثة

إلكترونات )ال تظهر في الشكل(. أما عنصر s فله مداران من النوع ،)B( البورون

)أربعة إلكترونات( ومدار خارجي من النوع p يحتوي على إلكترون واحد.

تظهر في كل دورين )أي في كل صفني من اجلدول( عائلة

جديدة من املدارات. وإلى اليمني تظهر أمثلة عن أشكال

مدارات كل عائلة.

خزانة دائمة النمو من العجائب الكيميائية)�(د م اجلدول الدوري العناصر تبعا ألمناط متكررة من الصفات الكيميائية. وحتد ينظهذه الصفات اإللكترونات التي تدور في مدارات معينة حول النواة، وعلى األخص تلك التي تدور في املدارات األبعد عن النواة. وباالنتقال من األعداد الذرية األخفض إلـــى األعـــداد الذريـــة األعلى تتغيـــر بنية املـــدارات اإللكترونية وفق منـــط متكرر أو ،p دوري. مثـــال ذلـــك أن العناصـــر من 5 إلى 10 لها مدارات خارجية من عائلة تدعىوتتكـــرر هـــذه العائلة من املدارات مـــن العناصر 13 إلى 18. ولذلـــك، فإن جميع هذه

العناصر تنتمي إلى الكتلة p امللونة باألزرق في اجلدول.

طفل جديد وكتلة جديدة يدعـــى مثـــل هـــذا اجلدول الـــدوري، جـــدول <جانيـــت> Janet ذو اخلطوة اليســـرى وذلك نســـبة إلى مبتكره <Ch. جانيت>. وســـيكتمل الصف األسفل فيه عند اكتشاف العنصريـــن 119 و120 اللذيـــن لهما مدارات خارجية من النوع s. أما العنصر 121، فإنـــه ســـيكون العنصر األول الذي له مدارات من عائلة جديـــدة تدعى g. ولذلك، فإن

هذا العنصر سيأخذ مكانه في كتلة جديدة متاما تقع في أسفل يسار اجلدول.

G مدار من نوع F مدار من نوع D مدار من نوع P مدار من نوع S مدار من نوع

S كتلةP كتلةD كتلةF كتلةG كتلة

Page 26: Oloom Magazine march april-2014

24(2014) 4/3

ولكن طاقــــــة فوتونات الضوء العادي أقل مــــــن طاقة فوتونات األشــــــعة فوق البنفســــــجية، ولذلك فإن فوتون الضوء العادي

يرتد من الفضة بحيث يبدو هذا املعدن للناظر كمرآة مثالية.أما فــــــي الذهب، فــــــإن االنكماش النســــــبي يخفض طاقة املدارات s، مع أنه يرفع طاقة املدارات d، األمر الذي يؤدي إلى تضييق الفجوة بني املســــــتويني. وهكذا، فإن انتقال اإللكترون هنا يتطلب طاقة أقل، وهذه الطاقة متوفرة في اجلزء األزرق من فوتون الضوء العادي. أما الفوتونات اخلاصة بجميع األلوان األخرى، فتنعكس وترتد من على سطح الذهب. وهكذا، عندما ــــــى الذهب فإننا نالحظ الضوء العادي يقع الضوء العادي علــــــر اللون األصفر يفتقر إلى اجلــــــزء األزرق. وهذا األمر يفس

الذهبي املميز لهذا املعدن.ــــــك، تنبأ <B. بيكو> ]من جامعة هلســــــنكي[ وآخرون بعد ذلبعدد من تأثيرات نظرية النسبية في معدن الذهب. ومن ضمنها حقيقة أن هذا املعدن ميكن أن يرتبط بعدد من الذرات األخرى بطرق جديدة مثيرة للدهشة. وجرى، بالتالي، اكتشاف عدد من ــــــات التي توقعوا أن تنتج مــــــن تفاعالت الذهب مع غيره. املركبــــــر <مندلييف> في توقعه ويوازي هــــــذا االنتصار نوعا ما، مآثلعناصر جديدة متأل الفراغــــــات في جدوله الدوري. وتضمنت تنبؤات <بيكــــــو> الناجحة روابط بني الذهب وغـــاز الكزينون)1( النبيل الذي هو عادة عنصر شديد اخلمول. وتنبأ أيضا بروابط ــــــة بني الذهب والكربون. وجــــــرى أيضا حتقيق نصر آخر ثالثييتمثل في اجلزيء الكروي الذي يتضمن ذرة من معدن التنگسنت tungesten مع 12 ذرة من الذهب. وهو أمر يشــــــبه فوليرينات

buckyballs الكربون، التي تعرف باســــــم كرات بكي fullerenes

أو الكرات اجلميلة، وتتشــــــكل فوليرينات الذهب تلقائيا عندما ر التنگسنت والذهب معا بوجود غاز الهيليوم. يبخ

فقد جــــــرى البرهان أيضــــــا على أن حســــــابات امليكانيك الكمومــــــي النســــــبية بالغة األهمية في دراســــــة كيف ميكن أن تؤدي جتمعــــــات الذهــــــب العنقودية دور املــــــواد احلافزة في

التفاعالت. ومثال ذلك استعمالها في حتطيم املواد الكيميائية الســــــامة، مثل تلك التي تنطلق من عوادم السيارات - مع أن

الذهب مشهور بخموله الكيميائي.

مفاجآت فائقة األهمية)�(وحتى مع ظهور اآلثار النســــــبية، فإن بعــــــض العناصر مثل الذهب تبقى غير شديدة البعد عن سلوكها املتوقع من موقعها ــــــزال للعناصر النبيلة الصفات فــــــي اجلدول. فحتى اآلن، ال تــــــي تتوقع منها تبعــــــا ملوقعها. ولكن األســــــوأ من ذلك )أو التباألحــــــرى األكثر إثارة لالهتمــــــام( أن املفاجآت التزال تتالى تباعا. فقــــــد بدأت بعض االختبارات حــــــول كيمياء العناصر احلديثة تكشــــــف ما ميكن أن يشــــــكل تصدعــــــات جدية في

.the periodic law القانون الدوريعات اجلســــــيمية بهدف تصادم النوى وباســــــتعمال الـمسرالثقيلة معا، متكن الفيزيائيون النوويون من إنتاج عناصر بالغة الثقل superheavy وهي التي تقع بعد العنصر 103. لقد أوحت التجارب األولى، التي أجريت في أوائل التســــــعينات من القرن (104) rutherfordium املاضــــــي على عنصــــــري الرذرفورديـــوموالدوبنيوم dubnium (105) سلفا، أن لهذين العنصرين صفات ال تتوافــــــق مع ما يتوقع لهما من موقعهما في اجلدول الدوري. ــــــى ذلك وجد <K. زرفنســــــكي> وزمالؤه ]من جامعة وكمثال علــــــي[ أن الرذرفورديوم يتفاعل في احملاليل كاليفورنيا في بيركلبطرق مشابهة للبلوتونيوم، الذي هو عنصر بعيد عنه متاما في اجلدول الدوري. وبطريقة مشــــــابهة وجد أن عنصر الدوبنيوم يســــــلك ســــــلوكا أقرب إلى البروتكتينيوم البعيد أيضا عنه في ــــــدوري، فإن هذين العنصرين يجب، اجلدول. ووفقا للقانون البدال من ذلك، أن يسلكا سلوك العنصرين اللذين يقعان فوقهما

مباشرة في اجلدول الدوري، أال وهما الهافينيوم والتانتالوم.وفي أبحــــــاث جديدة اصطنع العلماء عناصر جديدة بالغة الثقــــــل، ولكن بعدد من الذرات بالغ الصغر. فالعنصر 117 مت اكتشــــــافه اعتمادا على ســــــت ذرات فقط. وإضافة إلى ذلك، ــــــا حيث إنها فــــــإن هذا النوع من العناصر غير مســــــتقر بتاتتتحلل إلى عناصر أخف وزنا في جزء من الثانية. وفي معظم األحيان يترك للخبراء مالحظة نتاج هذا التحلل النووي، األمر الذي يقود إلى احلصول على الصفات الكيميائية والفيزيائية ــــــذه العنـاصـر. وفي مثل هـذه األحــــــوال، فإن البحث لنوى هــعن الصفات الكيميائية عبر ما يســــــمى »الكيمياء الرطبة)2(« )أي وضع املــــــادة في القارورة ومالحظــــــة تفاعلها مع املواد

SUPERHEAVY SURPRISES )�(the noble gas xenon )1(

wet chemistry )2(

قاد العالم <Y. أوگانسيان> الفريق الذي قام باصطناع العنصر 117، وهو يستعد اآلن الصطناع العنصر املبتكر التالي ذي الرقم 119.

Page 27: Oloom Magazine march april-2014

25 (2014) 4/3

Oddly Ordinary Seaborgium )1(Boring Bohrium )2(

ــــــك، فإن العلماء ــــــة األخرى( أمر مســــــتحيل. ومع ذل الكيميائيتوصلوا إلى تقنيات خارقة لدراســــــة كيمياء هذه العناصر ولو

باالعتماد على ذرة واحدة من العنصر في كل مرة.ومقارنة بالعنصرين 104 و 105 كانت التجارب الكيميائية املجراة على العنصرين 106 )السيبورگيوم( و107 )البوريوم( مخيبة لآلمال. ويبدو أن هذين العنصرين األخيرين يتصرفان ــــــك الباحثني إلى ــــــأ <مندلييف>. وقــــــد دفع ذل متامــــــا كما تنبــــــة املتميزة عنهما: إطالق أســــــماء خاصة في مقاالتهم العلميالســـيبورگيوم العادي الغريـــب)1(، والبوريوم اململ)2(. وبدا

مرة أخرى أن اجلدول الدوري عاد إلى العمل.أما فــــــي حالة العنصــــــر 112، فقــــــد حــــــاول الكيميائيون والفيزيائيون تقدير ما إذا كان هذا العنصر يســــــلك ســــــلوك ــــــدوري، أو أنه ــــــق الذي يقع فوقــــــه متاما في اجلدول ال الزئبــــــرادون النبيل كما تتنبأ به احلســــــابات يتصــــــرف مثل غاز الــــــة الكمومية. وقامت بعض الفــــــرق العلمية بتجارب امليكانيكياصطنعت فيها ذرات من العنصر 112، إضافة إلى اصطناع ــــــرادون. )مع أن الزئبق ــــــق الثقيلة وغاز ال بعــــــض نظائر الزئبــــــات كبيرة، فإن الباحثني والرادون يوجدان في الطبيعة بكمياصطنعوهما ألنه ميكن إنتاجهما في شروط مماثلة لتلك التي ــــــك بهدف عدم االعتماد على ــــــج منها العناصر الثقيلة، وذل تنتبيانات خاصة بالصفات الكيميائية الكبيرة للعناصر اخلفيفة

األكثر وجودا في الطبيعة.(بون بالسماح لهذه الذرات بالتموضع وبعد ذلك، قام املجرعلى ســــــطح ذي درجة حــــــرارة منخفضة جــــــدا مطلي جزئيا بالذهــــــب وجزئيا باجلليد. فلو كان العنصر 112 يســــــلك حقا ف كغاز الرادون ســــــلوك املعدن الرتبط بالذهب، أما إذا تصرالنبيل، فإنه سيتموضع على اجلليد. وحتى هذا التاريخ، فإن مختبرات مختلفــــــة حصلت على نتائج مختلفة. وحتى اآلن لم

يتم حسم هذا األمر.أما آثار النظرية النســــــبية في العنصر 114 فما زالت قيد البحـث حتى اآلن. وتشــــــير النتائـج األوليـة التي حصل عليها <R. آيشــــــلر> ومجموعته في معهد باول شــــــرر بسويسرا إلى

بعــــــض املفاجآت املهمة والتي تشــــــير إلى أن عدم التوافق مع النظرية النسبية واضح متاما.

ــــــد، فــــــإن إضافات جديدة إلى اجلــــــدول الدوري وبالتأكيســــــتحصل مســــــتقبال، وسيســــــاعد البحث في كيمياء هذه ــــــى توضيح هذه املعضلة. والســــــؤال العناصــــــر املضافة علاألكثر إحلاحا هنا هو: هل ثمة نهاية للجدول الدوري. وهناك إجماع عام على أنه عندما يصبح عدد البروتونات كبيرا جدا، فإن النوى لن تتشكل ولو للحظة وجيزة. ولكن اآلراء تختلف

حول جواب الســــــؤال: أين ســــــتتوقف موجة العناصر احلسابات ففي اجلديدة؟ التي تفترض أن النواة هي كالنقطة الصغيرة يبدو أن النهاية هــــــي عند العنصر 137. ولكــــــن خبراء آخرين

في هــــــذا املجــــــال، أخذوا بعني االعتبار حجم النواة، العنصــــــر أن يعتقــــــدون األخير سيكون رقمه الذري

172 أو 173.

من ــــــس لي وببســــــاطة، الواضح بعد مــــــا إذا كان ــــــدأ القائل إن العناصــــــر التي تقع في العمود نفســــــه من املباجلدول الدوري تتصرف بشــــــكل متشــــــابه، هو مبدأ سيبقى قائما بالنســــــبة إلى الذرات البالغة الثقل. ولكن هذا الســــــؤال ليســــــت له نتائج عملية ذات أهمية بالغة، في املستقبل املنظور على األقل. فغياب القدرة على التنبؤ بالصفات في حالة الذرات البالغــــــة الثقل لن يؤثر في الفائدة التي نحصل عليها من بقية اجلدول. والكيميائي العادي ال يتعامل عادة مع أي عنصر من العناصر الثقيلة ذات األعــــــداد الذرية البالغة االرتفاع. فنوى هذه العناصر غير ثابتة بتاتا، وهي تتفكك تلقائيا إلى عناصر

أخف بعد حلظات من اصطناعها.وإلى اآلن، فإن السؤال حول أثر النظرية النسبية اخلاصة ــــــب الكيمياء فــــــي القلب، ــــــدوري الزال يصي فــــــي اجلــــــدول الباعتبارها أحد فروع املعرفة املهمة. فإذا فقد القانون الدوري ــــــه وقوته، فإن علم الكيمياء ســــــيكون أكثر اعتمادا على مكانتــــــم الفيزياء. أما إذا حافظ القانون الدوري على مكانته، فإن علــــــاء على احلفاظ على ســــــوية معينة من ذلك سيســــــاعد الكيمياالســــــتقالل. وخالل املرحلة القادمة رمبا ترد روح <مندليف> بعنف زهوا وابتهاجا بنجاح مولود عقله املفضل. <

لم يتضح بعد فيما إذا كان املبدأ

القائل إن »العناصر الواقعة في العمود نفسه من اجلدول

الدوري تسلك سلوكا متشابها«،

سيبقى مبدأ صحيحا بالنسبة

إلى الذرات الثقيلة.

Scientific American, June 2013

مراجع لالستزادةThe Periodic Table, Its Story and Its Significance. Eric Scerri. Oxford University Press, 2007. A Suggested Periodic Table up to Z ≤ 172, Based on Dirac–Fock Calculations on Atoms and Ions. Pekka Pyykkö in Physical Chemistry Chemical Physics, Vol. 13, No. 1, pages 161–168; 2011.A Very Short Introduction to the Periodic Table. Eric Scerri. Oxford University Press, 2011.

Page 28: Oloom Magazine march april-2014

26(2014) 4/3

السلسلة الطويلة من ألغاز السرطان)�(اكتشف الباحثون طرقا جتعل السرطان يبدو أكثر تعقيدا مما كانوا يظنون.

<G. جونسون>

نادرا ما تكون األشــــــياء بالبســــــاطة التي تبدو عليها، فما يظهــــــر على أنه معقد قد ال يتجاوز كونه متوجات على ســــــطح ــــــس له قرار. لقد وصف عاملــــــان، هما <D. هاناهان> بحر ليو<A .R. واينبرگ>، آليات التســــــرطن وصفا متقنا - بأنها خلية مفردة تصيبها طفرات متتالية حتى تسلك سبيال لولبيا يلقيها في مهاوي الســــــرطان - وذلك في مؤلف شــــــامل نشراه عام

2000 بعنوان “السمات املميزة للسرطان)1(.”

وتعود فكرة أن الســــــرطان يحدث نتيجــــــة تراكم للطفرات ــــــة. ويتمثل العمل الذي قام فــــــي خلية طبيعية إلى عقود ماضيــــــه <هاناهان> و<واينبرگ> بصياغة هــــــذه الكتلة املتنامية من بالنتائج املختبرية والرؤى النظرية في ســــــت خصائص، وال بد للخلية السرطانية من اكتسابها حتى تتطور إلى املخلوق الذي يدعى ورما tumor. إذ إن على اخللية الســــــرطانية أن تكتسب القدرة على حتريض منوها الذاتي، وعلى جتاهل اإلشــــــارات ــــــي دور اجلينات ــــــي حتمل إليها أوامــــــر التباطؤ )وهنا يأت التالورمية ومثبطات األورام(. كما أن على اخللية أن تتعلم كيف ــــــل على اآلليات التي ال تكاد تفشــــــل فــــــي دفع اخلاليا تتحايــــــي تعاني ولو قدرا ضئيال من العجز إلى تدمير نفســــــها، التوعليها أن تتغلب على العدادات الداخلية - وهي القســـيمات الطرفيـــة telomeres املوجودة في نهايات الكروموســـومات )الصبغيـــات( chromosomes - فهي التي تقلل عادة من عدد املرات التي يســــــمح فيها للخلية باالنقسام. كما أن عليها أن ــــــدأ بتوليد األوعية اجلديدة )اســــــتحداث أوعية تتعلم كيف تبدموية جديدة لها(، وأخيرا أن توفر الغذاء لنفسها من النسج

املجاورة لها، وأن تنتقل إلى األعضاء البعيدة.

لقــــــد انقضى أكثر من عقــــــد من الزمن على نشــــــر مقالة “السمات املميزة للســــــرطان”، وهي املقالة األكثر اقتباسا في ــــــة املرموقة اخلليـــة Cell، وهو أمر محمود ميكن تاريخ املجلــــــارة أخرى إن هذه املقالة قــــــد تكون األكثر أن يقــــــال عنه بعبتأثيرا في بيولوجيا السرطان. إن ما يعرف بنظرية النسيلة الوحيدة)2( )ويقصد بالنســــــيلة اخللية املنقسمة مع ما يتفرع عنها من شــــــجرة اخلاليا املنحدرة منها(، وهي الصورة التي رســــــمتها تلك املقالة التي التزال مبثابة اإلطار املفهومي الذي ســــــيطر على الساحة بال منازع، مثل سيطرة نظرية االنفجار األعظم the big bang في علم نشوء الكون. فوفقا لهذه النظرية ــــــق على نحو متفرد - كنقطة بدائية من طاقة كتلية - بدأ اخللوانتفخت لتشكل الكون. وكذلك السرطان، فإنه يبدأ من خلية متمـــردة renegade cell - واخللية املتمردة مصطلح أكســــــبه <واينبرگ> شــــــهرة وشــــــيوعا - ثم تتوسع لتشكل الورم. ومع

ــــــع العاملان <هاناهان> اخلطــــــوط العريضة لهذه اخلريطة، تطلو<واينبرگ> إلى إحداث نهضة في فهم السرطان:

إن الوضــــــوح الشــــــمولي آللية حدوث الســــــرطان ســــــيضفي إلى تشــــــخيصه ومعاجلته صبغــــــة العلم املنطقي، وهو ما ال يراه األطباء املمارسون في الوقت

)�( THE LONG TRAIL OF CANCER’S CLUES: اقتبست هذه املقالة من السجالت اليومية للسرطان The Cancer Chronicles تأليف <G. جونسون>، وبالتنسيق Doubleday نوبف> ، وهي طبعة من مجموعة نوبف دبل داي للنشر .A .A> معKnopf Publishing Group، شعبة من Random House، حقوق الطبع و النشر

محفوظة لـ<G. جونسون> عام 2013.“The Hallmarks of Cancer” )1(

the monoclonal theory )2(

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

باختصارأخــــــرى - بدءا مــــــن البكتيريا التي تعيش في األمعــــــاء إلى مفاتيح حتويل

فوجينية epigenetic تعطي إشارة البدء أو التوقف جلينات متنوعة.لقد أدى كشـــف هذه القضية املعقدة باطراد إلى جعل فهم الســــــرطان أصعب من أي وقت مضــــــى، إال أنه أيضا فتح طرقا غير

متوقعة لسبر مجاالت تطوير معاجلات جديدة.

ما الذي يدفع بعض اخلاليا لتصبح سرطانية وتنمو لتشكل ــــــر الباحثون أن اجلواب يكمــــــن، كليا، في ــــــرة طويلة اعتب ورما؟ لفتالطريقــــــة التي تتخرب فيها اجلينات املفتاحيـــة key genes، أو التي

تصاب بطفرة مع مرور الزمن.إال أنه خالل العقد املنصرم، اكتشف الباحثون عدة عوامل مشاركة

Page 29: Oloom Magazine march april-2014

27 (2014) 4/3

الراهن... إننا نترقب ظهور أدوية مضادة للســــــرطان تســــــتهدف جميع القدرات األساسية املميزة له. ونحن نتصــــــور أنه في يوم مــــــن األيام ســــــتصبح بيولوجيا الســــــرطان وعالجه - التي هــــــي حاليا عبارة عن رقع ــــــا واجلينيــــات genetics وعلم ــــــرة من البيولوجي متناثــــــاء احليوية وعلم ــــــا والنســــــج وعلم الكيمي الباثولوجيــــــة - علما له بنية مفاهيمية وترابط املناعة وعلم األدوي

منطقي مياثل ما للكيمياء والفيزياء.هل ثمة فيزياء ســــــرطان! هذا أمر مازال ممكن احلدوث. فقد واصل العلماء كشفهم طبقات جديدة وكاملة من التعقيدات خالل

العقد ونيف املنصرم، منذ صدور املقالة ذات التوقعات املذهلة.

ما وراء الطفرات)�(تكمن في الشـــيپة امليكرويـــة microchip احليوية احلجم التي ندعوهــــــا باخللية، مكونات تنضوي داخل مكونات أخرى تربط بينها شــــــبكة وأســــــالك تعمل بتدفقات وبكثافــــــة يتعذر معهما أحيانا الفصل بني شريط وآخر منها. وإذا ارتقينا إلى مستوى أعلى، فإننا ســــــنجد أن من املســــــتحيل فهم مــــــا يحدث داخل خلية ســــــرطانية، بشــــــكل كامل، من دون األخذ بعني االعتبار مكانها ضمن شــــــبكة اتصاالت محبوكة مع اخلاليا األخرى. وفي الوقت الذي نشرت فيه مقالة “السمات املميزة للسرطان”، كان العلماء قد اكتشــــــفوا بالفعل أن األورام ليست مجرد كتل متجانســــــة من اخلاليا السرطانية – فهي حتوي أيضا خاليا سليمة تســــــاعد على إنتاج البروتينات التي يحتاج إليها الورم ليمتد ويهاجم النسج ويتوصل إلى التغذية الدموية. لقد صار هذا النظام البيئي الشاذ يدعى البيئة امليكروية للسرطان)1(،

وكرست مؤمترات ومجالت كاملة لفهمه.وممــــــا زاد األمر تعقيدا هــــــو اإلدراك التدريجي أن التغيرات اجلينية التي ميكن أن تؤدي إلى الســــــرطان ال تقتصر بالضرورة على حدوثها من خالل الطفرات - وهي تغيرات على شكل حذف DNA أو إضافة أو إعادة ترتيب احلروف النكليوتيدية)2( في دنا

اخللية. بل إن من املمكن للرسالة أن تتغير بطرق خفية أكثر.ل وميكن للصاقات اجلزيئية)3( أن ترتبط باجلني بطريقة تعطعمله - فال يستطيع التعبير عن الرسالة اجلينية التي يحملها )واللصاقات هي عبارة عن مجموعات ميثيل)4(، ولذلك تدعى هذه العملية امليثيلية)methylation )5(. وميكن أيضا للجينات أن تتعزز أو تتثبط، وذلك عن طريق تشويه شكل اجلينوم. وفي ــــــف الدنا املضفورة التي حني تعــــــرض الصورة األيقونية لفائــــــل البحر في عزلة عن غيره، تطفــــــو بأناقة تضاهي أناقة قنديفإن الطاقني احللزونيني يلتفان في خضم اخللية حول عناقيد بروتينية تدعــــــى الهســـتونات histones. وميكــــــن ملجموعات امليثيل واجلزيئات األخرى أن ترتبط باحللزون نفسه أو بنواته البروتينية وتؤدي إلى ثني التجمع بكامله. وعندما يحدث هذا

الثني تبرز بعض اجلينات وحتتجب أخرى.ــــــر وظيفة اخللية مع تدعــــــى مثل هــــــذه التغيرات، التي تغيــــــرات فوجينيـــة epigenetic. حيث بقاء بنية الدنا ســــــوية، تغيتعني Epi، املشــــــتقة من اليونانية القدمية، “فوق”)6(. وكما أنه يوجد في اخللية جينوم genome، فإنه فيها أيضا فوجينوم epigenome - وهــــــو مبثابة طبقة مــــــن البرمجيات تغطي البنية

ــــــة أو عتاد الدنا. وكما يحدث في اجلينوم نفســــــه، فإن الصلب.daughter cells ظاهر اجلينوم يحفظ وميرر إلى خاليا بنات

ــــــذي تقترحه جميع هذه البحوث، هو أن موضوع إن األمر الــــــات محطمة. بل الســــــرطان قــــــد ال يقتصر على كونه مجرد جينإن بإمــــــكان االضطرابات التي تعتري إحــــــدى اخلاليا - املواد املســــــرطنة أو النظام الغذائي أو حتى الكـــرب stress - أن تعيد

BEYOND MUTATIONS )�(the cancer microenvironment )1(

the nucleotide letters )2(molecular tags )3(methyl groups )4(

)5( عملية كيميائية حيوية.over, above, on )6(

.human bone marrow خلية سرطانية من نخاع عظم اإلنسان

George Johnson .the New York Times جونسون> يكتب بشكل منتظم عن العلوم ملجلة النيويورك تاميز> Slate وساليت ،National Geographic كما أنه كتب أيضا ملجالت ناشيونال جيوگرافيك

.Atlantic وأتالنتيك Wired ووايرد Discover وديسكڤر

املؤلف

Page 30: Oloom Magazine march april-2014

28(2014) 4/3

ــــــب اللصاقات على فوجـــني epigene من دون أن تؤدي إلى ترتيطفرة مباشــــــرة في الدنا. فإذا افترضنا أن مجموعة ميثيل متنع عادة اجلني املسرطن - الذي يحرض االنقسام اخللوي - من أن يعبر عن نفسه، فإن إزالة هذه اللصاقة قد تؤدي إلى دفع اخللية لالنقسام بجنون. ومن جهة أخرى، قد يؤدي إنتاج عدد كبير من اللصاقات إلى تثبيط اجلني املثبط للورم وهو اجلني الذي يضبط االنقســــــام. وعندما تتحــــــرر اخللية لتنقســــــم، فإنها تصبح أكثر عرضة ألخطاء النســــــخ. وهكذا، فــــــإن تغيرات فوجينية قد تؤدي إلى تغيرات جينية – وهذه التغيرات اجلينية قد تؤثر بالتالي في امليثيلية وتؤدي بذلك إلى التحريض على حدوث تغيرات إضافية

فوجينية... وتتواصل التغيرات على هذا النحو.خارج املختبر، يؤثر كل من اخلوف والرجاء في احلماس لهذا الســــــيناريو. وقد تهيئ الفوجينية طريقة تتصرف خاللها بعض املواد كمادة مسرطنة، حتى وإن بدت من قبل أنها غير ــــــا. إال أنه خالفا للتغير اجليني، قادرة على التســــــلل إلى الدنفــــــإن هذه التغيرات قــــــد تكون عكوســـة)1(. ويبقى حجم الدور ــــــل كل أمر يحدث في ــــــه الفوجينية غير مؤكد. ومث الذي تؤديــــــة وتعديل الهســــــتونات تخضع لتحكم ــــــة، فــــــإن امليثيلي اخلليــــــات مصابة بالطفرات اجلينات - وقــــــد اتضح أن هذه اجلينأيضا في سرطانات مختلفة. وهكذا يبدو أن كل ما يحدث قد

يكون في نهاية املطاف بسبب الطفرات.ومــــــن جهة أخــــــرى، افترض بعض العلماء أن الســــــرطان يبدأ في الواقع باضطرابات فوجينية، متهد الســــــبيل حلدوث

حتوالت أكثر تشويها.واألمر األكثر تشويشــــــا هو الفكرة اجلدلية التي يطلق عليها نظرية اخللية اجلذعية السرطانية)2(. ففي جنني embryo آخذ في التطــــــور، تعتبر اخلاليا اجلذعية هــــــي اخلاليا القادرة على جتديد نفســــــها إلى مــــــا ال نهاية - أي إنها تواصل االنقســــــام مــــــع بقائها في حالة عدم التمايـــز)3(. وعندما تظهر احلاجة إلى منط معني من النســــــج، يجري تفعيل جينات وفق منوذج خاص، وتؤدي اخلاليا اجلذعية إلى ظهور خاليا تخصصية ذات هويات ــــــى مخلوق كامل، فإن اخلاليا محددة. وعندما يتطور اجلنني إلــــــؤدي دورا مماثال، حيث تبقى متأهبة لتتمايز اجلذعية البالغة توحتل محل اخلاليا التي تلفت أو بلغت آخر عمرها. وألن النسج السليمة تنشــــــأ عن مجموعة صغيرة من هذه األسالف الفعالة،

فلماذا ال ينطبق األمر ذاته بالنسبة إلى األورام؟ســــــيكون هذا حتوال غير متوقع في النظرة التقليدية التي ترى أن أي خلية ســــــرطانية اكتسبت املجموعة الصحيحة من الطفرات، ستكون قادرة على توليد ورم جديد. تخيل بدال من ذلك أن منو الســــــرطان وانتشــــــاره يوجهان من قبل جزء من

خاليا خاصة، تلك التي اكتســــــبت بطريقة ما خاصية داخلية .stemness ع هي احملافظة على الســــــمات اجلذعية أو التجـــذفاخلاليا اجلذعية الســــــرطانية وحدها ســــــتكون لديها القدرة على التكاثر إلى ما النهاية واالنتقال ونشر بذور أورام خبيثة ــــــاء األورام. وقد ــــــك األمور على أطب ل ذل أخرى. فكم سيســــــهيعود فشــــــل العالج الكيميائي إلى استبقائه اخلاليا اجلذعية السرطانية. وعندها سيؤدي التخلص من هذه األجزاء البالغة

األهمية إلى اختفاء الورم اخلبيث.وفي ســــــياق ســــــعيي احلثيث إلى وضــــــع جميع هذا ضمن الصورة الكلية، شــــــعرت باالرتياح عندما وجدت لدى الباحثني ارتباكا يشبه ارتباكي. إال أن الصورة صارت مبجملها واضحة، فالنظرة األساســــــية إلى الســــــرطان باعتباره عملية داروينية – فهــــــو يظهر مثلما ظهرت احلياة نفســــــها مــــــن خالل اختالفات عشوائية واصطفاء )انتقاء( - نظرة صامدة. وألنني أحاول فهم مغزى الســــــرطان من موقعي اخلارجي، فإنني شعرت بالرهبة

من احتمال وجود املزيد من املسالك امللتوية. وفي نهاية املطاف، تصــــــب جميع القضايا البيولوجية في ــــــات أخرى في أن األمــــــر عبارة عــــــن جينات تتحدث إلى جيندردشة جزيئية مستمرة - سواء كانت اجلينات ضمن اخللية ذاتها أو كانت جينات من خلية تتحدث إلى جينات ضمن خلية أخرى. إال أنني لم أضع في االعتبار أن اجلينات في النســــــج البشرية تستطيع أيضا تبادل املعلومات مع اجلينات املوجودة في امليكروبات التي تستوطن أجسامنا. فالسرطان هو مرض معلومـــات)4(، الختالط عمليات إصدار اإلشــــــارات اخللوية.

وهكذا يصبح لدينا اآلن ميدان آخر لالستكشاف.

تعكير املاء)�(ــــــى ذلك، فقد اكتشــــــف تعقيد آخر ســــــببه تغير فهمنا إضافــــــة إلــــــا اخللوية الطبيعية. ولكي تتمكــــــن اجلينات من القيام للبيولوجيبدورها الكامل في إنشــــــاء احلياة واحملافظة عليها، فإنها تتألف من جتميعات من أربعة فقط من األحماض النووية التي يعبر عنها باألحرف A ،C ،G و T ولكل جتميعة حواف)contour )5 متيزها، ويتم نســــــخ مناذج النتوءات واألخاديد املوجودة في الدنا إلنتاج جزيئات تعرف بالرنا املرســـال messenger RNA، وتعبر جزيئات الرنا املرســــــال إلى الريبوســـومات ribosomes، وهي بنى خلوية

MUDDYING THE WATER )�(reversible )1(

ــــــة املســــــبب احلقيقي ــــــا اجلذعي )the cancer stem cell theory )2؛ انظــــــر: »هــــــل اخلاليللسرطان؟«، ، العددان 3/2 (2007)، ص 20.

undifferentiated )3(a disease of information )4(

)5( أو: حياط

Page 31: Oloom Magazine march april-2014

29 (2014) 4/3

ــــــات. وتتضمن هذه تســــــتفيد من املعلومــــــات في تصنيع البروتينالبروتينات اإلنزميات التي تســــــاعد على تشغيل اآللية اجلينية the genetic machinery. ولعل أقصى تبســــــيط لهذه النظرية يتمثل

فيما دعاه <F. كريك> العقيـــدة املركزية central dogma: نحصل من الدنا على الرنا، ثم نحصل من الرنا على البروتني.

وسرعان ما توالت التعقيدات. إذ لم تكن جميع قطع الدنا جزءا من الكود code البروتيني. ففي حني اســــــتعملت بعض هــــــذه املتتاليـــات sequences لصناعة الرنا املرســــــال والرنا الناقـــل transfer RNA، فإن متتاليات أخرى كانت تعمل كعقد ــــــة وحتكم، فهي تغير حجم اجلني زيادة ونقصانا لتعدل مراقبــــــك مع جميع هذه اآلليات ــــــة ما ينتجه من البروتني. وميكن كمياملعقدة واملتواشــــــجة، أن تستمتع بتخيل تقريبي أن هذا األمر هــــــو نتاج عمل أحد املهندســــــني. إال أن الطبيعة أكثر تعقيدا. فبنية اجلينات، على سبيل املثال، ليست متصلة، بل تعترضها قطع صغيرة غير مفهومة املعنى. وحني إعادة نســــــخ الرسالة ــــــة إلى الرنا املرســــــال، فإنه يجب إخــــــراج هذه القطع اجلينيــــــي تدعى اإلنترونـــات introns - منه، ولم تكن الدخيلة - التاإلنترونات ســــــوى عوارض طرأت على التطور وعلى احلراك الداخلي أو اإلنتروپية)entropy )1. وفي الواقع، يبدو أن نسبة ــــــة فقط من اجلينوم تخدم هدفــــــا معينا. أما الباقي، فقد ضئيلــــــه دنـــا خـــردة junk DNA – وهو خليط غير صــــــار يعرف بأنمتجانس مــــــن اجلينات التي صارت غير فاعلة ومهملة مبرور ماليني الســــــنني. لقد حمل هذا احلطام من اجلينات من جيل

إلى جيل لغياب سبب قاهر يدعو إلى التخلص منه.ــــــدو أنه ميكننا بالكاد قبول احتمال وجود هذا الكم من ويبــــــك ألنه ميكن للتطور، ــــــوم صامتا وعاطال عن العمل. ذل اجلينــــــر لبعض هذه القطع ــــــح املتواصل، أن يعث من خالل التصليــــــدة. إال أن العلماء، في ــــــى أغراض جدي ــــــة من الدنا عل املهملبداية تســــــعينات القرن املاضي، الحظوا نوعا جديدا من الرنا ينتجــــــه دنا خردة. وعندما وضعوه على الرنا املرســــــال، منعه مــــــن توصيل ما لديه من معلومــــــات. وقد كانت جزيئات النوع اجلديد من الرنا صغيرة احلجم، مما أدى إلى تســــــميتها رنا ميكرويـــا microRNA. وللرنا امليكــــــروي أنواع مختلفة، ويؤدي ــــــاد عددها أو نقصانه إلى تنظيم إنتاج البروتينات املتنوعة. ازديوســــــرعان ما ربط الرنا امليكروي، كغيره من سائر األشياء التي تتضمنهــــــا اخللية، بأداء دور ما في الســــــرطان. فبافتراض أن هناك رنا ميكرويا يؤدي دورا حاصرا لتعبير اجلني املســــــرطن احملرض للنمو، فإن إنتاج اخللية كمية قليلة منه سيشــــــجع على التكاثر. وفي املقابل، فإن زيادة نوع آخر من الرنا امليكروي قد تؤدي إلى كبت أحد مثبطــــــات األورام. وفي الواقع، فإن جزيئا

واحدا فقط مــــــن الرنا امليكروي ــــــات مختلفــــــة ــــــم جين ينظ قــــــد ومتعددة، مما يؤدي إلى تشابك فــــــي التأثيرات املتضافرة. ولئن كان الظن يذهب إلى أن طفرات جزيئات دنا خردة غير ضارة، فإنها إذا أفســــــدت التوازن بني ــــــا ميكروي قد تدفع جزيئات رن

اخللية نحو اخلباثة.إنهــــــا خـــردة ليســـت كأي خردة)2(. فاجلينات – أو 99 في املئة منها – توجــــــد فيما لدينا ــــــات، وليس في خاليانا. فاملواقــــــع اخللفية تتبادل من امليكروباملكان مــــــع املواقع األمامية، وقد ذكرني ذلك مبا حدث في علم نشــــــوء الكون عندما تبني أن معظم الكون نشــــــأ عن مادة وعن ــــــع التفاصيل اجلديدة، طاقـــة معتمـــة dark energy. ومع جميبقيت نظرية االنفجار األعظم صامدة. صحيح إنها لم تعد نقية ــــــل، إال أنها زودتنا باإلطار العريض وبســــــيطة كما كانت من قباملميز للصورة، أي بإطار يعطي املعنى لكل ما تتضمنه الصورة،

سواء كان شاذا أو غير شاذ.ويبدو أن الشيء نفسه حصل مع السمات الست للسرطان التي جاء بها <هاناهان> و<واينبرگ>. فقد كتب هذان العاملان ــــــة بعنوان “الســــمات األساســــية في الشــــــهر 2011/3، مقالللســــرطان: اجليل القادم”)3(. وقد عرضا فيها ما استنتجاه بعــــــد إعادة النظــــــر طيلة العقد الذي انقضــــــى منذ كتابتيهما للمقالة األولى عــــــام 2000، واإلطار املفاهيمي هو اليوم أقوى ــــــت هناك تعقيدات. من أي وقــــــت مضى. ومن املؤكد أنه كانوقد يتاح للخاليا اجلذعية والفوجينية epigenetics أداء دور أكبر. وفي نهاية املطاف، قد يكون هناك أكثر من ست سمات أساســــــية. واألمل معقود على بقاء العــــــدد منتهيا )محدودا(

وصغيرا إلى حد معقول. <)1( أو: االعتالج

junk that is not junk )2(“Hallmarks of Cancer: The Next Generation” )3(

إن التغيرات اجلينية التي

ميكن أن تؤدي إلى سرطان ال

حتدث بالضرورة عبر طفرات. فالتبدالت قد تكون دقيقة

يصعب كشفها.

Scientific American, November 2013

مراجع لالستزادة Hallmarks of Cancer: The Next Generation. Douglas Hanahan and Robert A. Weinberg in Cell, Vol. 144, No. 5, pages 646–674; March 2011. www.cell.com/fulltext/S0092-8674(11)00127-9 A Decade of Exploring the Cancer Epigenome—Biological and Translational Implications. Stephen B. Baylin and Peter A. Jones in Nature Reviews Cancer, Vol. 11, pages 726–734; October 2011. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/21941284

Page 32: Oloom Magazine march april-2014

30(2014) 4/3

اختراق نظام الطائرات من دون طيار)�( قد تبدأ قريبا أساطيل الطائرات من دون طيار بإجراء عمليات مسح لألراضي للكشف عن حرائق الغابات وإيصال الطرود البريدية السريعة. إال أن أمن هذه الطائرات يعاني بعض اخللل الذي يسمح باختراق نظامها بسهولة عن طريق استخدام تقانات بسيطة.

<K. ويسون> - <T. همفريز>

ــــــة تابعة للبحرية ــــــخ 2010/8/2، حلقــــــت طائرة مروحي بتاريية فــــــي أرجاء املجال اجلوي احملظور األمريكية وجتولت بحرــــــر مرئية فوق العاصمة ــــــران الذي ميتد مثل قبة غي جدا للطياألمريكية. ولم يكن هذا احلــــــدث ليحظى بأهمية تذكر تتعدى ــــــة احلركة اجلوية إدراجه في الســــــجل الروتيني لبرج مراقبفي مطــــــار رونالد ريگان الوطني بواشــــــنطن، لوال وجود أحد ــــــل املثيرة للقلق، وهو أن هــــــذه املروحية لم يكن فيها التفاصيطيار بشــــــري. ولم تكــــــن لهذه الطائرة نوافــــــذ، ولم تكن قمرة القيادة فيها حتوي شيئا سوى معدات وأجهزة إلكترونية. فقد

كانت طائرة من دون طيار.وهذه الطائرة من طراز MQ-8B )1(FireScout - وتزن 1429 كيلوغراما، ويبلغ طولها 9.7 أمتار - كانت تعاني ما أســــــماه ــــــث انقطع رابط احملققــــــون الحقا »مشـــكالت برمجية)2(،« حياالتصال فيها باملشغلني البشريني لها في غرفة مراقبة أرضية في احملطة اجلوية البحرية على نهر Patuxent بوالية ماريالند، وكانوا عاجزين عن فعل أي شيء إزاء ذلك. وما زاد الطني بلة أن الطائرة فشلت في تنفيذ تعليمات برمجية كانت ستجبرها على العودة إلى قاعدتها. وجتولت هذه الطائرة، التي تستخدم ألغراض االستطالع قبالة السفن احلربية، محلقة في املجال Air Force One اجلوي نفسه الذي تستخدمه الطائرة الرئاسية

إلقالعها من قاعدة أندروز اجلوية وهبوطها فيها.وبعــــــد 30 دقيقة من األعصاب املتوترة واملشــــــدودة، متكن لون األرضيون من إعادة االتصال بالطائرة واستعادة املشــــــغالسيطرة عليها. وقد حاول الحقا مسؤول في البحرية األمريكية حتسني صورة ما حدث للطائرة وذلك باإلشادة بأدائها خالل فترة حتويل مســــــارها اجلوي غير املتوقع، وذكر على ســــــبيل ــــــة في هذه الطائرة قد حافظ على ــــــال، أن نظام القيادة اآللي املث

حتليقها بشكل مستقيم وعلى ذات املستوى من االرتفاع.وتعطينا رحلة طائرة FireScout التائهة درسا في التحديات ــــــة التي تطرحها الطائرات مــــــن دون طيار. فقد األمنية الهائلبدأت اآلن منظومات االستطالع واألسلحة هذه تأخذ اهتماما بالغا باالضطالع مبجموعة متنوعة من املهام في وقت السلم. ر إدارة الطيران الفيدرالي األمريكي (FAA))3( أن ما يزيد وتقدــــــرة من دون طيار ســــــوف حتلق بحلول عام ــــــى 000 10 طائ عل2020 في املسارات اجلوية بسماء الواليات املتحدة. وقريبا قد

ــــــى الطائرات من دون طيار بعمليات البحث واإلنقاذ ورش تعنــــــل ورصد خطوط اإلمداد بالطاقــــــة والبحث العلمي، احملاصي

HACKING DRONES )�()1( طائرة استطالع احلرائق

software issue )2(The Federal Aviation Administration )3(

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

باختصارFAA حلماية الطائرات من االصطدام يجب أن يتوسع ليشمل حماية

الطائرات من دون طيار من عمليات القرصنة.وهناك خطوات فنية يتعني تنفيذها لضمان جعل اإلشــــــارات ــــــرات والتحكم فيهــــــا آمنة من الالســــــلكية اخلاصــــــة بتوجيه الطائعمليات القرصنة أو التشويش على يد املخربني الذين يرغبون في السيطرة على قيادة هذه الطائرات، رمبا الستخدامها كسالح من

أسلحة اإلرهاب.

مــــــن املتوقع بحلول عــــــام 2020 أن يحلق فــــــي أجوائنا أكثر من 000 10 طائـــرة مـــن دون طيار من أجــــــل عمليات البحث واإلنقاذ،

ورصــــــد خطوط الطاقة، والبحث العلمي وغيرها من االســــــتخدامات التي ستصبح أقل تكلفة مما لو قام البشر بتنفيذ تلك املهام.

إن عبور أســــــراب من الطائرات من دون طيـــار املجال اجلوي ــــــوكاالت الرقابية إلى األمريكــــــي يطرح حتديات أمنية دقيقة تفتقر الــــــدور التقليدي إلدارة الطيران االســــــتعدادات املطلوبة ملواجهتها. فال

Page 33: Oloom Magazine march april-2014

31 (2014) 4/3

وعدد ال يحصى من االستخدامات األخرى.واملنطــــــق الذي يدعو إلى نشــــــر الطائرات مــــــن دون طيار ــــــع للغاية. فبإلغاء احلاجة إلى وجود طيار أو جتهيز قمرة مقنالقيادة واملقصورة الستيعاب طاقم الطائرة البشري والركاب، سوف حتقق املشــــــاريع اجلوية التجارية مكاسب هائلة جراء املدخرات التي ســــــتحققها من نشر هذا النوع من الطائرات. فعلى سبيل املثال، ميكن لشركة كهرباء بالسعر الذي ستدفعه لقاء اســــــتئجار طائرة يقودها طيار بشــــــري للقيام مبجموعة عمليات للتحقق من سالمة خطوط الطاقة، أن تشتري منظومة ــــــة من املركبات اجلوية مــــــن دون طيار للقيام بالعمل ذاته كامللسنوات قادمة. واستحوذ إغراء الطائرات من دون طيار على اهتمــام كبــرى الشــــــــركـات في الواليــات املتحــدة. فقـد حتدث <W .F. ســــــميث> ]مؤسس شركة FedEx)1( ورئيسها التنفيذي[

عن اســــــتخدام الطائرات من دون طيار لتحل محل أســــــطول طائرات الشركة في توزيع الطرود البريدية.

ــــــى إن الكونگرس األمريكي بدأ يعترف بحتمية املرحلة حتــــــة من دون طيار. وعندما وافق القادمة من الطائرات التجاري FAA الكونگــــــرس على قانون حتديث وإصالح إدارة الطيرانــــــب إلى الوكالة وضع »خطة شــــــاملة في الشــــــهر 2012/2، طلبحلول عام 2015 للتســــــريع اآلمن بدمــــــج أنظمة الطائرات من

دون طيار وإدخالها ضمن النظام اجلوي الوطني.«ولسوء احلظ، فمن غير املرجح أن يصبح اجلهاز الرقابي إلدارة مــــــا هو بالفعل إنســـاالت)robots )2 يتم التحكم فيها من ــــــرات من دون طيار بعد؛ جاهزا في الوقت املناســــــب. فالطائع من نطاق مسؤوليات إدارة الطيران FAA بشكل يتجاوز توســــــدي في ضمان عدم خــــــروج طائرتني من طراز دورها التقليبوينگ 737 عن مسارهما واحلفاظ على مسافة واحدة بينهما والقدرة على التعامل مع تقلبات األحوال اجلوية. وعلى الرغم من توسع مهمة إدارة الطيران FAA بشكل ملحوظ في أعقاب هجمات احلادي عشــــــر من سبتمبر 2001 لتشمل قضايا أمن FAA الطائرات )على ســــــبيل املثال، أشــــــرفت إدارة الطيرانمة لقمرة القيادة(، فإن احتمال وجود ــــــى تركيب أبواب مدع علأسراب من الطائرات من دون طيار في السماء يشكل حتديات أمنية خطيرة ليس مبقدور الوكالة مواجهتها في الوقت الراهن

نظرا لعدم توفر املعدات واألجهزة الالزمة لذلك.

روابط حيوية)�(إن أصعب هذه التحديات هو تأمني الروابط الالسلكية للطائرات من دون طيار. ولكي تستطيع طائرة من هذه الطائرات املناورة لألعلى أو لألسفل، أو بشكل جانبي أو إلى األمام يجب تأمني

ثالثة روابط اتصال رئيســــــية بها وهي: إشــــــارة املالحــــــة الواردة مــــــن األقمار ــــــد املوقع العاملي الصنعية لنظام حتدي(GPS)، وإشــــــارة واحدة أو أكثر إلعالم

الطائرات األخــــــرى عن مكان وجودها، ــــــني األرض والطائرة ورابط باجتاهني بــــــك من أجــــــل قيادتهــــــا وتوجيهها. وذلوميكن لتعطل أي رابط من هذه الروابط

ــــــه ال يوجد في بعض ــــــة أن يســــــبب كارثة. فضال عن أن الثالثاحلاالت حل فني واضح لتأمني هذه الروابط.

ويعد النظام GPS حجر الزاوية في نظام مالحة الطائرات ل أجهزة استشعار التوجيه بالقصور من دون طيار، فهو يكمالذاتي، وجهاز قياس شدة املجاالت املغنطيسية، وأجهزة قياس االرتفــــــاع وحتى أجهزة التصوير)3(. ويحتل جهاز اســــــتقبال النظام GPS موقع الصدارة في نظام مالحة الطائرات من دون طيار نظرا ألنه، على عكس األجهزة األخرى، يســــــتطيع العمل

في جميع الظروف اجلوية واحملافظة على الدقة املتناهية.وبخالف النظام GPS العســــــكري، فإن النسخة املدنية منه غير معماة)unencrypted )4 وميكن الوصول إليها بحرية. ومع اســــــتمرار بثه إلى الهواتف الذكية والساعات الرياضية على حد سواء، فإن النظام GPS املدني يحظى بشعبية هائلة ولكنه يفتقر إلى أي شــــــكل من أشكال التثبت)5(، مما يشكل موطن ضعف خطير، إذ ميكن بسهولة االستعاضة عن إشارة حقيقية

.spoofing بإشارة وهمية، وهي عملية تعرف باخلداعوفي الشــــــهر 2012/6، وفي قاعدة إطــــــالق الصواريخ في منطقة WhiteSands بنيو مكســــــيكو، بني مختبرنا أن التعرض خلــــــداع النظام GPS له عواقب وخيمة على الطائرات من دون طيار. فمن مســــــافة تبعد نحو نصف كيلومتر، استطاع جهاز اخلداع لدينا الســــــيطرة على طائرة اســــــتطالع من دون طيار تبلغ تكلفتها 000 80 دوالر أمريكي. فقد استطاع جهاز خداع مصنع يدويا توليد إشارات مزيفة شبه كاملة حتاكي اإلشارات ل اإلحداثيات إلى الطائرة احلقيقية لألقمار الصنعية التي حتومن دون طيار. ومبا أن الطائرة من دون طيار كانت غير قادرة على التمييز ما بني اإلشــــــارات احلقيقية واملزيفة، فقد التقطت

إشارات التوجيه األقوى.ــــــار، فإنها تبدأ ــــــرة من دون طي ــــــم خداع الطائ وعندمــــــا يت

VITAL LINKS )�()1( شركة البريد السريع االحتادية

)2( ج: إنسالة robot، وهذه نحت من إنسان-آلي.)3( أو: الكاميرات

)4( أو: غير مشفرةauthentication )5(

Page 34: Oloom Magazine march april-2014

32(2014) 4/3

بأخــــــذ أوامر توجهها من جهاز اخلداع لدينا. وعندما أظهرت اإلشــــــارات اخلاطئة املرســــــلة إلى الطائرة أنهــــــا كانت ترتفع ــــــى األعلى، كانت تهبط بشــــــكل مطيع للحفاظ على عموديا إلاالرتفــــــاع العمــــــودي املطلوب املبرمج في نظــــــام الطيار اآللي فيها. ومن خالل محاولة ضبط موقعها عاليا بناء على بيانات خاطئة، بدأت الطائرة بالفعل بالتوجه مباشرة نحو األراضي ن ــــــة. ولم يتم إنقاذها من التحطــــــم إال بعد أن متك الصحراويل، مبا لديه من رباطــــــة جأش، من إلغــــــاء أوامر جهاز مشــــــغ

اخلداع وإعادة السيطرة على الطائرة يدويا.وقد مت اكتشاف خطر هذا النوع من اخلداع منذ عقد من ــــــى األقل. فقد وثقت وزارة النقل األمريكية مســــــبقا الزمن علتهديد اخلداع في تقرير صدر عام 2001، ولكن صناع القرار والشــــــركات املصنعة ألجهزة النظــــــام GPS جتاهلوا إلى حد كبير التحذيرات التي وردت في التقرير حتى وقت قريب جدا، ولعــــــل حجتهم في ذلك هــــــي أن أي هجوم من هذا القبيل كان ــــــأن احللول التقنية مســــــتبعدا وال يســــــترعي االهتمام. علما بليست متوفرة وفي متناول اليد. فاألساليب التقنية التي ميكن أن حتمي إشــــــارات النظــــــام GPS عن طريق دمغـــة العالمة املائية)1( املعماة - وهي دمغة رقمية آمنة تســــــتطيع أن حتدد منشأ إشارة ما وتتأكد من مضمون رسالتها - تتطلب سنوات لوضعها حيز التنفيذ، أما األســــــاليب التقنية غير املعماة التي ميكــــــن وضعها حيز التنفيذ في وقــــــت قريب فهي بحاجة إلى

إثبات أنها قادرة على القيام بذلك. ــــــد الوحيد الذي وال يعتبر هــــــذا النوع من اخلداع التهدي .GPS ــــــرة من دون طيار التي تعتمد على النظام تواجهه الطائوال عجب أيضا أنه ميكن بكل بساطة وسهولة اعتراض سبيل عملية اســــــتقبال إشــــــارات املالحة. وتكون إشــــــارات املالحة ــــــة، وال تتعدى كثافة بالقرب من ســــــطح األرض ضعيفة للغايفق - وهو مقياس لقوة اإلشــــــارة - قوة الضوء الوارد من الدمصباح كهربائي بقدرة 50 واطا على مسافة 000 22 كيلومتر. وهكذا، يستطيع أي جهاز تشويش القيام بهذا العمل اخلبيث

ــــــذي مير فيه من خــــــالل توليد ضوضاء في املجال نفســــــه الالطيف الراديوي للنظام GPS. وباستطاعة أي نظام إلكتروني حديث تقريبا، أو حتى أي جهاز حاسوب محمول، التشويش عــــــن غير قصد على إشــــــارات النظــــــام GPS وذلك عن طريق GPS توليد ضوضاء داخل جهاز اســــــتقبال إشــــــارات النظام

من مسافة قريبة.د لكي يكون شديد وميكن تصميم جهاز تشــــــويش متعمــــــرات من دون ــــــة فــــــي إرباك نظــــــام املالحة في الطائ الفعاليلون في كوريا اجلنوبية طيار. وفي الشهر 2012/5 فقد املشغــــــار من طراز الســــــيطرة على طائرة اســــــتطالع من دون طيSchiebel Camcopter S-100 تزن 150 كيلوغراما، والتي هوت

وارتطمت مبحطة املراقبة األرضية، مما أسفر عن مقتل مهندس وإصابة اثنني من مشغلي الطائرات من دون طيار. ومن املرجح أن تكون أجهزة التشويش للنظام GPS التابعة لكوريا الشمالية واملوجهة إلى كوريا اجلنوبية قد تسببت بسلسلة من احلوادث ــــــي أدت إلى حتطم الطائرة، مبا في ذلك بعض األخطاء التي التلو الطائرات مــــــن دون طيار في كوريا اجلنوبية. ارتكبها مشــــــغويبني هذا احلادث ومــــــا ذكرناه عن عمليات اخلداع بجالء أنه من الضــــــروري توفير نظام مالحة آمن ضــــــد عمليات اخلداع والتشويش قبل أن تســــــتطيع الطائرات من دون طيار التحليق

بأمان في أجوائنا.

جتنب االصطدام)�(ــــــة وقوع حادث اصطدام في اجلو بني طائرة من دون إن إمكانيــــــة قبول الطائرات طيار وطائرة أخرى ســــــتزيد من تعقيد عمليــــــار. فالطيارون التقليديون يســــــتخدمون املالحظة من دون طيالبصرية وجهاز الرادار للكشــــــف عن وجــــــود طائرات أخرى ــــــد أن الطائرات من دون طيار أمامها وجتنب االصطدامات. بيــــــل أن تتمكن من تأمني هذا املســــــتوى شــــــوط طويل لتقطعه قبالروتيني من اليقظة. وقد ذكر مكتب مساءلة احلكومة االحتادية في تقريره لعام 2012 الذي قدمه بواجب االمتثال للوائح وأنظمة ــــــران FAA أنه »لم يتم نشــــــر أي تقانة مناســــــبة من إدارة الطيشأنها أن تزود الطائرات من دون طيار بالقدرة على اإلحساس

بالطائرات واألشياء الطائرة األخرى وجتنب االصطدام بها.«والبقاء خارج مسار الطائرات األخرى يشكل حتديا كبيرا، وخاصة بالنسبة إلى الطائرات من دون طيار الصغيرة ألنها ال تستطيع استيعاب أجهزة الرادار احملمولة جوا احلالية، وذلك نظرا لضخامة حجمها وتعطشــــــها للطاقة. وميكن للكاميرات

COLLISION AVOIDANCE )�(watermarking )1(

Kyle Wesson<ويســـون> طالب دكتوراه في الهندســــــة الكهربائية وهندسة احلاسوب بجامعــــــة تكســــــاس في مدينة أوســــــنت. وهــــــو عضو في مجموعة شــــــبكة االتصاالت الالســــــلكية ومختبر املالحة الالسلكية، التي تعمل على تطوير

.(GPS) التقانات املتعلقة بنظام حتديد املوقع العاملي

Todd Humphreys<همفريز> أســــــتاذ في هندســــــة الطيران والفضاء بجامعة تكســــــاس في مدينة أوســــــنت، وهو متخصص في مالحة األقمار الصنعية ويدير مختبر

املالحة الالسلكية.

املؤلفان

Page 35: Oloom Magazine march april-2014

33 (2014) 4/3

اخلفيفة املرئية التي تستخدم األشعة حتت احلمراء أن تشكل ــــــف وفعال إلى حد معقول، لكنها ال تســــــتطيع بديال غير مكل

الرؤية من خالل الغيوم.وفــــــي نهاية املطاف قــــــد يأتي أحد احللول مــــــن نظام إذاعة االستطالع التابع التلقائي (ADS-B))1(. وفي هذا النظام يحدد جهاز اإلرسال واالستقبال موقع الطائرة وسرعتها في كل ثانية، ويستقبل تقارير مماثلة من الطائرات املجاورة. وبحلول عام 2020

صة، ــــــع الطائرات املرخ ســــــتطلب إدارة الطيران FAA إلى جميل أجهزة إرسال واستقبال النظام الكبيرة أو الصغيرة، أن تشغADS-B كجــــــزء من إصالح جذري لنظام املالحة اجلوية. وطاملا

ستقوم جميع الطائرات املجاورة، سواء كانت بطيار أو من دون طيار، ببث مواقعها وسرعاتها عبر أجهزة اإلرسال واالستقبال

تعرضات

Spoofing and Jamming a Drone )�(Automatic Dependent Surveillance - Broadcast )1(

عمليات اخلداع والتشويشعلى الطائرات من دون طيار)�(

ميكن أن يستغل اخلاطف نقاط الضعف األمنية في عمليات البث الالسلكية املســـتخدمة لقيادة الطائرة من دون طيار. إن إرســـال إشـــارات كاذبـــة أو التشـــويش علـــى اإلشـــارات احلقيقيـــة ميكـــن أن يحـــوال مســـار رحلة الطائـــرة من دون طيـــار ويوجهانهـــا إلى االصطدام بـــاألرض والتحطم. وقد وضع الباحثون في مجال األمن عدة سيناريوهات محتملة ملثـــل هذه األالعيب، كما هو موضح هنا باســـتخدام طائرة

.Schiebel Camcopter من دون طيار من طراز

ل الطائرة من دون يقوم مشغطيار بتوجيه حركتها باستخدام

إشارات السلكية من محطة أرضية، ولكن إشارات التحكم

هذه ميكن التشويش عليها.

البث املالحي اجلوي بواسطة األقمار الصنعية

إشارات جهاز اإلرسال واالستقبال

اخلداع والتشويش على عمليات بث الرسائل

إشارات التحكم إشارات

اخلداع

ضوضاء التشويش

األقمار الصنعية GPS اخلاصة بالنظام

ميكن خداع أو اعتراض سبيل الرسائل التي يرسلها جهاز اإلرسال

واالستقبال لتحذير الرحالت اجلوية األخرى من وجود طائرة في

مجالها اجلوي.

التشويشعمليات بث ضوضاء ميكن أن

تعترض النظام GPS واإلشارات املهمة األخرى لقيادة الطائرة من دون طيار. وميكن برمجة الطائرة للعودة إلى القاعدة التي انطلقت

منها إذا ما مت التشويش على إشارات التحكم، ولكن ال توجد

حلول ناجعة إذا ما مت اعتراض النظام GPS وإشارات التحكم.

اخلداعميكن جلهاز حتكم إلكتروني محمول باليد

تزوير اإلشارات املرسلة من األقمار الصنعية للنظام GPS أو أجهزة اإلرسال واالستقبال

التي تتعرف الطائرة. وميكن لعمليات اخلداع أن تتغلب على إشارات البث هذه وتتسبب

بانحراف الطائرة من دون طيار عن مسارها أو االقتراب على نحو خطير من الطائرات

األخرى. وكإجراء مضاد، ميكن تعمية اإلشارات بدمغة رقمية تستطيع الطائرة من دون طيار

أن تتعرفها بأنها حقيقية. بيد أن هذه التقانة ال تزال بعيدة املنال وحتتاج إلى سنوات

لوضعها حيز التنفيذ، وما هو متوفر حاليا من بدائل ال تستخدم التعمية لم يثبت جدارته بعد.

Page 36: Oloom Magazine march april-2014

34(2014) 4/3

ــــــب حوادث االصطــــــدام عن طريق للنظــــــام ADS-B، ميكن جتناستخدام هذه األجهزة إليجاد مسار آمن للطيران.

ADS-B ــــــي النظام كما هي احلــــــال مع النظام GPS، يعانأيضــــــا نقطة ضعف خطيرة: وهي أن عمليات اإلرســــــال لديه GPS غير موثقة، وبالتالي ميكن تزويرها. وعندما كان النظامقيد التطوير في التسعينات، لم يكن موضوع األمن يشكل إال مصدر قلق طفيف: حتى إن فكرة بث إشارات زائفة عن طريق النظام ADS-B لم تكــــــن إال ضربا من اخليال. بيد أن التكلفة واملهارة في شن هجوم على النظام ADS-B صارت رخيصة إلى حــــــد يدعو إلى القلق. ففي عــــــام 2012 أظهر باحثون في معهد القوى اجلوية للتقانة بوالية أوهايو أنه ميكن تعمية ونقل مجموعــــــة متنوعة من الهجمات ســــــواء مــــــن األرض أو اجلو، وذلك باستخدام إشارات زائفة ترسل بواسطة هوائي رخيص الثمن. وميكن ملثل هذا الهجوم »باحلقن الزائف«)1( أن يجعل

الطائرة تعتقد أن هناك اصطداما وشيكا.ــــــة ذاتها إصدار مئات إشــــــارات البث وباســــــتطاعة التقانالكاذبة أو منع اســــــتقبال الرســــــائل احلقيقية. إن الرســــــائل الكاذبة للنظام ADS-B مكلفة بالنسبة إلى الطائرات الصغيرة ــــــر مما هي احلال مع الطائرات التي يكون من دون طيار، أكثفيها طيار بشــــــري في قمرة القيادة. فقد يكون مبقدور الطيار البشري التحقق بسرعة من وجود أو عدم وجود طائرة وهمية في مســــــاره التصادمي عن طريق استخدام الرادار على منت الطائرة، إال أن الطائرة من دون طيار تفتقر إلى بديل احتياطي

من هذا القبيل.تريد إدارة الطيران FAA التعامل مع خطر الرســــــائل الكاذبة للنظام ADS-B عن طريق األسلوب اجلمعي multilateration، وهو أسلوب لتحديد مصدر الرســــــالة عن طريق قياس زمن وصولها النســــــبي في أجهزة استقبال أرضية متعددة ومن ثم ترحيل هذه املعلومات إلى الطائرة احمللقة في اجلو. بيد أن األسلوب اجلمعي ــــــوق يعتمد على بديل دقيق للنظــــــام GPS، وهو بديل ال يزال املوث

احلصول على نسخة معقولة منه أمرا بعيد املنال.ــــــم التحكم في الطائرات من دون طيار بواســــــطة حبل ويتالســــــلكي، وهو ما يسمى الرابط الالســــــلكي للقيادة واملراقبة ل والطائرة، والذي يبدو، للوهلة األولى، أنه يشكل بني املشــــــغ GPS حتديا أمنيا أقل خطورة من التحدي الذي يشكله النظامأو النظــــــام ADS-B. وتوجد بروتوكــــــوالت اتصاالت آمنة لهذه اإلشارات، التي ينبغي أن تكون كافية لدرء اختراق املخادعني

وغيرهم من األشرار.ــــــزال باإلمكان اعتراض ســــــبيل هذه ــــــك، فإنه ال ي ومع ذلاإلشارات ومنع وصولها. إن فقدان االتصال بطائرة من دون

طيار - وهو ما يشــــــير إليه اخلبراء بفقدان الرابط – ســــــواء من تشــــــويش متعمد أو عطل ما زال يشكل تهديدا، ولم يظهر لو ــــــى اآلن أي حل مرض لهذا األمر. وعادة ما يقوم مشــــــغ حتالطائرات مــــــن دون طيار ببرمجتها ببروتوكول خاص بفقدان الرابط )الذي يطالب الطائرة، على ســــــبيل املثال، بالعودة إلى قاعدتها إذا فقد الرابط الالســــــلكي ألكثر من 30 ثانية(، إال أن مثل هذا البروتوكول يفترض أن نظام املالحة في الطائرة من دون طيار، الذي يكون نفســــــه عرضة للقرصنة، يعمل بشكل سليم، وأن نظام التحكم فيها لم يتعرض خللل في البرمجيات، كما حدث عــــــام 2010، عندما توجهت مروحية FireScout نحو

العاصمة واشنطن.ومن بني املشكالت األخرى التي تواجهها اجلهات الرقابية إيجاد مناطق الطيف الالسلكي التي ميكن تكريسها خصيصا إلرســــــال إشارات القيادة والتحكم. وبسبب ندرة الطيف، فإن ــــــد من الطائرات من دون طيار تضطــــــر إلى اللجوء إلى العدينقل اإلشــــــارات في نطق السلكية غير محمية تستخدم ألنواع أخرى من اإلرسال الالسلكي، وهذا ميكن أن يجعلها عرضة ــــــل غير مقصود من قبل العديد مــــــن األنظمة اإللكترونية لتدخ

التي حتتل هذه النطق بشكل شرعي.

حتديات ومزيد من التحديات)�(ــــــة أمريكية ــــــدات الفنية لتأمــــــني خطوط جوي تصطــــــدم التعقيــــــار ببيروقراطية بطيئة احلركة وال حتب للطائرات من دون طياملخاطرة، إضافة إلى تراجع متزايد في التشــــــريعات. ويجب ــــــى اجلهات الرقابية أن تتعامل مباشــــــرة مع عملية إحداث علتغيير جوهري في الطريقة التي تتم فيها قيادة الطائرة. وينبغي ل الطائرة من دون طيار في القاعدة األرضية، الذي على مشغــــــى مقبض التحكم ــــــارا حقيقيا أن يضع يديه عل ــــــر طي ال يعتبــــــاه ال حتيدان عن حاجب الريح )الزجاج األمامي( لقمرة وعينالقيادة، وإدخال مسار الرحلة في جهاز احلاسوب، والتحكم في الطائرة من دون طيار عن طريق جهاز أشبه بذراع القيادة في الطائرة، ورصد سلســــــلة من روابط االتصاالت التي تربط الطائرة بقاعدتها بحبل الســــــلكي. وفــــــي بعض األوقات أثناء ل باملناورة بالطائرة من دون طيار رحلة الطيران، يقوم املشــــــغــــــم التحكم فيها من بعد، كما لو أنها كانت طائرة للتســــــلية يتوقد يصل وزنها آالف الكيلوغرامات. وفي أوقات أخرى، فإن

الطائرة من دون طيار ميكن أن تطير بشكل مستقل متاما.وفي ظــــــل التفويض اجلديد الذي أصدره الكونگرس، فإن

CHALLENGES AND MORE CHALLENGES )�()false injection )1؛ أو: البث الزائف لإلشارات

Page 37: Oloom Magazine march april-2014

35 (2014) 4/3

ــــــران FAA تتحمل مســــــؤولية التأكــــــد من أن نظام إدارة الطياحلركــــــة اجلوية يعمل على تطوير الوســــــائل التقانية لضمان املشــــــاركة اآلمنة للطائرات من دون طيار في التحليق باملجال اجلوي جنبا إلى جنب مع طائرات اجلامبو من طراز إيرباص 380 أو طائرات Piper Mirage ذات احملرك الواحد. وهذا يعني

أنه ينبغي على إدارة الطيران FAA أن تصدر اللوائح التنظيمية للتأكد من أن الطائرات من دون طيار ال تشــــــكل خطرا إذا ما

فقدت السيطرة عليها أو فقدت إشارات املالحة.وليس لســــــجل الســــــالمة في إدارة الطيران FAA مثيل وهو متجذر جزئيا في احلذر الذي تبديه الوكالة بالنســــــبة إلى اعتماد تقانات جديدة ميكن أن تعرقل حسن سير نظام احلركة اجلوية. ويتعني على مسؤولي الوكالة اآلن مواجهة التحــــــدي الصعب املتمثل في تنظيم عمل الطائرات من دون طيار بينما هم منكبون كليا على جهود التحديث على نطاق واســــــع - إلصــــــدار اجليل التالي من نظــــــام النقل اجلوي، أو اجليل القادم، الذي ســــــيحل محــــــل الرادار املعتمد على نظام املالحة بواســــــطة األقمار الصنعية. ومن املتوقع، على الورق، أن تقوم وزارة األمن الداخلي بتقدمي املساعدة، بيد أن املســــــؤولني هناك أعلنوا مرارا أنهم ال يعتبرون موضوع

الطائرات من دون طيار ضمن إطار مهمتهم.وبالنســــــبة إلى صياغــــــة اللوائح، فإنه يتعــــــني على إدارة ــــــران FAA االنخراط في مهمة شــــــاقة إلحداث توازن ما الطيــــــد االقتصادية لتقانة بني اعتبارات الســــــالمة العامة والفوائالطائرات من دون طيار. والشرط أن تبقى الطائرات من دون ل، ســــــيجعل صة، دائما ضمن خط بصر املشــــــغ ــــــار املرخ طيــــــة قرصنتها غير مرجحة، ولكنه ســــــيجعل الطائرات من عمليــــــار عدمية الفائدة متاما ألغــــــراض كثيرة. وتثير تقانة دون طيــــــرات من دون طيار أيضا مســــــائل تتعلق باخلصوصية الطائ .FAA ــــــدا ضمن اختصــــــاص إدارة الطيران ــــــي لم تكن أب التويطالب أنصار اخلصوصية وأعضاء في الكونگرس اآلن بأن تضع الوكالة لوائح تنظيمية للتعامل مع الطائرات التي ميكن أن حتــــــوم فوق الفناءات اخللفية للمنازل في الضواحي، وهي

مزودة بكاميرات شديدة الدقة والوضوح.وفــــــي هذه األثناء ال يرى العديد من صناع القرار ســــــببا ــــــب بوصول الطائرات مــــــن دون طيار، بعد أن وجيها للترحيرة التي تعرضها خبروهــــــا جيدا من خالل املشــــــاهد املصــــــونشــــــرات األخبار الليلية والتي تســــــلط الضوء على دورها في ــــــه الضربات الصاروخية فــــــي مناطق صراع املراقبة وتوجيخارج الواليات املتحدة. وردا على ذلك، اقترحت 42 والية على األقل حتى اآلن ســــــن تشريعات تفرض قيودا على استخدام

الطائرات مــــــن دون طيار. ــــــر مشــــــروع القانون ويعتبــــــس رقــــــم 912 أمــــــام مجلالنواب في والية تكســــــاس ــــــرة الطائ ل مشــــــغ ــــــام قيــــــار بالتقــــــاط مــــــن دون طيصــــــور لألمــــــالك اخلاصة للمواطنني دون إذن صريح من أصحاب هذه األمالك، جنحة يعاقب عليها القانون. االحتادي، املستوى وعلى ــــــون احملافظة على فإن قانــــــة األمريكي ــــــة اخلصوصي2013 يحظر عــــــام املقترح على اجلهات املعنية بإنفاذ ــــــام باملراقبة ــــــون القي القانالطائرات ــــــى عل اعتمــــــادا ــــــدون أمر مــــــن دون طيار بقضائي، كما يحظر أيضا اســــــتخدام الطائرات من دون طيار املســــــلحة من قبل اجلهات املعنية بإنفاذ القانون أو املواطنني

العاديني في جميع أنحاء الواليات املتحدة.ــــــات الرقابية والفنية ومن املرجح أن تتســــــبب الئحة الطلبوأوجه القلق التي عبر عنها املشرعون في جلسات االستماع التي أجراها الكونگرس في إبطاء عملية اعتماد تقانة الطائرات من دون طيار ولكنها لن تلغيها. وهناك حاجة إلى إمعان النظر في مســــــألة أمن هــــــذه الطائرات. فمواطــــــن الضعف فيها لها نظائرها منذ زمن بعيد في عالم الطيران الذي يحتفظ بربابنة وقادة الطائرات في قمرة القيادة. وال تزال الطائرات معرضة لالختطــــــاف، واليزال الطيارون معرضني لألعمال القســــــرية، وكذلك روابط االتصال فإنها معرضة لالنقطاع والتوقف. ومع ــــــر مدركني للمخاطر، ولكن ــــــك، ما زلنا نطير، ليس ألننا غي ذلــــــران تفوق هذه املخاطر. ألن ســــــبل الراحة التي يوفرها الطي

والطائرات من دون طيار تطالبنا بتقدمي التنازل ذاته. <

ر تقرير حكومي حذصدر مؤخرا من أن التقانة، التي

جتعل الطائرة من دون طيار التي

يتم تسييرها عن بعد قادرة على

اإلحساس بوجود طائرات أخرى

في املجال اجلوي األمريكي وجتنب االصطدام بها، لم

يتم نشرها بعد.

Scientific American, November 2013

مراجع لالستزادة Unmanned Aircraft Systems: Measuring Progress and Addressing Potential Privacy Concerns Would Facilitate Integration into the National Airspace System. U.S. Government AccountabilityOffice, September 18, 2012. www.gao.gov/products/GAO-12-981 Unmanned at Any Speed: Bringing Drones into Our National Airspace. Wells C. Bennett. Issuesin Governance Studies series, No. 55. Brookings Institution, December 14, 2012. www.brookings.edu/research/papers/2012/12/14-drones-bennett.

Page 38: Oloom Magazine march april-2014

36(2014) 4/3

ل الدماغ الورق)�( لم يفضلقد باتت األلواح وغيرها من أجهزة القراءة اإللكترونية )1(

تقانات أكثر شعبية بعد التحسينات التي أدخلت عليها؛بيد أن القراءة من الورق ال تزال لها مزاياها الـمفضلة.

<F. جبر>

من بني ڤيديوهات اليوتيوب الڤيروســــــية األكثر استفزازية)2( خالل العامني املاضيني، واحد يبدأ بصورة اعتيادية متاما: طفلة عمرها عام واحد تلعب بجهاز آيباد iPad، حيث جتول بأصابعها علـــى شاشـــة اللمـــس، وتلخبـــط مجموعات من األيقونـــات. وتظهر في املشـــاهد الالحقة وهي تســـحب بأطـــراف أصابعهـــا صفحـــات مجالت ورقيـــة، ثـــم تصفعهـــا وتدفعها بعيـــدا، كما لو كانت هذه الصفحات نفسها هي شاشات أيضا. ــــــا)3(، يكـــرر الڤيديـــو هـــذه احلركات وميلودرامي

اإلميائية بالتصوير القريب.هـــذا فـــإن الطفلـــة، والـــد إلـــى وبالنســـبة الڤيديو - وعنوانه “املجلة هي آيباد ال يعمل” - مـــا هـــو ســـوى دليل علـــى أننـــا نعيـــش مرحلة انتقاليـــة في تطور األجيال. وقـــد أرفق الڤيديو بوصـــف كتبـــه والـــد الطفلة، جاء فيـــه: »لقد باتـــت املجالت اآلن عدمية الفائدة، وأضحت

ــــــني عصيـــة علـــى الفهـــم بالنســـبة إلـــى املواطنالرقميني)4(« - أي بالنسبة إلى أولئك األشخاص الذيـــن يتفاعلـــون مـــع التقانـــات الرقميـــة منـــذ نعومـــة أظفارهـــم، وال حتيـــط بهم فقـــط الكتب واملجالت الورقية وإمنا أيضا الهواتف الذكية

والكندلزات)Kindles )5 واآليباد.وبصرف النظر عما إذا كانت ابنته تتوقع فعال أن تتصـــرف املجالت كما يتصرف لوح اآليباد، فـــإن الڤيديـــو يجعلنا نواجه ســـؤاال مركزيا ال تنحصر أهميته فقط في دائرة األصغر سنا من

بيننـــا، بـــل تتجاوزها بكثيـــر: كيف تغير التقانـــة التي نســـتخدمها في القراءة

الطريقة التي نقرأ بها؟WHY THE BRAIN PREFERS PAPER )�(

e-readers )1(one of the most provocative viral YouTube videos )2(

melodramatically )3(digital natives )4(

)5( kindle كندل )ج: كندلزات(، وهي جهاز إلكتروني محمول لقراءة الكتب وتحميلها حاسوبيا.

e-books )6(

باختصاراللوحيــــة وأجهــــزة احلاســــوب احملمــــول ميكنهــــا أن ترهــــق العينــــني وتســــبب الصــــداع مــــن خالل تســــليط الضــــوء على

وجوه القراء مباشرة.وتشير األبحاث األولية إلى أنه حتى املواطنني الرقميني)4( - كما يســـمون - أكثـــر قدرة علـــى تذكر بيـــت القصيد مـــن القصة بعد ــــــة)6( وأجهزة القراءة قراءتهـــا من الـــورق، ذلك ألن الكتب اإللكترونياإللكترونية)1( املتطورة نفســـها تشـــتت التركيز أيضـــا. ولعل أهم

املزايا التي يتحلى بها الورق تتمثل في بساطته.

تشـــير الدراســــــات التي أجريت في العقدين املاضيني إلى أن النـــاس غالبـــا مـــا يفهمـــون النـــص املكتـــوب علـــى الورق ويتذكرونـــه على نحو أفضل من النص املقروء من الشاشـــة. فالشاشات قد تثبط الفهم من خالل إعاقة القراء عن التصفح

بصورة عفوية ووضع ترسيمة ذهنية للنصوص الطويلة.كما أن الشاشــــات، عموما، تتطلب على املستويني املعرفي واجلســــدي جهــــدا أكبر مما يتطلبه الورق. فتمرير الشاشــــة يقتضي يقظة دائمة، وشاشات الكريستال LCD في األجهزة

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

36

Page 39: Oloom Magazine march april-2014

37 (2014) 4/337

Page 40: Oloom Magazine march april-2014

38(2014) 4/3

منذ ثمانينات القرن العشرين، نشر باحثون متخصصون في علم النفس وهندسة احلاسوب وعلوم املكتبات واملعلومات، ــــــى أقل تقدير، أكثر من مئة دراســــــة أجريت الســــــتقصاء علالفروق بني الكيفية التي يقرأ بها الناس من الورق وتلك التي يقرؤون بها من شاشــــــات احلواســــــيب. وقد خلصت معظم التجــــــارب التي أجريت قبل عام 1992 إلى أن الناس هم أبطأ ســــــرعة في قراءة القصص واملقاالت من الشاشــــــات، وأقل قــــــدرة على تذكر مضامينها. ولكن ما أن صارت شاشــــــات األجهزة مبختلف أنواعها أكثر دقة، حتى بدأت الدراســــــات ــــــى مجموعة من النتائج املتفاوتة. وبحســــــب آخر تطلعنا علاالستطالعات املسحية، اليزال معظم الناس يفضلون الورق، ــــــى التركيز لفترة طويلة. خصوصا عندما يكونون بحاجة إل

ومــــــع ذلك، ثمة ما يشــــــير إلى حدوث تغير فــــــي املواقف إثر التحسينات التي أدخلت على تقانة األلواح وغيرها من أجهزة القــــــراءة اإللكترونية، وكذلك بعد أن صارت قراءة النصوص الرقمية أكثر شــــــيوعا؛ ســــــواء في إطار العمل اجلاد أو في مجال التســــــلية. وحاليا حتتل مبيعات الكتب اإللكترونية في الواليات املتحدة نسبة تقدر بأكثر من 20 % من مجمل الكتب

التي تباع للجمهور.ومع أن طريقة استخدام هذه التقانة تزداد سهولة يوما بعد يوم، وتتنامى شعبيتها باستمرار، فإن معظم الدراسات التي نشــــــرت منذ أوائل تســــــعينات القرن العشرين تثبت صحة االســــــتنتاجات الســــــابقة التي تفيد بأن الورق، من حيث كونه وســــــيلة للقراءة، ال يزال يتفوق على الشاشات. فالتجارب املختبرية واستطالعات الرأي وتقارير املستهلك تشير معا إلى أن األجهزة الرقمية تعيق الناس عن تصفح ــــــذي قد يثبط ــــــة بطريقة مثمرة، األمر ال النصــــــوص الطويلــــــة ال يزال يكتنفها الغموض. القــــــدرة على فهم القراءة بآليومقارنة بالورق، فإن الشاشات قد تستنزف أيضا املزيد من مواردنا العقلية أثناء القراءة، وتسبب لنا بعض الصعوبات فــــــي تذكر ما قرأناه بعد االنتهاء من القراءة. وســــــواء كان

الناس يعون ذلك أم ال، فإنهم أثناء تعاطيهم مع احلواسيب واألجهزة اللوحية غالبا ما يكونون في حالة ذهنية ال تتيح لهــــــم التعلم إال بدرجة أقل مما تســــــمح به حالتهم الذهنية خالل تعاطيهم مع الورق. كما أن القراءة اإللكترونية ليس بوســــــعها أن متدنا بتلك اخلبرات اللمسية التي تزودنا بها القــــــراءة الورقية، والتي يعتبر البعض أن غيابها يؤدي إلى

اإلرباك الذهني.تقول <M. وولف> ]اختصاصية العلوم املعرفية في جامعة Tufts[: »هناك عوامــــــل فيزيائية تؤدي دورا في القراءة، وقد

ــــــا نود التفكير فيه عندما آثرنا يكــــــون هذا الدور أكبر مما كنــــــم القراءة الرقمية. وفي الوقت الذي منضي الركون إلى عالــــــا ال نتأمل معامله مبا يكفي. ــــــه قدما في هذه الطريق، لعلن فيــــــي أود احلفاظ على أفضل ما إننتقدمه لنا النماذج القدمية، ولكنني فــــــي الوقت نفســــــه أود أن أعرف ــــــى ينبغــــــي علي أن أســــــتخدم مت

اجلديد منها.«

مشاهد نصية)�(ــــــة وراء ــــــة الكامن لكــــــي نفهم اآلليــــــني القراءة مــــــن الورق ــــــن ب التبايوالقراءة من الشاشــــــات، ال بد لنا أوال من االطالع على بعض اجلوانب املتعلقة بالكيفية التي يفســــــر بها الدماغ البشــــــري اللغة املكتوبة. فمع أن احلروف والكلمات هي رموز تتمثل من خاللها األصوات واألفكار، فإن الدماغ يعتبرها أشياء مادية. وكما توضح <وولف> في كتابها الصادر عام 2007 “بروست ــــــار)1(”، فنحن ال نولد مزودين بدارات دماغية مســــــخرة واحلبللقراءة، ذلك ألننا لم نخترع الكتابة إال قبل وقت قصير نسبيا فــــــي التاريخ التطوري لنوعنا، أي في األلف الرابع قبل امليالد ــــــا. وهكذا، فإن الدماغ يرجتل فــــــي مرحلة الطفولة دارة تقريبجديدة كليا تسخيرا للقراءة، حيث يحيكها من أشرطة متنوعة ــــــي املخصصة لوظائف أخــــــرى، كالتكلم من النســــــيج العصب

والتنسيق احلركي والرؤية.ويصبح بعض هذه املناطق الدماغية التي أعيد تشكيلها ألغــــــراض أخــــــرى، متخصصا فــــــي تعرف األشــــــياء، كي تســــــاعدنا، مثال، على أن منيز فورا بني التفاحة والبرتقالة ــــــى خصائصهما البارزة، وكــــــي تعيننا أيضا على بناء علــــــة الفاكهة. وعندما نتعلم القراءة تصنيف كلتيهما في خان

TEXTUAL LANDSCAPES )�( Proust and the Squid )1(

ميكن للدماغ البشري أن يدرك النص مبجمله كصنف من أصناف املشاهد املادية. ففي الوقت الذي منارس فيه

القراءة، نكون منشغلني أيضا بإنشاء متثيل ذهني للنص بطريقة تشبه على األرجح اخلرائط الذهنية التي نضعها

متثيال للتضاريس األرضية واألماكن داخل األبنية.

Page 41: Oloom Magazine march april-2014

39 (2014) 4/3

والكتابة، فإننا نبدأ على نحو مماثل بالتعرف على احلروف اســــــتنادا إلى الترتيبات اخلاصة خلطوطهــــــا ومنحنياتها ــــــة تعلم تتم عن طريق والفراغــــــات فيما بينها - وهي عمليــــــا وأيدينا. وفي آخر اللمس وتتطلب منا اســــــتخدام عيوننــــــي أجرتها على أطفــــــال يبلغون مــــــن العمر أبحاثهــــــا التخمس ســــــنوات، وجدت <K. جيمس> ]مــــــن جامعة إنديانا بلومنگتون[ أن دارات القراءة تفرقع نشاطا عندما ميارس هــــــؤالء األطفال كتابة احلروف بأيديهم، وليس عبر الضغط ــــــاس كتابة باألحرف على لوحــــــة املفاتيح. وعندما يقرأ الناملتصلة أو بأحرف متعقــــــدة، ككلمة Kanji اليابانية، مثال، فإن الدماغ ميشــــــي مع حركات الكتابة حرفا بحرف، حتى

وإن كانت اليدان فارغتني.ــــــد أن الدمــــــاغ البشــــــري ال يكتفــــــي بالتعاطي مع بياألحــــــرف الفردية كأشــــــياء مادية ومعاجلتهــــــا على هذا األساس، بل ميكنه فضال عن ذلك إدراك النص مبجمله

كصنف من أصناف املشــــــاهد املادية. ففي الوقت الذي نكــــــون فيه منهمكــــــني بقراءة نص ما، إمنــــــا نكون أيضا منشغلني بإنشاء متثيل ذهني له. ومع أننا ال نعرف حتى اآلن طبيعــــــة هذه التمثيالت على وجــــــه الدقة، فإن بعض الباحثني يعتقدون أن شأنها شأن اخلرائط الذهنية التي نضعها متثيال للتضاريس األرضية، كاجلبال واملمرات، مثال، ونضعها للمســــــاحات املادية فــــــي األماكن املغلقة، كالشــــــقق واملكاتب، على سبيل املثال. ويروي لنا الناس، سواء في القصص املتناقلة أو في الدراسات املنشورة، ــــــور على فقرة معينة في كتاب أنهم عندما يحاولون العثمــــــا، فإنهم غالبا ما يتذكرون املوقع الذي جاءت فيه هذه ــــــا مررنا مبزرعة ــــــص. فكما قد نتذكر أنن الفقــــــرة في النحمراء حتاذي بداية ممر مخصص للنزهات قبل شروعنا في تســــــلق مرتفع يخترق الغابة، فنحن نتذكر أيضا أننا

مبحث اللمسيات

Weighing Paper against Pixel )�(

املوازنة بني الورق والبكسل)�(دراســـات عديـــدة أثبتـــت أن النـــاس يفهمون ويتذكرون مـــا يقرؤونه من الورق بصـــورة أفضل مما

يقرؤونه من الشاشات. ويعتقد الباحثون أن فيزيائية الورق هي ما يفسر هذا التباين.

عندما يتذكر الناس فقرة من كتاب، فإنهم غالبا ما يتخيلون صورتها على

الصفحة. والزوايا املتعددة لكتاب مفتوح هي معالم تساعد القارئ على استحضار

مثل هذه الذكريات بفعالية أكبر.

إن الورق واحلبر يعكسان الضوء احمليط بهما. أما بالنسبة إلى

احلواسيب واأللواح، فالضوء ينبعث منها، األمر الذي قد يجهد العينني

ويضعف القدرة على التركيز.

تساعدنا سماكة مجموعة الصفحات التي قمنا بقراءتها وتلك التي لم نقرأها بعد، على تشكيل

خارطة ذهنية متماسكة للنص، وذلك ألن اإلحساس باملكان الذي تخلقه لدينا أكثر استتبابا بكثير من

.progress bar ذلك الذي يولده شريط التقدم

ميكن للقارئ أن يقلب صفحات نص ورقي بسرعة للمقارنة بني مقاطعه،

أو أن ميضي قدما في القراءة.

Page 42: Oloom Magazine march april-2014

40(2014) 4/3

قرأنا عن الســــــيد <دارسي> وهو يوبخ السيدة <إليزابيت بينيت> أثناء الرقص، وذلك في أســــــفل الزاوية اليسرى من صفحة الكتاب اليســــــرى في أحد الفصول السابقة

من رواية <جني أوسنت> “الكبرياء والتحامل”.ومــــــا مييز الكتب الورقية، في معظــــــم احلاالت، هو أن لها طوبوغرافيا أكثر وضوحا من النص املعروض على الشاشات. فالكتاب الورقي املفتوح يقدم نفسه إلى القارئ مزودا بحقلني واضحي املعالم - صفحة امليمنة وصفحة امليســــــرة - إضافة إلى ثماني زوايا تساعد القارئ على االهتداء. كما أنه ميكنك من التركيز على صفحة واحدة من صفحاته دون أن ينصرف انتباهــــــك عن مجمل النص. وميكنك أيضا من أن تتحســــــس حتى سماكة الصفحات التي قرأتها باليد األولى، والصفحات التي لم تقرأها بعد باليد الثانية. وتقليب الصفحات في كتاب من ورق هو شــــــبيه بأن تترك بصمات قدميك تتالحق الواحدة تلو األخرى على الطريق - فهناك نظم لبصمات القدم، وهناك ســــــجل مرئي للمســــــافة التي مت قطعها. وليس من شأن هذه امليزات كلها أن تيسر تصفح الكتاب الورقي وحسب، بل من شأنها أيضا أن جتعل تشــــــكيل خريطة ذهنية مترابطة لنص

الكتاب أكثر سهولة.وفي املقابل، فإن معظم األجهــــــزة الرقمية تعيق التصفح العفــــــوي للنص، وتثبط قدرة الناس على رســــــم خرائط ذهنية لرحلتهم عبر النص. وبالطبع، ميكن لقارئ النص الرقمي، أن يقوم بتمرير ســــــيل متواصل من الكلمات، وأن يدفع صفحة ــــــة إلى األمــــــام بنقرة من إصبعه في حلظــــــة معينة أو أن كامليســــــتعمل وظيفة البحث لتحديد موقع عبارة معينة مباشرة، ولكــــــن يصعب عليه أن يتأمــــــل أي فقرة من فقرات النص في ســــــياقه الكامل. وللمقارنة، علينا أن نتخيل أن خرائط گوگل تسمح للناس بالتنقل من شارع إلى آخر، وتسمح لهم أيضا باالنتقال عن بعد)teleport )1 والوصول إلى أي عنوان محدد، ولكنها في الوقت نفسه ال متكنهم من التصغير كي يروا إحدى الدول أو البلدان املجاورة. وعلى نحو مماثل، فإن نظرة عابرة إلى شــــريط التقدم progress bar تولد لدينا إحساســــــا أكثر غموضا بكثير من ذلك الشــــــعور الذي ينتابنا أثناء حتسسنا ــــــوزن الصفحات التي متت قراءتهــــــا وتلك التي لم تقرأ بعد. لــــــواح وغيرها من األجهزة للقــــراءة اإللكترونية ومع أن األلــــــم الصفحات، فإن الصفحات e-readers مزودة بوظيفة ترقي

املعروضة على شاشــــــاتها هي صفحــــــات عابرة، فهي ما أن تقــــــرأ حتى تختفــــــي من جديد. وهكذا، فبدال من أن متشــــــي أنت بنفســــــك على الطريق، فإنك تكتفي مبشــــــاهدة األشجار والصخــــــور والطحالب وهي متر من جــــــوارك كالوميض؛ من

غير أن تدرك بوضوح آثارا ملا سبقها، ودون أن تفهم بسهولة ما الذي ينتظرك بعدها.

تقول <J . A. ســــــيلني> ]من مختبر مايكروسوفت كامبريدج للبحوث في إنكلترا[ التي شاركت في تأليف كتاب صدر عام 2001 بعنوان “خرافة املكتب بال ورق”: »إن شعورك الضمني

باملــــــكان الذي وصلت إليه في كتاب مادي، له أهمية أكبر مما كنا نعتقد. وأنت ما أن حتصل على كتاب إلكتروني حتى تبدأ بتناســــــيه. ال أعتقد شخصيا أن منتجي الكتاب اإللكتروني قد ــــــك أن تتصور املوقع الذي فكــــــروا مبا يكفي في كيف ميكن ل

وصلت إليه في كتاب ما.«

قراءة مجهدة)�(هناك على األقل بضع دراســــــات تشــــــير إلى أن الشاشــــــات ــــــا تضعـــف القــدرة عــلى الفهـــم، ذلـــك ألنهــا تشـــــــــوه أحيـــانــــــــن إطــــار النــص. فـفـي الشــــــهر 2013/1 حــــــس املكـــان ضمـــــــــرت <A. مانگــــــن> وزمالؤها ]من جامعــــــة Stavanger في أجـــــالنرويج[ دراسة على 72 طالبا من الصف العاشر، حيث كلف هؤالء الطلبة بتدارس نص قصصي وآخر تفسيري. وقد كان على الطلبة أن يقرأ نصفهم األول من الورق، ونصفهم الثاني ملفات PDF من احلواســــــيب. وقد أخضع هؤالء الطلبة بعدئذ الختبارات فهم القراءة، حيث كان مسموحا لهم بالرجوع إلى النص. وقد كان أداء الطلبة الذين قرؤوا النص من احلواسيب ــــــوا مجبرين على مترير أســــــوأ بقليل، ألنهم على األرجح كانــــــص الـ PDF أو النقر عليها في حلظة معينة، في حني مقاطع نــــــة القــــــراءة الورقية كان كل منهم ميســــــك كامل النص أن طلبــــــه ويتنقل بني مختلف صفحاته بســــــرعة. وتقول <مانگن> بيديــــــك أن تعثر بها على بهــــــذا الصدد: »إن الســــــهولة التي ميكنــــــة وما بينهما، إضافة إلى ارتباطك املســــــتمر ــــــة والنهاي البدايمبســــــارك ومبضيك قدما في النص، قد يجعالنك، بشــــــكل أو بآخر، تقتصد في جهودك املعرفية وتســــــتثمر ما ادخرته منها

في تعزيز قدرتك على الفهم.«ويوافــــــق باحثون آخــــــرون على أن القــــــراءة املبنية على الشاشــــــة ميكنها أن تبطئ الفهــــــم ألنها ترهق العقل وتنهك ــــــورق. ومــــــع أن احلبر ــــــر من القــــــراءة من ال اجلســــــد أكثاإللكترونـــي E-ink يعكــــــس الضـــوء احمليـــط)2( متاما كما يعكســــــه حبر الكتاب الورقي، إال أن شاشــــــات احلواسيب

EXHAUSTIVE READING )�( )1( فعل يشــــــير إلى انتقال الشــــــخص أو غيره من األشياء المادية افتراضيا من مكان ــــــى آخر من دون أن يعبر المســــــافة الفاصلة بينهما. ولنا في الجملة الشــــــهيرة إل»سفرني يا سكوتي«، التي تتكرر كثيرا في المسلسل األمريكي “المركبة الفضائية

إنتربرايز”، خير مثال على ذلك.ambient light )2(

Page 43: Oloom Magazine march april-2014

41 (2014) 4/3

والهواتف الذكية واأللواح تسلط الضوء مباشرة على وجوه املســــــتخدمني. وال ريب في أن شاشات الكريستال احلالية ألطف وقعا على العينني من أســــــالفها - شاشــــــات أنبوب ــــــر أن القراءة املطولة من ـــة (CRT))1( - غي ة املهبطي األشـــعالشاشــــــات اللماعة الـمضاءة ذاتيا ميكن أن تسبب إجهاد ــــــني والصداع وتغيــم الــرؤيــــة. ففــي جتربـــة قــــام بهـــــا العـــ<E. فيســــــتلوند> ]عندمــــــا كان يعمل في جامعة كارلســــــتاد

بالســــــويد[ كان األشــــــخاص الذين خضعــــــوا الختبار فهم القراءة بواسطة احلاسوب أضعف أداء، وبحسب إفاداتهم ــــــر عرضة لإلصابة باإلجهاد والتعــــــب، من أولئك الذين أكث

أجروا االختبار نفسه على الورق.وفي مجموعة من جتارب <فيســــــتلوند>، التي أجريت في ســــــياق متصل، مت إخضاع 82 متطوعا الختبار فهم القراءة احلاسوبية نفسه، بصيغتني: صيغة وثيقة مرقمة الصفحات، أو صيغة نص يســــــتمر مــــــن دون ترقيم. وقام الباحثون بعد ــــــدى الطلبة - جمع ــــــاه والذاكرة العاملة ل ــــــك بتقييم االنتب ذلــــــي متكن األشــــــخاص من تخزين من املواهــــــب الذهنية التاملعلومات وتداولهــــــا في عقولهم بصورة مؤقتة - حيث كان على املتطوعني مثال، أن يغلقوا سلسلة من النوافذ املنبثقة pop-up windows بسرعة، أو أن يتذكروا أرقاما تومض على

الشاشة. والذاكرة العاملة شأنها شأن الكثير من الكفاءات ــــــة األخرى، فهي أيضا مورد محدود يتناقص كلما املعرفي

زاد اإلجهاد.ــــــا املجموعتني كان أداء ومع أن أداء األشــــــخاص في كلتــــــك الذين كانوا ميررون متســــــاويا من حيث التنفيذ، فإن أولئالنـــص)2( املؤلف من مقطع واحــــــد دون ترقيم، كانت نتائجهم ــــــة. ويعتقد ــــــارات االنتباه والذاكــــــرة العامل أســــــوأ فــــــي اختب<فيســــــتلوند> أن التمرير - بوصفــــــه عملية تتطلب من القارئ

ــــــص وعلى الكيفية التي يحركه بها في التركيز اليقظ على النآن معا - يســــــتنزف قدرا من املوارد العقلية يفوق ما يحتاجه ــــــب الصفحة أو النقــــــر عليها، وهما حركتان أكثر ســــــهولة قلــــــز االنتباه على التنقل عبر ــــــة. فكلما زادت درجة تركي وتلقائيــــــت احلصة املتبقية منه لفهــــــم النص. وقد توصلت النص، قلإحدى الدراسات، التي أجريت عام 2004 في جامعة سنترال

فلوريدا، إلى استنتاجات مماثلة.وهناك مجموعة جديدة من الدراسات تؤكد على أن األمر ال يتعلق فقط بأن الشاشــــــات ميكنها اســــــتنزاف االنتباه أكثر ممــــــا يفعله الورق، بل يتعلق فضال عن ذلك، وفي املقام األول، بأن الناس، وهم يقرؤون من الشاشات، ال يبذلون دائما جهدا ذهنيا يوازي اجلهد الذي يبذلونه عندما يتعاطون مع الورق. وقد

قام <Z. ليو> ]من جامعة سان خوسيه[ بإجراء دراسة مسحية شملت 113 شخصا من ســــــكان كاليفورنيا الشمالية، خلص فيها إلى أن األشــــــخاص وهم يقرؤون من الشاشــــــة يشغلون أنفسهم بالعديد من املمارسات املجتزأة - كقضاء وقت أطول في تصفح مواقع اإلنترنت واملسح الضوئي والتفتيش احملموم ــــــة - مقارنة بقراء النصوص الورقية الذين عن كلمات مفتاحي

على األرجح ال يقرؤون سوى وثيقة واحدة، واحدة فقط.ــــــدو أن القراءة من الشاشــــــات جتعل القارئ أقل ويباســــــتعدادا لالنشغال فيما يســــــميه علماء النفس تنظيم - metacognitive learning regulation التعلم امليتامعرفيوالذي يعني القيام بوضع أهداف محددة، وإعادة قراءة املقاطع الصعبة، والوقوف على ما مت فهمه من النص حتى حلظة معينة. ففي إحدى التجارب التي أجريت عام 2011 ــــــة، أخضع طلبة من هذا املعهد في معهد تيكنيون للتقانالختبارات متعـــددة اخليـــارات multiple-choice تتعلق بنصوص تفســــــيرية، وذلك إما حاســــــوبيا أو ورقيا. وقد قام الباحثون بتقســــــيم املتطوعني إلى فريقني، خصصت للفريق األول مدة ضئيلة قدرها سبع دقائق فقط لدراسة النص، وســــــمح للفريق الثاني مبراجعة النص خالل مدة زمنية تنتهي حني يشــــــاؤون. وعندما كان الطلبة مجبرين على القراءة السريعة بســــــبب ضيق الوقت، فإن أداءهم كان متســــــاويا، سواء اســــــتخدموا احلاسوب أم الورق. أما حني كان بوسعهم حتديد مدة القراءة بأنفسهم، فإن مستخدمي الورق من الطلبة سجلوا عددا أكبر من النقاط يزيد بنســــــبة 10% تقريبا. ويرجح أن يكون مســــــتخدمو ــــــار انطالقا من الورق مــــــن الطلبة قد تعاطوا مع االختبموقف ضمني أكثر ولعا بالدراسة، مقارنة بزمالئهم من قراء الشاشــــــة، وكذلك أكثر فعالية فــــــي إدارة انتباههم

وذاكرتهم العاملة.حتى وإن أثبتت الدراســــــات أن الفروق في فهم القراءة بني الشاشات والورق هي فروق طفيفة، فإن قراء الشاشة ال يســــــتطيعون تذكر النص متاما ملدة طويلة. ففي دراســــــة أجرتها <K. گارالند> مع فريقها ســــــنة 2003 ]وكانت تعمل آنذاك بجامعة ليستر في إنكلترا[ طلب إلى 50 طالبا من طلبة اجلامعات البريطانية أن يقرؤوا صفحات من وثائق إحدى الدورات التمهيدية في علم االقتصاد، إما من احلاسوب أو من كراس محزوم بسلك لولبي. وبعد مضي 20 دقيقة على بدء القراءة، قامت <گارالند> وزمالؤها باستجواب الطلبة،

cathode-ray tube )1(scroll through )2(

Page 44: Oloom Magazine march april-2014

42(2014) 4/3

فوجدت تعــــــادال في النقاط بينهم، بصرف النظر عن األداة املســــــتخدمة، ولكنها وجدت أيضا تباينا بينهم فيما يتعلق

بتذكر املعلومات.ــــــني تذكر الشــــــيء ومعرفته. وعلمــــــاء النفس مييزون بففــــــي حــــــني أن التذكــــــر هــــــو وظيفــــــة ضعيفة نســــــبيا من وظائف الذاكرة - متكن الشــــــخص من اســــــتدعاء معلومة ــــــل أين ومتى قام من املعلومات بتفاصيلها الســــــياقية؛ مثالشــــــخص باكتساب هذه املعلومة - فإن املعرفة هي وظيفة أقوى من وظائف الذاكرة، تعرف بأنها التأكد من أن شيئا ما هو شــــــيء حقيقي. ففي أثناء االستجواب الذي قامت به <گارالند>، كان على املتطوعني أن يشــــــيروا إلى إجابتهم

مــــــن جهة، ومن جهة أخرى إلى ما إذا كانوا »يتذكرون« أو »يعرفــــــون« اإلجابة. وفي حني أن الطلبة الذين قرؤوا املواد الدراسية من الشاشة كانوا أكثر اعتمادا على التذكر بكثير منه على املعرفة، فإن قراء الورق من الطلبة كانوا يعتمدون ــــــى كليهما بدرجــــــة متســــــاوية. فكما تعتقــــــد <گارالند> علوزمالؤها، فإن الطلبة الذين كانوا يقرؤون من الورق، كانوا يتعلمون املواد الدراســــــية بصورة أدق وبسرعة أكثر، ذلك ألنهم لم يكونوا مضطرين لقضاء وقت طويل في البحث عن معلومات من النص احملفوظ في عقولهم: فقد كانوا يعرفون

اإلجابات وحسب.ــــــات في فهم القراءة بني الورق والشاشــــــات إن التباينميكنها أن تتضاءل إذا ما واظب الناس على تغيير مواقفهم. ولعل العبارة الشــــــهيرة »املجلة هي آيباد ال يعمل« ســــــوف يزداد جنمها تألقا، إذا ما خفت حدة األحكام املسبقة التي تبدو منتشرة بصورة مبطنة بني األجيال األكبر سنا حيال الشاشــــــات. بيد أن آخر البحوث تشــــــير إلى أن استبدال الورق بالشاشــــــات في ســــــن مبكرة له سيئات ال يجوز أن نتغاضى عنها بهذه البســــــاطة. فقد أظهرت دراسة أجريت ــــــورك - جند لها عــــــام 2012 في مركــــــز J.G. Cooney بنيوي32 زوجــــــا من األمهــــــات واآلباء مع أطفالهــــــم الذين كانت

أعمارهم تتراوح بني ثالث وســــــت ســــــنوات - أن األطفال الذين قرئت عليهم قصص من كتب ورقية كانوا أكثر قدرة على تذكر بعض تفاصيلها، مقارنة بأولئك الذين استمعوا لتلك القصــــــص وهي تتلى عليهم من كتب إلكترونية مزودة برسوم متحركة تفاعلية وأشرطة ڤيديو وألعاب. فاألجراس ــــــاه األطفــــــال وتوجهه نحو والصفــــــارات كانت تشــــــد انتباجلهاز نفســــــه وتصرفه بعيدا عن احلكاية. وفي دراســــــة متابعة مسحية شملت 1226 من اآلباء واألمهات أفاد معظم هؤالء بأنهم وأطفالهم يفضلون الكتب املطبوعة على الكتب

اإللكترونية عندما يقرؤون معا.وثمة دراستان أخريان توصلتا إلى نتائج مماثلة تقريبا. وقد قامت <J. باريش موريس> ]وهي تعمل حاليا في جامعة بنسلڤانيا[ وزمالؤها بتوصيف هاتني الدراستني في مجلة العقــــــل الدماغ والتربية والتعليم)1( على النحو اآلتي: عندما ــــــن تتراوح أعمارهم بني كان األهــــــل يقرؤون ألطفالهم، الذيثالث وخمس ســــــنوات، إحدى احلكايات من كتاب ورقي، كانوا يربطون أحداث هذه احلكايات بحياة أبنائهم بطريقة مثمــــــرة. ولكنهم حينمــــــا كانوا يقــــــرؤون احلكاية من كتاب ــــــرات صوتية، كانوا تســــــلية إلكتروني محبوب، مزود مبؤثيجدون أنفســــــهم مجبرين على إيقاف »قراءتهم احلوارية« ــــــادة مرارا وتكــــــرارا ملنع أطفالهم مــــــن إضاعة الوقت املعتــــــؤدي إلى انقطاع ــــــاألزرار، األمر الذي كان ي فــــــي اللعب بسلسلة أفكارهم في سرد احلكاية. وقد كان هذا اللهو في آخــــــر األمر يعيق األطفال ذوي الثالث ســــــنوات، حتى عن ــــــت القصيد من احلكاية. أما األطفــــــال الذين كانوا فهم بييستمعون للحكايات من الكتب الورقية، فقد كانت أمورهم

جميعا على ما يرام.ولعل بساطة الورق التي مت التركيز عليها من قبل هذه األبحاث التمهيدية التي أجريت على أجهزة القراءة األولى، ــــــز بها الورق بصفته هــــــي أبرز جوانب اجلودة التي يتميــــــة، وباعتراف وســــــيلة للقراءة. بيد أن النصوص الرقمياجلميع، تقدم لنا في ظــــــروف مختلفة كثيرة فوائد جلية. ــــــا محكوما مبهلة محددة، فإن البحث فعندما يكون أحدنفي اإلنترنت عبر الكلمات املفتاحية للوصول بسرعة إلى مئات الوثائق له من احلسنات ما يفوق بكثير الفوائد التي يجنيها املرء من عمليتي الفهم وحشو الذاكرة املرهونتني مبكوث إلزامي في املكتبة وبحث محموم في كتبها الورقية فــــــي اآلن معا. كما أن إمكانية تغيير حجم اخلط والتباين الضوئي احلاد لشاشــــــة الكريستال هما مبثابة منحة من السماء بالنسبة إلى األشخاص املصابني بضعف الرؤية. ولكن الورق يختلف عن الشاشــــــات أيضا بأنه ال يجذب االنتباه إليه بصفته ورقا، وال يضعف التركيز على النص، إال نادرا. كما أن الورق ال يزال بفضل بســــــاطته يشــــــكل »نـقـطــة االرتــكــاز احملــوريـــــة للــوعــي،« بحســــــــب تعبيـــر <W. باورز> نقال عن كتابه الصادر عام 2006 بعنوان ”بالك

ــــــدا”. إضافة إلى بيري هاملت: ملاذا ســــــيبقى الورق خالذلك، فإن الناس يصرحون باستمرار أنهم عندما يريدون ــــــز حقا على نص من النصوص، فإنهم يقرؤونه من التركي

Mind, Brain, and Education )1(

Page 45: Oloom Magazine march april-2014

43 (2014) 4/3

الورق. وفي دراسة مسحية أجريت على طلبة الدراسات العليا في جامعة تايوان الوطنية ســــــنة 2011، أفاد غالبية هؤالء الطلبة بأنهم ال يتصفحون ســــــوى بضع فقرات من ــــــل قيامهم بطباعة النص كامال املوضوع في اإلنترنت قبلقراءته بطريقة أكثر عمقا. وقد أظهرت دراســــــة مسحية أخرى أجريت في اجلامعة الوطنية املســــــتقلة باملكســــــيك عام 2003، أن نحــــــو 80% من 687 طالبا وطالبة يفضلون ــــــورق، أكثر منه من الشاشــــــة »حتى قــــــراءة النص من ال

يفهموه بوضوح.«إضافة إلى االعتبارات البراگماتية، فإن طبيعة شعورنا ــــــال الكتاب الورقــــــي أو جهــــــاز القــــــراءة اإللكترونية، حيواإلحساس الذي ينتابنا حني منسكهما بأيدينا، يسهمان أيضا فيما إذا كنا سنشــــــتري أحد الكتب، األكثر مبيعا، بنســــــخته املجلدة من إحدى املكتبات احمللية، أو بنسخته ــــــة من شــــــركة أمازون. فالدراســــــات املســــــحية اإللكترونيوتقارير املستهلكني تشير إلى أن الناس يهتمون باجلوانب ــــــورق أكثر مما قــــــد يظن البعض: احلســــــية للقراءة من الكاإلحســــــاس بالورق واحلبر، وحرية االختيار بني متليس ــــــع، والصوت الذي يصدر عن الصفحــــــة أو طيها باألصابــــــى اآلن، لم تســــــتطع النصوص ــــــب الصفحات. وحت تقليالرقمية توليد نســــــخ مرضية ملثل هذه األحاسيس. فالكتب الورقية لها أيضا حجم قابل لإلدراك مباشرة، ولها شكل ووزن، األمر الذي يعني أنه بوســــــعنا أن نتحدث، مثال، عن طبعة مجلدة لكتاب “احلرب والسالم”)1( لـ <ليو تولستوي> بوصفها »مجلدا ضخما«، أو عن طبعة اجليب لكتاب “قلب ــــــراد>، باعتبارها »طبعة رقيقة«. الظالم”)2( لـ <جوزيف كونــــــه من املمكن ــــــص الرقمي - مع أن وفــــــي املقابل، فإن الناســــــتعراض طوله بالتمرير أو بواسطة شــــــريط التقدم - ليس له شــــــكل واضح، وال ســــــماكة. كما أن جهاز القراءة اإللكتروني ال يتغير وزنه، ســــــواء كنت تقرأ أعظم ما أبدعه ــــــت تقرأ إحــــــدى القصص القصيرة <M. بروســــــت>، أو كن

لـ <إرنست همنگواي>. وقد اكتشف بعض الباحثني أن هذه ن لدى القراء قدرا كافيا مما يسمى التنافر املفارقات تكواللمسي haptic dissonance، األمر الذي يدفع بعضهم إلى

االبتعاد عن القراءة اإللكترونية.ــــــف من هذا التضارب احلســــــي، يبذل العديد من وللتخفيــــــرة القراءة اإللكترونية من املصممني جهودا حثيثة جلعل خبــــــواح وغيرها من األجهزة تقارب خبرة القراءة الورقية إلى األلــــــر اإللكتروني ــــــة. وهكذا، فقد أصبح احلب ــــــى درجة ممكن أعلشــــــبيها باحلبر الكيميائي النموذجي، وبات مظهر الشاشــــــة

البسيط في لوح كندل مياثل صفحة في كتاب ورقي على نحو الفت. وإضافة إلى ذلك، فقد بدأت شــــــركة أپل في برنامجها التطبيقي بتطوير كتبها اإللكترونية بطريقة جتعلها حتاكي إلى حد ما التصفح احلقيقي للورق. بيد أن مثل هذه املبادرات ال ــــــزال حتى اآلن ذات طابع جتميلي أكثر من كونه واقعيا. كما تأن الكتب اإللكترونية ال تزال تعيق الناس عن املضي قدما في التصفح، وذلك ألنهم حني يصادفون جملة تذكرهم مبا قرؤوه ســــــابقا، يدفعهم الهوى أو سهولة النقرة باإلصبع إلى العودة

ألحد الفصول السابقة.ــــــني اليوم على وال تقتصر جهــــــود بعض املبتكرين الرقميمحاكاة الكتب الورقية، بل باتت تشمل أيضا محاوالت لتطوير القراءة املبنية على الشاشة إلى شيء آخر مختلف كليا. ومع ــــــة التمرير قد ال تكون هي الطريقة املثلى لتصفح نص أن تقنيــ <H. ملڤيل>، فقد ابتدعت بطول وسماكة رواية “موبي ديك”)3( لصحيفة نيويورك تاميز وصحيفة واشنطن بوست والفضائية ESPN األمريكية ووســــــائل إعالم أخرى مقــــــاالت تعتمد كليا

على تقنية التمرير وتتمتع مبظهر حســــــن ودقة بصرية عالية، ــــــب النص مزيجا وال ميكــــــن طباعتها لكونهــــــا تضم إلى جانمــــــن األفالم ومقاطع الصوت لتكوين مناخ ســــــينمائي. وتقنية التصفح tap essay التي ابتكرها <R. ســــــلون> هي تقنية تعتمد على التآثر الفيزيائي لتســــــيير العمل بطريقة ال تسمح بظهور كلمات وجمل وصور جديدة إال عندما يقوم أحدنا بالنقر على شاشــــــة اللمس ألحد الهواتف أو ألحد األلواح. ويعمل بعض الكتاب اليوم مبشــــــاركة مبرمجي احلاسوب على إنتاج كتب تفاعلية - أدبية وغير أدبية - أكثر تطورا من أي وقت مضى، تتيح للقارئ حتديد ما يرغب في قراءته أو سماعه أو مشاهدته

بصورة مباشرة.ولكــــــن عندما يتعلق األمر بقراءة مقاطع طويلة جدا من أحد النصوص غير املنمقة، فرمبا ما زلنا نفضل الورق واحلبر. بيد

أن القراءة ال تنحصر في قراءة النصوص العادية فقط. <

<F. جبر>، محرر مشارك في مجلة ساينتفيك أمريكان.

War and Peace )1(Heart of Darkness )2(

Moby Dick )3(

Scientific American, November 2013

مراجع لالستزادة The Myth of the Paperless Office. Abigail J. Sellen and Richard H. R. Harper. MIT Press, 2001.Proust and the Squid. Maryanne Wolf. Harper, 2007.

Page 46: Oloom Magazine march april-2014

44(2014) 4/3

عندما تتفجع)1( احليوانات)�(ليس اإلنسان الكائن احلي الوحيد الذي يحزن لفقدان عزيز،

فاحليوانات كالقطط والدالفني تشعر أيضا باحلزن لفقدان أعزاء لها.<J .B. كنگ>

Tethys ــــــاء البحرية مبعهد قــــــام <J. جونزالڤو> ]عالم األحيلألبحاث فــــــي ميالن بإيطاليا[ من على منت ســــــفينة األبحاث الراسية في خليج Amvrakikos اليوناني، مبراقبة أنثى دلفني ــــــى نفوق وليدها، حيث شــــــاهدها ــــــف دقيق حزينة عل ذات أنوهي ترنو إلى جثة وليدها الطافية على ســــــطح البحر من دون حراك. فقد كانت األم معتادة على مداعبة صغارها بذيلها في كل مــــــرة. وأخذت األم احلزينة تدفــــــع اجلثة بفمها وبزعنفتها الصدرية عكس تيارات املــــــاء وكأنها تتمنى أن يتمكن وليدها النافق من الســــــباحة. ومع تكرارها األمــــــر مرات عديدة فقد باءت جميع محاوالتها بالفشل، حينها أيقنت بأن وليدها نافق وأن جثته تطفو دون حراك، وال يستطيع السباحة فوق سطح

املياه املتأللئة بأشعة الشمس.شــــــاهد اجلميع حتلل جثة صغيرها الوليد وهي تتفكك إلى أجزاء بسرعة نظرا الرتفاع درجة احلرارة، غير أن األم مازالت حتتضن اجلثة وتزيح األجــــــزاء املتحللة واملتفككة بعيدا عنها، فقد رافقت اجلثة ليومني كاملني بعد النفوق، وأزالت األوساخ ــــــن اليومني، كانت األم ال تأكل وال تشــــــعر عنهــــــا، وخالل هذيباجلــــــوع الذي قد يهدد حياتها. وبعد محاوالت األم اليائســــــة حتى تعيد صغيرها إلى احلياة، اقتربت منها ثالثة من الدالفني املوجــــــودة ضمن قطيع مكون من 150 فردا يجوب مياه اخلليج

من األم املكلومة في محاولة لتعزيتها ومواساتها.وقد تأثر <جونزالڤو> مبشاعر األم جتاه نفوق وليدها وقرر عدم تشريح اجلثة احتراما ملشــــــاعرها، وأردف قائال: »كنت مهتما جدا مبتابعة سلوك الدلفني األم مع وليدها النافق أكثر

من اهتمامي بالتشريح الذي كان محور أبحاثي على احليوان، وألول مرة أرى مشــــــاعر الفجيعـــة mourning واالكتئاب في

عالم احليوان.«ــــــة على نفوق ــــــت األم حقا حزين وكنت أتســــــاءل: »هل كانوليدهــــــا، أم أن هذا مجرد أمر أتخيله؟« رمبا ما كنت ألصدق هذا األمر قبل أن شــــــاهدته بعيني، وما كنت ألفهم املشــــــاعر ــــــي بدت على األم احلزينة، ولم يدر بخاطري أن احليوانات الت

متتلك مشاعر احلزن واأللم كما هي احلال عند اإلنسان.تقــــــول <B. كنگ> ]كاتبة هذا املقال[: »كنت أســــــتعد لتأليف كتاب بعنوان كيف حتزن احليوانات)2(، وقد قضيت عامني كنت أقــــــوم خاللهما بجمع املعلومات املتاحة ملادة الكتاب، ومن تلك املعلومــــــات قصة <جونزالڤو> مع الدلفني األم وفجيعتها لنفوق وليدها. إضافة إلى ذلك، فقد توفر لدي في الســــــنوات األخيرة كثير من املالحظات والقصص التي تبني مشــــــاعر احلزن عند حيوانات أخرى كاحليتان والقردة واألفيال وحيوانات املزارع األليفة. فهي جميعها حتزن على فقد عزيز لها، مما يشير إلى

أننا - نحن البشر - قد ورثنا هذه املشاعر عن أسالفنا.

ماهية احلزن)��(منذ أيام <Ch. داروين>، قبل قرنني، سعى العلماء إلى معرفة ما إذا كان احليوان ميتلك مشــــــاعر كتلك التي ميتلكها اإلنسان. ــــــن> أن اإلنســــــان مياثل أســــــالفه في احلزن، ــــــرى <داروي وي

WHEN ANIMALS MOURN )�(DEFINING GRIEF )��(

د )1( أو: حتHow Animals Grieve )2(

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

باختصارتتفجع)1( لفقدان أقربائها.

وهذه الشواهد تشير إلى أنه على الرغم من أن الطرق التي نتفجع وفقها رمبا تكون بشرية استثناء، إال أن لقابليتنا للحزن أصوال تطورية عميقة.

عــــــادة ما كان علماء ســــلوك احليوان ينفــــــرون من عزو عواطف بشرية، كاحلزن، إلى استجابات من قبل احليوانات.

لكن شــــواهد كثيرة تبني أن أنواعا حيوانية من الدالفني إلى البط

Page 47: Oloom Magazine march april-2014

45 (2014) 4/3

ذلك أن هذه املشاعر موجودة في القردة، ومن ثم فقد ورثها اإلنســــــان عن أســــــالفه من خالل التطور. لذا، فإن هذه املشــــــاعر ليســــــت جديدة أو مرتبطة بالبشر وحدهم. ولم تكن مشاعر احلزن عند احليوان ضمن اهتمامات العلماء البحثية ولم يلتفت إليها أحد إال في القرن العشــــــرين عندما بدأ االهتمام مبعرفة مشاعر احليوان وليس فقط بســــــلوكه. ولفهم ماهية مشــــــاعر احلزن عند احليوانات قام العلماء بتشريح أدمغتها، وقد بدأت في تنزانيا دراسة قام بها <J. گودول> الذي شاهد مدى الفجيعة واألسى اللذين انتابا شمبانزيا صغيرا بعد نفوق والدته، وفي كينيا كتبت <C. موس> عما شــــــاهدته عند قيام مجموعة من الفيلة بحراسة

عظام فقيدها.ــــــد احليوانات، احتاج ولدراســــــة وفهم احلزن عنالعلماء إلى وضع تعريف محدد للحزن، وكيف ميكن فصل مشــــــاعر احلزن ومتييزها عن ســــــائر املشاعر ــــــة األخرى. فبينما تشــــــمل »االســـتجابة االجتماعياحليوانيـــة للنفـــوق)1(« أي ســــــلوك من قبل فرد إثر

نفــــــوق احليوان الذي يرافقــــــه، إال أن الباحثني ال يعتبرون أن ــــــاك حالة حزن إال إذا حتققت شــــــروط معينة. أوال، اختيار هنــــــر( قضاء وقت معا ألمور تتعدى الشــــــؤون ــــــني )أو أكث حيواناحلياتية كالبحث عن الغذاء والتزاوج. ثانيا، عندما ينفق أحد ــــــات فرفيقه الباقي على قيد احلياة يغير ســــــلوكه )أو احليوانســــــلوكها( اليومي - رمبا بتخفيض املدة املخصصة لألكل أو ــــــر كآبة على الوجه أو النوم، وبتبني وضع جســــــماني أو تعبياضطراب، أو عجز عن النمو بشكل عام. لقد حاول <داروين> أن يربط احلزن باألســــــى، غير أن األمرين مختلفان: األســــــى هو االكتئاب الذي يصاحب احليوان فترات طويلة، أما احلزن

فيحدث ملرحلة آنية عند النفوق فقط.مــــــا زال العلماء في حيرة من أمرهــــــم ملعرفة الكيفية التي

ــــــواع املختلفة في تقاس بها هذه املشــــــاعر، وكذلك تباين األنمالمــــــح احلزن، وهل حتزن احليوانات كما يحزن اإلنســــــان؟ حتى اآلن ال توجد إجابات شــــــافية عن جميع هذه التساؤالت، ــــــى فقد صغارها ــــــر أنه من املعــــــروف أن حزن األمهات عل غي

يختلف عن حزن الصغار على فقد أمهاتها.ونحتاج إلى تكثيف األبحاث واملشاهدات ملعرفة التباين الذي يظهر بني فجيعة اآلباء لفقد صغارها وفجيعة الصغار لفقــــــد آبائها، وكذلك ظهور مالمح احلــــــزن عند احليوانات ــــــي ال تظهر على وجوه البابون أو غيابهــــــا، كتلك املالمح التوالشــــــمبانزي اإلفريقي بعد فقد صغارها. غير أن األمهات

Barbara J .King<كنگ> أســــــتاذة علم األنســــــاب في معهد وليم و مــــــاري. وقامت بفحص

ودراسة املشاعر والعواطف لدى العديد من أنواع احليوانات.

املؤلفة

animal response to death )1(

Page 48: Oloom Magazine march april-2014

46(2014) 4/3

تعبر عن حزنها بحملها جثث صغارها أليام وأسابيع وحتى ألشهر. وهذا التصرف يدل على أن احلزن ال ينعكس على

ظهور هذه املالمح فقط، بل ينعكس على سلوك احليوان.

حداد جماعي)�(حــــــاول العلماء التمييز بني احلزن الفردي واحلزن اجلماعي، ــــــون> ]من فريق إنقــــــاذ الفيلة فقــــــد قــــــام <I. دوگـالس- هاملتــــــا[ مبتابعة ردود أفعال مبحمية ســــــومبارو الوطنية في كينيــــــع من الفيلة على نفوق إلينور Eleanor قائدة القطيع. فقد قطيــــــس Grace، قائدة قطيع آخر، بحمــــــل جثة إلينور قامــــــت گـريبأسنانها العاجية في محاولة منها حلثها على النهوض وعدم االستسالم للنفوق، ولكن إلينور لم تستطع النهوض وحاولت گـريس مســــــاعدة إلينور ألكثر من مرة على استعادة وعيها، ولكــــــن من دون جدوى، وظلت حتــــــاول ذلك حتى بعد مغادرة ــــــك، جاء دور قطيع إلينور الذي ــــــع الذي تقوده. وبعد ذل القطيقام بدوره بتحريك اجلثة مينة ويسرة بأجسامه وأقدامه. فقد كــــــرر القطيع احملاولة بالركوب فوق اجلثة امللقاة على األرض ولكن من دون فائدة. وقد خلص <دوگـالس- هاملتون> إلى أن احلــــــزن في احليوانات ليس فقط على فقد األقارب بل يتعداه

إلى األباعد )غير األقارب(.وفي عام 2001 الحظ <F. ريتر> ]من محطة أبحاث الثدييات

التعليمية[ أن الدالفني ذات األســــــنان الكبيرة التي تعيش في جزر الكناري تسلك نفس سلوك الدالفني ذات األنوف الدقيقة ــــــج Amvrakikos اليوناني مع وجود فارق التي تعيش في خليبســــــيط يتمثل بأن األم في جزر الكناري لم تكن وحدها تدفع جثة الوليد، بل شــــــاركها اثنان من الدالفني البالغة التي كانت تســــــبح مع األم في الوقت نفســــــه الذي نفق فيه وليدها، كما انضم إليهما قطيع من 15 دولفينا. وبعد خمســــــة أيام من دفع اجلثة، بدأ عزم األم يتضاءل وبدا عليها اإلرهاق والتعب، مما

حدا بالدالفني األخرى إلى حمل اجلثة فوق ظهورها.كما ظهرت مالمح احلزن على الزرافات بعد فقد عزيز لها. ففــــــي عام 2010 الحظ <Z. مولر> ]عالم بيولوجيا من مشــــــروع ــــــا[ أن أنثى الزرافة في محمية Rothschild للزرافات في كيني

ــــــة وضعت مولودا معاقا بأرجل مشــــــوهة ال Soysambu الكيني

يســــــتطيع بها املشي بالطريقة املعتادة. فقد كانت األم ال تبتعد عنه أكثر من 20 مترا مع أن قطيع الزرافات عادة ما ينتشــــــر ملســــــافات بعيدة للحصول على الغذاء، لكن أم املعاق خالفت ــــــت أن تبقى بالقرب مــــــن وليدها مضحية هــــــذا النظام وفضل

مبورد غذائها ومعرضة صحتها للتدهور. ـــــــ <مولر> على ســــــلوك قطيع ومــــــن املالحظــــــات الغريبة لللزرافات أنه شــــــاهد 17 أنثى ومعهــــــا أم املعاق في حالة قلق

A MENAGERIE OF MOURNERS )�(

أنثى دلفني حتمل جثة وليدها على زعنفتها الظهرية في مياه Dana Point بوالية كاليفورنيا.

Page 49: Oloom Magazine march april-2014

47 (2014) 4/3

وهي مجتمعة حول الوليد، واكتشف القطيع أن الوليد قد نفق وهذا التجمع هو لتعزية األم في مصابها. وبعد ذلك زاد عدد املعزين حتى وصل إلى 23 أنثى وأربعة صغار، وبدأ املعزون مبالمسة جثة الصغير بأنوفها. وفي نهاية اليوم التصقت 15

أنثى بجسم الوليد النافق وكأنها تودعه الوداع األخير.وبعد مرور يومني على نفوق الصغير، توافدت أعداد أخرى مــــــن الزرافات إلى مكان اجلثة، وبعدها حضرت الذكور ولكن ــــــاث املجتمعة حول اجلثة. ليس لتقــــــدمي العزاء بل ملغازلة اإلنــــــوم الثالث للعزاء، ابتعدت األم مســــــافة 50 مترا عن وفــــــي الي

اجلثة وتركتها للضباع.عادة تعد الزرافة من احليوانات االجتماعية إلى حد كبير، حيث تقوم األم بحراســــــة وليدها ومرافقته ملدة أربعة أسابيع بعد الوالدة. وعندما تذهب إلى البحث عن الغذاء، فإنها تكلف إحدى الزرافات بحراســــــة الوليد. فقد وجد <مولر> أن حماية اجلثة من املفترســــــات هو منط من أمناط احلزن واألســــــى في

حالة الزرافات.ومــــــا زالت املعلومــــــات غير مكتملة عن حــــــزن احليوانات، ــــــم يبحثوا عن املكان أو الزمن املناســــــبني رمبــــــا ألن العلماء للهذا احلدث، فســــــلوك احليوانات فــــــي احلاضنات أو حدائق ــــــازل األليفة قد يكون مفيدا في احليوان أو لدى حيوانات املن

هذا املجال.إن قصــــــة القطتني الســــــياميتني ويال Willa وكارســــــون Carson هــــــي قصة ظريفة تطرح دالالت كثيرة. فقد عاشــــــت

ــــــزل <K. و R. فلو> ]مــــــن والية فرجينيا ــــــان معا في من األختاألمريكية[ ملدة أربعة عشر عاما، وكانت األختان متالزمتني ــــــى في فترات النوم. فعندما تزور القطة في معظم الوقت حتكارسون املصحة للعالج تظل القطة ويال قلقة وال تهدأ حتى تعود أختها من املصحة. وفي عام 2011 ســــــاءت حالة القطة ــــــة <فلو> إلى اصطحابها كارســــــون الصحية؛ مما حدا بعائلإلى العيادة البيطرية، وكاملعتاد كانت القطة ويال تنتظر بقلق عودة أختهــــــا، ولكن هذه املرة طال االنتظار. وبعد ثالثة أيام بدأت ويال بإطالق صوت كصوت العويل وهي جتوب األماكن التي كانت جتلس فيها مع أختها في أرجاء املنزل. وبعد عدة أيام ظهر اليأس على القطة ويال وانزوت في زاوية من املنزل

من دون حراك أو مواء.واملالحظات الســــــابقة جميعها، تدل على حزن احليوانات، لكن احلدث الغريب في هذا املوضوع جاء عام 2006 من مزرعة Watkins في نيويورك عندما وصلت إليها بطتان تعانيان مرضا

ــــــا ناجتا من إطعام البط بالقوة عن طريق دفع الطعام في كبديــــــزداد وزنها عند البيع. وكانت البلعوم وإجبارها على بلعه لي

البطتان كول Kohl وهارپر Harper تعانيان حالة نفسية مزرية متثلت في خوفهما مــــــن الناس، فقد كانت البطة كول عرجاء، أما البطة هارپر فكانت عوراء، وعاشت البطتان معا ملدة أربع ــــــة وبدأت تعاني ســــــنوات. وعندما ســــــاءت حالة كول الصحيآالمــــــا مبرحة فــــــي رجلها ما جعلها غير قادرة على املشــــــي، األمر الذي دفع املزارعني إلى التفكير في قتل هذه البطة قتال ــــــر تراقب عملية القتل. فقامت بعد رحيما، وتركت البطة هارپــــــك باالقتراب من جثة صديقتها وحاولت حتريكها برفق، ثم ذلقامت باالضطجاع إلى جانبها واضعة عنقها ورأســــــها على ــــــق كول، ومكثت على هذا الوضع عدة ســــــاعات. ويبدو أن عنالبطــــــة هارپر لم حتتمل فقدان صديقتهــــــا، فذهبت إلى حافة

البحيرة التي كانت جتمعهما معا وبعد شهرين نفقت.

أنثى غوريال حتتضن جثة وليدها في حديقة احليوان في مونســـتر بأملانيا. علما بأن هذا السلوك ال ميثل حدادا، غير أن األم التي تفقد وليدها هي املرشحة

إلظهار مشاعر احلزن عليه.

التتمة في الصفحة 63

Page 50: Oloom Magazine march april-2014

48(2014) 4/3

لقاء حائزي جوائز نوبل في الكيمياء)�(بينما يشكل حائزو جوائز نوبل واجلدد منهم في الكيمياء

روابط جديدة، فإننا نحتفل بإجنازاتهم السابقة واملستقبلية.حترير: <فراس جبر>)1(

تقدمي: <S. كانتريل>تصميم الرسوم التوضيحية: استوديو بومبوالند)2(

يهتم الكيميائيون - بشــــــكل خاص - بخواص املادة على مســــــتوى الذرات واجلزيئات. وقد يبدو هــــــذا التركيز ضيقا، ــــــه في احلقيقــــــة عكس ذلك متاما. وتكشــــــف لنا الكيمياء ولكنالكثير عن أسرار العالم من حولنا مبا في ذلك أصول احلياة، وكيف يعمل جســــــم اإلنســــــان، وكيف تتمكــــــن جزيئات بالغة الصغــــــر في إحداث تغير جوهــــــري على احمليط اجلوي للكرة ــــــة. إضافة إلى أن الكيمياء بالطبع متكن من اصطناع األرضي

مواد مفيدة ال تتوفر في الطبيعة.لقــــــد جرى االحتفال مبثل هذه التبصرات منذ ما يزيد على قرن من الزمن، وهذا ما يدلنا عليه السجل الطويل جلوائز نوبل اخلاصــــــة مبا مت إجنازه في مجال الكيمياء. وفي هذا الصيف (2013) يلتقي احلائزون على هــــــذه اجلائزة والعلماء الواعدون

منهم، في مدينة »لينداو« بأملانيا، ملناقشــــــة االختراقات التي مت إجنازها واآلفاق املســــــتقبلية. وعلى شــــــرف هذا احلدث، وهو االجتماع الثالث والســــــتون في »لينداو« حلائزي جوائز نوبل، تنشــــــر مقتطفــــــات من املقاالت التي نشــــــرها هؤالء في الكيمياء عبر السنني، بداية من صفحة رقم 50. علما بأن العديد

من هذه املقتطفات جتد صداها اليوم في أولويات الباحثني.ــــــم، أن العلماء لم يضعوا في ــــــدو مفاجئا لنا أن نعل وقد يبالبداية فكرة الذرات واجلزيئات املجردة على أســــــاس جتريبي رصني حتى بداية القرن العشرين. وفي مقالة نشرت في مجلة ساينتفيك أمريكان عام 1913 بقلم <T. السڤيدبيرگ>)3(، بني هذا

alpha رذرفورد> حول جســـيمات ألفا .E> العالم كيف أن بحثparticles، وهي نواة ذرة الهيليوم، ضمن دراسات أخرى، أكد

ــــــذرات واجلزيئات دون أدنى شــــــك. وبعد مضي 100 وجود العام، وفي وجود تقانات كامليكروسكوبية ذات القوة الذرية أمكن احلصــــــول على صور للجزيئات، تبدو فيهــــــا الذرات والروابط بينها بوضوح تام. وإذا كانت الرؤية تؤدي إلى التصديق، فإن

هذه الصور ال تبقي سوى قدر ضئيل من الشك.وبالعــــــودة إلى بدايات القرن العشــــــرين، نالحظ أن تطور علم البلورات باســــــتخدام األشعة الســــــينية، مكن العلماء من ــــــاج أولى الصــــــور لتنظيمــــــات ثالثية األبعــــــاد للذرات في إنتــــــات. وفي عام 1961 شــــــبه <C .J. كيندرو> في ــــــف اجلزيئ مختلمجلة ســــــاينتفيك أمريكان جتربته في إلقاء نظرة خاطفة على ــــــي األبعــــــاد للبروتني الرابط لألكســــــجني وهو الشــــــكل الثالثاملايوگلوبني)myoglobin )4، بتجربة املستكشــــــفني األوروبيني

عندما وقع نظرهم على األمريكتني ألول مرة.ــــــوم، يعتمد الباحثون على اســــــتخدام األشــــــعة وحتى اليــــــات وغيرها من ــــــة البروتين ــــــم البلورات لرؤي الســــــينية في علــــــرة 2012-2009، ــــــات في األجســــــام احلية. وخالل الفت اجلزيئ

A NOBEL GATHERING )�()1( محرر مساعد في مجلة ساينتفيك أمريكان.

)2( استوديو شهير في إيطاليا ال تستطيع أن تصله إال سيرا على األقدام.)Theodor (The) Svedberg )3: كيميائي سويدي حاز جائزة نوبل في الكيمياء عام 1926.

)4( صبغ بروتيني أحمر اللون يحتوي على حديد يتكون في العضالت ويشبه الهيموگلوبني.

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

باختصارــــــا، حائزو جائزة فـــي كل صيـــف يجتمع في مدينة لينداو بأملانينوبل في مجال علمي معني وكذلك باحثون بارزون وواعدون في هذا املجال. ويقومون بأنشــــــطة علمية واجتماعية. وقد ركز االجتماع في

هذا العام (2013) على الكيمياء.واحتفاال باجتماع لينداو، اختارت مقتطفات من مقاالت في

أرشيفها كانت قد كتبت من قبل حائزي جائزة نوبل في الكيمياء. وتغطي هذه املقتطفات طيفا واســــــعا من املواضيع املدهشــــــة،

ــــــدءا بتفاصيل الذرات واجلزيئات، إلى التشــــــكيل الكيميائي للمحيط باجلوي. وبعضها يصف اكتشــــــافات أساسية تتعلق ببعض العناصر،

وأخرى تستعرض محاوالت الباحثني اصطناع مواد جديدة.ويالحظ أن بعض األسئلة التي شغلت الكيميائيني لعقود عديدة، بقيت حتى اليوم مــــــن دون جواب، كما أن بعض املواد التي صنعها اإلنسان والتي اعتبرت حينذاك غير عادية وبال قيمة حقيقية، صارت

اآلن مألوفة.

Page 51: Oloom Magazine march april-2014

49 (2014) 4/3

حصل اثنان من أربعة مــــــن الباحثني على جائزة نوبل تقديرا ــــــي تعتمد جزئيا على دراســــــة تركيب مجمعات ألبحاثهما التكبيرة من اجلزيئات في اخلاليا، وبالتحديد تركيب الريبوسوم .)1( )GPCRs( واملســـتقبالت املقترنـــة بالبروتـــني ribosome

وفي حالة الريبوســــــوم، لم تقتصر األشــــــعة الســــــينية على أن تدلنا على كيفية قيام هــــــذه اآللة اجلزيئية احملكمة بربط أوتار األحماض األمينية لتكوين البروتينات، بل ســــــاعدت الباحثني ــــــة، بحيث ميكنها أن ــــــر مضادات حيوية أكثر فعالي على تطويتتداخل مع الريبوسومات البكتيرية. وميكن لفهم أكثر تفصيال للمســــــتقبالت GPCRs أن يساعد الباحثني أيضا على تصميم عقاقير أكثر تطــــــورا. إذ يعتقد أن ثلث العقاقير التجارية يؤثر في هذه البروتينات الوفيرة املتوضعة في جدران اخلاليا. وفي عام 2011، أنتج العلماء بواســــــطة األشعة السينية أول صورة لهذه املســــــتقبالت أثناء عملها، ليكشفوا بذلك تفاصيل جديدة ــــــة، وتؤدي إلى حــــــول وقع اخلطــــــوات املتناغمة التي تتم بعناي

إيصال اإلشارات عبر جدار اخللية.ومع أن علم البلورات باســــــتخدام األشــــــعة السينية وغيره مــــــن األدوات احلديثة، أتاح للباحثني فحــــــص الكيمياء احليوية ــــــة مــــــن للمتعضيـــات احليـــة living organisms بدرجــــــة عاليالتفصيل، إال أن أصل احلياة في حد ذاته بقي غامضا إلى حد ــــــر. وفي عام 1952 أجــــــرى <C. H. أوري> وطالبه <L .S. ميلر> كبيما يعتبر حاليا التجربة الكالسيكية لألصول الكيميائية للحياة. فمن خالل إعادة توفير ظروف في املختبر متثل ظاهريا احمليط ــــــني <أوري> و<ميلر> أن اجلوي للكــــــرة األرضية عند تكونها، بمركبات بســــــيطة ميكن أن تشــــــكل األحماض األمينية التي هي املكونات الرئيسية للبروتينات وجلميع أشكال احلياة على سطح ــــــرض إحدى املدارس الفكرية بأن اآللية الكيميائية األرض. وتفت RNA الذي يكون الرنا DNA احليوية، والتي نعرفها اآلن )الدناوالذي يكون بدوره البروتينات( كان قد سبقها وجود عالم الرنا

الذي قام فيه الرنا بنفسه بعمل كل شيء. ــــــه <أوري> على جتربة وفــــــي العــــــام ذاته الذي أشــــــرف فيأصول احلياة، قام بنشــــــر مقالة في مجلة ســــــاينتفيك أمريكان حول بدايات تكون غــــــالف األرض اجلوي. ومبرور الزمن، بدأ ــــــرا مثيرا في ــــــد، بأننا قد أحدثنا تغي يتضح لنا بشــــــكل متزايغالف األرض اجلوي، من خالل استخدامنا للمواد الكيميائية الصنعية. ومثال ذلك أن املواد املعروفة باسم املواد الكربونية احملتوية على الكلور والفلور (CFCs))2( أســــــهمت في نضوب طبقــــــة األوزون في الغالف اجلوي. وما زال التركيب الكيميائي املعقد للغالف اجلوي يثير دهشــــــة العلماء. فقد ركزت دراسة نشرت مؤخرا عام 2012 على اكتشاف مادة لم تكن معروفة في

الغالف اجلوي، والتي ميكنها حتويل ثنائي أكسيد الكبريت ــــــت، الذي ــــــى حمض الكبري إليشــــــكل بدوره أحــــــد مكونات .acid rain املطـــر احلمضـــي وهكذا، فإن اكتشاف الباحثني الغالف في ــــــدة جدي مركبات اجلوي يســــــاعدهم على تنقيح منــــــاذج العمليات اجلوية التي نعتمــــــد عليهــــــا فــــــي تنبؤاتنا

بالتغيرات اجلوية املستقبلية.ــــــات الصنعية التي ننتجها وإلى حد كبير، أســــــهمت املركببالطرق الكيميائية في حتســــــني احلياة اليومية للبشر. فخالل القــــــرن املاضي، أنتجــــــت الكيمياء الصنعية أعــــــدادا متزايدة ــــــي ال تتوفر في الطبيعة. ومن مــــــن املواد املفيدة والعقاقير الت synthetic ــــــة اجليدة على ذلك البوليمـــرات)3( الصنعية األمثلــــــرة تتكون من ــــــارة عن جزيئات كبي ــــــي هي عب polymers: الت

وحدات متكــــــررة تســــــمى املونوميـــرات monomers وترتبط معا بصورة منتظمة على شــــــكل سالسل. واألسماء التجارية لبعــــــض هــــــذه البوليمرات شــــــائعة ومعروفة، ومنهــــــا: تفلون Teflon، ســـتايروفوم Styrofoam، كڤلـــر Kevlar. واعترافــــــا

مني: اإليطالي <G. ناتا>، واألملاني <W .K. زيگلر>، بفضــــــل العالـــــــي تتحكم في توجيه باكتشــــــاف املواد احلفازة catalysts التاملونوميرات، أثناء ترابطها لتكوين سلســــــلة البوليمر، فقد مت منحهمــــــا جائزة نوبل في الكيمياء عــــــام 1963. ويجري حاليا إنتاج املواد البالســــــتيكية على نطاق جتاري، وبكميات هائلة حتى يومنا هذا، باســــــتخدام حفازات »زيگلر-ناتا«)4( وغيرها

من احلفازات ذات الصلة. ]Nature Chemistry كانتريل> ]رئيس حترير مجلة .S> ويقولإنه ملا كانت الكيمياء علما بالغ الســــــعة، فإنه ميكن لإلنسان أن يتوقع حدوث اختراقات مستقبلية عديدة تستحق جوائز نوبل. functional إذ باإلمكان أن يقــــــوم العلماء ببناء خلية وظيفيـــةcell من العدم أو ورقة صنعية ميكنها اســــــتخالص الطاقة من

أشعة الشمس بشكل يفوق ما تفعله أوراق النباتات. وأيا كانت االكتشافات القادمة، فإن التاريخ يدلنا على أنها ستكشف خبايا ما يدور في العالم من حولنا، وســــــوف تعيننا على اصطناع ما

نحتاج إليه، وذلك حينما تفشل الطبيعة في تزويدنا به.G-protein coupled receptors )1(

chlorofluorocarbons )2()3( أو: املتماثرات

Ziegler-Natta catalysts )4(

Page 52: Oloom Magazine march april-2014

50(2014) 4/3

MODERN THEORIES OF ELECTRICITY AND MATTER )�()1( أو: القصور الذاتي

إذا ما اســــــتعرض املرء التقدم الذي مت إحرازه في مجال الفيزياء خالل األعوام العشرة األخيرة، سوف يصدم بالتغير الذي حدث في األفكار اجلوهرية، بخصوص كل من الكهرباء واملــــــادة. لقد حدث هذا التغير بشــــــكل جزئي نتيجة األبحاث حول املوصلية الكهربائية للغاز، إضافة إلى اكتشاف ودراسة ظاهرة النشاط اإلشعاعي. وأعتقد أن هذا األمر مازال بعيدا عن احلسم، وميكن لنا أن نبقى متفائلني بالتطورات املستقبلية. ويبدو أن هناك نقطة مت حسمها اليوم وهي النظرة إلى التركيب الذري للكهرباء، التي تطابق وتكمل فكرة متســــــكنا بها لزمن ــــــق بالتركيب الذري للمادة، الذي يشــــــكل بدوره طويل، وتتعل

أساس النظريات الكيميائية.وفي الوقت ذاته، فإن وجود الذرات الكهربائية، غير القابلة للتجزئة باستخدام إمكانات البحث املتوفرة حاليا، يبدو وكأنه قد ترســــــخ بالتأكيد، كما ظهرت أيضــــــا اخلواص املهمة لهذه الذرات. إن الذرات ذات الشــــــحنة السالبة، والتي نطلق عليها اســــــم إلكترونات electrons، قد وجدت في حالة حرة وطليقة، ــــــع ذرات املــــــادة، وال حتمل أي صفة مســــــتقلة بذلك عن جميــــــك أبعادا محددة جتمعها بها. وفــــــي هذه احلالة، فإنها متتلفي الفراغ، وتتمتع ببعض العطالة)inertia )1، وهذا ما يوحي

بفكرة أن نعزو إليها كتلة مناسبة.وقد أوضحت التجارب أن أبعاد هذه اإللكترونات متناهية الصغــــــر، إذا ما قورنت بأبعــــــاد جزيئات املادة، وأن كتلتها ال تتعدى جزءا يســــــيرا ال يتجاوز واحدا من األلف من كتلة ذرة الهدروجــــــني. وأوضحت التجارب أيضا أنهــــــا إذا ما وجدت منفصلة عن بعضها بعضا، فإن باإلمكان أن توجد في جميع ــــــة، أن يتم املــــــواد العادية، وأن باإلمــــــكان حتت ظروف معين

انبعاثها من مادة مثل أحد املعادن من دون أن تتغير خواصه بشكل ملموس.

وإذا كنا حينئذ ســــــنعتبر اإللكترونات أحد أشكال املادة، فإننا ســــــوف ننســــــاق إلى قبول انقســــــامها عن الذرات، وأن نعترف بوجود جسيمات متناهية الصغر، قادرة على الدخول في تركيب املادة، ولكنها إذا غادرتها ال يترتب على ذلك تدمير الذرة. وإذا ما نظرنا إلى ذلك من هذه الزاوية، فعلينا أن نعتبر كل ذرة بأنها تركيب معقد. وهذه الفرضية تصبح محتملة إذا ــــــف االنبعاث الذي مييز بني ــــــا في االعتبار تعقيد طي ما أخذنــــــذرات املختلفة. وحينها يصبح لدينا مفهوم دقيق متاما عن ال

الذرات ذات الشحنة السالبة.ــــــى الكهرباء املوجبة، حيث ولكن األمر يختلف بالنســــــبة إلــــــدأ اختالفات كبيرة بالظهور بني نوعــــــي الكهرباء، إذ تبدو تبــــــاء املوجبة دائمــــــا مرتبطة بذرات املــــــادة، وليس لدينا الكهربســــــبب حتى اآلن، حتى نعتقد أن بإمكانها أن تنفصل. وتزداد معرفتنا اخلاصة باملادة من خالل حقيقة مهمة. فقد اكتشفت خاصية جديدة للمادة أطلق عليها اســــــم النشـــاط اإلشعاعي

نظريات حديثةفي الكهرباء واملادة)�(

ذرات وجزيئاتاكتشافات جوهرية

<M. كوري>

بحث نشر في الشهر 6 / 1908وحازت كاتبته جائزة نوبل عام 1911

Page 53: Oloom Magazine march april-2014

51 (2014) 4/3

THE REALITY OF MOLECULES )�()theory of the transmutation of elements )1: أي حتول عنصر إلى آخر.

)alchemists )2: الكيميائيون القدماء

radioactivity وهي اخلاصية التي متتلكها ذرات بعض املواد،

ــــــة تقارن بكتلة ــــــل في إطالق جســــــيمات بعضها له كتل وتتمثالذرات نفســــــها، أما اجلســــــيمات األخرى فهي اإللكترونات. ــــــي ميتلكها كل من اليورانيوم والثوريوم إن هذه اخلاصية التبدرجة بســــــيطة، أدت إلى اكتشاف عنصر كيميائي جديد هو الراديـــوم radium، الذي يتميز بطاقة إشــــــعاعية كبيرة. ومن بني اجلسيمات التي يطلقها الراديوم ما يقذف بسرعة عالية، ــــــة كبيرة من احلــــــرارة. وهكذا، فإن ويصاحــــــب انطالقه كمي

اجلسم املشع يشكل مصدرا للطاقة.ووفق أفضل نظرية توضح ظاهرة النشــــــاط اإلشــــــعاعي، فــــــإن جــــــزءا معينا من ذرات اجلســــــم املشــــــع، يتحول خالل وقــــــت معني، منتجا ذرات لهــــــا وزن ذري أقل، وأحيانا يحدث ــــــة يطلق عليهــــــا نظرية ــــــات. وهــــــذه النظري انطــــــالق إلكترونالتحـــول للعناصر)1(. لكنهــــــا تختلف في جوهرها عن أحالم اخليميائيني)2(، في أننا نعلن في الوقت احلاضر على األقل، أننا عاجزون عن إحداث هــــــذا التحول أو التأثير فيه. وهناك بعض احلقائق التي تشير إلى أن النشاط اإلشعاعي له عالقة إلى حد مــــــا بجميع أنواع املواد. وهكذا ميكن أن تكون املادة ــــــدة عن كونها غير قابلة للتحــــــول أي أن تكون خاملة، كما بعيكان يعتقد ســــــابقا، بل إنها على العكس في حالة حتول دائم، مع أننا ال نالحظ هذا التحول، نظرا لبطئه النسبي. إن مفهوم وجود ذرات كهربائية الذي مت طرحه علينا يؤدي دورا رئيسا

في النظريات احلديثة للكهرباء.

حينمــــــا يرجع املرء إلى كتاب فــــــي الكيمياء أو الفيزياء، نشــــــر في نهاية القرن التاســــــع عشــــــر، بهــــــدف احلصول ــــــات، فإنه في معظم األحيان ــــــى معلومات تتعلق باجلزيئ عليواجه تعابير توحي بالشــــــك في حقيقــــــة وجود اجلزيئات. وقــــــد ذهب بعض املؤلفني إلى إنكار إمكانية إثبات وجودها ــــــا اآلن وبعد مضي عقــــــد قصير من بطــــــرق جتريبية. لكنن

الزمن، نتســــــاءل كيف تغيرت األمور! أما وجود اجلزيئات في هذه األيام فيمكن اعتباره قضية مت التأكد منها بشــــــكل قاطع. إن ســــــبب التغير اجلذري لهذا التوجه ينبغي البحث ــــــه في التجــــــارب املختبرية التي متت فــــــي بدايات القرن عنالعشرين. ويتجلى ذلك في االختبارات البارعة التي قام بها <E. رذرفورد> في مجال أشــــــعة ∝، إضافة إلى االختبارات

قـــات suspensions اجلســــــيمات األخرى فــــــي مجــــــال معلالصغيرة في السوائل والغازات، والتي أدت إلى التجسيد

التجريبي للمفهوم الذري للمادة.ــــــات احلديث لوجود اجلزيئات، و مــــــن ناحيته، يعتمد اإلثبــــــب املادة غير ــــــت لنا فهما مباشــــــرا لتركي م ــــــى ظواهر قد علاملستمر، ومن ناحية أخرى على منوذج العمل املتعلق بالنظرية ــــــل املعلقة. وقد تبني ــــــا عليه في احملالي ــــــة الذي حصلن احلركيأن هــــــذه األخيرة تختلف عن الســــــوائل احلقيقية فقط في أن ــــــرا في حالة املعلقات. جســــــيمات املادة املذابة تكون أكبر كثيوهي تســــــلك في جميع املجاالت وكأنها سوائل حقيقية، وتتبع ذات القوانني اخلاصة بهذه الســــــوائل. ومن ناحية ثالثة، فإن الدليل املباشر احلديث على وجود شحنات كهربائية ابتدائية ميكننا من اســــــتخالص اســــــتنتاجات تتعلق بالتركيب الذري

للمادة املدروسة.ــــــات العملية يبرز ــــــني املجموعة األولى مــــــن اإلثبات ومن باكتشاف <رذرفورد> العظيم (1902-1909) أن العديد من املواد املشعة تقذف جسيمات صغيرة، وبعد أن تفقد هذه اجلسيمات ــــــد اصطدامها بجدران الوعاء ســــــرعتها، كما يحدث مثال عنــــــذي يحويها، تظهــــــر خواص غاز الهيليوم. وبهذا الشــــــكل الأمكن إثبات أن غاز الهيليوم مكون من جسيمات صغيرة غير متواصلة، وهي في احلقيقة ما نطلق عليها اســــــم اجلزيئات. وقــــــد متكن <رذرفورد> عمليا من إحصاء عدد جســــــيمات ∝ ــــــات الهيليوم التي يحويها ســــــنتمتر مكعب من غاز أو جزيئالهيليوم عند درجة الصفر املئوية وحتت ضغط جوي واحد،

وذلك عام 1908.ومتثلت املجموعة الثانية من اإلثباتات بوجود اجلزيئات في عدد من األبحاث حول تغير التركيز وفق املستوى، والذي يالحظ ــــــك في قـــات الغروانيـــة colloidal suspensions، وكذل فــــــي املعلظاهرة االنتشـــار phenomena of diffusion واحلركة البراونية

Brownian movement وامتصاص الضوء في مثل هذه النظم.

وأخيرا، فإن األبحــــــاث احلديثة حول إيصال الكهرباء عبر الغازات، وما يســــــمى أشــــــعة β، أظهرت بشكل قاطع

حقيقة اجلزيئات)�(

<T. السڤيدبيرگ>

بحث نشر في الشهر 2 / 1913حاز كاتبه جائزة نوبل عام 1926

Page 54: Oloom Magazine march april-2014

52(2014) 4/3

HOT ATOM CHEMISTRY )�(cyclotron )1(

xenon 128 )2()3( أو: طاقة ارجتاع

كيمياء الذرة احلارة)�(

<F .W. ليبي>

بحث نشر في الشهر 3 / 1950حاز كاتبه جائزة نوبل عام 1960

ــــــة مثلها مثل ــــــة ذات طبيعــــــة ذري أن الشــــــحنات الكهربائياملــــــادة، وهذا يعني أنها تتكون من جســــــيمات أساســــــية أولية مشــــــحونة، وأن كتلتها تقرب من 700/1 من كتلة ذرة الهدروجني. ومنذ وقت قريب، جنح كل من <A .R. ميليكان> و <E. ريگنر>، وعبر طرق مختلفة متاما في عزل اإللكترون

ودراسته بشكل مباشر.ويتضح لنا بذلك أن البحــــــث العلمي خالل العقد املاضي ــــــا أدلة مقنعة متاما على وجود اجلزيئات. وهكذا لم قد وفر لنيعد التركيب الذري للمادة قد جرى إثباته بعيدا عن أدنى شك فقــــــط، بل يعني أيضا أنه صار باإلمكان دراســــــة ذرة مفردة. ــــــا اآلن أن نعد وأن نزن الذرات، فهل يريد املشــــــككون وميكنن

مزيدا من اإلثباتات واألدلة العملية على ذلك؟

من أول األشــــــياء التي يتعلمها الطالب في بداية دراســــــته للكيمياء هو أن الســــــلوك الكيميائي للذرة يعتمد بشكل مطلق ــــــى اإللكترونات التي تدور في مداراتهــــــا حول النواة، وأن علــــــواة ذاتها. وفي حقيقة األمر، فإن ال عالقة لهذا الســــــلوك بالنالتعريف التقليدي للنظائر يشــــــير إلى أن جميع نظائر عنصر معني متشابهة في ســــــلوكها الكيميائي، مع أن نواها مختلفة ــــــع التعميمات، فإن هذا عــــــن بعضها بعضا. وعلى غرار جميــــــم يحمل فــــــي طياته قدرا من اخلطــــــأ؛ ذلك أن احلقيقة التعميتكمن في أن السلوك الكيميائي ألية ذرة ميكن أن يتأثر بشكل كبير مبا يحدث للنواة، إذا كان لها نشــــــاط إشعاعي. إن تنوع السلوك الكيميائي الذي تتصف به الذرات املشعة قد متخض ــــــق عليه كيمياء الذرة عــــــن ظهور فرع جديد من األبحاث يطل

.hot atom chemistry احلارةــــــر العادية للذرات وقد لوحظــــــت التفاعالت الكيميائية غياحلارة، بعد اكتشــــــاف النشاط اإلشــــــعاعي مباشرة. وبدأت ــــــات عام 1934، حينما دراســــــات كيمياء الذرة احلارة مع بدايقام كل من <L. زيالرد> و <A .T. تشــــــاملرز> في إنكلترا بابتكار

طريقة عرفت بعملية “زيالرد-تشــــــاملرز” الســــــتخدام مثل هذه التفاعــــــالت للحصول على بعض املركبات املشــــــعة ألغراض بحثية. لكن األمر لم يتجاوز نهاية احلرب العاملية الثانية، حتى بدأ الكيميائيون بالعمل على اســــــتخدام كميات كبيرة من هذه املواد ذات النشــــــاط اإلشــــــعاعي، وحينها حاز هذا املوضوع اهتمامــــــا كبيرا. ومنذ هذه احلرب بدأت التقارير حول البحث في هــــــذا املجال املثير للجدل تأتي مــــــن املختبرات في جميع

أنحاء البلدان املتقدمة علميا.وسوف نركز اهتمامنا على استعراض عدد من التفاعالت ethyl التي توضح سلوك اليود املشع في مركب يوديد اإلثيلiodide - Ch3 CH2 I. نبدأ بعينة ســــــائلة لهذا املركب، ونحول

بعض ذرات اليود فيها إلى تشــــــكيلة تتميز بنشاط إشعاعي من خالل قذف اليود بواســــــطة نيوترونات مصدرها مفاعل ــــــه تفاعالت متسلســــــلة، أو ســــايكلوترون)1(. وجتدر تتم فيــــــع بصفات كيميائية، اإلشــــــارة إلى أن النيوترونات ال تتمتــــــة، ال حتيط بها ــــــث إنها تتكون فقــــــط من مادة نووية نقي حيإلكترونات خارجية. وهي في ذاتها حيادية كهربائيا )عدمية الشحنة(، لذا فإن قدرتها على االختراق فائقة، إذ بإمكانها أن تخترق جســــــما صلبا سمكه عدة بوصات، إلى أن تسنح لها فرصة التفاعل مع بعض النويات الدقيقة التي تصادفها

في رحلتها. ولنفترض اآلن أننا نعرض زجاجة حتتوي على يوديد اإلثيل ملصدر يطلق النيوترونات. وهنا ستقوم النيوترونات باختراق الزجاج، وسيتم التصاق بعض منها بذرات اليود، وعندما يتم ــــــات بنواة ذرة يود، I-127 عادية، التصاق أحد هذه النيوترونوهو اليود الثابت والذي ال يتمتع بخاصية اإلشــــــعاع النووي، فإنها تكتســــــب نيوترونا وتتحول إلى نظير اليود I-128 املشع. ــــــع بالثبات، لذا فإنه وخالل زمن يقل عن وهذا األخير ال يتمتواحد من مليون من املليون جزء من الثانية يقوم بإطالق أشعة گاما gamma ray ذات الطاقة الفائقة، والتي تقدر بعدة ماليني من إلكترون ڤلط. وبعد إطالق هذا القدر الهائل من الطاقة، يتم ــــــزال ذرة اليود 128 إلى درجة أقل من التهيج. وهنا تبقى اختاألخيرة غير ثابتة وتســــــتمر باالنحالل والضعف ويتم حتولها ببطء بعد فترة نصف حياة half-life تبلغ 25 دقيقة إلى زينون 128)2( من خالل إطالق جسيمات β. ويسبب إطالق هذه الطاقة

recoil )3(ــــــذرة اليود 128 في جزيء يوديد اإلثيل طاقة ارتداد لenergy تشبه طاقة ارتداد البندقية، عند إطالق رصاصة منها.

Page 55: Oloom Magazine march april-2014

53 (2014) 4/3

THE THREE-DIMENSIONAL STRUCTURE OF A PROTEIN MOLECULE )�()1( أو: األيضmyoglobin )2(

لقد كانت الصورة التي حصلنا عليها واضحة مبا فيه الكفاية الستنتاج ترتيب ذرات بروتني املايوگلوبني

والتي يبلغ عددها 2600 ذرة. <C .J. كيندرو>، 1961

وقد مت حساب طاقة االرتداد هذه والبالغة 200 مليون إلكترون ڤلط. في حــــــني أن الطاقة الكيميائية الرابطــــــة لذرة اليود في جــــــزيء يوديد اإلثيل هي نحــــــو 3-4 إلكترون ڤلط. ويتضح من ــــــداد أكبر بكثير من قوة الرابطة الكيميائية هذا أن طاقة االرتــــــي تربط كل ذرة يود 128 بجزيئها، وبذلك فإن كل ذرة يود الت128 تكون قــــــد قذفت بقوة هائلة. وتتعلق كيمياء الذرة احلارة

بالتفاعــــــالت الكيميائية غير املعتادة التي متر بها ذرات اليود ذات الســــــرعة الفائقة بعد فصلها عن اجلزيء. وملا كانت ذرة اليود 128 متتلك نشــــــاطا إشعاعيا، يصبح من السهل تتبعها

عبر أنشطتها املتتالية.ــــــاء الذرة احلارة؟ فما هي االســــــتخدامات املمكنة لكيمييتمثل أحد االســــــتخدامات الواضحــــــة في حتضير مصادر مركزة للنشــــــاط اإلشــــــعاعي، وميكن لهذه التقانة أن تساعد ــــــى حتقيق عدد مــــــن األهداف التي تســــــتخدم فيها املواد علاملشعة، وبشــــــكل خاص في مجال علوم احلياة. فعند حقن مادة مشعة في اجلسم سواء كان ذلك الستخدامها كمتتبع للمــــــرض، أو لعالجه، يصبح من الضروري أن تكون الكمية ــــــى يتم تالفي ــــــا، وذلك حت املســــــتخدمة فــــــي حدودها الدنياإلضرار بالتكوين الطبيعي للدم، أو بعمليات االســـتقالب)1(

metabolism الطبيعية للجسد.

علم احلياةكيمياء احلياة

التركيب الثالثي األبعاد جلزيء بروتني)�(

<C .J. كيندرو>

بحث نشر في الشهر 12 / 1961حاز كاتبه جائزة نوبل عام 1962

وعندما وصل املكتشــــــفون األوائل األراضي األمريكية، شكل ذلك لديهم جتربة التنسى متثلت في رؤية عالم جديد، لم يره قبلهم أي أوروبي. وحلظات كهذه - والتي تتمثل في رؤية عوالم جديدة - هي من أهم ما يخلب لب املكتشــــــفني. ويتاح للعلماء من وقت إلى آخر، أن يشــــــاركوا في أحداث بهيجة من هذا النوع. وقد أتيح لزمالئي ولي مثل هذه اللحظة، في صباح أحد أيام األحد عام 1957، حينما رأينا شيئا لم ــــــره أحد من قبلنا قط: وهي صــــــورة ثالثية األبعاد جلزيء يــــــت هذه الصورة األولى ــــــني بجميع تعقيداتها. وقد كان بروتــــــر دقيقة. وبعد ذلك بعامني عشــــــنا جتربة مثيرة مماثلة، غيــــــدت عدة أيام مت قضاؤها في إدخال بيانات حلاســــــوب امتــــــاء صورة بالغة الوضوح ســــــريع، قام على عدة مراحل ببنــــــك البروتني هــــــو املايوگلوبني)2(، للجــــــزيء ذاته. وكان ذلوكانت الصورة التي حصلنا عليها واضحة بدرجة سمحت لنا باستنتاج التنظيم احلقيقي في الفراغ ملا يقرب من 2600 ذرة مــــــن مكوناته. لقد اخترنا املايوگلوبني حملاولتنا األولى، ــــــه من تعقيد، فهو واحد من أصغر، ويفترض أن ملا يتميز بيكون من أبسط جزيئات البروتينات، حيث إن بعضها أكبر

منه بعشر أو حتى مبئة مرة.ــــــات في واقــــــع األمر مركز نشــــــاط ــــــر البروتين وتعتبــــــا احلية، إذ إن معظم التفاعــــــالت الكيميائية التي اخلاليــــــا، يجري حتفيزهــــــا باإلنزميات، وجميع تتم في اخلالياإلنزميــــــات املعروفة، هي عبارة عــــــن بروتينات. وحتتوي ــــــى ما يقرب مــــــن 1000 نوع مختلف ــــــة الواحدة عل اخلليــــــز تفاعل مختلف مــــــن اإلنزميات، يقــــــوم كل منها بتحفي

Page 56: Oloom Magazine march april-2014

54(2014) 4/3

كابحات جينية)�(

<M. پتاشن> - <W. گيلبرت>

بحث نشر في الشهر 6 / 1970حاز <گيلبرت> جائزة نوبل عام 1980

ونوعي. وتقوم البروتينات بوظائف عديدة أخرى، لكونها مكونات لكل من العظام والعضالت واألوتار وكذلك للدم والشــــــعر واجللد واألغشية. وإضافة إلى ذلك، فقد صار مــــــن الواضح حاليا أن املعلومـــات الوراثية)1( تنتقل من جيل إلى آخر بواســــــطة احلمض النووي في الصبغيات )الكروموســـومات()2(، ويعبر عنها فــــــي األنواع املميزة جلزيء البروتني الذي يتم اصطناعه بواســــــطة كل خلية. ومن الواضح أن فهم سلوك خلية حية يتطلب أوال معرفة ــــــف بأن يتم ــــــوع الكبير في الوظائ ــــــف ميكن لهذا التن كيبواســــــطة جزيئات جميعها مكونة إلى حد بعيد من نفس

الوحدات األساسية احملدودة العدد. وهذه الوحــــــدات هي أحماض أمينية، يصــــــل عددها إلى عشــــــرين حمضا، تتصل معا لتكون السالســــــل التي تعرف ــــــوي الواحــــــدة منهــــــا مبتعـــددة الپپتيـــد polypeptide، ويحتالهيموگلوبني في كرات الدم احلمراء على أربع سالسل متعددة الپپتيد. ويعتبر املايوگلوبني قريبا صغيرا للهيموگلوبني، حيث

إنه يتكون من سلسلة متعدد بيبتيد واحدة. ــــــة غير املكتملة من دراســــــتنا وحتى فــــــي هذه املرحلــــــا بالتفكير في جــــــزيء بروتني يتمتع ــــــني، بدأن للمايوگلوبــــــم محاولة ــــــي األبعــــــاد، ومن ث ــــــي ثالث ــــــب كيميائ بتركيــــــي ووظيفته إيجاد تفســــــيرات منطقية لســــــلوكه الكيميائالفسيولوجية، وكذلك فهم إلفته )قرابته( مع بروتينات ذات عالقة، واســــــتيضاح املشكالت املتعلقة بتفسير اصطناع البروتينات في املتعضيات احلية وطبيعة العيوب الناجمة ــــــة. ومن الواضح أن طلبة هذه عن أخطاء في هذه العمليــــــة يقفون في احلقيقة األيام الدارســــــني للمتعضيات احليــــــل العديد من البروتينات ــــــى عتبة عالم جديد. إن حتلي علاألخرى، حتت ظروف أدق )مثل التي نأمل بالوصول إليها ــــــني(، يصبح أمرا مطلوبا قريبا في عملنا على املايوگلوبــــــم اجلديد، إضافة إلى ــــــل أن نتمكن من فتح هذا العال قبضرورة فهــــــم التفاعالت املتعددة اجلوانب بني اجلزيئات العمالقة للخاليا احلية، وذلك من خالل مفاهيم واضحة

من الناحية الكيميائية.ومع ذلك، فــــــإن احتمال توفير قاعدة قوية لفهم التعقيدات biogenesis ــــــب الكيميائي والنشـــوء احليـــوي الهائلة للتركيوكذلك فهم وظيفة املتعضيات احلية في حالة الصحة واملرض

هي اآلن أمور في مرمى النظر.

ــــــف يجري التحكم فــــــي اجلينـــات genes؟ ال بد وأن كيــــــع جميع اخلاليا بالقدرة على تشــــــغيل وقفل جيناتها. تتمتومثال ذلك أن خلية بكتيرية قد حتتاج إلى إنزميات مختلفة لتســــــتطيع هضم غــــــذاء جديد يقدم إليها فــــــي بيئة جديدة. وخالل مسيرة ڤيروس صغير في دورة حياته، تعمل جيناته بشــــــكل متتابع، موجهة بذلك سلسلة من األحداث املوقوتة. ــــــات حية أكثر تعقيدا من البيضة، تقوم وعند تطور متعضيــــــات املختلفة فتحــــــا وغلقا، خالياها بتشــــــغيل آالف اجلينويســــــتمر هذا التتابع عبر دورة حياة هذا املتعضي احلي. ويتطلب ذلك التتابع مساهمة الكثير من الضوابط النوعية. وخالل األعوام العشــــــرة األخيرة، مت إيضاح إحدى آليات مثل هذا التحكم في املعنى اجلزيئي: إذ تســــــمى اجلزيئات .repressors ــــــة بالكابحـــات التي تتحكم فــــــي جينات نوعيوالفهم املفصل لعملية التحكم بواسطة الكابحات، مت بشكل أولي من خالل جتارب جينية وكيميائية حيوية على بكتيريا اإلشريكية القولونية Escherichia coli، وبعض الڤيروسات

التي تغزوها.يرتبط الكابح أو يلتصق بجزيء الدنا مباشــــــرة عند بداية مجموعة جينات يتحكم فيها، وذلك عند نقطة تســــــمى املشغل operator مانعــــــا بذلك بوليمراز الرنـــا RNA polymerase من

نســــــخ اجلني إلى رنا، وبذلك يتم قفل اجلني. ويجري التحكم في كل مجموعة جينات منظمة بشــــــكل مستقل، بواسطة كابح

مختلف، نشأ عن جني كابح مختلف.ويحدد الكابح متى يســــــتطيع اجلــــــني الفتح واإلغالق من خالل قيامه بدور الوسيط بني اجلني وإشارة مناسبة. وتتمثل هذه اإلشــــــارة غالبا بجزيء صغير يلتصــــــق بالكابح ويعيق أو يشــــــوه شــــــكله قليال. وفي بعض األحيان، فــــــإن مثل هذا ــــــح غير فعال، مبعنى أنه يفقد التغير في الشــــــكل يجعل الكابالقدرة على االلتصاق باملشــــــغل، بحيث إن اجلني ال يخضع

GENETIC REPRESSORS )�(the hereditary information )1(

chromosomes )2(

Page 57: Oloom Magazine march april-2014

55 (2014) 4/3

ــــــك للكبح. ويبدأ اجلني بالعمــــــل عندما يوجد اجلزيء بعد ذل .inducer الصغير الذي يســــــمى في هذه احلالة جزيئا حاثاوفي أحــــــوال أخرى، فإن معقد الكابح واجلزيء الصغير هو الشكل النشــــــط، ويكون الكابح قادرا على االرتباط باملشغل فقط، عندما يوجد اجلزيء الصغير )والذي يســــــمى في هذه

.(corepressor احلالة كابحا مشاركالقد أوضح كل من <R. بورگيس> و <A. تراڤرز> ]من جامعة هارڤارد[ و <E. باوتز> و <J .J. دان> ]من جامعة روجترز[ بأن بوليمراز الرنا)1(، الذي يبدأ عملية اصطناع سالســــــل الرنا عند املنشــــطات promoters، يحتوي على وحدة ثانوية سهلة االنفصال، والزمة إلحداث عملية بدء التنشيط املناسبة. ومتنح هذه الوحدة الثانوية، أو ما يســــــمى عامل ســــيگما)2(، اإلنزمي املترابطة معه القدرة على تعرف املنشــــــطات الصحيحة. وقد )3(T4 أوضح <تراڤرز> أن ملتهمات اإلشــــريكية القولونيةتولد نوعا جديدا من عامل سيگما ميكنه أن يرتبط ببوليمراز البكتيريا، مما يجعله قــــــادرا على قراءة جينات امللتهم، التي لم يكن معقد اإلنزمي ســــــيگما األصلي قــــــادرا على قراءتها. ــــــت األحداث بعد اإلصابة ويفســــــر هذا التغير جزءا من توقي

.T4 بامللتهماتــــــاع البروتينات األولى حتت إشــــــراف لقــــــد مت اصطنعامل ســــــيگما البكتيري، ومن ضمن هذه البروتينات عامل ــــــزمي لقراءة عوامل حث ســــــيگما جديد ميكنه أن يوجه اإلنــــــع مجموعة جديدة مــــــن البروتينات. وعملية جديدة وصنالتحكــــــم عن طريق تغيير عوامل ســــــيگما ميكن أن تضبط وتنظم مجموعات كبيرة من اجلينات. ونتصور أن بكتيريا اإلشــــــريكية القولونية حتوي مجموعــــــات عديدة من عوامل احلث، وأن كل مجموعة منها تتميز بعامل سيگما مختلف، مع احتمال أن يكون هذا العامل مرتبطا بجزيئات صغيرة

أو كبيرة أخرى.وتعتمد كل من عمليات فتح وإغالق جينات نوعية بشــــــكل أساس على العناصر األساسية التي مت مناقشتها هنا: فهي تتمثل فــــــي القدرة على تعرف تتابع معــــــني عبر جزيء الدنا، وأن تتم االســــــتجابة لإلشــــــارات اجلزيئية اآلتية من احمليط. ــــــة بكابحات توضــــــح أول آلية والتجــــــارب الكيميائية احليويــــــد اجلزيئي. ومعرفتنا واضحــــــة للتحكم في جني على الصعيــــــة في هذا املجال قد زودتنا ببعض الوســــــائل التي التفصيلي

ميكننا بواسطتها استكشاف آليات أخرى.

الرنا كإنزمي)�(

<R .Th. سيش>

بحث نشر في الشهر 11 / 1986حاز كاتبه جائزة نوبل عام 1989

ــــــان هما الدنا ــــــة حمضان نووي يوجــــــد في اخللية احليDNA والرنا RNA اللذان يحويان جميع املعلومات الالزمة

لالســــــتقالب والتكاثر. ومن ناحية أخــــــرى، فإن البروتينات ــــــات وظيفية تعمــــــل كإنزميات، حتفز ــــــارة عن جزيئ هي عبآالف التفاعــــــالت الكيميائية التي يعتمد عليها االســــــتقالب اخللوي. وحتى وقت قريب، كان مقبوال بشكل عام بأن مثل هذه املواد كانت اســـتثنائية exclusive. وفي احلقيقة، فإن تقســــــيم العمل في اخللية بني جزيئات تختص باملعلوماتية وأخرى تختص بعمليات احلفز كان مبدأ يلقى إجماعا في ــــــة. لكن هذا األمر بدأ بالتغير خالل مجال الكيمياء احليويالسنوات األخيرة املاضية، وبخاصة بعد اكتشاف أن الرنا

ميكنه أن يقوم بوظيفة اإلنزمي.لقد جرى اكتشاف قدرة الرنا على القيام بعملية التحفيز ألول مرة في عامي 1981 و1982 عندما كنت أقوم مع زمالئي بدراسة ــــــا من حيـــوان أولـــي )وحيـــد اخلليـــة( protozoan هو أليفة رناحلرارة الرباعية الغشاء Tetrahymena thermophila. وكان من أشــــــد ما أدهشــــــنا أن وجدنا أن لهذا الرنا القــــــدرة على حتفيز عمليات القطع والوصل التي تؤدي إلى إزالة جزء من طوله. وإذا كان ألحــــــد أن يتغاضى عن حقيقة أن رنا رباعية الغشــــــاء ليس

بروتينا، فإن هذا الرنا يعتبر قريبا من تعريف اإلنزمي.واآلن، ماذا يعني هذا االكتشاف املدوي، واملتعلق بإنزميات الرنا؟ إن من أولى تبعات ذلك أنه لم يعد بإمكان أحد أن يفترض بأن البروتني يقف وراء كل نشــــــاط حتفيزي للخلية. ويبدو اآلن أن العديد من العمليات التي تشكل الرنا بصورته النهائية يتم حتفيزها، جزئيا على األقل، بواسطة الرنا. وإضافة إلى ذلك، فإن الريبوســـوم)4( ribosome )وهو العضيـــة organelle التي تبنى عليها البروتينات(، يتضمن عدة جزيئات من الرنا إضافة إلى تشــــــكيلة من البروتينات، ويحتمل أن يكون رنا الريبوسوم وليس بروتينه، هو حافز اصطناع البروتني. وتعتبر هذه العملية

RNA AS AN ENZYME )�(RNA polymerase )1(

sigma factor )2(E. coli phage T4 )3(

)4( أو: الريبوزوم )اجلسم الريبي(

Page 58: Oloom Magazine march april-2014

56(2014) 4/3

واحدة من أهم األنشــــــطة احليوية األساسية. وميكن أن يكون ــــــدور الرنا التحفيزي تبعات تطورية أو نشــــــوئية. وملا كان كل لمن األحماض األمينية والبروتينات يعتمد على بعضها بعضا، لذا جرى ولفترة طويلة احلديث عن ضرورة أن يكونا قد تطورا معا. لكن اكتشاف قدرة الرنا على القيام بدور احلفاز، إضافة إلى أنه جزيء يحمل املعلومات، يؤدي إلى االستنتاج بأن الرنا عند بدء احلياة، رمبا يكون قد أدى هذا الدور من دون احلاجة

إلى الدنا أو إلى البروتينات.بعــــــد جتوالنا عبر ماضي ما قبل احلياة، فمن املســــــلي أن منعن النظر في املســــــتقبل، ونحاول أن نخمن أين ميكن لنا أن ــــــام الرنا بعملية احلفز. ونحن نعلم أنه في جند أمثلة تالية لقيجميع األمثلة املعروفة كان الرنا يشكل الركيزة substrate إلنزمي ــــــا. فهو جزء آخر من اجلزيء ذاته، أو بوليمر رنا مختلف، الرنــــــد وحيد. ويحتمل أال يكون هذا من قبيل الصدفة. ذلك أو نوويــــــا مهيأ متامــــــا للتآثر مع أنواع أخــــــرى من الرنا، لكن أن الرناألمــــــر يبدو أكثر صعوبة إذا تصورنا أن الرنا ميكنه أن يكون موقعا نشــــــطا مثل جزيئات بيولوجية مهمة أخرى كاألحماض األمينية أو األحماض الدهنية. ومن هنا، فإنني أتوقع أن أمثلة مســــــتقبلية لقدرة الرنا على التحفيز، ميكن أن تتضمن أيضا

أن يكون الرنا هو الركيزة.وهكــــــذا يقفز إلى الذهن احتماالن، يشــــــتمل أحدهما على جسيمات البروتني الريبي النووي (snRNPs))1( الالزم ــــــواة. أما االحتمال فــــــي العديد مــــــن العمليات التي تتم في الن

اآلخر، فهو الريبوسوم.إن االستنتاج بأن اصطناع البروتني يتم حتفيزه بالرنا، قد يشــــــكل ضربة أخيرة للفكرة القائلة إن جميع الوظائف النووية تعتمــــــد على البروتينات. وعلى أية حــــــال ميكن أال يكون األمر كذلك، إذ ميكن أن يكون الريبوســــــوم جتمعا جوهريا للبروتني واحلمض النووي، بحيث يصبح من الصعب أن نربط النشاط ــــــأي منهما. ومع ذلك، فســــــواء أكان احلفزي بشــــــكل كامل بالنشاط التصنيعي للريبوسوم يعود إلى رنا الريبوسوم أم ال، فإن تغيرا أساسيا قد حدث في الكيمياء احليوية في السنوات اخلمس املاضية. فقد أصبح واضحا، في بعض احلاالت على األقل، بأن القدرة على إيصال املعلومات، إضافة إلى النشاط احلفزي يتالزمان في اجلزيء نفســــــه الذي هــــــو الرنا. وعلى ــــــة حال، فإن تبعات هذه القــــــدرة املزدوجة للرنا، مازالت في أي

املراحل األولى من فهمها.

أصل الكرة األرضية)�(

<C .H. أوري>

بحث نشر في الشهر 10 / 1952حاز كاتبه جائزة نوبل عام 1934

علوم األرضعاليا في الهواء

كان <أرسطرخوس> من جزيرة Samos في بحر إيجه، أول من قال إن الكرة األرضية والكواكب األخرى تدور حول الشمس - وهي فكرة رفضها الفلكيون إلى أن أعاد <كوبرنيكوس> طرحها مرة أخرى بعد ألفي عام. وقد عرف اإلغريق شكل وحجم كوكب األرض التقريبي، وسبب كسوفات الشمس. وبعد <كوبرنيكوس> راقب الفلكــــــي الدامنركي <T. براهي> حركات كوكب املريخ من مرصده بجزيرة Hveen في بحــر البلطيق. ونتيجــة لذلـك، متكن <J. كيبلر> من إثبات أن املريخ واألرض والكواكب األخرى تدور

في إهليليجيات ellipses حول الشــــــمس. وبعد تقدمي العالم الكبير <إســــــحق نيوتن> قانونه العام حول اجلاذبية، وقوانني احلركة، صار باإلمكان استنتاج وصف دقيق لكامل املنظومة الشمســــــية، وقد شــــــغل هذا األمر عقول بعض أشهر العلماء

واملختصني في الرياضيات خالل القرون التي تلت ذلك.ولســــــوء احلظ، فإن مــــــن الصعوبة مبــــــكان وصف أصل املنظومة الشمســــــية، مقارنة بوصف حركة مكوناتها. وما هي في احلقيقــــــة طبيعة العملية التي ســــــاعدت على تكوين الكرة األرضية وســــــائر الكواكب؟ ولم يشــــــهد أحد منا هذا احلدث ــــــي أن أطرحه يصعب اعتباره عند وقوعه، وأي اقتراح ميكننمطابقــــــا للحقيقة. لذا، فإن أفضل مــــــا ميكن عمله هو اقتراح عــــــدد من األحداث املمكنة التي ال تتناقض مع قوانني الفيزياء

أو احلقائق املنظورة.لقد مت انضغاط سحابة هائلة من الغبار والغاز في منطقة فارغة من مجرتنا galaxy بواســــــطة ضوء جنمي)2(. وبعدها قامت قوى اجلاذبية بتســــــريع عملية التجمع. وبطريقة ما، لم تفهم بعد، تشــــــكلت الشمس وأنتجت الضوء واحلرارة، متاما

THE ORIGIN OF THE EARTH )�(the small nuclear ribonucleoprotein particles )1(

starlight )2(

Page 59: Oloom Magazine march april-2014

57 (2014) 4/3

كما تفعل حتى يومنا هذا. وحول الشــــــمس دارت سحابة من ــــــى دوامات مضطربة، الغبار والغــــــاز، وحتطمت فيما بعد إلــــــة كواكـــب أوليـــة protoplanets، واحــــــدا منها لكل من مكونالكواكــــــب، ومن احملتمل أن يكون هناك أيضا واحد آخر لكل من الكواكب السيارة)asteroids )1 األخرى بني كل من املريخ واملشتري. وعند هذه املرحلة، حدثت عملية جتمع للكويكبات ــــــر تكاثف كل مــــــن املاء واألمونيا الكبيـــرة planetesimals، عب)النشــــــادر(. ومن ضمن هذه التجمعات تكــــــون كويكب كبير نسبيا شــــــكل بدوره الكتلة األساس للقمر. وكان هناك واحد أكبر من الســــــابق تسبب في تكوين الكرة األرضية. لقد كانت حرارة هــــــذه الكويكبات في البداية منخفضة، ولكنها ارتفعت ــــــد. وخالل مرحلة احلرارة فيمــــــا بعد مبا يكفي لصهر احلدياملنخفضة جتمعت املياه في هذه األجســــــام. أما أثناء مرحلة احلــــــرارة املرتفعة، فقــــــد جتمع الكربون على شــــــكل گرافيت وكربيد احلديد. وهنا تســــــربت الغازات، واحتدت الكويكبات

بفعل التصادم.ــــــت! لكن ماذا وهكــــــذا، ميكــــــن أن تكــــــون األرض قد تكونحــــــدث منذ ذلك الوقت؟ لقد حــــــدث بالطبع، العديد من األمور ومن بينها نشــــــوء غالف األرض اجلوي. وعندما اكتمل تكون األرض ككوكب صلب كان لهذا الكوكب، على األغلب، محيط من بخار املاء والنتروجني وامليثان وبعض الهدروجني وكميات قليلة مــــــن غازات أخرى. وقد قــــــدم <J .H .J. بول> ]من جامعة ــــــن[ افتراضا أساســــــيا مفاده أن هــــــروب الهدروجني من دبلاألرض أدى إلى تكون غالفها املؤكســــــد. أما هدروجني غاز امليثان (CH4) واألمونيا (NH3)، فيحتمل أن يكون قد انفصل ببطء، تاركا وراءه النتروجني وثنائي أكســــــيد الكربون، واملاء واألكســــــجني الطليق. وأنا أصدق حــــــدوث ذلك، لكن جزيئات

ــــــى الهدروجني والكربون والنتروجني عديدة أخرى حتتوي علواألكسجني، ال بد وأنها ظهرت قبل ظهور األكسجني الطليق. ــــــرا على األرض، ومتت كذلك عملية وهكذا ظهرت احلياة أخيالتمثيـــل الضوئي photosynthesis، وهي العملية األساســــــية التي من خاللها يقوم النبات بتحويل ثنائي أكســــــيد الكربون واملــــــاء إلى مواد غذائية وأكســــــجني. وبعدها بدأ تطور احمليط ــــــوم، والزال التطور املؤكســــــد إلى الشــــــكل الذي نعرفــــــه اليــــــكل من األرض ومحيطها ــــــي والفيزيائي ل evolution الكيميائ

مستمرا حتى اآلن.

الغالف اجلوي املتغير)�(

<E .Th. گريدل> - <J .P. كروتزن>

بحث نشر في الشهر 9 / 1989حاز <كروتزن> جائزة نوبل في 1995

لم يكن الغالف اجلــــــوي بعيدا عن التغير في أي وقت من ــــــه على تنظيف ذاته، األوقــــــات: فتركيبه ودرجة حرارته وقدرتدائمــــــة التغير منذ نشــــــوء الكــــــرة األرضية. لكــــــن وتيرة هذه ــــــت ملحوظة: فقد تغير ــــــرات خالل القرنني املاضيني كان التغيتكوين الغالف اجلوي بشكل ملحوظ وبوتيرة أسرع مما كان

يحدث عبر كامل تاريخ البشرية.ــــــرات القائمة، ما ومــــــن اآلثار الدالة بوضــــــوح على التغييعرف بترســــــب احلمض الذي حتمله األمطار أو عبر عمليات urban أخرى، إضافــــــة إلى صدأ املواد، و ضبخــــان)2( املدنــــــي حتمي األرض smog وضمــــــور طبقــــــة األوزون العليا الت

من اإلشــــــعاع فوق البنفســــــجي الضار. ويتوقع علماء اجلو بأن كوكبنا ســــــوف تزداد حرارته بشــــــكل سريع، األمر الذي ــــــؤدي إلى تغيرات درامية فــــــي الطقس وذلك عبر ميكــــــن أن ي .greenhouse effect ارتفاع مفعول أثر االحتباس احلــــراريوســــــيؤدي ذلك إلى رفع درجة حــــــرارة األرض بفعل الغازات التي متتص اإلشــــعاعات حتت احلمراء infrared املنبعثة من ســــــطح األرض الساخن بفعل أشعة الشــــــمس، ثم تعيد هذه

األشعة إلى األرض.THE CHANGING ATMOSPHERE )�(

)1( أو: الكويكبات)2( أو: ضباب-دخان

Page 60: Oloom Magazine march april-2014

58(2014) 4/3

وبالتأكيد، فــــــإن بعض التقلبات في تراكيز مكونات الغالف اجلوي ميكن أن تنشأ عن التغيرات في معدالت اإلصدار اآلتية من املصادر الطبيعية. وعلى ســــــبيل املثال، فإن البراكني ميكن ــــــور إلى الغالف ــــــوي على الكبريت والكل ــــــق غازات حتت أن تطلــــــد مســــــافة 15-10 ــــــذي ميت اجلـــوي الســـفلي troposphere، والــــــرا فوق الغالف اجلــــــوي، وكذلك إلى الغـــالف اجلوي كيلومتالعلـــوي stratosphere الذي ميتد بشــــــكل تقريبي مسافة 50-10 كيلومترا فوق سطح األرض. ومع ذلك تبقى حقيقة أن النشاطات البشــــــرية هي التي سببت معظم التغيرات السريعة التي حدثت ــــــر املئتي عــــــام املاضية. ومن هذه األنشــــــطة إحراق الوقود عبــــــل الفحم والنفــــــط كمصدر للطاقة، األحفـــوري fossil fuels مثإضافة إلى بعض املمارسات الصناعية والزراعية األخرى، مثل ــــــة إحراق الكتلـــة احليويـــة biomass واملتمثلة في إحراق عملي

احلياة النباتية، وكذلك عملية إزالة الغابات.ــــــة، إذا افترضنا أن ــــــر مطمئن إن توقعاتنا للمســــــتقبل غياألنشطة البشرية ستستمر بإطالق كميات كبيرة من الغازات ــــــة في الغالف اجلــــــوي. إن زيادة أعداد ــــــادرة غير املرغوب النالبشــــــر املطردة وتطورها ال يقتصر أثرها فــــــي تغيير كيمياء الغــــــالف اجلوي، بل يتعداه إلى دفع الكرة األرضية بســــــرعة نحــــــو احترار اجلو بدرجة لم يســــــبق لها مثيل. إن هذا التغير ــــــى زيادة تراكيز غازات مختلفة، يشــــــكل املناخــــــي، إضافة إل

جتربة خطيرة محتملة يؤدي كل فرد في عاملنا دورا فيها.لكــــــن ما يثير القلق بشــــــكل خــــــاص هــــــو إمكانية حدوث مفاجآت غير مرغوب بها، إذا اســــــتمرت األنشــــــطة البشــــــرية بإرهاق الغالف اجلوي الذي ال نعرف حتى اآلن طبيعة أحداثه الداخلية وتآثراته مع املتعضيات، ومع املواد غير احلية. ويعتبر ثقب األوزون فوق القطـــب اجلنوبي Antarctic مثاال واضحا على املفاجآت املشؤومة املتوقعة. وقد بينت الشدة غير املتوقعة ملثل هذه احلوادث، دون أدنى شــــــك، أن الغالف اجلوي ميكن أن يكون بالغ احلساســــــية ملا يبدو وكأنه تشويشات كيميائية بســــــيطة، كما بينت أيضا أن آثار هذه التشويشــــــات ميكن أن

تظهر بأسرع مما يتوقع أكثر العلماء ذكاء وفطنة. ومــــــع ذلك، ميكن القيام بخطوات تهــــــدف إلى مقاومة هذا ــــــر الســــــريع في الغالف اجلــــــوي والتقليل مــــــن أخطاره التغياملعروفــــــة وغير املعروفة. وعلى ســــــبيل املثال، هناك دليل على أن إقالال رئيســــــيا من معدل إحــــــراق الوقود األحفوري ميكن أن يبطئ احترار االحتباس احلراري)1(، ويبطئ أيضا تشكل الضبخان ويحســــــن مدى الرؤية ويخفض ترســــــب احلمض. وهناك خطــــــوات أخرى ميكن اتخاذها ملقاومة بعض الغازات، مثل امليثان. إذ ميكن التقليل من انبعاثه بإنشاء مدافن خاصة

ــــــة واحليوية األخرى تقــــــوم مبنع انطالقه، للمخلفات الزراعيــــــاع طرق إنتاج وقــــــود أحفوري جديدة ــــــك عن طريق اتب وكذلتتميز بقدرتها على التقليل من إصدار املخلفات. وميكن أيضا اإلقالل من انبعاث امليثان من مواقع تربية املاشــــــية عن طريق

عمليات تغذية مبتكرة.ــــــن نفكر في أن حل املشــــــكالت البيئية ــــــا وكثيرا آخري إننيكمن في جهد دولي يشــــــتمل على تعاون دولي غير مســــــبوق ــــــني العلماء واملواطنني. وعلى الدول األكثر تقدما من الناحية بــــــة أن تخفض من اســــــتخدامها املفــــــرط ملوارد األرض التقانيوثرواتها. وإضافة إلى ذلك، فال بد من مساعدة الدول النامية على اســــــتخدام تقانات صديقة للبيئة وعلى التخطيط لتطبيق استراتيجيات تتماشى مع ارتفاع مستوى املعيشة ملجتمعاتها، والتي يشكل تزايد أعداد سكانها املتسارع وحاجاتهم الزائدة إلى الطاقة، ســــــببا أساسيا للقلق على البيئة. وميكن للمراقبة املناسبة التي يجب أن نقوم بها للمحافظة على سالمة غالفنا اجلــــــوي، أن تبقي على التغيرات الكيميائية التي حتدث حاليا في حدود تســــــمح باحلفاظ على العمليات الفيزيائية الطبيعية

وعلى التوازن البيئي لكوكبنا.

كيف تصنع)�( اجلزيئات العمالقة

<G. ناتا>

بحث نشر في الشهر 9 / 1957حاز كاتبه جائزة نوبل عام 1963

تقانةاستخدامات جديدة

د لبناء جزيء عمالق هو في املوقف نفسه إن كيميائيا يعمهندس معماري يقوم بتصميم بناء معني. علما بأن املهندس ميتلك عددا من حجارة البناء من مختلف األشكال واألحجام، وتتمثل وظيفته في أن يضعهــــــا معا في تركيب يخدم هدفا معينا. ولكن الكيميائي يعمل في ظل عدم القدرة على التحكم

HOW GIANT MOLECULES ARE MADE )�(the greenhouse warming )1(

Page 61: Oloom Magazine march april-2014

59 (2014) 4/3

ــــــر مرئية، لكونها ــــــه نظرا ألنها وحدات غي فــــــي وحدات بنائصغيرة وبحجم دون امليكروسكوبي، ولكنه من ناحية أخرى يســــــتفيد من امليزة املتمثلة فــــــي أن الطبيعة وفرت له مناذج ــــــه على الطريق. فمن خالل دراســــــة اجلزيئات العمالقة تدلالتي صنعتها املتعضيات احلية، تعلم الكيميائيون إنشــــــاء ــــــات على غرارها. أما ما يجعل كيمياء البوليمرات اجلزيئــــــي، فيتمثل في أنه ــــــر إثارة في الوقت احلال العاليـــة)1( أكثعبر السنوات القليلة املاضية وبني عشية وضحاها، ظهرت اكتشافات لطرق جديدة لربط الوحدات البنائية معا - وهي اكتشــــــافات تعد بحصاد مواد جديدة لم يســــــبق أن وجدت

في دنيانا. ــــــة مبكان أن نبدأ بتصــــــور كيف ميكن لهذه ومن الصعوبــــــة أن تترك آثارا عميقة في حياة اإلنســــــان. ــــــاء احلديث الكيميوحتتل اجلزيئات العمالقة مساحة واسعة في اقتصادنا املادي. فعشرات املاليني من الرجال والنساء، ومساحات شاسعة من ســــــطح األرض خصصت إلنتاج بوليمرات كبيرة طبيعية، مثل السيليلوز واملطاط والصوف. ويبدو حاليا أن مواد صنعية لها خواص مساوية، وقد تكون أفضل، ميكن صناعتها من الفحم أو النفط بسرعة وبتكلفة معتدلة. وضمن أمور أخرى، فإن هذا يفتح املجال ألن نصبح قادرين على إعادة استغالل مساحات واسعة من األراضي، تستخدم حاليا إلنتاج األلياف الطبيعية، بحيث تستخدم بدال من ذلك في إنتاج الغذاء لعالم تتزايد فيه

أعداد البشر واحلاجة إلى الغذاء.وتعتبر اجلذور احلرة free radicals أحد أنواع احملفزات

التي تســــــاعد على بناء البوليمــــــرات باإلضافة. وهناك طريقة أخرى تتضمن استخدام األيونات كمحفزات. وتشكل األخيرة تطــــــورا حديثا، وهي في نظري تعد بثورة في مجال اصطناع ــــــات العمالقة، فاحتة بذلك آفاقا عديدة كبيرة. وقد جنم اجلزيئعن استخدام الطريقة الكاتيونية cationic )والتي تعتمد على اســــــتخدام محفزات موجبة الشــــــحنة( إنتاج بوليمرات كبيرة مثيرة لإلعجاب: ومن أمثلتها مطاط البوتيل butyl rubber، وهو املطاط الصنعي الذي يســــــتخدم في صناعة األنابيب الداخلية anionic لعجالت الســــــيارات. وتعتبر احلفـــازات األنيونيـــةcatalysts )وهي حتمل شــــــحنة سالبة( تطورا أكثر حداثة، وقد

أثبتت أنها أكثر فعالية بدرجة كبيرة، فهي تستخدم في إنتاج جزيئات عمالقة حسب الطلب لها خواص فائقة.

وفي بدايات عام 1954 جنحت مجموعتنا في معهد الكيمياء ــــــة املتعددة في ميالن ــــــع ملعهد العلوم التطبيقي الصناعية التابــــــا، باســــــتخدام بعض احلفازات اخلاصــــــة، في بلمرة بإيطالي .vinyl مونوميـــرات)2( معقدة من عائلة الڤينيل polymerizing

وقد متكنا من حتضير سالســــــل فائقة الطــــــول، يصل طولها ــــــى ماليني الوحــــــدات )وقد وصل طول إحداها إلى عشــــــرة إلماليني وحدة(، ووجدنا أن باإلمكان عند اختيار عوامل احلفز املناســــــبة، التحكم في منو السالســــــل وفــــــق مواصفات جرى

حتديدها مسبقا.ــــــى بوليمر بهذه ــــــي حولناها إل ــــــني املونوميرات الت ومــــــن بالطريقــــــة الســـتايرين)3( والپروپيلني)4(، وكالهما مشــــــتق من النفط. ويبني متعدد الپروپيلـــني polypropylene تنوع قدرات هــــــذه الطريقة. حيث ميكننا اصطناع متعددات الپروپيلني على األشــــــكال التالية: متماثـــل الترتيـــب isotactic، وغير متماثل .block isotactic ومتماثل الترتيـــب الكتلي ،atactic الترتيـــبواألخير يعني سالســــــل مكونة من جتمعات إحداها تنتظم كل مجموعاتهــــــا اجلانبية على ناحية واحــــــدة، أما األخرى فتكون مجموعاتها اجلانبية على اجلانب املقابل. أما متعدد الپروپيلني املتماثل الترتيب فهو مادة بلورية شــــــديدة الصالبة لها درجة ــــــت(، وتصنع منها ألياف انصهــــــار عالية )346 درجة فهرنهايشديدة القوة، مثل تلك املصنوعة من النايلون واحلرير الطبيعي. أمــــــا متعدد الپروپيلني غير املتماثل الترتيب، فهو على النقيض ــــــه طبيعة البلورية amorphous وله مرونة املطاط. أما املركبات لــــــة الترتيب الكتلي ملتعدد الپروپيلني، فلها خواص قريبة املتماثل

من البالستيك، وقد تكون أكثر أو أقل صالبة أو مرونة منه.high-polymers chemistry )1(

)monomers )2 أو: أحاديات، موحداتstyrene )3(

propylene )4(

Page 62: Oloom Magazine march april-2014

60(2014) 4/3

ميكننا أن نتفوق على الطبيعة. فمن احملتمل أن نصطنع العديد من اجلزيئات اجلديدة التي ال

توجد في املادة احلية.<G. ناتا>، 1957

إن احتمال احلصول على مجموعة واســــــعة من املنتجات املختلفة من مادة خام نفســــــها، أثارت بطبيعة احلال اهتماما كبيرا. وإضافة إلى ذلك، فإن املعاجلات اجلديدة املتحكم فيها قد أدت إلى احلصول على منتجات لم يكن من املمكن احلصول عليها من قبل: وعلى ســــــبيل املثال، فإن متعدد الستايرين)1( ــــــذي كان يعرف فقط كمادة زجاجية ذات درجة حرارة ليونة المنخفضة أقل من 200 درجة فهرنهايت بات اآلن يحضر على شكل بالســــــتيك قوي وبلوري تقرب درجة انصهاره من 460 ــــــدة للحفازات األنيونية فهرنهايت. إن القوة املكتشــــــفة اجلديأثارت نشاطا كبيرا في أبحاث البوليمرات، في كل من أوروبا ــــــر بوليمرات جديدة من ــــــات املتحدة. وقد أمكن حتضي والواليمونوميرات عديدة. وقــــــد قمنا في مختبراتنا باصطناع جميع البوليمرات العادية، إضافة إلى بعض البوليمرات الالبلورية، التي ميكــــــن حتضيرها مــــــن البوتادايئـــني)2(. وكانت بعض املنتجات تشبه املطاط، وبعضها اآلخر ليس كذلك. وفي الوقت نفســــــه تقريبا، أعلنت كل من شــــــركة B. F. Goodrich وشركة Firestone لصناعة اإلطارات واملطاط، أنهما قد قامتا بتصنيع

مطاط شبيه باملطاط الطبيعي من األيزوپرين)3( - وهي مسألة عمل عليها الكيميائيون عبر العالم دون جدوى ألكثر من نصف

قرن من دون جدوى.ــــــا أن نتفوق على الطبيعــــــة من بعض الوجوه. وكما وميكننسبق أن ذكرت، فمن احملتمل أن نتمكن من ابتكار العديد من اجلزيئات اجلديدة، التي ال تتوفر في املادة احلية، والتي ميكن صناعتها من مواد بســــــيطة وقليلة التكلفة. وسيكون بإمكاننا صناعة جزيئات عمالقة بسرعة تفوق ما تقوم به املتعضيات. ومع أنه لم ميض ســــــوى أقل من أربع ســــــنوات على اكتشاف طرق جديدة الصطناع مضبوط ومتحكم فيه للجزيئات الكبيرة، فإن العديد من املواد الصنعية، مثل األلياف واخليوط، واملطاط

وأنواع البالستيك املختلفة، قد مت حتضيرها بالفعل.

أنواع البالستيكاملوصلة للكهرباء)�(

<B .R. كانر> - <G .A. ماك ديارميد>

بحث نشر في الشهر 2 / 1988حاز <ماك ديارميد> جائزة نوبل عام 2000

قد يبدو عنوان هذه املقالة منافيا للعقل بالنسبة إلى معظم الناس، فقبل عشــــــرين عاما، حينمــــــا كان املفهوم الدارج قد صنف أنواع البالستيك على أنها مواد عازلة، يصبح االدعاء بأن البالستيك ميكنه أن يوصل الكهرباء كما يفعل الرصاص أمرا يدعو إلى الســــــخرية أو إثارة الضحك. ومع ذلك، فخالل ة الســــــنوات القليلة املاضية، مت التوصل إلى هذه النتيجة الفذــــــر حتويرات طفيفــــــة مت إدخالها على البالســــــتيك العادي. عبويطلق اسم البوليمرات املوصلة conducting polymers، على املواد التي جتمع بني الصفات الكهربائية للمعادن إضافة إلى مميزات املواد البالســــــتيكية. وهي مواد أثارت الدهشــــــة بني

عامي 1940-1930.ــــــاء، ينبغي ومن أجــــــل إنتاج بوليمــــــر موصل للكهربإدخال قدر قليل من بعض املواد الكيميائية لهذا البوليمر .doping ــــــة يطلق عليها اســــــم اإلشـــابة مــــــن خالل عمليوتعتبر طريقة إشــــــابة البوليمرات أكثر بســــــاطة من تلك semiconductors الت التي تستخدم في إشابة أشباه املوص

التقليدية، مثل السيليكون.ــــــذ أن اتضحت إمكانية اســــــتخدام البوليمرات كمواد ومنموصلة، انطلقت هذه الفكرة بقوة. ففي عام 1977 مت اصطناع أول بوليمر موصــــــل، وتال ذلك، عام 1981، اإلعالن عن جناح ــــــوي على أقطاب مصنوعة من مادة بوليمرية. أول بطارية حتتوفــــــي صيف عام 2012 صارت البوليمــــــرات املوصلة تضارع في قدرتها على التوصيل قدرة توصيل النحاس. ومنذ شهور ــــــة مضت مت إنتاج أول بطارية ذات أقطاب بوليمرية وقابلة قليل

إلعادة الشحن، وطرحت في األسواق.وقد بني التقدم املطرد في هذا املجال، أن البوليمرات ميكن أن تصنع بحيث تتميز على النحاس في القدرة على اإليصال، بل إنها في احلقيقة ميكن أن تكون أفضل من أي مادة أخرى عند درجات حرارة الغرفة. وقد حتل محل أســــــالك النحاس،

PLASTICS THAT CONDUCT ELECTRICITY )�(polystyrene )1(

butadiene )2(isoprene )3(

Page 63: Oloom Magazine march april-2014

61 (2014) 4/3

وبخاصة إذا كان عنصــــــر الوزن له أثر محدد ومهم، كما هو ــــــرات. وتظهر البوليمــــــرات املوصلة خواص احلــــــال في الطائضوئية وميكانيكية وكيميائية مدهشة. وميكن لهذه اخلواص، ــــــى التوصيل، أن تؤدي دورا مؤثرا في إضافة إلى القدرة علاســــــتخدامات مبتكرة قد اليصلح اســــــتخدام النحاس فيها. ــــــال ذلك، فإن طبقات رقيقة من مــــــادة بوليمرية متموضعة ومثعلى الشبابيك ميكن أن متتص ضوء الشمس، علما بأن درجة التظليـــل tinting ميكــــــن التحكم فيها من خــــــالل التحكم في

اجلهد الكهربائي املستخدم.ويشكل جسم اإلنسان جهازا آخر، ميكن للبوليمرات ــــــه دورا مهما. فنظــــــرا لكونها ثابتة ــــــة أن تؤدي في املوصلــــــة جرى النظر في اســــــتخدام بعــــــض البوليمرات وخاملاملوصلة في عمليات صنعية عصبية - أعصاب صنعية neural prostheses - artificial nerves. ويعتقد أن بوليمر متعدد

ــــــد غير ســــــام، وميكنه بأمان، الپيـــرول polypyrrole بالتحديأن يوصل شــــــحنة كهربائية مناســــــبة. كمــــــا وميكن أن يؤدي الهيپاريـــن)1( هنا دور اإلشابة، وهو مادة كيميائية متنع جتلط الدم، ويعرف عنها أنها تقوم بعمل إشابة في متعدد الپيرول. أمــــــا االحتمال اآلخر، فهو أن البوليمرات ميكن أن تقوم بدور منظومة توصيل دواء داخلية مزروعة داخل اجلســــــم وحتوي إشــــــابة من جزيئات العقـــار drug. وينطلق العقار في اجلسم ــــــم حتويل البوليمر إلى حالته املتعادلة، باســــــتخدام عندما يت

جهد كهربائي مبرمج.إن مكانة البوليمرات املوصلة في منتصف الثمانينات تشبه من عدة وجوه، ما كان عليه حال البوليمرات التقليدية منذ 50 عاما. فمع أن البوليمرات التقليدية قد مت اصطناعها ودراستها في مختبرات منتشــــــرة في كافة أنحاء العالم، لكنها لم تصبح ــــــى أن مت إدخال تعديالت مــــــواد مفيدة من الناحية التقانية إلكيميائية عليها، وهو أمر اســــــتغرق ســــــنوات عديدة. وباملثل، فإن اخلواص الفيزيائية والكيميائية للبوليمرات املوصلة البد من تعديلها مبا يناســــــب كل اســــــتخدام مطلوب، حتى تصبح النواجت مفيدة من الناحية االقتصادية. وبعيدا عن التطبيقات العملية التي ميكن احلصول عليها للبوليمرات املوصلة، فإنها ســــــتبقى محط اهتمام الباحثني في األعوام القادمة، من خالل ظواهر واســــــتعماالت جديدة وغير متوقعــــــة. والوقت فقط هو الذي ســــــيكون احلكم، فيما إذا كانت املوصالت البالستيكية

غير املألوفة مساوية ألقاربها من البالستيكات العازلة.

تصوير الالمرئيصورا رباعية األبعاد)�(

<أحمد زويل>

بحث نشر في الشهر 8 / 2010حاز كاتبه جائزة نوبل عام 1999

تعتبر عني اإلنســــــان محدودة القدرة على الرؤية. فنحن ال نستطيع رؤية األشياء إذا قل قطرها كثيرا عن شعرة اإلنسان )أي جــــــزء من املليمتر(، كما ال نســــــتطيع تبني حركة أســــــرع من رمشــــــة عني )أي عشر ثانية(. لكن التطور الذي حدث في الضوئيات وامليكروسكوبية في األعوام األلف املاضية، سمح لنا بالطبع، بأن منعن النظر فيما هو أبعد من قدرتنا على الرؤية ــــــرى صورا متقنة مثل صورة بالعني املجردة، بحيث صرنا ن stroboscopic ــــــروس أو صـــورة ومضيـــة ميكروســــــكوبية لڤيphotograph لطلقــــــة نارية خالل جزء من ألف من الثانية، وهي

ــــــرض علينا فيلم يبني ــــــرق مصباحــــــا كهربائيا. أما إذا ع تختذرات تتراقص حول بعضها، فحتى وقت قريب كنا على يقني تقريبا، من أننا نشــــــاهد رسوما متحركة، أو انطباعات لفنان

أو محاكاة من نوع ما.وخالل الســــــنوات العشــــــر األخيرة اســــــتطاعت مجموعة البحث التي أقودها في معهد كاليفورنيا للتقانة، أن تطور نوعا جديدا من التصوير، يبني حركات حتدث من أجسام في حجم ــــــة تبلغ في قصرها الفيمتوثانية الذرات وعبر فواصل زمنيx 10-9 = millionth billionth = femtosecond 6-10 = 15-10 )التي

تعادل كوادريليون واحد من الثانية، أي 15-10 ثانية(. وملا كانت هذه التقانة توفر إمكانية التصوير عبر كل من املكان والزمان، وأنها قائمة على أســــــاس من امليكروســــــكوب اإللكتروني ذي القدرة العالية، فقد أسميتها التصوير الرباعي األبعاد القائم .4-D electron microscopy على امليكروســـكوب اإللكترونـــيوقد استخدمناها لنتمكن من رؤية ظواهر مثل حركة رقـاقــات ــــــون أثنــاء اهـتـزاز الگرافيـت فيمـا يشــــــبه الطبلة ذرات الكربــــــــك رؤية حتويل املادة حــــــني الضرب عليها بنبضة ليزر، وكذلمن حالة إلى أخرى. وقــــــد متكنا أيضا من تصوير بروتينات

وخاليا فرادى.ــــــر تقانة فائقة ومــــــع أن التصوير الرباعي األبعاد يعتبالتقدم، تعتمــــــد على أجهزة ليزر متقدمــــــة ومفاهيم تتعلق

FILMING THE INVISIBLE IN 4-D )�(heparin )1(

Page 64: Oloom Magazine march april-2014

62(2014) 4/3

بالفيزيـــاء الكموميـــة)1(، فــــــإن العديد مــــــن مبادئها ميكن فهمهــــــا إذا أخذنا في االعتبار كيف طور العلماء التصوير الفوتوغرافي املتوقف احلركة قبل أكثر من قرن من الزمن. ــــــد، في العقد األخير من القرن التاســــــع ــــــك بالتحدي ومت ذلعشــــــر (1890)، حني قامت <J .E. ماري> ]األســــــتاذ في كلية فرنسا)2([ بدراسة احلركات السريعة عن طريق وضع قرص ار ذي شقوق بني اجلسم املتحرك ولوحة فوتوغرافية أو دوشــــــريط فوتوغرافي، إلنتاج سلسلة من الصور تشبه أفالم

السينما املعروفة.وقــــــد بحثت <ماري> بني أمــــــور أخرى كيف أن القطة حني ســــــقوطها من مكان مرتفع، فإنها توجه نفســــــها بحيث تسقط على قدميها. وإذا علمنا أنه ال يوجد سوى الهواء الذي تدفعه القطة أثناء ســــــقوطها، فيجب أن نتســــــاءل كيف تتمكن القطط بصــــــورة غريزية من القيام بهذه احلركــــــة البهلوانية، من دون أن تناقض قوانني <نيوتن> للحركة؟ إن الســــــقوط واضطراب األقدام يستغرقان أقل من ثانية أيضا، وهو أمر بالغ السرعة ــــــز ماحدث بالضبط. ــــــه العني املجردة من متيي ال تتمكن خاللم اجلواب، لكن أســــــلوب <ماري> في وقف لقطــــــات احلركة قدالذي يتضمن التواء العجيزات)3( اخللفية واألمامية للقطة في

اجتاهني متضادين، مع مد األقدام وتراجعها.وإذا رغبنا في مشاهدة سلوك جزيء بدال من القطة، فكم يجب أن تكون سرعة ومضاتنا املتقطعة ؟ لقد قامت مجموعة البحث التي أشــــــرف عليها مبواجهــــــة هذا التحدي من خالل تطوير تصوير إلكترون، واعتمدنا في ذلك على عمل سابق لنا في مجال حيود diffraction اإللكترون الفائق الســــــرعة. وهنا ــــــت كل نبضة مفحوصة حتتوي على إلكترون واحد، األمر كانالذي يوفر بقعة ضوء وحيدة صغيرة فقط في الفيلم النهائي. ومع ذلك، وبفضل التوقيت الدقيق لكل نبضة ضوئية، إضافة coherence of the إلى خاصية أخرى تســــــمى اتساق النبضpulse أمكن للبقع الضوئية العديدة أن تشــــــكل في مجموعها

صورة مفيدة للجسم املراد تصويره.لت تقنية تصوير إلكترون منفرد املفتاح ملوضوع لقد شــــــكامليكروســـكوبية اإللكترونيـــة الفائقـــة الســـرعة الرباعيـــة األبعاد (D UEM-4))4(. وميكننا اآلن أن نصور أفالما جلزيئات ومواد في حاالت مختلفــــــة، كما لو كانت قططا عديدة مرتعبة

تتلوى في الهواء.ــــــي يحتاج إليها لقد بحثت مع زمالئي مدى الســــــرعة التطول بســــــيط من بروتني كي ينطوي إلى لفة واحدة من شكل حلزوني بواســــــطة تسخني املاء الذي مت غمس البروتني فيه - األمر الذي يســــــمى القفــــزة احلراريــــة الفائقة الســــرعة)5(.

)توجد األشكال احللزونية في بروتينات ال تعد وال حتصى(. وقد وجدنا أن اللوالب القصيرة تتكون بسرعة تفوق السرعة التي توقعها الباحثون بألف ضعف، وأنها تتشكل خالل فترة ــــــراوح بني مئات من البيكوثوان إلى بضعة نانوثوان، وليس تتفي فترة ميكروثوان وفق ما كان يعتقد سابقا. ومعرفتنا بأن مثل هذا االلتفاف يحدث بســــــرعة ميكــــــن أن تؤدي إلى فهم جديد للعمليات الكيميائية احليوية، مبا في ذلك تلك املتضمنة

في األمراض.ــــــذ فترة وجيزة توصلت مجموعتي في معهد كاليفورنيا ومنــــــني جديدتني، وتعــــــرف إحداهما باســــــم ــــــى تقانت ــــــة إل للتقانامليكروســـكوبية اإللكترونيـــة الفائقـــة الســـرعة بالشـــعاع املتقارب convergent-beam UEM وفيها تركز نبضة اإللكترون ــــــدا من العينة. أمــــــا التقانة ــــــث تختبر موقعــــــا نانويا وحي بحياألخرى، فتسمى امليكروسكوبية اإللكترونية الفائقة السرعة للحقـــل القريـــب near-field UEM ومتكن من تصوير املوجات ،)plasmons اإللكترومغنطيسية السريعة الزوال )الپالزموناتالتي تنبثق على شــــــكل تراكيب نانوية، من خالل نبض ليزري شــــــديد. وهذه الظاهرة تشكل أساس تقانة حديثة مثيرة تعرف باســــــم علم الپالزمونات plasmonics. وقد أمكن بواسطة هذه التقانة أخذ صور لغشــــــاء خاليا بكتيرية وحويصالت بروتينية

بدقة زمنية وبعدية تقاس بالفيمتوثانية والنانومتر.يعتبر امليكروسكوب اإللكتروني أداة فائقة القوة ومتعددة االستخدامات، وميكنه أن يعمل في ثالثة مجاالت واضحة ــــــم: صور احليز احلقيقي، ومنــــــاذج احليود، وأطياف املعالالطاقة. وهو يستخدم في تطبيقات متتد من املواد والتعدين إلى تقانة النانو وعلم احلياة، وله القدرة على توضيح تراكيب ســــــاكنة بتفاصيل هائلة. وعندما نضيف البعد الرابع إليه ميكننا أن نحول الصور الساكنة إلى أفالم نراها في حلظة معينة ونحتاج إليها ملالحظة ســــــلوك املادة بدءا من الذرات

وانتهاء باخلاليا. <quantum physics )1(

College de France )2(hindquarters )3(

4-D Ultrafast Electron Microscopy )4(ultrafast temperature jump )5(

Scientific American, July 2013

مراجع لالستزادة A Nobel Celebration. Ferris Jabr in Scientific American, Vol. 304, No. 6, pages 54–63; June 2011. 10 Unsolved Mysteries in Chemistry. Philip Ball in Scientific American, Vol. 305, No. 4; pages48–53; October 2011. Nobel Pursuits. John Matson and Ferris Jabr in Scientific American, Vol. 307, No. 1, pages62–73; July 2012.

Page 65: Oloom Magazine march april-2014

63 (2014) 4/3

سلسلة حزن متصلة)�(ــــــات التي تعيش في مجتمع مــــــن املنطقي االعتقاد أن احليوانواحد وتكــــــون بينها روابط اجتماعية)1( حتــــــزن على فقدان

عزيز عليها أكثر من احليوانات التي تعيش فرادى. ولكن الباحثني ال يستطيعون التأكد من هذه الفرضية ألنهم ال ميتلكون معلومات كافية لفهم ماهية احلزن عند احليوانات. ــــــة ردود أفعال احليوان حلاالت ويحتاج هذا األمر إلى مقارنالنفوق بني احليوانات التي تعيش معيشة اجتماعية بتلك التي

تتجمع مؤقتا للبحث عن الغذاء والتزاوج.ويجب أال تقتصر الدراســــــات البحثية على دراسة احلزن عند ــــــني أفرادها. فقد يكون املجموعــــــة ككل، ألن ثمــــــة فروقا إدراكية باحلزن مؤقتا لدى األفراد الذين يعيشون بطريقة اجتماعية مؤقتة، كما أن مدى احلزن قد يتأثر بصلة القرابة ومبستوى التعاطف بني

األنواع واألفراد. ــــــر من الطاقة املطلوبة قــــــد تكلف الفاجعة احليوانات الكثيفي األمور احلياتية، ويكون ذلك على حســــــاب الطاقة الالزمة

للبحث عن الطعام واالختباء من املفترسات والتكاثر.

ثمن احلب)��(ــــــذي يأتي لفقدان من نحب. فقد ــــــا ربط احلب باحلزن ال ميكننــــــورادو األمريكية[ ــــــم <M. بيكوف> ]من جامعة كول عمل العالعلى معرفة مدى ارتباط مشــــــاعر احلب باحلزن. واستنتج أن ــــــات تعرف احلب كما تعرف احلزن. ونشــــــير هنا إلى احليوانأننا - نحن البشر - مع أننا ال نفهم متاما مشاعر احلب، إال

أننا ال ننكر وجوده في حياتنا.وقد أشار <بيكوف> في كتابه شأن احليوانات)2( إلى قصة الذئبة موم Mom، فقــــــد كان <بيكوف> يراقب هذه الذئبة لعدة سنوات أثناء قيامه بدراسة ســــــلوك احليوانات. وكانت الذئبة ــــــات املوجودة في حديقــــــة Teton الوطنية مــــــوم ضمن احليوانــــــت لها جراء ترعاها ــــــرى بوالية وايومنـگ األمريكية، وكان الكبوجتلب لها الطعام. فقد شاهد <بيكوف> أن العائلة جتتمع في كل مرة تعود فيها موم ومعها الغذاء، وكانت اجلراء ســــــعيدة برجــــــوع أمها، وتعبر عن هذا الســــــرور بلعــــــق األم والتدحرج فــــــوق أقدامها. وفي إحدى املرات غادرت الذئبة موم، كالعادة، للبحث عن الطعــــــام لكن غيبتها طالت. وبدأ الصغار باالنتظار أمام املكان الذي غادرت منه على أمل عودتها، وطال انتظارها ألكثر من أســــــبوع. وقد فسر <بيكوف> هذا بشوق العائلة إلى موم. وعموما، فإن مشاعر احلب قوية جدا في جماعات الذئاب والثعالب وكثير من الطيور مبا فيها البط، حيث تتشارك الذكور واإلناث في الدفاع عن عشــــــها الذي جتهــــــزه لتربية صغارها

وتغذيتها، وقد تتأثر بقوة عند فقد أحد أفراد عائلتها.ــــــد احليوانات يرتبط احلب باحلــــــزن، فاحلب يؤدي إلى عناحلــــــزن لفقدان األعزاء، واحلب هو الذي ينبئ بكيفية التعبير ــــــدو واضحا بالرجوع إلى قصة عن مشــــــاعر احلزن. وهذا يبالقطتني ويال وكارســــــون، ذلك أن احلب الذي جمعهما فترات

طويلة انقلب إلى حزن عندما نفقت إحداهما.وتختلف طقوس التعبير عن احلزن لدى النوع البشري وفقا للزمــــــن واملكان. فقد قام اإلنســـان العاقـــل Homo sapiens قبل 000 100 سنة بصبغ جثث املوتى باألكاسيد احلمراء، وقد فسر

علماء اآلثار هذا السلوك بأنه زخرفة وتزيني للجثث باحلزن. وقد آثار علماء كشــــــف روســــــية منطقة في تدعى Sunghir قبرا عمره 000 24 ســــــنة يعود إلى طفلني بعمر 13 سنة أحدهما ذكر واآلخر أنثى، وكان القبر مليئا بالتحف القيمة مثل أنياب املاموث ومتاثيل حليوانات من العاج، واألكثر غرابة هو القماش الذي لفت به اجلثث. فقد كان هــــــذا القمــــــاش مرصعا بقطع من العــــــاج، وعملية ترصيع العاج عملية طويلة ألن تثبيت كل قطعة عاج بالقماش يســــــتغرق ســــــاعة كاملة من الزمن، مما يدل على أن مجموعة من األفراد

قد اجتمعت واشتركت وتعاونت خلياطة قماش الكفن.عادة، ال يظهر احلزن في مجتمعاتنا احلديثة عند فقدان ــــــى عند فقدان األصدقــــــاء واجليران. ــــــاء فقط، بل حت األقربويظهر هذا في النصب التذكارية املوجودة في أكثر من دولة مثل: نصب الســــــالم في حديقة هيروشيما اليابانية، ونصب اإلبادة فــــــي رواندا اإلفريقية، ونصب قتلى اليهود في برلني األملانية، وفي أبراج Twin مبنطقة مانهاتن األمريكية، ونصب مدرســــــة Sandy Hook االبتدائية في مدينة نيوتن األمريكية. ــــــع هذه النصــــــب التذكارية تعكس الفجيعة واألســــــى فجميعلى األموات. فالبشــــــر يخلدون األمــــــوات بتماثيل، ومع أن احليوانات ال تســــــتطيع عمل ذلك، إال أننا نتشــــــارك آنيا في

مشاعر احلب واألسى. <THE SORROW CONTINUUM )�(

THE PRICE OF LOVE )��()1( تعيش على شكل قطعان أو أسراب.)التحرير(

Animals Matter )2(

في عالم احليوان يقترن احلب دائما باحلزن.

Scientific American, July 2013

مراجع لالستزادة Animals Matter: A Biologist Explains Why We Should Treat Animals with Compassion and Respect. Mark Bekoff. Shambhala, 2007. How Animals Grieve. Barbara J. King. University of Chicago Press, 2013.

تتمة الصفحة 47 )عندما تتفجع احليوانات(

Page 66: Oloom Magazine march april-2014

64(2014) 4/3

تشرق الشــــــمس في الســـيرينكيتي)2(، فتأخذ احلياة في الســـاڤانا)3( أوجهــــــا. ويرعى حمار الوحــــــش والبهائم البرية العشب الرطب فيما متضغ األفيال والزرافات أوراق األكاسيا، واألســــــود والضباع تسبر املشــــــهد بحثا عن وجباتها التالية. وزيارة هذا املكان هي مبثابة رؤية العالم كما شــــــهده أسالفنا قبل ماليني الســــــنني، أي قبل زمن طويل من إضرار البشــــــر بالكوكــــــب - أو هــــــذا ما يذهب إليه الرأي الســــــائد. وبالفعل، كثيرا ما ينظر إلى معظم إفريقيا الشــــــرقية على أنه نظام بيئي مصان لم يتغير بفعل اإلنسان مع مرور أكثر من مليوني سنة

على ظهور اجلنس البشري.إال أن البحوث احلديثة ترسم لنا صورة مختلفة لهذا املكان الذي يفترض أنه ال يتغير. فقد تبني لي من خالل دراســــــاتي للســـجل األحفـــوري للحيوانـــات اإلفريقيـــة الالحمـــة)4( أن األســــــود والضباع وغيرها من احليوانات الالحمة الكبيرة ال متثل إال جزءا يســــــيرا من التنوع الذي كان ســــــائدا في هذه املجموعة. والغريب أن أفول هذه احليوانات الالحمة ابتدأ في early الوقت نفســــــه تقريبا الذي شرع فيه اإلنســـان البدائيــــــاول اللحــــــوم بكميات أكبر، أي بعــــــد أن دخل في Homo بتن

منافســــــة مع احليوانات الالحمة. ويشير تزامن هذه األحداث

إلى أن اإلنسان قد يكون مسؤوال عن انقراض هذه الضواري beasts والذي بدأ قبل مليوني ســــــنة، وذلك قبل وقت طويل من

.Homo sapiens ظهور اإلنسان العاقلوظهور آكل اللحوم اجلديد هذا - وأفول اللواحم الكبيرة - كان ال بد أن يؤدي إلى إطالق تغيرات واسعة النطاق في أسفل السلسلة الغذائية مؤثرا في الطرائد وحتى في النباتات التي تتغذى بها هذه املخلوقــــــات. وإذا صحت فرضيتي هذه، فإن أســــــالفنا كانوا قد بدؤوا بتغييرالنظام البيئي بشــــــكل جذري منذ زمن أبعد كثيرا مما كنا نظن. وقد جرى ذلك في زمن كان عدد أفراد أســــــالفنا قليال. ويبدو أن اإلنسان كان منذ مهده

قوة طبيعية اليستهان بها.

لواحم مختفية)��(لقد أســــــرتني أحافيـــر اللواحـــم)fossil carnivores )5، وهي أعضاء في زمرة الثدييات الالحمة، منذ أن قرأت عنها ألول مرة ــــــر)6( الفينلندي <B. كورتني> عندما كنت في كتاب عالم األحافيمراهقا. وفي تلك األيام تراءى لي أن هذه احليوانات شــــــائقة، وعلمت أن دورها حيوي في تنظيم عدد احليوانات العاشـــبة herbivore animals، والتي كان ميكن أن يتضاعف عددها مرارا

predator animals فــــــي غياب ضبط هذه احليوانات املفترســـةلها. إال أنه لم يتســــــن لي إال الحقــــــا إدراك كيف تطورت عالقة هذه احليوانات باإلنســــــان على مدى ماليني السنني، وذلك بعد

دراسة أحافير اللواحم في خضم عملي املهني.وملــــــدة عقدين من الزمن عملت على دراســــــة آالف أحافير ــــــا وجنوبها، وذلك في خضم اللواحم اآلتية من شــــــرق إفريقي

KING OF BEASTS )�(VANISHED CARNIVORES )��(

the large carnivores )1(Serengeti )2(

the savanna )3(the fossil record of African carnivores )4(

)5( أو: مستحاثات اللواحمpaleontologist )6(

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

باختصار African carnivores قبل ماليني السنني كانت اللواحم اإلفريقيةــــــر تنوعا بكثير مما هي عليه اآلن، ويشــــــمل ذلك عدد األنواع أكث

ووظيفتها البيئية.ــــــدأ قبل أكثر من ــــــر حتليـــل األحافير أن هذا التدني ب ويظهمليوني سنة، في الوقت ذاته تقريبا الذي بدأ فيه أعضاء باكرون

من اجلنس البشري باستهالك اللحوم بكميات أكبر. إن هذا التزامن يظهر أن التنافس مع البشــــــر في احلصول ــــــى الفرائس قد دفع اللواحم الكبيرة نحو االنقراض، مما أدى عل

إلى عواقب محتملة كثيرة على البيئة.

ملك الضواري)�(في املاضي حوت إفريقيا أنواعا من اللواحم الكبيرة )1( أكثر بكثير مما حتويه

اليوم. وتنافسها مع اإلنسان البدائي على الفرائس قد يكون سببا في تدني عديدها.<L. فرديلني>

Page 67: Oloom Magazine march april-2014

65 (2014) 4/3

)1( حيوان ثديي قريب من السنور.Laetoli )2(

ــــــت إدراك كيفية تطــــــور مجموعة ــــــن املاضيني. وحاول العقدياللواحم احلديثة عبر السبعة ماليني سنة املاضية. لقد أجريت معظم هذا البحث بالتعاون مع <M. لويز> ]من كلية ريتشــــــارد ستوكتون[ وهي مختصة بعظام اللواحم من العنق إلى اخللف، فــــــي حني أنني مختص باألســــــنان واجلمجمــــــة. وقد جنم عن عملنا تصور أكثر دقة من الســــــابق لعدد أنواع اللواحم التي كانت موجودة في إفريقيا فــــــي أوقات مختلفة من تلك الفترة التي أيضا تشتمل على التاريخ املعروف للتطور البشري كله. وقد حصلنا، من خــــــالل جمعنا للبيانات، على صورة أوضح بكثير لألنواع التي ازدهرت وأخفقت مع مرور الزمن، وبدأنا ندرك بأن تناقص عدد اللواحم الكبيرة )التي يبلغ وزنها 21.5 كيلوغرام أو أكثر( تزامن مع حتول أسالف اإلنسان من حمية ــــــى تلك التي تعتمد في ــــــة يغلب عليها الطابع النباتي إل غذائيمعظمها على اللحوم. وقد انتابتنا الدهشــــــة عندما بدا لنا أن

أسالفنا كان لهم دور في انقراض هذه األنواع. وحملــــــات مأخوذة من بضعة مواقــــــع حفريات مهمة، تعطي إحساسا بالتحول الذي طرأ على مجموعة اللواحم اإلفريقية. واللواحم التي عاشت في احلقبة الباكرة من فترة السبعة ماليني سنة هذه ال تشبه البتة تلك التي تعيش اآلن. إن األحافير التي تعود إلى ما بني 7.5 مليون وخمســــــة ماليني سنة املاضية في موقع لوثاكام بالشاطئ الغربي لبحيرة توركانا بشمالي كينيا تظهر قططا سيفية األنياب وضباعا غريبة طويلة األقدام وكالبا

ضخمة شــــــبيهة بالدببة )وهي ليســــــت كالبا أو دببة وإمنا هي أفراد من عائلة منقرضة من اللواحم تعرف باألمفيســـيونيدا mustelid وعضوا من عائلة املوستيليد ،)the Amphicyonidae

بحجم الفهــــــد، التي ينتمي إليها الغرير badger. كما أن هناك ،mongoose )1(والنمـــس civet )1(ــــــة للزبـــاد لواحم أصغر قريب

كانت جميعها تعيش هنا أيضا.ــــــوف إلى طاقم ــــــذ أربعة ماليني ســــــنة انضم وجه مأل ومناللواحم. وفي املوقع القريب من كانابوي كانت القطط السيفية األنياب وغيرها من تلك التي انقرضت اآلن، ال تزال موجودة، إال أن اللواحم األكثر شــــــيوعا كانت من أنواع الضباع، وهي سلف الضباع البنية اللون املوجودة في جنوب إفريقيا اليوم. وإذا مضينا إلى األمام زمنيا لبضع مئات اآلالف من السنني، ــــــح مألوفة أكثر لنا. وهذا املوقع فإن مجموعة اللواحم تصبالذي يتراوح عمره بني 4.4 مليون و 3.6 مليون سنة املاضية في اليتولي)2( مبنطقة الســــــيرينكيتي في تنزانيا والذي اشتهر من خالل آثار األقدام التي حتولت إلى أحافير والتي تعود إلى أشـــباه البشـــر hominins )أعضاء من عائلة اإلنسان(، تظهر فيه بقايا قطط شــــــبيهة بتلك املوجودة حاليا، إلى جانب القطط السيفية األنياب. كما كانت تعيش هناك أيضا الضباع املنقطة البدائية وعدة أنواع من الكالب والزباد الضخم وأنواع مختلفة

Page 68: Oloom Magazine march april-2014

66(2014) 4/3

من اللواحــــــم األصغر حجما. وهناك في هــــــادار بإثيوبيا، املقر األخير لهيكل لوســـي Lucy)1( العظمي العائد إلى 3.2 مليون ســــــنة، والقطط الســــــيفية األنياب والضباع والكالب إلى جانب القضاعـــة الضخمة)2( التي ليس لها مقابل في

احليوانات احلالية. وهــــــذه املواقع وغيرها في الفترة الزمنية من 4 ماليني إلى 2.5 مليون ســــــنة جميعها تروي القصة ذاتها. وكل منها لديه

خليط من أنواع اللواحم مختلف قليال عن غيره، تبعا للشروط ــــــة. إال أن جميعها لديه النمط العام نفســــــه من اللواحم. البيئيوعلى ســــــبيل املثال، نالحظ أن جميع املواقع لديها ضباع إال أنهــــــا تختلف في نوع الضباع املوجودة فيها، واألهم من ذلك هو أنه ال دليل على أن هذه احليوانات كانت أسوأ حاال نتيجة

وجود أشباه البشر في تلك احلقبة.وبعد وصول عدد اللواحــــــم الكبيرة في حوالي 3.5 مليون ســــــنة املاضية إلى القمة انخفضــــــت أعدادها تدريجيا خالل ــــــون والنصف ســــــنة التالية، ويعود ذلك فــــــي األغلب إلى املليتباطؤ ســــــرعة نشوء أنواع جديدة، فيما بقي معدل االنقراض ثابتا. ومع ذلك، فقد استمرت سيطرة اللواحم الكبيرة املطلقة في هذه احلقبة، ولم يكن ســــــلفنا البشري الصغير الضعيف البطيء ســــــوى وجبة لهذه اللواحــــــم. إال أن األمور كانت على

وشك أن تتخذ مجرى مختلفا.ويشــــــير الســــــجل األحفوري بعد املليوني ســــــنة املاضية ــــــرات ال ريب فيها في تركيب مجتمعات اللواحم. فمع إلى تغيازدياد معدالت االنقراض وبقاء معدالت نشوء األنواع اجلديدة ــــــرة، وباألخص بعد املليون ــــــا، تدنت أعداد األنواع الكبي متدنيوالنصف ســــــنة املاضية. ولم يقتصــــــر األمر على زوال بعض األنواع الفردية، وإمنا شــــــمل ذلك أيضا مجموعات كاملة من األنواع كالقطط الســــــيفية األنياب. ومع زوال هذه الضواري شغرت احليوانات احلديثة مكانها - فشملت األسود والفهود ــــــن آوى التي تعيش في إفريقيا اآلن - وأصبحت تشــــــكل وابنسبة متزايدة من مجموعة اللواحم. ومنذ 300 ألف سنة متت

غربلة سالالت اللواحم القدمية في شرق إفريقيا لتحل محلها مجموعة اللواحم احلديثة.

الذئب املتنكر بثياب النعاج)�(إن النمط العام املتكرر الذي الحظته مع <لويز> في بياناتنا ينسجم مع فهمنا احلدســــــي حول مجريات التاريخ التطوري ــــــواع أكثر من اللواحم للواحــــــم اإلفريقية، حيث أكد وجود أنــــــة مبا هي احلال عليه اآلن. أما ما الكبيرة في املاضي مقارنــــــذي حدث بعد املليون لم نتوقعه، فهو االنخفاض الشــــــديد الوالنصف ســــــنة املاضية. وهذا التزامن كان املؤشــــــر لنا بأن

لسلفنا البشري دورا فيما حدث.وفي بضعة ماليني الســــــنني األولى التي ابتدأ فيها تطور اإلنســــــان كان ألشباه البشــــــر وقتذاك أدمغة صغيرة نسبيا وجسد بحجم الشــــــمبانزي احلالي وكانوا يقتاتون النباتات بشكل رئيسي. ولكن منذ املليون والنصف سنة املاضية ظهر في املشــــــهد نوع جديد من البشــــــر كان حجمــــــه أكبر، وكان أذكى ومسلحا بأدوات حجرية. وقد سمي اإلنسان املنتصب )Homo ergaster أو أحيانا إنســــان إركاستر( Homo erectusوهو العضو األول من العائلة البشــــــرية، الذي كان يشــــــبهنا بالفعل - واألول الذي بدأ بأكل اللحم. وقد نكون أنا و<لويز> استنتجنا من ذلك أن التنافس مع هذا اإلنسان املفترس الذي أصبح يعتمد في سلة غذائه على كميات متزايدة من بروتينات

احليوانات الكبيرة العاشبة يفسر تناقص عدد اللواحم. وبدا هذا التفسير مبشرا. إال أن توقيت األحداث كان مبعث ارتياب لي. وإذا كان هذا التنافس مع اإلنســــــان املنتصب هو الســــــبب، فمن املفترض أن يبدأ االنخفاض في عدد اللواحم في إفريقيا الشرقية قبل املليون واخلمسمئة سنة املاضية، ألن اإلنسان املنتصب ظهر منذ املليون والتسعمئة سنة املاضية. واســــــتعمال عدد األنواع هو وسيلة فجة في أحسن األحوال لغرض مالحقة تطــــــور رتبة كاملة من الثدييات مبرور الزمن، ألن النقص في عدد إحــــــدى مجموعاتها قد تغطيه زيادة في أخرى. فإذا انقرض نوعان من القطط السيفية األنياب وحلت محلهما األســــــود والفهود فستبقى األرقام كما هي؛ لكن هذه املجموعة ســــــتتعرض لتغييرات رئيســــــية؛ ذلك ألن األســــــود ــــــر من الفرائس مما حتتاج إليه والفهود حتتاج إلى عدد أكب

القطط السيفية األنياب.وقد خطر لي أنه ميكن معرفة ما جرى للواحم الكبيرة عندما أعــــــرف، ليس فقط عدد األنواع التي كانت موجودة في وقت ما،

A WOLF IN SHEEP’S CLOTHING )�()1( انظر: »أسالف مهشمة«، ، العددان 8/7(2013)، ص 40.

)giant otters )2: ثعلب املاء الضخم

Lars Werdelinــــــر الفقاريات مبتحــــــف التاريخ الطبيعي الســــــويدي في <فيرديلـــني> راعــــــي أحافي

استوكهولم. ويتمحور بحثه حول اللواحم اإلفريقية وعالقة تطورها بتطور اإلنسان.

املؤلف

Page 69: Oloom Magazine march april-2014

67 (2014) 4/3

ــــــوع وظيفتها البيئية. وإمنا أيضا مدى تنفاللواحم تختلف كثيرا في كيفية تأمينها ملستلزماتها احلياتية. فالقطط، على سبيل املثال، متكيفة بشكل كبير لغرض التغذي باللحوم، وميكن اعتبارهــــــا من اللواحم املفرطـــة في أكل اللحـــوم)1(. أما اللواحم األخرى، فهي متنوعــــــة الغذاء - الكالب، على ســــــبيل املثال، قادرة على أكل أنواع ــــــى اللحوم. ــــــرة من الغــــــذاء إضافة إل كثيوكذلك حيوانات أخــــــرى، كالراكون، هي من احليوانات القليلة في أكل اللحوم)2( وتقتات بشكل أساسي بالفاكهة واخلضار

في مقابل القليل من اللحوم.وقــــــد قــــــررت أن أتوســــــع فــــــي عمــــــل إحدى طالباتي الســــــابقات ملرحلة ما بعد الدكتوراه، <G .D. وسلي-هانت> ]هي اآلن في معهد مونتكمري[ وقد كانت تبحث في تطور لواحم شــــــمال أمريكا عبر الســــــتني مليون ســــــنة املاضية. وقد حددت <وسلي-هانت>، كجزء من دراســــــتها، مجموعة من السمات املتعلقة بوظيفة الفكوك واألسنان ــــــد اللواحم. ومتكنت من خالل دراســــــة عنــــــد كمي هذه الســــــمات مــــــن إجراء حتديملــــــدى اختالف األنواع في مجموعة ما من اللواحم واختالف بعضها عن بعض، وذلك من حيث طبيعة الطعــــــام املتناول وبالتالي وظيفتها البيئية. وباستعمال منوذج تكويد األحافيـــر)3( الذي طورته <وســــــلي-هانت> ــــــد وظيفــــــة الفكوك واألســــــنان )أي لتحديالغذاء املفضل الذي تطورت باجتاهه هذه

اللواحم(، استطعت تكويد 78 نوعا من اللواحم - 29 منها كبيرة ــــــر اإلفريقية التي تعود إلى 3.5 و 49 صغيرة، من ســــــجل األحافيمليون سنة، ومن ثم عملت على حتليل البيانات ملراقبة كيف تغير عدد األمناط املختلفة مــــــن اللواحم ذات الوظائف البيئية املختلفة

في املجموعة ذاتها مبرور الزمن. ولكي يتم وضع تصور للتنوع احليوي في الشــــــكل ونوع الطعــــــام املفضل الذي ميكن تخمينه في أحافير اللواحم هذه، ــــــت على إدخال البيانات من النمــــــوذج املكود في التحليل عملاإلحصائي فنشــــــأ بذلك رسم ثنائي األبعاد، أسميته املساحة املورفولوجية morphospace، ومتثل هذه املساحة املورفولوجية

تنوع األشكال )والوظيفة املخمنة( الذي يوجد في مجموعة من املتعضيـــات املتقاربـــة related organisms، التي هي في هذه احلالة حتديدا مجموعة اللواحم التي عاشــــــت في إفريقيا منذ 3.5 مليون ســــــنة حتى اآلن. وبرسم املســــــاحات املورفولوجية

ــــــة مختلفة وإجراء املقارنة املختلفــــــة للواحم تبعا ألحقاب زمنيفيما بينها، نتوصل إلى معرفة كيف تغيرت البنية التشريحية

للواحم وعاداتها الغذائية عبر الزمن. ــــــة، إذ تبني، كما أعلنت مع <لويز> وقد كانت النتائج مذهل

A Shadow of Their Former Selves )�(hypercarnivores )1(hypocarnivores )2(

fossil-coding )3(

مكتشفاتظل من نفوسهم القدمية)�(

إن دراســـة أحافير لواحم الثدييات اإلفريقية، في الســـبعة ماليني سنة املاضية، تظهر أن الكثير من أعضاء هذه املجموعة تدنت بشـــكل كبير وفي كل من عدد األنواع وفيما يدعى الغنى الوظيفي functional richness، أي التنوع فيما تأكله احليوانات. وفي زمن مـــا مـــن املاضي كانـــت مجموعة اللواحم الكبيرة تشـــمل مجاال ممتدا يبـــدأ بتلك التي كانـــت تـــأكل الكثيـــر من النبـــات والقليل من اللحـــوم وينتهي بتلك التي تـــأكل اللحوم بشكل رئيسي. أما اليوم، فيوجد القليل من اللواحم املفرطة في أكل اللحوم. ويتزامن هذا التدهور مع ظهور اإلنسان املنتصب وهو السلف األول لإلنسان الذي اعتمد على كميـــة مهمـــة مـــن اللحوم في غذائه، وهذا يشـــير إلى وجود تنافـــس في احلصول على

الفرائس، األمر الذي أدى إلى انقراض اللواحم الكبيرة.

مؤشرات فقدان التنوع يظهر من املشهد البياني تدني تنوع أمناط اللواحم وذلك من خالل عامل تطور األسنان القبطواحن

the premolar teeth )وهو مؤشر لكيفية حصول احليوان على الطعام و مدى قساوة الطعام املمضوغ( في مقابل عامل ميثل نسبة اللحوم في الغذاء )كما يستنتج من سمات الفك واألسنان(

لكل نوع )النقط السوداء( وكل ذلك في فترة محددة ومن خالل مقارنة السطح الشاغر من قبل متعدد األضالع الذي يشمل جميع األنواع التي مت إسقاطها في زمن معني. وتظهر هذه الدراسة فقدان ما

يقارب 99% من التنوع الغذائي للواحم الكبيرة، والذي كان في قمته في الفترة بني 3.5 مليون سنة إلى 3 ماليني سنة املاضية، قبل ظهور اإلنسان.

اليوم

مقدار اللحم في الطعام

تركيز األنواع املتشابهة في الشكل

مفرطو أكل اللحوم

تدني القبطواحن

اكتمال القبطواحن

قليلو أكل اللحوم

كل نقطة سوداء

تدني التنوع متثل نوعاالغذائي بنحو %99

3.5 - 3 مليون سنة املاضية

املساحة التي يتم التركيز عليها في اإلطار األصفر في اليمني

حيري

تشل

شك

كثيفقليل

Page 70: Oloom Magazine march april-2014

68(2014) 4/3

في عدد الشــــــهر 3 من املجلة العلمية PLOS ONE أن اللواحم ــــــرة التي تعيش في شــــــرق إفريقيا اليوم تشــــــغل جزءا الكبيصغيرا )أقل مــــــن 1.5%( من املســــــاحة املورفولوجية للواحم فــــــي احلقبة الزمنية من 3.5 مليون إلى 3 ماليني ســــــنة، عندما ــــــوع في األنواع في قمته. وفقدت املجموعة ما يقارب كان التن99% مما يدعى الغنى الوظيفي functional richness، أي إن

اللواحــــــم احلالية متأل أمناطا مــــــن الوظائف البيئية أقل بكثير من ســــــابقاتها. إضافة إلى ذلك، فإن هــــــذا التدني في الغنى ــــــذ مليوني إلى 1.5 مليون الوظيفــــــي بدأ في احلقبة الزمنية منســــــنة مضت، أي إن العملية ابتدأت قبل ذلك - مما يقرب بدء هذا التدني الكبير مع نشوء اإلنسان املنتصب. ومع أن عملنا ارتكز على اللواحم من شــــــرق إفريقيا، إال أن اللواحم الكبيرة ــــــه من املرجح أن يكون ــــــة هي ذاتها عبر القارة. أي إن احلديثفقــــــدان الغنى الوظيفي في هذه املنطقة ممثال ملا حدث جلميع

اللواحم الكبيرة في إفريقيا. ليس النشاط البشري هو السبب الوحيد احملتمل لفقدان ــــــا. فتغير املناخ له عالقة أيضا بالتغيرات اللواحم في إفريقيــــــا على مدى ماليني ــــــم احليوان في إفريقي ــــــي أصابت عال التالســــــنني القليلة املاضية، وللوهلة األولى تشــــــير املقارنة بني ــــــى دور متفوق لهذا ــــــواع إل ــــــة وأعداد األن ــــــرات املناخي التغيــــــواع اللواحــــــم احلديثة تدل العامــــــل. إال أن الدراســــــات ألنــــــى الوظيفي ملجموعات ــــــر متواضع للمناخ في الغن على تأثياللواحــــــم احلديثة. وعموما، يالحظ أن اللواحم ال تتأثر كثيرا فــــــي التغيرات املناخية والبيئية ذات الصلة، بعكس الثدييات العاشــــبة mammalian herbivores والتي يرتبط اســــــتمرارها بالغطاء النباتي املشــــــروط باملناخ. وإضافة إلى ذلك، إذا كان املتسبب في هذا التدني هو فعال التغير املناخي، فمن املتوقع فــــــي هذه احلالة أن التناقص كان ينبغي أن يشــــــمل اللواحم الصغيرة أيضا وهذا اليتماشــــــى مــــــع الواقع. إذ يالحظ أن ــــــى الوظيفــــــي للواحم غنــــى األنــــواع species richness والغنــــــرة بقيا هما ذاتهما في معظــــــم الفترة التي تعود إلى الصغي

3.5 مليون سنة، وقد يكونان في ازدياد.

ومع ذلك، لكي نحدد ما إذا كان لنشــــــاط اإلنسان دور في انخفاض تعــــــداد اللواحم، فمن املناســــــب معرفة مدى أهمية اللحوم في غذاء اإلنســــــان البدائي. وقــــــد كان هذا املوضوع مثار نقاش مطول بني علماء اآلثار. وقد ظن البعض أن اللحوم ــــــد كانا مهمني جدا، في حــــــني اعتقد آخرون أن مكون والصياللحوم ثانوي في أحســــــن األحوال بالنسبة إلى أشباه البشر ــــــن كانوا يلملمون بقايا ما تركته اللواحم. ولكنهم متفقون الذيعموما على أن اإلنسان قد بدأ باستهالك بروتني حيواني أكثر

من ذي قبل. وقد يكون قد شمل ذلك السمك و القشريات في ــــــرة الواقعة ما بني مليوني و 1.5 مليون ســــــنة، في حقبة الفت

الپليستوسني املبكرة)1(. ويتصور <H. بون> ]عالم اإلنســــــان من جامعة وسكنســــــون ماديســــــون[ أن عملية االنتقال إلى نظام غذائي فيه حلوم أكثر مرت بثالث مراحل، والتوقيت ينســــــجم بشكل جميل مع فكرة أن التنافس مع أشباه البشر األوائل early hominins أدى إلى انقــــــراض العديد من اللواحم الكبيرة. وفي املرحلة األولى عمل أشباه البشــــــر على حتطيم العظام باســــــتخدام أدوات حجرية ــــــة أو ما يشــــــبه النصول. وفي هــــــذه املرحلة التي يضعها بدائي<بون> بني نحو 2.6 مليون و 2.5 مليون ســــــنة مضت، واعتمادا

على البراهني األثرية املتاحة، كانت قدرة أشــــــباه البشــــــر على احلصــــــول على اللحم قليلة. أما املرحلة الثانية، فشــــــملت ألفة أكثر للذبح وحتســــــنت قدرة أشــــــباه البشر على تكسير العظام للوصول إلى النقي في داخلها، وعلى نقل األجزاء الغنية باللحم إلى قاعدة أو ما يشــــــبه البيت. ويقدر <بون> أن أشــــــباه البشر وصلوا إلى هذه املرحلة منذ نحو 2.3 مليون إلى 1.9 مليون سنة مضت. ومنذ ذلك الوقت أمكنهم احلصول على اللحوم بانتظام مــــــن خالل جمع البقايا، ومن احملتمل من خالل قتلهم الفرائس بأنفسهم. وفي املرحلة الثالثة ظل ذبح أشباه البشر للحيوانات شــــــائعا كما متكنوا من احلصول على جثث كاملة؛ ألنهم كانوا أفضل في االســــــتيالء على فرائس غيرهم من اللواحم أو أنهم ــــــا كانوا يصطادون احليوانات بأنفســــــهم. ويقدر <بون> روتيني

هذه الفترة من 1.8 مليون إلى 1.6 مليون سنة مضت. وهكذا، فمع افتقار أشــــــباه البشــــــر إلى األســــــنان القاتلة واملخالب والقوة اجلســــــدية احملضة التي لدى القطط السيفية ــــــاب واللواحم الكبيرة األخرى، فقد اســــــــتطاعوا مجاراة األنياللواحــــــم مــــــن خالل ذكائهــــــم املتطــــــور ســــــريعا، و تعاونهم االجتماعي، فثمــــــة قوة في العدد حتى فــــــي غياب العضالت القوية. وفي األوقات الصعبة كانت ألشــــــباه البشــــــر أفضلية ــــــزة على اللواحــــــم، و باألخص اللواحــــــم املفرطة في أكل ممياللحوم، كالقطط السيفية األنياب، وذلك بسبب كونهم متنوعي الغذاء، األمر الذي ســــــمح لهم باالعتمــــــاد على طعام آخر في غياب ما يفضلونه. وبذلك كانت قدرتهم التنافســــــية في أسوأ ــــــع آكلي اللحوم أوقات الســــــنة فــــــي أوجها. )وحقيقة أن جميــــــرة الباقية هم من مفرطــــــي أكل اللحوم األخرى يعكس الكبيواقع وجــــــود أنواع أكثر منها في املاضــــــي مقارنة بالكائنات

املتنوعة الغذاء أو القليلة في أكل اللحوم.( the Early Pleistocene period )1(

Page 71: Oloom Magazine march april-2014

69 (2014) 4/3

غذاء للفكر)�(وتأتي هذه الفرضية كأي فرضية جديدة مع سلســــــلة من املشــــــكالت التي تتطلب حلوال. ومن أهم هذه ما يتعلق بتوقيت األحــــــداث املوصوفة هنا، في ضوء بداية تدهور اللواحم وبدء ظهــــــور التنافس اخلطر مع البشــــــر. فنحن بحاجة إلى صورة أفضــــــل عما حدث وعــــــن حقيقة ما هو مســــــبب أم هو نتيجة لألحداث. وكذلك يجهل العلماء فيما إذا كان عدد أشباه البشر وقتذاك يســــــمح لهم بالتنافس مع أفراد اللواحم، وإحداث كل

هذا التغير الشديد في مجموعة اللواحم. ــــــد زمن حدوث تدهور اللواحم بدقة، يحتاج إما إلى وحتديــــــر إضافية تخــــــص احلقبة الزمنية مــــــن 2.5 مليون إلى أحافيمليوني ســــــنة، أو إلى تقنيات أكثر دقة لتحليل األحافير التي ــــــا بالفعل. علما بأنني في صدد تطوير مثل هذه التقنيات. لدينوما ميكنني قوله جازمــــــا اآلن هو أن بداية التغير حدثت قبل 1.8 مليون ســــــنة، وأن أكثر التحليالت دقــــــة حاليا تؤرخ ذلك

احلدث قبل مليوني سنة بقليل. ومن غير املعلوم حتى اآلن ما إذا كان ممكنا ربط ذلك بدقة مبسيرة تطور البشر. ومع تطابق جــــــدول <بون> الزمني التام مع املشــــــهد الذي اقترحته إال أن ذلك لم ميض دون اعتراض، فهناك من الباحثني ممن يعتقدون حدوث املرحلتني األولى والثانية فــــــي فترة متأخرة كثيرا عن

تلك التي في جدول <بون>.وقد نعجــــــز متاما عن الوصول إلى حقيقة أعداد أشــــــباه البشــــــر وقدرتهم التنافسية. وهذه النواحي التي تالمس واقع تطور أشباه البشر األوائل تعد في معظمها مجرد آراء. ومما الشــــــك فيه أن الكثافة الســــــكانية كانت منخفضة، ولكن مدى انخفاضها غير معروف. وقد يكون في اإلمكان إجراء مجموعة مناذج محاكاة للعاملني لتقييم واقعية هذه الفرضية من خالل إدخال قيم معقولة ألحدهما أو لكليهما. إال أن احلصول على معلومات مؤكدة حول أعداد أشباه البشر، ومدى جناحهم في احلصول على الفرائس التي كانت من نصيب القطط الطويلة األنياب، ســــــيبقى على األغلب بعيد املنال. علما بأن غياب هذه

البيانات ال يعني أن فرضيتي خاطئة.أرجــــــو أن يتمكــــــن العلماء الذين يشــــــككون في فرضيتي من الوصول إلى وسائل ماهرة الختبارها. ولتحقيق ذلك يصبح وجه آخــــــر لهذه الفكرة جديرا بالذكر. فمحاولة تفســــــير التغيرات في املنظومة البيئية يوفر منظورا من األسفل إلى األعلى)1(، إذ يرينا كيف تؤثر الظروف املناخية في النباتات وكيف أن تغييرات في تلك املتعضيات تؤثر في بقية السلســــــلة الغذائية إلى قمة املفترسات. وفرضيتي حول لواحم شــــــرق إفريقيا توفر منظورا من األعلى

إلـــى األســـفل)2(، آخــــــذا في ــــــار كيف أن تغيرا في االعتبأن املفترســــــات، ميكن قمة يؤثر في املنتجني األوائل في الغذائية، السلســــــلة أسفل

األعشاب واألشجار.إدخــــــال إعــــــادة إن ــــــة محمي ــــــى إل ــــــاب الذئيلوســــــتون فــــــي الواليات وتأثيره األمريكية املتحدة العاشــــــبة احليوانات في التي تعيش هناك ومن ثم فــــــي النباتات في احملمية أيضا، كل هذا يوفر مثاال صارخا على تأثير التغير الذي يحدث في املفترســــــات أعلى الهرم. ومع ازدياد الذئاب، تناقصت أعداد اإللكة)elk )3. وجنم عن ذلك تخفيف الضغط املهلك للنباتات وازدهارها في املناطق التي كان انتشــــــار احليوانات العاشبة فيها شائعا. ]انظر: »دروس من الذئاب«، ، العددان 4/3(2005)، ص 34[.

إن دخول اإلنســــــان البدائي إلى بيئة اللواحم في إفريقيا رمبا يكون قد تســــــبب في مسلسل أكثر تأثيرا في البيئة مما حدث في محمية يلوســــــتون. فالذئاب كانت في املاضي جزءا طبيعيا من منظومة يلوســــــتون البيئية، أي إن األنواع األخرى كانت متتلك على األقل بعض الســــــلوكيات املتكيفة مع وجود الذئاب. أما اإلنسان، فقد كان جديدا على الساحة. ومن املتوقع ــــــه عواقب أكبر على املنظومة أن يكــــــون دخول مفترس جديد لالبيئية من مجرد إعادة إدخال مفترس كان له حضور سابق. وقد يكون البرهــــــان األخير في قضية غياب اللواحم ليس في بقايا أسالفنا البشرية أو في اللواحم الكبيرة وإمنا في بقايا احليوانات العاشبة والنباتات التي تغير عاملها مع تطور رغبة

البشر في تذوق اللحوم. <

إن دخول اإلنسان البدائي إلى بيئة آكلي اللحوم في

إفريقيا رمبا يكون قد تسبب بسلسلة

متعاقبة من االختالل البيئي تفوق تلك

التي حدثت في محمية يلوستون.

FOOD FOR THOUGHT )�(a bottom-up perspective )1(

a top-down view )2()3( أيل )أو ظبي( يعتبر من أكبر األيائل املوجودة في أوروبا وآسيا.

Scientific American, November 2013

مراجع لالستزادة Patterns of Change in the Plio-Pleistocene Carnivorans of Eastern Africa: Implications for Hominin Evolution. Margaret E. Lewis and Lars Werdelin in Hominin Environments in the East African Pliocene: An Assessment of the Faunal Evidence. Springer Verlag, 2007. Temporal Change in Functional Richness and Evenness in the Eastern African Plio-Pleistocene Carnivoran Guild. Lars Werdelin and Margaret E. Lewis in PLOS ONE, Vol. 8, No. 3, pages1–11; March 2013.

Page 72: Oloom Magazine march april-2014

70(2014) 4/3

في أواخر القرن التاسع عشر، صرح <L. كرونيكر> عالم ــــــال: »لقد خلق الله ــــــي الذائع الصيت قائ ــــــات األملان الرياضياألعداد الصحيحة، أما ما دون ذلك فهو من صنع اإلنسان.« فقد كان <كرونيكر> يؤمن بأن األعداد الصحيحة تؤدي دورا جوهريا في الرياضيات. ولهذه املقولة وقعا آخر لدى فيزيائيي اليوم. ذلك أنه يندرج ضمن اعتقاد انتشر بشكل متزايد خالل العقود القليلة املاضية يقول: إن الطبيعة nature في جوهرها أة discrete، أي إن اللبنات األساســــــية فــــــي بناء املادة مجــــــزوالزمــــكان spacetime ميكن إحصاؤها الواحدة تلو األخرى. وتعود هــــــذه الفكرة إلى قدماء الذريــــني atomists)4( اإلغريق، ولكنها اكتســــــبت مصداقية إضافية في العصــــر الرقمي)5(. فقد غدا العديد مــــــن الفيزيائيني ينظرون إلى العالم الطبيعي فه بتــــات bits من املعلومات، على أنه حاســــــوب ضخم توصوتؤدي فيه القوانني الفيزيائية دور اخلوارزميات. وهذا يشبه حــــــال املطر الرقمي األخضر الذي رآه <نيو>)6( في نهاية فيلم

ماتريكس The Matrix الصادر عام 1999.ومع ذلك، أتســــــاءل: هل هذه حقــــــا الطريقة التي تعمل بها ــــــدو مناقضا لروح تطور ــــــني الفيزياء؟ ومع أن رأيي قد يب قوانــــــم عبر األزمنة، فإنني، وشــــــأني في ذلك شــــــأن الكثيرين، العلأعتقــــــد أن احلقيقة الفيزيائية في نهاية املطاف متاثلية)2( أكثر ــــــدو عاملنا متصال اتصاال منهــــــا رقمية)3(. ومن هذا املنظور يبــــــا. ومهما دنوت منه مكبرا الصورة، فلن جتد لبنات بناء حقيقي

غير قابلة لالختزال. فاملقادير الفيزيائية ليست أعدادا صحيحة ــــــة – وهي أعداد متصلة تكتب باســــــتخدام ــــــل أعدادا حقيقي بعدد غير منته من األرقام بعد الفاصلة العشــــــرية. وهناك أمر مؤسف بالنسبة إلى املعجبني بفيلم ماتريكس، وهو أن لقوانني الفيزياء املعروفــــــة خصائص ال أحد يدري كيف نحاكيها على احلاســــــوب، مهما كان عدد البايتات bytes في ذاكرته. ويعد تقدير هذا اجلانب في تلك القوانني أمرا أساسيا في موضوع

دة للفيزياء توحيدا كامال. تطوير نظرية موح

لغز قدمي)��(يعــــــد اجلدل القائم حول موضوع الرقمــــــي والتماثلي من أقدم ــــــاء. فبينما اعتقد الذريون أن حقيقة املواضيع جدال في الفيزيــــــا مجــــــزأة، قال فالســــــفة إغريق آخرون مثل <أرســــــطو> عاملنإن العالم متصل. وقد انقســــــم فالســــــفة الطبيعة خالل عصر

THE UNQUANTUM QUANTUM )�(AN ANCIENT ENIGMA )��(

pointillist )1(analog )2(digital )3(

)4( ظهــــــر »املذهب الذري« عند فالســــــفة اإلغريق، وهو يرى أن املكونات األساســــــية للفضاء وغيره تتشكل من الذرة التي ال تقبل التجزئة.

the digital age )5()6( <نيو> Neo : شخصية وهمية أدت الدور الرئيسي في مسلسل ماتريكس املؤلف

من ثالثة أفالم.)7( أو: البكسالت )التحرير(

املجلد 30 العددان 4/3مارس/ إبريل 2014

باختصاربإحكام توهمنا بوجود »متصل«، متاما كما هي حال العنصورات)7(

pixels املجزأة على شاشة احلاسوب.

ــــــى عنصورات مع ومــــــع ذلك، تتناقــــــض فكـــرة الفضاء املجزأ إل the asymmetry ــــــة واحدة على األقل للطبيعة: وهي الالتناظر خاصي

بني اجلهتني اليسرى واليمنى جلسيمات املادة األولية.

ــــــم تصور ميكانيك الكم عادة على أنه مجزأ discrete في ذاته يتــــــك فإن معادالته مصاغة بداللة مقادير متصلة، وفي طبيعته، ومع ذلبينما تبرز القيم املجزأة اعتمادا على كيفية إعداد النظام الكمومي.

ويؤكد مناصرو الرقمية على أن املقادير املتصلة، عند تفحصها أة: فهي تقع على رؤوس شــــــبكة متباعدة عــــــن كثب، ذات طبيعة مجز

الكم الالكمومي)�( غالبا ما يقدم نظريو الكم العالم على أنه ذو طبيعة نقطية )1( عندما ننظر إليه

بأصغر املقاييس. ومع ذلك، فإمعان النظر في قوانني الطبيعة يوحي أن العالم الفيزيائي هو في احلقيقة عالم متصل – فهو متاثلي)2( أكثر منه رقمي)3(.

<D. تونگ>

Page 73: Oloom Magazine march april-2014

71 (2014) 4/3

<نيوتن>، الذي شــــــمل القرنني السابع عشر والثامن عشر، ما

بني أنصار النظريات اجلســــــيمية )املجزأة( وأنصار النظريات املوجية )املتصلة continuous(. أما في عصر <كرونيكر>، فإن املدافعني عن مذهب الذرية مثل <J. دالتون> و<J .C. ماكســــــويل> و<K. بولتزمان> متكنوا من استنتاج قوانني الكيمياء والديناميكا احلرارية)1( والغــــــازات اعتمادا على هذا املذهب، ولكن العديد

من العلماء ظلوا غير مقتنعني به.وقد أشــــــار <W. أســــــتوولد> ]احلائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1909[ إلى أن قوانني الديناميكا احلرارية حتيل إلى مقادير متصلة، مثل الطاقة، دون غيرها. وبشــــــكل مماثل، تصف نظرية <ماكســـويل> في الكهرمغنطيســـية)2( احلقول الكهربائية واملغنطيسية بأنها مقادير متصلة. وفي عام 1882، ــــــذي صار الحقا رائدا مليكانيك الكم - أنهى <M. پالنك> - الــــــارة التالية: ‘‘على الرغم من النجاح الذي بحثا مرجعيا بالعبمتتعت به النظرية الذرية للمادة حتى اآلن، فإنه علينا في نهاية

املطاف التخلي عنها لصالح فرضية املادة املتصلة.’’لقــــــد كانت إحدى أقوى حجــــــج املدافعني عن املتصل هي ــــــة في التجـــزؤ discreteness. وكمثال على التحكمية الظاهريذلك: ما هو عدد الكواكب في املنظومة الشمسية؟ في املدرسة، ــــــا إن هناك تســــــعة كواكب. ولكن علمــــــاء الفلك أزالوا قيل لنرســــــميا عام 2006 پلوتـــو Pluto من القائمـــة A)3( للكواكب، تاركني في القائمة ثمانية كواكب ال أكثر. وفي الوقت نفســــــه، أدخلوا القائمة B للكواكب القزمة. فإذا ضممتم عناصر هذه القائمــــــة إلى الكواكب ارتفع العــــــدد اإلجمالي إلى 13 كوكبا. باختصار، تتمثل اإلجابة األمينة الوحيدة عن السؤال املتعلق كم لها. ويحوي بعدد الكواكب في أن ذلك يعتمد على كيفية عدحــــــزام كويپر Kuiper الواقع وراء نپتون Neptune أجســــــاما ــــــراوح حجومها بني عدد من امليكرومترات وبضعة آالف من تتالكيلومترات. وال تســــــتطيعون عد الكواكب في هذا احلزام إال ــــــم باعتماد متييز كيفي واضح بني كوكب وكوكب قزم، إذا قمت

وما هو مجرد كتلة صخرية أو جليدية.ل ميكانيك الكم في نهاية املطــــــاف طبيعة اجلدل ــــــو لقد ح

بني املظهرين الرقمي والتماثلي. ففي حني يبدو تعريف كوكب تعريفا كيفيا، جند تعريف الذرة أو اجلســــــيم األولي غير ذلك. واألعداد الصحيحة التي تســــــم العناصــــــر الكيميائية - التي نعرف اآلن أن عددها يســــــاوي عــــــدد البروتونات في الذرات ــــــارة اختيارا موضوعيا. وبغض النظر املكونة لها - هي مختعــــــن أي تطور ســــــوف يحدث في الفيزياء، فإنني ســــــعيد بأن ــــــرى إطالقا عنصرا بـ 500√ بروتون يقع أراهن على أننا لن نبني عنصري التيتانيوم والفاناديوم؛ ذلك أن األعداد الصحيحة

في الفيزياء الذرية وجدت لتبقى.ــــــدرج في مجال املطيافيـــة)4(، أال وهو ــــــاك مثال آخر ين وهندراســــــة ضوء صادر وممتص من مــــــادة. وميكن لذرة من نوع معني أن تصدر فقط أضواء من ألوان خاصة جدا، مما يعطي

)thermodynamics )1 أو: الترموديناميكmaxwell´s theory of electromagnetism )2(

A-list )3(spectroscopy )4(

David Tong<تونگ> أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة كامبردج. شغل سابقا مناصب بحث علمي في بوســــــطن ونيويورك ولندن ومومباي. وينصــــــب اهتمامه على نظرية احلقل الكمومي ونظرية

األوتار، واملوجات املنعزلة )السوليتونات solitons(، وعلم الكون )الكوسمولوجيا(.

املؤلف

مالحظة هيئة التحرير: Foundational Questions خـــالل عـــام 2011، طرح معهـــد القضايا املفتوحـــةInstitute في املسابقة الثالثة لكتابة املقالة السؤال التالي على الفيزيائيني والفالســـفة: »هـــل احلقيقـــة رقمية أم متاثليـــة؟« توقع املنظمـــون أن يرجح أغلب املشـــاركني اخليار الرقمي. فكلمة ‘‘الكم’’ في الفيزياء الكمومية تفيد ضمنـــا »التجـــزؤ«، ومـــن ثم امليـــل إلى اخليـــار »الرقمي«. ومع ذلـــك، أفادت العديـــد من أفضل املقاالت بأن عاملنـــا متاثلي. ومن بني هذه املقاالت مقالة كتبهـــا <D. تونگ> وبفضلها فاز بجائزة ثانـــي أفضل مقالة. ونعرض هنا

نصا مقتبسا من تلك املقالة لـ <تونگ>.

Page 74: Oloom Magazine march april-2014

72(2014) 4/3

بصمة مميزة لكل ذرة. وبخالف البصمات البشــــــرية، تخضع ــــــة ثابتة، وحتكم هذه القواعد أطياف الذرات لقواعد رياضياتيــــــى لفهم النظرية الكمومية - أعداد صحيحة. واحملاوالت األولوأهمها تلك التي قام بهــــــا الفيزيائي الدامناركي <N. بوهر> -

وضعت خاصية التجزؤ في لب هذه النظرية.

بروز أعداد صحيحة)�(ولكن <بوهر> لم يقل الكلمة األخيرة، فقد طور <E. شرودينگر> في عــــــام 1925 مقاربة بديلة للنظرية الكمومية تقوم على فكرة املوجات. وال حتتوي املعادلة التي صاغها <شرودينگر> بهدف ــــــى مقادير متصلة - وصــــــف كيفية تطور هذه املوجات إال علوليست فيها أعداد صحيحة. ومع ذلك، فإنكم عندما تقومون بحل معادلة <شــــــرودينگر> هذه من أجل نظام محدد، فسوف يحدث شــــــيء من ســــــحر رياضياتي. لنأخذ ذرة الهدروجني: يدور اإللكترون حول البروتون على مســــــافات محددة متاما، وتتجلى هذه املدارات orbits الثابتة ضمن طيف الذرة. وتشبه الذرة هنا أنبوب آلة أورغن organ pipe الذي يصدر سلسلة مجزأة من العالمات املوسيقية مع أن حركة الهواء في األنبوب مستمرة. والعبرة - على األقل فيما يخص الذرة - واضحة من هذا الدرس: فالله لم يخلق األعداد الصحيحة، بل خلق أعدادا

مستمرة، وما تبقى فهو من عمل معادلة <شرودينگر>. inputs وبعبارة أخرى، ليست األعداد الصحيحة مدخالت ــــــة كما اعتقد <بوهــــــر>. إنها مخرجـــات outputs. وتعد للنظرياألعداد الصحيحة مثاال عما يدعوه الفيزيائيون مقدارا بارزا. ومن هذا املنظور تكون عبارة ‘‘ميكانيك الكم’’ تســــــمية في غير محلها، فالنظرية في أعماقها ليست كمومية. وفي أنظمة، مثل ذرة الهدروجني، تقوم السيرورات التي تصفها النظرية بقولبة

ئة انطالقا من مظاهر متصلة حتتية. مظاهر متجزــــــى كون وجود الذرات، وقد نعجب أكثر عند اإلشــــــارة إلــــــل في الواقع وجود أي جســــــيم أولي، ال يشــــــكل هو اآلخر بمدخال لنظرياتنا. والفيزيائيون يكررون في دروســــــهم قول إن لبنات بناء الطبيعة جســــــيمات مجزأة منفصلة كاإللكترون أو الكوارك quark. وهذا غير صحيح، فليست لبنات بناء نظرياتنا جسيمات بل حقوال: أي أشياء متصلة شبيهة باملوائع تنتشر عبر الفضاء. وميثل احلقالن الكهربائي واملغنطيســــــي مثالني مألوفني عن مفهــــــوم احلقل، ولكن هناك أيضا حقل الكوارك، ــــــدة أخرى. والكائنات وحقـــل هيگـــز Higgs field، وحقوال عديالتي ندعوها جســــــيمات أساسية ليســــــت أساسية في نهاية

املطاف، بل إنها في الواقع متوجات حلقول متصلة. وقد يقول املتشكك إن قوانني الفيزياء حتوي حقا بعض

األعداد الصحيحة. فعلى سبيل املثال، تصف هذه القوانني ثالثة أنواع مــــــن النترينوهات)neutrinos )1، وســــــتة أنواع مــــــن الكواركات )يتجلى كل واحــــــد منها ضمن ثالثة أمناط نسميها ألوانا(، وهكذا دواليك. فاألعداد الصحيحة حاضرة في كل مــــــكان، أليس كذلك؟ ما تقدمه جميع هذه األمثلة هو في الواقع إحصاء عدد أصناف اجلســــــيمات في النموذج املعيــــاري Standard Model)2(، وهــــــذا مقــــــدار نعرف أنه من ــــــده رياضياتيا بدقــــــة عندما تتفاعل ــــــة مبكان حتدي الصعوباجلســــــيمات معا. وميكن لهذه اجلسيمات أن تتحول وتبدل من طبيعتها: إذ ميكن لنيوترون neutron واحد أن ينشــــــطر ــــــى بروتون وإلكترون ونترنيو، فهل علينا عند العد اعتباره إلجسيما واحدا أو ثالثة جسيمات أو أربعة؟ إن القول بوجود ثالثة أنواع من نترينوهات وســــــتة أنواع من الكواركات وما ــــــاج صنعي ناجم عن ــــــى ذلك مــــــن األوصاف ما هو إال نت إل

إهمالنا للتفاعالت بني اجلسيمات. ــــــك مثاال آخر عن عــــــدد صحيح موجــــــود في قوانني وإليــــــاء: إن عدد األبعــــــاد املكانية امللحوظة يســــــاوي ثالثة. الفيزيــــــس كذلك؟ لقد أشــــــار عالم الرياضيات الشــــــهير الراحل أليــــــروت> إلى أن عدد األبعاد املكانية ليس بالضرورة <B. ماندلب

عددا صحيحا. وعلى سبيل املثال، يبلغ بعد dimension اخلط الساحلي لبريطانيا العظمى نحو 1.3. وإضافة إلى ذلك، هناك لبس في عــــــدد أبعاد املكان في جملة مــــــن النظريات املوحدة املقترحة في الفيزياء، مثل نظرية األوتار؛ ذلك أنه ميكن ألبعاد

مكانية أن تبرز أو أن تتالشى. وأجتــــــرأ على القول إن هناك عــــــددا صحيحا واحدا فقط ميكن أن يظهر في الفيزياء كلها. وتشــــــير قوانني الفيزياء إلى وجود بعد واحد للزمن. ومن هذا البعد الزماني الوحيد تغدو

الفيزياء، فيما يبدو، غير متسقة.

أفكار ال تتجزأ)��(ــــــة أن احلقيقة الفيزيائية ــــــى ولو افترضت نظرياتنا املتداول حتــــــي الفيزيائيني ــــــد من زمالئ ــــــة، فإن العدي ذات طبيعــــــة متصلــــــاك حقيقة مجزأة وراء مظهــــــر متصل. وهم يعتقــــــدون أن هنيشــــــيرون إلى أمثلة توضح كيف ميكن أن تبرز طبيعة متصلة ؤ. ومن التجارب اليومية: املقاييس املاكروســـكوبية من جتزــــــس ومتصال. وأنتم ال ــــــدو املاء في كأس أمل macroscopic، يب

EMERGENT INTEGERS )�(INDISCRETE IDEAS )��(

)1( ج: نترينو)2( نظرية علمية طورت في منتصف سبعينات القرن املاضي ضمن فيزياء اجلسيمات وتقدم وصفا لتفاعل اجلسيمات األولية. )التحرير(

Page 75: Oloom Magazine march april-2014

73 (2014) 4/3

ــــــه الذرية إال عندما تنظــــــرون إليه عن كثب أكثر ترون مكوناتــــــة من هذا القبيل هــــــي التي تقف وراء ــــــر. وقد تكون آلي فأكثجذور الفيزياء؟ وإذا ما أمعنا النظر في عمق األشــــــياء، فرمبا ندرك أن حقول النموذج املعياري الكمومية امللساء – أو حتى

الزمكان - تكشف بدورها عن بنية حتتية مجزأة. نحن ال نعرف اإلجابة عن هذا الســــــؤال، ولكننا نســــــتطيع أن نستشــــــف دليال على مجهودات دامت 40 ســــــنة في سبيل محــــــاكاة النمــــــوذج املعياري على حاســــــوب. ومن أجل إجناز ــــــل هذه احملاكاة ينبغي أن نأخذ أوال معادالت مكتوبة بداللة مثمقادير متصلة، ثم يتعني علينا إيجاد صياغة مجزأة للمعادالت تنسجم مع بتات املعلومات التي تتعامل بها احلواسيب. وعلى ــــــم يتمكن أحد من الرغــــــم من عقود من املســــــاعي واجلهود، لالقيام بذلك. وهكذا، ومع ندرة اإلشــــــارة إلى هذه املسألة فهي

تظل واحدة من أهم املسائل املفتوحة في الفيزياء النظرية. وقد طور الفيزيائيون نســــــخة مجــــــزأة للحقول الكمومية تدعى نظرية احلقل الشـــبكي)1(، حيث تســــــتبدل بالزمكان مجموعــــــة من النقاط. وتقوم احلواســــــيب بتقدير كميات عند هــــــذه النقاط بهدف مقاربة حقل متصل. ومع ذلك، فإن هناك ــــــط الصعوبات مبعاجلة ــــــودا حتد من هــــــذه التقنية. وترتب قياإللكترونات والكواركات واجلسيمات األخرى للمادة املسماة ــــــب أنه إذا مــــــا قمتم بتدوير الفرميونـــات fermions. والغريــــــون 360 درجــــــة، فإنكم ال جتدون الكائن نفســــــه الذي فرميــــــك، عليكم تدوير الفرميون 720 ــــــم منه. فعوضا عن ذل انطلقتدرجة للعودة إلى الكائن نفســــــه. ونشير إلى أن الفرميونات تظهر مقاومة لعملية وضعها على شبكة. ففي الثمانينات من القرن املاضي برهن <H .B. نيلســــــن> ]مــــــن معهد نيلز بوهر Okayama من معهد أوكاياما[ <نينوميا .M>و ]في كوبنهاگنــــــاء الكمومية فــــــي اليابان[ على نظرية شــــــهيرة تقول للفيزي

باستحالة جتزئة احلقل املتصل ألبسط أنواع الفرميونات.ــــــذه النظريات هي فقط بقــــــوة فرضياتها، ــــــوة مثل هـ إن قـــــــرن املـــــاضـي أدخل نظـــريـــون، وفي التســـــــــعينـــات مـــن القـــــــــم <D. كاپـــالن> ]وهـــو اآلن في جـامعة واشـــــــنطن[ أبــــرزهــــو<H. نوبيرگــــــر> ]من جامعة روتگــــــرز[، طرائق متنوعة خالقة ــــــات على الشــــــبكة. وهناك ضــــــروب عديدة لوضــــــع الفرميونــــــة التصور لنظريات احلقل الكمومــــــي يوافق كل منها وممكنأنواعا مختلفة من الفرميونات. وباســــــتطاعة الفيزيائيني اآلن ــــــة تقريبا من نظريات احلقل على شــــــبكة. صياغــــــة أية نظريــــــاك فئة وحيدة مــــــن نظريات احلقــــــل الكمومي ال يعرف وهنالفيزيائيون بعد كيفية وضعها على شبكة. ولسوء احلظ تضم ــــــة النموذج املعياري. ونســــــتطيع التعامل مع جميع هذه الفئ

أنواع الفرميونات االفتراضية، لكننا ال نستطيع ذلك مع تلك املوجودة فعال.

وفي النموذج املعياري، تتمتع الفرميونات بسمة خاصة جدا. وتلك الفرميونات التي تدوم spin في االجتاه املعاكس الجتاه حركة عقارب الساعة تشعر بالقوى النووية الضعيفة، بينما ال تشعر بهذه القوى الفرميونات التي تدوم في اجتاه ــــــة إنها انطباقية عقارب الســــــاعة. ولهذا نقول عن النظري)أو مرأويـــة( chiral. ونالحظ أن النظريات االنطباقية بالغة احلساسية، إذ توجد آثار دقيقة، معروفة بكونها حاالت غير عادية، تهدد دوما بجعل النظرية غير متســــــقة. وقد قاومت ــــــك النظريات حتى اآلن احملــــــاوالت الرامية إلى منذجتها تل

على حاسوب.ومع ذلك، ال تعد االنطباقية علة للنموذج املعياري ميكن أن ــــــزول ضمن نظرية أكثر عمقا؛ بل إنها متثل ســــــمة جوهرية. توللوهلة األولى، يبدو النموذج املعياري القائم على أساس ثالث قوى مترابطة فيما بينها إنشاء كيفيا. وال يظهر جمال النظرية احلقيقــــــي إال عند التفكير فــــــي الفرميونـــات االنطباقية)2(. ويتعلق األمر هنا بأحجية مربكة jigsaw puzzle مثالية تتشابك ــــــت القطع الثالث معا بطريقة فريدة ال وجود لســــــواها. وتتثبــــــة للفرميونات في النموذج املعياري جتعل فالطبيعة االنطباقي

جميع كائناته متوافقة معا ومنطبقة على مقاس النظرية.واملالحظ أن العلماء ال يلمون متاما مبا ميكن استنتاجه من عدم قدرتنا على محاكاة النموذج املعياري على حاسوب. إنه من الصعب اســــــتخالص نتائج متينة انطالقا من فشل في حل مسألة معينة؛ ومن احملتمل أن تكون األحجية مسألة بالغة التعقيد تنتظر حلها بتقنيات تقليدية. ولكن هناك مظاهر للمســــــألة توحي بوجود مستويات أعمق مما ذكرنا. وترتبط العوائق في هذا الســــــياق ارتباطا وثيقا برياضيات مفاهيم الطوبولوجيا والهندسة. ومن اجلائز أن تكون صعوبة وضع الفرميونات االنطباقية على الشــــــبكة، إشارة تخبرنا بشيء مهــــــم: وهو أن قوانني الفيزياء ليســــــت في جوهرها مجزأة.

فنحن ال نعيش ضمن محاكاة حاسوبية. <lattice field theory )1(

the chiral fermions )2(

Scientific American, December 2012

مراجع لالستزادة Quantum Field Theory in a Nutshell. Second edition. A. Zee. Princeton University Press, 2012.Chiral Symmetry and Lattice Fermions. David B. Kaplan. http://arxiv.org/abs/0912.2560Helicity, Chirality, Mass, and the Higgs. Flip Tanedo. www.quantumdiaries.org/2011/06/19/helicity- chirality-mass-and-the-higgs The Foundational Questions Institute essay contest entries: www.fqxi.org/community/essay

Page 76: Oloom Magazine march april-2014

74(2014) 4/3

بيولوجياإلقاء اللوم على الشتاء)�(

قد يقدم التعرض لضوء النهار تفسيرا للعالقة بني الفصلالذي يولد فيه الطفل وما قد يصاب به من أمراض نفسية.

اقترحت دراسات عديدة أجريت مؤخرا أن احتمال إصابة املواليد التي تولد في الشــــــتاء بحاالت مثل الفصام واالكتئاب واالضطرابات العاطفيـــة الفصلية (SAD))1( أكبر من احتمال إصابة املواليد التي تولد صيفا بتلك احلاالت. وثمة دراسة قد تقدم تفسيرا لسبب ذلك: فكمية ضــــــوء النهار التي يتعرض لهــــــا الفأر احلديث الوالدة هي التي حتدد سلوك اجلينات الرئيسية

للساعة البيولوجية عنده على مدى العمر. لقد قام عدد من الباحثني في جامعة ڤاندربيلت وجامعة ألباما في برمينگهــــــام، بتربية مجموعة من صغــــــار الفئران في ظروف تشــــــبه الظروف

التي تســــــود في فصل الشــــــتاء، فوفروا لها ثماني ساعات من ضوء الشمس كل يوم، كما قاموا بتربية مجموعة ثانية منها في ظروف تشــــــبه الظروف التي تســــــود في فصل الصيف، فوفروا لها ســــــت عشرة ساعة من ضوء الشــــــمس كل يوم، ثم عرضوا تلك الفئران الصغيرة إما جلدول التعرض لضوء الشمس نفسه الذي كانوا عليه من قبل، أو جلدول معاكس له ملدة أربعة أسابيع أخرى. فوجــــــد الباحثون أن جينات الســــــاعة البيولوجية تعمل لدى الفئران الصغيرة »الشـــتائية«)2( لفترات زمنية أقصر مما لدى الفئـــران الصغيرة »الصيفيـــة«)3(، وذلك بغض النظر عن ــــــام التي تعرضت فيها للضوء بعد الفطام. كما وجد أطوال األيالباحثون أن الفئران الصغيرة الشتائية أكثر نشاطا أثناء الليل، وذلك يشــــــبه ما عليه احلال لدى املصابني باضطرابات عاطفية فصلية، مما يشير إلى أن الساعة البيولوجية لدى هذه الفئران الصغيرة لم تضبط على نحو جيد مع أوقات اليوم. ولكن متهل، فال تسارع إلى شراء مصباح لألشعة فوق البنفسجية لتضعه في غرفة األطفال، فالباحثون يواصلون العمل لتعرف آثار هذه

اإلشارات الفصلية في اإلنسان. <<W .M. موير>

BLAME IT ON WINTER )�( seasonal affective disorders )1(

“winter” pups )2(“summer” pups )3(

مراكز توزيع في األقطار العربية:> اإلمارات: شركة اإلمارات للطباعة والنشر والتوزيع - أبوظبي/ دار احلكمة -

دبي > البحرين: الشركة العربية للوكاالت والتوزيع - املنامة > تونس: الشركة التونسـية للصحافة - تونس > السعودية: تهامـة للتوزيع - جدة - الرياض - الدمام > سوريا: املؤسـسة العربية السورية لتوزيع املطبوعات - دمشق > عمان: محالت

الثالث جنوم - مسقط > العراق: .... > فلسطني: وكالة الشرق األوسط للتوزيع - القدس > قطر: دار الثقافة للطباعة والصحافة والنشر والتوزيع -

الدوحة > الكويت: الشـركة املتحدة لتوزيع الصحف واملطبوعات - الكويت > لبنان: الشركة اللبنانية لتوزيع الصحف واملطبوعات - بيروت > مصر: األهرام

للتوزيع - القاهرة > املغرب: الشركة الشريفية للتوزيع والصحافة - الدار البيضاء > اليمن: الدار العربية للنشر والتوزيع - صنعاء.

تقدمات

Page 77: Oloom Magazine march april-2014

75 (2014) 4/3

ANIMAL BEHAVIORWhen Animals MournBy Barbara J. King

Humans are not alone in grieving over the loss of a loved one.

CHEMISTRYA Nobel GatheringEdited by Ferris Jabr. Introduction by Stuart Cantrill

Laureates and newcomers in chemistry form new bonds, as we celebrate their achieve ments, past and future.

EVOLUTIONKing of BeastsBy Lars Werdelin

What happened to all the large carnivore species that used to roam Africa in such variety? They may have succumbed to competition from early meat-eating humans.

PHYSICSThe Unquantum QuantumBy David Tong

Contrary to the conventional wisdom of quantum mechanics, the physical world may be continuous after all—more analog than digital.

EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam SEnIor writeR: Gary Stix EDITORS: Davide Castelvecchi, Graham P. Collins, Mark Fischetti, Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser, Christine Soares, Kate WongCONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert, Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs, Marguerite Holloway, Christie Nicholson, Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer, Sarah Simpson

ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello, Larry Greenemeier NEWS REPORTER, ONLINE: John MatsonART DIRECTOR, ONLINE: Ryan Reid

ART DIRECTOR: Edward Bell ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley

COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller

EDITORIAL ADMINISTRATOR: Avonelle Wing SENIOR SECRETARY: Maya Harty

COPY AND PRODUCTION, NATURE PUBLISHING GROUP: SENIOR COPY EDITOR, NPG: Daniel C. Schlenoff COPY EDITOR, NPG: Michael Battaglia EDITORIAL ASSISTANT, NPG: Ann Chin MANAGING PRODUCTION EDITOR, NPG:  Richard Hunt SENIOR PRODUCTION EDITOR, NPG: Michelle Wright

PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:  Carl Cherebin PREPRESS AND QUALITY MANAGER:  Silvia De Santis CUSTOM PUBLISHING MANAGER:  Madelyn Keyes-Milch

PRESIDENT: Steven Inchcoombe VICE PRESIDENT, OPERATIONS ANDADMINISTRATION: Frances Newburg

VICE PRESIDENT, FINANCE AND BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek BUSINESS MANAGER: Marie Maher

Letters to the EditorScientific American 75 Varick Street, 9th Floor, New York, NY 10013-1917 or [email protected] Letters may be edited for length and clarity. We regret that we cannot answer each one. Post a comment on any article instantly at www.ScientificAmerican.com/sciammag

MINDWhy the Brain Prefers PaperBy Ferris Jabr

Books and magazines may be old fashioned, but they have one big advantage over text that appears in digital media: the mind can more easily grasp the concepts they convey.

ADVISORY BOARD

Adnan A. Shihab-EldinChairman

Adnan HamouiMember - Editor In Chief

Abdullatif A. Al-BaderDeputy

Advances> Blame It on Winter

64

70

36

44

48

74

Page 78: Oloom Magazine march april-2014

76(2014) 4/3

PSYCHOLOGYHow Google Is Changing Your Brain By Daniel M. Wegner and Adrian F. Ward

The always available Internet is altering how we perceive and remember the world around us.

QUANTUM PHYSICSWhat Is Real? By Meinard Kuhlmann

The world is made of particles and force fields, physicists say. Do we know what particles and force fields actually are? We do not.

ENGINEERINGRaising the Wreck By Barbie Latza Nadeau

The smallest mistake in refloating the crippled Costa Concordia cruise ship could cause ecological disaster.

CHEMISTRYCracks in the Periodic Table By Eric Scerri

The discovery of element 117 filled the last remaining gap in the periodic table. Just as the table is finally being completed, it may be losing its explanatory power.

MEDICINEThe Long Trail of Cancer’s CluesBy George Johnson

Decades of research have shown how incredibly complicated this dreaded disease is.

AIR SECURITYHacking Drones By Kyle Wesson and Todd Humphreys

It’s not all that hard to take control of civilian unmanned aircraft and turn them into weapons of terror.

March / April - 2014 Volume 30 Number 3/4

16

4

20

8

26

30

Page 79: Oloom Magazine march april-2014

77 (2014) 4/3

تهــــــدف مؤسســـة الكويـــت للتقدم العلمـــي ومنذ عام 1983، من خالل برنامجها املشــــــترك مع مركز عبدالســـالم الدولـــي للفيزياء ــــــة في العالم العربي عن طريق دعم الباحثني الراغبني في اســــــتكمال ــــــى تعزيز اجلهــــــود الرامية إلى تطوير اخلبرات العلمي النظريـــة، إل

دراساتهم وأبحاثهم العلمية وتطوير مهاراتهم الالزمة لذلك، من خالل توفير البرامج التالية:

برنامج دعم مشاركة الباحثني العرب في أنشطة املركز:

يتكفل البرنامج بنفقات سفر املشارك ــــــي إلى مقــــــر املركز في ــــــده العرب من بلتريستا )إيطاليا( وبنفقات إقامته على أال

تتجاوز شهرا واحدا.لالطالع على األجندة السنوية ألنشطة

املركز العلمية، يرجى زيارة املوقع:www.ictp.it/scientific-calender

برنامج دبلوم الدراسات العليا لدى املركز:

يدعــــــم البرنامج ســــــنويا ثالثة طلبة عرب للمشاركة في برنامج دراسات ما ــــــوراه )دبلوم( في الرياضيات قبل الدكتوالفيزياء، لفترة مدتها 12 شــــــهرا. ويتم

اختيار الطلبة على أسس تنافسية. ــــــة التقدمي، يرجــــــى زيارة ملعرفــــــة آلي

www.ictp.it/diploma. :املوقع

برنامج زمالة ما بعد الدكتوراه في العلوم:

يدعم البرنامج ســــــنويا مشاركا واحدا من ــــــوم من الكويتيني أو حملة الدكتوراه في العل

العرب العاملني في دولة الكويت.ــــــح البرنامــــــج للمشــــــاركني متابعة يتيأبحاثهــــــم في أحــــــد تخصصــــــات املركز، وحتت إشراف أحد الباحثني املقيمني لديه،

ملدة ال تتجاوز 12 شهرا.ــــــى تخصصــــــات األبحاث لالطــــــالع علضمن هذا البرنامــــــج وآلية التقدمي، يرجى

www.ictp.it/research :زيارة املوقع

http://kfas.ictp.it :أو اللموقع www.ictp.it :لالطالع على تخصصات املركز وآلية التقدمي يرجى زيارة املوقع

برنامج الكويت لدى مركز عبدالسالم الدولي للفيزياء النظريةKuwait Programme - Abdus Salam International

Center for Theoretical Physics )ICTP(

Page 80: Oloom Magazine march april-2014

78(2014) 4/3

بندول فوكو في بهو مؤسسة الكويت للتقدم العلمييعيد جتربة < ليون فوكو> في إثبات دوران األرض حول محورها.

)�( بدالة املؤسسة: 00187222 )+569( ــــ املوقع اإللكتروني: gro.safk.www ــــ ص.ب: 36252 الصفاة 31131، دولة الكويت

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي)�(Kuwait Foundationfor the Advancement of Sciences