تطبيقات موازية
DESCRIPTION
الصناعة والمشهد وأخوان الصفاTRANSCRIPT
�ل�صناعة مر�دفة تاأتي م�صحوبة مبنتج ما، و�ملنتج هو نتائج �أي حقل
و�ملو�د و�ملحركات �لن�صيج �ملتعارف عليها، ك�صناعة من �حلقول
�لغذ�ئية، و�أي�صا �صناعة �لثقافة، و�ملنتج هو كل ما يتم �إعد�ده من
خالل عمليات �لت�صنيع. و�لتعامل مع �لفن كمنتج يجعل �لعملية
�لفنية �أكرث �إتاحة للتحليل د�خل �صياقه �لب�صري. من خالل مدخل
�ل�صناعة ناق�ش �لفنانون و�لكتاب، يف �صكل جل�صات قر�ءة، وجل�صات
نقا�ش مغلقة، �ملمار�صة �لفنية، من حيث كونها �صناعة، بعيد� عن �أي
�حتكاك رومان�صي للعملية �لفنية و�ل�صناعات �لثقافية، خ�صو�صا
و��صتنباط �إيجاد م�صر، حماولني يف �ملعا�صر �لفني �مل�صهد يف
مالمح لتلك �ملمار�صات �لفنية كمنتج �صناعي، وتو�صيح ت�صور ما
لأنو�ع تلك �للغات �لفنية و�لإنتاجية و�لأيديولوجية، وطرح �أ�صئلة
تفتح بابا جد�ليا عن م�صئولية تلك �ل�صناعة يف �صياق �ملوؤ�ص�صات
و�ملمار�صني و�لكتاب و�لقيمني.
خالل تلك �لنقا�صات و�جلل�صات و�لكتابات متت �ل�صتعانة مبنهج
وخالن �ل�صفاء »�أخو�ن نظرية، قاعدة مبثابة حمدد، فل�صفي
�ملو�صيقى، و�صناعة �جل�صمانيات ف�صل خ�صو�صا �لوفاء«(*)،
يف وجدت تاأملية ول رومان�صية ل تفكري طرق ب�صدد �أننا مبا
فهم ح�صني مروه(**) باأنهم يعملون على »�أخو�ن �ل�صفا«، كما يو�ص
بت�صور مقرتنا �لتاأملي �لتفكري ي�صع نحو على �لأ�صياء حتديد
ثالث ب�صدد كانو� �أنهم فرنى للمجتمع، �ملادية للظروف و��صح
نقاط جوهرية، وهي: رف�صهم للتقليد �ملطلق يف �ل�صياق �لرت�ثي،
�إعادة تف�صري �لن�ش، وقولهم بالتجديد �ملمار�صاتي. فالثالث نقاط
�ل�صفا« يف ع�صرهم يف »�أخو�ن بها �نفرد �ل�صابقة هي عنا�صر
جمال �ل�صر�ع �لأيديولوجي، فتميزو� عن غريهم مب�صروع �لعلوم
و�لفنون �لتطبيقية، و�لرتكيز على مناهج تفكري عقلية ومادية، �إذ
نرى �أنها ي�صوبها من �مليتافيزيقيات �لقليل، ولكن مل يوؤثر يف قو�م
�ملالمح �ملادية ملنهجيتهم.
وخالن �ل�صفاء »�أخو�ن مو�صوعني: �إطار يف �ملناق�صات متت
�لوفاء«، و»�ل�صناعات �لب�صرية �ملتعددة«. فكان هذ� �لعمل �لن�صي
�أنه و�آر�ء جند مو�قف من و�لكتاب �لفنانون ما طرحه نتاج هو
يف بع�صها قد مت دمج كال �ملو�صوعني باعتبارهما �متد�د� من قاعدة
نظرية فل�صفية �إىل عملية مادية، و�ن�صغل �لبع�ش بنقد »�أخو�ن �ل�صفا«؛
كونهم خلطو� �لعلوم بامليتافيزيقيات، و�لبع�ش جتنب �خلو�ش يف »�أخو�ن
�ل�صفا«، و�لتزم بال�صياق �ل�صناعي �لب�صري. ولكن �ملالمح �لتي �صادت
يف جل �لن�صو�ش هي �لت�صاوؤلت، لي�صت �لت�صاوؤلت �لتي تفر�ش نف�صها
للبحث عن �إجابات، بل �لت�صاوؤلت �لتي تبحث عن �صياق معني بالنقا�ش.
حممد عبد الكرمي
فنان ب�صري. ولد يف حمافظة �ملنيا عام 1983. در�ش يف كلية �لرتبية
�لفنية يف �لقاهرة، وبرنامج �أ�صغال د�خلية (�أ�صكال �ألو�ن) ببريوت،
ويعمل على م�صروع »تطبيقات مو�زية«.
بالب�صرة، �لفال�صفة من جمموعة ظهرت �مليالدي و�لعا�صر �لهجري �لثالث �لقرن يف (*)
�لالهوت، و �لفل�صفة �يل مرور� و�لفلك، �ملو�صيقي و و�لريا�صيات �لعلم �هتماماتهم يف كانت
�لتوفيق حاول �لر�صائل تلك بع�ش ر�صالة، ٥٢ طريق عن و�بحاثهم فل�صفاتهم بتدوين وقامو
بني �لفل�صفات �ملعروفه يف ذلك �لوقت. وقد ذ�ع �صيت ر�صائلهم يف �ماكن �صتى حتي و�صل �يل
�لندل�ش. ��صتغلو >>�خو�ن �ل�صفا<< يف �صكل جمموعه �صرية يحيطها �لكتمان حتي عام 334
هجرية، وليوجد �أي دليل يحدد من هم �ع�صاء >>�خو�ن �ل�صفا <<
ح�صني مروه 191٠- 198٦، �لنزعات �ملادية يف �لفل�صلفة �لعربية �ل�صالمية، �جلزء �لثاين، (**)
د�ر �لفار�بي، بريوت 19٧9.
لع على والدتنا وال على موتنا اأحد«. »ال يط
�أن علينا يحتم �ليوم، �لوفا وخالن �ل�صفا �إخو�ن جتربة نقر�أ �أن
�ليوم �أن ينخرط �أي عما يكن تاأ�صيله منها، بو�صعنا نت�صاءل عما
د�خل �صياقات �صو�غلنا �لفكرية �ملعا�صرة. بيد �أن �لإجابة عن هذ�
�لت�صاوؤل �إجابات، كما �أن �لدخول �إليه وطرق طرحه متعددة. ومر�مي
هذ� �لن�ش و��صحة بقدر ما هي ب�صيطة، �إذ لن ننغم�ش خالله بجوهر
�لق�صايا �لفكرية، �لفل�صفية و�لعقائدية �لتي طرحها �إخو�ن �ل�صفا،
بقدر ما نروم �لت�صاوؤل عن �صكلهم �لتنظيمي و�لهيكلة �لتي �إعتمدوها
ت�صاوؤل من �خلارج (من �أنه لنقل �لتكون، و�لإجتماع، و�لن�صاط. يف
خارج �لن�ش وطو�ف حوله)، وعن هند�صة بنيتهم كمجموعة.
فكيف نقر�أ، عرب هذ� �ملدخل، جتربة ع�صبة خلت ومل ت�صلنا منها
�ل�صرية �لذ�تية، ول �لبيوغر�فيا، ومل ترتك ور�ءها غري ما �ألفت من
ن�صو�ش هي �لر�صائل ؟
بل من�صي �أماما لن�صاأل كذلك: هل لنا �أن نعيد قر�ءة �ملعا�صرة (�لفنية
�ل�صفا �إخو�ن �لأ�صيلة، جتربة �لتجربة متخذين من هذه و�لأدبية)
وخالن �لوفا، مرتكز� يخول لنا م�صاءلة مفاهيمها و�صو�غلها؟
)anonymous( املجهولون
devenir( وال�صريورة الالمدركة
:)imperceptible
بو�صعنا �أن نقول �أن �ل�صوؤ�ل �لأقوم هو »ما هم �إخو�ن �ل�صفا؟«، عو�صا
لز�لت �ل�صفاء �إخو�ن هوية �أن �إذ �ل�صفا؟«. �إخو�ن هم »من عن
جمهولة حتى �لآن فلم يعرف �ملعلقون عليهم ب�صكل نهائي وحا�صم،
على مر �لتاريخ، �أحد� منهم. وهنالك خالفات كثرية حول �أ�صمائهم.
ول توجد �صوى �إ�صارة تاريخية و�حدة، غالبا ما مت �لإعتماد عليها حول
هذه �جلماعة، وهي ما ذكره �أبو حيان �لتوحيدي، يف كتاب »�لإمتاع
و�ملوؤ�ن�صة«. �إذ ياأتي ذكر �إخو�ن �ل�صفا يف �لليلة �ل�صابعة ع�صرة، حيث
ي�صاأل �لوزير عن زيد بن رفاعة وعن مذهبه، فاأجاب: »هناك ذكاء
يف ومت�صع متنا�صرة، و�صو�نح حا�صرة، ويقظة وقاد، وذهن غالب،
فنون �لنظم و�لنرث، مع �لكناية �لبارعة يف �حل�صاب و�لبالغة، وحفظ
�أيام �لنا�ش، و�صماع للمقالت، وتب�صر يف �لآر�ء و�لديانات، وت�صرف
بها جماعة و�صادف زمانا طويال بالب�صرة �أقام وقد فن... كل يف
لأ�صناف �لعلم، و�أنو�ع �ل�صناعة؛ منهم �أبو �صليمان حممد بن مع�صر
�لب�صتي، ويعرف باملقد�صي، و�أبو �حل�صن علي بن هارون �لزجناين،
و�أبو �أحمد �ملهرجاين و�لعويف وغريهم، ف�صحبهم وخدمهم؛ وكانت
هذه �لع�صابة قد تاآلفت بالع�صرة، وت�صافت بال�صد�قة و�جتمعت على
�لقد�ش و�لطهارة و�لن�صيحة، فو�صعو� بينهم مذهبا زعمو� �أنهم قربو�
�أنهم وذلك �إىل جنته، و�مل�صري �هلل بر�صو�ن �لفوز �إىل �لطريق به
ول بال�صاللت؛ و�ختلطت باجلهالت، دن�صت قد �ل�صريعة قالو�:
�صبيل �إىل غ�صلها وتطهريها �إل بالفل�صفة، وذلك لأنها حاوية للحكمة
�لعتيادية، و�مل�صلحة �لجتهادية«. وبرغم ذلك، فاإننا ل نرى يف هذ�
�ل�صفا �إخو�ن جماعة هوية حول �صك لكل قاطعا ح�صما �حلديث
كاأ�صخا�ش و�أفر�د. وهذ� ما ي�صعنا �أمام حتمية �لت�صاوؤل: ملاذ� هذ�
�ل�صعي �إىل �إخفاء هوياتهم؟ وهل كان هذ� �لتخفي ناجما فقط عن
�أمنية ب�صبب تعار�ش مقولتهم مع �خلطاب �لفكري حيطة وخ�صية
�أ�ص�ش �صا من �أ لت�صري �أنهم وظفوها كذلك �أم لل�صلطة؟ و�لعقائدي
و�لفكري �لتنظيمي ن�صيجهم يقوم عليه رئي�صيا وقو�ما جمموعتهم
�أي�صا؟
لأن �صاغل هذ� �لن�ش، كما �أ�صرنا منذ �لبدء، حماولة قر�ءة جتربة
�إخو�ن �ل�صفا باأعني معا�صرة، فاإننا لن نروم �لبحث لهذه �لت�صاوؤلت
عن مد�خل تاأريخية لالإجابة، بقدر ما ن�صعى �إىل فهمها/�إعادة فهمها
�أنها �ل�صفا، �إخو�ن ر�صائل �إز�ء �لقول، ويكننا م�صتحدثا. فهما
ن�صو�ش »للجميع، ولي�صت لأحد« ، �إذ �أنها ل حتمل توقيعا �صخ�صيا
وم�صخ�صنا، بل تنت�صب �صياغتها �إىل جمموعة (جمموعة جتتمع على
�أو –حتى �إننا نقف على غياب هوية �ملوؤلف، قيمة/فكرة: �ل�صفا).
ن�صتعمل عبارة رولن بارت- »موت �ملوؤلف« �لأ�صلي، »�ل�صوت يفقد
، �إذ�، �لكتابة«. ي�صمحلم�صدره، �ملوؤلف يدخل يف موته �خلا�ش، تبد�أ
م�صدر �لن�ش-�لر�صالة، تتال�صى هوية موؤلفه-ها، حتى ل يبقى مهما
و�لتدبر: �لقر�ءة �لقارئ عند نف�ش يعتمل يف وما معانيه-ها �صوى
ميالد �أ�صطورتها: نقو�ش �أن علينا م�صتقبلها، للكتابة نرجع »حتى
�إنتفاء �لإنتفاء، وهذ� �ملوؤلف«. موت ثمنه يكون �أن يجب �لقارئ
�إجر�ء كونه جمرد عن نرى كما �إذ� يكف وم�صدره، �ملوؤلف، هوية
�أمني، ليكت�صي قيمة �أ�صتتيقية هامة، تخرج �لن�ش من �صيق �لإنت�صاب
�مل�صدري، ليت�صع لإمكانات رحبة، مل�صالك �لتلقف �ملتعددة و�ملختلفة،
بهوية �جل�صم �لذي يكتبه �إذ تنفتح حينما »تتال�صى كل هوية، بدء�
نف�صه«.
م�صدر �إخفاء �أي »�لتخفي«، جتارب فاإن �ملعا�صر، �لفن يف �أما
جتربة وهي �أل �لغرب، يف �أ�صهرها نذكر قد متعددة. »�لأثر«،
بقدر �صخ�ش، �إ�صم لي�ش �أي علم، �إ�صم لي�ش و«بانك�صي« بانك�صي.
ما هو �إم�صاء بو�صع �أي �صخ�ش �أن ي�صعه على عمل حائطي ينجزه.
�لتدخل يف ما طريقة �إىل حتيل عالمة �صار »بانك�صي« �أن لنقل
�ملعا�صر، �لفن يف �لعربي، �لعامل ويف �لعام. بالف�صاء �لب�صري
فبو�صعنا �أن نذكر جتربة حركة »�أهل �لكهف«، مثال، �لتي تذكر يف
بيانها �لتاأ�صي�صي �لذي ن�صرته يف �صنة ٢٠11 عرب �ملو�قع �لإجتماعية
بالأنرتنت:
�لإرهابية متار�ش �ل�صبكات من �لكهف« هي جمموعة »�أهل حركة
وتن�صر �لإرهاب �لأ�صتتيقي.
�أية تون�صية، ول م�صرية، ول عربية، ول من لي�صت �لكهف« »�أهل
جن�صية. هي وباء ينت�صر عرب �لعدوى.
تنا. مالحظة �أوىل: حتى �لبولي�ش ل يعلم عد
(...)
�إذ� مررت ب�صارع ووجدت على جد�ر �إحدى �أعمال »�أهل �لكهف«،
من و�صعره قيمته ي�صتمد �لفني �لأثر �أن يقال �إم�صاءك. �صع
�لإم�صاء.«
ونالحظ لدى هذه �حلركة، حركة »�أهل �لكهف«، من خالل ما ي�صرعون
جمهويل �أع�صاوؤها يبقى و�أن �لتخفي هاج�ش �لبيان، هذ� يف له
فقط �لو�جهة على ليطفو �ل�صخ�صي، �لتعريف عن بعيد� �لهوية،
�أي تال�صي هووي، ومكاين، تام، »�أهل �لكهف«. وهو تخفي �إم�صاء
و�أي�صا �إ�صمحالل يف �لزمان برف�صهم �أن يكون »لأهل �لكهف« تاريخ
من إخــــوان الصـــفـــاإىل حــركــات املـقـاومـة
األســتتيقيـة املعـاصــرة:
»الصريورة الالمــدركـة«.
ويتجلى زمنيا/مكانيا، حم�صور� »حدثا« بذلك يكونو� و�أن ن�صاأة
ومغربا، م�صرقا �صالفني، ملبدعني ن�صبهم يف خا�صة �ملوقف هذ�
و�جلياليل �صمادح، ومنور �لدوعاجي، وعلي �صكري، حممد مثل
�إيزو، �إيزيدور تز�ر�، تري�صتان �لع�ش، �جلبار وعبد �لغرباوي،
وجري��صيم لوكا، وليو فريي، وغريهم �إىل »�أهل �لكهف«. ولكن، وجب
ت�صابهه �لتخفي، برغم �ملتمثل يف �لإجر�ء �أن هذ� �أن نو�صح علينا
مبكان مع ما ذكرنا من �صاأن �إخو�ن �ل�صفا ور�صائلهم، فاإنه يكت�صي
�أخرى، جديدة، معاين �ملعا�صر �لفن وحركات �ل�صارع فناين لدى
وينطلق من �صرور�ت خمتلفة. �إذ، �صيا�صيا، يكت�صي �ليوم ��صمحالل
هند�صة تبدل يليها رهانات وتال�صيها، �لفنان، �أو �ملوؤلف هوية
كما »�لإمرب�طورية«، �صكل و�إتخاذه �لر�هن �لعامل وتغري �ل�صلطة،
�صماه �أنطونيو نيغري ومي�صال هاردت، مبا هو جهاز »حكم بال مركز
ول �إقليم« ول حدود. �إذ �إنق�صى ع�صر »�ملثقف« (مبعناه �ل�صالف)،
يو�صح ذلك (multitudes)، كما �إندثر. فاجلماهري �أنه لنقل بل
�لفيل�صوف فتحي �مل�صكيني يف كتاب »�لفيل�صوف و�لإمرب�طورية«، مل
عن بدل يفكر �جلمهور »�إن تفكر. حتى �ملثقفني �إىل بحاجة تعد
�إنت�صار�«، �ملثقفني جميعا«. �ل�صلطة تغريت، و�صارت »�أكرث �لأ�صياء
حا�صرة يف كل مكان، ومل تبق مركزية. ولذلك فاإن ممار�صة �ل�صيا�صة،
�أي ممار�صة �ملقاومة، قد تغريت بدورها. و�صرنا نتحدث عن �صيا�صة
حيوية (بيو �صيا�صة)، ومقاومة �ل�صلطة مل يعد �صاأنا موكول لأحز�ب،
�صارت �لإ�صتقطابي. �أي �لكال�صيكي باملعنى ومثقفني ونخب،
ولعل �حلو�ر يار�ش يف كل جمالت �حلياة. �إبد�عي فعل �ملقاومة
د�ر بني مي�صال فوكو وجيل دولوز، يف 4 مار�ش/�آذ�ر 19٧٢، �لذي
يقول مي�صال �إذ وتبيينا. ب�صطا و�لأكرث عن ذلك �إخبار� �لأكرث هو
فوكو: »�إن ما �كت�صفه �ملثقفون منذ �حلالة �جلديدة، �أو منذ فرتة، هو
�أن �جلماهري مل تعد يف حاجة �إليهم، لتعرف، لأن �جلماهري تعرف
متاما، وبو�صوح، وحتى �أف�صل منهم، وتقول ذلك بقوة. ولكنه يوجد
نظام من �ل�صلطة يعيق وينع ويعرقل هذ� �خلطاب وهذه �ملعرفة.
�صلطة لي�صت فقط يف �لهيئات �لعليا للرقابة ولكنه يف �صبكة �ملجتمع
من جزء� ي�صكلون �أنف�صهم و�ملثقفون ودقيق. وحاذق عميق ب�صكل
نظام هذه �ل�صلطة. ودور �ملثقف لي�ش �أن يتموقع »هناك �إىل �لأمام
قليال �أو �إىل �جلانب �صيئا ما« من �أجل �أن يقول �حلقيقة �خلر�صاء،
عليه بالأحرى �أن ي�صارع وينا�صل �صد �أ�صكال �ل�صلطة حيث يكون،
يف نف�ش �لوقت، مو�صوعا و�أد�ة: يف نظام »�ملعرفة« و«�حلقيقة » يف
»�لوعي« ويف »�خلطاب«. بهذ� �ملعنى فاإن �لنظرية ل تعرب عن �صيء،
ولكنها ممار�صة. �إنها معينا، تطبيقا متار�ش ول �صيئا، ترتجم ول
ممار�صة حملية وجهوية، وكما تقول: لي�صت كلية . �ل�صر�ع �أو �لن�صال
�صد �ل�صلطة، �لن�صال من �جل �إظهارها، هنالك حيث ل ترى و حيث
من بالكثري دفع �خلطري �لتغري وهذ� ودهاء«. مكر� �أكرث تكون
�لفنانني و�حلركات �لفنية �إىل �إعادة �لتفكري و�لت�صاوؤل حول مكانة
�لفنان و�صكله �جلديد د�خل �ملجتمع. جند هذ� �لنقد مكت�صيا �صيغة
ر�ديكالية، عا�صفة و�صاخرة لدى فنان »�لفليك�صو�ش« Fluxus جورج
Prospectus de بيان يف George Maciunas ما�صيونا�ش
19٦٥ بتهكمه �ل�صريح على �لوهم �ملتف�صي و�لقائل ب�صرورية �لفنان،
وحاجة �لنا�ش و�ملجتمع �ملا�صة و�حلتمية �إليه، وح�صريته، ونخبويته،
حتى وغام�صا، و�إ�صتثنائيا، معقد� �لفني �لأثر يكون �أن ووجوب
تت�صخم معه �صورة �لفنان... وهذ� �لتهكم �لالذع جلورج ما�صيونا�ش
�إمنا يعرب عن وعي جديد، جامح، بتغري �صكل �لفنان و�ملثقف عامة
مع تغري �أ�صكال �ل�صلطة، وبالتايل تغري �أ�صكال �ل�صر�ع و�مل�صارعني
�لفنان، و�صكل بوظيفة �ملتعلقة �لرهانات، هذه �أن كما �صدها.
و�ل�صمولية، حول �لكربى، �لهووية �ل�صرديات كذلك مبوت مرتبطة
�إن�صي«. وبزو�ل هذه �أننا �صرنا نتحدث عن »حيو�ن �لإن�صان. لنقل
�ل�صرديات �ملت�صخمة، ز�لت معها �أ�صباب ت�صخم »�ملوؤلف« ومكانته.
ومتف�صي، منت�صر مت�صعب، مركزي، ل منحى �ل�صلطة �إتخاذ ومع
ي�صميها جديدة هيئة و�إبد�عا، وفنا �صيا�صة �ملقاومة، �إتخذت
متناهية ، moléculaire »هبائية/جزيئية« غاتاري فيليك�ش
�ل�صغر و�ل�صاآلة، وي�صميها كذلك جيل دولوز مبعية فيليك�ش غاتاري
ت�صتطيع، ل »فالدولة �إفالت، atomique، هي خطوط »ذريرية«
مهما حاولت، مر�قبة �أو �لتحكم فيما يظل يعن يف �لغياب و�لهروب،
منفلتا عن كل عملية قب�ش مت�صك به. فثمة د�ئما �صيء يفلت، خط
�لدولة لأن (...) �لأفق عند مالحمه تبني تكاد ل هارب، مبهم
تت�صرف وتبادر د�ئما من خالل �خلطوط �لغليظة. غري �أن �خلطوط
�لرقيقة �ملمعنة يف �لهروب و�لإحتجاب و�لتو�ري تظل تفلت باإ�صتمر�ر
عن قب�صة �مل�صك �لتي حتاولها �خلطوط �لغليظة«. و�أن ت�صري غري
مدركا (�ل�صريورة �لالمدركة)، كما يو�صح ذلك جيل دولوز يف كتاب
ذ�تك من تتجرد �أن ل�صخ�صية: �صريورة ي�صرتط ح«، م�صط »�ألف
حتى ت�صري ذ�تك كل �لنا�ش، وهو �أمر يف غاية �ل�صعوبة، يحتاج قدرة
�ل�صهل من »ولي�ش و�لتخل�ش: و�لإ�صمحالل، �لتال�صي، على رهيبة
بتاتا، �أن ل تالحظ �أو جتلب �لإنتباه. �أن تكون جمهول، ونكرة متاما
حتى لدى �ملعينة �ملنزلية وجري�نك. �إنه لغاية يف �ل�صعوبة، �أن تكون
�أن بو�صع �جلميع لي�ش �إذ يف ذلك ق�صية �صريورة. »مثل« �جلميع،
لأجل لبد �صريورة. �جلميع من يجعلو� �أن �جلميع، مثل ي�صريو�
�لتو��صع �خلالق«. وكم �لر�صانة، ومن �لزهد، من �لكثري من ذلك
من �لتو��صع، ونكر�ن �لذ�ت، يلزم كي تنتمي جلماعة، تفكر باإ�صمهم،
2
لدى معتمدة �ليوم جندها وغريها، �لتنظيمية، �لإجر�ء�ت هذه
حركات �لفن �ملعا�صر، وفن �ل�صارع، وتنظيمات �ملقاومة �لأ�صتتيقية،
نو�صح ولكننا �ل�صلطة. مع �لتنظيمية �لقطيعة على حر�صهم يف
هذه بع�ش ت�صتخدم كانت و�إن �ليوم، �حلركات، هذه �أن �إلز�ما
�لأ�صاليب �لإجر�ئية، فاإن هند�صتها �لتنظيمية و�أ�صكال تكونها مغايرة
حة، بال هرمية ودون متاما، �إذ ت�صري وفق هند�صة �أفقية �لبنية، م�صط
مفهوم م�صتخدمني لنقل، و�أو�مر. تعليمات �أو ممثلني �أو زعامات
فهو �لريزوم »و�أما ،(Rhizomes) »ت�صجريية« �أنها دولوز، جيل
لي�ش �ل�صورة �ملن�صوجة عن �لنموذج �لأ�صلي. فـ«�لريزوم« لي�ش متثال
Représentative، ولي�ش �صفة من �ل�صفات �لتي تلحق بال�صبيه �ملنف�صل عن منوذجه«.
»الر�صالة« والبيان )املانيف�صتو( يف الفن
املعا�صر:
تغري �صكل �لبيان، م�صمونه ورهاناته، مع ظهور حركة »د�د�«، �إذ مل
ذ� »مانيف�صتو« و�صار �ل�صيا�صية و�لنخب �لأحز�ب على حكر� يعد
مز�عم ، مثبتتة ونافية، فنية (��صتتيقية). »متخل�صا من �لإ�صتعمال
�ملوجودة �لقوى تو�صيح �إدعائه من وبالتحديد للبيان، �ل�صيا�صي
�لبغي�صة، د�د� هي �أول تر�صيخ (�أو مطلب) متظهر للذ�ت«. ولكن، �إذ
تخل�ش �لبيان من �لتوظيف �ل�صيا�صي، مبعناه �حلزبي و�لتعبوي، فال
نظن �أنه قد �إنف�صل عن �ل�صيا�صي، مبعناه �لثوري �حلق، �أي �حليوي.
بفهم نقول، �أن �ليوم ي�صعنا �لد�د�ئي، �لع�صيان منذ �إت�صق هو بل
جديد لل�صيا�صية لي�ش مبا هي ممار�صة تن�صبط لنظم مركزية �لبنية
�صيا�صة)، (بيو حياة �صيا�صة هي مبا بل م�صبقة، ولرب�مج و�لقر�ر
مبا هي �إنت�صار �صبكي، ومبا هي خلق ر�ديكايل. و�إذ تخل�ش �لبيان،
مع هذه �لو�قعة �مل�صمات »د�د�«، من �صرط �لرد على حدث ما، �أي
على �لر�هن و�حليني و�حلدث، فاإنه �صار بذلك �إنغما�صا �إ�صكاليا يف
�ملحايث. ولكن �ل�صوؤ�ل هو: كيف علينا �أن نفهم هذ� �لتغري �لتاريخي
�لطارئ على �لبيان (�ملانيف�صتو)؟
�مل�صرتك �لتنظم �أ�صكال �لذي عرفته �لتغري �أن نطرح هنا فر�صية
وبنى �حلركات (�لفنية) قد �أثر على �صكل �لبيان نف�صه. مل تعد �لبنى
مركزية هرمية وعلوية، بل �صارت �أفقية و�صبكية، وبالتايل تخل�صت
من �لفنية، �حلركات تد�ول ومع كتعليمات. وظيفتها من �لبيانات
�صريالية �إىل و�قعية جديدة �إىل �حلروفية (Lettrisme) و�ل�صياقية
وظيفة مرة كل �لبيان يف �إتخذ (Situationnisme)، وغريها،
�أحدثته �لذي �لإنفجار �أ�ص�ش مكت�صبات و�صكال جديد�، مبنيا على
»د�د�«. �صار �لبيان »يح�صي �لرو�بط �لنظرية، وي�صري �إىل ما ل يكن
�لأفكار من ما لكتيبة باإعالن حرب �أ�صبه �صار .»(...) به �لإقر�ر
باأن �صارت �حلركات �لفنية نف�صها »�آلت حرب �أخرى، �أفكار على
(�أو حرب« »�آلة �ملفهوم، �أو �مل�صطلح هذ� ن�صتعمل و�إذ مرتحلة«.
»�آلة حربية«)، �لذي خلقه جيل دولوز وفيليك�ش غاتاري لنفهم عربه
»«�لآلة �حلربية« �أن نو�صح فاإننا �ملعا�صر، �لفني �لع�صيان حركات
باأي جهاز تنظيمي ع�صكري. وهي لي�صت ملحقة لي�صت لها عالقة
�ل�صد�مي عن و�إنف�صال هذه �حلركات �لدولة«. تابعة »بجهاز« ول
�ل�صياق بهذ� يت�صق غالبا، �لثقافة موؤ�ص�صات وعن كجهاز، �لدولة
ع�صرها، يف �ل�صفا، �إخو�ن حركة كانت كما متاما »�حلربي«...
�إنف�صال تاما عن �ل�صلطة، موؤ�ص�صات ومقولت.
�لوفا، على �صوء ما ب�صطنا �إخو�ن �ل�صفا وخالن �إىل ر�صائل نعود
) �لبيانات من �إ�صتباقيا �صنفا �إعتبارها يكن �أل لن�صاأل: �أعاله،
�ملانيف�صتو�ت)؟
هي حتما ل تنتمي �إىل �صنف �لر�صالة �لإعتيادية، �إذ لي�صت موجهة
�إىل عنو�ن بعينه. وغياب �لعنو�ن، �أي �ملتلقي، يجعلها مفتوحة زمانيا
ومكانيا. لنقل �أنها ر�صائل بال متلقف وتاريخ و�صول حمدد، تخل�ش
�صياغة �إعادة �أي فهم مغاير »لالآن«، �لآن، �لر�هن وقيد من ر�بط
له، و�إبد�ع للمحايث. �إذ� ما �أقبلنا عليها من هذه �لز�وية، فاإن ر�صائل
�صنف ظهور قبل �أي �لأو�ن، قبل بيانات ت�صحي �ل�صفا �إخو�ن
�لبيانات لدى �حلركات �لفنية و�لفكرية يف �لغرب.
يف �لعامل �لعربي، ظهرت �لبيانات ب�صكلها �حلديث لدى فيالق من
بني�ش وحممد �أدوني�ش بيانات مثال فعرفنا �لطالئعيني، �ملبدعني
و�أمني �صالح وقا�صم حد�د، �مل�صرتكة، وبيانات حممود دروي�ش ورفاق
�لعرب، وغريها حتى �ل�صرياليني وبيان �لكرمل)، »�لكرمل« (جملة
�ملجموعات، هذه بع�ش حاولت وقد كلها... ذكرها على نقع ل
كمجموعة �أدوني�ش وحممد بني�ش و�أمني �صالح وقا�صم حد�د ، مثال،
من �صالفة بتجارب ت�صله �أن �أي هذ�، �ملعا�صرة �إختبار توؤ�صل �أن
�صوء على قر�ءتها �إعادة عرب �لعربي-�لإ�صالمي، �لفكري موروثنا
مكت�صبات ما من ثور�ت �لفكر و�لفن �لغربي �حلديث. ولكننا ننده�ش
�أن ل و�حد� من هذه �لبيانات، على علمنا، قد ت�صاءل عن �صكل �لبيان
(�ملانيف�صتو) نف�صه. وهل �أن بو�صعه �أن يكون له جذور� ما يف �ملنتوج
توؤلف وتكتب باإ�صمهم، مت�صي باإ�صمهم، ل باإ�صمك �ل�صخ�صي، غري
�أو مثنني ! حتى جيل �إليك �لنا�ش يوما ممتنني طامع يف �أن يلتفت
�لالمدرك«، »�صريورة عن يكتبان حينما غاتاري وفيليك�ش دولوز
�إمنا يخف�صان لها جناح �لذل ويوظفان معجم ورع مربك: »�أن توؤ�تي
ميقات �لعامل. هي ذي �ل�صلة �جلامعة بني �لف�صائل �لثالث، ف�صائل
�لالمدرك و�ملدغم و �ملبهم. ومعناه �أن ت�صتحيل �إىل خط جمرد، �أو
فيه مع خطوط تندغم �لذي تدرك �حليز �أن �أجل �إىل همزة، من
�أخرى، لت�صتكن بذلك يف �لفر�دة كما يف �إبهام �ملبدع«.
القطيعة التنظيمية مع الدولة كجهاز
وموؤ�ص�صات:
يف �صنة 19٧٧، علق �لفنان و�ملنظر روبرت فيليو على �إفتتاح مركز
دي�صامب)، مار�صيل لتجربة بتكرمي ��صتهل (�لذي بباري�ش بومبيدو
، ول �ألوع، بهذه �لكلمات: »هذ� �مل�صاء، ��صتكملت هزيتنا«. لي�ش �أمر
�لفنانني، من جيلني �إن �لكلمات... هذه من و�أ�صفا �أ�صى �أكرث ول
بالغرب، �أو �أكرث من �لذين �أفلتو� باألعيب �صتى عن قب�صة �لدولة،
بومبيدو. مركز بت�صييد �لقب�ش عليهم لقي �أ قد �ملوؤ�ص�صة، �ملركز،
د �صخرية هذ� ما حتيطنا لوعة روبرت فيليو به علما. ولي�صت جمر
بالذ�ت، دو�صامب مار�صيل لتجربة تكريا �لإفتتاح يكون �أن �أقد�ر
بل »عملية نوعية« (�إن �إ�صتخدمنا معجما ع�صكريا)، و�إعالنا �صريحا
لي�ش �أنه نف�صه عن يقول كان �لذي دو�صامب فمار�صيل للحرب.
artiste + anarchiste (�أي »�أنرتي�صت« بل (�أرتي�صت)، فنانا
على للتمرد رمز� كان �مل�صطلح، هذ� مبتدعا (= anarchisteموؤ�ص�صات �لفن برمتها، عر�صا وتقييما. وكان »نبعه« (�ملرحا�ش) قد
�صكل �أقوى �صربة لكل تلك �ملوؤ�ص�صات على مر تاريخ �لفن �لغربي،
و�صوؤ�ل معجز� لها، قد دخل ذلك �مل�صاء حب�ش بومبيدو �جلديد.
�أدباء طرحها جديدة، لي�صت و�ل�صلطة« »�ملبدع جدلية تاأكيد، بكل
�لعرب قديا من �أبي �لعالء �ملعري �إىل �بن �ملقفع، و�صملها بالتحليل
مفكرونا من �لناقد توفيق بكار �إىل �ملفكر مهدي عامل، وحتى �إدو�رد
�صعيد �أخري�، هي قدية قدم ت�صكل �ل�صلطة يف �ملجتمع، وقدم مترد
مرة يتخذ يف كل �أنه بيد د�ئم، �لإن�صان. �صر�ع �صيطان �خللق يف
�ليوم �ل�صلطة �ل�صلطة... ولكن �أ�صكال تتغري بتغري �أ�صكال جديدة،
يف كل مكان، يف كل قطاع، يف كل جمال: » �إذ� �أخذنا بعني �لإعتبار
�أقول �أن �أريد وكلية. �صاملة روؤية لها �ل�صلطة فاإن �لو�صع �حلايل،
يتم تعميمها ب�صهولة من �ملتعددة، �لقمع �حلالية، �أ�صكال �أن جميع
�أي من و�أكرث هو، �لبولي�صي �لقمع لأن (...) �ل�صلطة نظر وجهة
م�صتوى لل�صباب على قليلة ولأن حاجتنا نا�صط، قمع وقت م�صى،
�صوق �لعمل. كل �أنو�ع �حلرف �صت�صبح توؤدي وظائف بولي�صية حمددة
�أ�صكالهم، بجميع مربون نف�صانيون، �أ�صاتذة، حمللون : فاأكرث �أكرث
�إىل �إنتمائهم �ل�صفا، برغم �إخو�ن �أن �لطريف بحق، �لخ«... ولكن
زمنية �أخرى �إكت�صت فيها �ل�صلطة �صكال وهند�صة مغايرة، قد �تخذو�
�أ�صكال تنظيمية �أ�صبه ما يكون بتلك �لتي �إهتدت �إليها �ليوم حركات
�ملقاومة �لأ�صتتيقية للبقاء خارج طوق �ل�صلطة. نذكر منها:
* �لتقية، وهي مبد�أ �أ�صا�صي يف تنظيم �إخو�ن �ل�صفا، �صمنو� من
خاللها �نت�صار فكرهم بعيد� عن �لع�ص�ش �أو �لعدو �ملرتب�ش بهم، وهي
�إجر�ء حتم عليهم �أحيانا �لتفرق يف �لبالد ومفارقة �لديار. �إذ و�أدركو�
�أن �إعالنهم عن �أنف�صهم، هوياتهم، نو�ياهم، يعر�صهم لبط�ش �صلطان
�لدولة �لعبا�صية، و�أن �ملو�جهة �ملعلنة و�ملك�صوفة لل�صلطة، قد تعني
نهايتهم. وكانت �لتقية تنطبق على كو�در �لتنظيم كلها، بال �إ�صتثناء.
* �عتمدو� مبد�أ �ل�صك، وذلك ق�صد ��صتبيان كافة �صمات �صخ�صية
�إل بعد �إليهم، وعدم �لإعتماد عليه و�لإرتياح له ح لالإن�صمام �ملر�ص
�ختبار �أفكاره و�آر�ئه وطباعه، حتى ل يقعو� يف مغبة �لند�صا�ش. �إذ
ة قبل �أخذ �لعهدة عليه، و�أد�ئه ير �ملر�صح باإختبار�ت ومر�حل عد
قد حتديد� �لإجر�ء وهذ� منهم... و�حد� به ي�صري �لذي �لق�صم
يخ�صعون كانو� �إذ ،(les Situationnistes) �ل�صياقيون �إعتمده
ة، غريبة ومتطرفة، قبل ح لالإن�صمام �إليهم �إىل �إختبار�ت عد كل مر�ص
قبول ع�صويته. ويكون �للقاء به، و�إختباره، يف كنف �ل�صرية.
* �إجتماعاتهم كانت تدور يف �صرية متناهية، وب�صكل دوري، مرة كل
�إثني ع�صر يوما.
* �لتوزع يف خاليا �صبكية، �إذ بعثو� خاليا يف �صتى طبقات �ملجتمع،
رة و�إىل �لفئات �ملرتفة من �ملجتمع، وهذ� ما خول من �لفئات �ملفق
لهم �لإنت�صار و�كت�صاب جماهريية و��صعة. وقد �ختارو� من كل فئة
من�صقا عنهم من نف�ش فئتهم.
نبتغي �لذي و�ل�صوؤ�ل �صالفا. �لعرب لدى و�لفني �لأدبي �لفكري،
�لو�صول �إليه �أخري�: هل كان من �ملمكن، مثال، �أن يرتجم م�صطلح
�أو »بيان« عن عو�صا بـ«ر�صالة«، �لعربية �للغة �إىل manifesto»مانيف�صتو«؟
وهل كان هذ� �لتغري يف �لرتجمة، وبالتايل يف �لإ�صتيعاب، �صيوؤدي
د�خل �لر�صالة للبيان/�أو ممكنة �أخرى و�صياقات م�صار�ت �إىل
م�صاعينا يف �إقتد�ر �ملعا�صرة؟
هل اإبتداع ما بعد احلداثة الفنية ممكن
من داخل اللغة العربية ؟:
�إن هند�صة ت�صكل جماعة �أو حركة (فكرية �أو �أدبية �أو فنية) لي�صت
�صعر)، (�أبيات �أبيات �أقرب من هند�صة هي ورمبا بيوت، كهند�صة
�إذ� ما عرفنا �ل�صعر على �أنه »لقاء كلمتني ل تلتقيان«. �إنها هند�صة
وز�ئلة. منفلتة خطوط بني و�ردة، غري �صاذة، لقاء�ت على تقوم
وقد �إتخذت حركات �لفن �ملعا�صر، �أو حركات �ملقاومة �لأ�صتتيقية،
،Rhizome و«�لريزوم« �ل�صبكية، على مبنية �لتنظم يف �أ�صكال
تخرج �أن وجهدت ذكره، حاولنا مما وغريها و�لتخفي، و�ل�صرية،
بذلك من مركزية �لنظام وهرمية �لبنية. لذلك، وجب رمبا �لتنبيه
هاهنا �أننا ل�صنا، من خالل هذ� �ملقال، ب�صدد �إ�صقاط جتربة »�إخو�ن
�إعتماد نظامهم، ول ب�صرورة نقول �أو �ليوم، �ل�صفا« على حركات
حتى بنجاعة ذلك. بعيد� عن كل لب�ش: لي�صت جماعة �إخو�ن �ل�صفا
حركة �إبد�عية معا�صرة قبل �لأو�ن، �أي قبل �أو�ن �ملعا�صرة. ولي�ش هذ�
�لن�ش �أكرث من حماولة، موجزة ومقت�صبة، يف فهم جتربتهم باأعني
مبخيال ووثقها �ملعا�صرة، �أي تاأ�صيلها، �أما �ملعا�صرة. على منكبة
ول�صان عربي، فهو �أمر �أكرث �صعوبة وتعقيد�، نكاد جنزم �أنه ل تقوى
عليه �صوى ذو�ت و�إ�صتثناء�ت خالقة. وبحق، رمبا �أن معا�صرة عربية
ما هي �لآن تخلق، وتتبلور، عفويا وتلقائيا، من دون �أن ندري وبال
�لعربي �ل�صباب بع�ش يبتدع ما خالل من جلبة، ول كبري �صخب
�ملعا�صرة، �لإختبار�ت هذه ينق�ش ول و�صتى. جميعا وهناك، هنا
و�لتجارب �حلالية، رمبا، غري �أقالم حتملها حممل �جلد وتوليها ما
يلزم من ن�صو�ش وحتليل ونقد ومتحي�ش... وقد ل ينفعنا يف ذلك،
بتاتا، �إ�صقاط مغامر�ت وجتارب فكرية �صابقة على �صياقات ر�هنة.
»هل يكن �أحدنا �ليوم �أن يعرف عامله �لذي يعي�ش فيه باملعرفة �لتي
�أنتجها �لغز�يل �أو �بن �صينا مثال؟ �أو هل يكنه �أن يقارب �لأ�صياء
و�لأفكار �ملقاربة نف�صها �لتي نر�ها عند زهري بن �أبي �صلمى �أو �أبي
�لعتاهية ؟«، هكذ� ي�صائلنا �أدوني�ش يف »بيان �حلد�ثة«، قبل �أن يتابع:
»ول يت�صمن �ل�صوؤ�ل هنا �إنكار� لقيمة هوؤلء يف تاريخية �إنتاج �ملعرفة
�لعربية �أو م�صكلياتها، و�إمنا يت�صمن �لتوكيد على �أننا �ليوم، رغم �أن
عاملا ثقافيا-لغويا و�حد� ل يز�ل يجمعنا، نعنى باأ�صياء ومو�صوعات
مل يعنو� بها، ولهذ� فاإن من �ملحتم علينا �إن كنا خالقني بالفعل، �أن
لإنفجار �لهائل �ملناخ يف لطرقهم، خ�صو�صا مغايرة بطرق نقاربها
�ملعرفة«. وهذ� »�لإنفجار« (�لذي، ويا للطر�فة، جند ذكره كذلك يف
»بيان �لكرمل/«نلم فتات �ل�صوء« يف 1981، ملحمود دروي�ش) يجعل
�أمر� عربي، بل�صان �ملعا�صرة، و�صو�غل �إ�صكاليات يف �لتفكري من
�ملا�صي، و�صورتنا فيه، �إىل �لإجنذ�ب كان و�إن يف غاية �خلطورة.
�لأخطار. هذه �أحد ت�صد�أ، قد �لتقادم بفعل �لتي تفكريه و�أدو�ت
فاإنها ل تقف عند هذ� �حلد، ونعتقد �أن �لإحتياط من هذه �ملخاطر
�ليوم، �ل�صلطة، �أذرع تكمن �أين �ل�صوؤ�ل: عرب و�أكيد�، حتما، ير
من �صعيد، �إدو�رد �أن نظن �أننا �إىل هنا (ن�صري �لعربي؟ عاملنا يف
هد�نا يكون قد �لإ�صالم«، تغطية »يف و�أي�صا »�لإ�صت�صر�ق« خالل
هنا، من �لإ�صكايل). �لت�صاوؤل هذ� عن لالإجابة �لأوىل �لنو�ة �إىل
من هذ� �لتحديد �لأ�صيل لل�صلطة عندنا، بو�صعنا �أن نبتدع مقاومة
يفكر �أن كربى ملخاطرة »�إنها و�لآن، ونقد�. �إبد�عا لها، �أ�صتتيقية
�لو�حد منا و�قعه باللغة �لعربية«، كما كتب �ملفكر مهدي عامل، قبل
�أن يقع �إغتياله.
اإليا�س املاجري
تون�ش، �أغ�صط�ش/�صبتمرب ٢٠14
فنان ب�صري. ولد يف مدينة �أريانة بتون�ش عام 1983. ح�صل على
�صهادة �لأ�صتاذية من �ملعهد �لعايل للفنون �جلميلة بتون�ش. نا�صط
بالتو�زي يف فن �ل�صارع، وكذلك يف خمتلف �أنو�ع �لفنون �لت�صكيلية.
ي�صتغل �أي�صا على كتابة ن�صو�ش يف نظريات �لفن (مقاربة بني
�لفنون �لب�صرية و�ل�صيا�صة)، وله كذلك كتابات �صعرية.
3
نواقص أخـوان الصفا يف املوت والحياة والكون
ف�صل يف اأقاويل احلكماء يف ماهية املكان
و�أما �ملكان، فما هو �إل وجهة نظر �أو جمرد م�صطلح لنعرب به عن �صيء لي�ش له وجود ولي�ش باملهم،
ولكنه يخلق عندما نقف ونفكر به ونتذكر �أننا يف و�صع �جللو�ش �أو �لركود �أو �لوقوف.
فقد يكون لي�ش له �أ�صا�ش من �لوجود يف �لعدم (�إن كان عدما)، فعندما ن�صف �ملكان و�أ�صله فاإننا ننظر
�إىل باقي �ملج�صمات، وغالبا بع�ش �لعقول تفكر تاأمر باأن يكون لهذه �ملج�صمات قوى �أكرب منها، ومن هنا
يخلق فكرة �ملكان �ملزعوم �لذي ب�صاأنه �أن يحتوي كل هذه �ملاديات �لتي تر�ها �أعيننا.
�ملكان وهم لفكرة �لف�صاء �لو��صع �لف�صيح، و�لف�صاء �آت من �أجل �أن ي�صنع لنا �أر�صا خ�صبة لتخيالت
لي�ش لها نهاية.
ف�صل بيان اعتقاد اإخوان ال�صفا وخالن الوفا، ومذاهب الربانيني االإلهيني
�ملوت وحل ي�صمى �لذي بعد مفارقتها �جل�صد �لنفو�ش بقاء منها هو و�صوح �حلجة على »و�لغر�ش
�ل�صكوك فيها، وك�صف �ل�صبه بطريق �إقناعي ل برهاين«.
�علم يا �أخي �أن هذ� �حلديث يوؤخذ �صدهم على �أنهم �صبقو� فل�صفتهم يف �إقناعنا باملنطق �أو بطريق
�إقناعي ل برهاين، وهذ� يعني �أنه ل يوجد دلئل ملمو�صة يف حني طالبو� غريهم من �أ�صحاب وجهات
�لنظر �لأخرى بدلئل حم�صو�صة ومنطقية.
يف ال�صنائع العملية والغر�س منها
و�علم يا �أخي �أمنا �لنف�ش تنال �صور �ملعلومات من طرق ثالثة: �أحدها طريق �حلو��ش، و�لثاين طريق
�لربهان، و�لثالث طريق �لفكر و�لروية، �إذن من �ملمكن �أن �لنف�ش تنحاز �إىل طريق �لفكر و�لروية �لذي
�أنكره »�أخو�ن �ل�صفا« من قبل.
�ل�صورة �لإلهية هي »�مل�صنوعات بقولهم: �لإلهية �مل�صنوعات فيه يو�صفون ما وهناك من مقولتهم
�ملجردة من �لهيوليات �ملخرتعات من مبدع �ملبدعات تعاىل وجود� من �لعدم لي�ش من لي�ش و�صيء من
ل �صيء دفعة و�حدة بال زمان ول مكان ول هيويل ول �صورة ول حركة لأنها كلها مبدعات �لباري«،
هنا يرجع �إىل �إثبات وجود �لعدم لإثبات �إبد�ع �لإله، ورمبا يكون �لعدم عندهم حتت مظلة �لإله وقبل
�ملح�صو�صات �لب�صرية.
ف�صل يف الغر�س من امللك
»و�علم �أن �لغر�ش من �مللك هو حفظ �لنامو�ش على �أهله �أن ل يندر�ش برتكهم �لقيام مبوجباته، لأن
�لنامو�ش �أحكام حتت �لدخول لرتكو� �ل�صلطان، خوف لول و�لفل�صفية، �لنبوية �ل�صر�ئع �أهل �أكرث
�لغر�ش �أن و�علم ونو�هيه. �أو�مره و�تباع و�جتناب حمارمه، �صنته، و�تباع فر�ئ�صه، وتاأدية وحدوده
من حفظ �لنامو�ش هو طلب �صالح �لدين و�لدنيا جميعا فمتى ترك �لقيام بو�جباته، �نف�صد� جميعا،
وبطلب �حلكمة، ولكن �ل�صيا�صة �لإلهية و�لعناية �لربانية ل ترتكهما ينف�صد�ن لأنها هي �لعلة �ملوجبة
تكون يف فكر �أول فاإنها �مل�صنوع وكل �صورة يف وكمالهما، ونظامهما ومتامهما وبقائهما لوجودهما
�ل�صانع وعلمه«.
و�علم يا �أخي �أن قولهم يف �لغر�ش من �مللك لي�ش بال�صرورة �صحيحا �إذ� كان بالفعل �لنامو�ش �لإلهي
هو �لذي ينع �نف�صاد �لأر�ش.
ف�صل يف اأن اجل�صم ال يتحرك من ذاته
»فقد بينا �أن خري �صناعة يبلغ �إليها طاقة �لب�صر و�صع �لنامو�ش �لإلهي«. هذ� يحد من جمرد �لتفكري
فيما هو �أبعد من �لكون �لإلهي �أو �لنامو�ش �لإلهي، ويحد من �حتمالية وجود ما هو �أكرب من �لنامو�ش
�لإلهي �أو رمبا يق�صدون �أن ما تو�صل �إليه �لعقل �لب�صري - يف وقتهم - هو �لنامو�ش �لإلهي و�صكله
فقط.
ف�صل يف اأنه لي�س للعامل فراغ
و�علم يا �أخي �أن �لعدم بالعقل هو �لوجه �لآخر للوجود، فاإنهم بذلك ويف تف�صري�تهم ينكرون وجود
�خلالء متاما. قولهم »وقد ظن قوم من �أهل �لعلم �أن بني ف�صاء �لأفالك و�أطباق �ل�صماو�ت و�أجز�ء
�لأمهات مو��صع فارغة، ولي�ش �لأمر كما ظنو� لأن معنى �خلالء هو �ملكان �لفارغ �لذي ل متمكن فيه،
و�ملكان �صفة من �صفات �لأج�صام ل يقوم �إل باجل�صم، ول يوجد �إل معه. و�علم �أن �لنور و�لظلمة هما
�أي�صا �صفتان من �صفات �لأج�صام، ول يكن �أن يعقل �أن مو�صعا يف �لعامل ل مظلما ول م�صيئا �لبتة،
فاأين وجود �خلالء �إذن«. يف قولهم هذ� مل يقدمو� حجة قوية مقنعة لنا؛ فقد �لتزمو� بتعريف �خلالء
باأنه �ملكان �لفارغ �لذي ل متمكن فيه، وتعريف �ملكان ك�صفة من �صفات �لأج�صام، وعلى هذ� �للتز�م
نفو� كل ر�أي يقول �إنه يوجد خالء �أو فر�غ مع �أن �لعدم هو �لوجه �لآخر للوجود. �أي�صا تعريف �لنور
�لنور و�لظلمة و�لظلمة لإثبات عدم وجود فر�غ ل يكفي، و�إن كان ل يهم من �لأ�صا�ش لعدم �رتباط
وقولهم نف�صه. �ل�صيء وجود عك�ش �أو ج�صم؛ مبعنى موجود بوجود �إل يرى ل لأن �خلالء بالفر�غ،
»�علم �أنه �إمنا ظن من قال بوجود �خلالء �أنه ملا ر�أى بع�ش �لأج�صام تنتقل من مو�صع �إىل مو�صع �آخر
توهم �أنه لول �خلالء لكان �مللء ينعه من �حلركة و�لنقلة...«، جاءو� بر�أي �ملعرت�صني عليهم، وهو يف
أخذنا نقد أخوان الصفا من تباين آرائهم من حيث املوت
والحياة والكون واإلله
�لوقت نف�صه دليل على �صدق كالمهم، ونفي ر�أي »�أخو�ن �ل�صفا« يف �أنهم جاءو� بدليل عقالين، حيث
�لدليل ناق�صا؛ حيث �عتربو� �لر�أي �لآخر كان بر�أي لنفي �أن يجيئو� �أر�دو� »�أخو�ن �ل�صفا« حني �إن
�ملق�صود بالأفالك يف �لر�أي �لآخر �أنها �أج�صام �صلبة، ولذ� هي ل ت�صتطيع �حلركة، ودليلهم �أنها رخوية
كاملاء �أو �لهو�ء، ومل ياأتو� بدليل عقالين مادي على �أن �لأفالك �لأخرى �أج�صاما رخوية لطيفة �صيالة
كاملاء و�لهو�ء، لذ� �صحة �لر�أي �لآخر �أقوى، و»�أخو�ن �ل�صفا« مل ينتبهو� لها، ود�ئما ناق�صني يف �حلجة
�ملتعلقة بالأفالك و�لفر�غ وبالتايل �لعدم. �لفر�غ هو �نعد�م �ملادة، و�لعدم هو �نعد�م �لفر�غ و�ملادة، هو
يف �حلقيقة ل فرق ولكن رمبا م�صتقبال يكت�صف �أن �لفر�غ له وجود مادي.
ف�صل يف اأنه لي�س خارج العامل ال خالء وال مالء
»�أخو�ن �ل�صفا« يطلبون مرة �أخرى من غريهم دليال ماديا يف حني �أنهم من قبل مل يقدمو� دليال حتى
�أعينهم، باأم �أنهم مل يرو� �صيئا منطقيا يف �لكثري، و�كتفو� مبا هو مذكور يف �لقر�آن كدليل، يف حني
�أي�صا هم يدعون على ما ي�صمونه �ملدعي بالتخيالت على �أنها باطل حتى ت�صهد تخيالتهم لها �لقوى
�حل�صا�صة ويقوم عليها برهان �صروري �أو يق�صي لها �لعقل »و�علم �أن حكم �لعقل هو �لذي يت�صاوى فيه
�لعقالء، وكلهم مل يتفقو� على �أن خارج �لعامل ج�صم �آخر، لأن �حل�ش مل يدركه يدركه، و�لعقل مل يق�ش
به، و�لربهان مل يقم عليه، فاأي ق�صية حتكم �أن هناك ج�صما �آخر غري تخييل �لأوهام �لكاذبة، فاإن
كان هناك ج�صم �آخر كما �دعى �ملدعي، فال يكن �أن يكون من ور�ئه �صيء �آخر لأن �جل�صم ذو نهاية،
و�خلالء لي�ش مبوجود برب�هني قد قامت كما ذكرنا. فاأما �لدليل على �أن كل ج�صم ذو نهاية فقد �تفقت
عليه �لآر�ء �لنبوية و�لفل�صفية جميعا. وذلك �أن من �لر�أي �لنبوي �أن كل ج�صم خملوق، وكل خملوق ذو
نهاية يف �أولية �لعقل، ومن �لر�أي �لفل�صفي �أن كل ج�صم مركب من هيويل و�صورة، وكل مركب ذو نهاية
يف �أولية �لعقل«، ح�صرو� كل �لعقالء بـ»�أخو�ن �ل�صفا« فقط، و�دعو� على غريهم من مدعني �لأفكار
�ملخالفة لر�أيهم باجلنون!
ف�صل يف ماهية الطبيعة
دينية ب�صيغة يتكلمون فتارة ورو�يته، بالدين �لعلمية �لعقالنية �لأمور يخلطون �أنهم �أخي يا و�علم
ومرجعية قر�آنية �أو مذهبية، وتارة يتكلمون ب�صيغة علمية فلكية، وبالن�صبة للدين و�ملالئكة �لتي تخ�ش
هذ� �جلزء يف هذ� �لن�ش مل يقدمو� دليلهم �لربهاين كالعادة.
ف�صل واعلم باأن �صنن الديانات النبوية
�علم يا �أخي �أن كل هذ� �جلزء تقريبا يطبق ر�أيه يف �أن �لفلك و�لكون عبارة عن كو�كب د�خل بع�صها
ببع�ش، وعر�ش �لرحمن يغلفهما جميعا.
ف�صل يف اأن ال�صماوات هي االأفالك
و�علم يا �أخي �أن �ل�صماو�ت هي �لأفالك، و�إمنا �صميت �ل�صماء �صماء ل�صموها، و�لفلك ل�صتد�رته. و�علم
باأن �لأفالك ت�صعة: �صبعة منها هي �ل�صماو�ت �ل�صبع، و�أدناها و�أقربها �إلينا فلك �لقمر، وهي �ل�صماء
�لأوىل ثم من ور�ئها فلك عطارد، وهي �ل�صماء �لثانية ومن ور�ئها فلك �لزهرة، وهي �ل�صماء �لثالثة
ثم من ور�ئها فلك �ل�صم�ش، وهي �ل�صماء �لر�بعة ومن ور�ئها فلك �ملريخ، وهي �ل�صماء �خلام�صة ومن
�ل�صابعة، و زحل �ل�صاد�صة ثم من ور�ئها فلك زحل، وهي �ل�صماء ور�ئها فلك �مل�صرتى، وهي �ل�صماء
�لنجم �لثاقب، و�إمنا �صمي �لثاقب لأن نوره يثقب �صمك �صبع �صماو�ت حتى يبلغ �أب�صارنا، هكذ� روي
يف �خلرب عن عبد �هلل بن عبا�ش ترجمان �لقر�آن. و�أما �لفلك �لثامن، وهو فلك �لكو�كب �لثابتة �لو��صع
�ملحيط بهذه �لأفالك �ل�صبعة فهو �لكر�صي �لذي و�صع �ل�صماو�ت و�لأر�ش. و�أما �لفلك �لتا�صع، �ملحيط
بهذه �لأفالك �لثمانية، فهو �لعر�ش �لعظيم �لذي يحمله »فوقهم يومئذ ثمانية« كما قال �هلل عز وجل.
و�علم يا �أخي �أن كل و�حد من هذ �ل�صبعة �ملقدم ذكرها �صماء ملا حتته و�أر�ش ملا فوقه فوقه، ففلك �لقمر
�صماء �لأر�ش �لتي نحن عليها، و�أر�ش لفلك عطارد، وكذلك فلك عطارد �صماء لفلك �لقمر و�أر�ش لفلك
�لزهرة، وعلى هذ� �لقيا�ش حكم �صائر �لأفالك، كل و�حد منها �صماء ملا حتته و�أر�ش ملا فوقه �إىل فلك
زحل �لذي هو �ل�صماء �ل�صابعة.
�أخذو� طريقة منا�صك �حلج وطبقوها على �أنهم وهذ� من طريقة �حلج و�ملنا�صك، و�لأ�صح و�لأغلب
حركة �لكو�كب، وهذ� لي�ش بدليل علمي منطقي؛ حيث �إنه من غري �ملعقول �أن تقاليد ور�ثية تنطبق على
حركة كو�كب ل ن�صتطيع �أن نر�ها باأعيننا حتى نحكم عليها وعلى حركة �أد�ئها يف �لكون �صو�ء فر�غ �أو
مالء.
ف�صل واإذ فرغنا من ذكر ما احتجنا اإليه، فنقول اإن قوما من العلماء تكلموا يف اأحكام النجوم
يتخيلون �أي�صا �أن �لكون وحركته كما هي حركة �لإن�صان باأع�صائه جميعا، و�أن �مل�صئول عن حركة �لكون
و�لكو�كب هو �هلل �صبحانه وتعاىل، و�صرب مثال كالإن�صان، وغفل عن �أن �لإن�صان هو جزء من كل �لكون
ولكنه يتحرك باإر�دته ويحرك �أع�صاءه باأمزجته فكيف �أن �لكون بكو�كبه يتحرك باأمر و�حد ود�خله جزء
ولو هيويل منه يتحرك كيف ي�صاء، فهل يف ج�صم �لإن�صان ع�صو يتحرك دون �أمر من �ملخ – �لإن�صان -
هكذ� فقط يكون لكل فلك �نف�صاله عن �لكون جميعا، وله �إر�دة مماثلة لإر�دة ج�صم �لإن�صان وتكوينه،
ولكنه �أعطى هنا يف باقي �لن�ش لكل كوكب �صفة لها تد�عيات على باقي �لكو�كب لتوؤثر يف �لإن�صان
ك�صفات مكونات �لإن�صان كالكبد و�لطحال وغريها، فاأين دليلهم على كل قوة تخرج من كل كوكب و�صفته
�لتي يزعمونها �لتي هي باخلري توؤثر على مز�ج �لإن�صان.
ف�صل يف غر�س رباط النف�س الكلية باجل�صم الكلي
�أي�صا باإخر�ج ما يف قوتها من �حلكمة و�ل�صنائع �إىل �لفعل و�لظهور و�لإظهار ت�صبها »وتكمل �لنف�ش
بحكمة �لباري تعاىل، �إذ مل يقت�صر على علمه بالكائنات قبل كونها حتى �إخر�جها �إىل �لوجود بعد �لعدم.
ليظهر �لكل للجزء وي�صاهد �جلزء �لكل ويخرج ما يف �لقوة من �حلكمة و�لطنائع �إىل �لفعل و�لظهور«.
هنا ويف تف�صيل �أكرث يف �أجز�ء �أخرى يعرتفون بوجود �لعدم ولكن دون �هلل تعاىل، فالنف�ش جاءت من
�لعدم، وبالتايل تكونت �لكائنات لت�صتقر بها �لنف�ش ويخرج �إن�صان، فما هو �لعدم هنا غري �خلالء ودون
هيويل!
4
حتى �أكتب هذ� فاإين �ألب�ش له للمرة �لأوىل حذ�ء من جلد مليع مل �أ�صتطع
�ألب�صه ملدة طويلة؛ حيث �إنه �صيق ب�صكل مرعب، و�ل�صغط �ملوؤمل �أن
�لذي ي�صببه لقدمي يحث قدر�تي �خلطابية لأق�صى درجة، هذ� �لأمل
�ل�صاحق �حلاد يجعلني �أغني كالعندليب، فاأمل �لبطن و�لتعذيب �لغامر
م�صتقطرة كلمات �أ�صتخل�ش �أن على يجرب�ين �حلذ�ء يحدثه �لذي
وحقائق �صامية نبعت من �ل�صتنطاق �لفائق �لذي تعانيه قدماي.
ف�صل يف ذهن كل �إن�صان يقول له د�ئما �إنه لي�ش للعامل فر�غ، ولي�ش
ف�صاء بني حرة تطري �لفر��صات مثل فالفر�غات ظنو�؛ كما �لأمر
�ل�صماء �صميت و�إذ� �لأمهات، و�أجز�ء �ل�صماو�ت و�أطباق �لأفالك
�إذن هي ت�صعة، �لأفالك وكانت و�لفلك ل�صتد�رته، ل�صموها، �صماء
�ل�صماء �لأوىل ثم من ور�ئها فلك عطارد، وهي �ل�صماء �لثانية ومن
ور�ئها فلك �لزهرة، وهي �ل�صماء �لثالثة ثم من ور�ئها فلك �ل�صم�ش،
وهي �ل�صماء �لر�بعة ومن ور�ئها فلك �ملريخ، وهي �ل�صماء �خلام�صة
فلك ور�ئها ومن �ل�صاد�صة �ل�صماء �مل�صرتى، وهي فلك ور�ئها ومن
زحل، وهي �ل�صماء �ل�صابعة، وزحل �لنجم �لثاقب، كطبقات �لكرنب
فيكون �لأ�صود باللون �لف�صاء �أتخيل زمن منذ ولأين �لأخ�صر.
طبقات وعليها لغز بها نيئة كبي�صة �أتخيله ولكني �صو�د�، �لكرنب
�أن �ملمكن من وهل للغز، و�صلت �لطبقات �خرتقت فاإذ� حمكمة،
نتو�صل �إىل قاع �لأر�ش �أم �أن هناك �صياطني حمر�ء ثم �صود�ء؟ و�أما
�لفلك �لثامن، وهو فلك �لكو�كب �لثابتة �لو��صع �ملحيط بهذه �لأفالك
�ل�صبعة فهو �لكر�صي �لذي و�صع �ل�صماو�ت و�لأر�ش، �لذي هو ق�صرة
�صهية هي كم د�خلها �ملح حتوي �لتي �لو��صحة �ل�صافية �لبي�صة
�لثمانية، �لأفالك بهذه �ملحيط �لتا�صع، �لفلك و�أما �لأفالك، هذه
فهو �لعر�ش �لعظيم �لكر�صي �لفخيم، كر�صي فوق �لبي�صة �صيك�صرها
بالطبع فرتخ منها حمها وينقلب �لكون على بع�صه وي�صبح...
�لكون عامل �لدنيا يف وجودها يف �حلكمة وما �حلياة، �أ�صل وعن
و�لف�صاد، وما حقيقة �ملعاد و�لغر�ش منها، كان يكرر يل طو�ل �لوقت
�أن �لعامل ل خالق له، وكان ي�صيف بحزم �أن �لدين هو �صغل �لن�صاء،
� فاإن ذلك �أبهجني، وبد� يل �أن ما يقوله وحيث �إين كنت �صغرية جد
حقيقة، فاإين �أرى حقيقته كل يوم يف عائلتي، فالن�صاء وحدهن �للو�تي
�إنه مفكر حر، كن يذهنب �إىل �لـ... بينما يرف�ش �أبي �لذهاب قائال
ولكي يوؤكد حرية �أفكاره فال بد �أن ينمق �أقو�له بتجديف هائل مثري
للذهن، ولكن �لغر�ش من �مللك هو حفظ �لنامو�ش على �أهله، �أل يندر�ش
برتكهم �لقيام مبوجباته، لأن �أكرث �أهل �ل�صر�ئع �لنبوية و�لفل�صفية، لول
خوف �ل�صلطان، لرتكو� �لدخول حتت �أحكام �لنامو�ش وحدوده، وتاأدية
فر�ئ�صه، و�تباع �صنته، و�جتناب حمارمه، و�تباع �أو�مره ونو�هيه.
ولكن يف فرته طفولتي حني كان عقلي متعط�صا للمعرفة، مل �أجد يف
مكتبة و�لدي �إل كتبا تدعو للكفر، وحني طالعتها بدقة دون �أن �أترك
ب�صرب قر�أت موجود. غري �خلالق �إن تقول ظلت جربته �إل دليال
وكانت كل �صفحة من �أنها مملة، �لآن �أجد �لتي �ملو�صوعات عميق
�إن تقول �لقانون رجال جدل بنقا�ش تطالعني �لفل�صفي �لقامو�ش
بوقاحة فهي بعمق، �صدمتني �لأوىل �جلرعة موجود، �خلالق غري
�أنه تعلمت لقد هذ�؟! ما ، مات قد �خلالق �أن توؤكد و�صوح وكل
غري موجود و�لآن �صخ�ش ما يقول يل �إنه غري موجود. �حتاج �لأمر
مني ثالثة �أيام لأه�صم وليمة �لأ�صد هذه، بقيت يل تف�صيلة و�حدة،
�لثابت �ل�صيء �ل�صارب هو �إن عظمة و�حدة لأم�صم�صها، »�صاربه«،
�ملريع يف وجه �لرجل �لذي �أحبه. بعد قر�ء�ت كثرية �صمحت ل�صو�لفي
�أن تغطي خدي حتى زو�يا فمي، ول�صعري �لأ�صود �لفاحم �أن يطول
�جلزئية و �هلل، وجود فكرة د�خلي يف �أيقظت لقد �مر�أة، ك�صعر
�لبيان عن منها و�لغر�ش �لطبيعية و�لأج�صام �لب�صرية �لأج�صاد يف
كيفية بلوغ �لإن�صان بدو�م �نتقاله وتغري �أحو�له، و�آخر معاده وماآله،
رتبة �إىل وماآله، وكيف ي�صري �ملالئكة معاده رتبة �إىل وكيف ي�صري
�ملالئكة ومنازل �لروحانيني، د�ر �لقر�ر وحمل �لأخيار، عند خلع �ملادة
وبلوغ �لإر�دة، ونهاية �ل�صعادة، �إىل حلوله بعد �ملوت �أو قبله بوجوده
�ل�صوري، وجوهره �لنوري.
�أن �لق�صية هي تدوين ما يطر�أ على �لذهن لقد فهمت، لقد فهمت
بعفوية دون �لرجوع �إىل �لعقل �أو علم �جلمال �أو �لأخالق بعد �ملوت
�لذي هو مفارقها �جل�صد، وترك ��صتعمالها �إياه، و��صرت�حتها من �أذ�ه،
وو�صولها �إىل عاملها، ووجودها مناها، وبلوغها منتهاها، و�أنه ل �صبيل
لها �إىل �لبقاء �ل�صرمدي �لذي ل يتغري ول يزول �إل مبفارقة �جل�صد
�مل�صتحيل �لذي هو �صبب �لنتقال و�لزو�ل و�لتغري من حال �إىل حال.
وهكذ� دخلت مت�صلحا باإيان قوي كاإيان �لي�صوعيني دون �أن �أهمل
�لدم �أو �لرب�ز �لذي يغذي به �ملد�فعون عنها خطبهم �لالذعة ونقدهم
مهرطقا لأ�صبح لها نف�صي طوعت �لتي ذ�تها بالطريقة �ل�صاخر
بقر�ءة �لكتب.
تف�صريه �لنف�صية يكن �لنظر وجهة من �لذي هو �لرب�ز من بد�أت
باأن يعتقدون �أجعلهم �أن بخبث حاولت للذهب، �صعيدة كتعويذة
�لعنا�صر �ملعوية يكن �أن جتلب �حلظ، ��صت�صهدت بكل �لرموز �لتي
��صتخدمت كتقنية عرب �لع�صور و�حل�صار�ت ، �لدجاجة �لتي تبي�ش
ذهبا، �حلمارة �لتي روثها من �لذهب �لهذيان �ملعوي.
هنا لحت يل �ملمنوعات نف�صها �لتي و�جهتها يف حميط �لعائلة، �لدم
حولها، بتخيالت �لتنا�صلية �لأع�صاء �لآدمية، �لف�صالت بع�ش مع
موؤخر�ت وفتحات خلفية، يكنني �أن �أعرب عن �لأحالم م�صتخدمة �أي
�صيء من �ل�صما�صي و�آلت �خلياطة حتى �ل�صادية و�للجوء للبذ�ء�ت،
�أي عن�صر ديني حتى و�إن كان ذ� طبيعة �صوفية.
ولكي �أحافظ على �إياين بذلك قررت �أن �أ�صري �إىل �لنهاية �ملتطرقة
و�ملتناق�صة، �أ�صعر �أين على ��صتعد�د للتعامل مع ذلك �لتلون �جلنوين،
�ل�صيء �ملهم بالن�صبة �إيل �أن �أرتكب �لعدد �لأكرب من �خلطايا، لدي
�إح�صا�ش د�خلي �أن ق�صية �لدين �صتاأتي لحقا.
ولكن �إن حكم �لعقل هو �لذي يت�صاوى فيه �لعقالء، وكلهم مل يتفقو�
على �أن خارج �لعامل ج�صما �آخر، لأن �حل�ش مل يدركه يدركه، و�لعقل
هناك �أن حتكم ق�صية فاأي عليه، يقم مل و�لربهان به، يق�ش مل
�آخر �آخر غري تخييل �لأوهام �لكاذبة، فاإن كان هناك ج�صم ج�صما
كما �دعى �ملدعي، فال يكن �أن يكون من ور�ئه �صيء �آخر، وما هذ�
�جل�صم؟ ومل كل هذ� �ل�صخب عليه؟ فقد يكون �أو ل يكون، يقولون �إن
�جل�صم �لو�حد ي�صمى تارة هيويل، وتارة مو�صوعا، وتارة �صورة، وتارة
م�صنوعا، وتارة �آلة، وتارة �أد�ة، و�إمنا ي�صمى �جل�صم هيويل لل�صورة
وي�صمى �صاكلها، وما و�لأ�صباغ و�لنقو�ش �لأ�صكال يقبلها وهي �لتي
مو�صوعا لل�صانع �لذي يعمل منه وفيه �صنعته من �لأ�صكال و�لنقو�ش،
و�إذ� قبل ذلك �صمي م�صنوعا؛ و�إذ� ��صتعمله �ل�صانع يف �صنعته �أو يف
�صنعة �أخرى ي�صمى �أد�ة.
�أن فقبل ق�صرية، مهلة �لإيان لطلب م�صيفا �ل�صماء �إىل �بتهلت
باملتخيالت �ألت�صق �أن �أردت و�لف�صيلة �لزهد من حياتي ت�صبح
�خل�صب خيايل على �أنكر مل �ملتعددة. �لنحر�فات ذ�ت �خلادعة
على عمل ذلك كل لكن �لبحث، يف �ل�صارمة �لطرق �أ�صد �ملر�وغ
تاأكيد جنوين �لفطري، لذلك بذلت جهد� كبري� لأحقق فكرة �أو �صورة
تكون معار�صة متاما لفكرة �لنمط �ملعتاد، ولكنهم ل يحبون �ملوؤخر�ت،
فحاولت �أن �أعطيهم فتحات �أكرث مموهة بعناية. يف �لوقت �لذي مل
يريدو� فيه �صماع �أي �صيء عن �لدين. مل �أكن �أ�صتطيع �لإ�صغاء �إىل
يف خا�صة نظرية باإبد�ع م�صغولة و�أنا مثلهم، �لدين حول قول �أي
ن�صاأة �لكون ب�صاعتها �لعرجاء �لتي تتنباأ بتفتت �ملادة وبي�صها �ملقلي
دون �لطا�صة، وب�صر�ر عينيها �ل�صماوي �ملهوو�ش تذكار� بجنة �لرحم
�لتي كنت فيها قبل �أن �أولد، وفقدتها يف �ليوم �لذي ولدت فيه، هو
�أنو�ع، �أربعة فالب�صيط ب�صيط ومركب، �ل�صابقة، �لأيام كل يوم غري
وهي: �أنو�ع، ثالثة و�ملركب و�لأر�ش. و�ملاء، و�لهو�ء، �لنار، وهي:
وهي �حليو�نية. و�لأج�صام �لنباتية، و�لأج�صام �ملعدنية، �لأج�صام
كلها م�صنوعات �لطبيعة، كما �أن مو�صوعات �لطبيعة كلها م�صنوعات
نف�صانية، و�إن �ملو�صوعات �لنف�صانية كلها م�صنوعات �إلهية.
و�نغم�صت يف روؤى تاأملية و�صلت ذروتها، وكما يحدث حني �أكون يف
هذه �حلالة، بللت �صرو�يل.
كان �للحم �لذكوري ي�صبب يل �لن�صوة ت�صاحبها لذة مغذية متفجرة
� مل �أجربها حتى و�أنا �أقوم جتعل قلبي ينب�ش بعنف، عاطفة نادرة جد
بفعل �حلب. حلم ذكر �لريان �لذي تخيلته كلحم �أنثى �أبي�ش ب�ش. كان
�أ�صبت �لن�صوة لهذه �ملر�صية �لنف�صية �لطبيعة وعيت يفتنني. حني
بالرعب، وهم�صت لنف�صي هذه �ملرة �أنا على حافة �جلنون، فقمت من
مكاين وتنحيت عن �صريري ودنوت منه وقلت له: من �أنت؟ ومن �أين
خالط الهلوسة بني الفن والصفا؟ فقال يل: يا م�صكينة ؟ ومن �أين دخلت علي �أنت؟ وكيف و�صلت �إيل
يا مغرورة ب�صلطان �لأر�ش و�مللك �جلزئي، �أي ملك �أنت؟ �إمنا �أنت
مملوكة ول�صت مبالكة، فلم تدعي �ملحال وتر�صي لنف�صك بالكذب،
وجميع ما �أنت فيه ز�ئل م�صمحل فاإنه عما قليل يفارقك وتفارقينه،
و�إمنا �مللك �مللك �ل�صماوي و�ل�صلطان �لإلهي، فاإن بادرت وعلمت ما
يقرب �إىل ربك و�صلت �إليه وكنت ملكه باحلقيقة، ونلت ملكا ل يبلى
ولذة ل تفنى، فتكونني ملكه باحلقيقة تفعل نف�صك �إذ� زكت وروحك
�إذ� �صفت وما �أنا فاعل، وت�صلني �إىل مثل ما �أنا �إليه و��صل. ثم �إنه
�رتفع من �لأر�ش، و�أقبل ي�صي يف �لهو�ء، ويجول يف �لف�صاء، �إىل
�أن ر�أيته و�صل �إىل �ل�صماء وغاب عني فلم ير، و�صمعت هاتفا يقول:
»مثل هذ� فليعمل �لعاملون«.
فلما ر�أيت ذلك منه �أيقنت باأين ل�صت مبالكة و�أين مملوكة كما قال،
باإن�صان و�أين حيو�ن، ثم و�أين ل�صت بعاملة و�أين جاهلة، و�أين ل�صت
�ل�صخ�ش لذلك �لروية، وكرث تخيلي و�أعملت �لفكر و�أجلت �نتبهت
رقي �لذي و�ملكان قدرته و�صعة مملكتي من ور�أيت يل، قال وما
�إليه، فا�صتغلت بهذ� �إليه، و��صتهيت �ملعرفة بالعمل �لذي هو و�صل
عن و�نقطعت �للذ�ت، تلك من ب�صبيله كنا ما جميع عن �ل�صاأن
جميع �ل�صهو�ت، وزهدت يف �ملاأكول و�مل�صروب و�أقبلت �أجول بفكري
و�أقلب نظري يف �أهل �ململكة ورجال �لدولة، فلم �أر فيهم من ي�صلح
�أزرى �لذي باحلال كلهم م�صاغل ور�أيتهم �ل�صر، له هذ� �أك�صف �أن
�لتي �لأ�صماء و�أن مماليك، و�إياهم و�أين �ل�صخ�ش، ذلك علي بها
��صتعرناها ل ت�صلح لنا ول تليق بنا، و�أنها ذ�هبة ز�ئلة عنا، وخ�صيت
ن�صب �إىل �جلنون وقلة �أن �أبدي �أمري �إىل من لي�ش هو من �أهله، فاأ
�لعقل، ف�صمت عن �لكالم، وز�دين �لفكر �لغم و�لهم و�لأ�صف، فحدث
بي من ذلك ما ترى من �لتحول و�لتغري و�ل�صفات، فهذ� هو �صبب
وجعي ومبد�أ علتي، و�أظن �أنني خارجة من هذه �لدنيا بهذه �حل�صرة
لأح�صل على �أرقى هذيان مغذ، وعلى �لن�صوة �لغام�صة �لتي تتملكني،
فها هي �ل�صماء وها هي �لأر�ش وما بينهما ل يهم �إل عندما �أفكر
كائن ولدة يكون حلظتها فقد وكائنات، �أ�صياء وجوده و�أتخيل فيه
مني �أو ولدة جماد مني، فهكذ� تكون �لأمومة و�لأبوة عندما ن�صعر
�أم فر�غ هي �صو�ء حقيقة ونرى حقيقة جم�صمة ثم نح�ش ونتخيل
�صيان كالهما �أخوة.
ل يهم كم مرة �أكدت لنف�صي �أن هذ� �لإلهام �لباعث على �لدو�ر مل
يكن �صيا�صيا، بل كان ذ� طبيعة ف�صائحية مبهمة، و�أن هذه �لنتائج
لها �لرنني من �لفكاهة �ل�صقيمة، فال فائدة من كل ذلك، هذه �ملاأ�صاة
و�لعزلة، باجلنون و�أكرث �أكرب �صكوكا نف�صي يف �أثارت �جلديدة
وبح�صي �لفطري يف �لتناق�ش.
ينما كنت �أتر�فع عن نف�صي، ركعت عدة مر�ت، لي�ش ت�صرعا كي ل
�أطرد من �جلنة كما قيل زيفا، ولكن على �لعك�ش، كنت �أحث كي يفهم
�أن �ل�صيطرة كانت فكرة نابعة من �لهلو�صة و�جلنون.
كل �إن�صان حر يف �أن ي�صبح �أو ل ي�صبح ما يريد، لوطي �أو جعر�ين
تقلباته على بناء حتولته يف ز�هد �أو فا�صل �لروث، على يعي�ش
�له�صمية، �أو �ل�صر�ر �لذي يطق من عينيه، يفتنت بالدنيا ويتخليا عن
�لعلم و�لعمل وينهمكا يف �لذ�ت �لدنيوية.
ولكن �حلكيم ��صرتجع ما كان �أودعه �إليه من حكمته فن�صي ما كان له
ذ�كر، وغاب عنه ما كان له حا�صر، وفارق ملك �ل�صماء، و�أخلد �إىل
ملك �لأر�ش، فهبط من �جلنة، وبعد من �لرحمة، و�نقلب على عقبيه
خا�صر�، فاأهار و�أمار من ح�صره مبا فعل و�فتنت �لنا�ش به، وتعلم ما
ي�صره ول ينفعه، وبدت �صو�أته وقال: هذ� �لعالم �لذى كان ياأمر برتك
�لدنيا و�لزهد فيها قد عاد �إىل ما كان ينهى عنه ويحذر منه، ولو مل
يعلم �أن �لعاجلة هي �لنعمة �حلا�صلة، ملا �ختاره ول رجع �إليها بعدما
�ل�صيطان فاأن�صاه ذكر علم وز�د به جموح �لطغيان، و��صتحوذ عليه
� للعلماء وكتب �لأنبياء. � للحكماء و�صد �لرحمن، ف�صار عدو
و�صام قري�س
فنانة ب�صرية. ولدت يف قنا. ح�صلت علي بكالوريو�ش �لرتبية �لفنية
٢٠٠٧، ودبلوم يف �لت�صوير �لفوتوغر�يف و�لر�صم من جامعة حلو�ن
.٢٠11
ف�صل يف اعتبار املوت واحلياة
ف�صل يف حكمة املوت
�علم يا �أخي يف هذين �لف�صلني �صورو� �ملوت ب�صورة رومان�صية عادية خالية من �حلكمة �لعقلية
�ملوت �صبهو� كان �صعيفا حيث �حل�صاب - – �ملوت بعد �لبعث �لربهانية وحتى مدلولتهم عن
كالولدة، هي �أي�صا عملية �نتقال من مرحلة �إىل مرحلة �أخرى، ولأن مو�صوع �ملوت وما بعده م�صاألة
جدلية حتى وقتنا هذ�، فالطبيعي �أن يكون مرجعهم مرجع روحاين رومان�صي، ودللتهم هي عبارة
عن �أمثلة عديدة بت�صبيهات �لنف�ش يف حو�ديت وتخيالت لإقناع �لقارئ و�أنف�صهم �أي�صا بوجود حكمة للموت، وقد
يكون لي�ش له حكمة من �أ�صا�ش ول موت من �أ�صا�ش، فهو جمرد موت و�نتهاء وفناء فقط.
و�صام قري�س
فنانة ب�صرية. ولدت يف قنا. ح�صلت علي بكالوريو�ش �لرتبية �لفنية ٢٠٠٧، ودبلوم يف �لت�صوير �لفوتوغر�يف
و�لر�صم من جامعة حلو�ن ٢٠11.
5
م �جلمال �إىل ق�صمني: �جلميل باملنفعة يف �صورتها �لعامة، ولذلك ق�ص
�جلمال �حلقيقي �لذي نعرفه من خالل قيمتي �خلري و�لنفع، و�جلمال
�ملزيف �لذي يقرن باللذة �حل�صية.
وحاول �بن �صينا �أن يجعل �جلمال قيمة عملية قبل �أن يكون قيمة ذ�تية،
فاحلكمة �لعملية �لغاية من وجودها عند �لفال�صفة منذ �أر�صطو هي
ي�صبح �جلمال ثمة ثانيا، ومن للجمهور و�ملنفعة �أول، حتقيق �خلري
متحركا �صمن ثالث قيم: �خلري، �لنفع، �للذة.
بجمال �ملنتج جلمال �ل�صفا« »�إخو�ن ربط هنا نالحظ فنحن �إذن،
�ملفهوم �لنابع من �لذ�ت �ملنتجة، كما �أنهم ربطو� �لنتاج �لفني بالقدر�ت
�حل�صية و�لعقلية للمنتج، حيث �إن فل�صفتهم �جلمالية قائمة على مبد�أ
بالن�صبة و�مليتافيزيقية �ملادية �لكون عنا�صر كل وخ�صوع �لتنا�صق،
�لف�صلى، وهي ن�صب مت�صلة �أ�صموها بالن�صبة �ملو�صيقية، وهي ن�صبة
عددية بحتة ��صتقوها من �لعلوم �لريا�صية.
عنونوها �لتي �لريا�صي �لق�صم من �ل�صاد�صة ر�صالتهم يف �صرحوها
بـ»يف �لن�صب �لعددية و�لهند�صية يف تهذيب �لنف�ش و�إ�صالح �لأخالق«،
��صتخر�ج وف�صل يف �لن�صب، ف�صل يف ف�صول: ثالثة �إىل وق�صموها
و�لهند�صية �لعددية �لن�صب علم ف�صيلة يف وف�صل �ملت�صلة، �لن�صب
و�ملو�صيقية.
(4)
الن�صبة الف�صلى
ن�صبة �أنو�ع: ن�صبة كمية؛ وهي �إىل ثالثة �لن�صب �ل�صفا �إخو�ن م ق�ص
عددية، ون�صبة كيفية؛ وهي ن�صبة هند�صية، و�لن�صبة �لثالثة كمية كيفية؛
وت�صمى ن�صبة تاأليفية ومو�صيقية وهي �لن�صبة �لف�صلى.
و��صتفا�صو� يف �صرح �لفروق بني �أنو�ع �لن�صب و�صول �إىل عر�ش لبع�ش
�ل�صناعات و�لفنون و�لأج�صام �لتي تخ�صع للن�صبة �لف�صلى، ففي ر�أيهم
�أن �ل�صكل �ملثايل هو �لذي يخ�صع للن�صبة، وما دون ذلك به خلل؛ لأن
عنا�صر �لكون كلها تخ�صع لهذه �لن�صبة. و�صربو� �أمثلة يف �لن�صب بني
�لكو�كب وبع�صها، و�لن�صب يف �ملو�صيقى، ويف ج�صم �لإن�صان، ويف حروف
�لكتاب، فقالو�: »و�ملثال يف ذلك يف كتابة �لعربية هو �أن يخط �لألف
�أول باأي قدر �صاء، ويجعل غلظه منا�صبا لطوله، وهو �لثمن، و�أ�صفله
�أدق من �أعاله، ثم يجعل �لألف قطر �لد�ئرة، ثم يبنى �صائر �حلروف
منا�صبا لطول �لألف وملحيط �لد�ئرة �لتي �لألف م�صاو لقطرها، وهو �أن
يجعل �لباء و�لتاء و�لثاء كل و�حد منها طوله م�صاو لطول �لألف، وتكون
رءو�صها �إىل فوق �لثمن، مثل هذ�: �أ ب ت ث، ثم يجعل �جليم و�حلاء
و�خلاء كل و�حد منها مدته من فوق ن�صف �لألف، وتقوي�صه �إىل �لأ�صفل
ن�صف حميط �لد�ئرة �لتي �لألف م�صاو لقطرها، مثل هذ�: ج ح خ، ثم
يجعل �لد�ل و�لذ�ل كل و�حد منهما مثل طول �لألف �إذ� قو�ش، مثل هذ�:
د ذ، ثم يجعل �لر�ء و�لز�ي كل و�حد منهما كمثل ربع حميط �لد�ئرة
�لتي �لألف قطرها، ثم يجعل �ل�صني و�ل�صني كل و�حد منهما رءو�صها
� �إىل �أ�صفل ن�صف حميط �لد�ئرة، مثل هذ�: �إىل فوق ثمن �لألف، ومد
�ش �ش، ثم يجعل �ل�صاد و�ل�صاد مدة طول كل و�حد منهما �إىل قد�م
� �إىل �أ�صفل مثل ن�صف مثل طول �لألف، وفتحتها مثل ثمن �لألف، ومد
�لد�ئرة �ملقدم ذكرها، مثل هذ�: �ش �ش، ويجعل �لطاء و�لظاء كل و�حد
منهما طوله مثل طول �لألف وفتحتها مثل ثمن �لألف، ورءو�صها �إىل فوق
بطول �لألف، مثل هذ�: ط ظ، ثم يجعل �لعني و�لغني كل و�حد منهما
تقوي�صه من فوق ربع حميط تلك �لد�ئرة، وتقوي�صه من �أ�صفل ن�صف
حميطها، مثل هذ�: ع غ، ثم يجعل مدة �لفاء �إىل قد�م كمثل طول �لألف،
كلها و�لهاء و�مليم و�لو�و �لقاف وحلقة وحلقته �لألف، ثمن وفتحته
مت�صاوية مثل ثلث �لألف �إذ� دور، مثل هذ�: ف ق و م هـ، ويجعل مدة
�لقاف �إىل �أ�صفل مثل ن�صف حميط تلك �لد�ئرة، مثل هذ�: ق، ثم يجعل
مدة �لكاف �إىل قد�م مثل طول �لألف، وفتحته مثل ثمن �لألف، وك�صرته
�إىل فوق ربع �لألف، مثل هذ�: ك، ثم يجعل طول �لالم مثل �لألف،
ومدته �إىل قد�م ن�صف �لألف، مثل هذ�: ل، ثم يجعل مدة �مليم و�لو�و
كل و�حد منهما �إىل �أ�صفل مثل تقوي�ش �لر�ء و�لز�ي، مثل هذ�: م و، ثم
يجعل تقوي�ش �لنون مثل ن�صف حميط تلك �لد�ئرة �لتي �لألف م�صاو
لقطرها، مثل هذ�: ن، ثم يجعل �لياء مثل �لد�ل، ومدته �إىل خلف مثل
طول �لألف، �أو تقوي�صه �إىل �أ�صفل مثل ن�صف حميط �لد�ئرة، مثل هذ�:
ي. وهذ� �لذي ذكرناه من ن�صب هذه �حلروف وكمية مقاديرها طول
وعر�صا بع�صها عند بع�ش، فهو �صيء توجبه قو�نني �لهند�صة و�لن�صب
�لفا�صلة. و�أما ما يتعارفه �لنا�ش وي�صتح�صنه �لكتاب فعلى غري ما ذكرنا
من �ملقادير و�لن�صب، وذلك بح�صب مو�صوعام ومر�صيام و�ختيار�م دون
و�إذ قد تبني مبا �لعادة فيها. �لدربة وجريان غريها؛ وبح�صب طول
ذكرنا ماهية �لن�صب �لفا�صلة ومقادير �حلروف وكمية �أطو�لها، فرنيد
�أ�صكالها، وتخطيط �صورها كيفية من �أي�صا طرفا هنا ها نذكر �أن
وكيفية تركيبها بع�صها مع بع�ش على ما يوجبه �لقيا�ش و�لقانون بطريق
�لهند�صة« (***).
فالن�صبة �لف�صلى هي مزيج بني ن�صب كمية ون�صب كيفية، بني �لعدد
و�لهند�صة، وهي ن�صبة جمالية يرى »�إخو�ن �ل�صفا« �أنها �إذ� حتققت يف
�صيء حتقق �لن�صجام.
عالء عبد احلميد
ج من فنان ب�صري وكاتب. ولد يف طلخا بالدقهلية عام 198٦. تخر
كلية �لفنون �جلميلة جامعة حلو�ن ق�صم �لنحت ٢٠٠8. يعمل ويعي�ش
يف �لقاهرة.
(1)
ن�س موازي
على �لرغم من �لختالفات �ل�صديدة بينهم، و�لتي ت�صل �إىل حد ي�صمح
بتكون �لعد�ء�ت، عندما تقابل �لأغيار مل يحدث ما كان يتوقعه �أحد،
»�أورجازم« مالمح خط �لذي و�لتكامل �لتام �لن�صجام حدث فقد
�ل�صفاء �لنف�صي، وكاأن فكرة �جتماعهم �لتي كانت تبدو �صبه م�صتحيلة
حتى هذه �للحظة - هذه �لفكرة على وجه �خل�صو�ش - كانت تنتظر
هذه �للحظة لتثبت لهم عدم منطقية فكرة �لت�صاد �لتي بنو� عليها
خالفاتهم على مر �لتاريخ.
�حلقيقة �لثابتة: �أنهم تقابلو�.
و�ملفارقة: �أن جتمعهم مل يكن �إل حم�ش م�صادفة.
و�خليال: يكمن يف �حلقيقة �لثابتة.
(٢)
مقدمة
ما �صر عدم �إملام د�ر�صي �لفنون وعلوم �جلمال و�لفل�صفة يف �لوطن
حتى معرفتهم �أو �لوفا«؟ وخالن �ل�صفا »�إخو�ن بفل�صفات �لعربي
ولي�ش �لأ�صا�صية، �ملر�حل يف �لد�ر�صني هنا �أق�صد �أنا بوجودهم؟
مناهج حمفوظة تتبع �لدر��صة و�لدكتور�ه؛ حيث �ملاج�صتري د�ر�صي
بنف�صه، �لد�ر�ش به يقوم �لذي �لعلمي �لبحث �لبعد عن وبعيدة كل
فل�صفات و�إق�صاء تهمي�ش ملاذ� مت �ل�صوؤ�ل: هذ� �إجابة وبالبحث يف
�ملعا�صر؟ وهل هذ� �لعربي �لفكر �لوفا« من �ل�صفا وخالن »�إخو�ن
�لتهمي�ش بق�صد؟
ع�صر يف ن�صاأت باطنية جماعة بكونهم تتعلق �أ�صباب عدة ظهرت
�أنه ��صتغالل ل�صعف �ل�صمحالل �لعبا�صي، مما ف�صره �لبع�ش على
�لدولة لتمرير �أفكار غري مقبولة دينيا و�جتماعيا، فذهب �لبع�ش للقول
باأنهم من �ملعتزلة، و�لبع�ش �لآخر قال �إنهم من �ل�صابئة �أو �لإ�صماعيلية،
�ل�صفا« »�إخو�ن عن فمثال و�لزندقة، بالإحلاد �لبع�ش �تهمهم كما
يقول �بن تيمية: هم »جماعة يف دولة »بني بويه« ببغد�د، وكانو� من
�ل�صابئة �ملتفل�صفة �ملتحنفة، جمعو� بزعمهم بني دين �ل�صابئة �ملبدلني،
وبني �حلنفية، و�أتو� بكالم �ملتفل�صفة وباأ�صياء من �ل�صريعة، وفيه من
�لكفر و�جلهل �صيء كثري«(*). كما مت ذكرهم يف �ملو�صوعة �ملي�صرة يف
�لأديان و�ملذ�هب و�لأحز�ب �ملعا�صرة بالآتي: »�إخو�ن �ل�صفا جماعة
�صرية باطنية، مزجت �لفل�صفة �ليونانية و�لعقيدة �لباطنية بالعقيدة
��صتغلت �لتي �لباطنية �حلركة ثمار �أوىل فهي وبالتايل �لإ�صالمية،
�لت�صيع و�لت�صوف �لفل�صفي لن�صر ر�صائلها و�أفكارها، وكان �أول ظهورها
يف �لب�صرة يف �لن�صف �لثاين من �لقرن �لر�بع �لهجري، وقد �ألفو� ما
يقرب من �خلم�صني ر�صالة يف جميع �أجز�ء �لفل�صفة عمليا وعلميا،
و�أفردو� لها فهر�صا، و�صموها »ر�صائل �إخو�ن �ل�صفا«، وهي تعترب برنامج
�لعمل �ل�صري �لذي ي�صتهدف �لق�صاء على �لإ�صالم ودولته؛ لتاأ�صي�ش
دولتهم �لتي ت�صم �صتى �لعقائد �لوثنية و�ملجو�صية و�لإباحية«(**).
بالتايل مت �لختالف مع فل�صفاتهم، لي�ش عن طريق تفكيك �أفكارهم
ومناق�صتها ب�صكل مو�صوعي، و�إمنا مت ذلك ب�صكل »فا�صي« يرف�ش فكر
�لآخر. كما ذهب بع�ش �ملفكرين �لعرب �إىل طريق �آخر يف رف�صهم،
�أن »�إخو�ن �ل�صفا« كانو� �أنهم ر�أو وهو طريق �أوهى و�أ�صل، �أل وهو
يكتبون �أفكارهم �لفل�صفية وعلومهم بلغة مب�صطة على عك�ش ما كان
تب�صيط بذلك �ل�صفا« »�إخو�ن مق�صد وكان �لفرتة، تلك يف متبع
للنا�ش وخ�صو�صا �ل�صباب منهم، �لعلوم و�لفل�صفة، وت�صهيل و�صولها
عن �خلروج �أنو�ع من نوعا و�لفال�صفة �ملفكرين بع�ش ر�آه ما وهو
م�صاف �لدر��صات �لفكرية �جلادة. وهذ� ما يف�صر لنا عزوف �لكليات
�ملتخ�ص�صة يف �لفل�صفة و�لآد�ب وعلوم �جلمال يف �لبلد�ن �لعربية عن
�لعتماد على ر�صائل »�إخو�ن �ل�صفا« يف �لدر��صات �لتاريخية، رغم
�أهمية ر�صائلهم كمدخل تاريخي لدر��صة هذه �لعلوم.
لها كانت »�صريرة« باطنية جماعة �ل�صفا« »�إخو�ن �أن �عتربنا و�إذ�
�أهد�ف �صيا�صية تتطلع �إىل �إ�صقاط �لدولة �لعبا�صية - يرى �لبع�ش
�أدت �إىل ت�صهيل دخول �ملغول �إىل �أفكار »�إخو�ن �ل�صفا« هي ما �أن
�لعر�ق - ولكن هذ� �لعتبار ل ينفي - �إذ� كان �صحيحا - �أن »�إخو�ن
�ل�صفا« قدمو� للعلوم �لفل�صفية و�لإ�صتاطيقية ما �صاهم يف طرح مفهوم
علم �جلمال ب�صكل يربط من نو�ح ويفرق يف نو�ح �أخرى بني نظرة
�لغرب و�ل�صرق للجمال؛ فالغرب يف ذلك �لوقت كان يرى فكرة �جلمال
�لب�صريني، و�لعقل بالنف�ش �ل�صيء �جلميل يف حد ذ�ته وعالقته يف
�مل�صنوعات يف �جلمال �أن ر�أت فقد كلها �ل�صرقية �حل�صارة �أما
ربط �إىل حماولة �ل�صفا« »�إخو�ن كما ذهب بال�صنعة. وهو مرتبط
�أي�صا بني وجهات �لنظر �جلمالية بني �ل�صرق كل �لأديان، و�لربط
و�لغرب، و�إثبات �أن �أ�صلها و�حد، وهو �أ�صل �إلهي متمثل يف جماليات
�أنهم تاأثرو� مبفهوم �لتنا�صق �لذي و�ن�صجام �خللق عند �لإله. كما
ظهر عند �لفيثاغورثيني، وتاأثرو� مبثالية �أفالطون ولكن من وجهة
�أ�صا�ش �ملنتج هي �ل�صناعة �ملتمثلة يف �أن نظر �صرقية بحتة؛ ترى
�حلكم على جماليات �لفكر و�ملو�صوع ولي�ش �لعك�ش. وهذ� ما يجعلنا
نرى بنظرة جمردة لالأمور �أن د�ر�ش �ل�صيا�صة �أو د�ر�ش �لدين - يف
�ل�صرق - يكنه مبنتهى �ل�صهولة �أن يفكر مبنهج تاآمري، وينبذ �أفكار
»�إخو�ن �ل�صفا« من دون در��صتها ب�صكل كاف، �أو حتى بعد �أن يقوم
بدر��صتها وهو يبيت �لنية لهدم �أفكارها، و�إثبات �نحر�فها، وت�صيد
�لأخطاء فيها ب�صكل غري مو�صوعي.
�أما على م�صتوى د�ر�ش �لفل�صفة �أو علوم �جلمال، فمن ر�أيي �ملتو��صع
�أن فل�صفات »�إخو�ن �ل�صفا« من �لكنوز �لرت�ثية على م�صتوى �لنتاج
�لب�صري للخو�ش يف هذه �لعلوم، فقد عمل »�إخو�ن �ل�صفا« على ك�صر
�حلدود �لتخيلية �لتي مت و�صعها بني �ملجالت �ملختلفة، فهم يرون
�لن�صبة وهي �ملو�صيقية، بالن�صبة وت�صمى ف�صلى ن�صبة هنالك �أن
�مل�صرتكة يف جميع �لأمور �لكونية، فت�صرتك فيها �ل�صناعات �جلمالية
يف �لفنون و�لكو�كب و�لأفالك و�لعلوم �لعددية و�لهند�صة و�ملخلوقات
جميعها، ومن يخرج تكوينه من هذه �لن�صبة ي�صبب خلال ما، فمثال
وهي �لكو�كب، باقي ن�صبة عن ن�صبتها تخرج �لتي كو�كب �لثالثة
�ملريخ وعطارد وزحل، ت�صبح بذلك نحو�صا يف �لطالع �لفلكي.
ومن هذ� �ملنطلق ن�صتطيع �أن نخمن �أنه يف حالة دخول �لفنان �لب�صري
يف منطق تفكري »�إخو�ن �ل�صفا«، وقيامه با�صتيعاب هذه �لن�صبة ب�صكل
و�ف، ثم �لقيام بتفكيكها �أو تك�صريها �أو �إ�صافة زو�ئد عليها �أيا يكن
م�صلكه �لبحثي، على �أي �صكل �صيكون �ملنتج �لب�صري �لذي �صينتجه؟
هذ� �ل�صوؤ�ل ل يكننا �لإجابة عنه �إل بعد �لتجريب ب�صورة عملية،
ولكن �ألي�صت هي ق�صية مثرية للف�صول؟ وجتعلنا نت�صاءل عن مدى
تاأثري هذ� �مل�صلك على �لتجربة �لب�صرية �لناجتة.
ومن هنا جند �أنف�صنا �أمام �صوؤ�ل و��صح وهو: ما �جلو�نب �لإ�صتاطيقية
من فل�صفات »�إخو�ن �ل�صفا وخالن �لوفا«؟
ولالإجابة عن هذ� �ل�صوؤ�ل جند �أن علينا �لبحث يف مفهوم �جلمال
عند »�إخو�ن �ل�صفا«.
(3)
مفهوم اجلمال عند اإخوان ال�صفا
حتدث »�إخو�ن �ل�صفا« عن �لرت�بط �لوظيفي بني �ملعطى �جلمايل
و�ملعطى �ملو�صوعي، فاجلمال عندهم فرع من �لفنون، وعرفوه على
�أنه ملكة وعي �لذ�ت مبا يفرزه �ملو�صوع من قيم باطنية، وحددو�
خم�صة مقا�صد لكل عملية جمالية هي:
• �لأد�ة.• �ملنتوج.
• �ل�صرعة.• �ملهارة.
• منفعة �جلمهور.�إن �جلمال هو تعبري عن �أحو�ل �لذ�ت، ويفر�ش كل تعبري عن ذلك
��صتعمال �أد�ة ما، فاخلطابة و�لر�صم و�لكتابة كلها �أدو�ت للتعبري عن
�أو �جلليل. و�لأمر �لذي يفرق بني �ملعطيات �إدر�ك �جلميل حلظة
�جلمالية هو طبيعة �ملنتوج، فالق�صيدة تتباين من �صاعر لآخر نتيجة
مدى حتكمه يف �أد�ته، و�ل�صعر �أد�ته �للغة، و�للغة م�صكن �لفكر وخلوته
كما يقول »هيدجر«، ولذلك نحن نحتكم للمنتوج ل �ملنتج. و�عترب
لأن �جلميل، تقبل �صرط �صروري يف �ل�صرعة �أن �ل�صفا« »�إخو�ن
�جلميل وليد حلظة حد�صية متى جتاوزت ديومتها قل تاأثريها على
وعندما يباغتنا، حني �ملو�صوع من ننده�ش فنحن و�لغري، �لنف�ش
�إن ماألوفا. �أمر� ويغدو تختفي عنه مظاهر �جلمال ماألوفا ي�صري
عن�صر�ل�صرعة م�صرتك بني �ملنتج و�مل�صتقبل معا، فكلما عرب �ملبدع
عن �ملو�صوع ب�صرعة ومهارة كان �مل�صتقبل �أكرث �صرعة يف فهمه.
و�صرط �ملهارة يفر�صه �ملو�صوع و�أد�ة �لتعبري عنه، فالفر�صاة كو�صيلة
للر�صم ل يكن �أن توؤدي �لدور نف�صه، بل �لدور تربزه �ملهارة �لفنية
�لتي يتفاوت �ملبدعون فيها.
و»�إخو�ن �ل�صفا« ربطو� �لفن مبنفعة �جلمهور، فاجلمال كفن نبيل ل
بد �أن يخدم �جلمهور، وق�صدهم �أن تربية �جلمهور تتطلب �لرتكيز
على �جلانب �لنفعي، فاملو�صيقى و�لفنون تدخل يف تربية �جلمهور،
ودولة �خلري عند »�إخو�ن �ل�صفا« تن�صاأ عندما نن�صئ جيال فريد�،
ينتج �لفن ويوجهه نحو �خلري �لأ�صمى.
يف ح�صورها وجدت �ل�صفا« »�إخو�ن عند �جلمالية �لنظرية �إن
فل�صفة �بن �صينا، وخ�صو�صا يف كتابه »�لبالغة و�خلطابة«، حيث ربط
إخــوان الصـــفا وخـالن الوفــــا
محاولة لفهم الجانب اإلستاطيقي من فلسفاتهم،
وربطه باملمارسات الفنية البصرية املعاصرة
ر�صائل �إخو�ن �ل�صفا، ف�صل يف �أن �إحكام �لكالم �صنعة من �ل�صنائع. (***)
�ملو�صوعة �ملي�صرة يف �لأديان و�ملذ�هب و�لأحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــز�ب �ملعا�صرة. (**)
جمموع �لفتاوي عند �بن تيمية. (*)
6
�لثقافة وو�صفها �لبدء يف حديث �صائك عن م�صئولية �صناعة قبل
كمنتج، �أو �ملنتج �لفني ك�صلعة، وما يرتتب عليه من �كتمال عنا�صر
�لعملية �لإنتاجية من �ملنتج و�ل�صوق و�مل�صتهلك و�لرقيب و�ملنظم...
�أو »�أر�صية« من �ملفاهيم �ملوؤ�ص�صة �إلخ، نحتاج �إىل ترتيبات م�صبقة
�أن تطرح وتناق�ش بجدية، و�إين لأ�صعر بغر�بة �لتي يجب و�ملف�صرة
لأن مو��صيع قد تكون بديهية ول يتلك �لعديد من �لفنانني ت�صور�
هذه �صو�ب فكرة �أطرح ل وهنا عنها. معمما �أو و�حد� و��صحا
�لأفكار �أو خطئها، بل �أتكلم عن �لتعريفات �لأ�صا�صية �لتي ل بد �أن
يتم بحثها ونقا�صها بجدية لتكون هناك مفاهيم و��صحة. وقد تكون
هناك حماولت جدية من قبل بع�ش �جلهات، �إل �أنني �أي�صا �أجدها
هذه منظم على تعتمد قد �جلانب، حادية �أ تف�صري�ت يف موغلة
�جلهة �أو ذ�ك، �أو تتبنى �أيديولوجيات ل تقبل لغريها بالظهور معها.
�أرى �أن هناك خلال نقديا يف �لو�صط �لفني �مل�صري ل يخفى على
�لد�ئرة تكتمل �أن بد ل نقدية فكرة تطوير �أردت و�إذ� �لناظرين،
�لفنية �ملعتمدة يف �لأ�صا�ش على �لناقد �ملف�صر، و�رتباطه بالأعمال
�لفنية، وقبول �لفنانني، و��صتيعاب هذ� �لنقد، وما ينتج من تر�صيخ
لهذه �لأفكار �لتي يتم تطويرها بتلقائية. هذ� �خللل له �لعديد من
�لعو�مل �لتي ل حتتاج �إىل �صرح كثري؛ فهي جلية للناظرين: تخلف
على ما�صوية باأيديولوجيات فنانني و�صيطرة �لفنية، �لأكادييات
�لو�قع عن �لثقافية �ملر�كز وترفع/تعايل �حلكومي، �لفنون قطاع
بع�ش. مع بع�صهم �مل�صرتكة و�كتفاوؤهم مب�صاحلهم �مل�صري �لفني
فقبل �أن تطرح ت�صور� عميقا، كت�صليع �ملنتج �لفني، ل يكن لذلك
�أن يتحقق من دون نقا�صات و��صعة عن �ملفاهيم و�مل�صطلحات �لتي
يتم تد�ولها.
بوك: في�ش على »��صتاتيو�ش« كتبت �لتي �لفنانات �إحدى �أتذكر
�ل�صتدلل يتم »كون�صبت« حتى كلمة ��صتخد�م �لتوقف عن »�أرجو
على معناها«.
على �لرغم من �صخرية �جلملة، �إل �أنها قد �أ�صارت �إىل قلب �إحدى
عن كمر�دف �ل�صتدلل وهي �لفني، و�صطنا يف �لكربى �مل�صاكل
ي�صاعد �لوقت ومبرور ثو�بت، �إىل يحول و�لذي �ملعاين، ��صتيعاب
وتاأكيد مناطق �أكرث تطور�، �أفكار �لفنان و�ملثقف على �خلو�ش يف
�لقيمة �صلب هذه �أو �لفنان، ينتجه ما و�إ�صفاء قيمة على للبحث،
منه.
من هنا �رتاأيت �أنه يجب طرح جمموعة من �لت�صاوؤلت/�لق�صايا على
يف�صي ل د�ئما جدل تثري �أنها �إل وبديهيتها ب�صاطتها من �لرغم
عادة �إىل �صيء؛ ب�صبب عدم و�صوح �ملعاين �مل�صتخدمة �أحيانا، و�لتي
قد ت�صل �إىل كلمات ب�صيطة يختلف �لكثري على معناها �أو ترجمتها
�لتي �لق�صايا و��صع ع�صر�ت نطاق �لأ�صلية. هناك على لغتها من
ل�صت و�أنا هنا لعدم و�صوح معانيها، ت�صاوؤلت جندها حمرية تثري
ب�صدد طرح �إجابات لها، بل جمرد حماولة لتحريك �ل�صاكن �مل�صكوت
عنه، وحماولة فهمه. �أر�ه �حتياجا �أ�صا�صيا لو�قعنا �لفني يف م�صر
وخ�صو�صا يف جمال �لفنون �لب�صرية.
�لفني، هو مفهوم �لغام�صة يف و�قعنا هناك مثال لإحدى �لق�صايا
�لفن �ملعا�صر vs �لفن �حلديث. �أتذكر مثال يف حديث �صخ�صي بني
»جان جونيه« و»�ألربتو جياكوميتي«، و�لذي ظهر فيما بعد يف كتاب
�لأ�صئلة من جمموعة »جياكوميتي« طرح �ل�صري« »�جلرح بعنو�ن
لال�صتف�صار، و�أي�صا للتنويه:
- ملاذ� يجب �أن يكون �لعمل �لفني م�صتقبليا؟
- فيم �صيفيد هذ�؟
- هل �صيفيد هذ� �لأجيال �لقادمة يف �صيء؟
- هل �صيتمكنو� من ��صتخد�مه حني �إذن يف �صيء ما؟
ثم متتم جميبا:
- ل �أعتقد هذ�، على �لعمل �لفني �أن ير�صي �لتاريخ، ويتخذ موقعا
بني �آلف �لأعمال �لفنية �ملا�صوية.
ير�صي �أن �لفني �لعمل على »يجب �ملقولة: هذه يف كثري� �أعتقد
�أربعينيات يف »بونار« �أعمال �إىل نظرنا لو �آخر: مبعنى �لتاريخ«.
»�دجار �أنتجه عما كثري� تختلف ل �صنجدها �لع�صرين، �لقرن
»بيكا�صو« ينتج كان فيما ع�صر، �لتا�صع �لقرن �أو�خر يف ديجا«
على و»بونار« �لع�صر، هذ� مبعطيات �حلد�ثة« »�صديدة �أعمال
حد تعبري »بيكا�صو« كان »�صديد �لتخلف... ينتج �أعمال مت �إنتاجها
من قبل«. �ليوم وبعد مرور �أكرث من ن�صف قرن على �إنتاج »بونار«
»بونار« �إذ� كان �أهتم بينهما، ول �أجد فرقا كبري� و»بيكا�صو« ل
مثل مثلها قيمة فنية �أعمال فقط هي فاأعماله ل؛ �أو متخلفا
�أعمال »بيكا�صو«.
يف �خلو�ش على وقدرته بحد�ثته �لفني �لعمل يقا�ش ل �إذن،
من �إليه تنبه ما مبدى يقا�ش بل �لقادم، و��صت�صر�ف �مل�صتقبل
�أن �لتاريخ ليمالأها ويتخذ مو�صعا بينها. هذ� يعني ثغر�ت عرب
وعلى جميعا، �لع�صور على ينطبق للفن، و�حد� مفهوما هناك
كبرية فروقا �أرى ل �أنا �لفن. منها ينتج �لتي �ملناطق خمتلف
بني لوحة فار�صية �أنتجها »بهز�د« يف �لقرن �خلام�ش ع�صر، وبني
نتجت من ع�صرة عمل لـ»وليد رعد«. �أو ر�صالة لـ»�صوز�ن �صونتاج« �أ
نتج قبل �مليالد، �أ �أعو�م، وبني متثال هندي �أو �صيني �أو م�صري
وبني �إعالن رم�صاين لـ»ميجامك�ش«. �جلودة هنا و�حدة، �ل�صغف
هنا و�حد مبا هو جديد، »مبفهوم ما مل يتم �إنتاجه من قبل«. �أما
فهذ� �ملتبعة و�لأ�صاليب و�لتقنيات �لعمل هذ� تنفيذ كيفية عن
�صيء �آخر متاما ل يت ب�صلة لتلك �حلقيقة.
كالفنان �لفنان، ت�صنيف ق�صية � جد �ملثرية �لق�صايا من �أي�صا
�لدويل و�لفنان �ملحلي. و�حلق هنا �أنه قد يكون بالفعل ما ي�صمى
حيث �ملحلي؛ بالفنان ي�صمى ما �أرى ل ولكني �لدويل، بالفنان
عليها �لتفاق مت �لفن لتناول عاملية و�حدة لغة يوجد بالفعل
�أكرث تطور�، وقد تعرف على تلك �للغة عديد من يف جمتمعات
بع�صهم قبل من حماولت هناك بل وي�صتخدمونها، �لفنانني
لتطويرها و�إ�صفاء قيم لها ممزوجة ببع�ش �ملعطيات �ملحلية. لكن
هناك من �مل�صطلحات �لتي تطلق على �لفنان �ليوم �أجدها غريبة
فنان �أو�صطي! �صرق فنان مثل: �صرورية) (غري مفهومة وغري
م�صري! فنان عربي! فنانة ن�صوية �أو فنان �صيا�صي!
�آ�صيوي؟! هل �أو فنان �صرق ي�صمى بفنان لتيني؟! هل يوجد ما
�صيتعامل �لفنان وقتها مع مفاهيم فنية خمتلفة؟!
�حلقيقة هنا �أن هناك �صكال و�حد� للتعامل مع �لفن، هو �جلودة،
و�لتي تفتح بالتايل �آلف �لتف�صري�ت �ملختلفة لتلك �لكلمة، و�لتي
وخارج �إطار�ته خارج فني عمل كل �إىل �لنظر على ترغمك
�أو ��صرت�كية قيمة �أي ريفري�« »دييجو لأعمال فلي�ش �صياقاته.
بالتايل عليها. تطلق قد �لتي �مل�صميات من غريها �أو لتينية
�لفنية حتت �لأعمال تعاملو� مع هناك فنانون كرث يف جمتمعنا
�ل�صيا�صي، �ل�صرت�كي، �ل�صعبي، منها: خمتلفة، م�صطلحات
�أحب فاأنا كله قيمة، لهذ� ولي�ش �لثوري... �لديني، �لجتماعي،
�أعمال »حامد ند�« و»�جلز�ر« بعيد� متاما عما حملته �أعمالهما
من �صعبية �صوفية �أو خر�فات �إرثية �أو غريها من �مل�صميات، كما
�أحب �أي�صا »�أوكا« و»�أورتيجا« و»عالء فيفتي« و»�ل�صاد�ت« و»عمرو
�ل�صعبوي تهمة �إل�صاق �أتفهم حماولة ول و»�ملدفعجية«، حاحا«
بهم، بل على �لنقي�ش �إذ� �أردت و�صفها لكان من �لأحرى ��صتخد�م
لفظ �إبد�عي �أو جتديدي. ل عالقة لعمل فني مبا هو �إرثي، ول
ينتظر �أن يعلو �صوته على �صوت �جلودة، �أو ت�صييد ما هو قومي
ملتزم �أو ييني حمافظ فوق �لقيم �لفنية لأي �صبب كان؛ فالف�صل
بني جذور �لعمل �لفني وبني قيمته يجعل تلقي �لعمل بعيد� كل
و�لركاكة �ل�صعف �أو �لفنية �لقيمة ويو�صح �لغمو�ش، �لبعد عن
�، كالفنان �حلامل، فيه. �أي�صا تعريف �لفنان من �لأ�صياء �ملبهمة جد
�لذكي، �لفنان �ل�صيا�صي، �لفنان �ملوؤدلج، �لفنان �ل�صاذج، �لفنان
�ل�صايع، �حلذق... فامل�صطلحات �ملختلفة حمرية بطبيعة �حلال،
�إل �أين �أجد فور� �أيا من �مل�صطلحات �لفنية �لتي قد تطلق على
فنان مثرية للت�صاوؤلت، وتدفعني لل�صك يف قيمة ما ينتجه، ولل�صك
فنان لدى هو�ش هناك كان �إذ� مبعنى: �لفني، عمله �صدق يف
ب�صيء ما، فلماذ� يطرحه علينا كمو�صوع للنقا�ش؟ وملاذ� �إذ� �أردنا تلقي
عمله ل بد �أن نتناوله من ز�وية ما؟ كما �أن ق�صية �لفن �ل�صيا�صي �أو
�لن�صوي �أو غريها يف حد ذ�تها حتتاج �إىل كثري من �لتو�صيح، هل نعترب
و�حدة خانة يف ت�صع وكيف �صيا�صية؟ �أعمال �لزيني« »زكريا �أعمال
�أعمال »�أكرم زعرتي« و»هدى لطفي« باعتبارهم �أعمال �صيا�صية؟
�أي�صا �لفنان �ملثقف/�لفنان �ملتعلم، �لفنان �ملتعلم �ملتحدث لالإجنليزية
بتفا�صيل �مللم �لأمريكية �جلامعة خريج يكون ما غالبا بطالقة
�لتكنولوجيا، و�لقادر على تقدمي نف�صه ب�صكل و��صح وحديث ملوؤ�ص�صات
�لفن �لدولية بنف�ش �للغة، و�ملطلع على �أحدث ما يقدمه �لغرب من فن
وثقافة ونظريات، وبني �لفنان �ملثقف �لقارئ لفل�صفات موؤ�ص�صة ولكنها
كونية �أفكار �ليوم، �لفن تدخل يف عمليات حتريك ول �لزمن، خارج
�صيء، �إىل تف�صي �أنها ل �إل تكون كربى وعالقات عن م�صكالت قد
ن�صنع و»لن �لنخبوي، و�لفنان �لفنان �جلماهريي، كعدم و�صوح فكرة
فنا مماثال لهم/ لن ن�صبح جماهريين مثلهم« لدى �لعديد من �لفنانني
و�لتي قد تكون مرهقة وغريبة.
يجب �أي�صا �لتنويه �إىل »�لفن �لعميق« وما ي�صمى بـ»�لبوؤ�صوية«، فالعديد
من �لأعمال �لفنية �لتي قد تر�ها يف �أتيليه �لقاهرة /جالريي �لزمالك
كنت حني تثريك، قد �خللطة نف�ش على تعمل للفنون قاعة �أي �أو
طالبا يف كلية �لفنون �جلميلة، مبا حتمله من مفرد�ت، كال�صنعة �ملتقنة،
و�ملو��صيع �ملتعلقة بالرت�ث كالفالحني �ل�صيادين، �لفالحات �ل�صياد�ت،
�لفر�عني، �مللوك �لقلل، �لورود، �لثوريات، �لثو�ر، �لبنائني، �لعمال،
�لنيل، �لهريوغليفية، �حلروف �لعربية، �حلروف �لفر�عني، �مللكات
�ل�صحر�ء، �لوديان، �لبحر، �ل�صماء...�إلخ، كل هذه �مل�صطلحات غاية يف
�ل�صاعرية �إل �أنها قد مت تناولها ع�صر�ت بل �آلف �ملر�ت.
�لفنية �لأعمال من فالعديد �لبحث، من �لنو�صتاجليا/�لهروب ثنائية
مقارنة �لبالد عليه كانت ملا �ملا�صوي �حلنني عليه �أطلق فيما تقع
بعيد� عن ق�صوة �أب�صط �لعام لوقت �لرجوع �أو �لو�قع �حلايل بانهيار
و�صرعة �لو�قع �حلايل. وهنا يجب �لتنويه �إىل �أن هذه �لأعمال �صديدة
�لختالف عن فكرة ��صتلهام �لطفولة �أو �للعب على �لذكريات، فغالبا
�لأعمال �لنو�صتاجلية ينتجها فنانون مل يعي�صو� يف �لفرتة �ملتناولة يف
تدفع فهي �حل�صا�صية؛ �صديدة منطقة �لنو�صتاجليا �لفنية. �أعمالهم
فور� باحلنني د�خل م�صاعر �ملتلقي، وتر�صم �صورة �صطحية �صجنة عن
وقت �أب�صط و�أجمل م�صى، �إل �أن �أغلب ما �أر�ه من تلك �لأعمال ل يقدم
�لفنية يعتمد فقط على �حلالة �لفنية، هو �ملعاجلة جديد� من حيث
�لتي يخلقها جللب تعاطف ما مع �لعمل �لفني.
�إحدى �لق�صايا �ل�صائكة يف جمالنا: �ملوؤ�ص�صات �لد�عمة كمحرك للعملية
�لإبد�عية، و�ل�صك �لعام من قبل �لفنانني »�لقوميني« جتاه �ملوؤ�ص�صات
�ملوؤ�ص�صات يف دور هذه �لت�صاوؤل عن و�أي�صا �لد�عمة، غري �حلكومية
�أو �إيجابيا كان �إذ� وما دورها، معرفة وحماولة �لإبد�عية، �لعملية
�أم �ملوؤ�ص�صة، �ل�صخ�ش �ملقرر د�خل تلك �صلبيا، وهل يعتمد هذ� على
يعتمد على �مليكانيزمات �لتي تتبناها تلك �ملوؤ�ص�صات و�لتي من دورها
حتريك �لعملية �لإبد�عية من تلقاء نف�صها وتطويرها؟ �إل �أنها �أي�صا قد
�إذ� حترك �لفنان جتاهها من دون تكون معرقلة لالإبد�ع يف حد ذ�ته
وعي ليو�فق �صروطها �أو لكي تقبله لديها يف �صكل ��صت�صافة فنية �أو
�لفني، و�لتي قد تكون موؤثرة �صلبا على منحة مادية ل�صتكمال عمله
�لفنان ب�صبب جتذر م�صروعه �لفني يف �ملحاولت �لد�ئمة للقبول د�خل
ق�صية حول تطرح �لتي �لت�صاوؤلت من �آخره �إىل �ملوؤ�ص�صات... تلك
و�حدة كهذه.
عمرو الكفراوي
�صبتمرب ٢٠14، �لقاهرة
فنان وم�صمم جر�فيكي، تخرج يف كلية �لفنون �جلميلة عام ٢٠٠3،
يعي�ش ويعمل بالقاهرة
7
غموض املصطلح وغياب املعنى
عن املشـــهد الفـنـي اليوم يف مصـــر
�إجر�ء �أثناء كمبد�أ يف تتخذ بل �ملحافظني، �لبع�ش من مقولة عند
تد�ولها فقد �جلمهور، مع �لتفاعل �أثناء و�أي�صا يف �لفنية، �لعملية
�لبع�ش من خالل بر�مج �لتلفزيون �لثقافية، و�أي�صا يف بع�ش �ملجالت
يثري �لأمر هذ� �أتت؟ �أين من ولكن بالثقافة. �ملعنية �جلماهريية
عديد� من �لت�صاوؤلت، �أهمها: من منا له حق �لو�صاية على �لآخر؟
ومن منا �أي�صا وىل نف�صه من�صب �حلكيم �أو �لنا�صح �أو �صاحب ر�صالة
ا هو حتول هذه لغريه؟ كل منا ب�صر يخطئ وي�صيب، لكن �ملفزع حق
THE« ملقولة مع �لوقت لتاأخذ �صفة �ملعا�صرة حتت عنو�ن �ملفهوم�
.»CONCEPTعلى �لقيمون �لذي ينحه �لنجاة �مل�صطلح طوق �أ�صبح هذ� حيث
�ل�صباب �نت�صر بني جيل وقد لذ�ته، �لفنان و�أي�صا �لفنية، �لأعمال
كالوباء، وردده ور�ءهم �لكثري من �لفنانني كبار �ل�صن، و�أ�صبح �ل�صوؤ�ل
�لعمل هذ� ور�ء من �لكون�صبت �أو �ملفهوم هو ما د�ئما: �ملطروح
للمرجعية �لعودة بني �للتبا�ش بو�در تفرعت حيث ذ�ك؟ �أو �لفني
�ملفاهيمي، �لفن عن �لأول �لبيان ظهور منذ للم�صطلح �لتاريخية
لتكوين �لبد�ية وكانت ،19٦٥ عام »Sol LeWitt« �لأمريكي للفنان
حركة �تخذت فيها �لأفكار دور �لأ�صبقية عن �لهتمامات �جلمالية
من جانب �أهم هما �ملفهوم �أو »�لفكرة فيه: جاء و�لذي و�ملادية،
جو�نب �لعمل. وعندما ي�صتخدم �لفنان �صكل و�صورة �لفن �ملفاهيمي،
فهذ� يعني �أن تنفيذ جميع عمليات �لتخطيط و�تخاذ �لقر�ر�ت �أمر�
مع �لتعامل �أو �لفن«، لت�صنع �آلة �إىل �لفكرة تتحول حيث روتينيا،
�مل�صطلح ذ�ته ب�صورته �ملجردة كاأحد �أ�صاليب �صياغة �لعمل �لفني؟
رمبا هذ� �للتبا�ش �ملموه و�صع كثري� من �لفنانني يف حرية وحرج مع
�جلمهور؛ لأن �لفنان هنا �أ�صبح يبذل كل ما يف و�صعه لكي ي�صل �إىل
هذ� �ملفهوم ب�صكله غري �حليادي، ثم يتخذه كقاعدة �أو نظرية يجمع
من خاللها �لعنا�صر �ملنا�صبة. ولكن هذ� يجعلنا نطرح ت�صاوؤل �آخر:
ملفهوم و�ملطابقة �ملنا�صبة �لعنا�صر �لفنان يجد مل لو يحدث ماذ�
�جلمهور بني �لفجوة بو�در ترت�كم رمبا به؟ �خلا�ش �لفني �لعمل
و�لعمل �لفني حني ين�صغل �لفنان بقاعدة و�صعها لنف�صه و�أ�صبح �صغله
�ل�صاغل هو تلبية متطلبات تلك �لقاعدة، ون�صي �أن هذ� �لعمل �لفني
على �لغالبة �ل�صمة يجعل مما ما، جمهور معه يتفاعل لكي �صنع
هذه �لأعمال هي �صمة �لتجريد �أو �لتجرد، ومن هنا نكت�صف فجاأة
�أن هناك نوعا من �لفنانني يرى يف نف�صه �لقدرة على فهم وحتليل
�لأ�صياء، ولي�ش هناك �أحد غريه يلك تلك �لقدرة، فهل يجوز للفنان
�أن يعترب نف�صه �لعامل �لفذ �ملخلد وهو يقدم عمله �لفني للجمهور؟
عن ف�صال �ملو�صوع، �صبغة �لفني �لعمل نك�صب �أن ن�صتطيع وهل
�أثناء منهجا يف �ملو�صوع يتخذون �لكثريون ممن �لكون�صبت؟ هناك
مرورهم بطور �ملعاجلة �لفنية، وهذ� يتعار�ش كثري� مع �ملنهج �ل�صالف
ذكره، فهذه طريقة وتلك طريقة �أخرى.
»�لطريقة«: لقد تعلمنا منذ �لدر��صة يف كليات �لفنون �أن كل �أ�صتاذ
كل و�أ�صبحت �خرتعها، �لذي وحده هو طريقة له م�صر يف فنان
�أو �لفكرية �ملعاجلة كانت �صو�ء �لطريقة، تلك يف ت�صب �أعماله
�لذي �لعمل وحده هو باأن �آخرون مقتنعون فنانون �لتقنية. وهناك
�أي عليها، يبقى �صوف �لتي �لنهائية �ل�صورة معطيات كل يفر�ش
�ملنهجية �ملتبعة تختلف من عمل لآخر باختالف �ملعطيات. من منا له
�حلق يف نقا�ش ذلك مع �جلمهور وطالب �لفن؟ هل �لفنان �صاحب
يجعل كمنتج �لفن مع فالتعامل لذلك �لقيم؟ �أم �لناقد �أم �لعمل
من ولكن �لتحليل. على قابلية و�أكرث و�صوحا �أكرث �لفنية �لعملية
�مل�صئول عن �صناعة �لثقافة يف م�صر: »�ملوؤ�ص�صات �أم �ملمار�صون من
فنانني وكتاب وقيميني«؟
جليل �لإنتاجية �ملنح موؤ�ص�صات ند�ء تز�يد ٢٠11 يناير ثورة بعد
�ل�صباب يف م�صر عن تو�فر �لعديد من �لفر�ش لإنتاج �مل�صاريع �لفنية،
�أر�ش �لو�قع ��صتطاعت يف خ�صم �لتطور �لتكنولوجي �ملوجود على
يف لن�ش« »ليديا �أي�صا �مل�صهورة و�ملغنية »مادونا« �مل�صهورة �ملغنية
ثمانينيات �لقرن �ملا�صي �أن توجها م�صار فن �لفيديو �إىل طريق �آخر
عري) غري �لذي كان عليه من قبل، وقد تردد بر�أ�صي (�لفيديو �ل�ص
ام �أن يقدم �صيئا جديد� يف د�ئما �صوؤ�ل جوهري: »هل ي�صتطيع �لر�ص
� رد �أجد مل و�لعك�ش؟«. �لأ�صنان طب �أو �ملعمارية �لهند�صة جمال
لهذ�، لأنه د�ئما ما كان �لأمر ن�صبيا بني �لبع�ش، ولي�صت هناك قاعدة
ن�صتطيع تطبيق وتفعيل �لأمور من خاللها. ولكن �صوف �أتطرق �إىل
عدة نقاط تتجول بر�أ�صي معنية بامل�صهد �لفني يف م�صر وتخ�ش ثالثة
�أطر�ف: »�لفنان - �ملنتج للعملية �لفنية - �ملنتج �لفني«.
هل ن�صتطيع �لقول �إن هذ� �لفنان �خلز�ف وذ�ك �لفنان �لر�صام وهذ�
�أي�صا �لـ...، فمن �لغريب على م�صامعي �أن ي�صنف �لفنان تبعا ل�صم
�خلامة �لتي يعمل بها، �أو �لطريقة؛ فالفنان هو �لذي يعمل باحلقل
�لفني، فلماذ� يتخذ هذ� �لنوع منهم دور� �آخر وهو دور �لتقني �لذي
�لفخارية؟ �أو�ين �لطهي �لذي ي�صنع يعمل بحرفة ما مثل �خلز�ف
هذ� دور، وذ�ك دور �آخر. ولكن �أين كانت �لبد�ية �لتي جعلت �لفنان
�ملرحلة من �لطالب ينتهي عندما �مل�صمى؟ هذ� نف�صه على يطلق
�لثانوية ويرغب يف دخول �إحدى كليات �لفنون �حلكومية يتم �ختباره
مبا ي�صمى �متحان �لقدر�ت، و�لو�قع �أنه لي�ش ��صما على م�صمى؛ لأن
�لمتحان ياأتي عبارة عن �صقني: �لأول هو �متحان �لقدرة على �لر�صم،
و�لثاين يت�صمن بع�ش �لأ�صئلة �ملقالية عن تاريخ �لفنانني �مل�صريني
وقت ثورة يوليو 19٥٢م وما قبلها، وهذه هي �ملرحلة �لأوىل.
على �ملبنية �لكلية، يف �لدر��صة مرحلة فهي �لثانية �ملرحلة �أما
نظام �لتخ�ص�صات، �إما �لر�صم و�إما �لت�صوير �لزيتي و�إما �لنحت...
بة �لتي حتكي تاريخ �لفن من خالل بالإ�صافة �إىل �ملو�د �لنظرية �ملعر
�صبيل وعلى تخ�ص�صاتهم. ح�صب على للفنانني �ملرتجمني ت�صنيف
له »�أندي و�رهول« �أن �لكلية �لدر��صة يف �أثناء ن�صمع يف �ملثال: مل
�لكثري و�لكثري من �لأعمال �لفنية بتقنية �لفيديو، ولكن ما در�صناه
يخ�ش بع�ش �أعماله بال�صا�صة �حلريرية.
�ملعار�ش و�مل�صابقات و�ملنح �ملقدمة من قبل �لثالثة تخ�ش و�ملرحلة
�لدولة، و�لتي ي�صتطيع �لفنان �لتو�جد من خاللها ب�صكل حملي، مثل:
�صيوة، مر��صم منحة �لقومي، �ملعر�ش �ل�صباب، �صالون »م�صابقة
للنحت، �أ�صو�ن �صمبوزيوم �لفخار، ملتقى �لأق�صر، مر��صم منحة
للفوتوغر�فيا«. وناأخذ منها »م�صابقة �صالون �لنيل م�صابقة �صالون
فر�صت �رتبطت بالئحة ن�صاأتها �لعر�ش: منذ �صبيل �ل�صباب« على
على �لفنانني؛ وهي قبول �لأعمال �لتي تندرج حتت قائمة �ملجالت
�لنحت �لفر�غ - �لتجهيز يف �لت�صوير - »�لر�صم و�حلفر - �لآتية:
�لبريفورمان�ش« وما دون ذلك فموقفه �مليديا - - �خلزف - فنون
�لفني غري مفهوم.
و�ملرحلة �لر�بعة هي مرحلة حرجة، تتعلق بفكرة �حتياج �ل�صوق �لفني
و�ملقتني لنوع ما من �لأعمال �لفنية، وهذ� يجعل �صاحب �جلالريي
�أو �لو�صيط يطلب من �لفنان �أن يلبي �لند�ء، وهذ� �أمر ن�صبي يختلف
�لف�صل فيه من �صخ�ش لآخر، �صوف نتناوله لحقا.
�لنز�ع فكرة ظهور يبد�أ بالر�بعة، مرور� �لثالثة �ملرحلة بد�ية مع
�لفكري و�ملذهبي بني �ل�صالف ذكرهم، ونوع �آخر وهم من مل يدر�صو�
�آخر ب�صوؤ�ل مهتمون �لفنون �حلكومية، وحتديد� من هم كليات يف
يخ�ش طبيعة �لفن �لآن و�ل�صورة �مل�صتقبلية �لتي �صوف ي�صل �إليها.
لذ� دعنا نطرح �صوؤ�ل يخ�ش ماهية �ل�صورة �مل�صتقبلية �لتي �صوف
ي�صل �إليها �مل�صهد �لفني يف م�صر يف ظل �ملعطيات �حلالية، وماذ�
�لتفكري يف ن�صتطيع لن ولكن تطورها؟ �أو تغريها حالة يحدث يف
ذلك من دون �لرجوع �إىل �لو�قع و�لطالع عليه، فهل �صمع �أحدكم من
قبل عن مقولة »�لفن ر�صالة«؟ ماذ� تعني هذه �ملقولة؟ رمبا ل تعترب
ولكن �صريطة عدة �أ�ص�ش مت فر�صها للفوز بتلك �ملنح، ومعظمها كان
يخ�ش عالقة �لفنان بالعمل �ملجتمعي و�لتنمية �لبيئية، وهذ� �لأمر
�أن يحرتف كتابة �ملقرتح �خلا�ش �إما �أخرى: �لفنان يف حرية و�صع
عمله لبناء �لرئي�صية �أفكاره عن كثري� �أو قليال ويحيد منحة بكل
�لفني، و�إما �أن يلجاأ للجهود �لذ�تية ل�صياغة ما يريد. وقد �صاهدنا
يف �لأعو�م �ملا�صية كثري� من �مل�صاريع �لفنية حتمل م�صامني مت�صابهة
مع �ختالف جودتها؛ فدور �ملوؤ�ص�صة هنا كاملنتج، و�ملانح �لوحيد لإنتاج
�لعمل �لفني هو �ملحرك �لرئي�صي ل�صكل �مل�صهد �لفني. ولكن يبقى
هناك �آخر، م�صريه معلق، لعدم تطابق م�صروعه �لفني بتلك �لأ�ص�ش
�لفني �مل�صهد من �لناقدين لغياب و�أي�صا �ملنتجون، يفر�صها �لتي
�مل�صابقات نوع من �إىل �لفني �مل�صهد يحتاج �أي�صا يف م�صر، ورمبا
ذلك: بتنظيم �لقيام على �لقدرة لديه من ولكن �لفنية، و�لعرو�ش
»�لأفر�د �أم �ملوؤ�ص�صات �لفنية �خلا�صة«؟ وهل ت�صتطيع تلك �لظاهرة
بريوقر�طية من بدل �لفنية �ل�صاحة على جدد� فنانني تفر�ش �أن
ومعر�ش م�صابقة وحتديد� �ل�صابق، يف متمثلة �حلكومي �لقطاع
�صالون �ل�صباب؟
بفكرة �لفنانني معظم بهو�ش تتعلق �صاكلة تاأتي �آخر �صعيد وعلى
�ل�صنو�ت �إن حيث �لهدف، لهذ� �لإعد�د ومر�حل �لتاريخ، دخول
�لأخرية �أي�صا �أجنبت �لتبا�صا يف �لو�صط �لفني نتيجة لت�صنيف بع�ش
�لأعمال �لفنية �لتي تخ�ش �لأحد�ث �جلارية على �أنها تطور لتاريخ
�لإن�صان، و�صنفت �أخرى على �أنها تطور لتاريخ �لفنون �لب�صرية. فمن
له �لدور �حلقيقي لكي يقر ذلك: »�لفنان �أم �لناقد �أم ...«؟ جميعنا
عا�صر �لأحد�ث �ل�صيا�صية �لأخرية �لتي مرت بها �لبالد، ولكن هل
�صمع كل منا عن بائع �لأعالم �لذي كان يتو�جد يف ميد�ن �لتحرير
ليبيع علم م�صر، ويتو�جد �أي�صا يف ميد�ن ر�بعة �لعدوية ليبيع علم
ر�بعة؟ هل هذ� �لرجل �صاحب هدف ما و��صح لالآخر؟ هل �لفنان
�أي�صا ي�صتطيع �أن يحمل هدفا و��صحا لالآخر؟
ظاهرة ��صتوقفتني فقد ذ�ته �أمام �لفنان و�صوح �إ�صكالية عن �أما
جوهرية �أدت �إىل حدوث عدة مناق�صات مع بع�ش �ملعنيني باحلركة
�لفنية �أل وهي �لطموح �لفني، وكيف ي�صتطيع �لفنان تروي�صه و�لعك�ش،
فكان �ملثري �أمامي ثالثة �أنو�ع، �أقلهم من حيث �لندرة �أولهما وثالثهما
على �لتو�يل، �لفنان �مل�صرد �جتماعيا، و�لفنان �مللتزم مهنيا، و�لثنان
تتغري �لفكري مل�صروعهم �إيجاد معطيات على �لقدرة لديهما غالبا
باختالف �ملحيط. ولكن هناك �صمات و��صحة تت�صم بها �ل�صخ�صية
�لت�صرد �لجتماعي ملن هم تندر فيها فكرة نعرفها جميعا �مل�صرية
�لذكوري، �ملجتمع عليها �صريبة ي�صاف ولكن �لفني، �مل�صهد د�خل
�لفني باحلقل يعمل �لذي �لفنان يجعل �لجتماعي، مما كاللتز�م
مطالبا بو�جبات ل ي�صتطيع �لهروب منها �إل بحلول جذرية، فال�صوؤ�ل
د�ئما هنا هو �لبحث عن �ملادة كمحرك �أ�صا�صي للجانب �لجتماعي
للفنان وخ�صو�صا يف �ل�صنو�ت �لأخرية ملرور �لبالد بع�صر مادي. لذ�
�لفنية �ملنتجات يف متفاوتة ب�صورة ت�صمع د�خلية �صرخات تولدت
جمملها يخ�ش �لبحث عن �جلزء �ملادي �أو �لعائد �مللمو�ش من ور�ء
�ملنتجات �لفنية، وهنا ي�صعب �لأمر على �لفنان �أن ي�صل �إىل �ملرحلة
�لق�صوى من �لتفكري يف م�صروعه �لفكري من دون �أن يهتم �إىل ر�أي
�ملادية وهذ� هو �لعرو�ش ينتظر �أن �أو �جتماعيا، �مل�صرد كما �أحد
�لنوع �لثاين.
اأحمد �صوقي
٢٠14/9/1٦
فنان وكاتب وخمرج. ولد يف �لإ�صماعيلية عام 1989. �أكمل در��صته
�جلامعية يف كلية �لرتبية �لفنية يف �لقاهرة جامعة حلو�ن ٢٠11.
تـم إنـتـاج هـذا العـمـلبمنحة من املورد الثقايف
صورة الغالف من تصوير محمد عبد الكريممن استوديو شـــــــــــــــــــــــــــامبليون
8
تنـســـــــــــــــــــــــــيقمحـمد عبد الكريمتصـــــميم جرافـيكيعمرو الكفــــــراويتصـــــــحيح لغــــــوياسـامة الصـــــاوي
أجوبة منطقية ألســــــئلة غري منطقية )بائع األعالم(